صفحات العالم

مقالات حازم صاغية هذا الاسبوع

عبء ما قبل الثورات عليها/ حازم صاغية

قبل سنوات ليست كثيرة على اندلاع الثورات العربيّة، شهد العالم والمنطقة حدثين هائلين ترتّبت عليهما نتائج، سياسيّة وغير سياسيّة، ضخمة. أوّلهما جريمة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وثانيهما حرب العراق في 2003. الحدث الأوّل نبع من منطقتنا، والثاني صبّ فيها.

وفي نظرة استعاديّة، يجوز القول إنّ الحدثين خلقا من المناعة الثوريّة عند جمهور الثورات اللاحق أقلّ ممّا خلقا من القابليّات المحافظة. فالحدثان استقبلتهما منطقتنا بأكثريّاتها الرافضة أنظمتَها كأنّهما لم يحدثا. فهما، كما فُُهما، لم يُقدّما أيّة إضافة إلى سائد الفكر السياسيّ العربيّ، بل تأدّى عنهما توكيدٌ لذاك السائد الذي أسّسته الأنظمة المكروهة. والأمر نفسه تكرّر في 2006، حين نجح «حزب الله» في تخدير المشاعر العربيّة العريضة لمجرّد أنّه يقاتل إسرائيل.

فالتجارب المذكورة، في نيويورك وبغداد وجنوب لبنان، لم تثمر وعياً تثقيفيّاً في العالم العربيّ بقدر ما أنتجت وعياً تثبيتيّاً يكرّر الثوابت المقيمة في اللغة السياسيّة العربيّة، كمثل أنّ 11 أيلول ليس إرهاباً، فيما الإرهاب الحقيقيّ الذي لا يُحبَس بين مزدوجين هو ما تفعله أميركا، أو كمثل أنّ احتلال العراق لا يخالطه أيّ تحرير، لا بل تمليه نيّة شريرة واحدة تتفاوت بين نهب النفط والهيمنة على المنطقة، أو كمثل أنّ مقاتلة إسرائيل تسبغ النبوءة حتّى على الشياطين. وحين تراجع أثر السحر الذي أحدثه «النصر الإلهيّ»، مع زحف الحزب ذاته على بيروت بعد عامين، راح معظم الذين تعافوا من سحر المقاومة اللبنانيّة يستعيضون عنه بمزيد الانسحار بالمقاومة العراقيّة!

أغلب الظنّ أنّ هذا التراكم الفكريّ الجاهز الذي يتساوى فيه الحاكم والمحكوم، الأوّل بخبث والثاني بسذاجة، إنّما عمل على إفقار الثورات مسبقاً، مُضعفاً بُعديها الديموقراطيّ والكونيّ. فهو لم يكن، بالنسبة إلى من ينتظرون تنويراً ما يسبق الثورات، غير تنوير مضادّ يطابق الحاكم ويجانسه بدل أن يبلور الخلاف معه والانشقاق عنه. وأغلب الظنّ أنّه لولا ذاك التراكم الجاهز، والمأخوذ كتحصيلٍ حاصلٍ، لغدا مُكوّنُ الوعي في الثورات أصلب وأشدّ مناعة حيال «داعش» وإخوانه. ذاك أنّه حين جاءتنا باحتمالات وعيها الجديد، كان ذاك الوعيّ القديم يُثقل على جديدها ويحدّ من جِدّته.

لقد ساد، مع «الربيع العربيّ»، الظنُّ الصائب نظريّاً أنّ الثورات أنهت الإرهاب وقطعت معه، ولم يُنتبَه بما فيه الكفاية إلى ذاك المكمن الهشّ في الثورات الذي يتيح للإرهاب أو للتعصّب أن يتسرّبا إليها ويتغلغلا فيها.

وفي شراكة الوعي هذه بين الحاكم والمحكوم كان النظام السوريّ وحده المستفيد. فهو قرأ الأحداث الحماسيّة الثلاثة سينيكيّاً، وتصرّف حيالها سينيكيّاً أيضاً. وفيما كان يتعاون أمنيّاً مع الاستخبارات الأميركيّة، مرّر «المجاهدين» إلى العراق كي يقتلوا أميركيّين وعراقيّين. ومثلما وجد مبكراً في مقاومة «حزب الله» لإسرائيل دعامة لاستمراره، عثر على دعامة أخرى في مقاومة «القاعدة» للأميركيّين. وبالطبع، وفي المرّات الثلاث، كان النظام السوريّ يستفيد من قناعات الجماهير المخدّرة بالمقاومات والتي ما لبثت أن ثارت على النظام إيّاه بقلوب موزّعة الهوى وصور عن الذات والعالم يسكنها اضطراب عميق.

بطبيعة الحال يمكن توجيه الكثير من النقد القاسي لسياسات جورج دبليو بوش حيال الإرهاب كما حيال العراق. لكنّ هذا النقد لا يُعفي الإرهابيّين من إرهابهم، ولا يلغي أنّ احتلال العراق وفّر فرصة بدّدها العراقيّون وقضوا عليها. وقد كان واضحاً منذ 2006 أنّ الوطنيّة التي تُستعرض في جنوب لبنان ليست شيئاً آخر غير التمهيد للمذهبيّة التي استُعرضت بعد عامين في بيروت.

ولئن مرّت تلك الأحداث مرور الكرام على جماهير شاخت مبادئها، فالتبست مقاصدها وتداخلت قواها، فإنّ الأنظمة وحدها، وهي بلا أيّ مبدأ، غنمت خبرةً منها، كما غنمت حجّة كاذبة أخرى لا تني تستخدمها ضدّ من صدّقوا الحجّة هذه.

الحياة

 

 

 

 

في أصول الضعف الديمقراطي/ حازم صاغية

هناك اليوم ثلاث مشكلات كبرى ومتفجرة في النطاق الجغرافي المحيط مباشرة بأوروبا الغربية: فأولاً، وفي الشرق منها، تقيم الأزمة الروسيّة التي يتصدّرها، من دون أن يختصرها، النزاع حول أوكرانيا والمستقبل السياسي والوطني للأوكرانيين.

ثانياً، في الجنوب من أوروبا، تتجمّع نذر المشكلة اليونانيّة، وموضوعها المباشر مسألة الديون التي أفضت إلى توقّف المفاوضات بين أثينا ودائنيها وإعلان حكومة «سيريزا» اليسارية نيتها إجراء استفتاء عامّ، فيما يتردد احتمال الخروج اليوناني من «اليورو» مصحوباً باضطرابات اقتصادية وسياسية.

ثالثاً، وفي الجنوب الشرقيّ للقارة، هناك الخلاف مع تركيّا حول جملة من الأمور التي لم تُبتّ كلياً من قبل، لكنْ منذ عامين بات يتصدّر التنازع مع أنقرة تشكيك الغربيين بصدقية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما خص التعاطي مع تنظيم «داعش» وعموم الحرب السورية.

وهذه العناوين، وإن كانت تعني الولايات المتحدة أيضاً، خصوصاً منها ما يتعلق بروسيا وتركيا، إلا أنها تبقى عناوين أوروبية أساساً، تهم واشنطن من خلال تصورها الاستراتيجي- الكوني الذي يمر حكماً عبر أوروبا، ومن خلال النظرة الأميركية إليها وإلى استقرارها.

والحال أن الشيء نفسه ينطبق على مشكلات ما وراء المحيط الأوروبي المباشر، أي الملف النووي الإيراني من جهة، ومسائل الإرهاب المتفاقم والهجرة غير الشرعية في الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى بعض بلدان أفريقيا، كالصومال في الشرق ومالي في الغرب.ويُلاحظ، هنا كما هناك، أن الأزمة الديمقراطية تلعب دوراً وازناً في معضلة العلاقة بين أوروبا ومحيطها وما وراء محيطها.

على أننا إذا نظرنا إلى موضوع ضعف الزخم الديمقراطي، وضعف دوله وقدرتها على التدخل تالياً، لا يسعنا إلا الوقوف عند لحظة مهمة جداً في تأسيس هذا المسار: إنها حرب العراق التي قادها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في 2003.

فهذه الحرب، إنما أسست لإضعاف الزخم الديمقراطي كونياً وهو في ذروة اندفاعه بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكره السابق.

فلأول مرة، وبعد عقود مديدة من التحالف الوثيق، انقسم الغرب إلى غرب أميركي يحارب في العراق وغرب أوروبي تقوده فرنسا وألمانيا يرفض حرب العراق، بعد تأييده حرب أفغانستان التي اعتبرها مشروعة بسبب جريمة 11 سبتمبر 2001 وإقامة بن لادن في أفغانستان. ولا نزال نذكر المهاترات الشهيرة التي توّجها كلام دونالد رمسفيلد، وزير دفاع بوش الصقري، عن «أوروبا القديمة» التي باتت عديمة الصلاحية.

ولكنْ إلى ذلك، تأدى عن الحرب العراقية انفجار في أدبيات «صراع الحضارات» و«حروب الأديان»، مما أضعف ويضعف المضمون الكوني للديمقراطية بقدر ما عزز الوعي الماهوي للولاءات الصغرى.

ومن ناحية أخرى، بدا أن الديمقراطية كما وعد بوش بحملها إلى العراق، ومنه إلى بقية الشرق الأوسط، لا تتورع عن اعتماد الغش والكذب، كما ظهر في أكذوبة وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق. وهذا بدوره حدّ من جاذبية الدعوة الديمقراطية.

وفوق هذا، بدت الديمقراطية للعراقيين، ولكثيرين من العرب والمسلمين، عنيفة جداً، ليس فقط بسبب خوضها الحرب، بل أيضاً بفعل صدامها الحاد مع السكان المحليين بعد الحرب، على ما حصل في مدينة الفلوجة مثلاً لا حصراً، ناهيك عن فضيحة سجن «أبو غريب» فيما كانت تتردد من بعيد أصداء سجن غوانتانامو في كوبا.

وأخيراً، لم تفضِ المغامرة الكبرى إلى أي نجاح يُذكر في العراق، فقد أطيحت ديكتاتورية صدام حسين وحزب «البعث» ليحل محلها انفجار في الولاءات الطائفية مشوب بحروب أهلية متقطعة تبلغ اليوم ذروتها.

وليس الهدف من تذكّر هذه العوامل إعفاء العراقيين من مسؤولياتهم، وأهمها عدم استثمارهم إطاحة صدام حسين والحضور الأميركي في بلادهم للقيام بما قام به اليابانيون بعد تحرير القوات الأميركية لهم إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية. فاليابانيون، بقبولهم دستور الجنرال الأميركي «ماك آرثر»، أسسوا نظاماً ديمقراطياً ثم تحولوا إلى عملاق اقتصادي عالمي. أما العراقيون فاتجهوا، تحت راية المقاومة وبذريعتها، إلى قتل بعضهم بعضاً، وتدمير مجتمعهم واحتمالات نهوضه في مستقبل قريب.

إلا أن هذه العوامل لا تلغي حقيقة إضعاف الزخم الديمقراطي بنتيجة حرب العراق، كما خيضت وبالحصائل التي ترتبت عليها. وهذا الإضعاف إذا كان في وسع أميركا الأوبامية البعيدة أن تتلافى بعض آثاره، فلن يكون ذلك سهلاً على أوروبا القريبة.

كاتب ومحلل سياسي – لندن

الاتحاد

 

 

 

الراحلان مؤخّرا/ حازم صاغية

ظاهريّاً، لا يجمع بين يفغيني بريماكوف ومحمّد ناصيف خير بك إلاّ موتهما في يومين متتاليين عن عمر 86 عاماً للأوّل و78 سنة للثاني.

لكنّ شيئاً آخر أهمّ يجمع بين الديبلوماسيّ الروسيّ السابق والقياديّ الأمنيّ السوريّ السابق هو أنّهما خادمان مخلصان للنظامين اللذين عاشا في ظلّهما.

فبريماكوف وإن انتسب في 1959 إلى الحزب الشيوعيّ، فإنّ شيوعيّته في الزمن السوفييتيّ كانت آخر ما يُعرف أو يُعرّف به. وإذا صحّ أنّه استخدم منهج “الماديّة التاريخيّة” في ما كتبه عن مصر وجمال عبد الناصر والمنطقة العربيّة عموماً، فهذا إنّما كان “العِلم” الوحيد المتاح في الاتّحاد السوفييتيّ السابق.

ومحمّد ناصيف أيضاً لم يكن معروفاً ببعثيّته، وحتّى لو انتسب إلى الحزب شأن كثيرين (وهو ما لا إشارة له في سيرته)، فإنّ هذا لا يزن شيئاً بقياس انتسابه إلى آل الأسد أو أدواره في هندسة الأجهزة الأمنيّة وتشغيلها.

لكنّ الأوّل عبّر عن ولاء وظيفيّ بعيد للاتّحاد السوفييتيّ أحلّه في مناصب رئاسة البرلمان ثمّ تولّي الوساطات الدوليّة الكبرى. لكنّه عبّر أيضاً عن ولاء مماثل لا يقلّ إخلاصاً لعهود ما بعد انهيار الاتّحاد السوفييتيّ. هكذا خدم بريماكوف كلاًّ من بوريس يلتسين المنقلب على الشيوعيّة، بوصفه رئيساً للاستخبارات ثمّ وزيراً للخارجيّة فرئيساً للحكومة، كما خدم بعده فلاديمير بوتين الذي تبنّاه يلتسين لينقلب لاحقاً على اليلتسنيّة، بوصفه وسيطاً دوليّاً رفيعاً في العراق.

أمّا الثاني، محمّد ناصيف، فليس بلا دلالة أنّه تولّى، فضلاً عن “تربية” أبناء حافظ الأسد، بعض أكثر الوظائف تعارضاً وتطلّباً للوظيفيّة غير المبدئيّة، كالصلة بإيران والقوى الشيعيّة اللبنانيّة والصلة، في الوقت نفسه، بالولايات المتّحدة الأمريكيّة والعمل على “ترطيب العلاقة معها”، بحسب الوصف الصحافيّ المعتمد. وبصفته الأخيرة هذه، ارتبط اسم ناصيف بالتنسيق الأمنيّ مع المخابرات الأمريكيّة وتسليم إرهابيّين لواشنطن مقابل تشجيع إرهابيّين آخرين على قتل أمريكيّين وعراقيّين في العراق. وعلى الدوام كان ناصيف من أهمّ رجالات الأجهزة الأمنيّة الكثيرة في سوريّا الأسد، إن لم يكن الأهمّ بينهم. وفي وقت لاحق بات “أبو وائل” الوحيد من كبار حاشية حافظ الأسد الذي أمكنه التكيّف مع عهد نجله بشّار. فقد جاء به الأخير معاوناً لنائب الرئيس فاروق الشرع الذي يُشكّ بامتلاكه صلاحيّات فعليّة في أيّ وقت كان.

فالاثنان، في هذا المعنى، يشبهان موظّفي العهود الكولونياليّة، حيث خدمة الإمبراطوريّة تعلو كلّ غاية أخرى، فيما التباهي بإرضاء “السيّد” لا يكمّلها إلاّ التباهي بإخضاع “العبد” وإذلاله. لهذا يكثر بين أبناء “المستعمرات” من لا يترحّمون عليهما، تماماً كما يكثر المترحّمون الذين أفادوا من سياسات دولتيهما على نحو أو آخر. فـ “أبو وائل” لا يُعدم المحبّين اللبنانيّين الذين يصحّ فيهم الوصف هذا، وبعضهم كان في عداد حاشيته المباشرة. أمّا بريماكوف، ومع الإقرار بالفارق المؤكّد بين الديبلوماسيّ – المثقّف ورجل الأمن، فلا يُعدم المحبّين العراقيّين والعرب الذين راهنوا عليه منقذاً لصدّام حسين في أحد أيّام العام 2003.

لكنّه حبّ لا يعقبه بعد موت المحبوب أيّ حزن كذاك الذي يعقب موت القادة المحبوبين ممّن يستولون على المخيّلات. فالعلاقة هنا، في آخر المطاف، وظيفيّة ومنفعيّة ولا شيء آخر.

موقع 24

 

 

 

 

 

أميركا غير المرئية عربياً/ حازم صاغية

على رغم تباينها، تلتقي أحياناً ثلاث نزعات عربية في النظر إلى أميركا، لكي تستخلص ضرورة المضي في معاداتها أو تسخيفها: نزعة المناهضة الشهيرة، الشعبية والشعبوية، والنزعة الأخلاقية– الضميرية التي لا تأخذ دوماً في اعتبارها كيف ترى أميركا (لا كيف نرى نحن) إلى مصالحها، ونزعة النظر إليها وإلى العالم تالياً، من ثقب قضايانا الوطنية العادلة.

وعند تقاطع هذه النزعات الثلاث تظهر حقيقة مُرة هي فشل باراك أوباما على نحو غير مسبوق.

والحال أن هذه الحقيقة موضع شراكة مع تيارين أميركيين أيضاً، أحدهما يمثله «المحافظون الجدد» في نظرتهم التي توحد بين المبدئية الأخلاقية والمصالح، والثاني يمثله بعض «الواقعيين» المتهمين بالتثبت عند الحرب الباردة ومعادلاتها.

لكن هذه الحقيقة تتبدى غير حقيقية حين يُنظر إليها بعين أوباما، الرئيس «الداخلي» لبلده، والذي صعد منذ البداية كضد ونقيض لـ «خارجية» الرئاسة البوشية وحربيتها.

ففي الأسبوع المنصرم وحده، أحرز سيد البيت الأبيض ثلاث انتصارات من وزن تاريخي. وإذا كانت المحكمة العليا، وهي مستقلة عن رئاسة الجمهورية، قد اضطلعت بدور أساسي في أغلب الانتصارات، فهذا لا يلغي أن التاريخ سيحفظها بوصفها إنجازات الحقبة الأوبامية.

– فبفعل «أوباما كير»، سيغدو ملايين الأميركيين متمتعين بالضمان الصحي، ما يحقق للديموقراطيين الأميركيين طموحاً يزيد عمره عن نصف قرن.

– وبصدور حكم «المحكمة العليا» بشرعية الزواج المثلي على نطاق الولايات المتحدة كلها، والذي وصفه أوباما بـ «الانتصار لأميركا»، كسبت المقولة التي تفيد بأن لا حرية ما دام البشر غير أحرار في أجسادهم.

– وبإعطاء الكونغرس لأوباما صلاحية البتّ بـ «الشراكة العابرة للباسيفيكي»، ينطلق الاتفاق التجاري الأميركي– الآسيوي الذي وصفته «فايننشيال تايمز» البريطانية بـ «الاتفاق التجاري الإقليمي الأكثر طموحاً في التاريخ الحديث»، نظراً لاشتماله على 40 في المئة من التجارة العالمية. وهو ما ينوي أوباما في ما تبقى من ولايته الثانية تكراره مع بلدان أوروبا.

لكن هذه المكاسب «الداخلية» لا تلغي، على مستوى «الخارج»، تحقيق اختراق كبير في العلاقة مع كوبا، وهو اختراق مادي ورمزي ضخم في وقت واحد، فيما تفضي صعوبات التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، وتأجيل هذا الاتفاق، إلى تراجع النبرة الاتهامية للرئيس الأميركي بـ «صفقة دنيئة مع آيات الله».

ويبقى أن حرب أوباما على الإرهاب، وعلى رغم الكثير من الانتقادات الصائبة التي وُجهت إليها، تتحرك في الرقعة الفاصلة بين تحقيق إنجازات صغرى في قتل قادة إرهابيين وبين عدم تقديم تلك الحرب تقديماً رؤيوياً وخلاصياً، على ما كانت الحال في عهد سلفه جورج دبليو بوش.

وإذا صح أن للولايات المتحدة أزمات لا تزال ماثلة مع بلدان كروسيا وكوريا الشمالية، وتركيا مؤخراً ولو بنسبة أقل، يبقى أن هذه بلدان بعيدة من أميركا «الداخلية» كما يتصورها أوباما، فيما روسيا وتركيا تشكلان الحدود المباشرة لأوروبا الغربية، وليس لأميركا. والشيء نفسه يصح في الإرهاب العابر للحدود وفي العمالة غير الشرعية، فضلاً عن المضاعفات التي قد تترتب على الأزمة المالية اليونانية. أما أوباما «الداخلي»، فحدوده مع كندا ممتازة، وهي تتحسن مع أميركا الوسطى واللاتينية، خصوصاً بعد الانفتاح على كوبا بما يساهم في عزل النظام الفنزويلي.

ماذا عن أميركا القوة العالمية العظمى المعرضة للهجاء حين تتدخل وحين لا تتدخل؟ تستبطن الأوبامية رداً مفاده: لا نريد لأنفسنا إلا ما تريدونه لنا من انكفاء إمبريالي. إننا نحقق رغباتكم.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى