صفحات الناس

مقالات تناولت مأساة مخيم اليرموك

ثقبٌ إضافي.. لينام مخيّم “اليرموك”/ أيمن الشوفي

يداك تحفظ خارطةَ وجهك. وجهك يحفظ خارطةَ يديك، وعليك أن تهتدي إلى رائحة النجاة كل يوم. الحصار صار شكلك. مائةٌ وثمانون يوماً بين أنقاض مخيمٍ اسمه «اليرموك»، والموت يقتات من جلدك، وأنت تهشّهُ بيدك الرخوة، وتتفقّد بيدك الأخرى الجهات مجدداً. داخل المخيم «الجيش الحر» وفي الخارج «الجيش النظامي» ومعه «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة».

أنت واحدٌ من بين 20 ألف فلسطيني وثّق الحصار قيودهم في الداخل. فيما نجا منه 125 ألف فلسطيني بعد نزوحٍ جديد عن مخيم «اليرموك»، غير الذي اقتادهم إليه عام 1957، حين تأسس اسمنت المخيم.

لا تقلق، فبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بشّرك بعشرة ملايين نازحٍ سوري هم أخوتك في النزوح. ستة ملايين نازح في الداخل وأربعة ملايين نازح في الخارج يحتاجون ستة مليارات دولار قد تصيب أنتَ بعض الدولارات منها أو قد لا تصيب.

ولا تقلق، فمجموعة أصدقاء الشعب السوري اجتمعت منذ أيامٍ في باريس لأجلك، وطمأنت الائتلاف الوطني وطمأنتك بأن لا مستقبل للأسد في العملية السياسية، وبشرّت الإئتلاف وبشرّتك بصلاحياتٍ كاملة لحكومةٍ انتقالية. إذاً اثقب حزامك الجلدي ثقباً إضافياً يلائم نحول خصرك لتنام. أو ابحث عن قطةٍ في العتمة لتداعب فروها، تمدد قربها، وأولم لها جسدك الناحل. فهي جائعةٌ مثلك. قل لها: كلي جسدي فـ«جنيف -2» في موعده. ولا تصدق فتوى شيخ جامع فلسطين قبل ثلاثة أشهر حين أجازت لك أكل لحم الكلاب والقطط ولحمي.

إن نِمْتَ فاحلم بأن هدير طائرات الـ«ميغ» قد توقف، وصنابير الرصاص المفتوحة عليك قد توقفت. وقذائف الهاون المتواثبة إلى المكان حيث أنت قد توقفت، والنظام حمل حقائبه وغادر، واحلم بأن المعارضة في الخارج صدّقتك. ملّت كذب السياسة والفنادق، وصارت بشراً مثلك من لحمٍ ودم. افترشت الشوارع في أوروبا والولايات المتحدة واعتصمت لأجلك. أضربت عن الطعام يومين أو ثلاثة، حيث هي، لأجلك.

والموت يحتار في تعدادك. فإما أنت من بين تسعة وثلاثين شخصاً قد ماتوا في مخيم «اليرموك» خلال ستة أشهر من الحصار. أو أنت من بين خمسين ماتوا من الجوع والانتظار. فيما أعلنت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا موت ستة عشر فلسطينياً في المخيم خلال ستة أيام من الشهر الحالي، بعدما ملّوا الجوع فصاروا أخوته بالرضاعة.

لا تقلق أيضاً، فـالـ«أونروا» حذّرت من تدهور وضع المخيم إنسانياً بعدما اضطر الأطفال فيه لتناول أطعمةٍ مخصصة لغير البشر، والأهالي إلى أكل لحم القطط، لذا تعتزم الـ«أونروا» إطلاق حملةٍ شعارها «أنقذوا مخيم اليرموك».

هل تستطيع ثقب حزامك الجلدي ثقباً آخر لتعرف اسمك؟ انطقه بشفتيك المتيّبستين: تقي الحجة وعمرك عشرة أيام. متُّ من الجوع. اسمك: مريم محمد وعمرك خمسٌ وخمسون يوماً. متُّ من الجوع. اسمك: آلاء المصري وعمرك سنة ونصف السنة. متُّ من الجوع. اسمك عبد الحي يوسف وعمرك أربع سنوات. متُّ من الجوع. اسمك ملك جمعة. عمر حسين. عارف عبد الله. عوض السعيدي. حسن إبراهيم قصيني. أحمد خليل. أمل قاسم عوكل. خير الله حسن منصور. ابتسام علي بطو. علاء خليل. قاسم خيرات. بشار عجان. ربيحة سعود الماضي. محمد أبو ناصر. عدنان الناظر. مسرة قنبرجي. أحمد عدوان أحمد الحموي. زهير سنان. فايز سعدية. أحمد رشيد. حميد قاسم المغربي. محمد خير الله السعد. كوثر عبد القادر. معتصم عبد الغني. محمد خير الله السعد… متنا من الجوع.

(دمشق)

السفير

الجوع الكافر: مخيم اليرموك/ ربيع بركات

«نحن غير قادرين منذ أيلول 2013 على دخول المخيم لتقديم المساعدات الضرورية التي يحتاجها السكان. إن استمرار وجود الجماعات المسلحة التي دخلت المنطقة في نهاية العام 2012، ومحاصرتها من قبل القوات النظامية، أحبطا كل جهودنا الإنسانية». (كريس غونيس – المتحدث باسم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»).

تتناقض روايتا النظام وبعض قوى المعارضة في سوريا حيال مسؤولية الكارثة في مخيم اليرموك بشكل صارخ. ثمة في المعارضة من يرفض الحديث عن تمترس جماعات مسلحة في المخيم من أصله. من بين هؤلاء من يقول إن المقاتلين انسحبوا جميعاً، فيما ظلت قوات النظام والمنظمات الحليفة تمارس على البيئة التي احتضنتهم بطشاً منظماً وقتلاً بطيئاً (راجع حديث فاروق الرفاعي، الناطق باسم مجلس قيادة الثورة في دمشق، لقناة «الجزيرة»). في المقابل، يصر النظام على ابتلاع القضية بكلمتين أو ثلاث تتلخص بالإشارة إلى مسؤولية «الإرهابيين» عن «منع وصول الغذاء»، ليغدو حصار قواته تفصيلاً عابراً لا أصلاً في القضية، وليصبح الأساس حيلولة «عصابات» دون وصول قوافل المساعدات إلى مقاصدها.

ضحايا الجوع داخل «اليرموك»، بحسب ما تظهره تصريحات مسؤولي «الأونروا»، سقطوا في سياق عملية تكاذب صريح لا تستثني الطرفين المتنازعين. من شحّت أجسادهم حتى الأجل، يمثلون جوعاً إلى هامش إنساني تلاشى وسط غبار المعارك، على الأرض وفي الإعلام. هؤلاء وقود الحرب والورد الذابل على جوانبها. مرة يقتلهم النظام في تغليبه سياسة الحل الأمني والأرض المحروقة، ومرة تغتالهم فصائل معارضة، مباشرة إن كانوا خصومها ومواربة عبر رهنهم لحسابات الميدان.

كاد جوهر المسألة، لولا المبادرات الإنسانية الأخيرة التي انطلقت في غير مكان، ينحصر في استثمار الحدث وتسجيل النقاط. لم يكن يتعلق بنفخ الحياة في القامات المتهدلة لمن تبقى من السكان وتنظيم عملية إجلائهم قبل أن يذوبوا في التراب، بل أدرج سريعاً في جدول الأرباح والخسائر واحتمالات التوظيف، ومنها ما يتصل برمزية المخيمات في ذاكرة العرب الجمعية وفي الخطاب السياسي لمحاور الإقليم.

ولم يكن صعباً إجراء مقارنات تاريخية تصب في هذا السياق. فاستعيدت مشاهد حصار مخيم «تل الزعتر» مطلع الحرب الأهلية اللبنانية وذكريات حرب المخيمات في نصفها الثاني. وسلطت الأضواء على أوجه التشابه: معركة «تل الزعتر» نفذت بغض طرف سوري إبان اجتياح قوات اليمين «الانعزالي» أكبر معقل للفلسطينيين في المناطق المسيحية واقتلاعهم منها، فيما «حرب المخيمات» اشتعلت بتشجيع دمشق على استئصال «العرفاتيين» من داخل مجمعات اللاجئين، وشنتها حركة «أمل». حصل هذا علماً أن الكثير من نقاط التمايز أغفل في سياق تهافت التوظيف. من هذه النقاط مثلاً أن «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» شاركت في «حرب المخيمات» إلى جانب سائر الفصائل، فيما تجد نفسها اليوم في قلب المعركة من أجل السيطرة على «مخيم اليرموك». وهي في هذا الإطار تواجه قوات خرجت من رحم «الحراك السوري» ـ لا الحركة الفلسطينية – وتحول غالبها المسلح إلى مغاير عقائدي للفصائل الفلسطينية بشقيها، الوطنية منها والإسلامية.

غير أن التوظيف المذكور في الاتجاهين، وبغض النظر عن جهته ومراميه، ظل امتداداً للأصل. والأصل هو المشهد بهوله الصريح، بكفره الفاجر، بالجوع الذي أغفله العالم زمناً برغم أن أخبار أكل الكلاب والقطط خرجت من ثنايا المخيم وأزقته إلى العالم قبل أشهر ثلاثة، ولم تحرك ساكناً. وقد ظل النظام مذاك على أدائه: أحكم الحصار معتبراً أنه قادر على الحسم بمزيد من الخنق. فيما أخذ بعض المعارضة يعد العدة لتحويل المقتلة إلى رأسمال دعائي يسهل تسييله في الإعلام، مرفقاً بنفي الاشتراك في المسؤولية التي أكدها وفد «منظمة التحرير» بزيارته الأخيرة إلى دمشق.

يمكن الخروج من شوارع «اليرموك» إلى فضاء الحرب السورية بخلاصات متشابهة. فمأساة المخيم تظهر جانباً أسود يجوز العمل على تقليصه في مشهد التقاتل، وهو جانب قابل للإحياء بمعزل عن الموقف السياسي وعن مؤازرة هذا الطرف أو ذاك. إذ ثمة بعد إنساني بأمس الحاجة اليوم إلى حيز خاص، حتى يعاد الاعتبار للحياة كمقصد نهائي في البلاد، لا للموت كظاهر المستقبل في دوامة العنف المتمادي.

وإعادة الاعتبار للبعد الإنساني، بصفته هذه، أي مفصولاً عن السياسة، يعيقها احتدام النزاع ومنطق الاستقطاب الحاد. إذ ما زال القتل الذي باشرت به أجهزة الأمن ولحقتها نحوه جماعات العنف «الجهادي»، بـ«داعشها» وغيره، أداة سياسية وسلعة إعلامية لا ضوابط لاستنفادها. والموت هنا، بأشكاله الأكثر بؤساً، لا يصيب أفراداً وجماعات إصابات مباشرة فحسب، بل يهدد بتشكيل أجيال معطوبة من السوريين وبترك ندوب في ذاكرتهم الجمعية لعقود مقبلة.

لا نهاية للخراب ولا لسيل الدماء في بلاد الشام قبل أن تضع الحرب الأهلية السورية أوزارها بغطاء إقليمي ورعاية دولية. بيد أن الرهان على قدرة ما على «ضبط» آلة القتل، ولو بالحد الأدنى، جائز إذا ما تبلورت دوائر اجتماعية، داخل سوريا وخارجها، تهدف إلى متابعة الجانب الإنساني بعيداً عن التسييس. وهذا، في نهاية المطاف، يصب في خانة توسيع هامش الراغبين بحل يبقي على ما تبقى، ويرجح في الميزان كفة التغيير التدريجي، تحديداً لأنه يثبت منطقاً حقوقياً، هو، من حيث المبدأ، أعلى من السياسة وأثبت.

«اليرموك»، اليوم، يشكل مثالاً على المذكور، وفيه تصح هذه القراءة. إذ ان المسألة الإنسانية تحتاج إلى حيز خاص.

فالجوع كافر في «اليرموك». ولا يملك النظام أن يتهم أحداً بالتكفير لقول كهذا، فيه كل حب الحياة. الجوع كافر، ولا يصح في حضرة الأجساد المتهالكة أن تبقى ذرائع الميدان أقوى الاعتبارات لدى فصائل المعارضين المقاتلين فوق الركام. الجوع كافر. وكل إنسان سوي عليه أن يشير إليه بذلك بالبيان. وكل إنسان عليه أن يكون «تكفيرياً» بهذا المعنى.

السفير

اليرموك.. خذلان مخيم ام تصفية ملف؟!/ هشام منور

أسماء عدة تتنازع العام الفائت 2013 بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، فهم الأكثر تعرضاً للتعذيب والاغتراب والتهميش والاهمال من بين كل شرائح مجتمعهم من الفلسطينيين داخل الوطن او خارجه. عام الشهداء، عام التشرد والنكبة، عام الخذلان، عام الموت جوعاً، عام الحصار، أسماء وصفات أطلقها اللاجئون الفلسطينيون في سورية على عام 2013، عام هو الأقسى بتاريخ نكبتهم ولجوئهم، حصد فيه الموت أرواح ما يقارب الألفي لاجئ فلسطيني بين جائع وغريق وشهيد تحت التعذيب.

أحداث مروعة عاشها فلسطينيو سورية في مختلف مخيماتهم من النيرب وحندرات في حلب شمالاً، فمخيم درعا في الجنوب السوري الذي كان له نصيب كبير من القصف والحصار، فلا يكاد يمر يوم دون أن يتعرض فيه المخيم لقصف أو اشتباك، مجازر عدّة وقعت في المخيم كان من أفظعها يوم 21 كانون الاول/ ديسمبر حيث استشهد 16 لاجئاً بسبب القصف الجوي الذي استهدف منازل المخيم.

في دمشق، عانى أهالي مخيم اليرموك من ويلات القصف والحصار، حيث استشهد العشرات من أبنائه إثر أعمال القصف والقنص المتكررة، إضافة لكارثة إنسانية أصابت من تبقى من الأهالي، حيث خضع المخيم لحصار مشدد فرض قبل نحو ستة أشهر، فتم منع إدخال الغذاء والدواء بشكل كامل مما أدى إلى نفاد الأدوية والأغذية داخل المخيم، وبسبب حالات الجفاف التي انتشرت بين الأهالي سجل استشهاد نحو أربعين مدنياً من أبناء المخيم بسبب عدم توافر الغذاء لهم. فمخيم اليرموك الذي يعد عاصمة للشتات الفلسطيني بوصفه الأكبر من حيث عدد السكان والأكثر ارتياحاً قبل اندلاع الثورة السورية، حيث كان يشكل ملاذاً آمناً لكل التجار وبقية مكونات الشعب الفلسطيني في سوريا وخارجها ممن يريد شق طريقه بعز وكرامة.

اليوم يموت أبناء مخيم اليرموك جوعاً وكمداً في ظل تقصير كبير من الجهات الرسمية الفلسطينية والتي لم تتفاعل مع الموضوع بالشكل المفترض، إضافة لتقصير الجهات الدولية والإغاثية التي أعربت أكثر من مرة عن فشلها في إدخال الغذاء إلى نحو عشرين ألف لاجئ يخضعون لحصار مشدد من قبل الجيش السوري النظامي وبمشاركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وذلك بحجة وجود مسلحين تابعين للمعارضة السورية داخل المخيم.

المخيمات الفلسطينية في ريف دمشق ليست بأفضل حالاً، فقد شهد مخيما السبينة والحسينية في ريف دمشق اشتباكات عنيفة جداً بين المعارضة المسلحة والجيش النظامي، مما أدى لاستشهاد العشرات من أبناء المخيم بسبب القصف والاشتباكات المتبادلة، وانتهت الاشتباكات بسيطرة الجيش النظامي عليها، لكن ومنذ سيطرته على تلك المخيمات قبل نحو ثلاثة أشهر لا يزال الأهالي ممنوعون من العودة إلى مخيمهم دون إبداء الأسباب، وتقوم القيادة العامة التابعة للسيد جبريل بمحاصرة المخيم ومنع أهاليه من العودة اليه من دون ابداء اي أسباب او ذرائع.

خان الشيح قصة أخرى مع المعاناة حيث شهد المخيم حالات عديدة من قصف واشتباكات في محيطه بالرغم من تأكيد الأهالي على أن مخيمهم خال من المسلحين، لكن وبسبب موقع المخيم في الريف الدمشقي وتواجد عدد من المجموعات التابعة للمعارضة المسلحة في المناطق المحيطة به وضعت المخيم في حال لا يحسد عليه حيث تندلع اشتباكات شبه يومية في تلك المناطق، إضافة لأعمال قصف كثيفة تستهدف المخيم، فيما تزداد معاناتهم مع قيام حواجز الأمن السوري في المناطق المجاورة للمخيم بإغلاق الطريق في وجه الأهالي وذلك بسبب الإشتباكات، مما وضع المخيم بحالة من العزلة عن باقي المناطق.

مخيمات خان دنون والسيدة زينب والوافدين ومخيم جرمانا في ريف دمشق تعاني من أزمات معيشية خانقة خصوصاً مع نزوح عشرات العائلات من المخيمات الأخرى إليها مما تسبب باكتظاظ سكاني كبير في تلك المخيمات التي تعاني أصلاً من مشكلات في البنية التحتية، مما أدى إلى ارتفاع إيجارات المنازل وضعف في الخدمات.

في الشمال السوري يختلف الوضع باختلاف موقع المخيم وما يحيط به، حيث يعاني مخيما النيرب وحندارت في حلب من تبعات الصراع في سورية، فقد شهد مخيم حندرات اشتباكات عنيفة بين الجيش النظامي ومجموعات من المعارضة المسلحة، وانتهت بسيطرة المعارضة عليه، واضطرار معظم سكان المخيم إلى مغادرته حيث نزحوا إلى الأحياء والمدينة الجامعية المجاورة ولم يتمكن معظمهم من العودة إلى مخيمهم حتى الآن، أما الوضع في مخيم النيرب فلا يزال متوتراً وذلك بسبب قربه من مطار النيرب العسكري، والذي لايزال تحت سيطرة الجيش النظامي، فيما تفرض مجموعات من المعارضة المسلحة حصاراً على المخيم، وذلك بسبب موقعه المجاور للمطار العسكري وبحجة تواجد محسوبين على الجيش النظامي داخل المخيم.

مخيما العائدين في حماة وحمص، ومخيم الرمل في اللاذقية أوضاعهم أفضل من بقية المخيمات في سوريا إلى حد ما، حيث تقتصر معاناة الأهالي من الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، واكتظاظ السكان حيث استقبلت تلك المخيمات المئات من العائلات الفلسطينية النازحة من باقي المخيمات المحاصرة، إضافة إلى المعاناة من الحواجز المنتشرة على الطرقات الواصلة إلى المخيم.

’1869′ شهيداً فلسطيناً ارتقوا خلال الأحداث في سورية وذلك وفق الاحصائيات الموثقة لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا بتاريخ 30-12-2013، توزعوا ما بين سوريا وخارجها، حيث قضى العشرات من اللاجئين الفلسطينيين السوريين غرقاً أثناء محاولتهم الوصول إلى البلدن الأوروبية، كما شهدت المياه الإقليمية الإيطالية والمالطية كارثة إنسانية حين غرق أحد المراكب الذي يقل لاجئين فلسطينيين وسوريين مطلع شهر أكتوبر 2013 تاركاً خلفه المئات من الضحايا الذين لايزال نحو نصفهم في قاع البحر.

إحصائيات الأونروا بدورها تشير إلى أن 270 ألف من أصل 540 ألف لاجئ فلسطيني قد نزحوا داخل سورية، في حين نزح نحو 80 ألف آخرين إلى خارج سورية، وتوزعوا بحسب الأونروا إلى 51 ألــــف لاجئ نزحوا إلى لبنان، و10687 لاجئ نزحوا إلى الأردن، ونحو 6000 لاجئ نزحوا إلى مصر، و1600 لاجئ نزحوا إلى تركيا وألف لاجئ نزحوا إلى غزة.

قد تكون كارثة انسانية تضاف الى مجموع الكوارث التي باتت تعيث في سوريا وتتكاثر من دون حسيب أو رقيب، لكن كونها واقعة على الفلسطينيين اللاجئين وهم المنقطعون في هذا البلد والضيوف عليه، وغير الملتفت إليهم من قبل قياداتهم الفلسطينية في رام الله ومنظمة التحرير الا بما له علاقة بمكاسب مادية وآنية مباشرة، كل ذلك يجعل من مأساة فلسطينيي سوريا مأساة اللاجئين الفلسطينيين وخطوة نحو تصفية حقوقهم بالعودة وإجبارهم على القبول بالتوطين في أي مكان في العالم، لا بالنسبة لسوريا فحسب وما تشهده من مآس يندى لها الجبين.

‘ كاتب وباحث

القدس العربي

الممانعة تطعم شوك الصبار لأهالي اليرموك/ ضحـى حسـن

بيروت – همس في أذني: “أنتِ يا بنت القدس!”، أمسك برأسي وضغط عليه بقوة. شدّ القيد على معصميّ ثم أرجع رأسي إلى الوراء ضاغطاً على عينيّ بالعصابة السوداء وقد ألصق قدمه على قدمي.

بدأ صوته يعلو تدريجياً “كيف بتطلعي مظاهرة ضد النظام ونحن خسرنا كتير مشان بلدكن، أحسن شي نكبكُن على الحدود”. هذه هي المرة الأولى التي أصطدم فيها بشكل مباشر مع هويتي. ما قاله المحقق في فرع المخابرات الجوية كان غريباً بالنسبة لي، محاولته فصلي عن طفولتي، مراهقتي وشبابي وذاكرتي، سلخي عن وطن ما شعرت يوماً أنّي غريبة فيه، جعلني أطرح على نفسي سؤالاً وللمرة الأولى .. هل أنا فلسطينية أم سورية؟؟؟ وهل يجب أن يكون هناك فرق؟!

اليوم يعاني سكان مخيم اليرموك، فلسطينيين كانوا أم سوريين، المعاناة نفسها داخل الحصار الذي فرضه عليهم النظام السوري، النظام ذاته الذي يدّعي في خطاباته المستمرة “وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية ودفاعه عنها”.

أنشئ مخيم اليرموك عام 1957، على مساحة تقدَّر بـ2.11 كم مربع فقط لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهو من حيث تصنيف وكالة الأونروا لا يعتبر مخيماً رسمياً. وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا.

12-2012 بدأ الحصار على المخيم بشكل جزئي بعد القصف العنيف الذي تعرض له والذي أسفر عن مقتل العديد من المدنيين في الوقت الذي توافد إليه آلالاف النازحين من المناطق المجاورة هرباً من القصف العنيف عليها. مرّ الحصار بعدة مراحل، آخرها كان في 5 رمضان الماضي إذ تم إحكام إغلاق جميع مداخل ومخارج المنطقة الجنوبية من دمشق بشكل كامل.

“في بداية الحصار كان السكان قادرين على تأمين المواد الإغاثية، لكن المواد الغذائية والطبية بدأت تنفد مع ازدياد حدة الحصار ومنع النظام دخول أي مواد إلى المخيم. ارتفعت حالات الوفاة نتيجة سوء التغذية..”، يقول عبد الله أحد شباب المخيم، ويتابع: “أكثر من 1000 حالة بحاجة إلى عمليات سريعة طارئة، ومشفى فلسطين التابع للهلال الأحمر يعمل بالحد الأدنى حيث إن 90% من المواد الطبية غير متوفرة، كما أنه المشفى الوحيد الموجود الآن في المخيم والذي لم يسلم من قصف النظام له”.

وأضاف عبد الله “لم يعد أمام سكان المخيم سوى تدبير أمر معيشتهم مما تجود به قارعة الطريق.. لكن ذلك ليس بالأمر السهل، ولا الآمن. قبل يومين تسممت عائلة كاملة بسبب أكلها القطط. عائلة أخرى حاول الأب حرق أطفاله لأنه غير قادر على تأمين الطعام لهم، فمثلاً يترواح سعر كيلو الأرز بين 10 آلاف و12 ألف ليرة سورية، والأهالي لا يملكون المال لشرائه بهذا  السعر، أنا من الأشخاص القلائل الذين يستطيعون أكل وجبة مكوّنة من “المخلّل” والأعشاب (لوح الصبارة، خبيزة) “إذاً أنا غني”.

يعمل عبد الله (24 عاماً) مع مجموعة من شباب مخيم اليرموك في نقل الأخبار وتوثيق الحالات والإغاثة، ويعيش عبد الله في المخيم مع والدته “الناشطة هناك أيضاً، “المخيم بالنسبة إلي هو فلسطين، والثورة السورية نحن جزء منها ضد الذي هو حجر عثرة في وجه التحرير”. ويكمل “لا أفكّر بأني فلسطيني أو سوري، أنا منتمٍ لهذا البلد إنسانياً قبل كل شيء، ولن أخرج من مخيم اليرموك إلا بحال أصبح وجودي مثل عدمه، وفي حال خرجت منه لن أعود.. لا أستطيع أن أتخيل شوارع المخيم من دون وجود حسان وأحمد كوسى وأحمد السهلي ومنير الخطيب وبسام حميدي وأياس نعيمي وجعفر .. “.

محاولات النظام إخضاع المخيم لم تبدأ بالحصار فقط . إن استخفاف النظام بالفلسطينيين وحيواتهم خلال الثورة بدأ حين استخدمهم في بداية الثورة لإيصال رسالة إلى اسرائيل، إذ غرر النظام السوري والجبهة الشعبية ببعض الشباب الفلسطينيين المندفعين وراء حلم تحرير الأرض لاقتحام الحدود السورية الاسرائيلية عبر الجولان، وفكَّ النظام حينها حواجزه الأمنية على الطرقات المؤدية إلى الجولان. خطة النظام هذه أسفرت عن مقتل 30 فلسطينياً على الحدود بالرصاص الاسرائيلي، و20 آخرين أثناء تشييع قتلى الحدود في المخيم برصاص الجبهة الشعبية القيادة العامة التي أطلقت  النار عليهم ، في ما سمي بـ”المجزرة الخالصة”.

“يبدو أن النظام طلب من أحمد جبريل أن يحاول فرض سيطرته على اليرموك بأي طريقة ممكنة، وهذا ما حاول جبريل القيام به مستعيناً “بزعرانه” الذين قاموا بمضايقة الجيش الحر وتعطيل بعض عملياته، كما قاموا باستعباد الناس وترهيبهم بالسلاح، وساعدوا النظام على اعتقال عدد كبير من شباب المخيم”.

يقول محمد الشاب الذي نزح قبل إعلان الحصار الكامل على اليرموك ـ رافضاً أن يذكر اسمه الحقيقي خشيةً على جزء من عائلته بقي هناك ـ “ازداد الغليان في المخيم من قبل السكان والجيش السوري الحر الذي هو من شباب وأهالي المخيم وعادت التظاهرات من جديد وبقوة أكبر إلى أن قُصفنا بالميغ”.

استخدم النظام في مرحلة قصف اليرموك الأولى طيران الميغ والذي كان نقطة تحول كامل لوضع المخيم، إذ قصف حينها جامع عبد القادر الحسيني والمنازل التي حوله ما أسفر عن مقتل 170 مدنياً، ونزوح عدد كبير من سكان المخيم إلى لبنان.

شارك اليرموك في الثورة السورية منذ الأشهر الأولى، إذ رفع شبابها شعارات الثورة السورية ذاتها تحت عنوان” فلسطيني سوري واحد”. اكتشفتُ إنني لست فلسطينياً فقط، بل فلسطيني سوري، أتقاسم مع السوريين الهواء والماء والقذائف والصواريخ، وداخل حدود المخيم اكتشفت شكل وفداحة ما حلّ باللاجئين الفلسطينيين الأوائل من خلال معايشتي لنزوح السوريين من مختلف الأنحاء والأرجاء ليتخذوا اليرموك ملجأً لهم من قمع العسكر”. يعلق ثائر السهلي.

للشام بُعدٌ في هذا المخيم، وهو ارتمى في حضنها. مخيم اليرموك كان عالماً من “الخصوصية الوطنية” المبنية على تضاد مع “المنفى” وخدشاً بارزاً في الهوية، “لا أعرف إن كنت سأشعر بفلسطينيتي من دونه”.

تصاعدت النداءات الإنسانية لإنقاذ سكان المخيم المحاصرين منذ أكثر من 8 أشهر، لكن دون جدوى، إذ حاولت عدة قوافل إغاثية الدخول إلى اليرموك لكنها فشلت. آخرها قافلة يوم الاثنين الماضي التي تعرضت لإطلاق نار كثيف من قبل قوات النظام وأعادتها من حيث جاءت.

“كان هناك أكثر من محاولة هذا الشهر لإدخال المساعدات من مواد غذائية وطبية إلى اليرموك من قبل أطراف عدة، لكن النظام السوري تصدى لها ومنعها من الدخول حتى تلك التي كانت من منظمات دولية كالأونروا والصليب الأحمر”، يشيرعبد الله “لربما تُحَل هذه الأزمة وتدخل المساعدات بعد جنيف 2”. وأضاف: “المدنيون والمحاصرون ضحايا قبضة نظام لا يرحم .. لكنّ المخيم باقٍ.. حتى وإن صار جزءاً من مخيم آخر كبير يدعى سوريا”.

موقع لبنان ناو

مأساة مخيم اليرموك/ ماجد كيالي

برزت في الأيام الماضية مأساة جديدة، في مشهد الصراع السوري، تمثلت بوفاة 40 من اللاجئين الفلسطينيين، بينهم سبعة أطفال، بسبب الجوع، وذلك في مخيم اليرموك للاجئين، الذي يقع جنوب مدينة دمشق.

معلوم أن هذا المخيم، الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، خضع لحصار مشدّد من قبل النظام، منذ سيطرة المعارضة المسلحة عليه (أواخر 2012)، لكنه منذ حوالى ستة أشهر بات يخضع لإغلاق كامل، بحيث يمنع الدخول إليه أو الخروج منه، ما حرم حوالى 20 ألفاً من المتبقّين فيه من المواد التموينية والصيدلانية.

وكان يقطن في هذا المخيم/المدينة قرابة نصف مليون، ثلثهم من الفلسطينيين، أي أنه منطقة مختلطة، وهو يقع في قلب أحياء عشوائية كثيفة السكان، مثل: التقدم، والتضامن، والحجر الأسود، ويلدا؛ علماً أن السكن العشوائي هو منطقة غير منظمة فيها أبنية من طبقات، لا أكواخ صفيح، وتقطعها شوارع ضيقة.

لا شيء يميّز المخيّم عن غيره من المناطق السورية، التي تخضع للحصار والإغلاق والحرمان، التي فرضها النظام على المناطق الحاضنة للثورة، كالمعضمية وداريا وجوبر والقابون والغوطة في دمشق، أو المدن الأخرى، سوى خصوصيته كمخيم للفلسطينيين. أما تفسير عدم حصول وفيات في تلك المناطق فيعود لاحتوائها على مزارع ومراعٍ، إذ أنها أقرب إلى الريف، بينما المخيم بمثابة مدينة تحتوي على كتل من العمارات الإسمنتية، الخالية من أية مساحة خضراء.

إن وجود جماعات مسلحة لايبرّر تهديد عشرين ألف بخطر الموت بالتجويع، ناهيك عن الموت بالقصف العشوائي، إذ يمكن السماح لهؤلاء بتأمين حاجياتهم طالما أن ثمة حاجزاً يفتّش الداخل والخارج، أو يمكن السماح للنساء والأطفال والشيوخ بالمغادرة على الأقل، لكن القرار السياسي بذلك لم يصدر بعد.

هكذا تبدو القيادة الفلسطينية في مأزق، فهي على عجزها فاقدة للإرادة السياسية، وللمبادرة، وهي التي خبرت النظام السوري، وتعامله مع مخيمات لبنان، وطريقة استخدامه الفصائل الموالية له.

عموماً المشكلة لا تكمن هنا فقط وإنما في محاولة هذه القيادة التغطية على ما يجري، أو تبنّي رواية النظام، علما أنها لم تستطع استصدار قرار بإدخال ولو ربطات خبز، اذا استثنينا تسيير شاحنات لا تصل الى بوابة المخيم بحجة اطلاق النار عليها، مع تجهيل الفاعل! لاتتوقف مشكلة هذه القيادة عند ذلك، فهي لاتفعل شيئاً حتى للنازحين الفلسطينيين إلى مناطق أخرى في دمشق، أو الى لبنان والأردن ومصر وتركيا.

هكذا ليس للاجئين الفلسطينيين اليوم من يمثلهم، رغم انهم دفعوا باهظا ثمن من كان “الممثل الشرعي الوحيد”.

كاتب فلسطيني

النهار

نكبة الفلسطينيين الثانية في مخيم اليرموك

رأي القدس

التصريحات والمناشدات والنداءات المحلية والدولية المتكررة على مدار اليوم لرفع الحصار عن مخيم اليرموك، لا تجد أي صدى، حيث ما زال نحو 20 الف شخص معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين المدنيين يعانون من حصار محكم، يمنع عنهم الطعام والشراب والكهرباء والوقود والمواد الطبية، فيما يبدو انه عقاب جماعي يفرضه النظام السوري على مدنيين عزّل ذنبهم انهم لم يتصدوا لقوى الثورة السورية التي أخرجت قوات النظام من المخيم.

الوضع الانساني المفزع في المخيم أدى، حسب الأنباء المعلنة، لوفاة نحو خمسين فلسطينيا جوعا، واذا استمر الحصار، ولم يتم ادخال المعونات الغذائية والطبية سريعا، فمن غير المستبعد تضاعف اعداد القتلى جوعا خلال الايام القليلة المقبلة. فبعد مرور 186 يوما على الحصار، بدأت تظهر امراض وحوادث مفزعة، كان تسمم اسرة فلسطينية لتناولها لحم القطط مثالاً فاضحاً عليها، غير أن مأساة سكان المخيم تتعدى الجوع، فنقص المواد الاساسية وانقطاع الكهرباء والوقود والدواء والكوادر الطبية بعد مقتل آخر طبيب بالمخيم على يد النظام يهدد آخرين كثيرين بالموت نتيجة امراض أو حتى اصابات بسيطة.

ورغم سياسة الحياد التي اعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اضافة لتصريحات فجة لوفود فلسطينية برأت النظام من اية مسؤولية عن الحصار والقصف والقنص للمخيم وسكانه، الا ان هذا لم يكن كافيا لتسهيل ادخال قافلة مساعدات انسانية امس الاول، والتي عادت ادراجها اثر تعرضها لاطلاق نار.

وفيما قال نشطاء من داخل المخيم ان اطلاق النار على القافلة جاء من مناطق تقع تحت سيطرة القوات الحكومية وعناصر ‘لواء ابو الفضل العباس′ العراقية، إلا ان وزير العمل الفلسطيني احمد مجدلاني حمل المسؤولية في مؤتمر صحافي من داخل دمشق لـ’مجموعات مسلحة تمارس الارهاب الممنهج وتختطف المخيم في جريمة حرب ضد الانسانية’.

وبعيدا عن هاتين الروايتين، كانت رواية ممثلي الامم المتحدة الاقرب للحقيقة، حيث حمّلوا النظام، الذي طالب القافلة بالمرور عبر المدخل الجنوبي وهو طريق ملتو وخطير، بدلا من طريق آخر أكثر أمنا، مسؤولية عرقلة وصول المساعدات.

تتضارب الروايات وتتوالى الاتهامات والادانات بينما معاناة المدنيين تتفاقم، والوضع يتجه نحو كارثة انسانية مريعة، ومن المفترض ان الجهة القادرة على الضغط لرفع هذا الحصار لو أرادت هي روسيا، الحليف الاهم للنظام السوري، كما فعلت حين فرضت عليه التخلص من السلاح الكيماوي.

حين شعرت موسكو ان المجتمع الدولي لن يترك جريمة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين تمر دون عقاب، تحركت فورا وتوصلت لاتفاق مع الادارة الامريكية يؤدي للتخلص من السلاح الكيماوي ومنع اي تدخل عسكري ضد النظام، وهو الحل الذي ارضى الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري، والاهم انه كان لمصلحة اسرائيل، التي تخلصت من اسلحة من المفترض ان سوريا استوردتها وصنعتها لاستخدامها ضدها، اما في حالة حصار مخيم اليرموك، فلا يبدو ان هناك ضغطا دوليا حقيقيا للتحرك، طالما ان لا مصلحة لاسرائيل في ذلك.

الفلسطينيون في مخيم اليرموك الذين كانوا حوالي 200 ألف، لا يتعدى عددهم اليوم العشرين الفا يواجهون نكبة جديدة ومحاولة لاجتثاثهم، يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي الى جانب النظام السوري.

القدس العربي

مخيم اليرموك: روايات الحصار/ متولي أبو ناصر

فشلت كل المحاولات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية في رفع الحصار القاتل الذي يفرضه النظام السوري على مخيم اليرموك منذ ثمانية أشهر. النظام كان في كل محاولة يحمل مسؤولية عدم دخول الغذاء و الدواء للمجموعات المسلحة الموجودة في المخيم. و بين رواية النظام ورواية المعارضة المسلحة، يقتل العشرات من المدنيين جوعاً و تضيع حقيقة ما يجري في مزادات الصفقات السياسية التي تحدث تحت الطاولة بين النظام وقيادة السلطة الفلسطينية. السلطة الفلسطينية، التي تبدو في رواياتها التي تساق على لسان مبعوثيها إلى دمشق متماهية مع سياسة تزوير الحقائق التي يحترفها النظام السوري.

 “لم يحاصر النظام المخيم، الذي يدفع هذه الضريبة المؤلمة، مخالفاً أحد أهم أركان وجوده والمتعلقة بدعمة للقضية الفلسطينية كي يفك الحصار عن المخيم”. هكذا يقول عضو قيادة مجلس الثورة في المنطقة الجنوبية، أبو ياسر الميداني، مؤكداً أن حصار المخيم المتدرج لم يأتِ من فراغ، بل جاء ضمن خطة عسكرية لإسقاط المناطق الثائرة في ريف دمشق وحمص.

  يعود الميداني بالذاكرة إلى الوراء، ويربط الأحداث التي شهدها منذ حصار الغوطة الشرقية وما تبعها من حصار للمنطقة الجنوبية فيتابع حديثه لـ”المدن” قائلاً “أذكر أننا في الشهر الثامن من عام 2012 كنا مجتمعين مع قائد لواء الفاتح، أبو عبيدة، الذي كان يدرك أهمية المخيم بالنسبة للمناطق الثائرة المحيطة به”.

 ويضيف “لكن بعض قادة المجموعات وعلى رأسهم بيان مزعل، الملقب أبو عمر الجولاني، المتعصب جداً في كرهه لأهالي المخيم، كان يطالب دائماً بضرورة الدخول الى المخيم والسيطرة عليه، لكن أبو عبيدة كان ينهره طيلة الجلسة ويقول له: يا أبو عمر هلأ مش وقتها و الضريبة كبيرة”.

 ويتابع حديثه حول النتائج التي أوصلت المخيم إلى هذه الحالة، قائلاً إن مخطط دخول الجيش الحر إلى المخيم لم يكن سوى تكتيك رسمه النظام لتبرير حصاره له، ومن ثم حصار المنطقة الجنوبية كلّها.

 ويؤكد الميداني هذا الكلام مستشهداً بما حدث عندما دخل الجيش الحر إلى المخيم والتغيرات التي طرأت بعد مقتل أبو عبيدة قائلاً “أولى الكتائب التي دخلت المخيم  كتيبة جند الله التي يتزعمها بيان مزعل، الذي نجح في جر الكتائب الأخرى الى المصيدة و من ثم أعلن انشقاقه عن الجيش الحر وعودته الى أحضان النظام و كان أول من حارب على جبهة مخيم سبينة وساهم بإسقاطه”.

 في المقابل ، يقول مقاتل كان في صفوف اللجان الشعبية، أبو سيف، الذي قاتل على محور الحجر الأسود ثم انتقل إلى الحرس الجمهوري على جبهة شارع 30 في المخيم لينشق لاحقاً ويهرب إلى لبنان يقول في حديث لـ”المدن” إنه “كانت تأتينا الأوامر من الحرس الجمهوري للاشتباك مع الحر وتحريضه على الدخول إلى المخيم، وكنا نعلم أن من يقصف المخيم قبل دخول الحر إليه هي كتيبة سفيان الموجودة عند القاعة، و كان الهدف معاقبة و تحريض أهالي المخيم على الخروج بالمظاهرات، ولا سيما أن أهالي المخيم لم يقبلوا بأن يكونوا شبيحة مع النظام”.

 ويعتقد أبو سيف أن حصار المخيم جاء في إطار خطة عسكرية تسمح له بحصار كل المناطق الجنوبية بأقل الأعداد من المقاتلين ذلك لأن المنطقة الجنوبية لدمشق تشبه المثلث قاعدته تمتد من داريا وتنتهي إلى يلدا ومنطقة التضامن ورأسه مخيم اليرموك.

 وتكثر الروايات التي يتناقلها الناس عن استغلال أطراف عديدة للحصار المفروض على المخيم وتحكمهم بأسعار المواد الغذائية. الناشط، قصي، أحد سكان المخيم، يقول في حديث لـ”المدن” إنه منذ حصار المخيم الكلي لم يدخل أي سلة غذائية وما يتناقله الناس أن هناك مواد تهرب و تحتكر من قبل بعض المسلحين هي أنباء عارية عن الصحة.

 ويوضح “هناك بعض الأشخاص الذين احتفظوا ببعض المواد قبل الحصار، كانوا يخرجونها بكميات قليلة جداً ويبيعونها بأسعار عالية، وهم مدنيون، والمواد التي يمتلكونها شحيحة جداً”.

 من جهته، يقول العامل في الهيئة الخيرية داخل المخيم، محمد أبو جهاد، في حديث لـ”المدن” إن الحديث عن احتكار المواد الغذائية ينطبق فقط على الشهر الأول من الحصار فقط”.

 وحول المراوغة الأخيرة للنظام في سماحه لإدخال المواد الغذائية من جهة المخيم  وطلبه من القافلة تغيير الطريق بسبب إطلاق النار عليها إلى ممر آخر من جهة البويضة المتاخمة لمنطقة الحجر الأسود، يقول أحد قادة المجموعات التابعة لأكناف بيت المقدس في حديث لـ”المدن ” إنه “منذ أن بدأ التجويع لأهلنا في اليرموك حدثت مبادرات كثيرة و كانت الحجة وجود مسلحين (لم يوافق البعض منهم) على الهدنة”.

 ويضيف “كان ذلك في البدايات و كان الرفض من قبل جهتين لا أكثر، وتغير في ما بعد، إذ وافق الجميع على الانسحاب و على كل بنود الهدنة الأخيرة ووقع الجميع على هذه البنود إلا جبهة النصرة التي رفضت التوقيع و لكنها قبلت بالهدنة”.

إذاً، يبدو كل ما يصدر من بيانات و تصريحات سواء من النظام أو من الأطراف الموالية له بأن المعارضة المسلحة الموجودة في المخيم هي من تمنع الهدنة أو تأخذ المدنيين ليست دقيقة تماماً، وفي كثير من الأحيان، تبدو تلك التصريحات غير منطقية.

المدن

من الموتى جوعا في اليرموك إلى “الأخضر العربي”/ مصطفى فحص

للفلسطينيين حصة كبيرة من جرائم دولة البعث بشقيها العراقي والسوري، حيث حل الأخير في المرتبة الثانية بعد الإسرائيلي في حجم الارتكابات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، إضافة إلى رعايته أو تغطيته للكثير من المؤامرات على القضية الفلسطينية.

كعادة الديكتاتوريين العرب، رفع صدام حسين شماعة فلسطين كجزء من تبريرات احتلال الكويت، ورمى عدة صواريخ على الكيان الإسرائيلي «فلم تتجاوز خسائره جريحين»، في محاولة متذاكية لذر الرماد بالعيون، من أجل كسب قليل من التعاطف الشعبوي.

وفي تاريخ القضية الفلسطينية يلتصق اسم النظام العراقي، بالكثير من الالتباسات، حول تورط البعث العراقي في تصفية عدد من القيادات الفلسطينية، وإيواء منشقين عن منظمة التحرير بهدف إضعافها ومصادرة قرارها، ثم تأمين التمويل لفصائل فلسطينية منشقة نشطت أمنيا، فصارت أشبه ببندقية مستأجرة، ومن أبرز إنجازاتها، اغتيال القائد الفلسطيني أبو إياد، عشية دخول صدام حسين الكويت.

وفي السياق ذاته، وقف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بقوة في وجه كل محاولات الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، مصادرة القضية الفلسطينية، وخاض أكثر من مواجهة من أجل الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني، وإسقاط الوصاية السورية المفروضة عليه، مما جعله عرضة لهجمات مباشرة أو بالوكالة من قبل نظام دمشق، فتعرضت منظمة التحرير الفلسطينية على يد الأسد الأب، إلى الكثير من الانتهاكات والافتراءات والمضايقات، بلغت أوجها يوم دخول الجيش السوري لبنان، وتنفيذه عملية مزدوجة، حيث ضرب القوى اللبنانية المفترض أن تكون بموقع الحليف أو الصديق، وأظهر قسوة على المقاومة الفلسطينية، بغطاء أميركي سوفياتي، وغض طرف إسرائيلي..

تذرع الأسد بالأخطاء الفلسطينية في لبنان، إضافة إلى استغلاله موقف فرقاء لبنانيين من منظمة التحرير، فخاض ضدها حروبا طاحنة، ورعى عدة انشقاقات، واستطاع خلق مواجهة فلسطينية فلسطينية على الأراضي اللبنانية، وساعد أحزابا لبنانية متناقضة في انتماءاتها وعقائدها، في محاصرة المخيمات الفلسطينية، ودفعها إلى خوض حروب شرسة مع حركة فتح، كبدت كل الأطراف خسائر كبيرة، وساعدت نتائجها نظام البعث السوري، في إحكام يده على السلطة في لبنان.

بعد وفاة عرفات والفشل في السيطرة على منظمة التحرير، واختراق قيادتها الجديدة أو خلق قيادة موازية، وجد نظام الأسد، فرصة في الاختلاف الفلسطيني، في محاولة جديدة لمصادرة القرار الفلسطيني أو إرباكه، وإضافة الانقسام الفلسطيني إلى أوراقه التفاوضية مع أميركا وإسرائيل، لصالحه وصالح حلفائه الإقليميين، واستخدامه كأداة ضغط بوجه الأنظمة العربية خصوصا مصر والسعودية، وبرضا وتشجيع من نظام دمشق وحلفائها، حدث الانقلاب في غزة، وتم فصل القطاع سياسيا واجتماعيا عن الضفة، في مهمة عجزت إسرائيل عن تحقيقها.

حصار مخيم اليرموك وتجويع أهله حتى الموت، لا يفاجئ من يعود ولو قليلا إلى تاريخ علاقة النظام السوري وحتى العراقي بالفلسطينيين، بعيدا عن الادعاءات القومية الممانعة، فحصار مخيم اليرموك هو استكمال لحصار تل الزعتر، وكل المخيمات التي اعتدى عليها الأعداء، ومن يفترض بأن يكونوا أصدقاء أو أشقاء.

لو كان محمود درويش حيا، لغير عنوان قصيدته «أحمد الزعتر» إلى «أحمد اليرموكي»، ولكانت سعادته بموت أرييل شارون ستنغصها صور الميتين جوعا في مخيم اليرموك، جراء حصار نظام الممانعة.

لا أدري لماذا يخطر الشهيد «الأخضر العربي» ـــ أي «أمين سعد» اللبناني الجنسية وكان قائدا عسكريا في قوات «منظمة الصاعقة» التابعة لحزب البعث السوري، وقتل في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي في منطقة العرقوب جنوب لبنان سنة 1969 ــ على بال الذين لم يعادوا البعث لأنه بعث، بل عادوه لأنه خرج على شعاراته والتزاماته، وأن الأخضر العربي ورفاقه الشهداء، كانوا قطعا سيبذلون ما بوسعهم لتمرير أسباب الحياة والعيش لأهلهم في مخيم اليرموك، لأن فلسطين والعروبة الكريمة في دمهم، وهي التي أخذتهم إلى الشهادة.

الشرق الأوسط

مخيّم اليرموك/ زيـاد مـاجد

لم يسبق أن واجه فلسطينيّو الشتات في تاريخهم الطويل معاناةً كمثل مُعاناة مخيّم اليرموك في دمشق اليوم. ليس لأنهم لم يعرفوا فظاعاتٍ تشبه ما يشهدُه، وهم اختبروا الكثير منها في لبنان، من تلّ الزعتر وصبرا وشاتيلا الى البدّاوي فحروب المخيّمات ثم البارد، بل لأنها تجري وسط صمت مديد وشبهِ انعدامٍ لمظاهر التضامن معهم رغم الصوَر المتوفّرة والأخبار المنقولة مباشرةً من داخل المخيّم، أو ما بقي منه.

وإذا كانت وحشية النظام السوري ضدّهم غير مفاجئة، وهو الذي اعتاد سفك دمائهم منذ منتصف السبعينات، فإن المفاجئ هو ردود الفعل الفلسطينية من سُلطةٍ ومنظمة تحرير وفصائل تجاه مأساتهم. والمفاجئ أيضاً هو صمت ملايين الفلسطينيّين في الضفة والقطاع والقدس، كما في أراضي العام 1948، عمّا يقع عليهم من ممارسات قتل وتعذيب وتجويع لم يستخدمها “نظام” ضدّ تجمّعات مدنيّة في “بلاده” في أيّ من حروب العالم أو نزاعاته منذ زمن بعيد.

والسؤال الذي يطرح نفسه تجاه الصمت الفلسطيني هذا أمام نكبة اليرموك المستمرّة منذ عامين والمتصاعدة منذ ستّة أشهر: هل السبب تعبٌ وهمومٌ تشغل أصحابها عن متابعة أهوال غيرهم، أم أن السياسة وحسابات الأطراف المختلفة هي المسؤولة عن ترك أكبر مخيّم خارج الأراضي الفلسطينية يُذبح ويُباد؟

لا يبدو الجواب عن السؤال المذكور قاطعاً، ولَو أن ثمّة الكثير ممّا يمكن قوله حول ترهّل منظّمة التحرير وفشل السلطة ووهن معظم الفصائل، كما حول المفاهيم الرّثّة التي ما زالت تتملّك عقول بعض الكتّاب الفلسطينيين وتُعميهم عن مشاهدة معاناة السوريّين والفلسطينيّين السوريّين مُحلّةً محلّها أحاديث المؤامرات وأقاويل المُمانعة وسائر الترّهات.

وفي أي حال، لا شيء في السياسة يبرّر التبلّد الإنساني أو العاطفي، أو على الأقل، الإحجام عن التعبير الواسع والعالي الصوت عن التعاطف الإنساني مع الآلاف من النساء والرجال والأطفال “اليرموكيّين” الذين يحاول النظام السوري إخضاعهم بسلاح الجوع، وقنص الذاهبين منهم بحثاً عن خبز وحليب، وقتل العشرات تحت التعذيب في أقبية المخابرات، وإقفال المسالك أمام الأدوية الذاهبة إليهم، ومنع المؤسّسات الإنسانية الدولية والمحليّة من مساعدتهم. فهذا كلّه موثّق، وهو لا يمتّ للمكائد الإمبريالية وللمخطّطات “الرجعية العربية” التي تؤرق نجوم الممانعة بصِلة…

مأساة مخيّم اليرموك تبدو إذاً متعدّدة المستويات. فهو عرضة لهمجية نظام يُعاقبه على استضافته عشرات ألوف النازحين السوريّين لفترة، وتضامن كثرٍ من أبنائه مع السوريّين في ثورتهم من أجل الحرّية في فترة ثانية، وتصدّيهم البطولي لمحاولات اقتحامه في فترة ثالثة. وهو عرضة أيضاً لتقصير فادح من قبل المؤسسات الدولية المسؤولة عن أوضاع اللاجئين. كلّ ذلك مضافاً الى الصمت المخزي الذي ذكرنا.

غير أن اليرموك، كما ضواحي دمشق وغوطتَيها وحمص (وحلب ودرعا ودير الزور وغيرها من مدن سوريا وبلداتها)، ما زال صامداً. وصموده ليس بطولة فقط ولا هو طلب انتحار. صمودُ مخيّم اليرموك هو فعل تشبّث بالحياة، وإصرار على الاستمرار فيها ولَو بين أنياب الوحوش.

موقع لبنان ناو

محنة اليرموك المزدوجة/ حازم صاغيّة

حين نزح الفلسطينيّون إلى سوريّة، بعد نكبة 1948، فعوملوا فيها أفضل ممّا عوملوا في أيّ بلد عربيّ آخر، لم يكن حزب البعث يحكم سوريّة. والأمر نفسه حين أقيم مخيّم اليرموك في 1957. بطبيعة الحال كانت القوميّةُ العربيّة الرطانةَ الإيديولوجيّة التي تسود سوريّة والسوريّين، وربّما وفقاً لها اختير اسم المخيّم الفلسطينيّ الأكبر تيمّناً بالمعركة التي حملت الإسلام والمسلمين من شبه جزيرة العرب إلى بلاد الشام ثمّ عرّبت الأخيرة.

أغلب الظنّ أنّ حزب البعث ما كان ليفعل شيئاً آخر يختلف عمّا فعلته الأنظمة السابقة عليه في ما خصّ استقبال اللاجئين الفلسطينيّين وإقامة المخيّم وتسميته. فهو إنّما نشأ على الرابطة العروبيّة، بل جعل منها علّة وجوده. فوق هذا، لم يكن «تحرير فلسطين» غريباً عن ترسانته الإيديولوجيّة الطالعة من القصائد.

ما اختصّ به البعث الحاكم، على أيّة حال، هو إحداث انقلاب في الوظائف المسمّاة قوميّة: فبدل أن تقاتل الدولة السوريّة، وكلّ دولة عربيّة، لتحرير فلسطين، على ما تقول المقدّمات النظريّة والتعبويّة للحزب، بات الفلسطينيّون مدعوّين للقتال خدمة للدولة السوريّة كما يبنيها البعث ويحتكرها. هكذا، وفي وقت مبكر، أسّس الأخير منظّمة «الصاعقة» التي تأتمر بأمره، كما امتلك اليد الطولى في منظّمات فلسطينيّة الاسم، كـ «الجبهة الشعبيّة – القيادة العامّة» و «جيش التحرير الفلسطينيّ»، قبل أن يشقّ حركة «فتح» ويقدّم «فتح الانتفاضة» بديلاً لها.

في موازاة ذلك، وكسيرورةٍ طبيعيّة لا مهرب منها، بدأ فلسطينيّو سوريّة يتسورنون، متأثّرين بالظروف العريضة التي يعيشون في كنفها. ولئن سهّل هذه المهمّةَ أنّهم يحظون في سوريّة بمعاملة أفضل من معاملتهم في أيّ بلد عربيّ آخر، ففي اليرموك تحديداً، عمل القرب من دمشق وإقامة سوريّين بينهم على تسريع عمليّة السورنة تلك.

لكنْ ماذا تعني السورنة في زمن البعث، حيث يعاد تأسيس «الشعب» مللاً ونحلاً ومذاهب فيما تتأبّد السلطة استبداداً ثقيل الوطأة على الجميع؟

لقد نمّ وزير الخارجيّة السوريّ وليد المعلّم عن الصراحة المطلوبة حين تحدّث في وقت مبكر عن «إساءة» الفلسطينيّين لـ «الضيافة» التي حظوا بها. بهذه الرطانة ألغى الرطانة القوميّة والفلسطينيّة التي دفع الفلسطينيّون، ويدفعون، أكثر أكلافها. فالنظام لم يعد قادراً على تشغيلهم «قوميّاً» لمصلحته، لأنّهم تسورنوا، أي اكتسبوا وعياً محدّداً هو وعي المكان الوطنيّ الذي يقيمون فيه. وفي الوعي هذا، وكما بتنا نعلم جيّداً، تتجاور مستويات كثيرة فيها الوطنيّ والدينيّ والمذهبيّ، ولكنْ فيها أيضاً طلب التخلّص من الاستبداد.

في هذا المعنى، فإنّ الفلسطينيّين حين يستحيل تشغيلهم «قوميّاً»، يهبطون من كونهم «قضيّة مقدّسة» ليغدوا أرقاماً تسيء الضيافة ويترصّدها العقاب الذي يصل إلى القتل والتجويع. وهذا تمرين سبق أن رأيناه في لبنان، من تلّ الزعتر إلى «حرب المخيّمات»، وكان الفلسطينيّون قد تلبننوا أيضاً، أي تأثّروا بالمستويات المتضاربة للوطنيّة اللبنانيّة وكفّ إمكان تشغيلهم «قوميّاً».

بيد أنّ اللافت هنا أنّ خوض النظام السوريّ المعركة «القوميّة» راهناً، وأهمّ بنودها محاربة المشروع الإسرائيليّ، كما يقول، لم يحل دون مفارقة مدهشة: أنّ الفلسطينيّين، وهم أصحاب «القضيّة» المباشرون، غدوا أرقاماً سالبة بقياس الأرقام الموجبة للبنانيّين والعراقيّين الذين يقاتلون مع النظام في سوريّة.

هؤلاء الأخيرون لا يزالون قابلين للتشغيل «قوميّاً». أمّا أولئك العشرون ألفاً في اليرموك فلهم أكل القطط والكلاب، وهطول البراميل المتفجّرة، فيما ينتظرهم، بدل الموت الواحد، موتان: مرّة لأنّهم فلسطينيّون يرفضون تشغيلهم «القوميّ»، ومرّة لأنّهم سوريّون مشمولون بالحقد على السوريّين.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى