صفحات العالم

مقالات تناولت سقوط مدينة الرمادي وتداعياتها

 

 

العراق والفضيحة/ حازم صاغية

بعد سقوط الموصل، المدينة العراقيّة الثانية بعد بغداد، في يد تنظيم داعش، سقطت في اليد نفسها مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار الأكبر في العراق، القريبة من بغداد والتي تشكّل همزة وصل مع سوريّا.

السقوط الأوّل كان فضيحة، لكنّ السقوط الثاني كان فضيحة مزدوجة بسبب حدوثه بعد تجربة الموصل وما كان يمكن أن يشكّل دروساً يُستفاد منها تجنّباً للتكرار. وبالطبع، هذا لم يحصل. ما حصل، في المقابل، بين سقوط الموصل وسقوط الرمادي كان تحرير مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين، وما أعقبه من مهاترات داخل الجبهة التي قامت بالتحرير، كما بينها وبين من يقفون خارجها. بيد أنّ هذا التحرير الذي نفّذته أساساً ميليشيات “الحشد الشعبيّ” الشيعيّة بدا أقرب إلى الغزو والانتهاك الموسّعين، الأمر الذي أدّى، من دون شكّ، إلى تزايد التعاطف مع “داعش”، أو على الأقلّ، إلى تخفيف الحماسة والرغبة لقتالها.

غير أنّ الفضيحة تتّخذ مزيداً من الأبعاد حين نسترجع السرديّتين الطائفيّتين المتقابلتين عن سقوط الرمادي الذي لم تحل دونه الضربات الجوّيّة الموجعة التي تستهدف مقاتلي أبو بكر البغداديّ.

فالسرديّة الشيعيّة، التي تتقاطع مع سرديّة السلطة المركزيّة في بغداد، تركّز على ما تسمّيه “خيانة” العشائر السنّيّة التي تسلّم بعض ما تتلقّاه من أسلحة إلى “داعش”، كما لا تبدي مطلق ثقة بالجيش الوطنيّ، فضلاً عن رفضها الحاسم لـ “الحشد الشعبيّ”.

والسرديّة السنّيّة تؤكّد، في المقابل، على عدم تسليح العشائر السنّيّة وتركها في مواجهة “داعش”، لأنّ السلطة المركزيّة تخاف من تسليح السنّة، وهذا ما جرى اختباره سابقاً مع “الصحوات”. ثمّ إذا كان الجيش، بحسب هذه السرديّة، فئويّاً أكثر منه وطنيّاً، فإنّ “الحشد” كناية عن ميليشيات طائفيّة مناهضة للسنّة.

ومن دون الدخول في تفاصيل السرديّتين والانتصار لواحدتهما على الأخرى، يبقى الأساس تصدّع العلاقات الأهليّة الشيعيّة – السنّيّة، بل تهرّؤها، وما ينبني على ذلك من انعدام ثقة مطلق ومتبادل. وهذا شائع في سرديّات الحروب الأهليّة حيث تتقدّم كلّ واحدة من الجماعتين المتصارعتين برواية متماسكة تعكس مخاوفها وتبرّرها.

فهناك خوف سنّيّ من شيعيّة السلطة، وبالتالي من جيشها، فضلاً عن “حشدها” الذي تنمّ أعماله في تكريت عن طبيعته. وهناك خوف شيعيّ وسلطويّ من سنّيّة أهل الوسط والغرب الذين يؤثرون رابطة الطائفة والمذهب التي تجمعهم بـ “داعش” على رابطة وطنيّة متصدّعة ومجبولة بالشكوك تجمعهم بشيعة العراق.

ويستند كلّ من الخوفين إلى تاريخ يشحذ العداء ويُضعف الثقة الضعيفة أصلاً. هكذا يستلهم الشيعة سلوك السلطة حيالهم منذ سقوط صدّام حسين في 2003 وأيلولتها إلى الشيعة، لا سيّما أكثرهم تطرّفاً ممّن عبّر عنهم نوري المالكي. كذلك يستلهم الشيعة تاريخ العراق الحديث منذ نشأته في عشرينات القرن الماضي، وما نزل بهم من ظلم وغبن، بل يذهب البعض إلى الأزمنة الأقدم مستحضرين عاشوراء ومأساة الحسين.

في هذا المعنى فإنّ الفضيحة تكمن هنا، في هذه العلاقة الأهليّة وفي ما يواكبها من أفكار وتصوّرات ومشاعر خوف وعداء. وما دام الأمر على هذا النحو، فإنّ “داعش” ستبقى وتتمدّد من دون أن يستطيع أيّ قصف من الجوّ تقويم الاعوجاج الكبير على الأرض.

 

 

 

 

 

لماذا سُلِّمت الرمادي إلى “داعش”؟/ راجح الخوري

صور القوات العراقية المسرعة لمغادرة مراكزها في الرمادي، لا توحي بأنها عملية انسحاب امام تقدم تنظيم “داعش” الذي سيطر على المدينة، انها عملية فرار حقيقي فاضح ومخجل في ظل الأنباء التي تحدثت عن أرتال من الدبابات تركت في أماكنها وعن كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر تركت ليستولي عليها الإرهابيون!

هذه ليست انتكاسة للقوات العراقية كما قالت بغداد ووافقتها القول وزارة الدفاع الأميركية، هذه عملية خطيرة تدق مسماراً كبيراً في نعش العراق كدولة موحدة، وليس من المبالغة القول إن سقوط الرمادي مركز محافظة الأنبار هزيمة ثقيلة، أفدح بكثير من سقوط الموصل مركز محافظة نينوى قبل سنة تقريباً.

سقوط الموصل كان نتيجة عوامل كثيرة منها “جيش الأشباح” الذي صنعه نوري المالكي ومشاعر الكراهية المذهبية التي عمّقها من منطلق مذهبي، والأوامر المشبوهة التي طلبت يومها من وحدات الجيش الانسحاب أمام تقدم الدواعش. لكن سقوط الرمادي يأتي بعدما قيل انه تمّ تصحيح أخطاء الحكومة السابقة، وإن وحدات الجيش أعيد تدريبها على أساس مواجهة الإرهابيين، ولهذا ليس من المستغرب ان يسأل المراقبون، هل فرّت القوات من الرمادي أم أنها تلقت أوامر بالفرار ومن دون أسلحتها؟!

سقوط الموصل درس موجع كان يفترض ان يكون آخر الهزائم أمام “داعش”، والآن عندما يقول مارتن ديمبسي إن استعادة المدينة يتطلب جهداً كبيراً فهذا يذكرنا بالحديث السابق عن الحاجة الى ثلاث سنوات على الأقل لتحرير الموصل، وها هي الرمادي تسقط في حين يبدو من الواضح والفاجع أيضاً ان “الائتلاف الدولي” الذي شكّل لمحاربة الإرهابيين في العراق وسوريا لم يتمكن حتى الآن من وضع استراتيجيا لهذه الحرب ولا خطط لمعركة ناجحة.

ما هو أخطر من سقوط الموصل ومن سقوط الرمادي، الانهيار المتمادي لقواعد الوحدة الوطنية عند معظم العراقيين، والتصدّع المريع في علاقات النسيج المذهبي الذي يتشكّل منه المجتمع العراقي، فلم يعد الحديث يدور حول تقاعس الحكومة المركزية ذات الأرجحية الشيعية في تسليح العشائر السنّية في الأنبار بحجة الخوف من ان يصل السلاح الى “داعش”، بل عن عجز حكومة حيدر العبادي عن ضبط تصرفات بعض المسلحين في “الحشد الشعبي” الذي أحرق منازل السنّة واضطهد أحياء بكاملها في تكريت مثلاً وهو ما ندّد به مقتدى الصدر بقوة.

وعندما يُمنع اللاجئون السنّة الهاربون من الرمادي من دخول بغداد في نيسان الماضي وقبل يومين، بحجة انه يمكن ان تكون بينهم عناصر ارهابية من “داعش”، وعندما يحتاج العراقي الأنباري مثلاً الى كفيل ليُسمح له بدخول بغداد، فذلك يعني ان الفرز المذهبي ناشط وسريع على طريق تقسيم العراق!

 

 

 

الرمادي وخطر الانهيار الأمريكي على السعودية والأردن

رأي القدس

وصل إلى موسكو امس الاربعاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي طلبا لمساعدات عسكرية عاجلة، فيما وصلت قوات الحشد الشعبي إلى خطوط التماس في الأنبار استعدادا لبدء المعارك املا في استعادة مدينة الرمادي التي سقطت في ايدي تنظيم الدولة قبل عدة ايام. ولعل زيارة العبادي دليل جديد على مدى غضبه ويأسه في آن تجاه الفشل العسكري والاستراتيجي الامريكي في العراق.

وفي غضون ذلك تتعرض الادارة الامريكية لانتقادات واسعة مع تكشف الابعاد الحقيقية للفشل الجديد لاستراتيجية الرئيس باراك اوباما في مواجهة تنظيم «الدولة». وسخر ساسة امريكيون من استخدام اوباما كلمة «نكسة» في وصف ما حدث من انهيار امني في محافظة الانبار، وشبه احدهم هذا التصرف بوصف بريطانيا لهزيمتها الشهيرة في معركة (دانكرك) ابان الحرب العالمية الثانية بـ «الانسحاب التكتيكي».

ما لم يقله هؤلاء ان اوباما ربما استفاد من ابداعات «القاموس السياسي العربي» في انكار الهزائم، عندما استخدم تعبير (النكسة) نفسه الذي اعتمده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للتقليل من اهمية الهزيمة الكارثية امام اسرائيل في العام 1967.

اما المفاجأة التي تثير اسئلة صعبة حقا، فهي ما أعلنه معهد دراسة الحرب في واشنطن، من «أن سقوط الرمادي كان من الممكن تفاديه»، مشيرا إلى انه «لا تنظيم الدولة الإسلامية ولا تنظيم القاعدة تمكنا في السابق من السيطرة على مدينة مهمة مدافع عنها بشكل فاعل من الولايات المتحدة وقوات محلية»، ومؤكدا في تلميح واضح إلى فشل ادارة اوباما: «هذا ما يحدث عندما تتبع سياسة من اجراءات منقوصة وقيود ومواقف، في مواجهة عدو ماهر ومصمم في الميدان».

ولا يمكن ان تهمل اي قراءة استراتيجية لسقوط الرمادي، المعطيات الخطيرة الي تحملها خاصة سواء على المستويين المحلي او الاقليمي.

ولعله من المنطقي ان يتساءل المراقب العربي ان كانت واشنطن التي فشلت في حماية مدينة صغيرة لكن مهمة مثل الرمادي من السقوط، ستكون قادرة او راغبة في التورط في معارك كبرى لحماية حلفائها الخليجيين من «خطر إيراني» حسب الوعود البراقة التي قطعها اوباما على نفسه في قمة «كامب ديفيد» مؤخرا؟

اصبح جليا ان ما عرف بـ «استراتيجية اوباما» لاحتواء تنظيم «الدولة» قد اثبتت فشلها مجددا في الرمادي، بما يجعل الاستمرار في الاعتماد عليها «خيارا انتحاريا» ينذر بسقوط بغداد نفسها، ثم تفتيت العراق إلى اقاليم او كانتونات تحكمها ميليشيات: البيشمركة، وتنظيم «الدولة» والحشد الشعبي، وغيرها.

وهكذا يسقط العراق في واقع متفجر قد تتضاءل امامه ما شهدته يوغوسلافيا من مجازر في التسعينيات من القرن الماضي، مع فارق اساسي انه لا يوجد (اتحاد عربي) سيبادر بالتدخل لاطفاء الحريق، كما فعل الاتحاد الاوروبي بالتعاون مع الولايات المتحدة حينئذ بعد ان تحولت البوسنة إلى حمام دم.

اما على المستوى الاقليمي، فان سقوط الانبار يفتح جبهة واسعة لتنظيم «الدولة» على الحدود السعودية والاردنية في تهديد مباشر وغير مسبوق لامن هذين البلدين، وخاصة بالنظر إلى ما يزعمه البعض من وجود حاضنة شعبية للتنظيم في بعض المناطق القبلية هناك.

ولايمكن لاي قراءة منصفة لكارثة سقوط الرمادي ان تنكر ان العرب يدفعون اليوم ثمنا لجريمة امريكية مزدوجة في العراق: غزو ادارة بوش الاجرامي، ثم الانسحاب غير المنظم الذي هو اقرب للهروب لادارة اوباما منه، قبل ان تشكل جيشا وطنيا حقيقيا قادرا على توفير الامن للعراقيين جميعا دون تمييز، تعويضا عن الجيش الذي قامت بحله في اعقاب الغزو. ولولا هذه الجرائم الامريكية لما ظهرت في العراق رايات سوداء او تنظيمات إرهابية او ميليشيات طائفية اختفت معها آخر ملامح الدولة او تكاد.

أما الانهيار الامريكي في الاقليم، والذي اصبحت الرمادي احدث عنوان له، فانه يحمل في طياته انصهارا سريعا للاوهام التي بنى العرب عليها استراتيجية الدفاع عن امنهم الاقليمي لعقود طويلة، ما قد يجعل العراق اول البلاد العربية التي يجري تقسيمها، لكن ليس آخرها.

 

 

 

قضية الأنبار والموقف العربي/ فارس الخطاب

استطاعت قوى تنظيم الدولة الإسلامية التفوق في التخطيط والتنفيذ في مجمل معاركها في الأراضي العراقية، بدءاً من معركة الموصل في يونيو/حزيران 2014، وانتهاء بمعركة الرمادي وما حولها، مروراً بمعارك بيجي وحديثة وهيت وحزام بغداد وغيرها. وقد تقدم نفوذ قوات هذا التنظيم، وهيمنت على ثلث مساحة العراق حالياً، واقترابها، بشكل لافت، إلى محيط بغداد، ثم سيطرت، بشكل كامل تقريباً، على محافظتي نينوى والأنبار اللتين تمثلان ثقلاً جيوسياسيّاً للعراق، وبوابة حدوده الشمالية والغربية والجنوبية مع تركيا وسورية والأردن والسعودية، فبلغ القلق الرسمي العراقي حد التوتر وفقدان السيطرة على الموقفين، العسكري والأمني، وحتى السياسي، فلم تجد حكومة حيدر العبادي سوى الحليف الفعلي والعقائدي المخلص، إيران، والحليف الاستراتيجي القوي، الولايات المتحدة، لتستنجد بهما رسمياً. وبناءً على مصالح هاتين الدولتين، تفاعلت قيادات رسمية سياسية وعسكرية، بسرعة، مع الأحداث التي أفرزتها عملية سيطرة تنظيم الدولة على الرمادي، وفرار الجيش العراقي منها بشكل لافت ومخزٍ، فكانت زيارة وزير الدفاع الإيراني بغداد، ثم تصريح مستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، إن بلاده مستعدة للتدخل ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حال طلبت الحكومة العراقية رسمياً ذلك، أما واشنطن فأرسلت قائد القيادة الوسطى للقوات الأميركية، الجنرال لويد أوستن، ليلتقي العبادي ووزير دفاعه، خالد العبيدي، ويعرض مساعدة بلاده في تقديم الدعم الجوي الكامل لطرد تنظيم الدولة من الرمادي .

وأفرزت (إنجازات) تنظيم الدولة على الأرض في محافظة الأنبار مواقف رسمية وغير رسمية، محلية وأميركية، بضرورة إدخال قوات (الحشد الشعبي) قوة ضاربة لمحاربة قوات تنظيم الدولة، باعتبارها قوة (عقائدية) ولامتلاكها أسلحة نوعية وحديثة، لا يمتلكها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية (!). واستغلالاً للفرصة، اشترط قادة الحشد أن تكون مشاركتهم في عمليات الرمادي وسواها بموافقة وتفويض من مجلس النواب، وهو مطلب يتقاطع وموقف أهالي الأنبار من (الحشد الشعبي)، كما يتجاهل هذا القرار فظائع ارتكبتها المليشيات التي يتشكل منها هذا التنظيم الموالي، في أغلبية مليشياته، لإيران، في تكريت وديالى، وسواهما من المدن التي تمت له السيطرة عليها.

“بغداد عاصمة العرب، ولا يجب أن يتركها العرب لتكون عاصمة الإمبراطورية الإيرانية المزعومة”

هناك أمور غريبة تجري في العراق، أطرافها الرئيسة الآن، الولايات المتحدة وإيران والحشد الشعبي وتنظيم الدولة الإسلامية، والقوى السياسية الموجودة في حكم العراق رسمياً، إضافة إلى إدارة إقليم كردستان العراق، بشكل أو بآخر. ولعل، من اللافت، أن لا يكون للعرب موقف مما يجري في هذا البلد المحوري والمهم جداً، استراتيجياً وتعبوياً، على المستوى الإقليمي، فهل يتجاهل العرب المشهد العراقي؟ وهل قرروا تركه غنيمة لواشنطن وطهران، يتفاهمون فيه على توزيع مصالحهم أو يختلفون عليها؟ ثم أليس للعرب، وعرب الإقليم على أقل تقدير أن يستغلوا الفرصة، فيكون لهم وجود وفعل في تداعيات المشهد العراقي؟

أسئلة كثيرة يمكن أن يثيرها موضوع العراق وتدهور أوضاعه، ثم إن تغافل العرب عن استثمار هذا التدهور لصالح تأمين مستقبل بلادهم ومستقبل المنطقة يعني القبول بالأمر، وكأنه قدر يجب القبول بخيره وشره، فيما تضع طهران كل ثقلها، للحفاظ على النظام القائم والموالي لها فيه، أولاً، ثم التمدد فيه، من أجل وأد أي محاولة لإرجاع العراق إلى ما كان عليه، قوة عربية رئيسية مهمة، تناكف، بشكل متوازن، المشاريع الإيرانية وسواها في الإقليم.

قادة الدول العربية التي نجحت في تشكيل قوة “عاصفة الحزم”، بالشكل الذي أبهر كثيرين، تنظيماً وبأسا، يجب أن يفكروا جديا في أن يطرحوا نفسهم قوة مهمة وفاعلة، يمكن أن تساعد العراق في محاربة تنظيم الدولة. نعم، ألا يمل الحكم في بغداد من ترديد ترحيبه “بأي مساعدة وسلاح يأتينا من أي طرف”، ولا أطراف هنا سوى إيران، أولاً، ثم الدعم الجوي الأميركي ثانياً.

إذا أردنا أن ندخل العراق من بوابة تنظيم الدولة الإسلامية، كما تفعل طهران، يجب أن نفكّر جدياً في تقديم هذا العرض المدروس جيداً، ليكّون العرب رقماً رئيساً وصعباً في المعادلة العراقية، ثم ليحدّوا من ذرائع الحكومة العراقية، بشأن الحاجة لقوى تمنع تنظيم الدولة من وصول بغداد والسيطرة عليها، بعد تمكّنه من المناطق المحيطة بها، كما (وهو الأهم) ستشكل عروض عربية من هذا النوع عناصر قوة ودعم للقوى العراقية المناهضة للمشروع الإيراني، وستكون امتداداً طبيعياً للقوى العربية على الأرض.

وبغض النظر عن مواقف بعض دول الإقليم، خصوصاً في مجلس التعاون الخليجي، بشأن أسلوب التعامل مع الملف العراقي، لأسباب عديدة، فإن أمام العرب خيار رئيسي واحد للتعامل مع العراق، في هذه المرحلة الحساسة جداً، يتمثل في توحيد المواقف، ثم التقدم، رسميّاً، للحكومة العراقية بعرض المساعدة العسكرية لمحاربة تنظيم الدولة، ولإيقاف غير العرب من التدخل في الشأن العربي، على أن تكون هناك قيادة عمليات مشتركة مقرها بغداد، لأن بغداد عاصمة العرب، ولا يجب أن يتركها العرب لتكون عاصمة الإمبراطورية الإيرانية المزعومة.

العربي الجديد

 

 

حسناً.. ماذا بعد سقوط «الرمادي»؟/ محمد خروب

خرج الرئيس الاميركي باراك حسين اوباما عن صمته، معلناً تأييده تسليح عشائر الانبار، في الوقت ذاته الذي قدّم فيه الدعم لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في وقت يعزز فيه داعش سيطرته على المدينة الاستراتيجية التي استطاع ان يجتاحها في وقت قياسي، رغم كل ما قيل عن استعداد عسكري وضربات موجعة وجهتها طائرات التحالف لجحافله التي كانت تتجمع بأعداد مهولة في المحاور التي ستُقَطِعْ من خلالها اوصال المدينة وصولاً الى مجمع الدوائر الحكومية، ولا يبدو ان تلك «الغارات» الجوية كانت فاعلة، بافتراض انها حقيقية وجدية، ما يستدعي التساؤل عن السرّ الذي يقف خلف هذا السقوط المدوي لمدينة استراتيجية باستطاعة من يسيطر عليها ان يُهدِد العاصمة بغداد وان يبسط هيمنته على قاعدة الحبّانية الجوية والاشهر في تاريخ الانقلابات العراقية المعروفة، ودائماً في الإبقاء على خيوط التواصل والامداد بين المناطق الغربية العراقية وتلك التي يسيطر عليها داعش في سوريا وبخاصة الرقة ودير الزور، ما يُسهم ليس فقط في اتساع المساحة الجغرافية التي باتت لـ (الدولة الاسلامية) في العراق وبلاد الشام بل وايضاً في الإبقاء على قدراتها العسكرية واتساع هوامش مناورتها ما يستلزم المزيد من القوات والطائرات ومعدات التجسس والمراقبة التي يتوجب على التحالف الدولي المزعوم ان يوفرها لمواجهة هذا التضخم في قدرات وامكانات وموارد داعش.

اللافت في سقوط الرمادي هو الكيفية او السهولة التي استطاع فيها داعش ان يجتاح المدينة بعد تهديدات متواصلة وحشود لم تتوقف وهجمات تزداد شراسة، الى ان نجح في تقويض قدرات المدافعين عن المدينة من جيش ومتطوعين وسط جدل لم ينتهِ عن مخاطر مشاركة قوات الحشد الشعبي (المحسوبة على تيارات واحزاب شيعية)، في الدفاع عن المدينة بين مؤيد ومعارض تقف في صف الاخيرين (المعارضون) الولايات المتحدة الاميركية التي لا تتوقف عن إذكاء نار الفتنة والتحريض المذهبي، عندما تقول انها لن تشارك في الدفاع عن المدينة (قبل سقوطها بالطبع)، اذا ما شارك الحشد الشعبي فيها، وايضاً في إبداء «قلقها» من الانقسام والمواجهات المذهبية التي ستندلع عندما تشارك قوات الحشد الشعبي في الدفاع عن المدينة (او تحريرها لاحقاً)..

هنا والآن.. تعود مسألة سقوط الموصل خصوصاً وسهل نينوى في شكل عام إلى الواجهة، بعد اقتراب الذكرى الأولى (10/ 6/ 2014) لهذه الخسارة الكبيرة التي نجح داعش عند اجتياحها في وضع شعاره الشهير «باقية وتتمدد» موضع التنفيذ، لتأتي انتكاسة الرمادي، فاتحة على مزيد من الأسئلة المحرجة والخطيرة بل والاتهامية التي يصعب تركيزها تجاه جهة او معسكر او تحالف واحد، نظراً لتعقيد المسألة وتداخلها والغموض الذي تلوذ به معظم الاطراف ذات الصلة بهذا التوسع الخطير وغير العفوي لنفوذ داعش، الذي بدأ يأخذ شكل دولة حقيقية (بصرف النظر عن حكاية الاعتراف الدولي او الاقليمي من عدمه) لان هناك مستفيدون من انتصارات داعش، وهم يبنون على ذلك استراتيجياتهم وخططهم التي لا يمكن تنفيذها إلا بمساعدة سيف داعش المُسلّط على رقاب الدولة المهتزة أو المرشحة للتفكّك المحيطة بـ(مسارح) عمليات داعش، فضلاً عن الصراع الإقليمي المحتدم بين المعسكرات والمحاور العربية ذاتها التي يجد بعضها في داعش «ورقة» مسادة او وسيلة ضغط بل وحتى حليفاً مرحلياً، يُمنّي نفسه بالتخلي عنه او تصفيته بعد انتهاء مهمته او الدور الذي انتدبه له، الا ان هؤلاء ينسون او يتناسون او هم في الاغلب اصحاب ذاكرة قصيرة وغير معنيين باستخلاص دروس التاريخ وعِبَرِه في ان المخلوق الارهابي دائما ما يتمرد على خالقه ولهم في القاعدة ومتفرعاتها وملاحقها… «الأسوة الحسنة»..

إلى أين من هنا؟

لن يُعرف المسؤول عن انتكاسة الرمادي الأخيرة تماماً، كما غابت الاجابات وغاصت في الغموض والالتباس والتعمية التحليلات التي تحدثت عن كارثة سقوط الموصل، لان نظرية المؤامرة جاهزة لدى كل طرف سواء اولئك الذين يُحمِّلون حكومة العبادي المسؤولية أم قيادة الجيش التي تُقصي الضباط «السُنّة» رغم ان وزير الدفاع سُنّي، ناهيك عن اولئك الذين يشيرون باصبع الاتهام إلى طهران كمستفيدة من السقوط المتوالي لحواضر السُنّة، كي تهّب لمساعدتها وتُخْضِعها لسيطرتها بحجة تحريرها كما حدث في تكريت على سبيل المثال لا الحصر، دون ان تتجاوز تلك الاتهامات التي تطال واشنطن والتي تغمز من قناة مشروعها المُعلن في تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم او في النهاية ثلاث دول شيعة، سُنّية وكرد..

أيّاً يكن مصير الجدل والسجالات الدائرة الآن، داخل العراق وخارجه، فإن العراق آخذ في التفكّك ولن ينجو من مصير بائس كهذا، اولئك الذين يُبدون شماتة في ما آلت إليه الأمور في العراق والمُرشحة إليه سوريا كما يعتقدون.

الرأي الأردنية

 

 

 

العراق الرمادي/ امين قمورية

أميركا تقود ائتلافاً دولياً كبيراً لمحاربة تنظيم “داعش”، ولها في الأنبار أكبر موقع عسكري هو قاعدة عين الأسد الجوية، التي لا تبعد عن الرمادي سوى بضعة كيلومترات. ومع ذلك، وعلى رغم السيادة الجوية المطلقة للأميركيين في السماء العراقية، تسقط الرمادي في يوم وليلة وترفرف الأعلام السود فوق مبانيها!

من المفارقات أنه في اليوم نفسه ترصد الطائرات الأميركية “أبو سياف” ورفاقه الإرهابيين في منزل صغير بدير الزور وتبيدهم في غارة متقنة، لكنها على كثافة طلعاتها الجوية في السماء العراقية تعجز عن رؤية آلاف المقاتلين السود يجتاحون مدينة كبيرة مثل الرمادي!

تسقط الرمادي ويسقط معها بالضربة القاضية ما تبقى من هيكل الجيش العراقي المتهالك، لينهار بانهياره آخر أمل في مؤسسة أمنية وطنية كانت لا تزال تربط بخيوطها الرفيعة العراقيين.

حيدر العبادي، الذي صدّق أنه جاء حامياً لحمى ما بقي من وحدة العراقيين، قلبت صدمة الرمادي كل حساباته ولم يبق في جعبة ائتلافه الحكومي الهش سوى ورقتي الحشد الشعبي والعشائر السنية. لكن الرمادي ليست تكريت وليست أربيل، هي أكبر مساحة وسكاناً وبعيدة جغرافياً عن المعاقل الشيعية لأحزاب الحشد وفصائله، وكأن من غض النظر عن سقوط عاصمة الأنبار يريد إظهار الحشد كـ”بالون منفوخ” لتنفيسه في الأنبار بعدما ظن في تكريت انه قوة لا تهزم وان في إمكانه حكم العراق كله كما حكمه صدام ببعثه. وما يفرق بين الحشد والعشائر أكثر مما يوحد. فالعشائر الممتعضة من ممارسات الحشد في المناطق المحررة لا تميز كثيراً بينه وبين “داعش”، تقيم القيامة ولا تقعدها عندما يحترق مبنى تابع للوقف السني في الأعظمية قبل أيام لمجرد اتهام الشيعة بالحرق، لكنها تلوذ بالصمت عندما تفتك السيارات المفخخة بزوار المقامات الشيعية. هي لا ترى ضيراً في جرجرة الحشد إلى معاركها في الأنبار، لكنها لا ترغب في تكرار ما حصل في تكريت وبيجي في الرمادي والفلوجة. وبين سيطرة المسلحين الشيعة على المدن السنية وبقاء “داعش”، يفضل جزء لا يستهان به منها الخيار الداعشي حتى لو كان شديد المرارة.

حماسة العشائر لتخليص مدنها من متطرفيها لا تنضج وتصبح القضية إلا عندما يعلن عن تشكيل إقليم سني في الوسط يحكمه السنة ويكون له حرس وطني سني في مواجهة حرس الجيران في الوطن الواحد: الحشد الشعبي للشيعة والبشمركة للأكراد.

وهكذا تتحقق نبوءة بايدن بتحويل العراق فيديراليات أقرب الى الكيانات المستقلة.

الرمادي تصبغ العراق بلونها، وتجعل مستقبله رمادياً مائلاً إلى السواد.

النهار

 

 

 

فرز مذهبي في الرمادي؟/ راجح الخوري

بعدما سقطت الموصل في ٩ حزيران من العام الماضي في يد “داعش” قيل ان الجيش العراقي الذي كان يفترض ان يواجه الإرهابيين هناك فرّ من مراكزه، ثم قيل انه كان عبارة عن أشباح صنعها نوري المالكي، ثم تبيّن ان هذا الجيش الذي كلّفت عملية إعادة بنائه أكثر من ١٢٠ مليار دولار كان في معظمه جيشاً وهمياً على الورق، ذهبت كل الأموال التي صرفت عليه الى جيوب الفساد!

أمس بعد سنة تقريباً سقطت الرمادي مركز محافظة الأنبار في أيدي الإرهابيين وقيل إن وحدات الجيش فرت أيضاً من مواقعها، على رغم ان حيدر العبادي كان يعِد قبل يومين انها ستهزم “داعش”، فهل يعني هذا ان الحكومة العراقية الجديدة صنعت أيضاً جيشاً من الأشباح، أم أنها تسير وفق الخطة العميقة لتقسيم العراق وقد بات الحديث عنها علنياً؟

ليس سراً ان الأنبار دأبت على مطالبة الحكومة المركزية منذ سنة ونيف بالسلاح والدعم دون جدوى، وليس سراً ان خطة دعم المحافظات وتسليحها لم تنفّذ، وعلى رغم تقدم “داعش” في ضواحي الرمادي بقيت بغداد تصمّ آذانها عن طلب المساعدة، ومع تقدّم “الدواعش” في غرب المدينة طالب نواب الأنبار وشيوخ عشائرها بمساندة من”الحشد الشعبي” الشيعي على رغم انهم يشكون من تصرفاته المذهبية وقالوا إنهم مستعدون للقتال معه لوقف “داعش”، لكن ذلك لم يؤد الى أي نتيجة!

غريب أن العبادي لم يتمكن من تشكيل ولو نواة الجيش العراقي منذ ستة أشهر، وانه لم يسلّح عشائر الأنبار على رغم مطالباتها بالدعم لمواجهة الإرهابيين وعلى رغم ان “الصحوات” التي شكّلت منها كانت قد هزمت “القاعدة” عام ٢٠٠٧، لكن نوري المالكي حلّها واضطهد رجالها أيضاً، والغريب انه الآن وبعد سقوط الرمادي يقرر العبادي إرسال وحدات “الحشد الشعبي” لتحريرها.

غريب أكثر من كل هذا ان النازحين من الرمادي الى بلدة عامرية الفلوجة، لم يُسمح لهم بعبور جسر على نهر الفرات لدخول بغداد، وسبق للحكومة مع بدء الهجوم على المدينة الشهر الماضي، ان منعت ١٢٠ الفاً من النازحين من دخول العاصمة، وهو ما يفسّره الكثيرون على أسس مذهبية لكأن هناك حسابات ضمنية تتصل بتطهير المناطق على أساس مذهبي بما يشكّل تقدماً على طريق التقسيم!

إن انسحاب الجيش من الرمادي وقت واصل رجال العشائر السنيّة القتال شبه اليائس لحاجتهم الى السلاح والدعم الذي لم يصل منذ سنة، يمثل عملياً ما هو أخطر من سقوط الرمادي، لأنه الخطوة الثانية في مؤامرة إسقاط العراق وتقسيمه على الارض، بعدما اكتمل تقسيمه في النفوس على أيدي الأميركيين ثم المالكي، رجل ايران الذي يواصل مهمته التقسيمية من خارج السلطة!

النهار

 

 

“أم سياف” لن تنقذ سوريا ولا العراق/ موناليزا فريحة

الرمادي ليست الانتكاسة الوحيدة لـ”استراتيجية” الرئيس باراك أوباما ذات الهدف الفضفاض والرامي الى اضعاف “الدولة الاسلامية” ثم تدميرها. سقوطها ليس الا تتويجا لعمليات القضم التي يقوم بها التنظيم في وسط العراق وفي شمال سوريا، ودليلاً قوياً على هشاشة خطة يتطلب تحقيقها أكثر من مجرد معركة تدار بالريموت كونترول وعبر وسطاء قد تساوي أطماعهم في العراق وسوريا أهداف “داعش” ومخططاتها المذهبية الجهنمية.

سقوط عاصمة الانبار السنية الواقعة على مسافة 130 كيلومتراً من بغداد يقوض أساس الخطة ويطيح شعارها “العراق أولا” الذي رفعته واشنطن منذ اجتاح التنظيم الموصل الصيف الماضي وأعلن دولة الخلافة العابرة للحدود. أما قتل “أبوسياف” واعتقال “أم سياف” الكنز الثمين، في عملية الكوماندوس الاميركية في دير الزور، فهما لا يعوضان الخطة الاميركية ولا يمنحانها صدقية.

أربعة الاف غارة للائتلاف الدولي، أكثر من نصفها على العراق، وأكثر من ثلاثة الاف جندي ومستشار أميركي في هذا البلد ومليارات الدولارات، لم تستطع تجنيب الجيش العراقي اذلالاً جديداً. المشهد نفسه الذي حصل في حزيران الماضي في الموصل تكرر في عطلة نهاية الاسبوع الماضي في الرمادي. وفيما تريثت واشنطن في الاقرار بالهزيمة، سارع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى دعوة “الحشد الشعبي” الى التدخل. الملاذ الأخير لبغداد لوقف الغزو الداعشي، يشكل سلاحا ذا حدين، وخصوصا في ظل التأُثير المحدود لسلطة بغداد على هذه الميليشيات الشيعية.

خلال تحرير تكريت، أدى “الحشد الشعبي” بقيادة ايرانية مباشرة دوراً حاسماً في طرد “داعش” من المدينة، الا أن التقارير عن انتهاكات طائفية في المنطقة أثارت حساسيات كبيرة حياله.ويُعتقد على نطاق واسع أن الحساسيات، الى عوامل أخرى، كانت سببا رئيسياً لارجاء عملية تحرير الموصل.

والاستنجاد هذه المرة بـ”الحشد الشعبي” لتحرير الانبار تحديداً ينطوي على أخطار أكبر. فالى كونه يزيد الاتهامات للحكومة العراقية بالتخلي عن المجموعات السنية المقاتلة في صفوفها، فهو سيترافق حتماً مع انتهاكات مذهبية وربما حمام دم. فالميليشيات الشيعية الحاصلة على ضوء اخضر من بغداد وأميركا لن تدخر جهداً لبسط سيطرتها على الانبار التي تعتبرها مفتاحاً محوريا لتأمين بغداد والمحافظات الجنوبية. هذا اضافة طبعاً الى أن هذه المحافظة ستوفر لأسيادها موطئا في كبرى محافظات العراق والتي لها حدود مع سوريا والاردن والسعودية.

في الرمادي، سجلت “داعش” هدفين بضربة واحدة. أسقطت القناع عن الاصلاحات الموعودة للعبادي ببناء قوة مختلطة وتشكيلات مقاتلة من ابناء العشائر السنية لمواجهة “داعش”، وقوضت ما تبقى من صدقية “عملية العزم الصلب”. وبالتأكيد ليس اعتقال “أم سياف” هو الذي سيرد الاعتبار الى اصلاحات العبادي أو الى استراتيجية أوباما.

النهار

 

 

 

 

المستفيدون من سقوط الرمادي/ الياس حرفوش

سقوط مدينة الرمادي في يد تنظيم «داعش» نسخة مكررة بالصوت والصورة عن المصير الذي تعرضت له مدينة الموصل قبل عام من الآن. الجيش العراقي يهرب كالغزال، بما استطاع من آلياته. وما لم يستطع حمله يبقى مؤونة في يد إرهابيي التنظيم يستخدمونها للتقدم الى مواقع أخرى. أما أبناء الرمادي ومحافظة الأنبار فيهربون بما تمكنوا من حمله الى حيث يستطيعون الوصول، فيما تقف حواجز الجيش والشرطة في وجههم على أبواب بغداد خوفاً -كما تقول- من أن يتسلل عناصر «داعش» بين صفوفهم إلى العاصمة.

في هذا الوقت يهرع الإيرانيون الى نجدة الحكومة العراقية. وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان هو أول الواصلين إلى بغداد، فيما مستشار المرشد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الذي يُنظر إليه في العواصم على أنه وزير الخارجية الفعلي لإيران، يعلن من بيروت ودمشق، إحدى عاصمتي «الإمبراطورية الإيرانية» المستحدثة، إلى جانب بغداد وصنعاء، أن طهران على استعداد لمساعدة الحكومة العراقية إذا طلبت منها ذلك «بشكل رسمي كبلد شقيق»، وهو ما يعني بترجمته العملية، أن تعلن حكومة بغداد بصورة علنية وواضحة أن مصير العراق هو في يد الإيرانيين إذا أراد انقاذ محافظاته من تقدم «داعش».

ربما يسأل سائل: أين الأميركيون من كل هذه التطورات؟ ماذا تفعل إدارة باراك أوباما التي انسحبت من العراق بعد احتلاله وسلّمت شؤون إدارته إلى الإيرانيين؟ يقول جون كيري وزير الخارجية إن سقوط الرمادي في يد «داعش» لن يطول، وإن تحريرها سيتم خلال أسابيع. ولا يعارض مسؤولون أميركيون آخرون مشاركة إيران من خلال ميليشيا «الحشد الشعبي» في مواجهة «داعش»، طالما أن ذلك يتم تحت إشراف القيادة العراقية. وعلى رغم ما في ذلك من استخفاف بالعقول، لأن المعروف أن «الحشد الشعبي» يتلقى أوامره وحتى أسلحته ومعداته من إيران، فإنه يعني إقراراً بأهمية الدور الإيراني وبالحاجة إليه لتحرير أكبر محافظات العراق ذات الأكثرية السنّية.

لا شك في أن سقوط الرمادي يشكل نكسة كبيرة للمشروع الوطني في العراق، ولبناء جيش موحد قادر على تحمل مسؤولياته في كل المناطق العراقية، بصرف النظر عن هويتها الطائفية. لكن هذا الأمر ليس مفاجئاً. لقد بدأت عملية تدمير الجيش العراقي على يد الأميركيين من خلال ما أطلق عليه بول بريمر «تنظيف المؤسسات من حزب البعث» (de baathification)، واستمر ذلك مع إعادة بناء الجيش على أسس المحاصصة الطائفية والمذهبية واستبعاد الكفاءات، وخصوصاً في ظل حكومة نوري المالكي التي أهدرت بلايين الدولارات على بناء جيش تبين في النهاية أنه وهم. وأثبتت خطة الاستعانة بالجيش فشلها مرة بعد مرة كلما كان مطلوباً منه القيام بمسؤولياته في حماية المناطق السنّية التي تتعرض لهجمات «داعش».

ليس هذا فقط، بل إن الحكومات العراقية المتعاقبة وضعت سياسة إقصائية للسنّة في العراق، إذ فيما كانت الأقاليم الكردية في الشمال توفر حمايتها الذاتية، كما تتولى الأجهزة الحكومية تحت العباءة الإيرانية حماية محافظات الجنوب، بقيت المحافظات الأخرى من دون حماية. وفي حالة الرمادي تكرر ما حصل في الموصل قبل عام، ومن بعدها في تكريت، حيث مُنع أبناء العشائر من الحصول على السلاح لحماية أنفسهم، بحجة أن هذا السلاح يمكن أن ينتهي في يد «داعش»… فإذا بالتنظيم الإرهابي يستولي على أسلحة الجيش العراقي التي كان يفترض أن تكون موجودة لحماية المواطنين.

هكذا يتأكد اليوم سقوط العراق فريسة نزعتين إقصائيتين: «داعش» من جهة والميليشيات الشيعية من الجهة الأخرى. تقدّم «داعش» يبرر لهذه الميليشيات نفوذها المتعاظم، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على مواجهته. وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق والشعور المتمادي بين السنّة العراقيين بتهميشهم في مواقع القرار يجعلهم الضحية الأولى لمشروع «داعش». أما الذين يقفون منهم ضده فلا يجدون أمامهم سوى الهرب إلى المجهول أو مواجهة الذبح بعد تخوينهم من قبل التنظيم الإرهابي.

الحياة

 

 

بل المنطقة كلها برميل من بارود/ طارق الحميد

على أثر سقوط مدينة الرمادي العراقية بيد تنظيم داعش الإرهابي، قال مسؤول أميركي، رفض نشر اسمه، لـ«رويترز»، إن الرمادي «برميل من البارود»، وذلك بعد استعانة حكومة حيدر العبادي بالميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) لاسترداد الرمادي السنية!

والحقيقة هي أن الرمادي ليست وحدها برميل البارود، بسبب تدخل الميليشيات الشيعية لاستعادتها، وإنما العراق أيضا، والمنطقة ككل، فما يحدث في الرمادي هو رمزية مصغرة للعبث الأكبر الذي يدور بمنطقتنا مع تراخٍ دولي، وتردد في التعامل مع القضايا الملحة، ومنها وقف التدخل الإيراني بالمنطقة، والتعامل بجدية لإصلاح الخلل السياسي في العراق والناتج عن ضعف الحكومة المركزية، وطائفيتها، التي نتج عنها إقصاء السنة، والاستعانة بالميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بدلا من تحقيق مصالحة وطنية، ووقف الإقصاء الطائفي، والتعنت في عدم تسليح عشائر السنة.

كل ذلك يظهر ترددا دوليا، وتحديدا أميركيا، والسبب انشغال واشنطن بالمفاوضات مع طهران التي أطلقت يدها بالمنطقة من العراق إلى اليمن، ومن سوريا إلى لبنان، والنتيجة هي تردٍ واضح في تلك الدول العربية دون تحقيق أي تقدم يذكر، أو استقرار.

سقوط الرمادي بيد «داعش» أمر طبيعي ما دامت الحكومة العراقية تستعين بالميليشيات بدلا من الجيش المنهك سريع الفرار في كل منازلة، ومن الصعب بالطبع توقع الكثير من الجيش العراقي، ما دام أريد منه أن يقاتل لأسباب طائفية. وما يتناساه الأميركيون، وحكومة العبادي، هو أن من طرد «القاعدة» من الأنبار سابقا هم العشائر السنية يوم شكلت مجالس الصحوة، وليس الجيش، ولا الميليشيات الإيرانية، ولذا فمن المثير أن نسمع الآن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، يقول إنه «إذا قامت الحكومة العراقية بالطلب من الجمهورية الإسلامية بشكل رسمي كبلد شقيق أن تقوم بأي خطة للتصدي.. فإن إيران سوف تلبي»، أي المساعدة باسترجاع الرمادي، فالمعروف هو أن الإيرانيين موجودون في العراق، وصور قاسم سليماني كانت تملأ وسائل الإعلام العراقية، فكيف يمكن أن تسهم إيران في استعادة الرمادي وقد فشلت في مواجهة «داعش» بالعراق للآن؟

ولكي نعرف حجم التردد والعبث الأميركي بالعراق، والمنطقة، يكفي تأمل ما قاله مسؤول أميركي ثان لـ«رويترز» بعد سقوط الرمادي، حيث قال: «في حكومتنا من يرون أن أي دور لإيران يمثل لعنة.. وآخرون يقولون إن المشاركة الشيعية ستنشر العنف الطائفي. وثمة آخرون يقولون إن هذا غير صحيح»، والحقيقة أن هذا دليل على عبث هذه الإدارة الأميركية، فالعراق لا يحتاج قوات عربية، ولا إيرانية، ولا نفسا طائفيا، كل ما يحتاجه العراق هو مصالحة سياسية تنهي الإقصاء، وتسليح السنة لتطهير مناطقهم من «داعش»، كما فعلت مجالس الصحوة من قبل ضد «القاعدة». وما لم يتم ذلك، وتُرك الأمر للميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران، فإنه ليست الرمادي وحدها التي ستكون برميلا من بارود، بل العراق، والمنطقة ككل.

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

سقوط الرمادي والحلقة المفرغة/ فاتح عبدالسلام

بعد ما يقرب من سنة من تشكيل لجان صغيرة وكبيرة للتحقيق في سقوط الموصل وسط أعذار الجميع حول المفاجأة وعنصر الغفلة في الموصل ، فما الحجة المساقة في تفسير انهيار الرمادي عاصمة الأنبار. ثمة صور متناقضة تجد لنفسها دائماً مكاناً في العراق.

يقول الأمريكان ان سقوط الرمادي بيد تنظيم داعش هو انتكاسة قوية. وهو توصيف مخفف لماحدث . في الميزان العسكري تعد الرمادي قاعدة متقدمة وأكثر أهمية من سواها حيث المسافة من بغداد تقترب، والانهيارات الأمنية تتوالى ويجري إلحاقها بالتبريرات وتبادل الاتهامات. ودائما نسمع عن الانتصارات التي تحققت في تكريت حيث المدينة كانت خالية من البشر باستثناء مائة وخمسين مقاتلاً من التنظيم. واليوم الأنبار محافظة كبيرة مليئة بسكانها برغم النزوح الأخير ، وقد نزفت كثيراً في خلال سنتين ونزف معها العراقيون.

الخيارات المعروضة على الطاولة الآن تدور حول محورين ،الأول المساعدة الأمريكية وتم بحثها في اللقاءات التي أجراها الجنرال أوستن في بغداد وأربيل، ولعل التصريحات الصادرة من واشنطن تفسرها عند التمسك بالقول أن التدخل البري الأمريكي مستبعد والضربات الجوية مستمرة ولابد من اجراء عراقي في استعادة الأرض قبل أن يكون أجنبياً.

والمحور الثاني يدور حول ايران حيث وصل وزير الدفاع الإيراني فوراً الى بغداد بكامل بزة الحرب الايرانية المعروفة واجتمع مع الوزير العسكري العراقي ببزته المدنية المعروفة أيضاً. وخرج علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الايراني الأعلى من بيروت ليقول أن طهران مستعدة للتدخل واستعادة الانبار إذا طلبت الحكومة العراقية رسمياً منها ذلك.

وقبل ذلك هرعت الواجهة الحكومية نحو مليشيات الحشد الشعبي بوصفها المنقذ . ودائماً عندما تحدث انهيارات كبيرة لا أحد يتمسك أو يصغي للأعذار والمبررات السابقة وذات الطابع السياسي.

الآن حرب مدن وهناك نماذج مطروحة في حرب تنظيم داعش من سنجار وتلعفر الى كوباني والرقة في سوريا، وكلها نماذج من حروب غير محسومة بسبب صعوبة المغامرة من دون ارادة كاملة لمعالجة صفحة ما بعد الحرب مثل صفحة الحرب ذاتها .

واشنطن لانت وتقول لابأس من الحشد تحت أمرة الحكومة ، وكلها سلسلة لا تنتهي من الحلقات المفرغة التي ملخصها ، ان القوة العسكرية يجب أن لا تكون إلا في يد طرف واحد حتى لو وصل داعش الى أبعد هدف. لا يهم فثمة محرمات سياسية لا يمكن المس بها حتى لو تحطم العراق كله.

الزمان

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى