صفحات الناس

مقالات تناولت علاقة الناس بداعش

الصراع بين «الجبهة الإسلامية» و «داعش»: الإسراف في القتل قبل الأيديولوجيا/ عمر كايد

رفع إسلاميو المعارضة السورية أخيرا بنادقهم في وجه بعضهم بعضاً. تحوُّل كان أشبه بالمعجزة التي تحصل في العصر الحديث، ومشهد ربما لم يألفه المسلمون السُّنة منذ قرون. فالأحاديث النبوية تحذر من الوقوع في مثل هذا الاقتتال بين المسلمين (فكيف إذا كان كلا الطرفين سلفياً يخرج من مشكاة واحدة؟)، وتنذر كلا الطرفين بالعقاب الشديد. فما التقى المسلمان بسيفيهما إلا كان القاتل والمقتول في النار كما يروى عن الرسول الأكرم. كيف استطاع الإسلاميون السوريون تجاوز هذه النصوص، وكيف فعلتها الجبهة الإسلامية بعد أن كانت أبرز فصائلها وفي مقدمها لواء التوحيد، تتفادى الدخول في أي مواجهة معهم. على رغم أن «داعش» هاجم حليفه في الجيش الحر «لواء عاصفة الشمال» وسحقه في أعزاز. كان عبدالقادر صالح يقول: «أرجوكم لا تدفعوني لرفع بندقيتي في وجه أخي المسلم».

اليوم دخل لواء التوحيد في مواجهة «داعش»، وتصدرت أحرار الشام أيضاً عنوان المواجهة بعد أن كانت هي التي تسعى طوال الأشهر الماضية إلى لمّ الشمل وتوحيد الصفوف بين الأطراف المتنازعة.

منعطف خطير ودقيق في مسار المعارضة السورية. وأسئلة كبيرة تطرح في شأن التوقيت والأسباب. فما الذي يدفع الإسلاميين المتقاربين أيديولوجياً إلى حد كبير للقتال في ما بينهم؟ ما هي مبرراتهم الشرعية والسياسية؟ وأية خصائص تميّز ذاك التنظيم الوليد عن تنظيم «داعش»؟

أول ظهور للدولة الإسلامية في العراق والشام كان في ريف حلب عام 2013. فجأة ظهر مئات المسلحين يجوبون الشوارع ملثمين ويحملون رايات سوداً كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله. استُقبل هؤلاء المقاتلين استقبال الفاتحين. أطلقوا على أنفسهم اسم الكتائب الإسلامية. رحب الأهالي بهم كونهم جاؤوا لنصرتهم كما ظنوا. بعد أشهر بدأ هؤلاء الرجال بالتمدد في الريف الحلبي، حققوا انتصارات كبيرة في الرقة ودير الزور، وصل نفوذهم إلى إدلب، وحاولوا حديثاً أن يبنوا معسكرات في القلمون، لكن الكتائب المقاتلة بمعظمها رفضت ذلك، وطلبت من جبهة النصرة أن يبقى هؤلاء المقاتلون ينسقون مع الجبهة ويتدربون في معسكراتهم في المناطق التي تخضع لنفوذهم.

بوادر شقاق

بوادر الشقاق بينهم وبين الأهالي بدأت تظهر حين سيطروا على المدن «المحررة». ففي الوقت الذي كان يرابط مقاتلو الجيش الحر والكتائب الإسلامية على الجبهات في كويرس ومطار منغ، كان عناصر «داعش» يستولون على آبار النفط والمرافق الأساسية ويحاولون تطويع الناس لسلطتهم. سيطروا على المساجد وأجبروا الخطباء على أن تكون دروسهم ومواعظهم تتلاءم مع نهج «داعش»، وإلا عزل الإمام أو قتل، كما سيطروا أيضاً على مؤسسات الكهرباء والمياه والأفران ومحطات الوقود والمصانع. بات عناصر «داعش» يتحكمون بكل تفاصيل حياة الناس اليومية في الريف الحلبي والرقة.

منذ أشهر ضاق الناس ذرعاً بهم، خرج شيخ اسمه محمد سعيد الديبو لينتقد علناً في الجامع الكبير بوسط منبج تصرفات «داعش»، واعتبارها تتناقض مع تعاليم الإسلام الحنيف. سجنوا الشيخ ثم اغتالوه في ما بعد. انتفضت مدينة منبج، وخرج الناس بتظاهرات تندد بـ «داعش». فالشيخ الديبو المعروف باعتداله له محبون وتلاميذ كثر. بدأت النار من تحت الرماد تلفحها الرياح.

اعتداءات «داعش» لم تقتصر على المدنيين. في بداية الأمر أعلنت الكتائب الإسلامية (داعش في ما بعد) بأنها لا تكفّر كتائب المعارضة الأخرى، وأنها ستعمل معها جنباً إلى جنب لرفع الظلم. بعد أشهر وحين تمكن هؤلاء، انقلبوا على عهودهم، وبدأوا بتصفية عناصر الجيش الحر. اعتقلوا قائد الفاروق حينها ويدعى «البرنس» وسجنوه في مستشفى العيون. قتلوا الكثير من عناصر «الحر» واعتقلوا المئات. وبان حجم المجازر التي ارتكبوها في معتقلاتهم بحق المعارضة وأنصارها، لا سيما بعد العثور على مقابر جماعية قرب مقارهم التي انسحبوا منها في إدلب وحلب.

المواجهة العلنية

التحوّل الأبرز والمواجهة العلنيّة المباشرة اندلعت حين أقدم طبيب ألماني على تصوير أحد جرحى «داعش»، طالبت الدولة بتسليم الطبيب، فرفض لواء عاصفة الشمال، فحدث الصدام بين الطرفين انتهى بالقضاء على لواء عاصفة الشمال وتصفية نفوذهم في أعزاز ومنبج. هذه التطورات أربكت كتائب المعارضة. فالجميع بات متذمراً من تصرفات «داعش» المتشددة ومغالاته في أمور الدين. لكن أي فصيل بمفرده غير قادر على مواجهة «داعش»، وكثير من هذه الكتائب وعلى رغم اعتراضها على تصرفات الدولة الإسلامية ترى أن الأولوية الآن هي لقتال النظام، وأن أي مواجهة مع أي فصيل معارض ستصب في مصلحة النظام.

منذ نحو شهر ونصف شهر، تجاوز «داعش» الخطوط الحمر. تجرأ واعتدى على أكبر التنظيمات الإسلامية في سورية وأكثرها تنظيماً. امتدت يد «داعش» إلى قتل عدد من عناصر حركة أحرار الشام من بينهم قائد بارز يدعى أبو ريان. اعتبرت الحركة الإسلامية ذات التوجهات السلفية أن الكيل طفح والكأس امتلأت، كان لا بد من رد حاسم، كي لا يتجاوز «داعش» أكثر فأكثر. فحركة أحرار الشام وحدها تضم بين صفوفها حوالى 20 ألف مقاتل. وهي أصلاً المكوّن الرئيس للجبهة الإسلامية السورية.

تشاور أعضاء الجبهة الإسلامية في ما بينهم، كان القرار: الحسم مع «داعش». من المعروف في علم الأصول، أن «المصلحة» من أصول التشريع. كان تقدير المصلحة محلياً ودولياً هي قطع يد «داعش» وإخراجه من مناطق المعارضة كونه يسيء أكثر مما يصلح، هذه هي الفتوى والتخريج الشرعي، فـ «داعش» بغى ويجب قتاله. هذا ما يقوله أحد القادة البارزين في الجبهة الإسلامية.

قرار الجبهة تقاطع مع رغبة قوية للقوى الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة السورية بضرورة التخلص من «داعش». حان الوقت لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة قبل «جنيف – 2»، لإظهار الجبهة الإسلامية ذات النفوذ الواسع والقوة الضاربة على الأرض، بأنها ترفض احتضان المتطرفين ولا تقبل أن ينمو تنظيم «القاعدة» على أراضيها. حان الوقت لانتزاع الورقة الأهم من يد النظام السوري. حان الوقت لإغلاق أبواب الذرائع أمام المجتمع الدولي الرافض تقديم الدعم الحقيقي للمعارضة بحجة وجود «القاعدة». حان الوقت لتفكيك العقبات الأساسية التي تقف حائلاً أمام أي تسوية أو حل سياسي للأزمة.

مصالحة مستحيلة

المصالحة مع «داعش» باتت مستحيلة، خصوصاً بعد إسرافه في القتل، وإصداره فتوى بتكفير كل من ينتمي إلى المعارضة أو يحتضنها وقتله. وقد ارتكب تنظيم «داعش» مجازر كبرى في حق المدنيين، خصوصاً في مدينة الباب، وقام بعمليات انتحارية عدة استهدفت حواجز وثكنات للجبهة الإسلامية، ما أدى إلى مقتل العشرات من عناصر الجبهة في جرابلس وإدلب، فالمعركة مع الجبهة الإسلامية كما يقول «داعش» هي معركة مع المنافقين والمرتدين وعملاء النظام.

في المقابل تعتبر الجبهة الإسلامية أن «داعش» أصبح متورطاً بقتل ذويها، ومنهجه غريب عن البيئة السورية، وكثير من عناصره مخترقين من النظام السوري والإيرانيين والروس. لذا، يجب القصاص من القتلة، وإخراجهم من الأراضي السورية.

لكن، في تقديرنا ووفق المعطيات الميدانية، لن تتمكن الجبهة الإسلامية من القضاء على «داعش». إذ إن الدولة الإسلامية في العراق والشام تنظيم قوي وخبرة عناصره القتالية عالية، ولديه تجهيزات عسكرية مهمة، والمساحة الجغرافية للمناطق التي يسيطر عليها كبيرة.

أما الجبهة الإسلامية فعلى رغم تفوقها على «داعش» بمعرفة الأرض، إلا أن خبرة عناصرها القتالية لا تتجاوز عُمر الثورة السورية، كما أنها لا تملك سلاح طيران وأسلحة متطورة. الأميركيون عجزوا عن إخراج الدولة الإسلامية من الأنبار، فهل ستستطيع الجبهة؟!

المطلوب اليوم بتقديرنا هو إخراج «داعش» من حلب وإدلب فقط، بغية تلميع صورة الجبهة الإسلامية أمام المجتمع الدولي، وإظهارها بأنها قوة إسلامية معتدلة يمكن الرهان عليها بعد أن فشل الرهان على الجيش الحر. المطلوب تحقيق إنجازات ولو محدودة لإظهار الجبهة الإسلامية بأنها القوى الضاربة على الأرض، وبأن من يدعم الجبهة إقليمياً، هو من يملك القرار الحقيقي. ليس من مصلحة المعارضة استنزاف قوتها القتالية في معارك لا تنتهي مع «داعش». لكن، إذا تمت التسوية وأخذ القرار فإن المعادلات ستتغير، وقد تتدخل أطراف أخرى لحسم الصراع، وإخراج «داعش» نهائياً من سورية.

الخلافات العقائدية والسلوكية والتنظيمية بين «الجبهة الإسلامية» و «داعش»

يستغرب كثيرون من المتابعين ما يشهده شمال سورية من صراع بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و»الجبهة الإسلامية». فالاشتباكات الدائرة بين أخوة الدين والسلاح تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية والإسلامية، وخصوصاً أن كلا الطرفين ينتميان للمدرسة السلفية الجهادية. وهنا نحاول قدر الإمكان تبيان الفروقات العقدية والسلوكية والتنظيمية بين الطرفين:

1- لا شك أن توجهات معظم مكونات الجبهة الإسلامية سلفية (صقور الشام ولواء التوحيد أكثر اعتدالاً من أحرار الشام وجيش الإسلام)، ولا شك أيضاً أن توجهات «داعش» سلفية. لكن الفروقات دقيقة بين الطرفين. فالجبهة الإسلامية بمعظمها لا تقبل باستباحة قتل المخالفين لها بالدين كالشيعة والعلويين والمسيحيين، ما لم يقاتلوهم. فيما تستبيح «داعش» كل من خالفها في الدين، حتى ولو كان من أهل السنّة. تستبيح قتله لأنه يخالف ما تعتقده.

2- الجبهة الإسلامية لا تبيح قتل الحاضنة الشعبية للمناوئين لها، حتى لو كان ذووهم قتلوا مدنيين من المعارضة. (هناك بعض التيارات المتشددة داخل الجبهة تبيح قتل ذوي أعدائهم)، أما «داعش» فتقتل النساء والأطفال والشيوخ، على قاعدة «واعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم».

3- الدولة الإسلامية في العراق والشام حين تسيطر على أي رقعة تسعى إلى إقامة الخلافة فيها، وتطبيق شرع الله كما تراه. فتهدم القبور، وتمنع التدخين، وتفرض النقاب، وتمنع لبس الثياب الحديثة، أو قص شعر اللحية، وتنشىء المحاكم الشرعية…. أما الجبهة الإسلامية فالأولوية عندها إسقاط النظام، ولا تتدخل عادة بشؤون الناس. معسكراتها بمعظمها في الجبال والبساتين وعلى الجبهات.

4- «داعش» كانت ترفض أن تخوض أي معركة مشتركة ضد النظام إلا مع جبهة النصرة لانتماء الطرفين إلى الفكر والنهج نفسه. أما الجبهة الإسلامية فلا ضير عندها أن تخوض معارك ضد النظام بالتنسيق مع كتائب أخرى. ولعل هذا التنسيق المتكرر في جبهات عدة ساهم في التقريب بين عناصرها وعناصر الجيش الحر.

5- معظم عناصر الجبهة الإسلامية سوريون. وقادتها معروفون كزهران علوش المولود في دوما، وأحمد الشيخ المعروف في جبل الزاوية. ولهذا يتوافر لعناصرها حاضنة شعبية كبيرة. أما الدولة الإسلامية في العراق والشام فهي تنظيم دخيل ووافد. ومعظم عناصرها ليسوا سوريين. ولا يفهمون طبيعة الشعب السوري ولا عاداته ولا تقاليده. رُحب بهم بادئ الأمر حين ظن المواطنون السوريون في حلب ومحافظات شمال سورية أن هؤلاء جاؤوا لنصرتهم، لكن سرعان ما انفض الناس عنهم وانقلبوا عليهم بعد ما رأوه من سوء أعمالهم.

6- هناك اختلاف كبير في طريقة الانضمام إلى «داعش» أو «النصرة» من جهة أو إلى الجبهة الإسلامية. فـ «داعش» و»النصرة» يشترطون لكل من يريد أن ينضم إليهم أن يحظى بتزكية عدد من مشايخهم. ويجب أن يخضع لدورة تثقيفية، مدتها من ثلاثة إلى ستة أشهر، في قضايا الدين وفكر التنظيم. بعد ذلك، يخضع لدورة عسكرية ويبايع قائد التنظيم على السمع والطاعة. أما الجبهة الإسلامية فالانضمام إلى فصائلها كأحرار الشام أو لواء التوحيد أو جيش الإسلام أو صقور الشام لا يحتاج إلى هذه التعقيدات. وإذا ما عدنا قليلاً إلى بدايات الثورة السورية، يسهل علينا فهم كيف تكونت هذه الكتائب والجبهات. بدأ الإسلاميون السوريون يشكلون كتائب صغيرة في مدنهم وبلداتهم، وقد رأيت الكثير من هذه التشكيلات الصغيرة، وكيف كانت تتشكل. بعد سنة أصبحوا أكثر تنظيماً وتماسكاً. الكتيبة أصبحت لواء، واللواء انضم إلى لواء أكبر منه، ثم بدأت الألوية تتوحد وتشكل جبهات، لتتوحد أخيرا معظم هذه الألوية والجبهات تحت راية الجبهة الإسلامية… فالانضمام كان يخضع في البدء لمعيار الالتزام ومعرفة هوية هذا الشخص في بلدته أو قريته. لهذا نجد بنية الجبهة متماسكة، وأعضاؤها يعرفون بعضهم البعض منذ زمن بعيد (مثلاً عناصر الجبهة الإسلامية في مدينة الزبداني، كلهم أو معظمهم من الزبداني). لهذا يصعب اختراق الجبهة الإسلامية بعكس «داعش» أو «النصرة»، التي تعتمد على أسلوب التزكية المشيخي (عمادها الثقة بأي إنسان يدّعي أنه مسلم من أي منطقة أتى)، والتثقيف السريع، من دون أن تدري بخلفيّات الرجل وتوجّهاته وارتباطاته.

7- إذا ما تتبعنا سلوكيات عناصر «داعش» نراها تختلف عن سلوكيات الجبهة الإسلامية. فعناصر «داعش» لا يسمحون لأي منهم بالتدخين، كما لا يجلسون مع مدخن، ولا يسمعون الغناء، وشعورهم طويلة، ولا يقصون لحاهم، ويلبسون ثيابا فضفاضة معروفة باللباس الأفغاني. أما عناصر الجبهة فتجد الكثير منهم يمارس عادة التدخين، ويشذب لحيته، ويقص شعره، ويلبس البنطال الغربي.

8- الدولة الإسلامية في العراق والشام تتبع للتنظيم العالمي للقاعدة، فهو تنظيم يتخطى الجغرافيا السورية ولا يتقيد بالحدود. أما الجبهة الإسلامية فهي تنظيم سوري بامتياز محلي المنشأ، ولد من رحم المناطق السورية.

9- نفوذ الجبهة الإسلامية منتشر على كامل الجغــرافيا السورية تقريباً، أما وجود عناصر «داعش» فيــــتركز فقـط في الشمال السوري، في الرقة ودير الزور وريـــف حلـــب وإدلب. وقد حاولوا خلال الأشهر الماضية التمدد باتجاه ريف دمشق، وأرسلوا نحو ثلاثمئة مقاتل إلا أن الجبهة الإسلامية أرسلت لهم كلاماً واضحاً وحاسماً عبر «جبهة النصرة» بأن مناطقنا ليست بحاجة لكم، وكتائبنا قادرة على حماية مناطقنا. لذا انحصر وجودهم في منطقة النبك في القلمون، لينسحبوا في ما بعد إلى يبرود بعد سيطرة الجيش السوري على النبك.

10- بات من المعروف والواضح من يموّل الجبهة الإسلامية، سواء كان تمويلهم عبر رجال أعمال خليجيين أو أوروبيين أو سوريين أو تتبنى تسليحهم دول إقليمية. وقد استطاعت الجبهة إلى حد ما، أن تتموضع في لعبة المحاور الدولية، وتدخل في السياق الطبيعي للصراع العالمي، وتتحول إلى جناح وذراع لقوى كبرى إقليمية ودولية. لكن «داعش» ظل تنظيماً مارقاً، لا يتبع لأي جهة إقليمية أو دولية وازنة. ولهذا وضع على قائمة الإرهاب، وتجري ملاحقته من كل دول العالم بصفته تنظيماً يعادي ويحارب الإنسانية، ويعلن حربه على كل المحاور والقوى. في تقديرنا قد تتدخل قوى أخرى غير الجبهة في أي لحظة إذا ما تم التوافق إقليمياً ودولياً على تصفية «داعش».

11- كلا التنظيمين الإسلاميين يعملان على إقامة الخلافة الإسلامية. لكن الفارق بينهما هو في الأولويات. فـ «داعش» تقيم ولايات للدولة الإسلامية وتطبق شرع الله (كما تفهمه طبعاً) في المناطق التي تسيطر عليها. بينما لم تعلن الجبهة الإسلامية في أي بلدة أو مدينة أن تلك الناحية تحولت إلى ولاية إسلامية. فالأولوية عند الجبهة الإسلامية هي إسقاط النظام، وبعدها تسعى لإقامة حكم الله على الأرض. وبتقديري لا يملك قياديو الجبهة رؤية واضحة وتفصيلية لماهية الدولة الإسلامية، كل تصريحاتهم عامة وغير متماسكة ولا تقدم رؤية متكاملة وواضحة. (أصلاً الدين الإسلامي لم يضع برامج تفصيلية للحكم، بل هناك مقاصد وقواعد عامة وكليات، يستنبط العلماء على ضوئها أحكاماً تتناسب مع العصر الراهن وتراعي الفطرة الإنسانية والعلاقات المجتمعية، من قال إن نظام الخلافة يصلح مع روح العصر الحديث).

12- منذ دخلت «داعش» كان جل اهتمامها ينصب على السيطرة على المدن والقرى التي تضم آبار النفط. بعكس فصائل الجبهة الإسلامية التي كان عناصرها ينتشرون على الجبهات.

13- خبرة عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام كبيرة، أكسبتهم إياها المعارك التي خاضوها في كثير من البلاد العربية والإسلامية. أما الجبهة الإسلامية فخبرة عناصرها لا تتجاوز عمر الثورة. لكن معرفة أفراد الجبهة بالأرض وبالأهالي والأعراف الاجتماعية تفوق بكثير معرفة عناصر «داعش» الوافدين. وهو الأمر الذي ربما يساعد أكثر عناصر الجبهة.

14- ثمة اعتقاد سائد في أوساط المعارضين بأن تنظيم «داعش» هو تنظيم غامض ومثير للريبة. ولا يستبعد هؤلاء أن يكون مخترقاً على مستوى واسع من النظام السوري وقوى إقليمية ودولية. فتصرفاته الغريبة والمستهجنة لا تصب إلا في مصلحة النظام. أما الجبهة الإسلامية فخطها واضح، وعناصرها معروفون، قبل الثورة والآن.

الحياة

معسكرات أطفال لـ«داعش» و«النصرة»: أبناء المهاجرين حراس صهاريج النفط/ رامي سويد

الرقة

بعد سيطرة الثوار على مناطق واسعة في الشمال والشرق السوري، أصبح طبيعياً أن تفتح الفصائل الإسلامية وكتائب الجيش الحر التي تعمل على الأرض، معسكرات تدريب لتجهيز دفعات جديدة دائماً من العناصر المدربة لتغطية النمو المستمر في حجم هذه الحركات والكتائب.

في ريف حلب الغربي وبالقرب من بلدة دارة عزة افتتحت إحدى الحركات الإسلامية الصغيرة معسكراً تدريبياً، لتستقبل فيه المتدربين من مختلف الأعمار والفئات من الراغبين بالانتساب إلى هذه الحركة، ليخضعوا أثناء معسكر التدريب إلى دورات عسكرية وتدريبات لياقة بدنية، إضافة إلى دروس شرعية يتم من خلالها تعريفهم إلى أسس الفكر الجهادي بعد القيام بعملية ترميم لعموميات العقيدة الإسلامية والعبادات لدى المتدربين.

الغريب في معسكر الحركة أنه يضم جنباً إلى جنب أعداداً كبيرة من الأطفال مع الشباب والرجال المتدربين، الأكثر غرابة أن الأطفال المتدربين في المعسكر هم أصغر من أن تقوى أجسادهم الغضة على حمل البندقية وتحويلها من مكان إلى آخر، فبعض الأطفال المتدربين لا تناهز أعمارهم السنوات السبع!

هؤلاء في الغالب هم أطفال لعائلات جاءت مع من يعيلها «المجاهد المهاجر» إلى سورية للقتال، فقد تجد في المعسكر أطفالاً من طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وماليزيا وغيرها، وعلى رغم أن وضع هؤلاء الأطفال في مكان لا يوجد فيه إلا تلك الدواليب المشتعلة التي يركض المتدربون بينها، فإن وجودهم في المعسكر يضفي جواً خاصاً عليه!

أحمد ذو التسع سنوات هو طفل «طاجيكي» يتكلم لغته الأم «الطاجيكية»، إضافة إلى التركية والروسية والعربية بطلاقة، ويقوم بالترجمة للمقاتلين الأتراك والشيشانيين الذين لا يجيدون العربية، فكلما احتاج أحدهم إلى مترجم للتواصل مع شخص سوري في المعسكر يتم النداء على أحمد الذي يركض مبتسماً إلى مكان وقوفهما، ليقف بينهما وينظر إلى الأعلى بانتظار أن يتكلم أحدهما ليترجم كلامه للآخر، بعد أن ينهي أحمد مهمته ينصرف راكضاً إلى أصدقائه من أطفال المهاجرين الآخرين ليكمل اللعب معهم.

بعد أن ينهي الأطفال الأكبر سناً بقليل من أحمد معسكرهم التدريبي، يتم فرزهم إلى أعمال تخدم الحركات التي يتبعون لها، ربما يتم إيقافهم على الحواجز، أو وضعهم كحرس على أبواب المقار، أو تكليفهم بأعمال خدمية «كالتنظيف والغسيل وصنع الشاي والقهوة».

تروي أم عزيز «وهي أربعينية سورية من مدينة الرقة»، أنها دخلت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي من الحدود التركية باتجاه سورية عبر معبر «تل أبيض الحدودي»، بعد أن تجاوز زوجها بسيارته حواجز حركة أحرار الشام الإسلامية التي تسيطر على المعبر بكيلومترات عدة، أوقفهم حاجز لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وإذا بطفل لا يتجاوز الثالثة عشرة من العمر يطلب من زوجها أن يفتح صندوق السيارة الخلفي للتفتيش، ليتجه الطفل المقنع إلى الخلف، ويبدأ بتفحص الحقائب التي حملتها العائلة من تركيا، بعد دقيقتين، يعود الطفل المقنع وقد علّق بندقيته على كتفه وحمل بيديه «لعبة» هي عبارة عن سيارة بلاستيك حمراء ضخمة، ليقف في شكل مواجه لشباك السيارة المقابل لمكان جلوس أم عزيز ويسألها قائلاً: «خالة… بتسمحيلي آخد هي السيارة؟».

تصف أم عزيز العَبْرة التي داهمتها في تلك اللحظة، تقول: «إنها أحست بعظم مأساة هذا الطفل الذي كان جلّ ما تمنى الحصول عليه من هذه الدنيا هو سيارة بلاستيك حمراء، لكنه أعطي بندقية سوداء بدلاً منها».

ياسين وهو شاب ثلاثيني من حلب يعمل في جبهة النصرة، يروي أنه طُلب منه أن يخرج كمرافق لرتل تابع للجبهة سيذهب من حلب إلى دير الزور لجلب النفط من آبار تسيطر عليها الجبهة بصهاريج من هناك. فوجئ ياسين بأن طُلب منه أن يصطحب ستة صبيان «تتراوح أعمارهم بين عشرة وأربعة عشر عاماً» كمرافقين مسلحين مع آخرين معه لحماية رتل الصهاريج من عصابات التشليح والنهب.

ليلاً وبعد سفر استمر أكثر من عشر ساعات اقترب رتل الصهاريج من الوصول إلى وجهته «بلدة خشام شرق دير الزور»، كان الأطفال المسلحون «المكلفون حماية الرتل» قد غطّوا في نوم عميق في السيارات بسبب الإرهاق الذي أصابهم نتيجة السفر الطويل، وإذا بحاجز ضخم يوقف رتل الصهاريج ويطلب من السائقين النزول وتسليم الصهاريج فهي محتجزة لمصلحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» لحين حل خلاف بين التظيم وجبهة النصرة على اقتسام عائدات هذه البئر الذي توجهت الصهاريج لتعبئة خزاناتها منها.

بعد جدل اقتنع السائقون بأن لا مفر من التسليم، ليخبر أحدهم أحد مسلحي تنظيم «داعش» بوجود «أطفال مسلحين في الصهاريج كمرافقين للرتل»، يبتسم المسلح التابع لتنظيم «داعش» ويتوجه إلى الصهاريج، ليفتح أبوابها واحداً تلو الآخر موقظاً الأطفال النائمين، وطالباً منهم النزول لأنه تم احتجاز السيارات التي كلفوا حمايتها، يروي ياسين أن بعضهم لم يستجب لنداءات المسلح التابع لـ «داعش»، ما اضطره إلى احتضانهم وحملهم بيديه ووضعهم في سيارات أخرى ليكملوا نومهم.

بين السكان تكثر القصص التي تروي الحال الذي وصل إليها الأطفال الذين تم ضمّهم إلى الفصائل المقاتلة في سورية. فقد تم تسليح أطفال لا يقوون إلا على اللعب واللهو، والحجة التي يتذرع بها من يقوم بذلك هي إعداد جيل مجاهد يألف السلاح ويعتاد الضنك والتعب.

الحياة

غربيون في الجماعات “الجهادية”/ عضوان الأحمري

ارتفع عدد المسلمين الغربيين المنضمين للجماعات المسلحة المقاتلة في سوريا إلى قرابة ألفي مقاتل، بعد أن كانوا لا يتجاوزون 440 قبل نهاية العام 2011، وكانوا آنذاك يمثلون ما لا يتجاوز 11في المائة من إجمالي المقاتلين غير السوريين ضد نظام بشار الأسد. وفي آخر تقرير نشره المركز الدولي لدراسات الراديكالية، التابع لـ«كينغز كوليدج» في لندن، واعتمد فيه على 1500 مصدر معلومات، فقد بلغ عدد المقاتلين غير السوريين على الأراضي السورية أحد عشر ألف مقاتل بينهم قرابة الألفين من مسلمي أوروبا، منهم اربعمائة واثنا عشر من فرنسا وثلاثمائة وستة وستون من بريطانيا. خمسة عشر بلدا أوروبيا من أصل ثلاث وسبعين جنسية يقاتل بعض أفرادها مع الجماعات المسلحة في سوريا، حسب مصادر متعددة، إلا أن مسؤولين في حكومة بشار الأسد يقولون إن الجنسيات المقاتلة تفوق الثمانين جنسية. وينتقد كثير من المحللين والتقارير المتخصصة نظام الأسد وتساهله في دخول الجماعات المسلحة إلى سوريا بهدف استغلالها أمام الرأي العام الدولي والتلويح بخطر الإرهاب.

الأرقام التي بدأت الصحف الغربية تتناقلها من فترة لأخرى عن أعداد الأوروبيين المقاتلين والمنضمين للجماعات المسلحة على الأراضي السورية, دفعت بالمسؤولين في البرلمان الأوروبي للتصريح بمخاطر مشاركة المقاتلين الأوروبيين في القتال إلى جانب الجماعات المسلحة في سوريا، وانعكاسات ذلك على أمن أوروبا، لا سيما احتمالية عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الخمسة عشر التي جاءوا منها، ومدى إمكانية مشاركتهم أو إشراكهم في عمليات انتحارية. ففي الأول من أغسطس (آب) الماضي، طالبت تسع دول، هي فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا ولكسمبورغ وهولندا وبولندا وبريطانيا والسويد، البرلمان الأوروبي إنشاء قاعدة بيانات تسمح بتتبع المقاتلين الأوروبيين في سوريا. أبدت هذه الدول مخاوف من عودة مواطنيها إلى بلدانهم و شن هجمات في أوروبا. ثم جاء التصريح بالقلق من تزايد أعداد المقاتلين الأوروبيين في سوريا على لسان منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرشوف، والذي شدد في مايو (آيار) الماضي على ضرورة التحرك لوقف تزايد أعداد الأوروبيين الذاهبين إلى سوريا للقتال مع الجماعات المسلحة، واصفا ذلك بـ «المشكلة الخطيرة».

هذا القلق يعيد إلى الأذهان قصة آدم غدن، المعروف بأبي عزّام الأميركي، المواطن الأميركي الذي اعتنق الاسلام وهو في السابعة عشرة ثم انتقل بعد ذلك للعيش في باكستان والتحق بتنظيم القاعدة، وفي عام 2004م أذاعت محطة «أيه بي سي» الإخبارية شريط فيديو يتحدث فيه أبو عزّام الأميركي وهو يهدد بلده الأم أميركا بتنفيذ هجمات إرهابية فيه. الدول الأوروبية أكثر وضوحا في التعبير عن قلقها، وكذلك أكثر جدية في التصريحات المتتالية التي أطلقها نواب في البرلمان الأوروبي أو مسؤولون في بعض الدول المتخوفة ومنها فرنسا وبلجيكا، بخلاف الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تصرح بشأن الأعداد التقريبية للمواطنين الأميركان الذاهبين للقتال مع الجماعات المسلحة في سوريا. وهذا عدا تصريح نشرته وكالة الأمن القومي الأميركية في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي على لسان مصدر مسؤول، قال إن 3 مواطنين أميركيين يواجهون تهما بتخطيطهم للذهاب إلى سوريا والانضمام إلى «جبهة النصرة». مع ذلك سارعت واشنطن إلى محاولات التصدي للتجنيد الإليكتروني الذي يقوم به تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له، بعد أن نشرت ملصقات وإعلانات أحدها يطلب من الناطقين باللغة الإنجليزية والذين يعتزمون الذهاب إلى سوريا بعدم المشاركة في دمارها. ويقول نص أحد هذه النشرات «الأسد والقاعدة يدمرون سوريا، لا تشارك في ذلك».

استغلال نظام الأسد الجماعات المسلحة وينتقد عدد من المحللين والتقارير المتخصصة حكومة بشار الأسد تعمدها إطلاق سراح بعض العناصر الإرهابية وتساهلها في دخول الجماعات المسلحة إلى سوريا بهدف استغلالها أمام الرأي العام الدولي والتلويح بخطر الإرهاب، وأن ما يحدث على الأراضي السورية هو عبارة عن إرهاب وليس ثورة شعبية.

ولا يستبعد رئيس مؤسسة كويليام للدراسات والأبحاث في لندن نعمان بن عثمان أن بعض الجماعات المسلحة المقاتلة هناك تدار عبر أجهزة أمنية لمعادلة كفة القتال أو الوقوف إلى جانب نظام الأسد أو عكس ذلك. وهذا ما يعطي دلالات واضحة على استغلال نظام الأسد الجماعات المسلحة بتسهيل دخولها الأراضي السورية لاستعطاف المجتمع الدولي ولإضفاء شرعية أكبر على نظامه.

ما ذهب إليه بن عثمان ذهب إليه كثيرون قبله، فبعد أن كان نظام الأسد يصف الثوار السلميين بالإرهابيين، لم يكن لتنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى أي ذكر في بداية اندلاع الثورة السورية عام 2011. وبعد أن اشتد الخناق على نظام الأسد، بدأت أعداد الجماعات المسلحة بالتزايد، وفي المقابل بدأ مقاتلون تابعون للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله اللبناني بالدخول في معارك علنية بالقصير على سبيل المثال، تبع ذلك تصريح من قبل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأن جنوده في القصير سينتصرون في معركة بين الحق والباطل.

* 2000 مقاتل أوروبي من 15 دولة

* في ديسمبر(كانون الاول) الماضي، عاد منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي دي كيرشوف للتشديد على ضرورة التحرك الجدي والاستفادة من بيانات المسافرين المتاحة عبر الخطوط الجوية لتعقب مقاتلي الدول الأوروبية في سوريا ومعرفة أوقات وكيفية دخولهم إلى هناك. السناتور البلجيكي فيليب دوينتر لخّص القلق الأوروبي في تصريح سابق له مقارب لتصريح دي كيرشوف حين قال : «إن عاد هؤلاء من سوريا فسوف لن يمارسوا الجهاد هناك، بل سيمارسونه على الأراضي الأوروبية، وهذا تهديد كبير للغاية لجميع دول أوروبا وليس على بلجيكا وحدها».

وحسب الإحصاءات التي نشرها المركز الدولي لدراسات الأصولية، فإن فرنسا أكثر دولة خرج منها مقاتلون حتى شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث تجاوز عددهم 412 مقاتلا، تليها بريطانيا بـ 366 مقاتلا ثم بلجيكا بـ 296 مقاتلا وألمانيا بـ 240 مقاتلا، بينما سجلت كل من لوكسمبورغ وسويسرا أقل عدد من الأوروبيين الذاهبين إلى سوريا للقتال بواقع مواطن لكل منها كأقصى تقدير.

رئيس مركز كويليام للأبحاث والدراسات في لندن نعمان بن عثمان قال لـ«الشرق الأوسط» إن الدافع للمسلمين الأوروبيين للمشاركة في القتال إلى جانب الجماعات المسلحة في سوريا، هو الضخ الهائل الذي تقوم به وسائل الإعلام وخصوصا على الانترنت لمشاهد الجثث ومناظر القتل بشكل يومي، رغم أن الدافع الأساس والعدو هذه المرة يختلف عما سبق..طبيعة العدو ليست كما سبق في أن جماعة مسلمة تقاتل حكومة غير مسلمة، كما حدث في قتال الجماعات المسلحة للاتحاد السوفييتي في أفغانستان أو الشيشان أو البوسنة. ويوضح: «العامل في سوريا مختلف وقد يكون عاطفيا أكثر وفي بداية الأزمة كان العدد قليلا جدا وبدأ يتزايد الآن حتى أن آخر الإحصاءات تقول إن عدد المسلمين الأوروبيين المقاتلين في سوريا قرابة 2000 مقاتل. هؤلاء تحولوا إلى جماعات لا تقاتل حكومة غير مسلمة، بل أفراد ضمن جماعات مسلحة تقاتل بعضها البعض وتعتنق الديانة نفسها، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند صرح الأسبوع المنصرم بأن هناك مئات الفرنسيين المسلمين يقاتلون في سوريا». ويؤيد بن عثمان القلق الأوروبي بطرحه دراسة أمنية عن المقاتلين الأوروبيين المشاركين في نزاعات خارجية من أفغانستان حتى العراق، إذ يقول : «ان شخصا من كل 9 أوروبيين يحتمل أن يقوم بعمليات انتحارية أو هجمات إرهابية بعد عودته إلى بلده». ويضيف: «هذا مؤشر خطر، ومثلا إذا كان قرابة 400 بريطاني يقاتلون في سوريا الآن فإن 40 من هؤلاء من المحتمل أن يقوموا بعملية إرهابية أو هجوم بعد عودتهم».

كذلك حسب نعمان بن عثمان فإن ظاهرة مشاركة المسلمين الأوروبيين في القتال في بلدان النزاع «ليست وليدة اليوم، فهي بدأت منذ ما يسمى بالجهاد الأفغاني ثم تنامت تدريجيا في الشيشان والبوسنة رغم اختلاف طبيعة القتال ونوع العدو»، ويرى أن أحد أهم وأخطر عوامل قابلية المسلمين الأوروبيين أو غيرهم للنفور – كما هو مصطلح تلبية النداء – هو ما يسمى بـ «الدوافع المتغيرة» والتجنيد غير المتوقع كذلك، ثم يضيف: «قد يذهب أحدهم مثلا في هيئات إغاثية أو للعمل الخيري لمساعدة المتضررين وفجأة يجد نفسه في أحد خنادق القتال داعما لأيديولوجية معينة ضد فريق معين. والغريب في الأمر وتحديدا في مشاركة المسلمين الأوروبيين في القتال ضد بشار الأسد هو بدء قبول بعضهم لفكرة الطائفية، وهذا أحد مسببات القلق لدى الدول الأوروبية. المسألة ليست في عودة هؤلاء واحتمالية تنفيذهم لهجمات انتحارية من عدمه، بل في كونهم أدوات صراع طائفي جديد في بيئات أبعد ما تكون عن ذلك».

وعن كيف تعاملت وستتعامل بعض الدول الأوروبية مع أزمة تزايد أعداد المقاتلين الأوروبيين في سوريا، يقول الخبير في الحركات الإسلامية صلاح الدين الجورشي إنه «من المستبعد أن يغلق القوس السوري قريبا، وأن ملف المقاتلين من أصول غربية سيبقى مفتوحا طيلة السنة الجديدة على الأقل». ويضيف: «خلافا لما يظن البعض، فإن الحكومات الأوروبية بالخصوص تحاول أن تتابع بدقة رعاياها المتورطين في المستنقع السوري، وتعرف عددهم بشكل تقريبي، وتتقصى أخبارهم بشكل متواصل. بل إن العديد من الحكومات الأوروبية تسعى حاليا لإعادة ربط الصلة بنظام دمشق من أجل التعاون معه حول ملف المقاتلين من رعاياها» .

ويتابع الجورشي : «لقد أصبحت هذه الحكومات تخشى على أمنها القومي في حال عودة هؤلاء المسلحين إلى دولهم في صورة فشل جهودهم بسوريا. لكن التجارب السابقة أثبتت أن احتواء هذا النمط من الشباب أمر ممكن. فالذين قاتلوا في البوسنة أو بالعراق خضعوا للمراقبة، واندمج الكثير منهم مرة أخرى في بيئتهم الأصلية. وإذا كان هناك في أوروبا اليوم من دعوا إلى سحب جنسية المشاركين في الحرب الأهلية السورية من أجل منع عودتهم إلى بلدانهم، إلا أن هذا الرأي لا يزال يعتبر إلى حد الآن شاذا ولم يؤخذ به رسميا، حيث أن الرأي السائد هو العمل على تشجيع العودة والاندماج، مع ملازمة الحذر والتمييز بين الذين يعتبرون معركتهم تنتهي داخل الحدود السورية، وبين آخرين يؤمنون باستراتيجية الحرب الدائمة، ويعملون على نقل العنف المسلح إلى داخل الفضاء الأوربي بحجة تحميل أوروبا مسؤولية استمرار نظام الأسد، وذلك وفق استراتيجية تنظيم القاعدة وحلفائها. وهو ما من شأنه أن يبقي هذا الملف مفتوحا لفترة قد تطول، وذلك لاستعماله في أكثر من سياق، ولتحقيق أكثر من هدف».

* حلم «الخلافة» وأمان التجربة

* وفي تحليل لأسباب تدفق المقاتلين الأوروبيين إلى سوريا يرى الجورشي موضوع مشاركة المقاتلين الغربيين في الأزمة السورية «طبيعيا» لعدة أسباب، أهمها : ازدهار تنظيم القاعدة من جديد، إضافة إلى أن الأراضي السورية أصبحت شبه مفتوحة أمام المقاتلين من كل مكان لدخولها، ولا سيما المناطق المحررة التي أصبح الكثيرون يتدفقون إليها لإعادة حلم «الخلافة الإسلامية» وتجربة أساليب حياتية مختلفة كنوع من التجربة والمغامرة. ويضيف الجورشي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد انفتحت سوريا كليا أمام القادمين من أجل المغامرة أو الحلم بعودة «الخلافة الإسلامية»، أو دعم شعب في حالة مواجهة مع نظام عنيف. ولم يعد الأمر يتعلق بجماعات صغيرة ومتفرقة تقوم بمناوشات وعمليات محدودة واستعراضية هدفها إضعاف الأنظمة، مثلما كان يحصل مع الأشكال التقليدية لتنظيم القاعدة في المرحلة السابقة، وإنما انتقل المشهد نحو تشكل جيوش حقيقية تتمتع بالقوة والقدرة والتدريب الجيد والانضباط الاحترافي، والتمركز على مساحات جغرافية واسعة، وهي تحظى بالدعم المالي والإمدادات البشرية والعسكرية، مما يسمح لها بخوض معارك كبرى مع الجيش النظامي. كما تتمتع بالتنظيم المحكم القائم على التقسيم الوظائفي للعنصر البشري والقدرة على التكيف مع مختلف الوضعيات والصعوبات.

ويشرح الجورشي المشكلة من زاوية أخرى، وهي أن المناطق المحررة «وفرت ما يشبه المناخ الملائم لخوض تجارب حياة مختلفة للقادمين من دول كثيرة». ويقول: «يذكر البعض أن هناك ما لا يقل عن حاملي سبعين جنسية صهرتهم أرض المعركة، ووحد بينهم «يوتوبيا» الحلم بدخول الجنة أو « تغير التاريخ» . فأرض «مفتوحة» مثل هذه من شأنها أن تجلب الشباب القلق في البلاد الغربية، والباحث عن نمط مختلف للسلوك الاجتماعي، والساعي نحو نماذج «تحرره» من أزمة الهوية التي تعاني منها في مختلف البلدان الأوروبية والغربية التي تمر حاليا بأزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية صعبة ومعقدة.

يختم الجورشي كلامه بالقول أن أمان التجربة دافع آخر لهؤلاء المقاتلين للذهاب إلى سوريا ويقول: «كما تعتبر هذه المغامرة إلى حد ما مؤمنة العواقب. ولا يعود ذلك فقط إلى سهولة دخول الأراضي السورية عن طريق تركيا المناهضة لنظام دمشق، وإنما أيضا بسبب غض الطرف من قبل الحكومات الأوروبية نفسها على الشبكات الميسرة لالتحاق هؤلاء بالجبهة السورية، وذلك طيلة المرحلة السابقة من النزاع».

* التجنيد الإليكتروني والحملات المضادة

* من جهة أخرى، ومع تنامي القلق الأوروبي من تزايد أعداد المقاتلين، بدأت الولايات المتحدة الأميركية منذ ديسمبر الماضي بالتحرك لتقليل تزايد الأعداد، وذلك من خلال إطلاق برنامج «بايلوت» على شبكة الانترنت، الهدف منه التصدي لحملات التجنيد التي يطلقها تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية والمسلحة إليكترونيا. ونشرت «نيويورك تايمز» في الرابع من ديسمبر الماضي تصريحا على لسان مسؤول في الخارجية الأميركية أن حملة «بايلوت» ستكون مضادة للتغريدات على موقع «تويتر» وللمقاطع المرئية المترجمة التي يصدرها تنظيم القاعدة والجماعات التابعة والمرتبطة به. وحسب المصدر فإنه بعد ثلاث سنوات من المتابعة من قبل محللين في مكتب الخارجية الأميركية، وجد أن الفئة العمرية المستهدفة من قبل الجماعات المسلحة هي من 18-30 سنة، وغالبا ما تكون في منطقة الشرق الأوسط.

ويقول الدكتور فايز الشهري الباحث في الإعلام الإلكتروني والجديد : «إن التجنيد الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي او المدونات أو المواقع على الشبكة العنبكوتية بات أسهل بكثير مما سبق، وذلك أن ما يسمى بالجيل الثالث من المقاتلين في الجماعات المسلحة نشأ مع التقنية وأصبح مرتبطا بها أكثر، لا سيما أن الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت شعبية ومنتشرة». ويضيف «مواجهة حملات التجنيد الإلكترونية التي تقوم بها الجماعات المسلحة ضعيف وسيبقى ضعيفا، والسبب هو أن الأجيال الجديدة من المقاتلين أو الراغبين في الانضمام للجماعات المسلحة نشأوا مع التقنية وبين أحضانها، ولهذا فهو ينتقل من موقع لآخر ومن شبكة اجتماعية لأخرى في الوقت الذي يتعرض لعشرات الرسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة، وخصوصا أن هذه الجماعات الإرهابية والمسلحة تقوم بإسقاط الآيات والأحاديث مع مؤثرات صوتية لكسب التعاطف والتأثير في العاطفة قبل أي شيء آخر».

وعن سهولة تجنيد الغربيين من قبل الجماعات المسلحة والناطقة بالعربية يقول إن «التجنيد يبنى على أساس العاطفة أولا ومحاولة استدرار عطف المسلمين الأوروبين وتصوير أنهم يعيشون في عزلة عن النسيج الاجتماعي للدول الأوروبية التي يعيشون فيها، مما يحفزهم على الخروج والعيش في بيئة (أخوية إسلامية)، كما يحلو للبعض تسميتها وتصويرها».

هذا القلق المتنامي، والاحتياطات التي بدأت الدول الغربية وتحديدا دول القارة الأوروبية باتخاذها للحد من تزايد أعداد المسلمين الغربيين الذاهبين إلى سوريا بغية الانضمام للجماعات المسلحة، يعطي دلالات على عدم قدرة أجهزة مكافحة الإرهاب والمتخصصين في كثير من الدول المتضررة من العنف والتطرف على وقف حملات التجنيد الإلكتروني، والاستعاضة عن ذلك بالتشديد ومحاولة مراقبة من ينوون السفر إلى دول ذات حدود متاخمة لمناطق الصراع في العالم. كل هذا يتيح الفرصة أمام التساؤلات عن مدى احتمالية زيادة أعداد المقاتلين المسلمين الغربيين في تلك الجماعات، وهل سيؤدي هذا التزايد إلى وجود قياديين من دول غربية في تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له في المستقبل؟

لندن

متى يضرب «جهاديو سوريا» في أوروبا؟/ كارمن جوخدار

«مؤامرة لاستهداف العاصمة البلجيكية بروكسل، التي تحوّلت إلى مركز حيوي لتصدير المقاتلين إلى سوريا»، بحسب عضو في البرلمان البلجيكي، عنوانٌ لرعب جديد تعيشه القارة الأوروبية جراء عودة المقاتلين المتطرفين من سوريا، بحسب ما أكدت مراسلة صحيفة «الإندبندنت» البريطانية شارلوت ماكدونالد.

«راية التوحيد كنت حلماً، مرحبا يا أروع الأحلام». على وقع نشيد «لواء التوحيد» الإسلامي تختال مجموعة من «الفرسان» (هم المقاتلون والأمراء في التنظيم الإسلامي)، كل يمتطي جواده حاملاً راية «اللواء» وتنظيم «القاعدة».

هذه «اللقطة» مع بعض المشاهد لتدريبات يقوم بها هؤلاء، نشرها المراهق البلجيكي براين دو مولدر (19 عاماً) على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «يوتيوب»، كانت كافية لتثير جنون القادة الأوروبيين من التهديد الذي يلوح في الأفق، بعد عودة عدد كبير من «الجهاديين» من سوريا إلى بلادهم، ليصبح احتمال قيامهم بهجمات داخل اوروبا نفسها، مسألة وقت لا اكثر.

وفي هذا الإطار، يرى المدير التنفيذي للشرطة الأوروبية «يورو بول» روب واينرايت أنه «مع عودة المسلحين من سوريا، يمكن لآرائهم المتطرّفة أن تزداد رسوخاً، وهو ما يشكّل خطراً على المجتمع برمّته وخاصة في ترجمة هذه الأفكار بأفعال مباشرة».

قلق واينرايت يعززه إعلان «المركز الدولي لدراسة التطرف»، الشهر الماضي، أن حوالي 1900 أوروبي يقاتلون في صفوف المسلحين في سوريا، مشيراً إلى أن هؤلاء انخرطوا في صفوف الجماعات الإسلامية التي تقاتل في سوريا ومن بينها «جبهة النصرة».

وقد أعلن عمدة أنتويرب (مدينة بلجيكية) بارت دو فيفر عن سياسة لنزع الجنسية ممن ذهب إلى القتال في سوريا، مضيفاً «لا أريد أن يعود هؤلاء المتطرفون إلى المدينة، فهم يحاربون قيمنا»، بالرغم من إشارته إلى حقهم في فرصة ثانية.

وفي الوقت الذي أثار فيه الشريط المصوّر قلق السلطات البلجيكية، كان وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس اعتبر، أمس الأول، أن هؤلاء يشكلون «قنبلة موقوتة»، محذراً من أن «الهجمات الإرهابية التي قد ينفذها مئات الجهاديين الأوروبيين العائدين من دمشق تمثّل الخطر الأكبر خلال السنوات المقبلة».

وقد أعلن فالس أن نحو «12 شاباً فرنسياً قاصراً توجّهوا إلى سوريا في سبيل الجهاد»، مشيراً إلى أن «ظاهرة انخراط هؤلاء الشبان في الحرب السورية تضاعفت في الأسابيع الأخيرة». وأشار إلى أن «الاستخبارات الفرنسية تبينت أن حوالي 700 من الرعايا الفرنسيين أو الأشخاص الذين يعيشون في فرنسا يقاتلون في سوريا أو عادوا من هناك أو يخططون للانخراط في العمل الجهادي».

من بلجيكا وفرنسا إلى بريطانيا، حيث حذّر قائد شرطة سكوتلاند يارد في وحدة مكافحة الإرهاب ريتشارد والتون من وجود إشارات إلى أن العائدين من سوريا تلقوا أوامر لتنفيذ هجمات إرهابية في بريطانيا.

ويدرّب تنظيم «القاعدة» مئات البريطانيين المقاتلين في سوريا ليصبحوا «جهاديين»، ويحثّهم على شن هجمات بعد عودتهم إلى بلادهم، وفق ما أعلن أحد المنشقين عن التنظيم في مقابلة مع صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية.

وقال العشريني الذي كان يقاتل في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في المقابلة التي جرت عند الحدود السورية – التركية، إن «مجندين آخرين من أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا تدرّبوا أيضاً على تفخيخ سيارات، ثم عادوا إلى بلدانهم كي يشكلوا خلايا إرهابية».

وأضاف المقاتل المنشق، المعروف باسم مراد، أن «المقاتلين الأجانب في سوريا كانوا فخورين بعملية 11 أيلول وباعتداءات لندن»، مشيراً إلى أن كلاً من هؤلاء حدد هدفاً له. وإذ وصف مراد تدريبات «داعش» بـ«القاسية جداً»، نقل عن أحد المقاتلين الأميركيين قوله إنه «يحلم بتفجير البيت الأبيض».

وأشارت «التلغراف» إلى أن وكالة التجسس والاستخبارات البريطانية تعمل على تخصيص المزيد من الموارد لمعالجة الخطر الناتج عن عودة هؤلاء الجهاديين، الذين بلغ عددهم 500 شخص، بحسب تقديرات الوكالة.

وفي سياق الخطوات العملية والاحترازية التي تقوم بها الحكومة البريطانية، كانت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي قد سحبت الجنسية البريطانية من 20 «جهادياً» يقاتلون في سوريا. واستخدمت ماي صلاحياتها في سحب الجنسية من هؤلاء كونهم يتمتعون بجنسية أخرى غير الجنسية البريطانية، علماً بأن أكثر من 200 «جهادي» بريطاني يقاتلون حالياً في سوريا، وفق تقديرات الأجهزة الأمنية.

ومنذ أيار العام 2010، ألغت الوزيرة 37 جواز سفر لبريطانيين يحملون جنسية مزدوجة، بحسب ما يشير تحقيق أجراه «مكتب التحقيق الصحافي»، ونشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، الشهر الماضي.

إلى برلين، حيث أشارت صحيفة «در شبيغل» الألمانية إلى أن السلطات تسعى من خلال خطة مدروسة للحد من أعداد الشبان الألمان الذين يتوجهون للانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، عبر تطوير شبكة وطنية من الخطوط الهاتفية الساخنة ومراكز الاستشارات، لتمكين الآباء أو الأصدقاء المعنيين من الإبلاغ عن الشبان المتطرفين.

وبيّنت الصحيفة، الشهر الماضي، أنه في الوقت الذي يواصل فيه «المقاتلون الألمان» السفر إلى سوريا بأعداد كبيرة، حيث نجح نحو 230 منهم في الالتحاق بالمجموعات المسلحة، دعا وزير الداخلية في ولاية هيسن الواقعة في غرب ألمانيا بوريس راين إلى إنشاء نظام للإنذار المبكر لمنع هؤلاء الشبان من السفر إلى سوريا. وكان وزير الداخلية الألماني حذر في نيسان الماضي، من الخطر الذي يشكّله هؤلاء «الجهاديون» على الأمن القومي لبلادهم.

المحاولات الأوروبية لاحتواء خطر الإرهابيين العائدين، التي تجلّت بإجراءات قانونية وصلت إلى حد سحب الجنسية في كثير من الدول الأوروبية وغيرها ككندا وأستراليا، بالإضافة إلى توقيع تسع دول أوروبية على بيان يطالب الاتحاد الأوروبي بوضع قاعدة بيانات للمسافرين بهدف منع المتشددين المشتبه فيهم من السفر للقتال في سوريا، قد لا تكفي لأن العمليات الإرهابية باتت تنفّذ بشكل فردي.

عشية مؤتمر «جنيف 2»، لا بد من طرح إشكالية هؤلاء «الجهاديين» الذين يعيثون فساداً وخراباً وتدميراً وقتلاً في سوريا، وفي الوقت الذي يشكلون فيه تهديداً صريحاً لأوطانهم. فأين هم من الحل المنشود في مؤتمر السلام الدولي؟ وهل يحتاج العالم، أمام موجة الإرهاب المرعبة، الى وقفة حقيقية تضيء عتمة نشرها الظلاميون الظالمون؟ وهل ستثمر اللقاءات السرية التي عقدها مسؤولون في الاستخبارات الغربية مع الحكومة السورية، بحسب ما أعلنت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، وحدة صفٍّ دولية لمحاربة من «جاءنا بالذبح»؟

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى