صفحات الرأي

مقالات تناولت رأي سيمور هيرش باستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في الغوطة

 

 

 

ثلاث ملاحظات على مقاربات سيمورهيرش وروبرت فيسك/ ياسين الحاج صالح

على مستوى المقاربة وأدوات التفكير، لا جديد في ما كتبه سيمور هيرش أخيراً من أن «متمردين» سوريين، بتخطيط تركي، هم من استخدموا السلاح الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية في آب (أغسطس) 2013: http://www.lrb.co.uk/v36/n08/seymour-m-hersh/the-red-line-and-the-rat-line

وفي مساندة روبرت فيسك له بعد حين:

http://www.independent.co.uk/voices/comment/has-recep-tayyip-erdogan-gone-from-model-middle-east-strongman-to-tinpot-dictator-9252366.html

ربما يشغل الرجلان مواقع انشقاقية في منابر الإعلام الناطقة بالانكليزية، لكنهما حيال سورية «أبيضان»، متمركزان جداً حول الغرب وسردياته وخطاباته، وإن من مواقع مشكك فيها، ما يجعل سورية غير مرئية، وما يجري فيها غير مهم. مقاربتهما للشأن السوري إما منشغلة بطوائف أبدية منخرطة في تنازع أبدي، أو مشدودة إلى تحليلات جيوسياسة لا تاريخية، وهو ما يسدل ستاراً إضافياً من الظلام على السوريين. هذا يناسب بشار الأسد تماماً، وهو قاتل عام وملياردير جشع، و «أبيض» في عين كثيرين في الغرب.

هنا ثلاث ملاحظات على مقاربة الصحافيين الشهيرين.

لن يعرف قارئ يعتمد في معلوماته عن سورية على سيمور هيرش وروبرت فيسك شيئاً عن أن النظام الأسدي استخدم السلاح الكيماوي مرات قبل المجزرة الكيماوية في الغوطة في 21 آب 2013. كنت شاهدت شخصياً ضحايا استخدام الغازات السامة مرتين في الغوطة الشرقية نفسها: في جوبر في نيسان (إبريل):

http://therepublicgs.net/2013/04/30/injuries-by-chemical-weapons-in-eastern-ghuta/، و http://www.vdc-sy.info/index.php/en/reports/chemicaljobar#.U0qk7FWSwlg

وفي حرستا في أيار (مايو) 2013. في التداول فقط كلام على هجمة غامضة جرت في خان العسل من ضواحي حلب في آذار (مارس) 2013، تنسبها جهات موالية للنظام وحليفة له إلى مقاتلين معارضين من دون دليل، بينما يسدل ستار من الصمت المطبق على عشرات الهجمات الأخرى في مناطق جوبر وحرستا والغوطة الشرقية والغربية وغيرها.

يجرى تصوير الأمور كما لو أن المذبحة الكيماوية في آب أول حدث من نوعه. هذا غير صحيح، ولا يعقل أن فيسك وهيرش وأضرابهما لا يعرفون شيئاً عن ذلك. خط أوباما الأحمر جاء بعد رصد الأميركيين تحركات للسلاح الكيماوي الأسدي وليس قبله، وبعد الكثير من الهجمات الموضعية بهذا السلاح. تجاهل سوابق مذبحة آب 2013 هو الملاحظة الأولى على عمل هيرش وفيسك.

الملاحظة الثانية أن عالم الصحافيين الشهيرين هو حصراً «الهاي بوليتكس»: البيت الأبيض والمخابرات الأميركية والحكومة البريطانية ورجب طيب أردوغان وأمير قطر ونظام إيران، وطبعاً بشار الأسد… والجهاديون. لا شيء إطلاقاً من عالم الناس العاديين في مقالات فيسك الكثيرة (أو في عمل المرحوم باتريك سيل عن سورية). فيسك الذي كان يُقرِّع صحافيين أميركيين كانوا يرافقون قوات احتلال العراق في 2003 استطاع مرافقة دبابات النظام الأسدي في آب 2012 وهي تقتحم داريا، وتقتل أكثر من 500 من سكانها، ليشهد، خلاف ما يقوله سكان البلدة نفسها، بأن مقاتلي الجيش الحر، وهم محليون من داريا نفسها، هم من قتلوا السكان

http://www.independent.co.uk/voices/commentators/fisk/robert-fisk-inside-daraya–how-a-failed-prisoner-swap-turned-into-a-massacre-8084727.html.

آب 2012 هو الشهر الذي وثّقت فيه هيومان رايتس ووتش عشر هجمات بالطيران على طوابير الخبز في مناطق حلب http://www.hrw.org/ar/news/2012/08/30، هل يستطيع القارئ المهتم معرفة شيء عن ذلك من مقالات فيسك؟ ولا كلمة واحدة. الرجل يزور في الفترة نفسها أحد المقرات الأمنية في دمشق، ليرحب به ضابط مخابرات هناك (من؟ جميل حسن؟ أم علي مملوك؟ أم ربما حافظ مخلوف؟)، ويتركه يلتقي منفرداً مع أربعة معتقلين جهاديين، بينهم أجنبيان، يبلغه أحدهم أنه تلقى زيارات من ذويه:

http://www.independent.co.uk/voices/commentators/fisk/robert-fisk-syrias-road-from-jihad-to-prison-8100749.html

كسوري قضى وقتاً لا بأس به في سجون النظام، أجد مقالات فيسك هذه كاذبة إلى أقصى حد، تجمّل بلا خجل أقبح أداوت القتل في نظام قبيح.

لن نجد عند فيسك أي محاولة للاتصال بعموم الناس في غوطة دمشق الشرقية، وسؤالهم عما يحتمل أنه حصل لهم بعد عام من مذبحة درايا. وإذا كان في مقدوره أن يدخل حتى إلى معاقل الموت المخابراتية، فقد كان ميسوراً له أن يقنع أصدقاءه في النظام الأسدي، بثينة شعبان مثلاً، بأن يسهلوا دخوله إلى الغوطة ليقابل الناس هناك، ويصغي إليهم، ربما يسمع همسات بأن أحداً ما غير النظام هو من استخدم السلاح الكيماوي، فقتل 1466 شخصاً، فوق 400 منهم أطفال. بل هو ليس حتى مضطراً لهذه المجازفة. كان يمكنه أن يحاول الاتصال ببعض الناشطين في المنطقة وسؤالهم عن أوضاعهم فيها، وعما يقوله الناس ويقدرونه.

الواقع أن التجاهل التام لمصادر المعلومات والتفكير المحلية يقول أشياء كثيرة عن يساريين وليبراليين غربيين، مكتفين بعلمهم الخاص، ومتمركزين جداً حول سردياتهم وخطاباتهم الغربية، من وراء قناع «المهنية». هذا الضرب من الظلامية الراضية عن نفسها لا يسجل أي فرق عن ظلامية الجهاديين، واكتفائهم بعلمهم القديم المستقر.

الملاحظة الثالثة أننا لن نعلم من الرجلين شيئاً مهماً عن تكوين النظام وتاريخه، أو حتى عن سياسته أثناء «التمرد». لن نعرف مثلاً أن النظام منهمك في قتل محكوميه منذ 3 سنوات، وأنه استخدم الطيران الحربي والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود في هذه المهمة، وأنه دعا أجانب من لبنان وإيران والعراق وتركيا لمشاركته وليمة قتل محكوميه المتمردين، وأن هناك صناعة قتل مزدهرة في مقرّاته الأمنية التي كان فيسك زائراً مرحباً به لبعضها. قبل شهور قليلة، ذكر الرجل شيئاً عن الضحايا الـ11 ألفاً لصناعة الموت الأسدية بطريقة تعطي فكرة عن نوع الضمير الذي يملكه. تكلم على أن مصير سورية سيكون كئيباً لو وقعت بيد المتمردين، وعلى توقيت كشف صور الضحايا قبل وقت قصير من مؤتمر جنيف 2، وعلى قطر التي تكره أسرتها الحاكمة بشار الأسد من أعماق قلبها. وعلى هذا النحو أغرق واقعة قتل 11 ألفاً في تفاصيل كثيرة، ليقول أيضاً إنه لن يكون لقتلهم تأثير في مصير نظام أفلت من العقاب بعد أن قتل 20 ألفاً في حماه في جيل سابق: http://www.independent.co.uk/voices/comment/syria-report-one-is-reminded-of-nazi-germany-9075743.html

وهو في هذا يعطي الانطباع بأن هؤلاء الـ11 ألفاً هم كل ضحايا النظام هذه المرة، أو أن العشرين ألفاً هم كل ضحاياه في جيل سبق. في واقع الأمر، يفوق عدد الضحايا هذه المرة الـ11 ألفاً بأكثر من 11 ضعفاً، وفي الجيل السابق ربما يكون سقط ضعف عدد العشرين ألفاً، واعتقل وعذب عشرات الألوف، وأُذل الجميع.

هل يتعفف نظام هذا حاله عن قصف محكوميه بالسلاح الكيماوي؟ هل إن قاتلاً جماعياً ورث حكم «الجمهورية» عن أبيه القاتل الجماعي أقل نجاحاً في تدمير بلده حتى يتآمر عليه أي كان لتحقيق هذا الغرض بالذات؟ هل إن من كان يلعب مع القاعدة في العراق، ومع فتح الإسلام في لبنان، وفي سورية ذاتها، هو فجأة ضحية للقاعدة اليوم؟ إغفال السوابق والتاريخ، تجاهل عموم السوريين ومعلوماتهم وتفكيرهم، والصمت على تكوين النظام وممارساته، ليست أشياء وليدة جهل عند صحافيين شهيرين، بل الوجه الآخر لتعالٍ عنصري على عامة السوريين.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

إنجازات وفضائح “سيمور هيرش”/ ديانا مقلد

يفترض حسن التقدير أنه حين يكتب الصحافي الاستقصائي والكاتب الأميركي «سيمور هيرش» مقالا يتهم فيه المخابرات التركية بالضلوع في الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في سوريا الصيف الماضي أنه علينا التوقف مليا وإعادة النظر في الاتهامات السابقة التي وجهت إلى النظام السوري بالتورط في الجريمة.

فالمنطق العقلاني لقياس الأمور يقضي بأن هذا الصحافي له سجل حافل، فهو سبق أن كشف أواخر الستينات تورط عناصر من الجيش الأميركي في مجازر في فيتنام، كما كتب عن الفضيحة الأشهر في تاريخ الرؤساء الأميركيين «ووترغيت» وقبل عشرة أعوام كان وراء فضح تعذيب جنود أميركيين لموقوفين عراقيين في سجن «أبو غريب».

أليس هذا التسلسل في الإنجازات هو ما استند له كل من احتفى بما كتبه «هيرش» بشأن الكيماوي السوري! وها هو الإعلام الممانع حوّل مقال «هيرش» بهذا الشأن إلى احتفالية. يكفي أن نبحث عن اسم «سيمور هيرش» مثلا عبر «تويتر» مثلا لنجد تغريدات كثيرة لمقاله عن الكيماوي السوري وقد أرفق بجملة سريعة بأن الرجل سبق أن كشف «أبو غريب» ومجزرة «ماي لي» في فيتنام. والإضافة السريعة في هذه التغريدات كافية لإقناع كثيرين بأن من قتل السوريين في الغوطة هم المخابرات التركية وليس النظام السوري فلا حاجة للتدقيق في مقال الرجل إذن..

لكن التدقيق في حالة «سيمور هيرش» تحديدا بات ملحا وأي تبن لمقاله الأخير من دون تمعن، فيه قفز عن حقائق يرغب البعض أن يهرب منها. نعم لـ«هيرش» أكثر من سبق صحافي أكسبه جوائز عالمية لكن هذه ليست الحقيقة الوحيدة عن الرجل. فالاستناد إلى مصداقية ما يقول يقتضي أيضا الانتباه إلى سجله الآخر من الإخفاقات وهو للحقيقة لا يقل أهمية عن إنجازاته.

«سيمور هيرش» كتب في عام 1974 أن السفير الأميركي لدى تشيلي متورط في انقلاب هناك وهو ما اعتذر عن عدم صحته بعد سنوات، وهو كتب كتابا عن الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي حوى الكثير من المغالطات مستندا إلى مصدر محدد لم يثبت أي منها وليعود «هيرش» نفسه وبعد سنوات ليصف مصدره بأنه كاذب. «هيرش» قال في عام 2004 إن لديه معلومات موثقة أن إدارة الرئيس جورج بوش ستشن حربا على إيران وتبين أن ذلك غير صحيح، وقال أيضا إنه خلال الاحتلال الأميركي للعراق اختفى مليار دولار وقال إن محطة تلفزيونية هددت بالإغلاق لأنها وضعت أسئلة محرجة للسيدة الأولى آنذاك لارا بوش، وهي أمور لم تثبت. لقد كتب هيرش وقال الكثير في حياته الحافلة التي تأرجحت ما بين الصعود والتراجع وذلك شأن كثيرين..

وللحقيقة، فإن من يرغب في تقصي إنجازات الرجل سيجد كثيرا منها ومن يبحث عن إخفاقاته فلن يعود خائبا للأسف وهذا أمر ضروري لحظه حين نقرأ مقالته الأخيرة حول الكيماوي السوري الذي استند فيه إلى من وصفه «بمصدر مطلع» وحيد من دون تقديم أي وثيقة أو صورة أو حتى تقرير رسمي كما كان حال كشوفاته السابقة.

لقد رفضت صحف كبرى هي «الغارديان» و«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» نشر مقال «هيرش» الأخير لأنه لا يستوفي الشروط الصحافية المطلوبة كما أغفله الكثير من الإعلام الغربي فيما اقتصر الاحتفاء به على مجموعات من اليسار أغراها أن في المقال اتهاما إلى الإدارة الأميركية. بالنسبة إلى السوريين فهم ليسوا بانتظار مقال «هيرش» ليعرفوا من قتلهم بالكيماوي، فهم يعرفونه تماما لكنهم مشغولون الآن بالهرب من براميله المتفجرة..

الشرق الأوسط

 

 

 

من زود هيرش بالمعلومات؟/ سمير صالحة

كلام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الأخير، حول أنه لو كانت أنقرة تبحث عن حجة تسهل لها التدخل العسكري المباشر في ملف الأزمة السورية، لكان لها ما تريد منذ البداية، خصوصا أن النظام السوري حاول استفزازها واستدراجها إلى مواجهة من هذا النوع أكثر من مرة..

ورده على محاولات البعض لعب ورقة التنصت على تفاصيل اجتماع في الخارجية التركية ومحاولة تقديم المشهد على أن هناك رغبة تركية في الدخول إلى سوريا، بالقول إن ما كان يناقش هي خيارات التعامل مع أي اعتداء يستهدف «ضريح تربة سليمان شاه» التي هي أرض تركية تحاصرها «داعش»، وليس البحث في طرق إعلان الحرب على دمشق..

ونفي نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينش لمزاعم الكاتب الأميركي سيمور هيرش حول وجود دور تركي في هجوم الغوطة الكيماوي الذي نفذ العام الماضي ضد المدنيين السوريين ووصفه أقوال هيرش بـ«الكذب من أساسه».

هي ليست مجرد ردود على كلام مشابه كرره هيرش نفسه في السابق، بل رسالة تعني واشنطن مباشرة، خصوصا أنها تأتي في أعقاب حديث للسفير الأميركي في أنقرة فرنسيس ريتشاردوني حول قلق أميركي من تحركات المنظمات الإرهابية والمتشددة في المناطق الحدودية مع سوريا، وهو كلام موجه لأنقرة حول وجود تنسيق مباشر مع هذه الجماعات يشمل تبادل المعلومات، وتقاسم الأدوار، وتقديم الخدمات، وهذا ما دفع هيرش لهذا القول ليس نقلا عن الإدارة الأميركية، بل عن مصادر استخباراتية دبلوماسية حماية للخيط الرفيع الذي يحمي مسار العلاقات التركية – الأميركية في الملف السوري..

واشنطن التي فشلت:

– في امتصاص غضب إردوغان الذي جاء في مايو (أيار) الماضي يطالبها بموقف أكثر حزما ووضوحا في التعامل مع القضية السورية، وفي تنفيذ وعودها والتزاماتها المقدمة حول التشدد والصرامة مع نظام الأسد، الذي تسبب في تدمير بلاده، ويسعى جاهدا لتوسيع رقعة الحرب ونقلها إلى دول الجوار السوري.

– وفي إزاحة رجب طيب إردوغان الذي يعاندها في أكثر من ملف أزمة داخلية وإقليمية، وفي مقدمتها الملف السوري رغم تحريك أو مساندة أكثر من قضية سياسية ومالية وأمنية ضده، سواء بدعم تحركات الشارع في الصيف الماضي خلال أحداث «جيزي بارك» في ميدان «تقسيم»، أو بالتنسيق المباشر مع جماعة فتح الله غولن خلال انفجار حادثة 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي في مسائل الفساد والرشى، أو بدعم مشروع إسقاطه في الانتخابات المحلية الأخيرة.. ورغم كل الدعم المعنوي الذي قدمه السفير الأميركي في أنقرة للمعارضة ومنظمات المجتمع المدني باسم الذود عن الحريات في تركيا.

– وفي التعتيم على اتصالاتها البعيدة عن الأضواء مع النظام الإيراني الجديد وأجبرت على الكشف عنها، ومد يد المصالحة العلنية والمساهمة المباشرة في منح طهران الوقت والفرص التي تحتاجها لإنجاز برنامجها النووي، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الخدمة.

– وفي إخفاء رغبتها في إطالة عمر الحرب السورية إلى أن تدمر البلاد، تماما كما حاولت أن تفعل في التعامل مع أكثر من أزمة إقليمية مشابهة، بينها التلاعب بأحلام البعض في ربيع عربي واعد، ما لبث أن حولته إلى بركان ثائر يعطيها فرصة جديدة في إعادة خلط أوراق المنطقة.

– وفي الرهان على الوعود الروسية بحل يرضيها في سوريا مقابل تجاهل التمدد الروسي في القرم وأوكرانيا، فأغضبها الوقوع في فخ أعدته هي لبوتين، الذي يبدو أنه نجح في تحييد أنقرة وإبعادها عن تفجير علاقاتها ومصالحها التجارية والحيوية معه، فتحولت إلى وليمة غداء الدب الروسي قبل أن تتعشى به.

وهي التي شجعت على تزويد سيمور هيرش بهذه المعلومات، إذا لم نشأ القول إنها هي التي قدمتها له مباشرة للانتقام من أنقرة ومن رجب طيب إردوغان تحديدا، رغم محاولات تبسيط المسألة وتقديمها على أنها تباعد في التكتيك وليس في الاستراتيجيات.

هيرش نفسه اتهم واشنطن في مطلع ديسمبر الماضي بأنها تلاعبت بمعلومات استخباراتية، وتجاهلت قدرات العناصر الجهادية في سوريا على استخدام الأسلحة الكيماوية، ثم حملت دمشق مسؤولية الهجوم. هل كان هنا ينتقد الإدارة الأميركية أم يبرر لها أسباب تراجعها عن مهاجمة نظام الأسد عسكريا بعدما قالت إن قرار تسليمه الأسلحة الكيماوية التي بحوزته هو الذي دفع باراك أوباما للتراجع عن خيار توجيه الضربة لدمشق؟ واشنطن اختارت أسلوبا آخر في التعامل مع الملف السوري، وهذا من حقها طبعا، لكن المستغرب هو تلطيها وراء ذريعة التقارب بين أنقرة والجماعات الجهادية لشن هجومها على الحكومة التركية، التي وضعت بين يدي المجتمع الدولي مئات الوثائق التي تثبت استخدام النظام السوري هذه الأسلحة الفتاكة، التي نفى الأسد امتلاكها ثم عاد وغير رأيه على مرأى ومسمع البيت الأبيض.

صدفة هي لا أكثر، أن يكون كلام دمشق وتهديداتها لأنقرة بأنها ستدفع ثمن التمسك بثعبان المنظمات الإسلامية، لإنقاذها من الغرق، لا يختلف كثيرا عن كلام واشنطن والمقربين منها حول أن تزويد وتشجيع هذه المجموعات على امتلاك السلاح الكيماوي واستخدامه، يقطع الطريق على خيارات الإدارة الأميركية في الموضوع السوري التي لم نعد نعرف عنها الكثير في هذه الآونة. وصدفة هي أيضا أن يطبل إعلام النظام وأعوانه لذبح السوريين بما وضعه هيرش بين أيديهم ليلا نهارا.

وعدتنا جماعة فتح الله غولن بحبة «الفجل الكبيرة» قريبا في مواجهتها المفتوحة مع إردوغان وحكومته.. هل تكون أقوال هيرش هي مقدمة لهذا الصوت المدوي في وجه أنقرة التي حاولت خلط أوراق اللعبة في سوريا رغما عن واشنطن معرضة مصالحها وحساباتها هناك للخطر؟

التوتر التركي – الأميركي ترجمه هيرش نيابة عن واشنطن التي تقول أيضا إن نتائج الانتخابات المحلية التركية، التي منحت إردوغان هذه الثقة والقوة الشعبية الجديدة لا تعنيها كثيرا. لكن الإدارة الأميركية تعرف أن سيناريو صعود إردوغان إلى قصر الرئاسة في شنقايا وتفعيل المادة الدستورية التي تعطيه حق تحويل شكل النظام إلى شبه رئاسي فيزيد من صلاحياته ونفوذه وإشرافه على السياستين الداخلية والخارجية، سيزيد من صعوبة إبعاد «العدالة والتنمية» عن الحكم في تركيا.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

“الجهاد” اليساري مع الأسد/ مشاري الذايدي

قبل أيام كتب المثقف السوري المعارض ياسين الحاج صالح مقالة من أهم ما كتب، عن عيوب المقاربات الإعلامية الغربية لكارثة سوريا.

أهمية ما كتبه ياسين الحاج صالح، في صحيفة «الحياة»، تأتي من كونه لم يغادر سوريا إلا متأخرا، ومن كونه صاحب اتجاه «علماني» يساري، ومن كونه صاحب معرفة مقنعة بالثقافة الغربية والعربية المعاصرة. بعد هذا كله تأتي أهمية كلماته من كونه «شاهد عيان» على حقيقة ما جرى بالشام من بشاعات بشار الأسد التي تُعجز هولاكو وتُحبط تيمورلنك.

منطلق الحاج صالح كان من نقد الكاتب الأميركي اليساري سيمور هيرش، الذي زعم – بصفاقة – أن «متمردين» سوريين، بتخطيط تركي، هم من استخدموا السلاح الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية في أغسطس (آب) 2013.

ومثله الكاتب البريطاني، اليساري أيضا، روبرت فيسك، الذي كان انحيازه الأعمى لرواية إعلام الأسد فاضحا، متجاهلا دماء وعذابات الأمهات والأطفال والشيوخ السوريين.

يعقد الأستاذ مدار جدله على أن هيرش وفيسك، وأمثالهما من عتاة اليسار الغربي، والعربي أيضا، لا يرون في سوريا إلا «الهاي بوليتكس»، أي النظرات السياسية الاستراتيجية العليا و«لعبة الأمم» وصراع القوى، على طريقة «الأستاذ» هيكل في مصر، ويصمّون آذانهم، ويستغشون ثيابهم، عن القتل والبراميل المتفجرة التي تتساقط على «المدنيين» في حلب وحمص وحماة والغوطة، وعن فظائع الشبيحة، وعن البعد الطائفي السافر المتمثل في تدفق مقاتلي الشيعة المتطوعين من كل العالم لصالح الأسد، وعددهم حسب «الواشنطن بوست» تجاوز عدد المتطوعين الأصوليين السنة، الذين مسّنا «إرهابهم» وتحدثنا وسنتحدث عنه دوما.

يغض أمثال هيرش وفيسك وهيكل النظر عن استخدام الأسد للكيماوي، ويصدقون رواية القاتل، ويكذبون رواية الضحية. فأين الانحياز «الإنساني» للضعفاء؟!

يقول كاتبنا السوري اليساري، ياسين الحاج صالح: «لا شيء إطلاقا من عالم الناس العاديين في مقالات فيسك الكثيرة (أو في عمل الراحل باتريك سيل عن سوريا). فيسك الذي كان يُقرِّع صحافيين أميركيين كانوا يرافقون قوات احتلال العراق في 2003 استطاع مرافقة دبابات النظام الأسدي في أغسطس (آب) 2012 وهي تقتحم داريا، وتقتل أكثر من 500 من سكانها، ليشهد، خلاف ما يقوله سكان البلدة نفسها، بأن مقاتلي الجيش الحر، وهم محليون من داريا نفسها، هم من قتلوا السكان».

ثم يقول بمرارة: «كسوري قضى وقتا لا بأس به في سجون النظام، أجد مقالات فيسك هذه كاذبة إلى أقصى حد، تجمّل بلا خجل أقبح أدوات القتل في نظام قبيح».

يحاول صاحبنا تفسير هذا الفجور الأخلاقي والتغافل الفاضح لمآسي السوريين العاديين من أجل لعبة «الهاي بوليتكس»، معللا هذا التجاهل المفضوح: «ليست أشياء وليدة جهل عند صحافيين شهيرين، بل الوجه الآخر لتعالٍ عنصري على عامة السوريين».

أود أن أضيف أن هذا الانحياز السافر للقاتل بشار وحلفائه من طهران للضاحية يستبطن شعورا عميقا يغرف من مياه العصور الوسطى، خصوصا في بلاد الشام وثغوره ومرافئه.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى