صفحات العالم

مقالات تناولت مسألة “تعويم” الأسد

 

تأهيل الأسد: تبدل الأولويات الدولية في سوريا

مركز الجزيرة للدراسات

ملخص

مع اقتراب الأزمة السورية من دخول عامها الخامس، تغيرت الأولويات الإقليمية والدولية نتيجة صعود تنظيم الدولة، فتزايدت محاولات تحوير الصراع وتحويل جوهره إلى “مكافحة الإرهاب”، وتبلورت بناء عليه مبادرات لإعادة تأهيل النظام من بوابة أن الظروف التي أنتجت بيان جنيف1، الداعي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة كخطوة أولى نحو تحول ديمقراطي في سوريا، قد تغيرت. مع ذلك تبدو احتمالات نجاح تأهيل نظام الأسد وجعله مقبولًا سوريًّا وإقليميًّا ودوليًّا أشبه ما تكون بالوهم لأن سياسة النظام القمعية خلال السنوات التي تلت بداية الثورة جعلته عامل استقطاب شديد، ومزقت كل رابط من روابط الثقة يمكن أن يجمع مختلف مكونات المجتمع السوري، وجعلت أجهزته أكثر طائفية، علاوة على بروز جماعات مسلحة من توجهات مختلفة، أثبتت التجارب في مختلف المناطق أنها ستكون بالضرورة جزءًا رئيسيًّا من أي ترتيبات مستقبلية، ولن يتحقق ذلك في سوريا إلا بإعادة تقاسم للسلطة يغيِّر بنية النظام القائم.

مقدمة

تزايدت في الآونة الأخيرة محاولات النظام السوري إعطاء انطباع بوجود تنسيق من نوعٍ ما بينه وبين التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وكان آخرها التصريحات التي أدلى بها الرئيس بشار الأسد بهذا الخصوص في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية؛ حيث قال: “إنَّ أطرافًا ثالثة، من بينها العراق، تنقل معلومات إلى دمشق بشأن الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة على تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا”. ورغم مسارعة الإدارة الأميركية إلى نفي مثل هذه المزاعم، وتأكيد الخارجية البريطانية أن الأسد واهم، إلا أنه وبغضِّ النظر عن صحة مزاعم التنسيق فقد بات واضحًا أن النظام السوري هو المستفيد الأكبر من الحملة التي تقودها واشنطن ضد تنظيم الدولة، وقد اتضح ذلك في العديد من المناطق، كان أبرزها في دير الزور؛ حيث بدا وكأن طيران التحالف يعمل كسلاح جوٍّ لقوات النظام السوري التي تمكنت من وقف تمدد التنظيم، لا، بل وقامت باستعادة مناطق كانت خاضعة لسيطرته.

فكيف سيؤثر تبدل أولويات القوى الدولية والإقليمية على دور وموقع النظام السوري؟

صعود تنظيم الدولة وتغير الأولويات

شكَّل صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا صيف العام 2014، نقطة تحول في الصراع الدائر على امتداد الإقليم، تأثرت بفعله مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين وتصوراتهم للتهديدات والمخاطر التي تواجههم، وبناء عليه تغيرت الاصطفافات بتغير الأولويات. وقد ظهر أوضح التأثيرات على السياسة الغربية عمومًا والأميركية خصوصًا اتجاه أزمات المنطقة. فلم يعد الملف النووي الإيراني، والخلاف مع إيران بشأنه، المحدد الرئيس الوحيد لسياسة إدارة الرئيس أوباما في عموم المشرق العربي منذ الانسحاب من العراق عام 2011. بدلًا من ذلك، تحوَّل تنظيم الدولة الذي أخذ يستأثر بالاهتمام الأميركي الأكبر في المنطقة إلى نقطة التقاء مصالح أميركية-إيرانية، شدَّد عليها الرئيس أوباما في رسالته السرية الأخيرة التي بعثها إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2014، وأشار فيها إلى “المصلحة المشتركة” بين البلدين في محاربة تنظيم الدولة في كلٍّ من العراق وسوريا.

ورغم استبعاد طهران من مؤتمر باريس الذي أسَّس للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في سبتمبر/أيلول 2014، نتيجة ضغط دول عربية أبرزها السعودية، إلا أن ذلك لم يمنع من حصول تنسيق أميركي-إيراني بلغ حدَّ تبادل المعلومات الاستخباراتية في العراق. أما في سوريا؛ فقد جرى تداول تقارير تتحدث عن توصل واشنطن وطهران إلى “تفاهم” يتضمن تعهد الولايات المتحدة بعدم استهداف طائرات التحالف قوات النظام السوري مقابل “ضمان” أمن الخبراء الأميركيين الذين أعادتهم إدارة الرئيس أوباما إلى العراق لتدريب وتقديم المشورة للقوات العراقية في إطار الاستراتيجية الأميركية لـ”هزيمة” تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وقد تطور موقف الإدارة الأميركية من قضية الإطاحة بنظام الأسد، رغم تكرارها لمقولة: إنه “فقد الشرعية”، وذلك بسبب حرص الرئيس أوباما الشخصي على تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية من مدخل التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين حول برنامجهم النووي، ثم أصبح استمرار النظام وبقاؤه مصلحة أميركية بعد صعود تنظيم الدولة؛ حيث تعتقد واشنطن أن البديل لنظام الأسد لم يعد، في ظل ضعف المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض وتشتتها في الخارج، إلا التنظيمات الإسلامية المقاتلة.

بالمثل تبدلت مواقف دول غربية وعربية أخرى تُعتبر جزءًا من النواة الصلبة في مجموعة أصدقاء الشعب السوري، خاصة بعد الهجمات التي تعرضت لها صحيفة شارلي إيبدو بباريس، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي 2015 وأسفرت عن مصرع نحو 17 شخصًا وأدت إلى موجة من الإسلاموفوبيا اجتاحت دولًا أوروبية عديدة. وكانت مواقف بعض البلدان الأوروبية بدأت تتحول أصلًا إلى تقديم أولوية محاربة “الإرهاب” في سوريا والعراق على ما عداها منذ سيطرة تنظيم الدولة على الموصل في يونيو/حزيران 2014؛ إذ قررت الحكومة النرويجية تشغيل سفارتها في دمشق برتبة قائم بالأعمال، وقامت ألمانيا وإسبانيا بتفعيل التعاون الاستخباراتي مع النظام السوري لمواجهة “تهديدات” على أمنها الداخلي مع تمسكها بضرورة “إطلاق مرحلة انتقالية” لحل الأزمة السورية.

عربيًّا أيضًا، تقدم الاهتمام بمواجهة تنظيم الدولة على ما عداه، فكانت دول عربية عديدة على رأسها السعودية تداعت إلى عقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب في جدة، في سبتمبر/أيلول 2014، وقد شكَّل هذا الاجتماع الأرضية التي انعقد على أساسها مؤتمر باريس الذي أطلق التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة بعد ذلك بأيام، وتعزز هذا التوجه بعد إعدام الطيار الأردني الأسير، معاذ الكساسبة حرقًا ثم إعدام أقباط مصريين ذبحًا. ورغم أن الموقف الخليجي ظل متمسكًا برؤيته بأن سياسات النظام هي التي أدت إلى تنامي “الإرهاب”، إلا أنه وافق على إعطاء الأولوية لقتال تنظيم الدولة حتى على السعي لإسقاط النظام، بل إن التقديرات ترجِّح أن قتال تنظيم الدولة يفيد النظام ويعزِّز حظوظ بقائه. أما مصر فقد بدأت منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي صيف العام 2014، تبتعد تدريجيًّا عن مواقفها المؤيدة للثورة السورية، وتقترب أكثر من الموقف الروسي تحت عناوين، مثل: الحرص على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، ورفض التدخل الخارجي، ومنع مؤسسات الدولة بما فيها الأمن والجيش من الانهيار.

وداعا جنيف

انطلاقًا من ذلك شهدت الشهور القليلة الماضية ظهور مبادرات ومواقف سياسية تعبِّر عن التغير الذي طرأ على الأولويات والاهتمامات الإقليمية والدولية، بدءًا بمبادرة ستيفان دي مستورا الذي دعا، منذ اليوم الأول لاستلام مهامه مبعوثًا أمميًّا لحل الأزمة السورية خلفًا للأخضر الإبراهيمي، إلى التوصل إلى هدنة أو “تجميد” الصراع، حتى يتسنَّى “التركيز على مواجهة الإرهاب” في سوريا.

كما ظهرت أيضًا أفكار روسية ومصريَّة وإيرانية، يصب جميعها في إطار إعادة إنتاج النظام الحالي، وإن كانت مختلفة حول أنجع السبل لبلوغ ذلك؛ ففي حين سعت مصر، تمهيدًا لحوار مع النظام السوري، إلى توحيد المعارضة السورية (الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق خصوصًا)، مع استبعاد المكون الإسلامي منها، حاولت روسيا إنتاج معارضة بديلة، عبر تفتيت الائتلاف وتعويم الجزء من المعارضة الأقرب إليها. أما إيران، فقد كانت أجندتها أكثر تعقيدًا وطموحًا؛ إذ كانت مهتمة بخلق معارضة بديلة علاوة على خلق كيان موازٍ لسلطة النظام في سوريا عبر إنشاء تنظيمات وميليشيات مسلحة تخضع لسلطتها وحدها، مثل حزب الله السوري.

اللافت في هذه المبادرات والأفكار، التي تسعى إلى دفن بيان جنيف الأول والتركيز بدلًا من ذلك على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوجيه الجهد العسكري لكل من النظام والمعارضة نحو مواجهة “تنظيم الدولة” وجبهة النصرة، هو الموقف الأميركي منها. فبعد فترة صمت طويلة، أصدرت الولايات المتحدة بيانًا رحَّبت فيه بالمساعي الروسية لعقد مؤتمر يجمع الأطراف السورية في موسكو على طاولة حوار تمهيدًا لتسوية. وقد بلغ التطور في الموقف الأميركي من المسألة السورية حدَّ التأكيد على ضروة أن يكون الأسد حاضرًا في أية تسوية؛ ففي معرض ردِّها على ما يحضَّر له في القاهرة وموسكو من مؤتمرات تجمع أطراف الصراع السوريين، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أنَّ “الرئيس بشار الأسد يجب أن يكون حاضرًا على طاولة المفاوضات، على الرغم من فقدانه الشرعية، مثمِّنة مبادرة مصر”. كما أكدت أن الولايات المتحدة تدعم كل جهد يهدف إلى تسوية الأزمة في سوريا، وذلك في تعليق رسمي على مبادرة روسيا بهذا الشأن. كما توصل الأميركيون إلى اتفاق مع قيادات المعارضة السورية على أن تعود فصائل المعارضة بعد تدريبها إلى الداخل لمواجهة تنظيم الدولة وليس النظام السوري. وفيما رحَّب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بكل من مبادرة دي مستورا لتجميد الصراع، والمبادرة الروسية لجمع أطرافه تمهيدًا لتسوية، لم يعد كيري كما في السابق يائسًا من بشار الأسد ونظامه بل اعتبر أنه “حان الوقت للرئيس الأسد، لنظام الأسد، للبدء في التفكير بشعبهم أولًا والتفكير بنتائج سياساتهم ثانيًا، والتي تستقطب المزيد من الإرهابيين إلى سوريا”.

خاتمة

مع اقتراب الأزمة السورية من دخول عامها الخامس، تغيرت الأولويات الإقليمية والدولية نتيجة صعود تنظيم الدولة، فتزايدت محاولات تحوير الصراع وتحويل جوهره إلى “مكافحة الإرهاب”، وتبلورت بناء عليه مبادرات لإعادة تأهيل النظام من بوابة أن الظروف التي أنتجت بيان جنيف الأول، الداعي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة كخطوة أولى نحو تحول ديمقراطي في سوريا، قد تغيرت. مع ذلك تبدو احتمالات نجاح تأهيل نظام الأسد وجعله مقبولًا سوريًّا وإقليميًّا ودوليًّا أشبه ما تكون “بالوهم” كما عبَّرت عن ذلك وزارة الخارجية البريطانية في بيان أخير لها؛ حيث إن معظم الدراسات الجدِّية التي تتناول سيناريوهات تطور الأزمة السورية لا تتضمن إعادة تأهيل النظام وبقاءه دون تغيير جوهري يطرأ على بنيته وتكوينه، بل يجري الحديث عن أربعة سيناريوهات رئيسة، هي:

  • استمرار الصراع بالمستوى الحالي من العنف وضمن خطوط التماس الراهنة في ظل عجز أي من أطراف الصراع عن الحسم.
  • تمكُّن النظام من استعادة السيطرة على مناطق كبيرة من البلاد بالاستفادة من التدخل العسكري لقوات التحالف ضد تنظيم الدولة، مع الاستمرار ضعيفًا ومنهكًا ومعتمِدًا في بقائه بالمطلق على مساعدات اقتصادية خارجية من حلفائه.
  • انهيار النظام وتحلله تدريجيًّا ودخول البلاد في حالة من الفوضى مع رجحان انقسامها.
  • التوصل إلى تسوية تؤدي إلى خروج معظم رموز النظام المسؤولة عن الكارثة التي حلَّت بالبلاد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

في كل هذه السيناريوهات لا يَردُ احتمال عودة النظام بشكله وتركيبته الحالية إلى الوضع الذي كان يحكم فيه البلد قبل الأزمة وكأن شيئًا لم يكن، لأن سياسة النظام القمعية خلال السنوات التي تلت بداية الثورة جعلته عامل استقطاب شديد، ومزقت كل رابط من روابط الثقة يمكن أن يجمع مختلف مكونات المجتمع السوري، وجعلت أجهزته أكثر طائفية، علاوة على بروز جماعات مسلحة من توجهات مختلفة، أثبتت التجارب في مختلف المناطق أنها ستكون بالضرورة جزءًا رئيسيًّا من أي ترتيبات مستقبلية، ولن يتحقق ذلك في سوريا إلا بإعادة تقاسم للسلطة يغيِّر بنية النظام القائم.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

 

مكاسب الأسد… وجودية؟/ علي بردى

الحديثان الأخيران اللذان أدلى بهما الرئيس بشار الأسد الى مجلة “فورين أفيرز” وتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في الذكرى السنوية الرابعة لبداية الأزمة السورية، أحبطا كثيرين من الباحثين عن حلول للأزمة السورية. أوحى الى أرفع المسؤولين في الأمم المتحدة، بمن فيهم أمينها العام بان كي – مون، بأنه لا يزال يحاول “قلب الحقائق رأساً على عقب”.

لم يعترف الرئيس الأسد بأي أخطاء يمكن أن يكون ارتكبها – باعتباره حاكماً مطلقاً – خلال السنوات الأربع الدامية في سوريا. استعاض عن ذلك بتعابير عامة. قال إن “البشر يخطئون” بحكم الطبيعة. أشار الى بداية الأحداث في درعا وانتشار التظاهرات السلمية في دمشق وحمص وحماه وإدلب وحلب باعتبارها تفاصيل على هامش نشاطات الجماعات الإرهابية. كرر أن ما حصل ويحصل ما هو إلا مؤامرة شاركت فيها تركيا والأردن وقطر والسعودية وبعض لبنان، الى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها ممن يكيد المكائد.

كيفما كان حال كلام الأسد، ليس أمام الديبلوماسية خيار سوى مواصلة السعي الى حلول للأزمة في سوريا. لذلك انطلق المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستيفان دو ميستورا مجدداً من “بيان جنيف” لـ٣٠ حزيران ٢٠١٢ الذي ورثه سلفه الأخضر الإبرهيمي عن المبعوث الأول الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان. لم ينجح تكتيك دو ميستورا حتى الآن في مقاربة العناوين الرئيسية في “بيان جنيف”، من “تحت الى فوق”. من طريق “تجميد القتال” في حلب أولاً، ومن ثم لجم العمليات العسكرية في مناطق أخرى بغية “توسيع الحيز السياسي”. لسان حال بان كي – مون أن “تجميد القتال ليس بديلاً من أي حل سياسي”، يكمله ويوفر حيزاً سياسياً أوسع. غير أن هذه الغاية البسيطة نسبياً تبدو صعبة المنال لأن السلطات تعتقد أن في امكانها تحقيق نصر عسكري في هذه المنطقة الآن. صدق الإبرهيمي يوم أقر بأنه يقوم بـ”مهمة مستحيلة”.

كاد الأسد يقول في مقابلتيه إنه كان محقاً منذ البداية وإن العالم كله كان على خطأ. ليس هذا في نظر المسؤولين الدوليين إلا امعاناً في خطأ جوهري وفي تدمير سوريا. كان يمكنه أن يقول إن “الدولة الإسلامية – داعش” و”جبهة النصرة” وجماعات التطرف العنيف ظهرت بسبب الأزمة السورية. لو لم تحصل أزمة سوريا ولم يسقط أكثر من ٢٥٠ ألف قتيل ويتهجر ١١ مليون سوري بين نازحين ولاجئين، ما كان الوضع ليكون بهذا السوء. شكلت هذه الأزمة أرضاً خصبة للعناصر الإرهابية. جذبتها. تجذر الإرهاب وتمدد، ليس فقط في سوريا والعراق، بل أيضاً عبر لبنان والأردن وتركيا واليمن ومصر وليبيا.

توسع “الدولة الإسلامية” خريطة الخلافة. لا بد من هزيمتها في حرب لها الأولوية المطلقة. لا هوادة فيها.

يعتقد الأسد أن في امكانه أن يحقق مكاسب وجودية فيها، وخصوصاً إذا وصلت المفاوضات النووية مع ايران الى خواتيمها المرجوة.

النهار

 

 

 

 

 

التعويم الروسي لنظام الأسد/ خالد غزال

لم يكن مستغرباً أن تكون نتائج المؤتمر الذي دعت إليه روسيا لجمع الأطراف السورية المتحاربة هزيلة ومحدودة. فالشكوك حول رغبة روسيا في إنهاء الأزمة السورية كبيرة، شهدت عليها أدلة واسعة مذ أجهضت اتفاق جنيف الأول، واستخداماتها حق النقض في مجلس الأمن في أمور تتصل بالمساعدات الإنسانية للسوريين.

دعت روسيا إلى المؤتمر وهي محكومة بجملة ثوابت أهمها أن رئيس النظام بشار الأسد خط أحمر، وأن أية محادثات ستجرى تحت سقف بقائه على رأس السلطة. هذا الثابت الروسي المستمر منذ أربع سنوات يتصل وثيقاً بطبيعة المصالح الروسية في المنطقة. تدرك روسيا بوتين أنها ليست الاتحاد السوفياتي الذي كان يرى في المنطقة العربية أحد مناطق صراع النفوذ ضد المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما كان يضعه في موقع المساند لأنظمة عربية يقيم معها صلة سياسية وعسكرية. روسيا اليوم ليست في حرب باردة مع الغرب، بل جل ما تريده أن تضمن مصالحها بالاتفاق مع الأميركيين.

ويعود التشبث الروسي بالأسد إلى اعتباره الضمانة، وسائر المجموعة المحيطة به، في ظل انفلات القوى المتحاربة وتنوع مشاربها بما لا يطمئن الروس لمواقعهم في حال سقوط الأسد ومجيء قوى المعارضة إلى السلطة، فالنظام الروسي يعرف تماماً أنه يتمتع بسمعة سيئة جداً، بل وبعداء واسع، لدى معظم الشعب السوري، بسبب انحيازه الكامل لمصلحة النظام، وتوظيف منظومته المسلحة بضرب الشعب وتدمير سورية، واستمرار روسيا في مد النظام بالسلاح حتى اليوم.

تدعي روسيا أنها بدعمها لنظام الأسد إنما تساهم بالحرب العالمية ضد الإرهاب المتمثل بالتنظيمات الأصولية. لا شك في أن روسيا يحكمها هاجس الإرهاب الأصولي في بلدان شرق أوروبا وفي محيطها، والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، لكنها لا تزال تدور في فلك روسيا. ولا تزال أحداث الشيشان والقوقاز ماثلة لدى الروس. لكن هذا الادعاء مردود جملة وتفصيلاً، فالنظام السوري هو الذي أدخل الإرهاب إلى سورية من خلال السماح للجماعات الإرهابية بالتوسع والانتشار، مرات كثيرة بتواطؤ منه، وذلك من أجل توظيف هذه المجموعات في ضرب قوى المعارضة السورية و «الجيش الحر» التابع لها، وقد حقق نجاحاً مهماً على هذا الصعيد. كما أنه من المعروف أن جيش الأسد ومعه التنظيمات المتدخلة من قبيل «حزب الله» اللبناني والحرس الثوري الإيراني والتنظيمات العراقية الشيعية، لم تمارس أية أعمال مسلحة ضد التنظيمات الأصولية خصوصاً «داعش»، بل ظل تركيزها القتالي على المعارضة المعتدلة وعلى «الجيش الحر». فالنظام السوري الذي تدعمه روسيا هو أب الإرهاب الأصولي وأمه والداعم له، ثم المدعي محاربته عبر تصوير الحرب السورية أنها بين النظام وبين المجموعات الإرهابية.

قد لا يكون بعيداً من التقدير أن النظام الروسي بدأ يشعر بأن صفقة دولية إقليمية ما سائرة على الطريق بقيادة المعسكر الغربي، وأن روسيا لا تريد أن تجد نفسها خارج السياق، فأرادت أن تحجز موقعاً لها عبر التمهيد لأي حل، فكانت مبادرتها لجمع الأطراف السورية، التي أعلنت الولايات المتحدة أنها ليست بعيدة منها وأنها تشجعها في الوقت نفسه. لكن المبادرة كانت محكومة بالفشل سلفاً، فروسيا لم تتصرف على قاعدة دعوة المعارضة الرئيسية والمعترف بها دولياً إلى المؤتمر بصفتها التمثيلية العامة، بل جعلت الدعوة مقتصرة على ممثلين منفردين منها، بما ألغى مكونات أساسية في الحوار. كما أن روسيا تصرفت على قاعدة عدم دعوة قوى لا يقبل النظام بوجودها في المؤتمر، لذا كانت الدعوة لقوى لم تقطع بالكامل مع النظام سواء داخل سورية أو خارجها.

لم يكن النظام بعيداً من الترتيبات الخاصة بالمؤتمر، بل كان على تنسيق كامل مع الطرف الروسي. هو وافق سلفاً على المشاركة بوفد رسمي، كان يعرف أن حظوظ النجاح شبه معدومة، لكنه أراد إرسال رسائل إلى الخارج بأنه يريد الحوار لإنهاء الحرب، وأنه ليس العنصر المعطل لإنهاء الأزمة. لا شك في أن حداً من النجاح قد تحقق له، خصوصاً بعد أن حمّل الروس المعارضة مسؤولية فشل المؤتمر. هكذا، نجح الروس في تعويم الأسد ونظامه وتقديمه على أنه الطرف الوحيد الذي تجب مفاوضته.

لا شك في أن المؤتمر قد عكس واحداً من مآزق المعارضة السورية، لجهة تشتتها وعدم قدرتها على الاتفاق على هدف محدد، والأسوأ من كل ذلك مدى النفوذ الخارجي على بعض أطرافها، ما سيجعلها في الموقع الأضعف في تقرير مصير سورية عندما يحين أوان الصفقة الدولية – الإقليمية.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

لأن لا إزاحة للأسد قبل الاتفاق على بديل المعارضات السورية تحاول استعجال التفاهم/ اميل خوري

يقول ديبلوماسي عربي لو أن الدول المعنية عجلت في حل الأزمة السورية لما كان استمرارها اشعل حروباً داخلية تحولت حروب الآخرين على أرضها، ولا كانت التنظيمات الارهابية والتكفيرية أطلت برأسها وأخذت تتمدد في المنطقة وتهدّد ليس أمن الدول فيها إنما أمن دول العالم فتقرر مواجهتها باقامة تحالف دولي.

لذلك لن يكون حل للفوضى العارمة التي تسود دولاً في المنطقة ما لم يستعجل الحل في سوريا، وهو ما جعل روسيا تتحرك بحثاً عن هذا الحل، وجعل الائتلاف السوري المعارض يرص صفوفه بعدما فرقتها الخلافات وافقدته فاعليته، وجناحه العسكري يتوحد أيضاً استعداداً للدخول في حوار مع المعارضة السورية الداخلية توصلاً الى اتفاق على رؤية مشتركة لمستقبل سوريا، اذ لا سبيل الى جعل الرئيس بشار الأسد يتخلى عن السلطة ما لم يتم التوصل الى اتفاق بين المعارضين في الداخل وفي الخارج على حكم بديل لئلاً تدب الفوضى في سوريا كما دبّت في دول عربية بسبب صراع القوى المتعددة فيها على السلطة وعلى النظام الذي ينبغي اعتماده، خصوصاً ان الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الاوروبي باتت مقتنعة بأن لا مصلحة لأحد في جعل الرئيس الأسد يتنحى عن السلطة قبل ان يكون قد تمّ التوصل الى اتفاق على حكم بديل، وهو ما جعل المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستيفان دوميستورا يقول إن الأسد سيكون جزءاً من الحل، ويقصد الحل الأولي وليس النهائي الذي يقرره الشعب السوري.

الى ذلك، يقوم رئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجا بزيارات لعدد من الدول الصديقة والشقيقة بهدف التوصل الى اتفاق على دعم المعارضة الخارجية وبعد التفاهم مع المعارضة الداخلية والقوى التي ستشارك في البحث عن صيغة حل للأزمة المتفاقمة في سوريا كي يصبح في الامكان طلب تخلي الرئيس الأسد عن الحكم، وإلا ظلت الحرب سجالاً في سوريا ولا نهاية لها، والارهاب يضرب فيها وفي كل مكان في المنطقة وخارجها.

لقد باتت الدول المعنية بأوضاع المنطقة على اقتناع بأن يبدأ اطفاء نار الارهاب في سوريا ليصبح في الامكان اطفاؤها في كل المنطقة ولا تظل جسر عبور للارهاب الى دول العالم. فمتى قام في سوريا حكم جديدتشارك فيه كل القوى السياسية الأساسية ليكون قادراً على فرض الامن والاستقرار، ولا يعود في استطاعة أي دولة ان تتخذ منها نقطة انطلاق للتدخل في شؤون دول أخرى، وان أول من ينعكس قيام هذا الحكم الجديد ايجاباً عليه هو لبنان. ومن دون ذلك فان اشتداد صراع المحاور يصبح قادراً على تهديد أمن دول الخليج انطلاقاً من استمرار الحرب في سوريا وسيطرة الحوثيين في اليمن وتحريك المذهبية في البحرين وفي غير دولة.

لذلك بات من مصلحة كل دولة في المنطقة ومن مصلحة كل دولة معنية التعجيل في ايجاد حل للحرب السورية التي لن يكون فيها غالب ومغلوب، بل يكون المغلوب، اذا طالت، هو الشعب السوري، والغالب هو الدمار والخراب. فهل يتعاون الجميع بصدق على انهاء الحرب في سوريا بالتوصل الى حل سياسي عادل ومتوازن ما دام الجميع يعلن أن لا حل عسكرياً لما يجري في سوريا.

وفي المعلومات ان هذا الحل يبدأ بتحقيق وحدة الصف داخل الائتلاف السوري المعارض وداخل الفصائل العسكرية في “الجيش السوري الحر” كي يكون للمساعدات التي تتلقاها جدوى وفاعلية، على أن يتحقق التقارب والتفاهم مع المعارضة السورية الداخلية توصلاً الى اتفاق على سوريا المستقبل ينهي الحكم الحاضر ويمحو آثار الماضي.

وعندما يتحقق ذلك يصير في امكان الدول المعنية في المنطقة وخارجها التوصل الى اتفاق على ما يكون قد اتفقت عليه معارضة الداخل ومعارضة الخارج السوريتان، الا ان بعض المراقبين لا يرى سهولة في التوصل الى حل للحرب السورية ما لم يكن قد تحقق التقارب الأميركي – الايراني الذي يكون المدخل لتحقيق تقارب ايراني – سعودي. فهل تكون سنة 2015 سنة بداية الانفراج في المنطقة لأن الانفجار لن يكون فيه غالب سوى الدمار والخراب، والمغلوب هو الشعب.

 

 

 

 

الرهان على النظام السوري رهان على “داعش”!/خيرالله خيرالله

من يراهن على أن بشّار الأسد «جزء من الحل«، كما يقول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دو ميستورا، إنّما يراهن على بقاء «داعش«، لا لشيء سوى لأنّ «داعش« والنظام السوري وجهان لعملة واحدة. كل منهما يعمل في خدمة الآخر…

من هذا المنطلق، يفترض بدو ميستورا توضيح كلامه نظراً إلى أن النظام السوري علّة وجود «داعش«، هو والذين يدعمونه في موسكو وطهران. مثل هذا الدعم هو الذي يوفّر الحاضنة التي مكّنت «داعش« من التمدّد في سوريا والعراق في ظلّ فراغ كبير اسمه السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما. هذه الإدارة التي يبدو أنّها تعمل كلّ شيء من أجل تفتيت الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطته من منطلقات جديدة.

يمكن لإدارة أوباما التي تعرف قبل غيرها أن لا مستقبل لـ«داعش« استغلال وجود هذا التنظيم إلى أبعد حدود. ولذلك نراها تضع خطة مدّتها ثلاث سنوات للانتهاء من «داعش«، في حين أن في الإمكان محوه من الوجود في حال وجود نيّة حقيقية لذلك.

في النهاية، يمكن لتنظيمات من نوع «داعش« أن تتمدّد لبعض الوقت ولكن لا يمكن أن تتمدّد إلى ما لا نهاية. هناك مخلوقات غير طبيعية لا مكان لها في هذا العالم مهما حاولت وفعلت، ومهما تطاولت على الواقع والحقائق التي لا مجال لتجاوزها.

يمكن لـ«داعش« الاستفادة إلى حدّ كبير من النظام السوري والدعم الإيراني والسياسة الأميركية المضحكة – المبكية لإدارة أوباما. لكن لا مكان مستقبلاً لمثل هذه المخلوقات التي تشبه الارتكابات أكثر من أيّ شيء آخر.

ليس «داعش« سوى ارتكاب. معروف من بدأ الارتكاب ومعروف من دعمه ومعروف من المستفيد منه. من شجّع «داعش« في البداية كان النظام العراقي أيّام صدّام حسين. وقتذاك، لم يكن هناك «داعش« أو غير «داعش«. كانت هناك «القاعدة« وما هو متفرّع عن «القاعدة«. كان صدّام، الذي وقف على رأس نظام عائلي – بعثي، يعتقد أن في استطاعته مقاومة الأميركيين عند دخولهم العراق وأنّ تنظيمات إسلامية متطرّفة ستمكّنه من الصمود. لم تكن هذه التنظيمات سوى أدوات. لم يكن «أبو مصعب الزرقاوي«، الذي هو في أساس «داعش«، سوى أداة موروثة استخدمها النظامان السوري والإيراني في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق قبل ما يزيد على عشر سنوات.

كان مطلوباً بعد دخول الأميركيين بغداد والمناطق الأخرى العمل على إخراجهم من العراق والانتهاء من وجودهم العسكري والسياسي في البلد. كان ذلك عائدًا إلى سببين، الأوّل سوري والثاني إيراني.

كان النظام السوري يخشى، بعد ، من أن يتحوّل العراق بلداً طبيعياً يمكن أن يكون نموذجاً لما ستكون عليه دول المنطقة. فشل الأميركيون فشلاً ذريعاً في مشروعهم العراقي. بات المواطنون العراقيون اليوم يترّحمون على نظام صدّام حسين الذي لم يكن لديه ما يقدّمه لهم سوى مزيد من العذابات والبؤس والحروب والمعارك التي لا أفق لها من نوع مغامرة الكويت التي إرتدّت عليه.

لكنّ نظام صدّام كان على الأقلّ ضامناً لحد أدنى من الأمن والأمان لمواطن ترتّب عليه قبول حياة الذلّ التي فرضها عليه. الآن، هناك ما هو أسوأ من حياة الذلّ في العراق في ظلّ خروج الغرائز المذهبية من عقالها وما رافق هذا الخروج من انتشار للميليشيات المذهبية التي لا همّ لها سوى القيام بعمليات تطهير عرقي، في هذه المنطقة أو تلك، خدمة للسياسة الإيرانية القائمة على الاستثمار في المذهبية.

كان الخوف السوري من انتقال الديموقراطية من العراق إلى سائر دول المنطقة. لذلك كان على بشّار الأسد العمل بكلّ الوسائل من أجل إفشال المشروع الأميركي الأصلي الذي سقط بسبب جهل إدارة بوش الابن للواقع العراقي وما يمثّله هذا البلد على صعيد التوازن الإقليمي. لم يكن الفشل صعباً في ظلّ وجود منظمات إرهابية في العراق، في حاجة إلى من يغذّيها ويدعمها انطلاقاً من سوريا، وفي ظلّ وجود إدارة أميركية أوكلت أمور العراق إلى شخصيات من نوع بول بريمر.

لم يدرك بريمر معنى قانون «اجتثاث البعث« والنتائج التي ستترتّب عليه أو معنى حل الجيش العراقي وما سيجلبه ذلل من كوارث، أوصلت إلى إيجاد حاضنة لـ«داعش« في المناطق السنّية.

كان مفهوماً أن يكون لدى النظام السوري هواجسه. فهذا النظام عاش على الاستثمار في غباء البعث العراقي، وغباء صدّام تحديداً. استطاع حافظ الأسد استغلال هذا الغباء إلى أبعد حدود، خصوصا في علاقاته مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

كانت لدى إيران حساباتها التي تتجاوز النظام السوري. كان لدى الإيرانيون همّ السيطرة على العراق. إنّها سياسة إيرانية بعيدة المدى تقوم على استغلال الحرب الأميركية على العراق إلى أبعد حدود.

ما نشهده اليوم يتجاوز السياستين السورية والإيرانية. قلبت «داعش« الطاولة، لكنّها لم تدرك أنّ لا مكان لها على خريطة الشرق الأوسط. كلّ ما تستطيع «داعش« أن تفعله، بفضل السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما هو إطالة عمر النظام السوري.

هذا يعني في طبيعة الحال العمل على تفتيت سوريا. هل من عاقل ما زال يظنّ أن في الإمكان إعادة تأهيل نظام أقلّوي شرّد نصف الشعب السوري؟ هل في استطاعة دو ميستورا والذين يقفون خلفه استيعاب هذه المعادلة التي تعني أوّل ما تعني أنّ الحل في سوريا يبدأ بخروج بشّار الأسد من السلطة لأنّ ذلك سيؤدي إلى إضعاف «داعش« وكلّ من سار في خط هذا التظيم الإرهابي…

عاجلاً أم آجلاً، سيؤدي «داعش« المهمة المطلوبة التي ستقود إلى الانتهاء من سوريا. هذه مهمّة مطلوبة من النظامين السوري والإيراني ومن إدارة أميركية لا تعرف شيئاً عن المنطقة، خصوصاً عن سوريا. سيكون هناك تركيز أميركي أكثر فأكثر على «الدولة الإسلامية« وما تشكله من مخاطر.

ولكن ماذا بعد؟ ماذا عن مستقبل سوريا؟ هل من مستقبل للسياسة الإيرانية في سوريا؟ هذا النوع من الأسئلة هو الذي تتجنّبه إدارة أوباما التي ترفض، هي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذهاب إلى حدّ التساؤل: لماذا كانت «داعش« ولماذا شجّع النظامان في سوريا وإيران مثل هذا النوع من التنظيمات؟

ولكن من قال إنّ إدارة أوباما تريد حلّاً في سوريا؟ من قال إنّ دي ميستورا مهتمّ فعلاً بمستقبل سوريا والسوريين وملايين المشردين وبالبراميل المتفجّرة التي تقتل يومياً العشرات؟ أين المشكلة بالنسبة إليه ما دام النظام السوري يعيش على حساب «داعش«، فيما «داعش« تتمدّد بفضل الحاضنة التي تؤمنها سياسات تقوم على الاستثمار الإيراني في الغرائز المذهبية؟

المستقبل

 

 

 

مجازر الأسد وخداعه/ عبدالعزيز التويجري

أنكر رئيس النظام السوري بشار الأسد في حديثه إلى قناة بي.بي.سي الإنكليزية، أن يكون السلاح الجوي للنظام السوري يمطر المواطنين في حلب وإدلب ودرعا والغوطة الشرقية بريف دمشق وفي غيرها من المناطق، بالصواريخ والبراميل المتفجّرة. كما نفى أن تكون السلطات الأمنية تمنع وصول الإمدادات الإغاثية من المنظّمات الدولية إلى مستحقّيها في المناطق المنكوبة. وبدا في هذا الحديث وكأنه بريء من الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظامه الدموي ضد الشعب السوري، الذي اضطر أكثر من أربعة ملايين منه إلى اللجوء إلى دول الجوار، ولاذ مثلهم بالفرار من القتل والدمار والخراب، إلى مناطق من سورية ظنوا أنها آمنة.

والظهور على القناة البريطانية الشهيرة بي.بي.سي بتلك الصفاقة والتحدّي الأخرق، يدلّ على أن النظام الطائفي الاستبدادي في دمشق، يعيش أسوأ مراحله الأخيرة ويسعى جاهداً إلى مدّ اليد لمن يستطيع إنقاذه. كما أن الحديث المطوّل الذي أدلى به بشار الأسد إلى مجلة «شؤون خارجية» الأميركية (30/1/2015)، يعكس الإصرار على التضليل والخداع وإعطاء الانطباع بأن الأحوال في بلده مستقرة، وأنه يحارب الإرهاب مثلما يحاربه العالم كلّه. وهذا التزامن بين الحديثين الصحافيين، في مرحلة متقاربة، يؤكد أن النظام السوري يبحث له عن مخرج بأية وسيلة كانت، من المأزق الذي حوصر فيه. فهو يعرض نفسه على العالم بصفته المحارب للإرهاب الذي غزا بلده وعاث فيه فساداً. وبذلك، يغيّر من طبيعة الصراع المحتدم في سورية؛ من انتفاضة شعبية وطنية ضد الظلم والقهر والطغيان والاستبداد، إلى معركة متوهّمة يخوضها النظام ضد الإرهاب الذي يهدّد المنطقة كلّها.

بذلك، يبدو بشار الأسد في صورة الضحية، ويقدّم نفسه للمجتمع الدولي على نحو مغاير تماماً للواقع، لعلّه يجد له مقعداً في صفوف رؤساء الدول الذين يحاربون الإرهاب، وتنخرط بلدانهم في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» الإرهابي. لكنه عرض مفلس، وبضاعة فاسدة، ومحاولة محبطة منذ البداية؛ لأن العالم يعلم جيداً كم هي الجرائم الفظيعة التي ارتكبها بشار ونظامه الاستبدادي في دمشق ضد شعبه.

هذا الحرص الشديد على الخروج من العزلة، والظهور أمام العالم في صورة المحارب للإرهاب، هو محاولة لركوب موجة محاربة الإرهاب التي تسود العالم اليوم، من أجل هدف واحد لا ثانيَ له، وهو بقاء النظام واستمراره في الحكم بأي ثمن ولو كان خراب سورية ودمار معالم الحضارة فيها وإبادة شعبها، وذلك خدمةً للدولة الراعية له التي أنقذته حتى الآن، هي وحلفاؤها في لبنان والعراق وغيرهما، من السقوط والانهيار. فإيران هي الدولة المستفيدة، مع إسرائيل وروسيا القيصرية الجديدة، من بقاء نظام بشار الأسد جاثماً على صدر الشعب السوري المبدع للحضارة على توالي الأزمنة. فهي التي تكسب من هذه الأزمة الطاحنة التي تعمّ غالبية دول المنطقة، وتتفاقم بوتيرة سريعة، وعلى نحو يهدّد فعلاً الأمن والسلم الدوليين.

فكيف يحارب الإرهاب مَن يمارس إرهاب الدولة ضد شعبه؟ وكيف يتصدَّى للإرهابيين مَن كان سبباً في ظهور تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية»، مثله مثل الدول الأخرى التي لها اليد الطولى في ذلك؟.

إن إيران مسؤولة عن وصول الوضع في العراق وسورية إلى ما وصل إليه اليوم من تدهور شديد؛ لأنها تهدف إلى زعزعة الاستقرار في دول المنطقة، لبسط نفوذها، ونشر مذهبها، وفرض إرادتها، من خلال التحالف الاستراتيجي مع القوى العظمى التي من مصلحتها أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، إلى أمد طويل، بما يخدم مصالح إسرائيل في المقام الأول. فالنظام الإيراني يريدها فوضى عارمة هدامة تمهّد له السبيل لترسيخ أقدامه في الدول الأربع: العراق، سورية، لبنان، واليمن، ليكتمل بذلك الهلال الإيراني، وليبدأ العصر الفارسي الجديد في عهد ولاية الفقيه. وهذه السياسة التي تعتمدها إيران، تدلّ على إصرارها على أن تكون الدولة المحورية الأقوى في الإقليم، لا ينازعها منازع أيّاً كان، ولا ينافسها في القوة والقدرة والاستطاعة منافس. فذلك هو الهدف الاستراتيجي الذي يعمل النظام في إيران لتحقيقه في المدى القريب.

لقد بدأت ملامح تلك السياسة الإيرانية تظهر للعيان، بعد أن أصبحت سورية والعراق محميتين إيرانيتين، إلى جانب لبنان الذي يتحكم حزب الله الإيراني في شؤونه، وبات اليمن قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح المحمية الإيرانية الرابعة في المنطقة.

إن الحديثين الصحافيين اللذين أدلى بهما بشار الأسد، خلال الفترة الأخيرة، يدلان على أن نظامه أفلس، وأنه بات يشعر بـ «دنوّ الأجل». وقد يخلو الجو لإيران لتقيم نظاماً جديداً لا يكون ملطخاً بالدماء، يخدم مصالحها بصورة مباشرة، وينفّذ سياستها في المنطقة، لأن إيران أصبحت محرجة من المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام السوري، وهي تتطلّع إلى عميل جديد يحقق لها أهدافها من غير أن يثير النقمة عليها.

ويبدو أن بشار الأسد أخذ يشعر بهذا التحوّل في موقف إيران منه، ولذلك خرج على العالم، بتلك الصورة الخادعة، ليعلن عن براءته، ولسانه يقول: «لا تتركوني وحيداً، أنا محارب عتيد للإرهاب، خذوني معكم».

* أكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

 

ضربات متعاقبة تُحاصر منطق النظام السوري وصفات مواجهة التطرّف لا تزال “ملهاة”/ روزانا بومنصف

تلقى النظام السوري اخيرا وفي اوقات متزامنة مجموعة ضربات متعاقبة من شأنها تحجيم الثقة التي ابداها الرئيس بشار الاسد في الاحاديث الصحافية التي ادلى بها في الآونة الاخيرة الى وسائل اعلام غربية كبرى في اظهار نفسه شريكا محتملا ووحيدا للدول الغربية في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية او الارهاب. فالى جانب الضربة المعنوية التي تلقاها الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا لإعلانه ان الرئيس السوري هو جزء من الحل في سوريا واضطراره الى التراجع او تصحيح هذا القول بعد رد فعل اميركي وفرنسي رافض لهذا المنطق الى جانب رفض المعارضة السورية لخطته تبعا للخطأ الذي ارتكبه الموفد الدولي، فإن الهجوم الاخير الذي شنته قواته بدعم من الميليشيات الشيعية الموالية لايران على حلب فشل. في الوقت نفسه، اعلن عن اتفاق اميركي تركي من اجل تدريب المعارضة السورية، وهو امر جهد الاسد مع روسيا في مساع لاستبعاده وعدم امكان حصوله. وخطوة تدريب المعارضة، ولو بأعداد غير كبيرة ولآجال طويلة هي خطوة معنوية قوية تظهر التزاما. يضاف الى ذلك انه من مؤتمر مكافحة العنف المتطرف الذي دعت اليه واشنطن، حدد الرئيس الاميركي باراك اوباما اسبابا للارهاب في المنطقة. فاشار الى “النزاع المذهبي الذي تحوّل قوة جاذبة للعنف المتطرف” موضحا “ان الحرب التي شنها بشار الاسد على شعبه في سوريا والتأجيج المتعمد للتوتر المذهبي ساهما في بروز داعش”، خالصاً الى ان “الحرب الاهلية السورية ستنتهي فقط حين التوصل الى عملية انتقالية تشمل مختلف القوى وتشكّل حكومة تخدم جميع السوريين من مختلف الاتنيات والاديان”. وتطرق الى العراق معتبرا ان “اخفاق الحكومة السابقة في ممارسة الحكم بطريقة تشمل مختلف القوى ساهم في النجاحات التي حققها داعش هناك ايضا”. وفي هذا التوصيف للارهاب وتحديد اسبابه في سوريا، ما يشكّل رفضا جديدا للاقرار للنظام بواقع القبول بمنطقه في مواجهة الارهاب واعادة اسبابه اليه على المستوى الشخصي وتسميته في هذا الاطار، الا ان بيت القصيد هو اعادة اسباب الارهاب الى النزاع المذهبي اي الشيعي السني، ولو ان اوباما لم يدخل في التفاصيل التي تعيده الى الدول والكيانات ومسؤولياتها في حين انه يحاذر ذلك، كما اعادته الى عدم تأمين المشاركة الحقيقية في السلطة والاعتراف بحقوق الطوائف، ما يعني في شكل مباشر ان الوصفة لمواجهة الارهاب كما لإنهاء الحروب معروفة في عناوينها كما في جوهرها ولو لم تحن آجال هذه الحلول بعد.

 

يقول مراقبون ان هذه المقاربة سارع اوباما الى محاولة تبنيها في اليمن من خلال توجيه رسالة مباشرة الى الحوثيين على رغم وجود تواصل معهم وعدم وجود عدائية فعلية، مع ان هؤلاء رفعوا شعارات معادية للولايات المتحدة. وهذه الرسالة التي تمثلت في اقفال السفارة الاميركية في اليمن والتي تبعتها سلسلة خطوات مماثلة من دول غربية واقليمية انما تفيد بانه من غير المقبول ان يستأثر الحوثيون بالوضع اليمني ويسيطروا على السلطة ومن اجل دفعهم الى الشراكة على رغم عدم قدرة الحوثيين عمليا على حكم اليمن او ادارته لاعتبارات متعددة. فيما يبرز لبنان مجددا ، وفق هؤلاء، كنموذج لا بد منه اولا من اجل تأمين مشاركة الجميع في السلطة من جهة على غرار التوصل الى اتفاق الطائف الذي انهى 15 سنة من الحرب الاهلية في لبنان بين اللبنانيين وبين الاستخدام الاقليمي والدولي له. لكن الاهم يبرز كنموذج من اجل تأمين الغطاء لمواجهة التطرف من جهة اخرى. ففي كل المراحل الصعبة التي مرت على لبنان خلال الاعوام العشرة الاخيرة والتي ادرجت تحت عنوان محاربة التطرف والاصولية وصولا الى الارهاب، فان ثمة غطاء فعليا وعمليا تأمن من الطائفة السنية حيث برزت هذه الاصوليات لاسباب او اهداف متعددة، وهي ساهمت فعلا في دحض كل ظواهره ومواجهة كل افكاره. كما انه، في محطات اخرى، على غرار ما تضطلع به الحكومة الحالية في مواجهة التنظيمات التي انتقلت من سوريا لاسباب يختلف الافرقاء اللبنانيون على تحديدها، فان من الوهم الاعتقاد انه في غياب التوازن في المشاركة في السلطة اولا واساسا او في غياب الاستثمار في الاعتدال السني ما يمكن ان يتيح مواجهة الارهاب. فهذه المواجهة مستحيلة عبر طوائف او مرجعيات اخرى تساهم في التسعير الطائفي. اذ انه كان لمشاركة ما يسمى بسرايا المقاومة في احداث صيدا تأثير بالغ السلبية في تعميق الشرخ وزيادة الاحتقان، وكذلك بالنسبة الى محطات اخرى من بينها مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية وارتداداتها في لبنان لأشهر طويلة قبل ان يتم احتواء رد الفعل المذهبي عبر الحكومة وانطلاق الحوار الداخلي ايضا. وهذا الامر ينسحب على ما يحصل في العراق حيث تعمل الميليشيات الشيعية على مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية الى جانب مَن تبقى من الجيش العراقي وبدعم مباشر من ايران فتساهم في رد فعل عكسي غير ناجح في دحر تطرف داعش، في الوقت الذي تتعثر مساعي الحكومة العراقية في الاستيعاب والمشاركة الحكومية.

ولذلك يتم التلهي في محاربة التطرف في غير اسبابه الحقيقية السياسية، ولو ان تصحيح العوامل الاجتماعي ة والاقتصادية والتربوية وسواها لن يضير، لكن لا يكفي وحده.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى