صفحات الناس

مقالات تناولت مسألة اللاجئين السوريين

عرسال: أرضٌ مغموسة بالهموم/ بومدين الساحلي

رغم الحركة الكبيرة التي يلحظها الزائر في عرسال هذه الايام، إلا أنه لا يحتاج كثيراً من الوقت ليكتشف الوجوم والقلق اللذين يعلُوان وجوه أهلها. يلحظ سريعاً التغييرات الهائلة التي حصلت فيها منذ بداية الأحداث السورية وحتى اليوم.

النازحون السوريون في كل مكان، في شوارعها والباحات وأماكن العبادة والبيوت والابنية التي ما زالت قيد الإنشاء. في تلالها القريبة والبعيدة وفي الجرود. يملأون المكان بفقرهم وحاجتهم وضيق حالهم وأمراضهم ومشاكلهم الاجتماعية وتحولاتهم النفسية وعاهاتهم التي خلّفتها الحرب وموتهم المتلاحق. وجودهم صار أكبر بكثير من أن تتحمله قرية كعرسال في ظل غياب رسمي فاضح لا يحضرُ أهله إلا للتباكي عبر المؤتمرات الصحافية لوزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، وفي ظل إهمال مقصود من المؤسسات الدولية “الإنسانية” التي تتباهى بصرف مبالغ كبيرة على بريستيج إداراتها وتنقلاتهم وطلاتهم الإعلامية بينما ترمي الفتات لمن استطاع تسجيل اسمه في لوائحها.

يدفع أهل عرسال اليوم ظاهراً ثمن خياراتِ غالبيةٍ من البلدة وقفت ضد النظام السوري عند بدء الأحداث هناك. بعضُها أراد في حينه أن يشدّ على يد شعب قام يطالب بحقوقٍ مغيّبة وبعضٍ من الهواء. بعضٌ آخر وجدها فرصة للثأر من حقبة “الوصاية” السورية التي حرصت على إذلال الكثير من ابنائها. بعضٌ ثالث وجدها فرصة للتجارة والربح بالسلاح والنازحين والمساعدات وكل شيء يمكن تسييله إلى دولارات، شأنهم في ذلك شأن كل الإنتهازيين على امتداد البلاد، حصل الشيء نفسه في الهرمل أيضاً وكذلك في عكار.

حصار مدينة القصير ومحيطها واتفاق اللحظة الأخيرة بين الأطراف المتقاتلة هناك دفعا ـ بشكل منظم ومدروس ـ آلاف النازحين صوب بلدات حسية وقارة السوريتين ولاحقاً عرسال. لم تعمل دولتهم على استبقائهم فيها، هم رعاياها، وهي التي دأبت ـ وفق إعلامها ـ على تخليص مدينتهم من المسلحين الغرباء، ولم تقم بالسعي حتى هذه اللحظة إلى إرجاعهم إلى بيوتهم وقراهم لاسيما في ظل الحديث عن تدمير لاحق لمئات البيوت وقص الكثير من أشجار البساتين المثمرة هناك تحت حجج مختلفة.

كذلك نالت عرسال حصتها من بعض مهجري حرب الغوطة، إنما حملت إليها حرب القلمون الأخيرة أعداداً كبيرة من مهجري تلك المنطقة. يناهز عدد المهجرين الموجودين فيها حاليا ثمانين ألفاً، ضعف أهل البلدة نظريّاً وضعفيها فعليا بسبب غياب العديد من العراسلة عنها وتوزعهم على المدن اللبنانية. أربعة سوريين مقابل كل عرسالي، نسبة عالية. مشاكل كثيرة حصلت وستحصل في ظل هذا الخليط المعقّد وفي ظل الظروف القاسية والصعبة والغياب التام للدولة، بعضها اجتماعي وتربوي وآخر معيشي ونفسي. بدأت الشكوى مثلاً من استبدال اليد العاملة العرسالية في المقالع ومشاغل الحجر والبساتين بعمالة سورية توفيراً للمال.

الحرب السورية التي لا يلوح في الافق نهاية قريبة لها، ستجعل من عرسال قنبلة موقوتة في ظل غياب الدولة وتأكيد بعض أهلها على تواجد السلاح بيد بعض النازحين هناك، بعضه ظهر اثناء حصول مشاكل بين سوريين أو ضد عراسلة. تلك الحرب التي ربما بدأت للتو بعد جلاء الخطوط العريضة للاتفاق الايراني ـ الاميركي الذي قد يقضي بجعل سوريا مساحة استنزاف لكل الارهابيين المسجلين على لوائح الولايات المتحدة: حزب الله من جهة وتنظيم القاعدة وما يتفرع عنه من جهة أخرى.

تعيش أكثرية صامتة في عرسال أوقاتاً صعبة، تتطلع إلى ماضٍ كان فيه العراسلة بيضة القبان في صمود قلعة الشقيف في وجه الصهاينة قبل اجتياح الـ1982، منتظرة رجوع رفات بعض أبنائها التي ما تزال رهينة في اسرائيل، تعبر بذاكرتها لتعيد مشهد انخراط الكثيرين من أبنائها في حراك قوى 14 آذار يوم جرى رفع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال من دون أن تنال البلدة لاحقاً شيئاً من جبنة تيار المستقبل الذي صُبـِغَت بانحيازها إليه ـ بعض ابنائها المغالين رفعوا حينها صور زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع ـ، تتطلع باسف إلى محيطها الذي يجتهد بعض القائمين عليه بالنظر إليها من خرم المذهب. تدرك هذه الأكثرية أن عرسال لم تكن يوماً معتدلة  وأنها كانت دائما عند واحد من طرفي المعادلة، لكن موقعها هذه المرة صعب وحرج، حشَرَها بعضُ أهلها ومحيطها في الحرب المذهبية الدائرة، فصارت جزءاً لا يتجزأ من أزمة “أهل مذهبها” ومأزقه. أزمة يبدو أنها طويلة لاسيما وأن ” زعيمه ” الرئيس سعد الحريري قد يمضي في غيبته الكبرى بعد أن عبر الصغرى إذا صحّت الأحاديث حول قيام الاميركيين بوهب لبنان إلى إيران كجائزة ترضية لإرسالها حزب الله إلى سوريا وضمان بقائه هناك !!

يخرج العراسلة إلى خبزهم في الأرض كل يوم ويشكرون ” الله ” على نعمة رجوعهم مساء سالمين. أحوال البلاد في الفترة الأخيرة جعلت البعض منهم يغض الطرف عن كثير من التجاوزات التي تحصل بحقهم هنا أو هناك، كأن يقوم مطلوب بعدة مذكرات صادرة عن النيابة العامة بتوقيف مقاوم شهدت له ساحات الجنوب يوماً بمقاتلة الصهاينة لساعات تحت حجة التأكّد من هويته و”الأمن الذاتي”، أو أن يقوم مراهقون بسيارتهم “الفوميه” بملاحقة بعضهم على الطرقات العامة وتوقيفهم لأوقاتٍ طويلة تحت حجة التفتيش و”الأمن الوقائي”، هم يحرصون أن يقوموا بالعدّ حتى العشرة ويلعنون الشيطان لأن ساعة الغضب سيكون ثمنها باهظاً جداً.

الذين اندفعوا يوماً لقتال اسرائيل، يبدون خائفين. يتطلعون إلى اربعين كلم من الجبال تحدّهم مع سوريا. يرون فيها فسحة أملٍ لمستقبل يصنعونه لاولادهم من بعدهم بفضل نعمة مقالع الحجر هناك، لكنهم يلمحون عبرها أيضا نقمة ما تحمله اليهم من جراء ما يحصل في سوريا: غداً ستتساقط ثلوج كثيرة عليها قد تبلغ سماكتها ثمانين سنتمتراً، لا لتغسل الهموم والأدران والأحقاد،  بل لتغرق آلاف خيم النازحين، وتفتح الباب واسعاً على كارثة جديدة.

المدن

دمشق تختنق بناسها والنازحين إليها/ سلام السعدي

 كقارب نجاةٍ صغير وسط بحر هائج، تبدو دمشق. فالمدينة المنهكة والمترنّحة والمقطعة الأوصال، باتت محاصرة بالأحياء المدمرة التي هجرها سكانها ليدلفوا إلى العاصمة. هكذا ضاقت دمشق بالنازحين وبسكانها الأصليين، وباتت عملية إيجاد منزل للإيجار فيها تشبه مهمة مستحيلة.

يواجه النازحون السوريون إلى دمشق عقبتين أساسيتين في خضم رحلة البحث عن منزل للإيجار. أولاهما انخفاض عدد المنازل الشاغرة وصعوبة إيجاد مسكن مناسب. ما يحيلنا إلى العقبة الثانية المتمثلة بإرتفاع أسعار الإيجارات بصورة قاسية جداً، يعجز معظم السوريين عن مجاراتها من دون مساعدة مالية من الأهل والأصدقاء.

تشرح لمياء، وهي أم لعائلة من ثلاثة أفراد، معاناتها في إيجاد منزل بعد نزوحها من منطقة التضامن، قائلة لـ”المدن”: “المناطق الآمنة باتت محدودة ومكتظة بالسكان، وما يزيد من صعوبة المهمة، أن يطلب صاحب المنزل دفع إيجار عن ستة أشهر مقدماً”. وتضيف: “ارتفعت الأسعار حتى في مناطق السكن العشوائي، كمدينة جرمانا، وباتت خيالية بالنسبة لدخلنا الشهري، فلا إيجار أقل من 25 ألف ليرة، وهذا كفيل بقضم 80 في المئة من دخل العائلة”.

أما لؤي، وهو رب أسرة وموظف حكومي، فاختار أن يستأجر منزلاً في دمشق القديمة، لقاء مبلغ 50 ألف ليرة، يقول لؤي لـ”المدن”: “انه مبلغ كبير جداً، واشعر بالغبن الشديد مع بداية كل شهر عندما أسدده”. ويشير إلى أن صاحب المنزل “رفع سعر الإيجار من 35 ألف ليرة، إلى 50 ألفاً بعد مضي أشهر على استلامه”، متذرّعاً بـ”انخفاض سعر صرف الليرة”. ويشير لؤي إلى انه “من دون المساعدة الشهرية التي تصلني من أخي في استراليا، كنت سأعجز عن سداد هذا المبلغ”.

لكن خيار لؤي غير متاح لعدد كبير جداً من العائلات السورية. إذ تجد العائلات ذات الدخل المحدود نفسها مضطرة لتحمل صعوبات السكن الجماعي. وقد بات هذا النمط من السكن شائعاً في سوريا، مع ما يحمله من ضغوط نفسية وخلافات عائلية.

هذا حال عمر الذي نزح مع زوجته وولده الصغير من حي القابون منذ عام ونصف العام، ليشترك مع أخويه في استئجار منزل في مدينة قدسيا. يصف عمر السكن الجماعي لـ”المدن”  بأنه: “خيار ذو وجهين، إذ نتقاسم الأعباء المادية الثقيلة التي يعجز كل منا وبشكل منفرد عن مواجهتها، لكننا نتقاسم أيضا متاعب هذا النمط من السكن، فعلاقتي مع إخوتي، ورغم المُصاب المشترك، تبدو في أتعس أوقاتها بسبب ذلك”. يضيف عمر تعقيداً آخراً، إذ أنه وفي خضم رحلة البحث عن منزل مناسب “يرفض الكثير من أصحاب المنازل إيجارها لأكثر من عائلة، وذلك حرصاً على أثاث المنزل، وهنا عليك البحث لوقت أطول، ودفع سعر إيجار أعلى”.

تقدر مكاتب العقارات في سوريا، أن أسعار إيجارات المساكن في العام 2013، وفي مختلف المدن السورية، باتت تعادل نحو 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الثورة.

يعتبر أبو قصي، وهو صاحب مكتب عقاري، أن “فيروس ارتفاع الأسعار أصاب كل السلع، حتى تلك التي لم تشهد زيادة في الطلب عليها، فكيف الحال مع العقارات التي شهدت انخفاضاً كبيراً في العرض وزيادة جنونية في الطلب”. ويشير لـ”المدن” أن “أصحاب العقارات، خصوصاً الذين اضطروا لبيع عقاراتهم خلال الثورة، تكبدوا خسائر كبيرة، إذ لم ترتفع أسعار العقارات بنفس درجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة”.

ويعد قطاع السكن من أشد القطاعات الاقتصادية تضرراً من جراء العمليات العسكرية التدميرية التي يشنها النظام على الأحياء السكنية. وتقدر منظمة “الاسكوا” في “الأجندة الوطنية لمستقبل سورية 2013” الصادرة نهاية شهر تشرين الأول الماضي، عدد المنازل المدمرة في سوريا بنحو 1.5 مليون منزل. وهي مقسمة إلى 315 ألف منزل مدمر بالكامل، و300 ألف منزل مدمر جزئياً، و884 ألفاً تعرضت لدمار في البنية التحتية (المياه والكهرباء والصرف الصحي). كما تقدر “الاسكوا” أن نحو 7 ملايين سوري قد تأثروا بالدمار، فيما اضطر نحو 3 ملايين للنزوح، وفقد نحو 1 مليون شخص ممتلكاتهم بشكل كامل.

كذا، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يعيش 26-30 في المئة من سكان سوريا في مناطق السكن العشوائي. وتتجاوز النسبة 35 في المئة في كل من دمشق وحلب، اللتين تصل الكثافة السكانية في بعض مناطقهما إلى 700 شخص في الكيلو متر المربع الواحد.

ما تقدّم، إذن، يظهر حجم الكثافة السكانية الهائلة التي تجثم بثقلها على صدر دمشق، التي تختنق بهم ويختنقون بها. ومع التكهنات الرائجة بطول أمد الحرب يغدو جائزاً التساؤل عن مدى قدرة دمشق على الإحتمال؟

المدن

فلسطينيو سوريا تهجير وفقر وانتشار أوبئة/ نبيل السهلي

حذرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (أونروا) قبل فترة وجيزة من الوضع الإنساني الخطير الذي يواجهه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، وأشارت إلى أن المجاعة والأوبئة تحاصر اللاجئين الفلسطينيين هناك وعلى وجه التحديد مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق. إضافة إلى ذلك لابد من الإشارة إلى أن غالبية سكان المخيمات الفلسطينية في سوريا اضطروا للنزوح عنها، إما إلى مناطق أكثر أمناً في العاصمة دمشق، أو إلى خارج سوريا. حيث لم تفلح خطابات النأي بالنفس التي تبنتها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ بداية الأزمة السورية، من منع دخول اللاجئين في المعادلة السورية. فبعد استهداف مخيمات اليرموك وخان ذانون ودرعا في الجنوب السوري – منذ نهاية العام الفائت 2012 وحتى اللحظة، تمت عملية نزوح طالت عشرات الآلاف من مخيمات اللاجئين إلى المنافي البعيدة والقريبة. وفي هذا السياق قدر مجموع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا في عام 2013 بنحو 525 ألف حسب مصادر مختلفة. كان يتركز 69 في المائة في العاصمة دمشق حتى نهاية العام المنصرم 2012، والمخيمات القائمة في ضواحيها مثل اليرموك، سبينة، جرمانا، خان الشيخ، السيدة زينب، ذانون، الرمدان، الحسينية. في حين يتوزع الباقون (31,2%) على المحافظات الأخرى، اللاذقية، حلب، حماه، حمص، درعا، والمخيمات القائمة فيها. وبشكل عام، يتركز في عشرة مخيمات معترف بها من قبل الوكالة في سوريا نحو 30 في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في سوريا وترتفع إلى 60 في المائة إذا أخذنا في الاعتبار سكان مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين.

وفي الجانب الإنساني، فإنه تبعاً لاستمرار المعاناة في سوريا بشكل عام، حذرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (أونروا) مؤخراً من الوضع الإنساني الخطير للاجئين، وقالت إن المجاعة والأوبئة تحاصر اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق. وأشار مدير عمليات الأونروا في سوريا مايكل كنجزلي في تصريحات له قبل فترة، إلى أن هناك ما بين 15 ألفا وعشرين ألف لاجئ فلسطيني محاصرين في ظروف إنسانية خطيرة في مخيم اليرموك. وأوضح كنجزلي، بأن الوكالة ترغب في إيصال مساعدات غذائية وأدوية وأخرى تتعلق بفصل الشتاء للمحاصرين بالمخيم وأنها تجري اتصالات مع السلطات السورية للسماح لها بدخول المخيم، وعبرّ عن أمله بأن تستجيب السلطات السورية لنداء الأونروا الإنساني. وكان المفوض العام للأونروا فيلبو غراندي قال، في كلمة ألقاها باجتماع حضره مندوبون عن الدول المانحة للوكالة، إن وضع اللاجئين الفلسطينيين بالمخيم خطير للغاية. وشدد أكثر من مرّة قائلا “إن اللاجئين الفلسطينيين بالمخيم تحاصرهم المجاعة والأوبئة، وأضاف أن الأونروا حاولت إيصال مساعدات للمحاصرين هناك إلا أنها فشلت بعد إعادة قوافل مساعدتها من الحواجز العسكرية. ودعا غراندي كلا من الحكومة السورية والمعارضة لتوفير الحماية اللازمة للاجئين الفلسطينيين، موضحا أن ثمانية من موظفي الوكالة قُتلوا أثناء تأدية عملهم، بينما يعتبر 19 موظفا بعداد المفقودين.

وفي حين أكد كنجزلي أن نحو 50% من اللاجئين الفلسطينيين باتوا في عداد المهجرين داخل وخارج سوريا، قال غراندي إن خمسين ألفا من اللاجئين لجأوا إلى لبنان التي يوجد بها أصلاً أكثر من ثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني منذ عام 1948. واكد أن ستة آلاف لاجئ فلسطيني لجأوا إلى مصر لا تستطيع الأونروا تقديم أي مساعدات لهم لعدم وجود أي تمثيل لها هناك، عوضا عن نحو مائتين فروا من سوريا وغرقوا بالبحر المتوسط. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى ان مئات من فلسطينيي سوريا الذين نزحوا عنها، تمّ وصولهم بزوارق إلى ايطاليا ومن ثم إلى السويد التي منحتهم حق الإقامة ولم الشمل مباشرة، بعد رحلات الموت من شواطئ مصر وليبيا.

وألمح غراندي بنوع من التحفظ عن “إغلاق الحدود الأردنية بوجه اللاجئين الفلسطينيين” أما كنجزلي فدعا من جهته، الدول كافة لإبقاء حدودها مفتوحة في وجه الفلسطينيين الفارين من سوريا. وأكد كنجزلي أنه يعمل على دعم اللاجئين الفلسطينيين داخل سوريا ومساعدتهم في مواجهة الظروف هناك، وأكد انه يصر على الإبقاء على دعم للاجئين الفلسطينيين هناك. ولفت على ان المفوض العام للأونروا أعطى صورة قاتمة عن وضع الفلسطينيين في فلسطين وفي دول الشتات.

والشيء الخطير الذي أشار إليه غراندي، هو تغير ما وصفه بخارطة الشتات الفلسطيني في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة. مما يدفع إلى الاعتقاد أن حالة النزوح والتهجير ستطال مزيد من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وغيرها من الدول العربية.

وتبقى الإشارة إلى انه رغم رفع شعار النأي بالنفس من قبل اللاجئين الفلسطينيين وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فإن الوضع الخطير في سوريا، أدى في نهاية المطاف إلى زج المخيمات في المعادلة السورية التي باتت أبعد من الجغرافية السياسية لحدود الدولة.

ولهذا يبدو الحديث عن قرب التوصل الى اتفاق لتحييد المخيمات عن المعادلة السورية، أمراً غير واقعي، لأسباب عديدة، في المقدمة منها، الانتشار الجغرافي للمخيمات الفلسطينية في كافة المدن السورية، ناهيك عن انحياز بعض الفصائل إلى أحد طرفي المعادلة السورية.

المستقبل

80 ألف نازح إلى عرسال وعراء جرودها «فساد في الإغاثة» وأطفال بلا مدارس

سعدى علوه

اختار حمدو إبراهيم صخرة كبيرة في منطقة «جوار الشيح» في جرد عرسال ونصب خيمته في ظلها. سمع الرجل عن العاصفة «الكسا» عندما قصد عرسال البلدة بحثاً عن كيس طحين، لتخبز زوجته بضعة أرغفة ترد الجوع عن أطفاله الثمانية.

عاد حمدو من عرسال حزيناً. تقول زوجته انه نادى على أطفاله، الذين كانوا يجمعون بعض أغصان الشجر من بستان قريب، وأجلسهم من حوله، وبقي صامتاً إلى أن غدرته دمعة تدحرجت على خده، فطلب منهم بعصبية أن يعودوا لجمع الحطب. خافت الزوجة وقالت في نفسها ان خطباً ما قد حل بالعائلة. فكرت في شقيق زوجها الذي ما زال في يبرود «ربما قتل في المعارك هناك»، وشوشت في أذن شقيقتها التي ترافقهم مع طفلها. اقتربت من زوجها وسألته بهدوء عما به. حزم حمدو أمره وأمر زوجته بضب الأغراض، وبدأ تفكيك الخيمة. قرر الرجل، الذي نزح في أيار الماضي من النهرية في ريف القصير إلى يبرود في القلمون، أن يعود أدراجه إلى سوريا. وقبل أن تفتح زوجته فمها معترضة قال لها: «إذا بقينا هون أكيد في حدا من الأولاد رح يموت، ويمكن يموتوا كلهم، أحسن لنا نرجع». أخبرها أن هناك عاصفة آتية، وأنه من المتوقع أن يصل الثلج إلى ارتفاع ثمانين سنتمتراً، وقد يلامس في جرد عرسال، على ارتفاع الفي متر، المئة سنتمتر. وسألها إن كانت تقبل أن تخاطر بالأطفال «ربما يخطئنا الموت في السحل، قرية والدته، لكنه سيقتل أولادنا هنا بالتأكيد».

كان حمدو يفكر في الطفل الذي قتله الصقيع في إحدى الخيم في مخيم «البابين» في عرسال قبل نحو شهر من اليوم. جمع وأطفاله كثيراً من «السيكون» وأغصان الأشجار تحسباً للبرد. قصد يبرود قبل ثلاثة ايام مخاطراً بحياته كما قال وعاد ببعض الأغطية والملابس الشتوية الإضافية. لكن، ومع أخبار الطقس القارس والثلج المتوقع حاول العثور على منزل في عرسال ينقل إليه عائلته، ولكن من دون جدوى. «طلبوا مني ألف دولار إيجار غرفتين ومطبخ وحمام، فمن أين آتي بالمال؟»، يسأل. تحمل العوز والجوع وبهدلة العيش في الجرود وشظفه «لكنني لا يمكن أن اتحمل موت أحد أطفالي بين يدي من البرد». خرج إلى الطريق الترابية وأوقف رجلاً يقود سيارة «بيك آب» فارغة في طريقه إلى سوريا، ورجاه أن ينقله وعائلته، وعاد.

ما ان تقطع أحد حواجز الجيش الثمانية التي تزنر عرسال وتفصلها «أمنياً وافتراضياً» عن جردها، حتى تدخل فعلياً في عالم آخر. لا طرقات غير تلك التي شقتها عجلات «التراكتورات» الزراعية العائدة للعراسلة منذ قرروا استصلاح أراضي الجرد ومحاربة الفقر المدقع بعرق الجبين. طرق ساهمت اليوم في ترسيمها وتعبيدها سيارات «البيك آب» التي نشطت وتكاثرت بعد الأحداث الدائرة في سوريا، ومعها سيارات الدفع الرباعي التي تنتمي بمعظمها إلى فئة الحديثة الصنع. لا شبكة تغطي إرسال الهاتف الخلوي، وطبعاً لا دكاكين أو نبع ماء. الجرد اسم على مسمى: أجرد في ما خلا مزارع مشتتة ومتباعدة لأهالي عرسال، وبعض حقول لزراعات بعلية، وبيوت متواضعة تستر عريّ البرية.

لا إغاثة في الجرد

لا تخطو المنظمات الإغاثية خطوة واحدة بعد أي حاجز للجيش، باعتبار ان الجرد منطقة فالتة أمنياً ومفتوحة على المجهول. حتى المستوصفات النقالة التي تجول على تجمعات الخيم في «ضواحي» عرسال، لا تخاطر وتقصد الجرود.

إلى هذا الجرد الذي يراوح ارتفاع أراضيه ما بين الف وستمئة متر وبين الفي متر عن سطح البحر، لجأت نحو الف عائلة سورية، قدم معظمهم من القصير وريفها ومن قارة وبقية قرى وبلدات القلمون. نازحون لم يجدو شبر أرض خاليا في عرسال لينصبوا خيمة لن ترد عنهم قساوة العاصفة «الكسا» وأخواتها على مدى شتاء طويل ما زال في بداياته. وفي بيوت العراسلة الفقيرة في الجرد سكن بعض النازحين، بينما نصب آخرون خيماً من النايلون أو شوادر معظمها خفيف وهش، لا يتحمل العواصف، ولا يصمد أمام الرباح والثلوج. هؤلاء لن تصل إليهم حتى فرق إعلاميي التلفزيونات التي نادر ما تقصد عرسال نفسها فكيف جرودها، وهؤلاء ربما لن يسمع أحد عن عدد ضحاياهم من الأطفال والمسنين الذين سيسقطون خلال العاصفة، أو سيموتون من نقص الأدوية وسوء التغذية وربما الجوع.

في آخر وادي حميد، على «فم» الجرد العرسالي يقع مخيم «نساء وأطفال قرية السحل» في القلمون. ربيع، كبير الذكور في المخيم، اين الخمس عشرة سنة، يتولى الحديث، بينما تجر أم أحمد نفسها متعجلة الوصول إلى من تظن أنهم مندوبو إحدى الجمعيات الإغاثية. يقول ربيع إن نساء القرية لملمن أطفالهن ونزحن قبل بدء المعارك، بينما بقي الرجال هناك. لم يروا أي منظمة قد تعطيهم فرشاً وأغطية، وحتى بعض معلبات تساعدهم على إطعام الأطفال. جمع «رجل المخيم»، كما يسمونه، بعض المال من النساء وقصد عرسال وعاد بكيسي طحين وخمس كراتين بيض وعشر علب جبنة، بينما قصدت مجموعة منهن حقل بندورة قريبا وقطفن من تيسر من ثماره. وهكذا مر اليومان الأولان لوصولهم. تقول أم أحمد، التي تصل لاهثة، إنها تريد دواء لضغط الدم «وإلا بموت يا ابنتي». تشعر المرأة بثقل في رأسها وتعرف أن ضغطها مرتفع. تريد دواء للسكري أيضاً. يلف ربيع ذراعه من حولها، يسندها ويفهمها أن لا إغاثة هنا «بس رح يكتبوا عنا ويمكن يجي حدا يساعدنا». تدور المرأة على نفسها وتعود أدراجها خائبة نحو خيمتها.

من وادي حميد إلى «شبيب» يجلس أبو ماجد في كوة بناها من بعض الحجارة بينما وضع أمامه قارورة ملأها بوقود البنزين. استحدث الرجل مصدر دخل من وحي الجرد المقطوع عن العالم «محطة وقود جوالة»، يقول. يأتي بصفيحتي بنزين من عرسال ويبيعها بالليتر والليترين للمقطوعين والمضطرين للبنزين في الجرود. يربح بكل ليتر خمسمئة ليرة لبنانية، تمكنه من شراء الخبز لأطفاله.

بالقرب من ابي ماجد تنصب سكينة خيمتها. تركض المرأة بدورها لتطالب بعلف لعشر أغنام هربتها من سوريا. «رح يموتو أولادي وغنماتي من الجوع»، تقول المرأة لتعرض قطيعها الصغير للبيع على كل عابر سبيل: «هيك بعيش أولادي بحقهن». معها تسكن رسمية المريضة بالسرطان. تصاب رسمية البالغة من العمر خمسة وستين عاماً بنويات وجع. توقف علاجها بسبب الأوضاع في سوريا، ولا تريد سوى بعض ما يسكن ألمها: «إذا ما متّ من المرض رح موت من الوجع»، تقول منكسرة عندما تعلم بأن لا أحد سيصل إليها في الجرد. هناك تستغرب كيف يأكل ويشرب كل هؤلاء النازحين. قبل حلول الشتاء، سمح لهم العراسلة بقطف ما يشاؤون من ثمار أشجارهم وخضار حقولهم. جنوا بعض المال من العمل في الزراعة والمقالع. مع الثلج لن تبقى خضار في الجرود، وربما ستقتلع العواصف والرياح خيمهم، ليبقوا في العراء. مع ذلك يقول العائدون من عرسال انه لم يبق مكان لنصب خيمة فيها. لقد أتخمت البلدة بثمانين ألف نازح والحبل على جرار النزوح واللجوء من القلمون مع استمرار المعارك فيها.

ثمانون ألف نازح

يقول رئيس بلدية عرسال علي الحجيري ان هناك خمسة وستين الف نازح مسجل في البلدية وحدها، بينما تشير ارقام المنظمات العاملة على الأرض إلى وجود نحو ثمانين الف نازح، لم يسجَّل في المفوضية منهم سوى نحو عشرين الفاً.

هذه الأرقام تعكس الواقع على الأرض في عرسال البلدة. هناك لن تجد غرفة واحدة للإيجار برغم ورش البناء القائمة على قدم وساق، بعدما أصبح تأجير الغرف مصدراً سهلاً للدخل. بعض السوريين بدأوا بشراء المنازل من العراسلة، بينما اشترت مجموعة منهم قطعة أرض وباشروا ببناء البيوت. أما بقية النازحين فلكل واحد قصة موجعة.

يكثر في عرسال الحديث عن «النهب المنظم» كما يسمونه في قطاع الإغاثة. قسائم التغذية التي تمنحها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي الوحيدة التي يتسلمها اصحابها مباشرة، وفق بطاقاتهم. ومع ذلك لا يستفيد منها سوى المسجلين مع المفوضية وعددهم لا يزيد على ربع النازحين. فالمفوضية، برغم الوضع الطارئ في عرسال لم تستحدث مكتباً للتسجيل فيها. ما زال على النازح أن يقصد مدينة زحلة، على بعد نحو ثمانين كيلومترا للتسجيل. معظم النازحين إلى عرسال قد وفدوا إليها من القصير وريفها وبعضهم من حمص ومؤخراً من منطقة القلمون. لم يأتها نازح واحد من معبر شرعي، وعليه كيف يقطع هؤلاء حواجز الجيش للوصول إلى زحلة. بعضهم لا يملكون أجرة الطريق في حال قرروا إرسال النساء كون الجيش نادراً ما يسأل سيدة عن هويتها وبطاقة دخولها.

ومع ذلك لم تكتف المفوضية بعدم فتح مكتب في عرسال بل «استحدثت» فئة «المفصولين» بين النازحين، وفق ما يقول محمد رامح البركات. يبرز محمد بطاقة تسجيله الممهورة بختم المفوضية مع عائلته. استلم اواخر تموز عشرين الفاً عن كل فرد، ثم أربعين الفاً في الشهر الثاني، وبدلا من أن يستلم قسائمه الغذائية في الشهر الثالث أبلغته المفوضية أنه مفصول بذريعة أنه يمكنه العمل، أو «معيل عائلة»، وفق تعبيرهم الرسمي. في كل مخيم يوجد عشرة أشخاص أو عشرون مثل محمد. يقول الحجيري ان البلدية راجعت المفوضية بشأن هؤلاء وهناك وعود بالرجوع عن هذا الإجراء ولكن متى؟ لا أحد يعرف.

سرقة المساعدات

يقول أبو بلال النازح من القصير، والمصاب في الحرب هناك، ان المساعدات التي تصل إلى السوريين في عرسال تكفي لإطعام كل الشعب السوري، «ومع هيك في أطفال كتير بتنام ببطون خاوية». بداية علا صوت السوريين يتهمون بعض العراسلة بتوزيع المساعدات وفقاً لأهوائهم. تشكلت لجان في المخيمات وتولى أفراد سوريون التوزيع واستلام الحصص. «السوري والعرسالي بيسرقونا» يقولون اليوم. يروي أحد الشباب السوريين أنه عمل مع تسعة آخرين مع معتمد توزيع مساعدات وكراتين إغاثة «كان يأخذنا في الليل إلى مستودعه نفتح كراتين الإغاثة ويأخذ منها السكر والزيت والأرز والحليب ويقفلها على حصص البرغل والمعكرونة ومراطبين رب البندورة ومربى الفواكه، ثم يوزعها على النازحين». يؤكد الشاب نفسه انه اشترى ارزاً كان مخصصاً للنازحين من أحد دكاكين البلدة.

المحسوبية تنسحب ليس فقط على الحصص الغذائية وإنما على قسائم المازوت. تقضي عائلات بأكملها نهارها وليلها وأفرادها يتدثرون بالأغطية رداً للصقيع. يسمعون أن فلاناً استلم قسيمة مازوت من فلان. يسعون للحصول على حصصهم دون جدوى.

يقول الحجيري إن بعض النازحين يبالغون في الإدعاء أنهم لا يحصلون على شيء، فيما هناك الكثير من المساعدات «لكن أحداً لا يعترف بحصوله على حصته». يشير إلى أن قسائم المفوضية تسلم إلى اصحابها «لكن هناك منظمات لا تنسق مع البلدية ولا نعرف شيئاً عن كيفية توزيع مساعداتها».

وبما أن النازحين في عرسال ينتمون بمعظمهم إلى المعارضة السورية، يوجد الكثير من المصابين في البلدة ومن مبتوري الأعضاء. هؤلاء يشكون بدورهم من عدم حصولهم على علاجهم اللازم ولا على العناية الطبية أو حتى المساعدات «لا يمكنني أن اعمل، أنا مصاب بقدمي وابني كذلك» يقول حمادي النازح من أبو حوري في ريف القصير. تذهب زوجة حمادي يومياً إلى الجهات التي توزع خشباً لبناء خيم متينة قد تصمد أمام العواصف «كل واحد يلقي المسؤولية على الآخر» تقول، وتعود من دون أن تحصل على خشبة واحدة.

12 ألف تلميذ من دون دراسة

يملأ الأطفال السوريون شوارع عرسال وساحاتها وزواريب المخيمات. هؤلاء لم يبدأ عامهم الدراسي بعد. تقول نور الفليطي، العاملة في جمعية أرض البشر، ان هناك نحو 12 الف تلميذ نازح في عمر الدراسة من ست سنوات إلى 18 سنة. هؤلاء لم يجدوا طريقهم إلى المدارس بعد. استوعبت المدارس الرسمية في عرسال نحو ستين تلميذاً فقط في فترة قبل الظهر، بينما ينتظر الباقون سماح وزارة التربية بفتح مدارس في دوام بعد الظهر. وافقت الوزارة على فتح بعض المدارس بما يؤمن استيعاب نحو 1500 تلميذ فقــــط حتى الآن كحد أقـــصى، بينــــما قد يبقــــى نحـو عشـــرة آلاف تلميذ من دون أي فرصة للتـــعلم.

تقول إحدى العاملات في جمعية تعنى بالوضع النفسي للأطفال إن تعليم الأطفال هو أحد التحديات التي تواجه العائلات السورية «لكن الوضع النفسي للأطفال النازحين سيئ جداً وهذا مقلق أيضاً». لا يتحدث صغار السوريين إلا عن الدم والحرب والقتال. كان عمر راما ست سنوات عندما هربت عائلتها من القصف ونستها تحت الزيتونة في ضيعتها السورية. أصبح عمر راما اليوم ثماني سنوات وما زالت تتبع المعلمة في صف الأنشطة من قاعة إلى قاعة. ترفض الصغيرة أن تبقى مع رفاقها. تقول للاختصاصية النفسية انها تريد ان يدفنوها في القبر نفسه مع والدتها حين تموت. أما بثينة فقد خرجت من الصف مسرعة عندما طلب الطبيب النفسي من افراد مجموعتها أن يرسموا بيتاً. لحقت مساعدة الطبيب ببثينة لتجدها تبكي في الخارج. بكت ابنة الست سنوات لأنها اشتاقت لـ«لولو»، لعبتها التي تركتها في بيتها المدمر في القصير.

في عرسال… الوضع يزداد سوءاً/ ريّـان ماجـد

بيروت – وصلت العاصفة الى لبنان، وبدأت صور الثلج الذي يغطّي خيم اللاجئين السوريين في البقاع اللبناني تتناقل على صفحات التواصل الاجتماعي، وكانت بعض المحطات اللبنانية قد بثّت صوراً لمراسلين واقفين مع أطفال سوريين بالقرب من الخيم المهدّدة بالإنجراف. الأطفال يبتسمون للمراسلين الذين يبتسمون للكاميرا. واحدة منهم سألت طفلة: “بردانة؟ شو رح تعملي بالعاصفة؟ فأجابتها: رح موت من البرد.”…

هذا في الوقت الذي عبّر أحمد الفليطي، نائب رئيس بلدية عرسال البقاعية في لبنان – التي استقبلت أخيراً منذ منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام حوالى 4850 عائلة سورية قدمت من بلدة “قارة” الواقعة في منطقة القلمون شمال العاصمة السورية، أُضيفت الى الـ 46 ألف لاجئ الذين قدموا إليها منذ اندلاع الثورة في سوريا – عن خوفه الفعلي على حياة اللاجئين، وخاصة على وضع ما يقارب 400 عائلة سورية، تسكن على أطراف عرسال، في مزارع وبساتين على الحدود.

“طرق الإمداد إليهم مقطوعة. نعمل جهدنا لتأمين وسيلة نقل سريعة كالموتوسيكلات مثلاً لتأمين مستلزمات الإغاثة لأن الجرافات تستغرق وقتاً لفتح الطريق، علّنا نتمكّن من نقل مريض فيها مثلاً أو تأمين تنكة مازوت”.

أضاف الفليطي أن 16 عائلة جديدة وصلت من مدينة “النبك” الواقعة في منطقة القلمون. “وضعهم صعب جداً، ونسعى الى تأمين الخيم لهم”.

ما زالت الجوامع في عرسال التي استقبلت الموجة الأخيرة من اللاجئين السوريين فاتحة أبوابها لهم وللقادمين الجدد. وما زال سكاّن البلدة يتطوّعون لتقديم العون الى ضيوفهم. وما زالت حالة الطوارئ التي أعلنتها بلدية عرسال منذ ما يقارب الشهر، قائمة. لكن الوضع صعب جداً، إذ بالرغم من وجود خيم تتحمّل البرد والثلج، إلّا أن كثراً يسكنون في شوادر غير لائقة ولا تتحمّل الظروف المناخية الصعبة. “لغاية الآن الوضع مقبول. لكن بحال هبطت كميّة كبيرة من الثلج، هناك خطر كبير”، تابع نائب رئيس البلدية.

“كل أعمال الإغاثة التي تقوم بها البلدية ومجموعة من الائتلاف السوري ووزارة الشؤون الإجتماعية والمتطوّعون لا تكفي”، بحسب الناشط السوري عاصم حمشو. “تمّ رفع مستوى بعض الخيم بعد أن تمّ فرش أرضها بالبحص، وهناك شاحنة كاملة كانت محمّلة بالثياب والبطانيات وصلت الى عرسال منذ يومين، لكن الوضع ما زال سيئاً”.

والمنظمات الدولية والأطراف الحكومية على علم منذ فترة بقدوم عاصفة الى لبنان، لكنها على ما أفاد الفليطي، لم تقم بالجهد الكافي. “حذّرنا في البلدية منذ أكثر من عشرين يوماً من خطورة الوضع والكارثة التي يمكن أن تجلبها العاصفة المتوقعة، وأطلقنا النداءات وطالبنا بتأمين اللوازم الأساسية. لكن الردّ جاء أقل من المتوقع. قدّمت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 70 خيمة فقط لـ4850 عائلة مسجلّة عندها”.

البرد في البقاع لا يرحم، وارتفاع الثلج قد يؤدي الى جرف خيم عديدة بقاطنيها، ونداءات الإستغاثة التي يُطلقها الناس من عرسال لا تجد تجاوباً جدياً بحجم الكارثة. “لغاية الساعة وحسب معلوماتنا ليس هناك خطر على حياة الموجودين في عرسال”. لكن “حياتهم” ليست مضمونة، كذلك تعبير الطفلة التي قالت “رح موت من البرد”، قد لا يبقى مجازياً. فهل من يسمع ويستجيب؟.

موقع لبنان ناو

لاجئ فلسطيني نجا من الغرق يروي تفاصيل مرعبة طفل حاولت أمه إنقاذه فغرقت معه/ وليد عوض

رام الله ـ ‘القدس العربي’: روى لاجئ فلسطيني الخميس تفاصيل مرعبة عن غرق لاجئين فلسطينيين هاربين من الحرب الدائرة في سوريا قبالة شواطئ اليونان.

وكشف اللاجئ يوسف تفاصيل غرق الطفل ‘عبد الرحمن السعدي’ وأمه ‘مها السعدي’ وذلك بعد وصولهم إلى اليونان، كما تحدث عن المعاملة السيئة وغير الإنسانية التي تلقوها من قبل خفر السواحل اليوناينة.

بدأ يوسف حديثه عن الأسباب التي دفعته إلى تلك المخاطرة بركوب البحر حتى يصل إلى اليونان ومتابعة طريقه إلى أوروبا، وقال ‘بعد أن قُصف مخيم اليرموك لمرات عديدة وبسبب الأوضاع المأساوية التي عشناها من قصف واشتباكات ونزوح متكرر، قررت أن أغامر كما غامر العديد من اللاجئين الفلسطينيين السوريين بالسفر عبر البحر لأصل لأوروبا علّي أجد السلام والأمان هناك’

وفي تفاصيل رحلته يروي يوسف ‘توجهت إلى تركيا وكلي أمل أن أصل بعدها إلى اليونان ومنها أكمل رحلتي إلى أوروبا، وبالفعل وصلت إلى تركيا وانطلقنا من مدينة أزمير إلى أحد الشواطئ القريبة منها حتى ننتقل عبر البحر إلى اليونان كنا حوالي ’40′ شخصاً معظمنا من اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في سورية، وكان ذلك ليل يوم الأحد الماضي’.

واضاف يوسف قائلا لمجموعة العمل من اجل فلسطينيي سوريا ‘بعد أن أبحر بنا المركب لحوالي ساعة من الزمن وصلنا لجزيرة يونانية يتواجد على سفح جبل فيها قطعة عسكرية للجيش اليوناني، وبعد وصولنا إلى تلك القطعة سلمنا أنفسنا بشكل مباشر إلى عناصر الجيش، والذين أبقونا عندهم لحوالي السبع ساعات، وبعد مرور تلك الساعات تم تسليمنا إلى فرقة من الملثمين، ظننا في البداية أنه سيتم نقلنا إلى أحد المخيمات وهذا ما فهمه أحد الذين كانوا معنا والذي يعرف اللغة اليونانية وذلك من خلال الحديث الذي دار بين عناصر الجيش والملثمين الذين عرفنا بعدها أنهم من خفر السواحل’.

يتابع يوسف حديثه عن الترتيبات التي تمّت لنقلهم ‘بعد أن جمعونا وكنا حوالي 40 شخصاً تم نقلنا إلى مركب صغير ومنه نقلنا إلى مركب أكبر تابع لخفر السواحل اليونانية هنا بدأنا بالارتياب وأدركنا أن هناك شيئا غير مطمئن سيحدث لنا خاصة مع تواجد عدد من الملثمين ضخام الجثّة يرتدون ملابس سوداء ويحملون أسلحة، وفي الطريق أخذوا منّا جميع ممتلكاتنا من جوالات وحقائب وأوراق رسمية بعضها تم رميه في مياه البحر’.

وفي تفاصيل ما جرى معهم في المركب، يصف ‘يوسف’: ‘بعد مرور بضع دقائق بدأوا يفرزوننا كل عشرة على حدة ومن ثم يجبرون كل عشرة على الركوب بقارب مطاطي الذي بدوره ينقلنا عبر البحر إلى منطقة تبعد عن الساحل حوالي كيلو متر واحد، ومن ثم يجبرون الركاب على القفز في الماء، لم نستطيع المقاومة فقد كانوا مسلحين وبعضهم يحمل شيئا يشبه الرمح إن قاومته يضربك فيه، البعض من شدة الخوف من الضرب كان يقفز إلى الماء مباشرة لتجنب تعرضه للضرب’.

وعن تفاصيل غرق الطفل ‘السعدي’ ووالدته يصف ‘يوسف’ قائلاً ‘قاموا برمينا جميعاً، شبابا وأطفالا ونساء، فقد رموا الطفل ‘عبد الرحمن السعدي’ في الماء دون أن يكترثوا أنه طفل ودون رحمة ولا إنسانية كأننا لسنا ببشر، وبعد أن رُمي الطفل قفزت والدته ‘مها السعدي’ خلفه مباشرة، علّها تنقذ إبنها لكن للأسف فقد غرقت هي وأبنها في الماء فقد كان الجو مظلماً والحرارة متدنية والجميع خائفاً، كما غرقت أيضاً امرأة غير عربية غالباً هي امرأة افغانية، لقد عاملونا بمنتهى القسوة، فقد بقينا في الماء وسط الظلام والبرد الشديدين’.

وعن كيفية إنقاذهم يتابع يوسف ‘بقينا في الماء إلى أن جاء خفر السواحل التركية وقاموا بإنقاذنا’، مضيفا: ‘في تركيا تمت معاملتنا بطريقة مغايرة تماماً لمعاملة اليونانيين لنا، حيث أخذوا بعض التفاصيل منا ليتأكدوا أننا من سوريا إضافة إلى تفاصيل عن كيفية غرق الأم وطفلها، كما قدموا لنا الإسعافات والطعام، إضافة إلى أن الإعلام التركي تفاعل مع قضيتنا بشكل كبير، ومن ثم تم الإفراج عنّا جميعاً’.

ونوّه يوسف إلى أنه خلال تواجدهم في مركز الشرطة التركية، أنه قابل عدداً من الشبان من مخيم خان الشيح بريف دمشق الذين أخبروه أن خفر السواحل اليونانية قاموا باعتراضهم وسحب الوقود من مركبهم وتركهم في عرض البحر مما دفع الشبان للتجذيف حتى عثر عليهم خفر السواحل التركية وأعادوهم إلى تركيا.

وأكد يوسف لمجموعة العمل من اجل فلسطينيي سوريا أنهم خلال وجودهم في قسم الشرطة التركية لم يتعرضوا لأي إساءة بل مجرد إجراءات روتينية وأنه قد تم الإفراج عنهم بعد أخذ إفاداتهم خاصة فيما يتعلق بغرق الطفل ‘عبد الرحمن السعدي’ وأمه ‘مها السعدي’.

خطة طويلة الأجل من أجل اللاجئين السوريين/ ديفد ميليباند

بعد أن أمضيت ثلاثة أيام فقط مع اللاجئين وعمال الإغاثة في لبنان وتركيا أصبحت الطبيعة المروعة التي تتسم بها الأزمة السورية جلية واضحة في نظري.

أكثر من مائة ألف حالة وفاة، ونزوح أكثر من تسعة ملايين شخص، وخروج نحو مليوني طفل من المدارس، وعودة أمراض مثل شلل الأطفال إلى الظهور، فضلا عن الجهود الهائلة التي تبذلها البلدان المجاورة للتعامل مع موجات اللاجئين.

والواقع أن العديد من القصص المؤلمة عن زوجات وأزواج وأشقاء وأطفال مفقودين، ناهيك عن المنازل وسبل العيش المدمرة، يقدم لنا دليلا أكثر إزعاجا على الكيفية التي تحولت بها الحرب الأهلية في سوريا إلى صراع إقليمي (كما يؤكد تفجير السفارة الإيرانية في بيروت).

والآن يتقاتل المتمردون المناهضون للأسد في ما بينهم، مع تحقيق الجهاديين مكاسب مستمرة، ولم يعد الخبراء يتحدثون عن صراع يدوم لأشهر، بل يتحدثون عن سنوات أو حتى عقود من الزمان.

ورغم الجهود البطولية التي تبذلها وكالات المساعدات مثل لجنة الإنقاذ الدولية لإنقاذ الأرواح وجلب الأمل إلى المنطقة، فإن الحقيقة الرهيبة هي أنه ليس من الممكن حماية المدنيين، خاصة من القناصة والصواريخ الطائشة، ناهيك عن الجوع والتشرد.

ولا تعترف الفصائل المتحاربة حتى بفكرة وجود غير مقاتلين غير منتمين، وتضرب عرض الحائض بالمعايير الدولية للحرب.

وإضافة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 2.5 مليون مدني يفتقرون إلى الغذاء والمياه والأدوية لأن الوصول إلى بعض البلدات والقرى أمر بالغ الصعوبة، حيث يعيش نحو 250 ألف شخص في عزلة تامة عن المساعدة الخارجية.

والواقع أن نداءات الاستغاثة أربكت البلدان المجاورة لسوريا، فيحاول لبنان استيعاب ما يقرب من مليون لاجئ. وفي تركيا يقيم ما يقدر بنحو مائتي ألف لاجئ في مخيمات رسمية، ولكن ضعف هذا العدد على الأقل يكافحون وحدهم في البلدات والمدن.

والدعم القادم من مختلف أنحاء العالم متقطع، فنحو 60% فقط من تعهدات المساعدة وصلت بالفعل، حيث تصل نسبة ضئيلة بالفعل إلى المستفيدين الحقيقيين.

ورغم أن بعض الوكالات تمكنت من إدخال المساعدات عبر الحدود الوطنية فإنها عاجزة عن المرور عبر الخطوط الأمامية للقتال للوصول إلى أولئك العالقين في مرمى النيران المتبادلة.

لذا فإن الجهود الدبلوماسية الدولية لابد أن تركز على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مؤقتا من أجل جلب المساعدات اللازمة بشكل عاجل، مثل لقاحات شلل الأطفال.

ولا ينبغي للمساعدات أن تكون مجرد استعراض جانبي لمحادثات السلام التي لا تنتهي في جنيف، وكما أصر فاليري آموس منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ فإن هذا لابد أن يكون هدفا مركزيا لهذه المفاوضات.

ولكن في ظل الصراع وعواقبه -التي من المتوقع أن تستمر لسنوات- يتعين على الوكالات أن تخطط أيضا للأمد الأبعد، وهذا يشمل بناء القدرات في الدول المجاورة، كما يفعل البنك الدولي في الأردن ولبنان، لتزويد اللاجئين بالخدمات.

ومن الممكن أن يتم هذا بطرق إبداعية، فتشارك لجنة الإنقاذ الدولية على سبيل المثال في ثلاثة مجالات:

– التعليم الإبداعي: لا تستطيع الأنظمة المدرسية السائدة في البلدان المجاورة التعامل مع تدفق اللاجئين، ومع وجود أكثر من 80% من اللاجئين يعيشون في المناطق الحضرية بدلا من المخيمات، فمن غير المنطقي أن يكون التركيز الأساسي على نماذج التدريس في المخيمات.

ومن الممكن بدلا من هذا أن يعمل نظام أقل رسمية -بدعم من شبكات المعلمين المحليين واللاجئين-  وهو النموذج الذي نجح في الكونغو وأفغانستان، للتعليم المعتمد.

– استغلال التكنولوجيا: إن السوريين متعلمون عموما وقادرون على استخدام التكنولوجيا. وقد أنشأت لجنة الإنقاذ الدولية بالتعاون مع منظمة إنترنيوز الإخبارية غير الحكومية منصة رائدة للشبكات الاجتماعية باسم “تواصل”، لتشجيع اللاجئين على مساعدة بعضهم بعضا من خلال تبادل المعلومات والمشورة.

– ممارسة الأعمال التجارية: إن اللاجئين السوريين معتادون على العمل في ظل اقتصاد السوق، لذا فلابد من تشجيع البرامج التي تسمح لهم بالتجارة، وبالتالي إعالة أنفسهم.

وتستثمر اللجنة الدولية للإنقاذ في برامج “النقد في مقابل العمل” والتي من شأنها أن تساعد اللاجئين (ومضيفيهم) على بناء المشاريع التجارية.

إذا كنا راغبين في تخفيف أهوال الصراع السوري وعواقبه الوخيمة ينبغي لنا ألا نكتفي بالتفكير في التحرك في حالات الطوارئ لإنقاذ الأرواح، بل يتعين علينا أيضا أن نهتم بتلبية الاحتياجات الأطول أجلا والتي تجعل حياة هؤلاء الناس جديرة بأن تعاش.

ومن الأهمية بمكان أن نعمل على جلب المساعدات الطبية إلى مناطق الصراع، وإقامة مرافق المياه والصرف الصحي، وحماية الضحايا أثناء فصول الشتاء القاسية من أجل إنقاذ الأرواح، ولكن يتعين علينا أيضا أن نفكر في كيفية حماية تعليم وسبل معيشة أولئك الذين يتمكنون من البقاء على قيد الحياة.

المصدر:بروجيكت سينديكيت

شبكات الهجرة غير الشرعية «تخيّر» السوريين بين جحيم اللجوء ورعب الترحيل

اسطنبول – ريما مروش

في حي اكسراي في مدينة اسطنبول تتعرف الى أبشع الوجوه. تجار مخدرات وتجار بشر وتجار أعضاء بشرية. رجال منهكون ونساء مرهقات. معظمهم لاجئون سوريون. المكان له طابع ذكوري واضح لا نساء كثيرات في المقاهي. بعضهن يتجمعن في ساحة اكسراي بوجوه تغطيها طبقات سميكة من الماكياج. لكن المكان ليس قاتماً كما تقرأ عنه في الروايات. هنا ثمة فسحة أمل صغيرة وبعض الضحك.

في مطعم صغير يلتقي الحالمون بالسفر مع المهربين. صاحب المطعم أبو رولاند يقول إن الأسعار بحسب الطريق. البحر أخطر لكنه أرخص ويكلف الشخص الواحد نحو 7000 يورو. البر أقل خطراً لكنه أغلى ثمناً. في المطعم تسلّم الجوازات كضمانة للسمسار أنه سينال أجره ليصبح الراكب أشبه برهينة. العملية برمتها تدل على انعدام الثقة بين الراكب والسمسار. أما المهربون الكبار فيكاد لا يعرفهم أحد.

السماسرة سوريون والمهربون أتراك، ولكن هناك جنسيات أخرى تنشط في هذه «المصلحة». القاعدة الأولى بين الركاب هي: لا تدفع أي مبلغ قبل وصولك الى البلد المطلوب. ويودع الراكب قبل الانطلاق المبلغ في أحد مكاتب اسطنبول الذي يقتطع بدوره ليرة تركية عن كل 100. والمبالغ تتراوح بين 9500 و12500 يورو.

عبدالغني خريج معهد مختبرات يحاول الوصول بأي طريقة إلى أوروبا. حتى اللحظة، حاول الهجرة غير الشرعية ثلاث مرات. ويقول: «كنت أريد أن أذهب بحراً ولكن أهلي لم يسـمحوا لي، فضلوا أن أبيع بيـتي وأذهـب بـراً أو جـواً». يكرر عبدالغني ما يعرفه الجميع من أن البـحر هو الأكثر خطورة. «البحر يعني الموت» يقول. يتحدث عن المشي عبر الغابات والاختباء في الحفر عن الدورية التركية وعن الـليلة في مخفر الشرطة. كل تلك الـمشقة ولم يصل. وفي المرة الثانية تم توقيـفه في اليـونان فـأعيد إلى تـركـيا.

بعد محاولتين فاشلتين براً عاد عبدالغني الى سورية ليبيع بسرعة منزله بـ 20 الف دولار، نصف قيمته الفعلية ليعود إلى اسطنبول ويحاول مرة أخرى لكن بطرق أكثر أمناً. ويوضح: «الموضوع صار مثل المرض العضال. يجب أن أهاجر، ليس حباً بأوروبا، ولكن من المستحيل العيش في سورية، ليس هناك أي مستقبل لأطفالي». حياة عبدالغني عملياً «معلقة»، ينتظر إشارة من المهرب. لا يستطيع أن يستأجر بيتاً أو أن يستقر لأنه لا يستطيع تحمل أية مصاريف إضافية. يتنقل بين بيوت أصدقائه لينام. قبل أسبوع أبلغه المهرب أن لديه جواز السفر المناسب ليسافر جواً إلى أوروبا. ودع الأصدقاء، اتجه إلى المطار، عبر شرطي الحدود في المطار ووصل الى قاعة الانتظار. اعتقد أنه نجح. قبل دخوله الى الطائرة عند آخر نقطة تفتيش تم توقيفه. عبدالغني يمزح الآن حين يروي كيف أن الرحلة كانت أشبه بتمثيل دور بمسرحية. لبس ثياباً معينة لكي يبدو أكبر سناً. صفف شعره بطريقة مختلفة، ولكن كل ذلك من دون جدوى. المضيفة نظرت إلى الجواز وتاريخ الميلاد فبدا لها أصغر من العمر المذكور في وثيقة السفر، فطلبت منه الوقوف جانباً، وتم التحقيق معه ولم يكن وحيداً. «في قاعة التوقيف كان هناك الكثير من العائلات السورية غالبيتها من حلب، أُوقفوا عند محاولتهم السفر بطريقة غير شرعية.

أبو جوان يعتبر من المحظوظين، فزوجته وابنتاه (10 و 5 سنوات) وصلن إلى ألمانيا قبل شهر. العملية كلفته 22 ألف يورو و4 اشهر من التحضير. «كان هناك مهربون عدة ولكن الحظ حالفنا»، ويضيف: «كل واحد يشرح طريقته والمهاجر يختار من يعتقده الأفضل».

ويأخذ الحالمون بالهجرة أرقام المهربين من معارف أو أقارب نجحوا في الوصول إلى أوروبا. فاختيار المهرب وطريقة التسلل مسألة مصيرية كما يقول أبو جوان.

المعيار البسيط للثقة في المهرب هو أن يكون نجح في إيصال أشخاص. فحتى في هذه المهنة هناك هامش كبير للمهارات. لكن أبو رولاندو يقول: «من الأفضل أن تفتح لنا السفارات أبوابها لأن البعض ينصب على الناس… تشرد الكثيرون هنا وفقدوا جنى العمر».

أبو إياد خاطر بحراً. وصل إلى هولندا وتحدث الى «الحياة» عبر الهاتف. قرر مغادرة مصر بعد حالات تحقيق عدة تعرض لها لمجرد أنه فلسطيني- سوري. كان يعمل صحافياً في سورية وحاول في القاهرة أن يتقدم الى سفارات عدة بطلب لجوء سياسي من دون جدوى. في صيف ٢٠١٣ أرسل زوجته وابنه ذا الخمس سنوات الى أوروبا متكبداً مبلغ 3 آلاف و500 دولار في رحلة استغرقت سبعة أيام يقول إنها أسهل من رحلته التي استغرقت أحد عشر يوماً.

وعن الخوف من البحر قال: «كان القرار بين موتين: ترحيلي الى سورية أو البحر». وقصة أبو اياد هي ايضاً قصة إصرار وتحد. فمع المبلغ الضئيل المتبقي لديه بعد سفر عائلته، ذهب الى أحد المهربين وقال له ببساطة: «هذا كل ما لدي ولن تحملني على كتفيك، فالسفينة ستغادر معي ومن دوني» فوافق المهرب. ويقول: «بقينا ثلاثة أيام نحوم قبالة الشواطئ المصرية. المركب كان بحالة يرثى لها. كنا نخرج المياه بالسطول لأننا فعلياً كنا نغرق».

المركب كان صغيراً لا تتجاوز حمولته الستين راكباً بينما حشر فيه قرابة 180 شخصاً، لكن المهربين المصريين «أصحاب خبرة» وفق ما يقول أبو اياد. فغالبية المراكب التي تغرق فعلياً هي تلك التي تنطلق من ليبيا وبأسعار أرخص وتكلف نحو 1200 دولار للشخص. ويوضح: «مثلاً المهرب المصري لديه هاتف ثريا وأرقام الصليب الأحمر الإيطالي وحرس شواطئ مالطا، كما لديه علاقات مع أقرب نقاط يمكن أن تحتاجها لتطلب المساعدة».

وكما في المهن كلها، المهارة لها ثمن ويقدرها الجميع، وهو ما يعرفه جيداً السمسار أبو سلمان ومهمته جمع الركاب بالمهربين. ويقول أبو سلمان: «أعمل في هذا المجال منذ شباط (فبراير) 2013. فلدي ولدان في هولندا وكان ابني الاصغر هرب من التجنيد وأصر على أن أرسله إلى إخوته، فأجبرت على التعرف على هذه الأمور وتدبرت أمره وهكذا بدأت». استغرقت العملية أربعة أشهر تعرّف خلالها أبو سلمان على الناس والشبكات. والعمل كسمسار كان امتداداً طبيعياً لحياته بعدما هرّب ابنه ثم عائلته فأصدقاءه واتسعت دائرة المعارف وحلقات الثقة.

ابنتاه الصغيرتان وزوجته في تركيا وعليه الاعتناء بهن. ويقول: «الشبكة التي اتعامل معها تهرب في الشهر 700 إلى ألف شخص بمعدل سفرة كل 10 الى 15 يوماً». وينتقد الرجل أساليب بعض المهربين لجهة زيادة حمولة المراكب، لكن الطريق البري ليس أفضل حالاً. ويوضح: «يقولون للمسافر إنه سيمشي نصف ساعة، بينما يمشون في الحقيقة ست أو سبع ساعات أو أكثر ليلاً وأحياناً لا يستطيعون قطع المسافات. وعادة لا تتجاوز المجموعة 5 أشخاص».

محمد (27 عاماً) يستعد للسفر، من المفترض أن يترك تركيا خلال أيام إلى جنوب أوروبا ثم إلى النمسا وبعدها السويد. محمد كان يعمل في البناء في قطر قبل اندلاع الثورة، فترك كل شيء وعاد إلى سورية. محمد حمل السلاح فوراً لأنه «يعرف النظام» كما يقول. شارك في عدد من المعارك من خان شيخون الى تلبيسة والخالدية وتل أبيض، لكنه اليوم يقول: «لم يتبق شيء. ما عادت ثورتي». وكان محمد غادر حلب بعدما تشاجر مع عناصر من «داعش» على خلفية تدخينه السجائر، فقتل اثنين وفر الى البحر.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى