صفحات الناس

مقالات تناولت معركة يبرود

يبرود.. أم المعارك لم تبدأ بعد/ فادي الداهوك

 سهلٌ جداً هو التسويق لمعركة يبرود بخطاب، أو اتهامٍ، غريب، متعصب، تكفيري، لأهلها بأنهم “يهود”، أو حتى بأغنية تحسم نصراً أو جولة، في معركة للتو بدأت.

المجريات على الأرض، بعيدة عن السلم الموسيقي الذي لُحّنت عليه أغنية “احسم نصرك في يبرود”، لا بل أن القرار في دخول المعركة، له ردٌ وجواب أعلى، إن ما انصت اللبيب، سيسمعه من مدينة يرفع فيها الآذان، في الجامع القديم، على مقام البياتي، وترد عليه أجراس كنيسة السيدة على بعد أمتارٍ قليلة. أو ربما إن أحب أن يعرف، أو يرى، أو يسمع، أن المسيحيين صاموا في رمضان 2012، وأفطر المسلمون في مطرانية مدينة عمرها يقاس بعمر الناس الذين قطنوا كهوفها.

 منذ خمسة أيام، يتلقى جيش النظام السوري، وقوات حزب الله، ضربات الجيش الحر، على جبال القلمون. ولعل أهم ما حصل، كان الأحد، بعدما تمكنت قوة من حزب الله برفقة عناصر للنظام، التسلل بنجاح من محور قرية السحل، في منتصف الطريق تقريباً بين مدينتي يبرود والنبك، لتتمركز خلف إحدى التلال.

 تسلل عناصر حزب الله إلى تلك المنطقة لم يكن بسبب ثغرة أو ضعفٍ ما، إذ أنه، وبحسب المكتب الإعلامي للقيادة العسكرية الموحدة في القلمون، وما يظهره مقطع مصور بثه المكتب الإعلامي على موقع “يوتيوب”، كان كميناً نصبته الفصائل المسلحة، لعناصر الحزب وقوات النظام، أثمر عن استعادة المحور والتلة بالكامل، بعد تدمير دبابتين، بصواريخ “كونكورس”، وقتل كل العناصر التي تسللت إلى التلة من الحزب والنظام.

 محاولة التسلل تلك، كانت في سياق محاولة ثانية، فشلت أيضاً. من جهة قرية ريما، تعثّر عناصر الحزب والنظام بالألغام التي كانت مزروعة في الطريق الذي سلكوه، ما استدعى قيام النظام بتنفيذ غارات جوية على قلب يبرود وقرية السحل، إذ قصف المنطقتين بستة صواريخ.

 وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن” من المكتب الإعلامي للقيادة العسكرية الموحدة في القلمون، فإن ما يضفي صعوبة، على المهمة الصعبة أصلاً، لقوات النظام وحزب الله في اقتحام يبرود، وبمعزل عن الطبيعة الجغرافية القاسية، هو تماسك سلسلة من المناطق في القلمون، تسيطر عليها الفصائل المسلحة، وهي عسال الورد، رنكوس، جيرود، في مقابل، دير عطية والنبك اللتين سيطرت عليهما قوات النظام أواخر العام الماضي، وتعتبران حالياً منبع عمليات ضد الفصائل المسلحة من قبل قوات النظام، التي تتخذ من مناطق جراجير وريما ودنحة والسحل محاور للتقدم.

 وكانت القيادة العسكرية الموحدة في القلمون، أصدر بياناً قالت فيه إن “27 جندياً من قوات الأسد وحزب الله قتلوا بنسف دباباتهم وبانفجار ألغام أرضية قام الثوار بزرعها في وقت سابق”، في حين أشار البيان إلى أن خسائر الفصائل المسلحة كانت “4 شهداء من بينهم شهيدان من حمص”.

 ويصف الكثير من المراقبين، معركة يبرود، أنها “أم المعارك”، التي ما تزال في مرحلة جس النبض واكتشاف قدرات الجيش الحر، الذي يخوض هذه المعركة بالدبابات والصواريخ، لعل “الكونكورس” أبرزها.

 ولا بد من التأكيد أن التهتك الذي تعاني منه جبهات الريف الدمشقي، يجعل من الصعب جداً توقع نتائج مثل هذه المعارك، ولا سيما أنها تأتي، على وجه الخصوص، في يبرود، للسيطرة على أهم موقع جغرافي في منطقة القلمون، قرب الأوتوستراد الدولي الذي يربط العاصمة دمشق مع الجزء المتوسط والخط الساحلي من البلاد، إضافة إلى كونه خط إمداد غزير للنظام، إذا ما فقده تتغير الكثير من الموازين وتضيق ساحة القتال عليه.

 في مقابل ذلك، تشكل المدينة بالنسبة للفصائل المسلحة، خط إمداد ذائع الصيت، وآخر بوابة على القلمون يملك الجيش الحر مفاتيحها ويقاتل من خلالها قوات النظام وحزب الله، الذي في ما لو استطاع الظفر بدخولها مع قوات النظام ستكون خط إمداد لعناصره المقاتلة في سوريا، وعمقاً استراتيجياً يأمن جانبه بالكامل.

المدن

معركة «حزب الله» في يبرود/ حسين عبد العزيز *

تحت عنوان «لا معركة عسكرية واسعة وطويلة في القلمون» («الحياة» – 4/ 12/ 2013)، أكدت أن النظام غير قادر على فتح معركة القلمون، كون هذه منطقة شاسعة تمتد على طول نحو 120 كلم وعرض 10 إلى 20 كلم مع سلاسل من الجبال والوديان.

كانت أولوية النظام السيطرة على الأوتوستراد الدولي لضمان نقل الأسلحة الكيماوية، واستمرار نقل المؤن والعتاد نحو حمص شمالاً ونحو دمشق جنوباً، وكانت مدن قارة ودير عطية التي دخل إليها مسلحو المعارضة فجأة، ومن ثم النبك، تشكل تهديداً لهذه المهمة، كون هذه المدن تلاصق الطريق الدولي ولا يحتاج الأمر لقطعه سوى إطلاق النار من شرفات الأبنية، وبسبب الطبيعة الجغرافية السهلة لهذه المدن من جهة وقلة أعداد المقاتلين من جهة ثانية قرر النظام السيطرة عليها.

وما أن أحكم النظام سيطرته على النبك في 9/ 12/ 2013، حتى أوقف العمليات العسكرية في القلمون من دون أن يستكملها نحو معقل الثوار في مزارع ريما التي تبعد 2 كلم فقط عن النبك ومن ثم التوجه نحو يبرود (مسقط رأس كاتب هذه السطور)، معقل الثورة في القلمون والمركز الصناعي للأسلحة وممر رئيسي للمؤن الغذائية نحو الشمال والجنوب.

والأسباب التي جعلت النظام يتوقف عند عتبة يبرود هي:

– تبعد مزارع ريما عن الطريق الدولي أكثر من كيلومتر بقليل، فيما تبعد يبرود عنه نحو 4 كلم، ولذلك لا تشكل هذه المنطقة أولوية للنظام كما هو الحال مع قارة ودير عطية والنبك.

– وجود أعداد كبيرة من المقاتلين في مزارع ريما، ووفق مصادر محلية من داخل يبرود يصل عددهم إلى نحو ستة آلاف.

– الطبيعة الجغرافية المعقدة ليبرود، حيث تقع في واد يفصل بين هضبتين كبيرتين ضمن سلسلة جبال القلمون، ومحاطة بجبال تعلوها تيجان صخرية تكاد تنفرد فيها دون غيرها، كجبل مار مارون المرتفع وجبل العريض وخلفها جبال الجرد الشرقية.

تضيق جبال يبرود من الناحية الجنوبية بشكل كبير، ما يجعل اقتحامها من هذه النقطة يبدو مستحيلاً، ثم تتسع نحو الشمال عند مزارع ريما حيث يتمركز آلاف المقاتلين، أما من الناحية الغربية، فثمة التقاء جبلين تاجيين بينهما ممر ضيق لا يمكن اقتحامه. وأما من الشرق، فلا يوجد سوى ممر واحد يؤدي إلى الطريق الرئيسي للمدينة وهو عبارة عن فتحة ضيقة بين جبلين، وهذه التضاريس توفر للمقاتلين معابر مهمة وسهلة لتهريب السلاح والإمدادات وسرعة الحركة.

– لم يحدث منذ نحو سنتين أي اشتباك مهم وكبير بين الجيش والمقاتلين في يبرود وريما، وظلت المدينة ومحيطها طوال هذه الفترة متفرغة للتدريب والتصنيع والتموين وحفر الخنادق والممرات بين الجبال والوديان.

– الأعداد السكانية الكبيرة المتواجدة في يبرود، فكونها ثالث مدينة صناعية في الترتيب السوري بعد دمشق وحلب، والأولى من حيث نسبة عدد السكان، شكلت يبرود ملاذاً للنازحين والمقاتلين على السواء بعد أحداث حمص والقصير.

هذه الأسباب التي منعت النظام من استكمال معركة القلمون بدخول يبرود حينها هي ذاتها التي تمنعه اليوم من اقتحامها، وما تروجه وسائل إعلام النظام من إحكام الخناق على المدينة والسيطرة على بلدة السحل المتاخمة ليبرود، وأعداد القتلى في صفوف المقاتلين بمزارع ريما عار من الصحة تماماً.

فما زالت قرية السحل في حال اشتباك مع قوات النظام وعناصر «حزب الله»، ولا تزال الاشتباكات مستمرة على تلال يبرود وريما، وما تزال طرق الإمداد مفتوحة، إن كان من الجهة الجنوبية نحو معلولا، أو من الجهة الغربية نحو فليطة، أو من الجهة الشمالية الغربية نحو عرسال، حيث لا يزال طريق يبرود- عرسال بين التلال والوديان بيد المقاتلين، إذ توجد خمسة حواجز عسكرية لهم، اثنان لـ «جبهة النصرة» وثلاثة لـ «الجيش الحر»، أما المعبر الشرقي ليبرود عند تلة العقبة المطلة على الأوتوستراد الدولي فقد أُغلق من قبل النظام بساتر ترابي كبير لمنع الوصول إلى الطريق الدولي.

خطة النظام مبنية على محورين: الأول إلقاء براميل متفجرة في محيط تواجد المقاتلين في مزارع وتلال ريما من أجل تشتيتهم، ثم القيام بعمليات اشتباك سريعة تسمح للجيش باصطياد المقاتلين من دون وقوع اشتباكات مباشرة وطويلة في منطقة تعتبر حصناً للمقاتلين.

والمحور الثاني: بسبب عجزه عن محاصرة المدينة، اتجه النظام إلى قطع الكهرباء عن يبرود، وهي وسيلة التدفئة الوحيدة بعد ارتفاع أسعار المحروقات، ثم استمر بقصف الأحياء السكنية من أجل ممارسة الضغط على الأهالي ليضغطوا بدورهم على المقاتلين للخروج من المنطقة كما حدث العام الماضي، لكن هذه المعادلة التي يشرف عليها رجل الأعمال اليبرودي المقرب من النظام جورج الحسواني فشلت في الثالث عشر من الشهر الجاري بعد رفض المقاتلين مطلب النظام المتمثل بتسليم المسلحين أنفسهم وسلاحهم من أجل تسوية أوضاعهم ودخول الشرطة إلى المدينة ورفع العلم السوري.

وعلى أثر هذا الفشل احتدمت المعارك مجدداً، وكانت الحصيلة محاولة الجيش اقتحام المدينة من ناحية الأوتوستراد الدولي عند تلة العقبة شرقاً ومن ناحية ريما شمالاً، ومن ناحية السحل في الشمال الغربي، لكنه فشل في ذلك بعد سقوط أربع دبابات له، ونجاح المقاتلين في نصب كمين أسروا من خلاله بعض الجنود، ثم احتدمت الاشتباكات في 17 الشهر الجاري بين الجانبين وكانت نتيجتها مقتل ستة من المقاتلين، هم: أنس عبود وسمير رحمون ومحمد العتر وحسين عبد العزيز (يبرود) ومثقال حمامة (بخعة أو الصرخة) وإبراهيم خليل غرلي (جراجير) وبيان شما (رنكوس) وفايز سكرية (دمر) وأحمد سعيد الغاوي (السحل)، في حين قتل من الجيش 27 جندياً وبعض مقاتلي «حزب الله».

في الحقيقة، تبدو معركة يبرود معركة «حزب الله» أكثر مما هي معركة النظام، بعدما تحولت يبرود إلى مصدر قلق ورعب للحزب، كونها المصدر الرئيسي للسيارات المفخخة التي يتجه معظمها إلى مناطق الحزب في لبنان، لاسيما في الضاحية الجنوبية لبيروت. لكن ما استطاع أن يقوم به الحزب في القصير ومحيط دمشق لن يفلح في يبرود ومحيطها، إلا إذا قرر الحزب نشر آلاف المقاتلين الدائمين على الجبال الحدودية وقرر الجيش حشد أكثر من فرقة عسكرية لهذه المهمة، وهذا أمر في غاية الصعوبة وخارج قدرة الجيش في هذه المرحلة، لأن الحصار يتطلب نشر قوات عسكرية ثابتة في محيط دائري يتجاوز الخمسين كلم، يمتد من النبك شمالاً إلى السحل غرباً ومن ثم فليطة، مروراً بالمعرة أسفل سلسلة الجبال الشرقية وبخعة أو الصرخة في الجنوب وانتهاء بالطريق الدولي عن بلدة القسطل خلف يبرود تماماً.

وإضافة إلى ذلك، فإن مقاتلي المعارضة في البلدات المحيطة بيبرود لن يسمحوا بسقوطها باعتبارها مركز التموين والتصنيع ومعقل الثورة في القلمون، وينتشر في هذه المناطق أكثر من خمسة آلاف مقاتل.

أمام هذا الواقع الجغرافي المعقد، يبدو الطرفان غير راغبين بفتح معركة عسكرية كبيرة في يبرود، فحسم المعركة هنا يتطلب أشهراً وعامل الوقت هذا ليس في مصلحة النظام على الإطلاق، ولذلك تبدو التقديرات المتوقعة أن يحاول النظام السيطرة على بلدة السحل المتاخمة ليبرود والمقابلة لمزارع ريما من الغرب على بعد 2 كيلومتر، بعد سيطرته على الجراجير التابعة لدير عطية من أجل عرقلة طرق الإمداد من يبرود إلى عرسال قدر المستطاع، وهذا هدف يبدو معقولاً ومتواضعاً.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

معركة يبرود” في الميدان والسياسة/ ربيع بركات

في التحليل الماركسي للواقع، أن الأفكار بنىً فوقية في المجتمع، بينما علاقات الإنتاج بنىً تحتية. الأخيرة تحدد مسار التاريخ، فيما الأولى مجرد انعكاس لها أو تعبير عنها.

إذا استعرنا هذه القراءة، تبدو الحكومة اللبنانية العتيدة بنية فوقية بامتياز: هي مؤسسة ترمز لإدارة الواقع فيما لا تديره عملياً. إذ إن القرار الفعلي نتاج العوامل مجتمعة ً على الأرض. هكذا كان الأمر دوماً في السنوات الأخيرة. حتى في حكومة قوى «الثامن من آذار» مضافاً إليها الجنرال ميشال عون وحليفها المؤقت وليد جنبلاط، كان التطرق إلى المسألة السورية، وهي على رأس الأولويات، غير مقيد باعتبارات «حزب الله» أو حلفائه حصراً، بل خلاصة المعادلات والموازين. من هنا جاءت سياسة “النأي بالنفس” في حكومة الرئيس ميقاتي لتعلن وقوفها على الحياد في ما يخص القضية الإقليمية الكبرى وتسلل المقاتلين من أرضها وإليها فرادى وجماعات، مباشرة أو مواربة، دعماً للنظام أو سنداً للمعارضة، واستهدافاً لهذه البيئة اللبنانية أو تلك. ومن هنا، مثلاً، يمكن فهم أداء وزير الداخلية اللبناني مروان شربل الذي التزم استخدام الحد الأدنى من سلطة الدولة، لأن الظروف والموازين، أو قل البنى التحتية وفق القراءة أعلاه، لم تتح خلاف ذلك، عدا مرات قليلة انفلتت فيها الأمور من عقالها وخرجت عن الخطوط المانعة لانفجار شامل.

تبدو “معركة يبرود” عنوان التحول الجاري على الأرض اليوم، بمعزل عن إدارة البنية الحكومية. وللمعركة التي مهد لها طرفاها على مدار أشهر، عن طريق قضم الأراضي والقصف الممنهج وصولات الاستنزاف وتصدير السيارات المفخخة، أبعاد استراتيجية، وأخرى تمس الواقع الراهن.

فلناحية البعد الاستراتيجي، تمثل يبرود منعطفاً في سير المعارك القائمة في ريف دمشق الغربي، بعدما شكلت معركة القصير قبل أقل من عام محطة مفصلية في معارك ريف حمص الغربي. والأولى، كما كانت الثانية قبلها، تأتي في سياق قلب الموزاين على الأرض المحيطة بالعاصمة دمشق ومدن الوسط الكبرى (حمص وحماه). ولئن شكلت معركة القصير أبرز تراجع عن شعار “إسقاط دمشق” الذي رفعته قوى المعارضة المسلحة قبل عام بالضبط من اليوم، فإن معركة يبرود تُدار توازياً مع مفاوضات شرّعتها توافقات دولية، ومن أجل حصد مزيد من الأوراق خلالها، علماً أن المفاوضات مرشحة للاستمرار على شاكلة “جنيفات” كثيرات.

أما البعد المباشر للمعركة، فيتصل بالاستهداف الممنهج لبيئة “حزب الله” بالعمليات التفجيرية، العقائدية منها والاستخبارية. فمنطقة المعارك، كما تشير جل التقارير الأمنية، مبعث السيارات المفخخة العابرة للحدود. والإشارة التي وردت على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” حيال المسألة، تبدو نافلة لشدة بديهيتها. لكن البعض، برغم ذلك، آثر قراءتها من زاوية مختلفة. فمنه من وصف الأمر بـ”الحرب الاستباقية” (علماً أن العمليات الانتحارية، المُنفذة منها والمُحبطة، ليست ضرباً من الوهم في مخيال المتضررين منها)، ومنهم من آثر تقديم رؤية نقدية أكثر جدية، تعود بالمسألة إلى جذورها، وتحاول توظيفها في سياق تعديل طبيعة التفاوض في “جنيف” المقبل أو الذي يليه.

من هذه الزاوية يمكن قراءة نقد “هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة السورية”، أو التجمع الأبرز لـ”معارضة الداخل”، لكلام نصر الله الأخير. وبرغم أن النقد ليس الأول من نوعه، إلا أنه جاء أكثر حدةً هذه المرة من سابقاتها. و”هيئة التنسيق” دأبت طوال الأزمة على التذكير بلاءاتها الثلاث، الخاصة بالعسكرة والطائفية والتدخل الخارجي، وهي كانت أمينة لها جميعاً. وفي نقدها الحاد لخطاب “حزب الله” الأخير، ما يتصل برفضها منطق العسكرة والتدخل الخارجي من حيث المبدأ، وما يرتبط بكونها على الضفة المقابلة للنظام، ولو أنها على مسافة من معارضة الخارج ومسلحي الداخل على السواء.

بيد أن انفتاح الاحتمالات على انضمام “هيئة التنسيق” لوفد المعارضة في مقبل جلسات التفاوض، دفع بها إلى رفع نبرة خطابها تأكيداً على هويتها “المعارِضة” ودرءاً لاتهامها بالوسطية أو باللعب على الحبال جميعاً. وبرغم أن “الهيئة” لا ترى في التواصل مع الجميع، من دون استثناء، ضيراً، بل ضرورة للدفع في اتجاه التسوية، إلا أن خطواتها باتجاه معارضة الخارج، الراعية بدورها لعمليات العسكرة والتدخل الخارجي (خلافاً للاءات “الهيئة” الثلاث)، تبدو تكتيكاً، الغاية منه استثمار الظرف الذي يسمح لها بتعديل مكونات الوفد المعارض، وضم قوىً لا طائفية معنية بمستقبل البلاد إليه، لموازنة تلك المعنية أساساً بشؤون رعاتها الخارجيين أو طموحها السلطوي.

هكذا، تدار معركة يبرود على الأرض لتوظَف لاحقاً في المفاوضات، فيما تدير القوى الكبرى، توازياً، معركة توازناتٍ لتعديل خريطة المعارضة. وقد برز من هنا طرح يقضي بتوسيع هامش مشاركة المعارضة ذات البنية المدنية، قلباً وقالباً، وغير المنساقة خلف جموح العسكرة الذي أنتج ظواهر عجيبة، يحاول رعاتها أو المتساهلون معها في الإقليم والغرب تداركها اليوم.

وفي حين يحذر ناشطون في الداخل قريبون من خط “الهيئة” من ذوبانها في وفد المعارضة من دون تمايز عن سائر المكونات، تجهد “الهيئة” لتأكيد الحفاظ على “ثوابتها”: فمن لا يقبل بالعسكرة أو بالتدخل، يرفض كلاهما بالمطلق، لا بالتفاضل أو بالتجزئة.

غير أن السير بين الألغام مهمة صعبة. والبراغماتية مطلوبة لتجاوز أفخاخ الدول (عبر ممثليها في المعارضة)، غير الراغبة بحفاظ “الهيئة” على تمايزها، والناشطة في تسويق “فيتو” هنا وآخر هناك، لتصبح القضية مشاركة هيثم مناع أو حسن عبد العظيم، بدلاً من سياسة “الهيئة” أو خط “الائتلاف”.

في قلب هذا المشهد، تصعّد “الهيئة” من لهجتها. تغض الطرف عن بعض اعتبارات “حزب الله”، برغم بداهتها، وتصلّب نقدها له في مجالٍ آخر تجاوباً مع لاءاتها. توازياً، تخفف من حدة احتجاجها على “الائتلاف”، وتحاول توظيف اللحظة التاريخية من أجل الدخول في عملية التسوية من غير أن يبتلعها الآخرون أو يحولوها ملحقاً لهم أو تابعاً، نظاماً كانوا أو معارضة.

يحصل هذا فيما تدور معارك ضارية على الأرض، يضعف فيها عود مقاتلين أعلن جُلهم رفض المفاوضات الراهنة، يسد عبرها “حزب الله” منافذ الهجمات المفخخة على مناطق في الداخل اللبناني، فيما يحاول النظام توظيفها لمصلحته في جولات التسوية.

السفير

يبرود: معركة النصر الضائع/ فادي الداهوك

لا ليلَ في يبرود يكتم سرّ ما حصل. هناك على جبال القلمون، التي تقول نبوءة السوريين في سراقب أقصى شمال البلاد عنها، إنها  “عندما تعانق بساتين الغوطة ستولد دمشق”، لا وقت للكلام. الفعل فقط هو الحاضر، بعد معركة، قيل، أو وَعد رجال “الحزب الواحد” أن يزرعوا، وهم يخوضوها، الرعب في قلوب أهل يبرود، فحصل أن لا نصر يرجع به الرجال الذين جاد بهم هذا أو ذاك.

 وإن كانت الأحداث على الأرض ليست على ما يرام، فحتى الفضاء الإعلامي لا يمكن أن يجمّل الصورة، إذ فجأة، وبين إعلامَين، الاختلاف بينهما هو لهجة مذيع الخبر فقط، بدأ يتراجع الحديث عن معركة يبرود. ربما هي المفاجأة أو التسرع، الذي يقف خلف قرار غير مدروس، أو ربما هو التهور نفسه، الذي قاد إلى وصف أهل يبرود بـ”اليهود” وليس بـ”الصهاينة” مثلاً، ما قاد إلى الإيحاء بأن النصر تحصيل حاصل في المعركة قبل ان تبدأ.

 الأخبار المتوفرة، أو التي تسمح غرفة العمليات العسكرية المشتركة في القلمون، بإعطائها لوسائل الإعلام، تقول إن الرد على تقدم حزب الله وقوات النظام، لا يكون بالرصاص، بل بالدبابات، وأحياناً بالصواريخ الحرارية، المتوفرة بكميات جيدة في القلمون، عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك.

 في المقابل، للطرف الآخر روايته، إذ تقول مصادر النظام، إن المعركة دخلت في مرحلتها الثالثة. الحديث عن مرحلة جديدة، لم يسبقه أي إشارة إلى أن المعركة تخضع إلى تكتيكات تقسيمها إلى مراحل، وربما يكون ترويج هذا الإعلان، مقدمة، لتبريرات جديدة تمهد لنسيان الأهداف الرئيسية وراء الإعلان عن بدء المعركة، ثم إغراق الحديث عن المعركة بالتفاصيل، مثلَ أن يصبح في مرحلة، لاحقة، قريبة، عن حصار تفرضه قوات النظام وحزب الله، لإحكام سيطرتهما على مداخل ومخارج المنطقة، تمهيداً لاقتحامها، وذلك تمهيداً لأمر ثانٍ، يصل إلى القول إن الاشتباك المباشر اقترب.

 ولذلك تفسير، ربما يكون يتيماً، هو أن حقيقة تلك التمهيدات، ليست إلا إضاعة وقت ريثما يحدث اختراق ما على جبهة القلمون نفسها أو في مكان آخر، يقود إلى تراجع النظام عن فكرة اقتحام يبرود، بحجة تطبيق قاعدة الأولويات.

 وتشير الأنباء الواردة من القلمون، أن وتيرة المعارك تغيّرت منذ أكثر 24 ساعة، وانخفضت حدّة المواجهات إلى درجة أنها أصبحت مناوشات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بعدما تمكن مقاتلو الجيش الحر والفصائل الإسلامية، من تأمين محور التقدم الرئيسي لقوات حزب الله، قرية السحل، وتلالها التي تشكل ثقلاً عسكرياً للجيش الحر، بشكل كامل.

 انحسار المواجهات، بدأ من منطقة واسعة ومكشوفة على مناطق تمركز الجيش الحر، تمتد بين بلدات السحل وفليطة ورأس العين وبخمة والجبة وعسال الورد، وانتهى إلى مساحة أضيق.

 لكن، ومع ذلك، واجهت قوات حزب الله، القوة الرئيسية التي اتخذت على عاتقها مسألة الاقتحام، صعوبة في إيجاد ثغرة تتقدم منها على محور قرية السحل، المجاورة للنبك، معقل قوات النظام وحزب الله ومركز الانطلاق نحو يبرود.

 من جهة ثانية، لجأ النظام إلى محاولة، فشلت، في كسر السور الذي يحمي المنطقة، وذلك بمحاولة إشغال المقاتلين بالمدنيين، من خلال اعتماده على الغارات الجوية بطيران الميغ من ارتفاعات عالية، اقتصرت أضرارها على المادية في أغلب الأحيان.

 كذلك، لجأ إلى القصف بواسطة المدفعية، وعلى وجه التحديد، مدفعية الحرس الجمهوري في اللواء 104، التي عاود استخدامها في القلمون، لأن معادلة البراميل المتفجرة كحل ناجع لإحداث أوسع تدمير، مثلما يحصل في الشمال السوري، والمناطق التي لا تملك مضادات للطيران، لا تنطبق صوابيتها في القلمون، وذلك لعدم امتلاكه ترف المحاولة والمغامرة بالاستخدام المريح للمجال الجوي، الذي حتماً هو في مرمى نيران المقاتلين في يبرود.

 يضاف إلى ذلك، أن اللجوء إلى الاقتحام البري، أثبت فشله حتى الآن، وعلى ذلك تجربة مؤلمة، كلّفت النظام وحزب الله حتى الساعات الأخيرة الماضية، 5 دبابات على الأقل، تم تدميرها خلال الأيام التي حاول فيها النظام وحزب الله الاقتحام من جهة قرية السحل، ومزارع ريما، التي عدل عن فكرة استخدامها كممر للتقدم، بسبب تمركز قوات كبيرة فيها تابعة لجبهة النصرة، الفصيل المسلح الأكثر شراسة في مقارعة النظام.

 وتبقى نسبة ثمانين في المئة، من السكان الذين نزحوا من يبرود، نحو عرسال اللبنانية، عاملاً رئيسياً في المعركة، أزاح حملاً ثقيلاً عن عاتق المقاتلين، وجعلهم يتفرغون للقتال فقط، والتخطيط في غرفة عمليات عسكرية وحيدة، مشتركة، تقود المعركة، ويرأسها ضباط عسكريون منشقون عن النظام.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى