صفحات العالم

مقالات عن مقتل وسام الحسن

 «الطريق المسدود» في سورية مسدود في لبنان؟

جورج سمعان

بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو رحيلها ليس هو الحل أو الجواب على اغتيال اللواء وسام الحسن. القرار في هذا الشأن ليس مرتبطاً بتوازنات داخلية بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار فحسب. بل بات رهناً بتوازنات وحسابات أوسع، إقليمية ودولية. فالحكومة اللبنانية بتكويناتها المتنافرة وعجزها المقيم والقوى المناهضة لها تنتظر فتح «الطريق المسدود» في الأزمة السورية. ميزان القوى المشدود في لبنان على وتر الحرب الدائرة خلف الحدود لن يتبدل بيسر، سواء واصلت الحكومة تسيير الأعمال الروتينية أو رحلت. لم يعد مصيرها مرتبطاً برغبة رئيسها أو برغبة القوى المنضوية فيها أو تلك التي تطالب باستقالتها. وثمة مخاوف أن تؤدي الإستقالة إلى عجز اللبنانيين عن تشكيل وزارة بديلة في ظل إنقسامهم العمودي حيال موقع بلدهم في الصراع الدائر في الإقليم. عندها ستظل الحكومة الحالية تمارس تصريف الأعمال، كما هي حالها اليوم و»تنأى بالنفس» عن كل شيء. فيما يستمر الجمود والاهتراء اللذان قد يعطلان كل المؤسسات والمرافق… فلا قانون انتخابات ولا انتخابات!

الطريق الوحيد المفتوح أمام القوى اللبنانية المتناحرة يقود إلى رفع وتيرة الشحن المذهبي، وإلى مزيد من «الإنخراط» في الأزمة المجاورة. فأولئك الذين حذروا من امتداد نيران الحرب السورية لم يكونوا يقرأون في كتاب جديد أو مجهول. يعرفون أن بعض الدواعي التي دفعت الرئيس حافظ الأسد إلى التدخل في لبنان لوقف حروبه كان منع انتقال النار إلى بلاده. كان التدخل بتوافق عربي – دولي. ولا حاجة إلى التذكير بما آل إليه لاحقاً هذا التدخل من تزكية لهذه الحروب وتقطيع أوصال «الشقيق الأصغر» خدمة لمصالح وأطماع وطموحات. ولا حاجة أيضاً إلى التذكير بكل «التدخلات» الإقليمية الأخرى في لبنان. لم تتغير القاعدة اليوم ولن تتغير: أن تستعر حرب أهلية في قلب الشرق الأوسط وتدوم يعني أن دول هذا الشرق لن تكون بمنأى عن نيرانها. وهذا ما فسر ويفسر اعتماد حكومة ميقاتي منذ اليوم الأول نهج سياسة «النأي بالنفس». إنه عنوان الاستقالة من السياسة، في الخارج والداخل أيضاً. لذلك لا يملك أهل هذه الحكومة ورعاتها بديلاً من التمسك بها، مثلما لا يجد خصومها بديلاً من المطالبة برحيلها!

«النأي بالنفس» لم يقتصر على لبنان. فالاستقالة من السياسة بمعناها الوطني الجامع باتت نهجاً في كل من الأردن والعراق، وفي تركيا إلى حد ما حيث عاد حزب العمال الكردستاني إلى إشعال ناره فيما يستعر غضب علويي إقليم هاتاي ضد آلاف اللاجئين السوريين من أهل السنة. بات غياب السياسة في كل من بغداد وعمان شبيهاً بما هو قائم رسمياً في بيروت. يستشعر الرسميون في العواصم الثلاث حرارة الحرب المندفعة من وراء الحدود، فيما القوى والأحزاب تخوض معركتها بمزيد من الإنخراط كلما طال أمد الأزمة في سورية… تأكيداً لحقائق الجغرافيا والتاريخ، فلا حرب أهلية في سورية يمكن حصرها ووقف تمددها إلى كل الجوار. وتأكيداً لمعطيات طارئة تعزز هذه الحقائق أيضاً وعلى رأسها الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

لذلك يبدو مستحيلاً، أو صعباً إلى حد الاستحالة، دفع حكومة نوري المالكي إلى الرحيل. ويبدو محفوفاً بالمخاطر ترحيل حكومة ميقاتي، ولا يجد الأردن مناصاً من تبديل حكوماته، مفضلاً أن يراوح مكانه بديلاً من المواجهة الواسعة في انتظار… فتح «الطريق المسدود» في سورية. التغيير الجوهري في البلدان الثلاثة يعني تغييراً في ميزان القوى الإقليمي والدولي في المنطقة. من هنا يصيب السيد وليد جنبلاط عندما يحمل على المجتمع الدولي وتقاعسه عن التحرك لتحقيق التغيير في دمشق. ويصيب عندما يتمسك بالحكومة القائمة التي يعرف أن لا قدرة على التغيير في الداخل ما لم يحدث التغيير في الإقليم. تماماً كما يعرف الرئيس العراقي جلال طالباني أن لا بديل اليوم من نوري المالكي ما لم يقم توافق أو تفاهم جديد بين القوى الخارجية الفاعلة والمؤثرة في بغداد.

واضح تماماً أن النظام في سورية يسعى إلى تحريك ميزان القوى القائم في الداخل عبر تغييره في الخارج. اتكأ منذ البداية على موقف روسيا والصين اللتين توفران له التغطية الدولية والحماية اللازمة. واتكأ ولا يزال على الدعم المطلق الذي تقدمه إيران. وإذا كانت المعارضة السورية المسلحة في الداخل تواصل التقدم على الأرض، وتنذره بالمزيد إذا تلقت أسلحة لا تزال محجوبة عنها، فإنه يسعى إلى فتح الطريق إلى دول الجوار لتصدير أزمته لعله يعجل في تأجيج الحرب الطائفية والمذهبية في المنطقة كلها. لم يفلح مع الأردن، وحاول ولن يكف عن المحاولة مع تركيا. أطلق يد حزب العمال الكردستاني على الحدود ولم يتردد في التحرش العسكري. وكذلك فعل ويفعل في لبنان حيث يراهن على توسيع المواجهة، لعل اغتيال اللواء الحسن يحقق ما أخفق في تحقيقه الوزير السابق ميشال سماحة.

تباطأ الخصوم الدوليون للنظام السوري في التحرك الفاعل. الولايات المتحدة تبدو حتى الآن عاجزة عن المبادرة. فيما تتردد أوروبا كما لم تفعل من قبل، سواء إثر احتلال صدام حسين الكويت أو عندما اندلعت حروب البلقان. كانت حجة الأميركيين والأوروبيين ولا تزال الخوف من أن يؤدي التدخل الخارجي إلى مزيد من الفوضى وانتشارها في الإقليم كله، والخوف من البديل المجهول. دفن الرؤوس في الرمال لم يمنع خصومهم من التدخل السافر الذي صار ينذر بتعميم الفوضى في المنطقة، ويزيد في اهتراء الأوضاع في لبنان كما في العراق والأردن وتركيا.

الإدارة الأميركية اختبأت حتى الآن خلف الفيتو الروسي – الصيني. وكذلك فعلت أوروبا. رفضتا التدخل في الأزمة السورية فيما خصومهما من موسكو إلى طهران يتدخلون علناً بلا حرج. هذا «النأي بالنفس» الدولي يعجل في الفوضى التي يخشون. وعجل في استدعاء مجموعات القوى الإسلامية المتشددة من كل مكان. ويعجل في امتداد النار إلى خارج الحدود. حتى بات البحث عن البديل أكثر صعوبة. وبات السعي إلى التدخل للحسم والتغيير أكثر مشقة، ورهناً بحسابات إقليمية ودولية معقدة. ولا يعتقد بأن تشبيه مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي الوضع في سورية بالحرب الطائفية التي اندلعت في البوسنة مطلع التسعينات سيدفع دول حلف «الناتو» إلى التدخل كما فعل في البوسنة من دون تفويض من مجلس الأمن.

يبقى أن استعجال النظام في دمشق توريط جيرانه في حربه الأهلية ليس دليل قوة بقدر ما هو دليل ضعف وتراجع قد يتعاظمان إذا ما توافر لمعارضيه المدد من الأسلحة المطلوبة لمواجهة سلاحه الجوي. بل لعله بات يشعر بتضييق الخناق عليه وربما باقتراب أوان الحل السياسي، لذلك يسعى إلى استدراج مزيد من القوى إلى المواجهة لعله يستدعي حلفاءه إلى الطاولة للإستقواء بهم!

اغتيال اللواء الحسن وجه ضربة قاسية إلى الهدنة الهشة التي كانت قائمة بين الفريقين اللبنانيين المتصارعين. أخل بقواعد اللعبة الداخلية. وإذا كان من حق قوى الرابع عشر من آذار أن تعلي الصوت وتطالب برحيل الحكومة التي انتزعت منها عشية اندلاع الأزمة السورية، وإذا كانت جريمة اغتيال أبرز القادة الأمنيين هدفها ليس الاقتصاص من دوره في حماية السلم الأهلي فحسب بل جر لبنان إلى صراع مذهبي، فحري بحلفاء سورية في بيروت أن يعيدوا النظر في حساباتهم ومواقفهم، ليتقدموا نحو شركائهم لئلا يقع البلد في فراغ سياسي يدفع إلى مزيد من الإنهيار والتقدم نحو النار السورية. وحري بالرئيس ميقاتي أن يبلور موقفاً أكثر وضوحاً، لا يستقيم التلميح إلى اتهام سورية والبقاء على رأس حكومة حلفائها. هل يستطيع الرئيس ميشال سليمان والسيد وليد جنبلاط إعادة تحريك «السياسة» بحثاً عن «اتفاق دوحة» جديد، عن هدنة تجنب لبنان حرباً أهلية فيقيم في منطقة انتظار آمنة إلى أن يحين التغيير الآتي في دمشق عاجلاً أم آجلاً؟

الحياة

من قتل وسام الحسن؟

الياس خوري

لم يشكك الا اعداء وسام الحسن السياسيون في حقيقة ان قاتل رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي هو النظام السوري، وان مقتل الحسن يأتي في سياق صراع النظام السوري من اجل البقاء.

لن اسأل لماذا شكك اعداء الرجل والذين طالب بعضهم بقتله علنا وامام عدسات الاعلام، بهوية قاتله، فهذا تقليد لبناني يقول بأن اسرائيل تقتل معارضي النظام السوري في لبنان! وهو جزء من ‘عدة النصب’ التي تبرر كل شيء باسم مواجهة العدو الاسرائيلي!

بعيدا عن جدل عقيم تلهّت به بعض وسائل الاعلام التي اكتشفت في الرجل ميزة انه كان الصائد الاكبر لشبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، يجدر بنا العودة الى المقولة الشهيرة التي اطلقها حافظ الأسد عن العلاقات السورية-اللبنانية والتي لخصتها عبارته الشهيرة: ‘شعب واحد في دولتين’. والحق يقال انني من اشد المعجبين بهذه العبارة، فهي لامعة ومعبرة وتختصر في اربع كلمات تاريخا طويلا.

لكن العبارة ناقصة، فاكتشاف النظام السوري لحقيقة الشعب الواحد ودولتيه جاء بعدما قامت الحرب الاهلية بتحويل لبنان الى شبه دولة. اي ان الرئيس السوري افترض ان عبارته تبرر الحاق شبه دولة تمزقت هي لبنان بدولة متماسكة يقودها حاكم ابدي هي سورية.

على هذه القاعدة بنيت العلاقات المميزة بين الدولة السورية وشبه الدولة اللبنانية. وهي علاقات ترسخت عبر اساليب متعددة استخدمها النظام، كان الاغتيال السياسي اداتها الأكثر فاعلية. من اغتيال كمال جنبلاط الى اغتيال رينيه معوض، ارتسمت معالم السياسة التي تعلن وحدة الشعبين في دولتين.

في الماضي، اي في العصر الذهبي للهيمنة، حين كان النظام الأسدي ينعم بالغطائين السعودي والامريكي، كان اللجوء الى سلاح الاغتيال مقننا. اذ كان الاغتيال يتم في لحظة مفصلية، محددا ضحاياه بدقة جراحية ولم يكن اداة عشوائية. اذ ترك الاسد الأب لحاكم لبنان انذاك السيد غازي كنعان مهمة حصد نتائج الاغتيال عبر تركيع السياسيين اللبنانيين، وعبر سيف الخطف والاعتقال الذي طاول مئات من اللبنانيين والفلسطينيين.

لكن الأمور اتخذت مسارا آخر بعد اغتيال رفيق الحريري. لم يتوقع الأسد الابن سوى الجواب اللبناني التقليدي اي الخوف وكظم الغيظ والخنوع. وعندما اجبرته انتفاضة اللبنانيين على اخراج جيشه من لبنان، قرر ان يحول الاغتيال من عملية جراحية موضعية الى سياسة عامة. فصار الاغتيال هو اداته الرئيسية، وسقط المثقفون والقادة السياسيون والعسكريون والنواب ضحايا تحويل لبنان الى جدار اعدام.

مرحلة ما بعد الخروج من لبنان اقتضت تحالفات اقليمية جديدة، وتركيزا على الخطاب الممانع والمقاوم، واستنفارا للعصبيات الطائفية في لبنان عبر وضع الشيعية السياسية التي تحولت الى قوة سياسية وعسكرية ضاربة في مواجهة السنية السياسية، التي افتقدت باغتيال رفيق الحريري الى القيادة المتماسكة.

بدا ان السياسة الجديدة التي اتبعها الاسد الابن ناجعة، فلقد نجح حزب الله في استثمار انتصاره المشهود في حرب تموز/يوليو 2006 من اجل قلب المعادلة السياسية اللبنانية وصولا الى طرد السنية السياسية من السلطة عبر سياسة الترهيب التي اوصلت الى تشكيل حكومة السيد نجيب ميقاتي.

اللافت ان الاغتيالات توقفت بعد تغيير معادلة السلطة، وبدا ان لبنان في طريقه الى العودة من جديد الى معادلة شبه الدولة، التي تهيمن عليها الدولة الابدية في سورية الأسد.

هل يمكن وضع اغتيال وسام الحسن في هذا السياق؟

ربط العديد من المحللين بين اغتيال الحسن ومسلسل الاغتيالات التي بدأت مع اغتيال رفيق الحريري، وهذا خطأ فادح. فالاغتيال الجديد يملك سياقا مختلفا بشكل جذري، لأنه يأتي في خضم الثورة السورية.

لم يعد لبنان وحده شبه دولة، اذ حوّل جنون السلطة الأسدية سورية ايضا الى شبه دولة، وهنا تقع المسألة.

النظام الأسدي في الدفاع المطلق عن وجوده داخل سورية. فلقد انحسرت سلطته على الاراضي السورية بشكل مثير، وبدا كمن يضرب خبط عشواء، يدمر المدن ويحرق الحقول ويجرف البيوت ويقتل بلا هوادة.

لكنه عاجز عن الانتصار، ويشعر انه محشور الى درجة لا سابق لها، وهو يعرف في قرارة نفسه ان خروج ملايين السوريين والسوريات من قمقم القمع لا عودة عنه.

اغتيال وسام الحسن يأتي في سياق هذه الحرب. فلقد سبق للأسد ان لوح بأن سقوطه سوف يعني تفجير المنطقة، فالتفت الى حديقته الخلفية في لبنان، كي ينفذ تهديداته فلم يستطع حتى الآن.

ليس هدف النظام السوري اليوم الهيمنة على لبنان كما في السابق، بل هو يلجأ الى اللعب بلبنان كي يتجنب السقوط في سورية.

حاول ان يجند آلة الاعلام الايديولوجية الممانعة والمرتبطة بانجازات حزب الله العسكرية فلم تنفعه، اوحى من خلال مندوبه في الامم المتحدة بانتهاكات لبنانية لحدود سورية فلم تزبط، لجأ الى حكاية جبل محسن وباب التبانة في طرابلس ففشل، ارسل متفجرات ميشال سماحة فتبهدل!

اغتيال وسام الحسن ليس حائط اعدام كما في السابق انه الحرب. وهناك فرق نوعي بين المسألتين.

ما يسعى اليه النظام السوري هو الايحاء بأنه قادر على اعادة لبنان الى مربع الحرب الأهلية الأول، لذا قتل الحسن في سياق حرب بين الاجهزة الأمنية، وكي يرهب الجميع، لأن من تجرأ على مستشار الرئيس السوري ميشال سماحة ووجه مضبطة اتهام ضد علي المملوك يجب ان يموت كي ينفتح الباب مجددا امام لعبة الابتزاز الأمنية التي لا يتقن النظام الأسدي سواها.

لكن النظام الذاهب الى الهاوية يعلم ان ادواته اللبنانية صدئة ومهترئة، وانه من دون توريط حزب الله في المعركة بشكل مباشر فلن تكون هناك معركة.

والسؤال موجه الى قيادة الحزب والقيادة الايرانية، فالقرار صار هناك ولم تعد دمشق سوى احدى ساحاته. هل يفرط الايرانيون بفائض القوة الاستراتيجي الذي يملكونه، ام ان خدماتهم ودعمهم للنظام السوري من لبنان ستبقى ضمن حدودها الحالية؟

اشارة

لم يتوقع احد ان يكون الاداء السياسي لقوى 14 آذار التي يتزعمها سعد الحريري بهذه الهشاشة والخفة في قيادتها للتشييع الشعبي لوسام الحسن. خطاب فؤاد السنيورة كان انفعاليا والدعوة الى الزحف لاسقاط رئيس الحكومة في السرايا كانت حماقة.

قاد الارتباك وفراغ القيادة وضمور العقل السياسي الى رعونة تكاد ان تفقد قوى المعارضة قدرتها على المناورة السياسية، وتسقطها في الفخ الذي نصبه قتلة وسام الحسن للبنان.

لا يعاني لبنان من السلطة الحكومية التي ترتهن اكثرية قواها للخارج ويسود بعضها مركّب العظامية فقط، بل يعاني ايضا من معارضة ورثت انتفاضة الاستقلال وتقوم بتبديد الارث كل يوم، بسبب ارتهان الى خارج آخر من جهة، وخفة سياسية مروعة من جهة اخرى.

حرام ان يضيع دم الشهداء كما يضيع كل شيء في هذا الوطن الناقص

القدس العربي

اغتيال موقع أمني أم اغتيال الاستقرار؟

سليمان تقي الدين

كان لبنان على موعد مع حدث أمني كبير بعد هذا الاحتقان السياسي، لكن أحداً لم يتوقع اغتيال مسؤول أمني أساسي . كانت الأنظار كلها متجهة إلى الشخصيات السياسية الفاعلة التي تلقت تهديدات أو معلومات عن خطط لاغتيالها . وقع اغتيال رئيس فرع المعلومات أو ما يوصف بالجهاز المخابراتي الأكثر فعالية خلال السنوات الماضية الذي تولى كشف عددٍ من شبكات التجسس كما شبكات الإرهاب والتخريب . كان الرجل قد عاد قبل ساعات معدودات من الخارج إلى منزله السري فلم يتوقع أن يكون على موعد مع تفجير كبير قتله وأصاب حيّاً شعبياً كثيفاً بأضرار فظيعة بالأشخاص والممتلكات .

توقف مسلسل الاغتيالات الذي جرى في عامي 2005 و2006 بعد اتفاق الدوحة الذي أعقب أزمة 5 و11 مايو/أيار 2008 . قيل إن الاغتيالات توقفت نتيجة هذه التسوية . لكن الأزمة السورية والمواقف من الأطراف اللبنانيين تجاهها جدّدت الحديث عن ظروف مؤدية إلى انطلاق مسلسل أمني من التخريب والاغتيالات، وتبيّن أن لبنان مازال يحتوي على عدد كبير من الخلايا الأمنية لمختلف الدول الجاهزة للقيام بالنشاطات الفعّالة عند اتخاذ القرار السياسي . كان اكتشاف خلية الوزير السابق ميشال سماحة، بحسب تصريح رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وما كانت تنويه من نشاط تفجيري خطر، إيذاناً بأن تعطيل خلية بهذا الحجم والمستوى لا يعني ألا يكون هناك خلايا أخرى أو مخططات أخرى . ويقال إن اغتيال المسؤول الأمني الذي كشف هذه الخلية هو ردة الفعل على هذا الاكتشاف، ألا حصر المخططات الأمنية بهذه الحدود مسألة غير صحيحة . إن الضربة التي وجهت إلى جهاز الأمن الحارس لكثير من الأمور والعين الساهرة، هو بمنزلة مقدمة لأعمال أخرى، ومن غير المتوقع أن يمر هذا الاغتيال من دون تداعيات سياسية كبيرة . فقد كانت ردة الفعل الأولى للفريق المتضرر، المطالبة برحيل الحكومة . لم تكن هذه المطالبة محدودة الصدى، فقد اضطر رئيس الحكومة إلى اتخاذ مبادرة تطرح احتمال الاستقالة، أو مازالت هذه الاستقالة مطروحة، حين قال »إن طائفتي تشعر بأنها مستهدفة، ولا أستطيع التمسك بأية مسؤولية« . أي أن الرئيس ميقاتي يعدّ نفسه مستهدفاً . فخلال سنة ونصف من عمر الحكومة، ظهر أن التوازن السياسي الذي حاولت مراعاته في قراراتها ومحاولة استرضاء بعض مطالب الفريق غير الممثل فيها، لم يكن كافياً لنيلها ثقة هذا الفريق . عملياً لا تستطيع أي حكومة أخرى تحقيق أكثر في هذه الظروف، الأمر الذي أدى إلى دعم الخارج والغرب تحديداً لبقاء هذه الحكومة التي لم يكن يرغب في تأليفها على هذا النحو . فالمشكلة أن الطرف السياسي المعارض يريد من الحكومة مواقف لو حصلت لكانت أخذت البلاد فوراً إلى حالة من التأزم وربما من الفوضى .

من الواضح أنه يستحيل تشكيل حكومة سياسية تعكس توازنات القوى بدقة أو تمثل جميع الأطراف في ظل هذا الانقسام الوطني، وقد كان من الأفضل ولايزال، أن تشكل حكومة ذات طابع محايد شغلها الأساسي إدارة البلاد وإدارة الأزمة وليس تقديم حلول سياسية غير ممكنة الآن . لكن القوى السياسية لا ترغب في الانكفاء عن المصالح والخدمات التي تؤمنها السلطة، ولا تأخذ في الاعتبار أهمية إراحة الجو السياسي وخفض التوتر كمقدمة للبحث عن الحلول .

بعد أن تنتهي مراسم التشييع وبعد أن تكون صورة المواقف قد انجلت ومزاج الناس قد تبلور، سيفتح ملف الحكومة ولو أنه ليس الملف الأكثر أهمية . ومن المتوقع ألا تصمد هذه الحكومة طويلاً، لأنها لم تستطع أن ترفع عن اللبنانيين الضغوط التي تجيء من فريقها في الداخل والخارج . وهي لا تملك الآن أن تعطي تطمينات وضمانات بتحييد لبنان أمنياً عن الصراعات، ولو كانت تعلن »النأي بالنفس« وعدم التدخل .

على أي حال يقترب الاستحقاق الانتخابي في الربيع المقبل وليس من اتفاق على قانون الانتخاب، والطرفان المتصارعان لن يذهبا إلى انتخابات غير معروفة النتائج . فمن سيفوز بالأكثرية سيتولى السلطة منفرداً ويزيد من حدة التوتر والانقسام . هكذا يصبح رحيل الحكومة لمصلحة حكومة تدير الأزمة هو أفضل الحلول للبلاد .

أما أن الاستقرار الأمني يمكن المحافظة عليه نسبياً في ظل الوضع الراهن، فأمر لم يعد مضموناً مع زيادة تداعيات الأزمة السورية، واتساع الأعمال الأمنية على الحدود المشتركة ونزوح مئات الآلاف باتجاه لبنان وزيادة تورط القوى اللبنانية في أعمال تعد عدائية تجاه الطرف الآخر في البلاد . فهل سيكون اغتيال مسؤول الأمن اللبناني عملية منفردة وأمنية الأهداف بالنسبة إلى القائمين بها، أو ستكون بداية مسلسل لضرب القوى التي تعترض أهداف هذا الفريق السياسي؟ في ضوء تعقيد الأزمة الإقليمية لا يبدو أن لبنان يمكن أن ينفذ من احتمالات شموله بالأحداث الدموية والصدامات المسلحة المطلوبة لصياغة المنظومة السياسية الجديدة من حوله

الخليج

اغتيال وسام الحسن: بشار وتصدير أزمته إلى لبنان

معهد العربية للدراسات

قد لا تكون هذه العملية الإجرامية التي قضى فيها العميد وسام الحسن، وغيره من الضحايا والأبرياء، يوم التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، هي الأخيرة لزعزعة الاستقرار اللبناني، امتداداً وتصديراً لأزمة نظام بشار الأسد للداخل اللبناني، واستمرار ولاء حلفائه الذين لا يألون جهداً إرهابياً، أو قتالياً أو إعلامياً للتخفيف والصد عنه، فهل ينجح بشار في تفجير الداخل اللبناني وتفجير النزاع الطائفي حوله بين حلفائه وخصومه؟ وهل لا زالت لدى هذا النظام المأزوم داخلياً القدرة على التدخل لنشر الفوضى في المنطقة، في لبنان أو الأردن كما ينذرنا أنصار الحل السياسي لمشكلته رغم إعدامه المستمر لأي إمكانية حل سلمي أو هدنة مؤقتة؟

هذه الأسئلة وغيرها يطرحها هذا التحليل الذي كتبه هاني نسيرة:

لماذا وسام الحسن؟

في قلب بيروت، في منطقة الأشرفية، وقعت تفجيرات يوم 19 أكتوبر الماضي، وسقط قتيلاً إثرها اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ليكون مقتله المحاولة الثانية والعشرين- تقريباً- لاستهداف عناصر وقيادات المعارضة لبشار الأسد وحلفائه منذ مقتل الشهيد الرئيس رفيق الحريري العام 2005،، الذي قام الحسن بدور مهم في كشف المتورطين فيها وتوجيه الاتهامات لحزب الله فيها.

الرسائل التهديدية التي تلقاها عدد من قيادات تيار المستقبل ولكن أيضاً للخسارة اللوجيستية التي وقعت بخسارة كفاءة أمنية عالية المستوى مثل اللواء وسام الحسن الذي كان حائط صد قوي ضد هذا النوع من العمليات.

فقد كان لوسام الحسن دور كبير في كشف المتورطين في مقتل الشهيد رفيق الحريري سنة 2005، كما كان مهندس الكشف عن قضية وزير الإعلام اللبناني السابق ميشال سماحة في التاسع من أغسطس الماضي، لاغتيال عدد من القيادات السياسية في لبنان بأوامر مباشرة من نظام بشار الأسد، وكذلك غيرها من القضايا في العامين الأخيرين التي أربكت حلفاء سوريا في لبنان، وصدرت منهم تهديدات مباشرة له بالقتل والتفحيم، كما ذكر أحد أقطاب الثامن من آذار قبل فترة، وهي التهديدات التي تكررت عبر منابر إعلامية وسياسية مختلفة في الفترة السابقة، ومع توالي هذه القضايا التي كشفت الاختراقات في المؤسسة الأمنية ومطار بيروت وعدد من المخططات والخلايا المستهدفة لتيار محدد في المجال السياسي اللبناني، هو قوى الثامن من آذار، وأن ثمة دولة داخل الدولة، يمثلها حزب يقدم ولاءاته الخارجية على رابطة الوطن التعايشي في لبنان.

غضب شعبي وتباطؤ سياسي

رغم تصريحات عدد من المسؤولين اللبنانيين أن التحقيقات تسير بخطى متسارعة كاشفة عن خيوط هذه العملية الإجرامية التي راح ضحيتها وسام الحسن وآخرون، دون أن تعلن أي نتائج حتى الآن، إلا أن الربط الموضوعي والمرجح عند أغلب المراقبين هو ربطها بقضية ميشيل سماحة الموالي لنظام بشار الأسد في أغسطس الماضي، وأنه تأتي في سياق الدفع للفرقاء والمنطقة للقبول بمبادرة الأخضر الإبراهيمي بخصوص الأزمة السورية وإيجاد حل سياسي لها، مع بقاء بشار الأسد، كما يؤكد حلفاء الأخير من الروس والإيرانيين، وإلا على الجميع أن ينتظر فوضى كبيرة وأزمة عميقة في كل دول الجوار والمنطقة، فهل هذه أول بوادر الفوضى الشاملة التي يسعى بشار الأسد لتصديرها للبنان ولغيرها من دول المنطقة، مستهدفاً في أولى حلقاتها المسؤول اللبناني عن أمن المعلومات الذي أسقط قبل شهور قليلة أحد حلفائه؟

وقد اتسعت هوة الخلاف في الداخل اللبناني خلافاً على حل الأزمة السورية، بين قوى المعارضة والموالاة في لبنان، وتم تبادل متسارع للاتهامات بدءاً من دعم مباشرة ولوجيستي لحزب الله بالمشاركة الفعلية والمسلحة في قتل السوريين وقمع ثورتهم لصالح بشار الأسد، أو محاولة توريط لبنان في حرب جديدة مع إسرائيل تخفيفاً للضغط الدولي عن سوريا، أو اتهامات الطائفة السنية وقوى الثامن من آذار بدعم المعارضة وقوى الثورة السورية، ضد بشار الأسد، وقد أحدثت اشتباكات طرابلس بخصوص قضية شادي مولوي في مايو الماضي أثرا لكل هذه المواقف والخلاف تأييداً لثورة الشعب السوري أو للنظام القمعي لبشار الأسد.

ورغم عنف الاشتباكات التي حدثت في طرابلس على إثر اعتقال شادي مولوى- الذي أفرج عنه فيما بعد- أو على إثر تفجيرات الأشرفية الأخيرة التي قضى فيها الشهيد وسام الحسن، إلا أن العملية الأخيرة ونوعيتها وحجمها الذي يرجح بعض المراقبين تنفيذ عدد كبير لها، واستخدام منفذيها لطائرات تجسس لتنفيذ استهداف وسام الحسن الذي عرف بالحيطة والحذر الأمني، ولم يعلن عن موعد قدومه من ألمانيا قبل العملية بيوم، ولكن تم تسريب الخبر من داخل المطار المخترق والذي مثل أسس المشكلة التي اجتاح حزب الله شوارع بيروت على إثرها عام 2009 اعتراضاً على تغيير عدد من قياداته المرتبطة بحزب الله خارج أطر ومؤسسات الدولة اللبنانية، وهو ما كان لوسام الحسن دور فيه كذلك.

رغم الغضب الشعبي العارم في الشارع اللبناني، ومهاجمة المتظاهرين للسراي الحكومي، وهو ما رفضه وتحفظ عليه تيار المستقبل ورموز قوى الرابع عشر من آذار لوقفه، مع إصرار قوى الرابع عش من آذار على استقالة حكومة نجيب ميقاتي تماهياً مع غضب الشارع اللبناني، الذي سارع لإعلان بقائه بأوامر من الرئيس ميشال سليمان حتى لا تقع البلاد في الفراغ السياسي في هذه اللحظة الحرجة، ورغم سقوط عدد من القتلى والمصابين إثر الاشتباكات التي وقعت في بيروت وشمال لبنان، وبينما لم تعلن نتائج التحقيقات بعد ولا زالت النتائج السياسية غير واضحة، يبدو الغضب ومشهد الاستقطاب السياسي حول الثورة السياسية والموقف من نظام الأسد في لبنان هو الأوضح.

ويتضح هذا الاستقطاب والتأثير في تصاعد التحدي من قبل حزب الله والموالين لسوريا من جهة وكذلك تعزيز السلفيين حضورهم ونشاطهم في لبنان، خصوصاً في مدينة طرابلس، حيث اشتبكوا مراراً مع الطائفة العلوية اللبنانية، التي يبدو أن بشار الأسد يراهن عليها، ومع أن حيثيات التفجير قد تسمح للنظام السوري بالتنصل من مسؤوليته، إلا أن مؤيدي الحسن والمراقبين الإقليميين والدوليين يستبعدون تورط الجهاديين في هذا التفجير.

بشار وتصدير الفوضى والصراع للبنان

تبدو لدى النظام السوري مصلحة استراتيجية في إثارة التوتّرات الطائفية والأعمال الإنتقامية في لبنان. ذلك لأنه يواجه تصدّعات في قاعدته العلوية وضغوطاً متزايدة على خطوط إمداده وتراجعاً في دعم حزب الله، الذي بات يميل للحفاظ على نفسه.

وهو ما يبدو أن القوى اللبنانية على اختلافها واعية بخطته وأهدافه العارية فيه، فضلا عن عزوفها وخاصة قوى الرابع عشر من آذار عن التضحية والقتال الذي لن يستفيد منه غير هذا النظام عانت منه لبنان كما عانت من سوريا، الذي بشر المنطقة بالفوضى العارمة كما بشر القتلى بالقتل بدءا من رفيق الحريري حتى وسام الحسن وغيره، ويبشر شعبه كل يوم بمزيد من الشهداء والقمع.

ويبدو أن تفجير 19 أكتوبر وما تبعه من تهديدات لعدد من رموز تيار المستقبل والمعارضة اللبنانية، لم تخف الشخصيات اللبنانية المعادية للأسد، ولن تخيفها، و أن ما صنعه عبر هذه العملية ليس غير مزيد من الترابط والتعاطف ضده وضد حلفائه وأوراقه التي دأب- شأن صدام حسين والقذافي- على اللعب بها، لتصدير الأزمة والفوضى للآخرين، كما لن تؤدي مثل هذه العمليات المكشوفة التي تستهدف عدم الإستقرار والنزاعات الطائفية في لبنان إلى تقليص الدعم الذي يتلقاه الثوار السوريون، وإن أدت إلى زيادة الدعم الذي يتلقاه الأسد، أو في تهويل صورة الأزمة الناتجة عن أزمته مع شعبه من حزب الله ومن حلفائه في لبنان وإيران وغيرهما.

لا تكفي فقط مرارة الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 لستة عشر عاما وسبعة أشهر، وأنهاها اتفاق الطائف سنة 1989، دافعا لتجنب شبحها الماثل الآن، وقد حدثت بعد اغتيال كميل شمعون وتوزع ولاءات بعض اللبنانيين على خارج لبنان، كما هو حال لبنان اليوم، ولكن ما يكفي هو المسؤولية الوطنية المنوطة بالمعارضة والموالاة وبالدولة والشعب، وأن تتقدم ولاءات الوطن اللبناني على الولاءات خارجه، وأن يسلم الجميع سلاحهم، دون استثناء لحزب الهي أو سياسي، فهذا الشرط وحده هو شرط الوطنية والمسئولية اللبنانية الراهنة.

إن قدرة اللبنانيين على ضبط النفس وعدم الانجرار للنزاع الطائفي والتطاحن الداخلي، وهو ما قد يسعى إليه ويرحب به حلفاء بشار في لبنان، تخفيفا للضغط عليه وتأكيدا لامتداد الأزمة السورية إلى لبنان، حسبما يريد ويخطط وينذر منذ فترة، هو أفضل حل لمواجهته وكشف حلفائه الذي يتساقطون في السنتين الأخيرتين، منذ مقتل رفيق الحريري حتى مقتل وسام الحسن، وضرورة الطرح القوى والصارم لمشكلة سلاح حزب الله وعلاقة الحزب بالدولة وتهديده المستمر لها ول معارضيه ولسلامة الشعب اللبناني ككل! خاصة مع الاستنفار الطائفي الذي يستدعيه من قوى سلفية وسنية بدأت في الظهور ولن تبالي في الاستجابة في دعوة الحرب متى أعلنت من قبله! كما أن أزمة بشار الأسد المتصاعدة والعميقة تنعكس كذلك على حلفائه وأوليائه في لبنان وغيرها، فلن يجازفوا في صراع غير مضمونة عواقبه داخليا ودوليا من أجل نظام تتشاقط هياكله بعد أن سقطت شرعيته لدى شعبه.

لا يؤتمنون على شيء

    عبد الوهاب بدرخان

هذه المرة انكشف القتلة وحلفاؤهم بالجرم المشهود. بات مؤكدا ان الانقسام في لبنان هو بين فريق قاتل وفريق مقتول او مرشح للتصفية. هذه هي الحقيقة المؤلمة التي فرضها اغتيال رفيق الحريري والاغتيالات التي تلته، ولعل اللواء وسام الحسن كان عنوان رفضها والتمرد عليها بل كان عمله ونجاحه في واجبه العنصر الذي اعاد التوازن الى البلد. وقبل ان يكون اغتياله صدمة لفريق سياسي، او لطائفة، لا بد انه كان صدمة لكل الشرفاء المعنيين بالأمن اذ يرون المصير الذي هيأه لهم الفريق القاتل اياه.

ظن نجيب ميقاتي انه اختير لرئاسة الحكومة من اجل “انقاذ لبنان”، او من اجل “الاستقرار”، ولعله فهم لحظة دوى الانفجار في الاشرفية لماذا اختير فعلا. لا شيء يمنعه من البقاء في المنصب، على افتراض ان الاستقالة قرار يعود اليه وحده، الا انه يعرف ان ثمة اغتيالات اخرى محتملة. وفي اي حال تعلّم اركان الدولة، من خلال استهداف اللواء الحسن، ما هو الفارق بين الامن الاستقلالي والامن المستتبع.

لم يستطع حتى الرئيس ميقاتي ان يموه اسباب الاغتيال بأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بفضيحة ميشال سماحة – علي المملوك. كان على وسام الحسن ان يترك مخطط التفجير يأخذ مجراه، كما كان ليفعل آخرون، كي ينال الاستحسان والثناء من دمشق. لا شك ان الذين وزعوا الحلوى ابتهاجا بمقتله، وهم بالمناسبة لبنانيون، كانوا ولا يزالون يريدون للفتنة ان تحصل بمجرد ان محنة النظام السوري تتفاقم ولا تترك لهم سوى خيار الهروب الى الامام. من اين جاؤوا بهذه الثقافة المريضة، ومن الذي افسد عقولهم بها، حتى صار قتل الآخر في الوطن عنوانا لوجودهم. لعلهم تعلموها من العدو الاسرائيلي نفسه، فعلى مثل هذا الوسواس يعيش الاسرائيليون، وبه يعالجون مخاوفهم.

سؤالان يتكرران. أولهما: اذا كان النظام السوري تضرر من عمل وسام الحسن وشعبة المعلومات وبيّت الانتقام منه، فما الاذى الذي كان الحقته الشعبة ورئيسها بلبنان كي ينقم عليه اقطاب 8 آذار وكأن تحالفهم مع هذا النظام اعمى بصيرتهم اللبنانية لئلا نقول “الوطنية”؟

والسؤال الثاني المكرر: هل يمكن النظام السوري ان ينفذ عملية اغتيال في لبنان من دون علم “حزب الله” ومشاركته، واذا اتخذت القيادتان السورية والايرانية قرارا بتصفية شخصية لبنانية هل يمكن “حزب الله” ان يعترض او يتمرد او يعطل ام يعتبر الامر “واجبا جهاديا”؟

ثمة أكاذيب وأساطير عاشت عليها الحكومة، وكلها سقطت الآن من “الاستقرار” الى “النأي بالنفس” مرورا بـ”الانقاذ” وسواه. لا شك ان اغتيال الحريري ثم اغتيال الحسن اظهرا ان في لبنان من لا يمكن ان يؤتمن على اي شيء، لا على الوحدة الوطنية والتعايش، ولا على الدولة، ولا على كرامة اللبنانيين.

النهار

خيال 14 آذار

رشا الأطرش *

منذ صباح اليوم التالي لاغتيال اللواء وسام الحسن، تجلّى موقف الممانعين اللبنانيين بأصلف تساؤلاته وتحليلاته. ظهّرتها وسائل إعلامهم، بعد تصريحات قياداتهم، وما زالت سارية بكامل فجاجتها: انتظار نتائج التحقيق، في بلد قلما يُكشف فيه جناة، وبعد تصفية أبرز شرطييه الأكفّاء. الإحجام عن الاتهامات والتحريض – ترفّعاً وحفظاً لـ «وطنية» المُصاب، في حين أن المقتول هو نفسه كل مرة. وها هو نائب عن الحزب المتعالي أصلاً على الدولة، يتحسّر، في يوم شهيد بقايا الدولة، على «تفويت فرصة بنائها»، لأنها كانت لتضمن تحقيقاً يحوز ثقة الجميع! ثم الخوف على الاستقرار، ليس بأثر من الجريمة، بل في حال أسقطت الحكومة. ناهيك عن تساؤلات تتكرر منذ سبع سنوات: «من المستفيد؟»، «أي وظيفة لهذه الجريمة؟» لتُركَّب إجابات سوريالية: الشهوة للسلطة وإطاحة انتخابات 2013، كأنما ما زال للسلطة والانتخابات أي معنى يذكر في حضرة الانقسام والغلبة. والأكثر إثارة للضحك – البكاء مقولة إن القاتل هو من له مصلحة في الزج بلبنان في أتون «الجيش السوري الحر»، في حين يقاتل ركن أساس في حكومة «النأي بالنفس» مع المقلب الثاني من الأتون ذاته. و «التورّط»، إن صحّ في الطرفين اللبنانيين، لا ينقسم عليهما بالتساوي.

إنكار فارغ، إذاً. بؤس الحجّة. مراوغة. لكن، ماذا في الجهة المقابلة؟ عصر اليوم التالي للجريمة، تداعى مناصرو «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الجماعة الإسلامية» وبعض المتعاطفين مع الثورة السورية وما تبقى من حركة 14 آذار، إلى وقفة استنكار في ساحة الشهداء وسط بيروت، خيّم عليها خيال 14 آذار (مارس) 2005. خيال بدا أشبه بشبح، منه إلى صورة ولاّدة. ليس بسبب ضعف الحضور وفئويته فحسب. ولا هي فقط تلك الشعارات الضيّقة والساذجة إلى درجة الخطورة، من قبيل «الطلاق حتى العدالة»، وهو شعار دون المقاطعة السياسية الجدّية التي قد تكون ذات جدوى، وفوق الفعل السياسي العملاني. كما لم ينحصر الحضور الشبحي لتظاهرة 14 آذار الأولى في بقايا فرح بالتلاقي في الشارع لأجل قضية عامة، وإن كانت المناسبة حزينة دامية. بقايا الروح التي حاول المنظمون الجدد «تحضيرها»، سمعياً بالأغاني الثورية المنبعثة من مكبرات الصوت، وبصرياً بأعلام لبنانية وحزبية لوّحت بها أذرع قليلة مقلّدة حركة مئات الآلاف من المنتفضين السلميين قبل سنوات، ليبان تمايلها اليوم أقرب إلى ارتدادات عصبية لتلك الصورة البعيدة… ليس ذلك فقط ما يجعل الدعوات المستمرة للنزول إلى ساحة الشهداء، وساحات أخرى في طرابلس والبقاع، تبدو نسخة «مدبلجة» و «مُمنتجة» من يوم مشمس مضى، وإن انســحبت إشـــراقته على بضعة أشهر تلته.

السر في المطلب. في الإحساس، أو قُلْ في الأمل، بالقدرة على إحداث فرق، تغيير ما، إنجاز ما. نقول فرقاً، وليس ثأراً. ففي 2005، اقترن مطلب إسقاط حكومة عمر كرامي ببدء نضال سلمي مديد وحثيث لإخراج النظام السوري من البلاد: جنوده وأجهزة استخباراته وجلاّدو أقبيته اللبنانية. رُفع آنذاك مطلب معرفة الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فاستُجوب من استُجوب واعتُقل من اعتُقل، وأكملت الحناجر هتافها من أجل المحكمة الدولية. رجال ونساء، لم يتسيّسوا في حياتهم، نزلوا. البورجوازية مع كلبها المدلل، والمحجّبة الآتية من أطراف البلاد. الشاب المهتمّ حديثاً بنشرات الأخبار، والأستاذ الجامعي، وصاحب الدكان الذي يرتاد أولاده مدرسة رسمية. شباب، متنوعو المشارب والعقائد، مثّلوا غالبية الطوائف، وأقاموا في الخيم تحت نُصُب الشهداء. صدّقوا أنفسهم، آمنوا. تحاوروا أو تبارزوا، تناطحوا وتناقشوا أو عقدوا صداقات ما كان ليتخيّلها عقل ظَلّ محكوماً بصور الحرب الأهلية وخطوط تماسها… حتى ذلك اليوم. مجدداً، كان المطلب واضحاً، محمولاً على إحساس الممكن. كانت الأجندة السياسية مفنّدة، النقطة «ألف» تفضي إلى «باء» ثم «جيم»… وصولاً إلى تصوّر ما للبلد، بصرف النظر عن رومانسيته التي تبيّن أنها ليست في مستطاع النظام السياسي اللبناني المحكوم بتاريخه. لكن المبادرة ما عادت لبنانية.

حاول التجمّع لشجب اغتيال الحسن البناء مجدداً على تلك الصورة التي بدت ذات مرة بطاقة بريدية جديدة من لبنان. لعل الدّاعين اشتهوا تدعيم خيالها المفتقد بزخم «الربيع العربي»، لا سيما الثورة في سورية. غير أن اللقطة المستجدة بدت مصفرّة، بالية، محزنة.

قادة 14 آذار، الذين ثبت تقدّم جمهورهم الأصلي الشاب على لبنانويتهم التقليدية، خذلوا الجمهور العريض، فانفضّ عنهم، إلا المحازبون لأسباب معروفة. وبذلك، أمسى الإحساس بالقدرة والأمل في الممكن عنصرين أساسيين ضائعين. فلا المطالبة باستقالة حكومة نجيب ميقاتي تملك مقوّمات المطلب السياسي السلمي التراكمي، ولا ردّ الفعل المتأخر على «القمصان السود» في أيار (مايو) 2008، متوافرة عناصره من قوة وتنظيم، كما علمنا وذقنا يوم التشييع والهجوم الساقط تكتيكياً ومدنياً على السراي الحكومية. ذلك أن كل احتمالات التشكيلات الحكومية بعد استقالة ميقاتي، إن حصلت، ما عادت تعني شيئاً، ولا هي تعد بشيء، فيما البلاد مكشوفة سياسياً وشعبياً وأمنياً إلى هذا الحد، ومهندس الخراب مستطيعه من دون وجوده على أرضها بالضرورة. حتى الانتخابات مفرغة من معناها، إذ إن فوز 14 آذار بغالبية نيابية، كما أظهرت التجارب، فرحة لا تُتمّم.

العقدة خلف الحدود، والتملّص من ثناياها هنا تمرير للوقت.

ويبقى أن الرأي العام «الوسطي» أو الذي يشتهي انفصالاً عن قطبي الصراع، حاول خلق هامشه الخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتركيز – المحق أخلاقياً طبعاً – على ضحايا انفجار الأشرفية: جورجيت سركيسيان التي شيّعت وحيدة، والطفلة جنيفر شديد الراقدة في المستشفى. لكن بعض التنادي إلى تحييد السياسة ههنا، لإعطاء الأولوية للشق الإنساني البحت، يؤكد براءة لا يقوم عليها تيار ثالث. أما «التيار الوطني الحر» فعرف كيف يستغل ذلك الملف الإنساني… في السياسة.

* صحافية من أسرة «الحياة»

الحياة

… وفي لبنان الهدنة ممنوعة!

وليد شقير

… أما في لبنان، فإن «الهدنة» ممنوعة. ولولا أن الفرقاء المعنيين في سورية يناقشون فكرة الممثل الخاص الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي بالتوصل الى الهدنة، نتيجة رغبة كل من النظام من جهة والمعارضة من جهة ثانية، في رمي مسؤولية إفشال خطوة إنسانية من هذا النوع على الآخر، لكان الأسهل القول إن لا هدنة في لبنان، لأن لا هدنة في سورية، والأرجح أن هذا هو الأصح الى أن يثبت العكس.

ومعظم التقديرات يرى أن النظام تحت عنوان الهدنة سيسعى إلى تحسين ظروفه للانقضاض على مناطق تمكنت المعارضة من السيطرة عليها، والحجة جاهزة، «فالإرهابيون» الذين جعلهم الخصم لرفضه الاعتراف بخصومته مع شعبه، هم الذين خرقوها.

وإذا كان لبنان تمتع بهدنة (بالمعنى المجازي للكلمة) سياسية وأمنية بقيت هشة خلال الأشهر العشرين الماضية، نتيجة ظروف متعددة ومعقدة تتعلق بحساسية التوازنات الطائفية، ومن أبرزها هذا الانتظار الثقيل لمجريات الأزمة السورية، فإن اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن الذي كان يجهد من موقعه كرجل اعتدال الى ضمان استمرار هذه التهدئة ومنع تخريبها، قد حسم الأمر لمصلحة ضرب الهدنة، وأثبت اغتياله أنه مهما كان رجل مسؤول يتمتع بالحس الإنساني يسعى الى إبعاد كأس التفجيرات والتوترات عن مواطنيه، فإن العقل الإجرامي الذي دأب على استهداف أمن البلد الصغير ذي الاستقرار الهش والمترنح على الدوام، لن يقبل بأن يتمتع بنوه بحد أدنى من التهدئة للصراع السياسي الكبير الذي يدور على أرضه، امتداداً لما يجري من حوله.

فلبنان يعيش منذ مطلع عام 2011 تحت سلطة سياسية أنتجتها الأساليب نفسها التي أنتجت السلطة السياسية القائمة في دمشق: القوة والقهر والضغط التي تطوّع مكونات المجتمع والحياة السياسية تحت شعار الممانعة وضروراتها، حتى لو عاكست الوحدة الوطنية والتسوية الداخلية التي تفرضها التركيبة الطائفية للبلد. وإذا كان اندلاع الأزمة السورية أخذ اللبنانيين الى انقسام عمودي حول الموقف منها فإن اللبنانيين اخترعوا صيغة النأي بالنفس للإبقاء على الهدنة الهشة، بعد أن انسحب اهتزاز سطوة النظام الذي أنتج السلطة في دمشق على السلطة القائمة في بيروت. وكان من مظاهر هذا الاهتزاز في بيروت المواقف الجريئة للرئيس ميشال سليمان ضد الخروق السورية وطرحه تصوره للاستراتيجية الدفاعية ولآلية تمهد لتكريس حصرية السلاح بيد الدولة والجيش لا في خدمة أهداف الممانعة. كما انعكس في مقاومة أحد أركان السلطة الحكومية التي أنتجتها سطوة محور الممانعة، وليد جنبلاط، لمساعي إلحاق لبنان بخطط الدفاع عن النظام في سورية ومواجهة معارضيه. واضطر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى مراعاة خجولة لموقفيهما على رغم حلفه التاريخي مع القيادة السورية التي قادته الى رئاسة الحكومة. لم تناسب الهدنة الأمنية – السياسية التي كانت قائمة تحت شعار النأي بالنفس النظام السوري، فهو يريد جر الساحة اللبنانية الى المواجهة التي يخوضها في الداخل والخارج، ومثلما كانت القاعدة عنده إما معي أو ضدي فهو أكثر تشدداً في ممارستها أثناء مواجهته الاهتزاز الذي أصاب سلطته. وكانت مشاركة «حزب الله» العلنية في القتال في سورية دفاعاً عن النظام تطبيقاً لهذه القاعدة، لأن صمود النظام مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الحزب.

وببساطة فإن وسام الحسن سقط لأنه قاوم هذه القاعدة عندما حال دون نجاح خطة نقل الأزمة السورية الى لبنان عبر كشفه مخطط ميشال سماحة والذي كان سيسقط «الهدنة» التي تظلل لبنان.

وببساطة أكثر فإن تشبيه تعذر الهدنة في سورية، بإسقاط الهدنة في لبنان عبر اغتيال الحسن وغيره من المظاهر، يتيح مقارنة أخرى لا تقل أهمية: إذا كان قيام سلطة انتقالية في سورية تمهيداً للانتقال السياسي ولانتخابات ديموقراطية، غير قابل للتحقيق بسبب رفض النظام والدول المساندة له، فإن دعوة قوى المعارضة اللبنانية و «14 آذار» لقيام حكومة حيادية تشرف على الانتخابات النيابية المقبلة لن يكون قابلاً للتحقيق أيضاً إذا كان الدفاع عن النظام في سورية سيستمر في استخدام الساحة اللبنانية لحمايته من السقوط.

وأكثر ما يشي به رفض الحلفاء الرئيسيين للنظام في سورية تغيير الحكومة الحالية التي جاءت بها معادلة اهتزت باهتزاز النظام السوري، هو أن رفض صيغ الانتقال السياسي التي تطرح في سورية سيضع الانتقال السياسي في السلطة في لبنان، عبر الانتخابات النيابية الربيع المقبل، أمام احتمال التأجيل للحؤول دون هذا الانتقال، إذا كان محور الممانعة يخشى أن يقود هذا الاستحقاق الى هذا الانتقال.

يرمز اغتيال الحسن في لبنان الى الكثير مما سينكشف تباعاً.

الحياة

إعلام هابط

حسام عيتاني

في مناسبتين يفصل بينهما يومان، كادت وسيلتا إعلام لبنانيتان أن ترميا عود الثقاب المشتعل في خزان الوقود الطائفي.

زعمت محطة تلفزيونية يوم السبت الماضي أن إطلاق نار أصاب حافلة تنقل ركاباً من الضاحية الجنوبية وأن قتيلاً سقط. ثم نشرت صحيفة قصة ملفقة عن شاب قال ان مسلحين قطعوا أصابعه وداسوا قلادة لسيف الامام علي بن أبي طالب في منطقة طريق الجديدة.

لم تعتذر المحطة التلفزيونية عن خبرها الكاذب الذي كاد ان يدفع الناس الى الشوارع للانتقام من القتلة، فيما اكتفت الصحيفة بتوضيح فاتر يكاد لا يمت بصلة الى أجواء التشنج التي أشاعها ما نشرت والذي ظل مدار استغلال كريه طوال النهار قبل ظهور كذب القصة. سبق الحادثتين وتلاهما فيضان من التحريض المذهبي والسياسي الصريح لتبرير اغتيال اللواء وسام الحسن.

ليست هذه المرة الأولى التي يؤدي فيها الإعلام اللبناني دوراً في تأجيج الصراعات الأهلية والسياسية. وما من شيء يقول انه عازم على الابتعاد عن الدور هذا. بل الأرجح انه سيتابع خروجه عن مهمته الأصلية في نقل وتعميم الخبر والمساهمة في صنع الرأي العام وتعزيز قيم المواطنة، نحو المزيد من الكذب السافر والانغماس في مشاريع الجهات السياسية الممولة والمحركة له. يعمل الإعلام اللبناني بمزيج من الشبق الى الخبر، على طريقة الصحف الصفراء، ومن هاجس الحشد والتعبئة بأسلوب صحف الانظمة الشمولية.

اللافت ان واحدة من المؤسستين المتورطين في الكذبتين تجهد منذ مدة في البحث عن قدر من الموضوعية، لكنها تفشل دائماً، ما يشي بسهولة اختراق «مكاتب التحرير» وجر القائمين عليها الى مهمات قد لا يوافقون عليها. فلا كفاءاتهم المتواضعة ولا ثقافتهم السياسية الشحيحة، تساعدهم على تدارك الافخاخ.

عندها يصح التساؤل عن هوية هؤلاء «الإعلاميين» الذين نالوا حق إشعال الفتن من دون أي إحساس بالمسؤولية وعن خلفياتهم الثقافية وعن المدارس والجامعات التي تعلموا فيها وعن منظومة القيم التي يضمرونها والجاعلة من تلقي اتصال من ضابط في جهاز استخبارات (رسمي او حزبي) مفخرة اليوم. ويجوز أيضاً التساؤل عن معنى انتمائهم لشعب ووطن وعن مضمون الرسالة التي ينقلونها لأبنائهم ولشباب لبنان، وعن مدى الاستعداد لتغميس ايديهم في دماء مواطنيهم بذريعة البحث المريض عن سبق صحافي لا صدقية له ولا قيمة غير اللعب على غرائز الناس.

يتعين القول هنا في أن وسائل الإعلام على جانبي الانقسام الأهلي ليست بريئة من التحريض وتبادل الاستفزاز، فتجاهل الحواجز التي أقيمت في منطقة الناعمة واعتداء الواقفين عليها وطعنهم المارة من الشيعة، فضيحة مجلجلة. لكن الدقة تقتضي، في المقابل، القول ان جهة تتحمل المسؤولية أكثر من الثانية في تعميم الابتذال والانحطاط. فنظام «الممانعة» المحتضر في سورية ومشروع رعاته المتعثر في المنطقة، والخوف من التغيير الكبير المقبل، كشفت الخواء العظيم لاتباع القوى المذكورة وعرتهم من ورقة تين المقاومة وأظهرتهم على حقيقتهم: زمرة من مروجي الأكاذيب ومزوري الأحداث، لا هم لها ولا هدف غير الفوز في معركة سياسية – إعلامية، جائزتها السلطة. حتى بات كل كلام يصدر من هؤلاء عن فلسطين، يدعو الى الرثاء.

يعيدنا ذلك الى المربع الأول. إلى الارتباط العضوي بين وسائل إعلام سطحية وبين حياة سياسية مريضة. الى التحاق الصحافة (والثقافة تالياً) بالزعامات الطائفية الدموية التحاقاً ذيلياً ذليلاً. الى مكمن الخلل في الاجتماع السياسي اللبناني المبني على العصبية المناقضة دائماً لكل شكل من اشكال المصلحة العامة.

الحياة

ماذا لو فكر بعض اللبنانيين هكذا؟

حازم صاغية

جاء اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، ليثير أفكاراً وتأملات واقعية عدّة. لكنْ أيضاً ليثير فرضيات تخيّلية وظيفتها الوحيدة أن تجعل النقاش أغنى وأشدّ خصوبة في احتمالاته.

ومن هذا القبيل، لنفترض لوهلة أنّ بعضاً من اللبنانيين قرّروا إنشاء مقاومة مسلّحة في بلدهم يناصرون من خلالها الشعب السوري ونضاله ضدّ ما يسميه المعارضون السوريون احتلالاً أسدياً. هل يجد احتمال كهذا ما يكفي من مُسوّغات صلبة تسنده وتُديمه وتكون قابلة للدفاع عنها؟

أغلب الظنّ أنّ الجواب “نعم”، بل إن لم تكن “نعم” قاطعة. فالذين قد يقدمون على خطوة نوعية كهذه سوف يجدون في جعبتهم الكثير الذي يقولونه أو يحوّلونه إلى دعوة وعقيدة، ومن ذلك مثلاً لا حصراً:

– إنّ تاريخاً مشتركاً مديداً يجمع بين لبنان وسوريا وشعبيهما، وهو يمتد على عشرات السنين، إن لم يكن على مئاتها. وهذا معطوفاً على المصالح الاقتصادية المشتركة واللغة المشتركة والمصاهرات والصداقات الكثيرة، يبرّر للبنانيين التدخّل دعماً لـ”الإخوة” السوريين في محنتهم.

– باستثناء جزء صغير من الحدود اللبنانية هو ذاك الذي يفصلها عن الدولة العبرية، فإنّ باقي الحدود على امتداد كلّ من الشمال والشرق تجمع اللبنانيين بالسوريين. وهذا إنّما يعني أنّ ترك الأمور في دمشق على حالها الراهنة، والبالغة البشاعة، سوف ينعكس أسوأ الانعكاسات على لبنان نفسه أمناً واقتصاداً وسياسةً.

– إنّ الشعب السوري يتعرض اليوم لحملة دموية شرسة قتلاً وقصفاً بالطيران وتهجيراً وتدميراً واعتقالاً وخطفاً وإخفاء. ووضع رهيب كهذا لا يمكن السكوت عنه ولا الامتناع عن التدخّل فيه أو الحياد حياله، أكان ذلك لسبب أخلاقي بحت أو نتيجة للروابط والعواطف المشتركة التي تجمع سكّان لبنان بسكّان سوريا.

– إنّ مواطنين لبنانيين يقيمون في المناطق الحدودية يتعرّضون اليوم لعمليات عسكرية يشنّها جيش النظام السوري على نحو متواصل، وينجم عنها سقوط قتلى وجرحى ومعوّقين لبنانيين لا يكفّون عن التكاثر. وذلك فضلاً عن تهديم البيوت والعبث بالممتلكات، بل فضلاً عمّا يشكّله ذلك من تمادٍ فعلي في تجاوز السيادة اللبنانية وامتهانها على يد الجيش السوري.

– إنّ لبنانيين لا يُحصى لهم عدد عرّضهم النظام السوري للموت والتهلكة، أكان ذلك في مدينة طرابلس أو في البقاع أو في غيرهما من المناطق. كذلك فالنظام نفسه متّهم باغتيال عدد من السياسيين والصحفيين والضبّاط اللبنانيين ليس الرئيس رفيق الحريري أوّلهم وقد لا يكون العميد وسام الحسن آخرهم. وفي هذا المعنى فإنّ التدخّل في الشأن السوري يبرّره التدخل السوري، في أسوأ معانيه، في الشأن اللبناني.

– فوق هذا، وفّر القبض على الوزير السابق ميشال سماحة المحمّل بالمتفجّرات المهربة، وضلوع النظام السوري عبر بعض رموزه البارزين في عملية “سماحة” الإجرامية، دليلاً لا يخطىء على نوايا الحكم الأسدي حيال اللبنانيين. فلو كُتب لمخطّط سماحة أن يتحقّق لانفجرت في وجوههم كارثة إنسانية وسياسية وطائفية يصعب تقدير حجمها وأكلافها.

لكن الحجج الداعمة لإنشاء مقاومة لبنانية تقاتل ضدّ النظام في دمشق يمكن أن تذهب أبعد من ذلك: فالأوضاع الراهنة في سوريا يتأدّى عنها تهجير للسكان يطرح على لبنان واللبنانيين أعباء ومهمّات تتعدّى قدراتهم المتواضعة، وقد يتطوّر ذلك إلى مشكلة عويصة تتصل بالتوازنات اللبنانية الحسّاسة والمعروفة، ما يلحّ على ضرورة التدخّل للمساهمة في إنهاء هذا الوضع الشاذّ للبلد الجار. ونعرف أنّ حروباً كثيرة في العالم إنّما اندلعت في مراحل مختلفة لأسباب من هذا القبيل.

– ولمّا كان جزء عريض من اللبنانيين تربطه وحدة المذهب الديني مع غالبية الشعب السوري، جاز التدخّل لدعم هذه الأغلبية المضطهَدة على يد حكم طائفي وأقله لم يعد وصفه هذا كشفاً لسرّ.

– ثمّ إن السوريين يخضعون فعلاً لاحتلال مستمرّ منذ 1970، وما السلوك الهمجي في عنفه الذي يمارسه النظام حيال الشعب والبلد سوى تعبير عن خارجية ذاك النظام وعن احتلاليته. وهذا، تعريفاً، ممّا يحضّ على المقاومة ويستدعيها.

– ولمّا كان النظام في دمشق يلقى دعماً صريحاً وقوياً من أطراف إقليميين ودوليين كإيران وروسيا (والصين!)، فمن باب أولى أن تلقى الثورة السورية دعماً صريحاً وقوياً من “إخوة” لبنانيين ظلّوا حتى 1943 يشكّلون مع السوريين شعباً واحداً وبلداً واحداً.

قصارى القول إنّ فكرة كهذه ليست ضعيفة الإسناد، وهي تبقى في أوهى حالاتها أقوى من الحجج التي تقدّم في تبرير المقاومة التي ترتبط بـ”حزب الله”، مع هذا فهي، بالتأكيد، ليست فكرة للتحقيق، وهي لن تكون صائبة في حال تحقيقها لأنّه يُفترض باللبنانيين أن يكونوا متعاقدين على العيش معاً، وأن يتوصّلو إلى تسويات في أمورهم الكبرى يناط بالدولة تفعيلها والتعبير عنها. وغني عن القول إنّ اتّفاقاً كهذا يحصر بالدولة وحدها حقّ امتلاك أدوات العنف واستخدامها، كما يحصر بها وحدها قراري الحرب والسلام.

فإذا قرّرت كلّ واحدة من الفئات اللبنانية أن تتمسّك بما تعتبره مسوّغات مقنعة لإعلان حرب وإنشاء مقاومة، دخلنا في غابة كلُّ طرف فيها يقاتل الطرف الآخر. وفي مقابل الضاحية الجنوبيّة لبيروت تكون طرابلس، وفي مقابل هذا الزعيم يكون ذاك الزعيم، وهكذا دواليك. والحال أنّ الأمر ليس قصوراً في الحجج والأفكار، ولا في المعطيات والوقائع: ففي وسع الأرمن اللبنانيين أو الأكراد اللبنانيين مثلاً أن ينشئوا مقاومات ضدّ الأتراك مثلاً، وأن يطوّروا حججاً وجيهة تبرّر لهم وللعالم ذلك، ولربّما أتيح لهم بناء طائرة من دون طيّار تستطلع الجوّ والبرّ التركيين!.

وهذا ما لا يريد “حزب الله” اللبناني أن يسمعه مكرّراً، المرّة بعد المرّة، الحجج السقيمة إياها عن “ضرورة” تمسّكه بسلاحه ومقاومته. إلاّ أنّ هذه الطريق، فضلاً عن تخريبها كلّ أمن واستقرار ممكن، قد تفتح الباب واسعاً أمام خراب عميم.

الاتحاد

مجرد كابوس

يوسف بزي

لنقل ان مجموعة لبنانية مناوئة للنظام السوري ولحزب الله قامت في شباط من العام 2005 بتفجير موكب الرئيس إميل لحود. لا، لنقل ان مجموعة مرتبطة بتكتل «قرنة شهوان» قامت باغتيال النائب علي عمار. ولنفترض ان مجموعة محترفة تأتمر بأوامر فؤاد السنيورة قامت بتفجير موكب الرئيس نبيه بري وقتلته. واستمر مسلسل القتل هذا فتم اغتيال النائب السابق عاصم قانصوه ثم كمنت مجموعة مسلحة يشتبه بأنها تنتمي لحزب «القوات اللبنانية»، للنائب محمد رعد واغتالته رمياً بالرصاص.

لنتخيل ان عناصر تنتمي لحزب الكتائب، زرعت عبوات ناسفة وفجرتها في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي النبطية وصور وبعلبك.. أو ان مجموعة من الارهابيين يدعمها الرئيس سعد الحريري، تسللت من قلب «الطريق الجديدة» وحاولت تفجير مصعد النائب أسعد حردان. ولنقل ان النائب مروان حمادة ضبط في المطار وبحوزته مواد متفجرة وبين يديه وثائق تكشف عن مخطط اغتيالات وتفجيرات هنا وهناك.

لنتصور ثلة من الشبان، يشتبه بأنها تنتسب للحزب التقدمي الاشتراكي، قامت في وضح النهار بتفجير شارع بأكمله بقصد اغتيال النائب ميشال عون الذي تطايرت اشلاؤه جراء الانفجار.

واستكمالاً لهذا السيناريو الافتراضي، اشارت التحقيقات الى وجود أدلة وبراهين تثبت تورط مجموعة أمنية تابعة لـ«تيار المستقبل» في اغتيال ناصر قنديل، وفي محاولة اغتيال الأمين العام لحزب الله قنصاً..

ولنتخيل، ان مجموعات مسلحة من قوى وأحزاب ما يسمى «لقاء البريستول» (اذ ما من «14 آذار» في هذه الحال) قررت، اعتراضاً على مقررات الحكومة اللبنانية، اجتياح بيروت الغربية والأوزاعي واحتلال الضاحية الجنوبية. وفي مناسبة أخرى، قامت بالانتشار العسكري بقمصانها السود في مختلف شوارع العاصمة تهديداً بحرب أهلية لأن الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة العتيد، أفضت الى تكليف عبد الرحيم مراد تأليف الحكومة الجديدة.

ولنقل ان فريد مكاري، بوصفه نائباً لرئيس مجلس النواب، وبمعاونة من زملائه، اقفل مجلس النواب اقفالاً تاماً لمدة تزيد عن السنة ونصف السنة. وان «المعارضة» المؤلفة من «المستقبليين» و«القواتيين» و«الكتائبيين» و«الاشتراكيين»، منعت بقوى التهديد بالسلاح والفوضى تشكيل أي حكومة من دون مشاركتها بنسبة الثلث زائد واحد (اي القدرة على التعطيل او فرط الحكومة) وعندما تم لها ما ارادت، بعد اشهر من الشلل الذي ضرب الدولة والاقتصاد والخدمات، عمدت الى الاستقالة بغرض اسقاط الحكومة.

وتماشياً مع هذه الأحداث الفظيعة، التي ترتكبها هذه «المعارضة»، حليفة الصهيونية والامبريالية والمتعاونة مع جهاز الاستخبارات الاميركية والفرنسية والاسرائيلية والسعودية والقطرية، تآمرت أحزاب تلك «المعارضة» وأدخلت مئات من المقاتلين المتطرفين الى مخيم برج البراجنة الفلسطيني، وافتعلت حرباً دامية مع الجيش اللبناني، وفي مكان آخر اغتالت ضابطاً «رفيع المستوى» مثل امين حطيط، وقتلت رمياً بالرصاص قائد طوافة عسكرية بالقرب من معراب مثلاً.

لنتصور ان هذه المؤامرة استمرت، وحصدت الاغتيالات عدداً من الصحافيين والمثقفين الذين يعملون في الصحف والتلفزيونات الموالية لحزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي. ولنزعم مثلاً ان محاولات اغتيال فاشلة طالت الوزير علي حسن خليل ومحمد فنيش ووئام وهاب، وتشير الدلائل الى تورط مجموعة من اتباع كارلوس اده في هذه الاغتيالات. وأن مجموعة اخرى من أنصار دوري شمعون يشتبه بأنها وراء تفجير في الأشرفية أودى بحياة قائد «الأمن العام» اللواء جميل السيد. وفي هذه الاثناء وبعد اغتيال النائب سليمان فرنجية علقت احدى مذيعات تلفزيون المستقبل، على الهواء مباشرة: «عقبال قتل جبران باسيل».

هذا وقامت جموع حاشدة، موالية لتلك المعارضة، باحتلال وسط العاصمة وأقفلته كاملاً لمدة سنة ونصف السنة، عدا عن تحصينها لمناطق واسعة من لبنان بوصفها بؤراً أمنية لا يحق لأي قوة عسكرية شرعية او شرطة من الدخول اليها او التدخل في شؤونها. فيما وسائل إعلامها تهزأ من كل الاحتجاجات وتسخر من الأدلة الدامغة والبراهين وتقول ان هذه الاغتيالات ما هي الا «مؤامرة ايرانية» حيث يقوم «الحرس الثوري» بقتل حلفاء ايران بقصد اشعال فتنة والافتراء على اسرائيل!

على هذا المنوال يشعر حلف 8 آذار بالعجز والحيرة والغضب، خصوصاً وأن النظامين السوري والايراني يطلبان من حزب الله وحركة أمل و»التيار العوني» ان يتمسكوا بالوسائل السلمية وبالقضاء وبمطلب العدالة وان يظلوا على وفائهم لمقتضيات السلم الأهلي والنظام العام ولطلب الحقيقة، وكبح أعمال الشغب أو بعض المظاهر المسلحة التي تظهر بين الحين والآخر في بئر العبد أو حارة حريك، وأن يظلوا مخلصين لفكرة «بناء الدولة» ولمبدأ السيادة والانحياز للحرية والديموقراطية.

لكن السؤال الى متى ستظل 8 آذار صابرة على ما تقترفه قوى 14 آذار؟ متى ينتهي هذا الكابوس؟

المستقبل

دلائل عقلية منطقية تفكّ ألغاز جريمة الأشرفية واستشهاد وسام الحسن

دلال البزري

أولاً: اسرائيل. تسعة أسباب للإعتقاد بتورط اسرائيل في الجريمة:

1- «تاريخياً»، كل الفتن الحاصلة في ديارنا من صنع اسرائيل. تجتهد اسرائيل منذ عام ونصف في تفكيك سوريا، ها هي الآن ماضية في أحد أطوار تفكيك لبنان.

2- عشية تفجير الأشرفية ومصرع الشهيد وسام الحسن فيه، شنّت اسرائيل حملة إعلامية شرسة ضده، مباشرة أو بواسطة أبواقها المحليين.

3- عشية العملية نفسها، أيضا، بعثت اسرائيل للشهيد الحسن رسائل تهديد بالقتل، كانت مكشوفة إلى حدّ أنها صارت حديث الاعلامَين، المرئي والمكتوب؛ وتحولت بذلك الى واحدة من الأسرار المتفشية في ربوعنا.

4- السبب؟ ان الشهيد كشف عددا لا يستهان به من شبكات التجسس تعمل لصالح اسرائيل.

5- هذا وتواجه حكومة نتنياهو انتفاضة شعبية عارمة من المتدينين الرافضين للخدمة العسكرية، وقد هدد نتنياهو في بداية هذه الانتفاضة بأن «تدخل الغرب في اسرائيل سيؤدي إلى زلزال يحرق المنطقة». وها هو لبنان، «الملطشة»، تنفذ فيه أولى خطوات الهزة.

6- اسرائيل قتلته بذكاء، فضربت بذلك عصفورين بحجر واحد: انتقمت من كشف الشبكة، ومن ارسال طائرة من دون طيار الى داخل أراضيها… وها هي تبرهن أيضا أن بوسعها الضرب في العمق، وليس فقط التحليق بطائراتها في أجوائنا.

7- اسرائيل التي تندفع لخوض حربها ضد إيران، وتلجمها الامبريالية الأميركية، وتمتحن صبرها، رضيت بضرب أعداء أعدائها، سنّة لبنان، عبر اغتيال احد رموزهم. إذ أنها مثل تنظيم «القاعدة»، كما سنرى، تعتبر أن عدو عدوها هو عدوها.

8- اسرائيل ارتكبت هذه الجريمة، لأنها تريد توريط النظام السوري بها: قتلت الحسن لكي يقع الاتهام عليه. فلا ننسى انه، أي النظام السوري، يخوض حرباً ضد مؤامرة صهيونية امبريالية تستهدف «ممانعته» لهما.

9- هنا لا يمكن الا ان نجد بصمة الامبريالية المتعاطفة مع اسرائيل. فلو بقيت هذه الامبريالية على رفضها لتوجيه ضربة ضد سنّة لبنان، لكانت اسرائيل حافظت على أعصابها، كما تفعل الآن مع ايران… ولم تقم بتفجير الاشرفية.

ثانيا: تنظيم «القاعدة». ستة أسباب للإعتقاد بتورطه في الجريمة:

1- الاهتمام الجديد لتنظيم «القاعدة» بلبنان، في بيانات عديدة أصدرها، وضع بلادنا على خريطة «جهاده» المندلع الآن في سوريا، كما يزعم.

2- لم يصدر شريط فيديو، استشهادي، كالذي صدر يوم اغتيال الشهيد رفيق الحريري، عندما ظهر علينا المسكين أحمد أبو عدس يعترف بجريمته «دفاعاً عن الإسلام«.

3- دبّت الغيرة الإسلامية في قلب قادة «القاعدة» من الانتشار السلفي في لبنان، فدشنوا بعمليتهم هذه أولى فصول منافستهم للسلفيين على طريقتهم المعهودة.

4- كشف الشهيد وسام الحسن عن العديد من العمليات الارهابية التي خطط لتنفيذها في لبنان. ولا تُفهم الصفة «الارهابية» في المخططات إلا تلك التي تحضر لها «القاعدة»، وتنفذها أحيانا عندما تطول يديها…

5- اختارت «القاعدة» حيّ الاشرفية المسيحي، بدل أي حيّ آخر يقطنه المسلمون، السنة منهم والشيعة، لأن «الصليبيين» اينما وجدوا، هم هدفها الأول في العالم كله. ولأنها لا تعادي الشيعة، «الروافض». ضحت عمليا بـ»مسلم كافر» واحد مع مرافقه؛ وهذه جريمة زهيدة قياسا الى عهدها في الجرائم.

6- فالـ»قاعدة» قلبت المعادلة المنطقية لأرسطو، القائمة على القياس، والقائلة «عدو عدوي هو صديقي». هي تقول: «عدو عدوي هو عدوي». بناء عليه، وبما انها عدوة النظام السوري، فهي بالتالي بالضرورة عدوة المعسكر الذي يحاربه هذا االنظام في لبنان، والذي ينتمي اليه الشهيد وسام الحسن. فكان اغتياله لذلك ضرورياً، انتقاما من النظام السوري الذي لا يحارب غيرها…

ثالثاً: عشرة أسباب للإعتقاد بأن النظام السوري بريء من دم جريمة الأشرفية:

1- جريمة الأشرفية مؤامرة. وككل مؤامرة يستحيل إلا ان يكون وراءها الزوج الإمبريالي الصهيوني.

2- الجرائم الارهابية ليست أسلوب النظام السوري، ولا أسلوبه المعهود داخل سوريا ولبنان. ولا التهديدات بالقتل ايضا اسلوبه المعروف. تعرف أوجه هذا الأسلوب من معاملته لشعبه المأجور، الثائر ضده: بالشوْكة والمعلقة يعامله، من دون سكينة واحدة، حتى لو لم تكن «ماضية«.

3- لم يشن النظام السوري وأعوانه المحليين حملة ضد الشهيد الحسن، كما فعلت اسرائيل، ولا هدده بالقتل مباشرة أو بواسطة حلفائه.

4- القوات النظامية السورية «مرتاحة» الى وضعها في سوريا، حيث هناك ثورة عملاء مأجورين، أسكتها النظام بسهولة فائقة، بالحوار والاصلاحات؛ وها هو الآن يقطف ثمرة انتصاره. فلماذا يورط نفسه بهكذا جريمة خسيسة، بعدما اصاب اعداءه الخونة من أبناء الشعب السوري، باليأس من رحيله؟

5- النظام السوري يخوض حرباً ضد الارهاب؛ هذا يقين عنده. فهل ترى من المنطقي بالتالي أن يقوم بما يقوم به خصمه؟ فهل يعقل ان يرد عليه هذا النظام بأساليبه الإرهابية البشعة نفسها؟ حتى لو كانت الهجمة الارهابية مدعومة من الصهيوينة والامبريالية؟

6- هذه «الحرب على الارهاب»، التي يمسك بزمامها النظام السوري وينتصر، لم تفض الى شيء يُذكر على الحدود الدولية: لم تشتبك كتائبه مع القوات الاردنية ولا من بعدها مع التركية. ولا تعرضت الحدود اللبنانية الشرقية والشمالية لهذه الاندفاعة الوهمية. فكل شيء تمام، لأن الحرب تسير وفق الخطة المرسومة.

7- فمن بين هذه الحدود، اللبنانية منها هي الأقل استباحة. الاحترام الكامل لقرار اللبنانيين بحيواتهم كان نهج النظام السوري بالتعامل معهم، ولم تتغير حذافيره حتى اللحظة.

8- وسام الحسن هو الذي اغتال الشهيد رفيق الحريري. هذه هي وجهة نظر النظام منذ اللحظة الأولى لإرتكاب جريمة الأشرفية. (إعلام النظام غير الرسمي أعاد نشر فقرات من وجهة النظر هذه مباشرة بعد وقوع جريمة تفجير الأشرفية). بما انه، أي النظام، بريء من دم الحريري، فهو بالتالي بريء من دم الحسن. المقصود هنا ربما ان الذي قتله واحد من معسكر 14 آذار، أخذاً بثأر رفيق الحريري، ولو متأخراً.

9- حتى لو كان الحسن هو الذي كشف عن شبكة ميشال سماحة، فان النظام السوري لا يحمل ضغينة تجاهه. وسام الحسن كشف عن خطة ميشال سماحة، صحيح، ولكن التاريخ السياسي لسماحة لا يسمح أبداً بافتراض بأنه تلقى تعليماته من دمشق. وهذا ايضا منطقي جداً، بالرغم من الأدلة الدامغة… بعدما تخلى النظام عن ميشال سماحة، بسبب قلة حيلته، أو قلّة حظه، ونعته بـ»عميل في جهاز المخابرات الفرنسية»، اثر انكشاف خطته. فلما يقتل النظام وسام الحسن اذن؟

10- كلما وقعت جريمة اغتيال من هذا القبيل، يكون ضحيتها أحد رموز 14 آذار، تُتهم دمشق بالجريمة، وبتهم خشبية معلّبة. هل هذا معقول؟ ان تكون التهمة بهذه الجهوزية؟ الم يضجر المتّهِمون، بعدما أضجرونا؟

التقاطعات: نعم هناك تقاطع اسرائيلي سوري في الجريمة. وقوام هذا التقاطع ان اسرائيل طبعا نفذتها، ودمشق بيضت بذلك سجلها، ظهرت على حقيقتها التي كنا نحن الجاحدين، لا نريد ان نراها. الآن صارت واضحة كالشمس…

المستقبل

وسام الحسن.. قائد أمني لضرورات سياسية

ناصر زيدان

القاتل الذي استهدف اللواء الشهيد وسام الحسن بواسطة عبوة ناسفة في الاشرفية بعد ظهر 19/10/2012 يعرف تماما الدور الذي كان يضطلع به الحسن، ويدرك اهمية ما كان يقوم به من مهام، تشكل خطرا فعليا على مستقبل مخططات القتلة الذين تعودوا على التلاعب بسياسة لبنان بواسطة الامن عن طريق تنفيذ اعمال اجرامية، لها ارتدادات سياسية، على غرار التفجير المروع الذي ذهب ضحيته الحسن وعشرات الضحايا الآخرين.

رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي ليس بالموقع البسيط رغم الخلاف الذي دار ويدور حول شرعيته ومهامه، وهذا الخلاف كان بسبب دوره المميز الذي اضطلع به منذ ان ترأس الرئيس الشهيد رفيق الحريري حكومته الاولى عام 1992 ـ واعتبر الفرع الذراع الامنية لرئاسة الحكومة ـ وليس لدوافع قانونية.

اللواء وسام الحسن لم يكتسب دورا متقدما، وسمعة عالية، لأنه رئيس هذا الفرع فقط، فالرجل كان مسؤولا عن الامن الشخصي للرئيس الحريري الاب وللرئيس الحريري الابن، وقام بدور متشابه معهما تجاوز فيه مهامه الامنية، فمع الرئيس الشهيد كان وسيطا مع خصومه، وناقلا امينا لاهم رسائله الى الخصوم، والى الحلفاء، ومع الرئيس سعد الحريري تضاعفت مهامه، سواء في موقعه كرئيس لسرية امن رئاسة الحكومة او لاحقا كرئيس لفرع المعلومات، حيث كان يفاوض باسمه، ويجري الاتصالات، لاسيما مع حزب الله، وفي ترتيب زيارة الرئيس الحريري الى دمشق في العام 2010 بعد الزيارة المشتركة للملك عبدالله والرئيس السوري الى بيروت.

ومع التغيير الحكومي الذي حصل مطلع العام 2011، بعد ان تم اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، بفعل استقالة ثلث اعضائها من قوى 8 آذار، بقي الحسن في موقعه، على الرغم من الاستهداف المتواصل له من النظام السوري وحلفائه، لاسيما من العماد ميشال عون، والموضوعية تفرض الاشارة الى دور متقدم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولرئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط في حمايته، وابقائه في موقعه، واللواء الحسن كان صادقا في تعامله مع الرجلين، كما كان مخلصا الى ابعد الحدود مع المرجعية السياسية التي ينتمي اليها، وحافظ على علاقة متقدمة مع الرئيس سعد الحريري رغم حراجة موقفه.

وكان الحسن قائدا متفوقا، يعتمد عليه اصدقاؤه وخصومه في مهاراته المعلوماتية، وفي استشرافه الوقائي، وهو مرجع تقدم على نظرائه من معشر الامنيين، لأنه تعامل بوطنية عالية مع الملفات الحساسة، خصوصا في ملف المتعاملين مع العدو الاسرائيلي ـ وقد استفاد حزب الله والنظام السوري من انجازاته ـ وفي ملفات استهداف الامن اللبناني منذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مرورا بملاحقة الخلايا الارهابية وصولا الى كشف مؤامرة النظام السوري لتفجير الاوضاع في لبنان او ما يسمى شبكة سماحة ـ مملوك.

وزير خارجية تركيا داود اوغلو قال: ان الحسن كان عامل توازن اقليمي، والدول الكبرى المهتمة بلبنان سارعت الى اعتبار اغتيال الحسن بمنزلة الانكشاف الامني الاخطر، والذي قد يعرض البلد الى اهتزازات قد تخرج عن السيطرة.

وسام الحسن كان قائدا امنيا فرض نفسه ضرورة سياسية، فتقاطعت عنده الخصومات، وجمع التناقضات، وشكل جسرا للتواصل بين الاعداء حينا وضمانا لعدم تفلت الامور احيانا اخرى، عمل مع فرقاء حكومة 8 آذار والوسطيين، وكان بمنزلة وديعة لقوى 14 آذار في هذه الحكومة، لم يقطع مع الاصدقاء ولا مع الخصوم في ذروة التوتر، وكان له رأيه السياسي في القضايا الجوهرية، وليس تحذيراته الامنية فقط، ولعب دور الرافعة في تفعيل سمعة قوى الامن الداخلي حتى في الملفات الادارية والمسلكية.

الذي اغتال الحسن يعرفه تماما، ومتضرر من دوره في اعادة الثقة بالامن اللبناني، ويعرف القاتل ان بقاءه سيؤدي الى فرط كل السياسات الامنية التخويفية التي يعتمدها هذا القاتل المعروف، وهو اراد ايضا ان يصيب هدفين بتفجير واحد: التخلص من قائد امني فذ، واغراق لبنان في الفراغ والفوضى.

الأنباء الكويتية

اغتيال اللواء الحسن: حلقة في سلسلة واحدة

محمد مشموشي *

إذا كان من هدف وراء اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن (رتبتا «الشعبة» و «اللواء» منحتا لهما تكريماً بعد الجريمة) غير تصفيته جسدياً وإنهاء عمل جهازه مع كل ما حققه من إنجازات في الأعوام الماضية، فهو تعميم الفوضى وزرع الفتنة الأهلية التي طالما جرى التحذير منها منذ بدء الثورة السورية قبل حوالى تسعة عشر شهراً. وقد تحقق الهدف الأول، تصفية اللواء الحسن جسدياً، إلا أن ما لا ريب فيه أن السعي لتحقيق الأهداف الأخرى، والذي لم يتوقف في الفترة الماضية، لن يهدأ في المستقبل أيضا ما دام لبنان مدرجاً على قائمة «الرهائن» السورية – الإيرانية المخطوفة منذ عقود.

لماذا؟، لأن لبنان كان ولا يزال «نقطة القوة» شبه الوحيدة للخاطفين بالمقارنة مع تركيا والأردن وفلسطين، ولوجود «حزب الله» وترسانته العسكرية والسياسية والمالية فيه. وأكثر من ذلك، لأن تركيبة البلد الطائفية والمذهبية والسياسية أفسحت في المجال أمام النظامين السوري والإيراني للدخول في أعماق وبين تلافيف الخلافات والتناقضات والمنافسات بين السياسيين اللبنانيين وتمكنا، بهذه الوسيلة أو تلك (ترغيباً أو ترهيباً أو حتى اغتيالاً) من تحويلهم، أو بعضهم على الأقل، إلى أدوات تأتمر بأوامرهما وتلبي طلباتهما ولو على حساب مصالح لبنان… وبالتالي جعل البلد كله أشبه بالرهينة التي لا يفرج عنها إلا في مقابل فدية!.

اغتيال اللواء الحسن، على أهمية دوره في تفكيك لغز اغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيره من عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال السياسية، وأخيراً كشفه مؤامرة الوزير الأسبق ميشال سماحة ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي المملوك لزرع 24 عبوة ناسفة في شمال لبنان، لم يكن سوى حلقة في سلسلة واسعة ومتعددة الفصول شهدها لبنان من شماله إلى جنوبه وبقاعه وعاصمته خلال الفترة الماضية. وإذا كان اغتيال الحسن هدف، كما يقول البعض، إلى الانتقام منه بسبب اعتقاله الوزير سماحة بالجرم المشهود وتسجيل اعترافاته بالصوت والصورة، فلا شك في أنه لم يخرج أبداً عن الهدف الأول والأساس: الفوضى والحرب الأهلية في لبنان، تخفيفاً للحرب السورية في الداخل من جهة أولى، وتوسيعاً لها إلى الخارج بكل ما فيها من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية من جهة ثانية. لم يتحقق هذا الهدف في الفترة السابقة على رغم تعدد المحاولات وتنوعها، لكن الخطة بقيت على حالها وحتى على وتيرتها إلى درجة أن المبعوث الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي حذر اللبنانيين منها بجلاء وفي تصريح علني في آخر زيارة له إلى بيروت.

كانت هذه هي الحال، ولا تزال للآن، وفي ظلها حدثت جريمة اغتيال اللواء الحسن. ويجب القول إنه لولا تضافر الجهود في اللحظة الأخيرة، وعلى أكثر من صعيد محلي وعربي ودولي، ربما كانت حال الاحتقان الشعبي وانفلاتها في بعض المناطق عن الحدود قد صبت في النهاية في خدمة الهدف من عملية الاغتيال هذه، كما من غيرها من العمليات التي اكتشفت وأحبطت أو لم تكتشف وتحبط بعد. ذلك أن الجريمة كبيرة ومريعة بذاتها، فضلاً عن أن شعبة المعلومات واللواء الحسن شخصياً كانا يشكلان مظلة أمنية بالنسبة للكثير من اللبنانيين فيما بدا في المدة الأخيرة أن لبنان كله بات مكشوفاً على الصعيد الأمني، وتالياً فان المناخ الشعبي والسياسي كان مهيأ لردود أفعال غاضبة وحتى عنيفة يمكن أن تخدم المخطط المرسوم والهدف منه.

في جانب آخر، فالحكومة اللبنانية الحالية هي صناعة مشتركة بين سورية وإيران و «حزب الله» منذ انقلاب القمصان السود على حكومة الرئيس سعد الحريري و «اتفاق الدوحة» العربي– الدولي قبل ما يقرب من عام ونصف العام، كما أنها بتركيبتها وسياساتها وممارساتها المؤيدة للنظامين في دمشق وطهران تتحمل جزءاً كبيراً من وزر الاغتيال والنتائج التي ستترتب عليه، وإذاً فالمطالبة برحيلها مبررة وحتى واجبة من وجهة نظر قوى 14 آذار (مارس) وقطاع واسع من الشعب اللبناني.

كان هذا هو المشـهد في بيروت وطرابلس وغيرهما من المدن اللبنانية أيام السبت والأحد والاثنين في 20 و21 و22 تشرين الأول (أكتوبر)، وبدا في أحيان كما لو أن الشارع خرج عن السيطرة، أو أن القيادة نفسها لم تكن على قدر المسؤولية ووعي خطورة اللحظة، ليشيع الخوف من أن مخطط الفوضى وتصدير الأزمة السورية إلى لبنان قد نجح فعلاً أو يكاد.

حدثت أخطاء وتجاوزات من دون شك، بما في ذلك الهجوم على القوى الأمنية التي تحرس مبنى رئاسة الحكومة، إلا أن ما تكشف لاحقاً من إشاعات وأخبار كاذبة بثتها أجهزة إعلام ووزعها أشخاص من قوى 8 آذار (أبرزها رواية الشــاب الذي تحدث عن بتر أصابع يديه لمجرد أنه من الطائفة الشيــعية) أعاد التأكيد للمرة الألف بأن لبنان لا يزال في عين العاصفة الســورية، وبأن نظام بشار الأسد الذي خسر ميـــشال سماحة لديه في الواقع العشرات من أمثاله الذين يستطيع استخدامهم متى وكيف وأنى يشاء. ومن هنا، فليس إلا ساذجاً من يظن أن اغتيال اللواء وسام الحسن كان حدثاً معزولاً عما سبقه من أحداث أمنية على مساحة الأراضي اللبنانية في خلال الشهور الماضية، ولا طبعاً عما سيليه غداً وبعد غد.

لكن الأهم أن لبنان ليس استثناء بالنسبة للنظام السوري، ولا بالنسبة لـ «الحرب الكونية» التي يخوضها كما يقول. فقد حاول في كل من تركيا والأردن أيضاً، لكنه لا يملك في الدولتين، كما لا تملك حليفته إيران، ما يملكه عملياً في لبنان: حكومة من صنعه هي حكومة نجيب ميقاتي، وجيشاً كامل العدة والعدد هو «حزب الله»، فضلاً عن شبكة من المخبرين والأدوات والعملاء تحت أسماء ومسميات مختلفة.

… وهل من يظن بعد أن مأساة لبنان هذه يمكن أن تنتهي ما لم يزهر الربيع العربي كاملاً في سورية؟.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

لبنان بعد اغتيال رئيس المخابرات وسام الحسن، لبنان أسير لدى النظام السوري

بعد الانفجار الذي أودى بحياة اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات (المخابرات) في قوى الأمن الداخلي اللبنانية أصبحت جميع الدلالات في بيروت تشير إلى اقتراب العاصفة وكذلك ازدياد المخاوف من وقوع حرب أهلية. كريم الجوهري في تعليقه التالي على آخر التطوّرات.

كان انفجار سيَّارة مفخخة هزَّت موجة ضغطها السياسي جميع أنحاء لبنان والدول المجاورة. وعندما انفجرت هذه السيَّارة المفخخة في يوم الجمعة ومزَّقت رئيس المخابرات اللبنانية وسام الحسن أشلاءً، اتَّضح بسرعة أنَّ عواقب هذا الاعتداء قادرة على جعل الوضع المتوتِّر أصلاً في المنطقة يخرج تمامًا عن السيطرة. لن تكون هذه هي المرَّة الأولى التي تبقى فيها عملية اغتيال كهذه في لبنان من دون أن يتم الكشف عن مرتكبيها. ولكن هنا لا تكمن المادة المتفجِّرة في الوقائع المحيطة بالهجوم وغير المعروفة حتى الآن، بل في الإدراك. وحتى الآن لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن هذا الهجوم ولا تتوفَّر كذلك أية أدلة على مَنْ يقف وراء هذا الاغتيال، ولكن في الكشف عن الدوافع تشير الكثير من أصابع الاتِّهام إلى النظام السوري.

بدأ رئيس المخابرات اللبنانية وسام الحسن في فصل الصيف تحقيقًا أدَّى إلى اعتقال وزير الإعلام اللبناني السابق الموالي لسوريا ميشال سماحة المتَّهم بتهريب متفجِّرات إلى لبنان بتكليف من النظام في دمشق. ويعتقد الكثيرون أنَّ عملية اغتيال وسام الحسن يمكن أن تكون عملاً انتقاميًا. ولكن هذه مجرَّد تخمينات سطحية. ومن المحتمل أيضًا أنَّ هذا الاعتداء هو رسالة من دمشق مفادها أنَّ “النظام السوري يستطيع في أي وقت إشعال لبنان بين ليلة وضحاها، إذا شعر أنَّ الخناق قد ضاق عليه كثيرًا”. وهذا نوع من التحذير مفاده إذا سقط النظام السوري فعندها سيسقط معه لبنان.

تشييع جثمان وسام الحسن في بيروت وأعمال عنف وأمَّا الدافع الثالث لبشار الأسد من الممكن أن يكون حركة كلاسيكية تكتيكية. إذ تسود منذ عدة أشهر بين النظام والثوَّار في سوريا حالة أزمة. والنظام في دمشق لم يعد قادرًا على إعادة الوقت إلى الوراء كما أنَّ الثوَّار غير قادرين على إسقاط النظام دمشق المستبد. وهنا من الممكن أن يرى الأسد مخرجًا في التصعيد. وربما يعتقد أنَّه من خلال زيادته التصعيد وهذه المرّة في لبنان، سيجعل الأزمة السورية أكثر إلحاحًا على المستويين الإقليمي والدولي، وسيحل كلّ شيء بسرعة وليس من دون النظام، بل مع النظام. ومثلما ذكرنا فإنَّ هذه محاولة للوصول إلى الجاني من خلال البحث عن الدوافع، إذ لا توجد أية أدلة، تمامًا مثلما لا يستطيع النظام السوري إثبات عدم علاقته بهذا الاغتيال.

من الممكن أن يكون لكلِّ ذلك عواقب وخيمة بالنسبة للبنان بالذات. فكلما ازداد هذا الصراع دموية في سوريا المجاورة، كلما زادت احتمالات وقوع حرب أهلية في لبنان. وذلك لأنَّ الأوضاع السياسية وكذلك الطائفية متشابهة في كلا البلدين. حيث أنَّ النظام السوري وكذلك الحكومة الائتلافية اللبنانية المنتخبة ديمقراطيًا والتي يهيمن عليها حزب الله لديهم هدف واحد، تمامًا مثلما يشترك الثوَّار في سوريا مع المعارضة اللبنانية في الهدف نفسه. وإذا كانت سوريا تشهد منذ عدة أشهر أزمة عسكرية بين الطرفين، فإنَّ لبنان يعاني من حالة شلل منذ عدة أعوام بسبب الأزمة السياسية السائدة بين التيارين. تزيد حالة الاستقطاب هذه في كلا البلدين أيضًا من خلال رعاة إقليميين ودوليين.

دمار وأضرار هائلة خلفها تفجير الأشرفية في بيروت الشرقية وفي حين أنَّ النظام في دمشق وحزب الله في لبنان يحصلان على الدعم من إيران، فإنَّ الثوَّار السوريين والمعارضة اللبنانية يدورون في مدار المملكة العربية السعودية والولايات المتَّحدة الأمريكية السياسي. وهذا التشابك يجعل الأزمة أكثر إلحاحًا، وكذلك يجعل الحلّ أكثر صعوبة ويؤدِّي إلى جعل لبنان أسيرًا لدى النظام السوري. ولكن القوة المضادة الوحيدة المطمئنة تكمن في تجارب قسم كبير من اللبنانيين وذكرياتهم من الحرب الأهلية الدموية التي استمرت خمسة عشر عامًا – هذه التجربة التي لا يريد الكثيرون تكرارها، كما أنَّ الأمل الوحيد حاليًا هو ألا يسمح اللبنانيون هذه المرِّة بجرِّهم إلى الدوامة.

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

نظام “أنا أقتل إذاً، أنا موجود

خيرالله خيرالله

هل يحاول النظام السوري توجيه رسالة فحواها انه لا يزال قويّا وانه لم يتغيّر شيء في سوريا؟ ربّما كان الامر كذلك مع نظام رفع شعار “انا اقتل، اذا انا موجود”.

من يتمعّن في جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي اللبنانية يكتشف ان بشّار الاسد ضلّ الطريق مرة اخرى. يضلّ رأس النظام السوري الطريق باستمرار، لكنّ الثمن يدفعه دائما ابرياء من اللبنانيين والسوريين لا علاقة لهم بالارهاب ولكن بمكافحة الارهاب والتصدي له حتى لو كلّفهم ذلك حياتهم، كما حال وسام الحسن.

مرّة اخرى تكون الضحية مواطنا لبنانيا وعربيا شريفا حقّا يعتقد هذا النظام ان اغتياله بواسطة ادواته اللبنانية المعروفة جدّا سيخرجه من ازمته. ازمة النظام السوري في 2012 ليست مع اللواء وسام الحسن مثلما انهّا لم تكن في العام 2005 مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وبقية الشهداء والشهداءالاحياء. كانت هذه الازمة ولا تزال مع الشعب السوري. انها ازمة نظام لم يمتلك يوما اي شرعية من اي نوع كان، نظام يعتقد انّ في استطاعته الانتصار على شعبه الى ما لا نهاية.

بعد وسام الحسن، سيقتل النظام السوري آخرين في لبنان. لم يفعل النظام شيئا غير ذلك منذ بدأ صعود حافظ الاسد في اتجاه الاستحواذ على السلطة كلها في سوريا الحبيبة في العام 1966. لم يتوقف حافظ الاسد بصفة كونه وزيرا للدفاع بين 1966 و1970، اي انه كان وزيرا للدفاع في عام الهزيمة التي خسرت فيها سوريا الجولان، عن ارسال الاسلحة الى لبنان بهدف تفجير الوضع فيه. كان همّه محصورا في القضاء على التجربة اللبنانية التي يعتبرها العقبة في وجه وضع يده على سوريا عن طريق القمع والقتل ونشر ثقافة الرعب.

بعد مرحلة اغراق لبنان بالسلاح الذي كان يتدفق من الاراضي السورية على الميليشيات المحلية مسيحية واسلامية، لا فارق، وعلى الفلسطينيين، باشر النظام السوري مرحلة الاغتيالات. كان كلّ همّ حافظ الاسد محصورا في احراق لبنان. لم يتردد في اغتيال كمال جنبلاط عندما فهم الزعيم الدرزي ان عليه اقامة جسور حوار مع اللبنانيين الآخرين وعندما استوعب، متأخرا، ان مشكلته ليست مع المسيحيين بمقدار ما انّها مع النظام السوري الذي يريد تحويل لبنان الى “سجن كبير” على غرار ما فعله في سوريا ابتداء من العام 1970 وحتى قبل ذلك.

اغتال النظام السوري آلاف اللبنانيين. اغتال كلّ من تجرّأ على رفع رأسه والعمل من اجل لبنان العربي السيّد الحر. اغتال، بين من اغتال، المفتي حسن خالد واغتال رئيسين للجمهورية هما الشيخ بشير الجميّل ورينيه معوّض واغتال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما مستخدما ادواته المحلية التي لا تزال، الى الآن ترفض تسليم المتهمين بتنفيذ الجريمة.

لا وجود لاسرار في لبنان. كلّ لبناني يعرف من اغتال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميل وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد. كلّ لبناني يعرف من اغتال كلّ هؤلاء الشهداء ومن حاول اغتيال مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق.

كان وسام الحسن يعرف تماما انه على درب الشهادة. كان يجيب الذين يعرفونه عن قرب لدى سؤاله: كيفك؟ بكلمة واحدة هي “بونوس”. كان يعرف ان كلّ يوم عاشه منذ اغتيال رفيق الحريري هو يوم زائد في عمره. اكثر ما كان يعرفه ان كلّ من يمس بشكل جدّي الملف المتعلق باغتيال رفيق الحريري سيقتل. كان يعرف تماما المصير الذي ينتظره، لكنّه لم يتراجع او يتردد على الرغم مما حلّ بالرائد وسام عيد الذي دفع ثمن تفكيكه رموز الاتصالات الهاتفية التي قادت الى معرفة من وراء اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.

مرة اخرى، لا اسرار في لبنان. الجريمة واضحة وابطالها معروفون. الجديد في سوريا وليس في لبنان. بات الشعب السوري يعرف قبل غيره اين المشكلة الحقيقية وأنّ الف اغتيال في لبنان وسوريا لن تخرج النظام من ازمته. اللعبة باتت مكشوفة والسؤال اكثر من واضح. هل يمكن لنظام الانتصار على شعبه؟ كلّ تجارب التاريخ تؤكد استحالة تحقيق مثل هذا الانتصار.

في انتظار رحيل النظام السوري، سنشهد مزيدا من الجرائم التي تؤخر ولا تقدّم. كلّ ما في الامر انّ على الرئيس بشّار الاسد ان يفهم ان شعبه يرفضه وان ليس في امكانه حلّ ازمة النظام لا عن طريق اغتيال رفيق الحريري ولا عن طريق اغتيال وسام الحسن.

مشكلة النظام السوري في مكان آخر، لا يفيد معها اللجوء الى اشخاص مثل ميشال سماحة لتنفيذ تفجيرات في شمال لبنان السنّي او الاستنجاد بميشال عون لايجاد غطاء للجرائم المرتكبة عن طريق الحديث عن تطرّف سنّي وما شابه ذلك. مشكلة النظام السوري مع الشعب السوري اولاً واخيرا ولا يمكن معالجتها بجريمة من هنا واخرى من هناك… ولا بحكومة يشكلها “حزب الله” ويضع على رأسها نجيب ميقاتي بهدف واحد وحيد هو اذلال اهل السنّة والمسيحيين.

ساعة الحقيقة تقترب ومحاولات تفجير لبنان وقتل العرب الشرفاء ستستمرّ. ولكن في نهاية المطاف، لن يصحّ الاّ الصحيح، ذلك انّه آن اوان كشف الشعب السوري لتلك الكذبة الكبيرة التي اسمها النظام السوري!

المستقبل

وسام الحسن تجرأ ووصل إلى منبع الشرور

د. نقولا زيدان

هل أصحبنا أمام الجدار الأخير! وذلك لأنهم هم، بكل ما أوتو من مخططات القتل والدم المسفوح والحقد الظلامي الذي ينضح من قلوبهم الميتة المشبعة بروح الثأر والكراهية السوداء، ينصبون ويعلون الجدران.

لماذا أنتم مصرّون على قتلنا وذبحنا الواحد تلو الآخر؟

لم نعد نطيق ونحتمل السير في مواكب أشلاء فلذات قلوبنا وجثامينهم المتفحّمة الى القبور. نرجوكم ونناشدكم ألا تكرهوننا على الانجرار الى الحرب.

لقد تطايرت دماء واشلاء جبران التويني من المكلس الى الحازمية عبر الوادي السحيق تماماً كما تناثرت أشلاء ونتف جسد وسام البطل لتنزرع على أسطح المنازل والبيوت على جانبي ذلك الزقاق الضيق قرب ساحة ساسين.

آه! يا وليد عيدو وفلذة كبدك كيف تفحمت أوصالكما في المنارة وأنتما في غفلة عما حاكته لكما القوى الظلامية من موت زؤام.

كيف تجرأوا يا “بيار” وكمنوا لك في وضح النهار في ساحة الجديدة فأمطروا محياك الطيب بوابل من رصاص الضغينة الأسود، لأنك كنت تستنهض كتائب لبنان.

لم يرعو جورج ولم يبع حزباً ولا موقفاً ولا ضميراً ثورياً أصيلاً سكرت به عروقه من شرايين “السنديانة الحمراء” فجندلته أمام داره يد الجريمة المنظمة المرسلة له خصيصاً من دمشق. هذا وكان هسام هسام بين الجمهور المحتشد يراقب المشهد الدموي.

لقد ذهب بعيداً سمير قصير في محاضراته الجامعية ومقالاته الجسورة عن “ربيع دمشق” فمزقت ربيع شبابه عبوّة ظلامية لا تطيق إشراقة “النهار”.

تفانى فرانسوا الحاج في التصدي ببسالة للقوى الظلامية التي أرسلوها زوراً في غياهب الليل تحت راية فلسطين، فمزقت جسمه الطاهر عبوة ظلامية، ففشل فرانسوا وتوارى شاكر العبسي عن الأنظار.

لماذا تجني الأمهات على أولادهن لتنجب احداهن من عكار ضابطاً مهندساً فذاً نابغة في الرياضيات والحواسيب استطاع بقدرة وكفاءة مذهلة فك رموز الطلسم الخليوي الذي دبّر وأحاط ونظم وتابع اغتيال شهيدنا الأكبر رفيق الحريري باني استقلال لبنان الجديد.

إن الظلاميين يعدون أحياءنا وقتلانا، كم أصبح عددنا في البرلمان فاختارت يد الجريمة وحلفاؤها عندنا رجلاً دمثاً محباً فلحق انطوان غانم بركب الشهداء.

كانوا يبحثون عن الدماغ والرأس المدبّر والرئيس الفعلي المخطط والمنفذ والساهر الذي لا يخلد الى النوم ولا يعرف الدعة والاستقرار والراحة، فلبنان هو شغله الشاغل في عقله وقلبه وكل خلية حية من خلايا منكبيه العريضين وجسده العابق بأريج خشب الأرز، وكانوا يعلمون حق العلم من هو ومن أية طينة من الرجال هو، بل من أية صخرة صلدة قد قدت شخصيته الفذة.

ذنبه انه فكك عشرات شبكات عملاء اسرائيل من مخبرين وعيون وآذان ثم استدار نحو الأصابع السورية الظلامية بكل ما تملك عندنا وبيننا ما راكمت على امتداد عقود من روح الهيمنة والوصاية والتدخل والتلاعب والمشاغلة وإثارة المتاعب وابتداع صراعات الطوائف والمذاهب، فلبنان عند النظام الأسدي الفاشي الدموي ليس سوى المزرعة الخلفية لبلاط الصنم المتجلبب بعباءة الجماجم والحديد والنار. فكان هذا ذنب وسام الحسن الذي لا يغتفر.

لقد قصمت شبكة ميشال سماحة ظهر وسام الحسن عندما أدلى بطلها باعترافات مذهلة طاولت الغرفة السوداء بأركانها القتلة المملوك بثينة شعبان بشار الأسد نفسه حليف الظلاميين الايرانيين وامتداداتهم في لبنان. والأنكى أن سماحة متورط حتى العظم، فالاثباتات دامغة بالصوت والصورة، والقد والقديد. فالرجل كان ينقل من المتفجرات الهائلة العصف ما يكفي لتدمير جزء من لبنان، هذا ما عدا تداعيات جرائمه لو حدثت ونجحت على كافة المستويات.

أفقد وسام الحسن الظلاميين والاسرائيليين صوابهم فانعقد مجدداً التحالف الذي لم ينقطع يوماً القاضي بضرورة قتله بأقصى سرعة، فقد أصبح البطل هدفاً محلياً واقليمياً في آن معاً. ألم يكفِ هذا الرجل كشفه قتلة الرئيس الحريري؟

ألم يكفِ إحاطته وسهره على أمن لبنان؟ كيف يجرؤ على التطاول للوصول الى منبع الشرور ومصدر كل متاعب وآلام لبنان ذلك التابع المتربع فوق رقاب الشعب السوري الذي يصدر أحكام الاعدام على شعب بأكمله وما زال يسعى ما أوتي للامساك مجدداً بأهل لبنان بالقتل والعصف والدمار.

يوم الخميس في 18 تشرين الأول سار وسام الحسن على قدره عبر مطار بيروت وما أدراك ما أصبح عليه المطار، ويوم 19 عند الثالثة من بعد الظهر تحول البطل إلى نتف وشظايا، حتى يبقى ويحيا لبنان.

كفى أيها القتلة! فعلاً كفى!

المستقبل

الأزمة السورية فى لبنان

عبدالله الاشعل

توشك لبنان أن تنزلق إلى حرب أهلية، وهذه المرة بين الموالين للنظام، والموالين للثورة فى سورية، ولبنان بلد مرهف اجتماعيا وسياسيا وطائفيا؛ ولذلك فإن اشتعال النار فيه لن يقف بسهولة. وكلما تابعت الأحداث المتسارعة فى لبنان، استعدت صورة لبنان الجريح لما يزيد على عقد ونصف العقد من الحرب الأهلية، كان فيها الكل ضد الكل، وكان القتل على الهوية الدينية والسياسية، فى حالة سرطانية، أتت على الأخضر واليابس، ولم تفلح كل الجهود الدولية فى وقف هذه الحرب المجنونة. كان ذلك فى عام 1975 وظلت الحرب مشتعلة، وكان يراد لها أن تقضي على لبنان، وأن تصفى فيها حسابات، وأن ترسم بعدها خرائط، وتورطت فيها أطراف دولية وإقليمية، وكان الجهد العربي متواضعا فى وقت كانت المنطقة العربية بعد التقارب المصري الإسرائيلي قد دخلت فى تقاطعات كثيرة. ففي الفترة من 1975 حتى 1989 تاريخ مؤتمر الطائف فى المملكة الذى أنهى رسميا الحرب الأهلية، وجمع كل الأطراف اللبنانية لرسم خريطة لبنان بعد الحرب، وقعت عشرات الأحداث، وظهرت عشرات المحطات فعلى الجبهة الإسرائيلية العربية كانت سورية قد وقعت اتفاق فض الاشتباك في الجولان، مما مهد لأن تسند القمة العربية فى الرياض إلى سورية مهمة التدخل فى الساحة اللبنانية عام 1976 وهو ما مهد بدوره لوجود عسكرى سوري فى لبنان.

كانت المقاومة الفلسطينية طرفا فى الحرب الأهلية، وهو ما سمح لإسرائيل أن تتفرغ لإشعال الساحة اللبنانية، فتحرشت بالمقاومة عام 1981، وضربت المفاعل العراقي فى نفس العام فى الوقت الذى كانت جهة جهنمية أخرى قد فتحت وهى الحرب العراقية ــ الإيرانية . فى عام 1982 احتلت إسرائيل بيروت فى أول سابقة لاحتلال عاصمة عربية. الاحتلال الإسرائيلى لبيروت أدى إلى رحيل المقاومة الفلسطينية من لبنان، والتطور الثاني هو نشأة حزب الله، وبداية الدور الإيراني فى الملف الفلسطيني، وظهور المقاومة اللبنانية فى لبنان بديلا عن المقاومة الفلسطينية وما أحدثته من تعقيدات مع الدولة والمجتمع فى لبنان.وأما التطور الثالث فهو استمرار الوجود العسكري السوري، وفي غضون هذه التطورات جميعا تركت إسرائيل مع الكتائب جرحا غائرا بمذبحة صبرا وشاتيلا. فى الساحة اللبنانية خسر اللبنانيون وخسر الفلسطينيون وخسر السوريون.

عكاظ

لبنان وبداية الانزلاق في الوحل السوري

عبد الكريم رضا بن يخلف

لا شك أنه بعد توالي الضربات على النظام السوري، تكاثرت جروحه، فما عاد ببال النظام السوري إلا المقولة الشهيرة ‘المصيبة إذا عمت هانت’، ومقولة ‘علي وعلى أعدائي’، لا نبيح سرا ولا نخرق عادة عندما نقول أن النظام السوري هو المستفيد الأول من اغتيال اللواء الراحل وسام الحسن، فوجود هذا الأخير عطل الكثير من مشاريع النظام السوري السياسية في لبنان، زد على ذلك أن اللواء الراحل له يد طولى في مساعدة المعارضة السورية بطريقة غير مباشرة، ولقد كان الكشف عن شبكة الوزير ميشال سماحة وعلاقتها باللواء علي مملوك الرجل القوي للاستخبارات السورية، قد سرع في إصدار قرار إعدامه.

كما لا يشك أن اسرائيل هي المستفيد الثاني من حالة الفوضى المستشرية بلبنان، فلا يخفى على مراقب أن لبنان المتفرق، لبنان المتخاصم المتقاتل هو الحل لكثير من هموم إسرائيل الأمنية والإستراتيجية، قتل اللواء الحسن، إسقاط لعصفورين بحجر واحدة، يقضي على عدو شرس ساهم في الكشف على الكثير من الشبكات التجسسية، وإلقاء القبض على عناصر فعالة في المنظومة الإستخبارية الإسرائيلية، وفي نفس الوقت يزرع الفتنة ويضعف العدو الذي كان سببا في تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي، ويخلط الأوراق السياسية في المنطقة.

لذلك لما سئل رفيق اللواء الراحل في الدرب وصديقه القديم اللواء أشرف ريفي عن الجهات التي يحتمل أن كانت وراء اغتياله فأجاب: ‘إن الفرضيات الأمنية-السياسية قائمة وفق الترتيب التالي، 1- أن يكون الاغتيال ردا على اعتقال الوزير ميشال سماحة، 2- طابور خامس يهدف إلى إحداث فتنة، وكشف البلد أمنيا، 3- أن يكون الاغتيال ردا على توقيف العميد الحسن شبكات التجسس الإسرائيلية، 4- أن يكون ردا على كشف العميد الحسن على الشبكات الإرهابية’. ويبدو أن الاحتمال الأول هو أكثر الاحتمالات ورودا عند المحللين ودوائر الاستخبار، دون أن نهمل الاحتمالين الثاني والثالث الذين لا يقلا أهمية في اقتفاء أثرهما والبحث عن فرضيتهما.

اللواء الشهيد، صاحب 43 سنة، غادر الحياة غدرا في مرحلة عصيبة من تاريخ لبنان والمنطقة، الذي كان يصطاد عملاء إسرائيل، وعملاء سوريا، وعملاء القاعدة، اصطيد في عز عطائه، وقمة حركيته وعنفوان شبابه. قتل والمنطقة برمتها في فوهة بركان يكاد ينفجر في أي لحظة، ليجر معه الأخضر واليابس، كما حذر من ذلك المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي.

تمنينا أن المشاحنات في لبنان أو في سوريا أو في المنطقة بأسرها بقت سياسية أو حتى عسكرية، ولم تصل إلى الطائفية، وهنا مكمن الخطر، وهذا سلاح الدمار الشامل الذي كان ينبغي أن يحضر. إن الطائفية أكبر عيب اقترفه النظام السوري، وهي ذرة فنائه وتلاشيه، كما أن الطائفية هي أكبر انحراف وقعت فيه بعض الأطراف من الثورة السورية، والسبب الرئيسي في تأخر انتصارها.

أولى بأهل المنطقة أن يجدوا أرضية مشتركة، وكلمة سواء بينهم، وأن يريحوا أنفسهم والأجيال التي ستأتي من بعدهم، من كابوس الحرب والدمار، أقصى ما سيصلون إليه بعد حروبهم الطائفية، أن يبحثوا في النهاية عن حل سياسي، وقاسم مشترك ليسترجعوا أنفاسهم،. فليسقط الظالم سنيا كان أو شيعيا، وليخسأ المجرم درزيا كان أو من الطاشناق، وليلعن الطاغي علويا كان أو مارونيا.

‘ كاتب صحافي جزائري

القدس العربي

المنطقة… وأيام سود!

جميل الذيابي

تفجير. تدمير. تصفية حسابات. تصفية زعامات. اغتيالات. حلفاء وفرقاء. موالاة ومعارضة. 8 آذار في مقابل 14 آذار. طوائف ومذاهب وتكتلات سياسية. في لبنان البلد الصغير في المساحة والموارد، ترتفع النبرات وتعلو الأصوات وتتعارك على أرضه استخبارات دول عربية وإقليمية وغربية، ووحدها المتفوق مخابرات «حزب الله» الساعية في الأرض طولاً وعرضاً لتحقيق مصالح سورية وإيران على حساب سيادة الوطن.

بعد عملية التفجير في «أشرفية» بيروت، سارع نظام بشار الأسد و«حزب الله» قبل غيرهما إلى إدانة عملية التفجير، في تطبيق دقيق للمثل العربي «قتل القتيل ومشى في جنازته.. ينوح»!

وصف نظام الأسد التفجير الذي راح ضحيته قتلى وجرحى، بعمل «إرهابي جبان»، وكأنه لا ينحر الأطفال ويقتل النساء وينفّذ مجازر يومية ضد أبرياء في بلاده. فيما عبّر «حزب الله» عن «إدانته الشديدة للجريمة النكراء والبشعة، باعتبارها محاولة آثمة لاستهداف الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية»، داعياً الأجهزة الأمنية والقضائية إلى استنفار أقصى الجهود والطاقات لوضع اليد على الجريمة وكشف الفاعلين وتقديمهم للعدالة.

من يقرأ لغة «حزب الله» يجزم بأن الحزب يتعاون مع شعبه لحفظ الأمن والاستقرار وصون السلم الأهلي وحماية الوحدة الوطنية! من يتمعّن في بيان الحزب، يشعر بأنه يتعاون مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، ولم يرفض تقديم المتهمين متحدياً مطالب بلاده والعدالة الدولية. ولم يخرج شباب «القمصان السود» لتهديد كل لبنان واجتياح بيروت في 2009. من يسمع السيد حسن نصرالله لا يشك بأنه من يرفض «طاولة الحوار» بشأن التفاوض على نزع السلاح، وليس هو من يرفض أيضاً فك تحكم حزبه «الإلهي» بشبكة الاتصالات في مطار بيروت.

لكن، لماذا تم اغتيال العميد وسام الحسن «رجل الظل الخجول في زمن الغموض السياسي» كما وصفته قناة «أم تي في» اللبنانية أو «كاشف الاغتيالات» كما وصفته «الحياة»؟!

وفق شهادات اللبنانيين دخل الحسن خلال السنوات الخمس الأخيرة مرحلة الخطر بكشفه كثيراً من التجاوزات، وأن عين «القتلة» كانت ترقبه وتنتظر القصاص والخلاص منه، لكونه شكّل هاجساً مزعجاً للقتلة والمجرمين، لكشفه مجموعة من الجرائم بعد الانسحاب السوري، ولفضحه شبكات تجسس إسرائيلية عدة. وكان هدفاً واضحاً بعد إفشاله مهمة الوزير السابق ميشال سماحة لإحداث تفجيرات واغتيالات في لبنان بالاشتراك مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك.

بعد هذه الجهود الوطنية التي جنّبت لبنان هزات أمنية عدة، كان لا بد للقاتل أن يغتال الحسن لتلك الأسباب، إضافة إلى أسباب طائفية وأمنية أخرى لم يعد يحتملها، فقد كان الرجل من أكثر القادة الأمنيين اللامعين والمخلصين لبلاده، إذ كان يقضي جل وقته في العمل لحماية أهله وكشف المخططات وإحباطها قبل تنفيذها.

أراد القاتل وفق نوعية التفجير وطريقة تنفيذ عملية الاغتيال، إيصال برقية عاجلة للداخل اللبناني بقصد ترويعه وإفهامه أن كل لبنان تحت المقصلة، وأن البلاد ستجر إلى مصير مجهول وفوضى وفتنة طائفية تتشابك مع فتنة إقليمية تحاك في الخفاء والعلن لإراقة المزيد من الدماء البريئة.

الحقيقة، أن لا عزاء لمن ينتظرون حلولاً من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف حمام الدم في سورية أو لبنان، طالما القتلة طلقاء والطغاة ينفّذون الجرائم ويستنكرون ويتباكون مثل غيرهم.

لا يزال الأطفال ينحرون والنساء والأبرياء يقتلون بدم بارد في سورية يومياً والعالم يتفرج ويستنكر فقط، وأخيراً نجد المبعوث الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي «الفاشل في مهمته بعد فشل سلفه»، يقول خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت: «إذا قلّ عدد الذين يدفنون في أيام العيد في سورية سيكون بداية الخروج من الوضع الخطير الذي انزلقت إليه، فنستطيع أن نتكلم مع الأطراف الداخلية والخارجية لمساعدة السوريين لإيجاد حل لمشكلاتهم».

كيف يمكن لمبعوث سلام دولي أن يصرح بمنطق بليد مثل هذا وبتلك السطحية والغباء السياسي، وهو لم يحرز أي تقدم في مهمته سوى التصوير والتصريح أمام الكاميرات. هل يعلم أن منسوب القتل يزداد يومياً و«شبيحة» الأسد يحاصرون المحافظات بالدبابات والطائرات ومستمرون في قتل الشعب صغيره وكبيره بلا رحمة، وهو يبحث عن «هدنة مظلمة»؟ ألا يعلم أن القاتل هو ذلك النظام المعتدي؟

لا شك في أن مستوى الجريمة المروّع يتوازى مع جريمة اغتيال الحريري، بل يتطابق معها في الدقة وطريقة التخطيط والتنفيذ علاوة على أن المنفّذ واحد، حتى وإن غاب تداول اسم «أبوعدس»، وهو ما يشير إلى أن المجرم تمكّن من إيصال رسالة تفيد بأنه قادر على تنفيذ جرائم أخرى، ولن تتوقف عند تلك وإن اختلف الزمان والمكان لاحقاً. كما تشير إلى أن الدوائر بدأت تضيق على الأسد، وليس أمامه إلا تحريك «شبيحة» الخارج لتلغيم لبنان ثم المنطقة لاحقاً عبر إثارة الشكوك والصراعات الأهلية والطائفية، وهو ما يستدعي ضرورة اتخاذ القرار بدعم المعارضة بالمال والسلاح للخلاص من هذا النظام المجرم سريعاً.

كما يتوجب على اللبنانيين وضع الإصبع على الجرح الوطني النازف، ومواجهة الألم والأيام السود مهما كلّف الأمر حتى لا تُقْبر الحقيقة، فهي البداية نحو منع التدخل الإيراني ومحاكمة «شياطين» الأسد ووقف هيمنة «حزب الله»، لإفشال خطة المحور الإيراني الرامية إلى جر لبنان والمنطقة برمتها إلى معركة باهظة جداً!!

الحياة

هل مقتل الحسن يسقط الأسد؟

 عبد الرحمن الراشد

لا أتذكر من هو صاحب المقولة المجلجلة الذي قال إن اغتيال الرئيس رفيق الحريري أخرج القوات السورية من لبنان، واغتيال الحسن سيخرج الأسد من دمشق. قالها معلقا على اغتيال وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن في لبنان. نبوءة ليست بعيدة التحقيق.. فاغتيال المسؤول الأمني اللبناني، الرجل الذي كشف مخطط اغتيالات وتفجيرات في بلده، من تدبير الجارة سوريا، سيقنع الكثيرين بأن استمرار بشار الأسد في حكم سوريا يعني المزيد من القتل والإرهاب وتهديد المنطقة. إخراجه لم يعد حاجة سورية فقط بل ضرورة إقليمية ودولية، تماما كإسقاط نظام القذافي الذي استمر في زرع القتل وتمويل الإرهاب نحو أربعة عقود وأجمعت معظم دول العالم على ضرورة التخلص منه.

الأرجح أن هذه العملية القذرة نفذها أيضا حزب الله، كما قام من قبل بجريمة اغتيال الحريري في عام 2005. والذي وجه بتنفيذها لا شك أنه النظام السوري الذي كان وراء قتل عشرات الشخصيات اللبنانية على مدى ثلاثين عاما.

اغتيال الحسن برهان آخر على أن نظام الأسد الجريح لا يزال خطرا، ولا يبالي بعواقب جرائمه. وكل المصائب التي تحدث اليوم، مثل اغتيال الحسن وقصف تركيا واستهداف القرى اللبنانية وتعاظم دور «القاعدة» في الثورة السورية، كله بسبب تأخر دعم الثورة السورية. التباطؤ في إسقاط الأسد يزيد فرصه في البقاء بشكل ما، في الحكم، أو بعضه، أو في دويلة له مستقلة تؤهله للاستمرار في إرهاب المنطقة والعالم. بقاؤه، أو طول عمره، في حكم دمشق يزيد الخطر على المنطقة كلها، خاصة مع تمكنه من إعادة تأهيل أجهزته الأمنية والعسكرية بالدعم اللامحدود من روسيا وإيران، وتمكنه من بناء تحالفات، مثل علاقته بنظام المالكي.

لم يبالغ من تنبأ بأن يتسبب اغتيال الحسن في إخراج الأسد من دمشق.. فهو عندما فشل في مشروع التفجيرات والاغتيالات التي كلف بها مسؤول المخابرات السوري، علي المملوك، للوزير اللبناني ميشال سماحة في لبنان ثم انكشف أمره، أوحى الفشل بأن الأسد صار مقلم الأنياب لا يشكل خطرا، ويمكن تحمل بقائه حتى يسقط تلقائيا في الحرب الدائرة بينه وبين معارضيه في داخل سوريا. إنما إصراره على ارتكاب المزيد من الجرائم، ونجاحه في اغتيال أحد أهم المسؤولين عن أمن وسلامة لبنان، جاء ليدق الأجراس منذرا بأن الأسد الجريح أخطر من الأسد المعافى، ومحفزا على ضرورة التخلص من النظام السوري بأسرع ما يمكن.

صحيح أن سوريا باتت مستنقعا يحاول كثيرون الابتعاد عن وحوله بسبب خلافات المعارضة التي أفشلت حتى الآن حلم الشعب السوري، وتسببت في نفور الكثير من حكومات المنطقة والعالم، إضافة إلى أن هناك تنظيمات مسلحة دينية تنتمي لتنظيم القاعدة الإرهابي، ومثله، باتت تقاتل في سوريا، وتهدد بوقف الدعم العربي والدولي المحدود للثورة السورية وتعزز من وضع الأسد.. نقول إنه رغم هذا كله، فإن إسقاط نظام الأسد يبقى ضرورة يحتمها خطر بقائه الذي يهدد الجميع.

فقط، يكفي أن تتخيلوا نجاة الأسد من محنته التي هو فيها الآن، وتضامن نظام المالكي معه في العراق، وشعور إيران بأنها تفوقت في معركة سوريا ومعها حزب الله، تخيلوا كيف ستصبح منطقتنا! ستدار برباعي الرعب الذي سيعمد إلى تهديد الأنظمة العربية الحالية والسعي لإسقاطها. ولا بد أن نعترف بأننا في فترة من التاريخ متوحشة، ولا مناص من خوضها. ما يحدث في سوريا طبيعي جدا، نحن أمام شعب عاش مغلوبا على أمره 40 عاما حكمه بالحديد والنار الأب والابن الأسد. وكما كان حقا إسقاط نظام بشع، هو نظام صدام البعثي في العراق، فإن من حق الشعب السوري إسقاط نظام البعث السوري البشع أيضا. هذه رغبة غالبية السوريين وبدمائهم أعلنوها، ولم تكن رغبة دول الخليج أو مشروعا أميركيا. بل بخلاف ذلك، فهذه الدول سعت لدى الأسد في بداية الثورة من أجل إقناعه باستيعاب المظاهرات، وإرضاء مواطنيه، إلا أنه اختار الحل الأمني على نصيحتهم، فكان ما كان.

الشرق الأوسط

وسام الحسن

رندة تقي الدين

يوم أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عن ارتياحه لخروج اديت بوفييه الصحافية الفرنسية في جريدة «الفيغارو» التي كانت تغطي الحرب في سورية قال العميد وسام الحسن المحترف والكفوء لـ «الحياة» إنها لم تخرج بعد. وكان من الصعب أن يصدق أي كان أن الرئيس الفرنسي أخطأ وأعلن خروجها والعميد الحسن يقول إنها ما زالت في الأراضي السورية. وبعد دقائق من إعلان ساركوزي عن خروجها عاد واعتذر من الفرنسيين في إطلالة إعلامية قائلاً إنه أخطأ وأنها ما زالت في الأراضي السورية. ثم خرجت بوفييه وشكر ساركوزي المسؤولين اللبنانيين بمن فيهم الرئيس سعد الحريري لأنه كان على علم أن العميد وسام الحسن ساعد في إنقاذ وإخراج الصحافية من الجحيم السوري وهي مصابة بجروح خطيرة. فالعميد وسام الحسن كان شخصية استثنائية فكان بارعاً في عمله كرئيس شعبة المعلومات إضافة إلى انفتاحه وصراحته وتواضعه وتعامله مع الناس وأيضاً مع الإعلاميين. فلم يكن يخاف منهم وكانت شبكة علاقاته واسعة معهم ومبنية على انفتاح غير معهود وثقة من رجل مخابرات بالإعلاميين لأنه كان دائماً صادقاً.

إن اغتياله الوحشي مع رفيقه الشهيد أحمد صهيوني مثل اغتيال معلمه الكبير الرئيس رفيق الحريري سببه احترافه الكبير ووفاؤه لبلده ورغبته في حماية بلده من تداعيات حرب النظام السوري على شعبه. فاغتيل وسام مثل الرئيس الحريري وجبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل وجورج حاوي ووسام عيد ووليد عيدو واللائحة طويلة من الشهداء كما الشهداء من الشعب السوري الذين يقتلون بالمئات من جيش النظام. العميد وسام الحسن كان يعمل منذ أكثر من سنة على قضية ميشال سماحة لمراقبة أعماله وتحركاته لأنه كان يعرف أن النظام السوري يعد كارثة للبنان. وعندما عمد مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي إلى توقيف سماحة كانت البراهين صلبة وفادحة وكان حلفاء سورية في لبنان وفي طليعتهم «حزب الله» يدركون أن ما لدى ريفي والحسن من براهين صلب وقوي. وأسف الحسن كان شديداً لأن الحكومة اللبنانية لم تصدر مذكرة توقيف بحق رئيس الاستخبارات السورية الذي أوكل المهمة لسماحة. كما أنه كان عازماً على حماية سماحة الموقوف في لبنان من القتل من معلميه لأن بحوزته الكثير من المعلومات عنهم. فالحسن كان مسؤولاً من الجيل الصاعد له مستقبل واعد ليس فقط على الصعيد الأمني بل أيضاً على الصعيد السياسي. ولذا اغتالوه ومعه عدد من أهالي الأشرفية. فلم تتوقف يد الإجرام والقتل أمام المدنيين والمارين في الأشرفية من أولاد ونساء يسقطون مع العميد الشهيد. وقد اغتالوا قلب زوجته التي أرادها في باريس محمية من وحشية من كان يعرف أنه يتعرض لهم. ويتموا ولديه اللذين كانا يبكيان والداً حنوناً ومحباً يوم تشييعه والألم يثقل سنهم الصغير.

إن جمهور ١٤ آذار أخطأ في دفع الناس إلى الهجوم على السرايا. فالمطالبة بإسقاط الحكومة لا تفيد الآن لا على الصعيد الانتخابي لأن قانون الانتخاب لن يمر بكل الأحوال ولا على الصعيد الأمني طالما النظام السوري ما زال موجوداً والتعطيل بكل الأحوال كان دائماً الوضع السائد منذ اغتيال الرئيس الحريري وسلسلة الاغتيالات التي تبعت. إن بقاء اللواء أشرف ريفي والعقيد عماد عثمان الذي عين خلفاً للعميد الحسن عنصر أساسي في مثل هذه المرحلة الدقيقة في المنطقة. أما إسراع سفراء الدول الكبرى في لبنان إلى الرئيس ميشال سليمان لمطالبته ببقاء الحكومة فهو لحرصهم على بقاء «حزب الله» في حكومة ستكون مسؤولة إذا حدثت أي كارثة على جنود الدول في قوات حفظ السلام. فهم يدركون أن أي كارثة تستهدف هذه القوات ستؤدي إلى سحبها وهذا خطر كبير على المنطقة. فلا شك أن بقاء حكومة «حزب الله» أفضل لهذه الدول من فراغ يجعل خطر تعرضها أكبر ولو أن الحكومة غير قادرة على منعه إذا أصرت إيران أو سورية على ذلك. فالأسرة الدولية لها حسابات خاصة بمصالحها وليست بالضرورة متناسبة مع مصالح الشعب السوري واللبناني. رحم الله عميدنا الحسن والأمل أن تقطع يد القتل بسرعة في سورية ولبنان.

الحياة

هل ينجح النظام السوري في تصدير الأزمة؟

عبد العزيز العويشق

باغتيال وسام الحسن يحاول النظام السوري تصدير أزمته إلى لبنان، ولكن ذلك سيعجّل بالتدخل الخارجي لحلها، فحجة حلفائه الروس في رفض التدخل الدولي سابقا هي كون النزاع داخليا ولذا يجب ترك حلّه للسوريين وحدهم

في يوم الجمعة (19 أكتوبر) أودى تفجير مروع في حي الأشرفية في بيروت باللواء وسام الحسن، أحد أهم قادة الأمن في لبنان. وهو تطور خطير في مسار الأزمة السورية التي بدأت في الانتشار إلى الدول المجاورة. ومن المؤكد أن هذا الهجوم سيُسهم في زيادة الاحتقان الطائفي في الكيان السياسي اللبناني الهشّ، ولكن حكمة اللبنانيين قد تنجح في إحباط هذا المخطط الذي يهدف إلى إشاعة الفوضى في لبنان، وإعادته إلى أتون الحرب الأهلية، وإجهاض التحقيقات في الجرائم التي ارتكبتها سورية وحلفاؤها في لبنان.

ومن السابق لأوانه تحديد الأشخاص الذين نفذوا هذا الاغتيال، إلا أنه يحمل بصمات النظام السوري الواضحة، إما من خلال أجهزته مباشرة أو عن طريق حلفائه. ولو ثبت ذلك، فإنه مؤشر آخر على تصميم النظام على تصدير أزمته إلى البلدان المجاورة، ليجرها معه إلى هاوية من صنع يديه.

ولكن بتصدير الأزمة إلى لبنان ربما يدفع النظام السوري، دون قصد منه، بالتعجيل بالتدخل الخارجي لحلها، ذلك أنه ما دام النزاع داخلياً فإن فرص التدخل الدولي محدودة، فحجة روسيا الرئيسية في رفض التدخل الدولي هي كون النزاع داخلياً بين السوريين ولذا يجب ترك حلّه لهم وحدهم، ولذلك فإن النظام بفعلته هذه يُضعف من حجج حليفته الأولى.

ومن المؤكد أن أشد وأوضح أعداء اللواء وسام الحسن هما النظام السوري وحليفه حزب الله، بسبب كشفه تورطهما في عدد من القضايا. ويمكن أن يكون أي منهما، أو كلاهما، متورطاً في هذه العملية، فقد استخدما سلاح الاغتيال مراراً في الماضي لتصفية خصومهما، مستهدفين القادة السياسيين والدينيين، والمفكرين، والكتاب، والصحفيين، وكل من وقف في وجه محاولاتهما الهيمنة على لبنان.

ففي أوائل أغسطس 2012، قاد اللواء الحسن التحقيقات في مخطط ميشيل سماحة، وزير الإعلام السابق الموالي لسورية، الذي ضُبط وهو يحاول تهريب متفجرات إلى لبنان لاستخدامها في عمليات إرهابية تهدف إلى تذكية النزاع الطائفي. ولو نجح ذلك المخطط، لجرّ لبنان إلى هاوية الحرب الأهلية مرة أخرى، ولكن يقظة الحسن وحرفيته تمكنتا من إجهاض المخطط، ولذلك، فإن الكثير من اللبنانيين يعتقدون أن اغتيال الحسن هو عقاب له على إحباطه لتلك الخطط.

وقبل فضيحة سماحة، كان الحسن يقود التحقيق في دور حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005م، ويعمل بصفة وثيقة مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وبالطبع فإن الحزب (الموالي لسورية وإيران) قد نفى أي علاقة له بتلك الجريمة، ولكنه أضعف حجته بسبب رفضه تسليم المشتبه بضلوعهم فيها، واستمراره في حملة اغتيالات وإرهاب لمعارضيه في لبنان، وهي حملة بدأها منذ نحو 25 عاماً.

ومع أن حزب الله شريك أساسي في التحالف الحاكم في لبنان، ويمتلك أقلية مسيطرة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفي البرلمان، إلا أنه من نواح كثيرة يتصرف كما لو كان حركة تعمل خارج نطاق القانون. وفي يوم الخميس (18 أكتوبر)، أي قبل اغتيال الحسن بيوم واحد، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريراً يتهم فيه الحزب بالضلوع في الحرب في سورية إلى جانب النظام السوري، ويقول بلغة صريحة غير معتادة “إن العدد المتزايد من التقارير عن أعمال حزب الله في سورية، وهو شريك في الحكومة اللبنانية” يتناقض مع سياسة الحياد المعلنة من قبل الحكومة، ويهدد “في نهاية المطاف استقرار لبنان.”

وأذكر حينما شرعتُ في إعداد عدد من الدراسات والتقارير عن الوضع في لبنان، منذ عشرين عاماً، كيف اكتشفتُ بسرعة مدى التغلغل السوري في كل جزء من الحياة السياسية في لبنان، والعنف غير المحدود الذي صاحب ذلك التغلغل.

ويختزل كثير من اللبنانيين مشاكل لبنان بوقوعه بين فكي الكماشة: إسرائيل وسورية، فما لا تستطيع إسرائيل تدميره من لبنان بحروبها عالية التقنية، استطاعت سورية أن تقضي عليه بوسائلها البدائية. وكما نعرف فقد استباحت إسرائيل لبنان براً و بحراً وجواً، وأرسلت فرق الاغتيال والاختطاف مستهدفة القيادات الفلسطينية واللبنانية. ونادراً ما كانت القوات السورية التي ظلت في لبنان نحو (30) عاماً (1976-2005) تواجه إسرائيل، حتى حينما كانت تهاجم قواتها مباشرة، وهو ما كان مفاجأة لي في حينه.

وخلال زياراتي إلى لبنان، كثيراً ما رأيت الجيش السوري، بآلياته الروسية المتهالكة، وجنود لا يبدون على درجة عالية من المهنية. وكان من الصعب التوفيق بين تلك الصورة وما كان ينسبه له اللبنانيون من قوة خارقة جعلته الحكم الفصل في الشؤون اللبنانية.

وسرعان ما اتضح لي أن الوجود السوري في لبنان لم يكن بحاجة إلى آليات متقدمة حديثة، أو جنود على درجة عالية من التدريب، فمدفعيته ودباباته الروسية الصنع كانت كافية لقصف الأحياء المدنية ونشر الرعب فيها. وبالمثل فإن فرق الموت التي كان يستخدمها للقضاء على معارضيه لم تكن بحاجة إلى أسلحة حديثة، بل كانت تفضل الأسلحة البدائية، مثل السيارات المفخخة، التي تنشر الرعب بين المواطنين في الوقت الذي تقضي فيه على المعارضين. مثل السيارة التي قضت على الرئيس الأسبق رفيق الحريري، في 14 فبراير 2005، وقتلت وأصابت عشرات من رفاقه ومن المارة والمحلات والبيوت المجاورة لمكان الحادث، ومثل السيارة التي قتلت اللواء وسام الحسن يوم الجمعة الماضي، وأصابت عشرات من المدنيين الآمنين. فالترويع جزء لا يتجزأ من أهداف تلك العمليات الإرهابية..

من المؤكد أن النظام السوري يعيش آخر أيامه، لكن ذلك لم يمنعه من تصعيد أساليب الفتك والإبادة بحق شعبه، وبالمثل فإن حلفاءه في لبنان ما زالوا قادرين على نشر الرعب بين إخوانهم في الوطن بأساليب الغدر والإرهاب.

*نقلاً عن “الوطن” السعودية

القتل سيستمر إلى أن

حسان حيدر

جاء اغتيال اللواء وسام الحسن بُعيد اجهاضه مخططاً للنظام السوري لتفجير الوضع في لبنان عبر توقيف الوزير السابق ميشال سماحة المقرب من بشار الأسد، ليؤكد ان سياسة النأي بالنفس التي تدعي الحكومة اتباعها اخفقت بسبب اصرار النظام السوري على منع «الانفصال» اللبناني، اضافة الى ان هذه السياسة طبقت بشكل استنسابي حين اعتبرت الاطراف النافذة في الائتلاف الحكومي ان النأي يجب ان يكون عن تأييد المعارضين السوريين فحسب.

وفي الواقع كان هذا الشعار ضرباً من الخيال مع وجود حلفاء لنظام دمشق يمسكون بمقاليد الحكم ومفاصله الاساسية، ويتمتعون ببنية تنظيمية – عسكرية نجحت في نقل الدولة الى مكان آخر وفي توظيفها لأهداف تحالف اقليمي أقل ما يوصف به انه لا يعتبر مصلحة لبنان السياسية والأمنية من أولوياته. اضافة الى ان هؤلاء الحلفاء شكلوا، ولا يزالون، اليد الضاربة للنظام في دمشق، كما كشفت التحقيقات في الاغتيالات السابقة، وكما تدل اليه مشاركتهم في القتال ضد الانتفاضة السورية.

ولعل ما شهدته ساحة رياض الصلح في وسط بيروت بعد تشييع الحسن، من محاولة انفعالية لاقتحام السراي الحكومية، ثم الاشتباكات المتفرقة التي تلتها على خطوط تماس سنية – شيعية مستحدثة، خير دليل على ما يعتمل في نفوس جمهور المعارضة من ضيق بما وصل اليه مستوى القهر، وتأفف من استمرار مسلسل اغتيال قادته منذ العام 2005، وتحويلهم اهدافاً حية عرضة للابتزاز الدائم وصولاً الى «التهجير»، بينما الرد الوحيد المقابل هو الاحتجاج السلمي والشعارات السياسية التي من الواضح انها لا تردع قاتليهم ولا من يساعدونهم في تنفيذ مآربهم ويوفرون الغطاء السياسي لافعالهم.

ومع ان قادة المعارضة تمكنوا بسرعة من احتواء انفعال جمهورهم، فإن الخشية هي ان تخرج حالات مماثلة عن السيطرة في المستقبل، فلا توقفها تهدئة ولا مناشدات.

وكان المعارضون السوريون مروا بالتجربة نفسها، عندما كتب اطفال ابرياء في درعا شعارات على الحائط، فاعتقلهم الأمن وقطع المحققون اصابعهم وعذبوهم حتى الموت. ثم انطلقت تظاهرات مسالمة احتجاجاً على قتلهم فواجهها النظام بالرصاص والمداهمات والاعتقالات، وتوالت التظاهرات ليتضاعف القمع في مقابلها، الى ان فاض الكيل بالناس المسالمين فحملوا بنادق الصيد والسكاكين ليدافعوا عن انفسهم وعائلاتهم، وما لبث الوضع ان تحول الى مواجهة عسكرية شاملة بعد تكاثر انشقاقات الجنود والضباط وشراء المعارضين اسلحة وحصولهم على اخرى من مستودعات الجيش النظامي او عبر التهريب من دول الجوار.

ومع ان المعارضة اللبنانية أكدت، على غرار ما فعلت بعد «غزوة» قوات «حزب الله» لبيروت في 2008، انها ستظل ترفض سلوك طريق العنف والاحتراب الاهلي، وستبقى على رغم غلبة السلاح وعدم تردد الحزب في استخدامه لفرض معادلة داخلية، ملتزمة التعبير السلمي عن مواقفها من دون تهاون في المضمون، ومتمسكة بقناعتها بأن الدولة والقانون هما ملجآها الوحيدان مهما قست الظروف ومهما استمر القتل، إلا ان «كثر الدق يفل الحديد» كما يقول المثل الشعبي، وقد يأتي يوم لا تعود تستطيع فيه اقناع ناسها بأن «السكوت من ذهب»، وان المسالمة خيار أبدي لا فكاك منه، وعندها لن تنفع ترسانات ولا صواريخ ولا تحالفات عبر الحدود ولا ندم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى