صفحات العالم

مقالات كتاب أجانب عن الثورة السورية


الحرب السورية وتداعيات الانتشار

جيفري كمب

التطور الأكثر خطورة في الحرب الأهلية السورية هو تمددها التدريجي إلى الدول المجاورة حيث وجدت كل من تركيا ولبنان والأردن نفسها مضطرة لإيواء اللاجئين المتدفقين عليها من سوريا، كما وقعت عدة أحداث عنف نتيجة لهذه الظاهرة. وكانت آخر تلك التطورات الخطيرة اغتيال اللواء وسام الحسن مدير شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني في التاسع عشر من أكتوبر الماضي، وهو الحادث الذي كان سبباً في مفاقمة الأزمة السائدة في بيروت، حيث يوجه السكان السنة والعديد من المسيحيين والدروز بتوجيه إلى “حزب الله” الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع نظام الأسد، بالضلوع في متقل الحسن.

ويخشى اللبنانيون أشد الخشية من العودة إلى الصراع الطائفي داخل مجتمعهم، ويتذكرون جيداً آخر حرب أهلية خاضوها واستمرت خمسة عشر عاماً خلال الفترة من 1975 إلى 1990 وأسفرت عن مصرع 100 ألف شخص وإصابة ما يقرب من مليون شخص آخرين. وكان السبب في تلك الحرب -جزئياً- وجود قوات منظمة التحرير الفلسطينية التي جاءت إلى لبنان بعد طردها من الأردن إثر قتال دامٍ مع جيش الملك الحسين في سبتمبر عام 1970. في نهاية المطاف اجتذبت الحرب الأهلية اللبنانية سوريا التي تدخلت في البداية لدعم المسيحيين، كما اجتذبت إسرائيل التي قامت قوتها بالاحتلال الكامل لجنوب لبنان في يونيو 1982.

والمفارقة أن الشيعة اللبنانيين رحبوا بالاحتلال الإسرائيلي في بداية الأمر لأنه خلصهم من الوجود المهيمن لقوات منظمة التحرير الفلسطينية في الجنوب، ومن عدد لا يحصى من نقاط التفتيش التي أقامتها هناك وسببت للسكان مضايقات عديدة. لكن الأمر لم يدم طويلاً حيث انقلب الشيعة على الإسرائيليين ورفضوا احتلالهم لأراضيهم بشدة. وكانت نتيجة تلك المشاعر المريرة ظهور “حزب الله” باعتباره القوة الرئيسية في الجنوب التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي بعد طرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية من المنطقة ومن لبنان كله عقب الاجتياح الإسرائيلي الذي احتل الجنوب والجزء الغربي من العاصمة بيروت.

ولدى تركيا أسباب لا تقل قوة تدفعها لتمني رؤية نهاية قريبة للحرب المحتدمة في سوريا، ومن ذلك كونها اضطرت للتعامل مع طوفان من اللاجئين السوريين يربو على 100 ألف لاجئ فروا عبر الحدود بحثاً عن ملاذ آمن في أراضيها. وفي مقابل ذلك دأبت القوات السورية الموالية للأسد بشكل دائم على انتهاك الأراضي التركية نظراً لتصميمها على منع تدفق الأسلحة القادمة من بعض الدول العربية إلى قوات المعارضة السورية عبر الحدود الفاصلة بين البلدين. وأي تصعيد للصراع المباشر بين سوريا وتركيا يمكن أن يدفع الأخيرة لطلب الدعم العسكري من حلفائها في “الناتو”. ولو استجاب “الناتو” لطلب التدخل فإن ذلك سيعتبر تهديداً كبيراً في نظر إيران التي تعد حليف سوريا الوحيد في المنطقة، وكذلك من جانب روسيا التي دعمت نظام الأسد منذ البداية باعتباره الصديق الحقيقي الوحيد المتبقي لموسكو في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

ومن التطورات الأخرى المقلقة في الأزمة السورية تأثير الحرب المندلعة هناك على الأكراد في عدد من دول الشرق الأوسط. والمعروف أن أكراد سوريا الذين كانوا يشعرون من زمن طويل بالسخط جراء القمع الذي تعرضوا له على أيدي نظام الأسد الأب والابن قد رأوا في الحرب الأهلية السورية فرصة عظيمة لتعزيز مطالبهم بالحكم الذاتي. وهذا الحكم الذاتي على وجه التحديد كان يمثل رغبة الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا منذ زمن طويل. ومن المعروف أن الحزب الأكثر رغبة في المواجهة العنيفة للحكومة التركية هو “حزب العمال الكردستاني” الذي خاض قتالاً مريراً ودامياً ضد الحكومة التركية منذ سنوات والذي يرفع أجندة للاستقلال غير مقبولة على الإطلاق من قبل الأغلبية في تركيا.

ومن هنا، فإنه كلما طال أمد القتال والفوضى على طول الحدود السورية التركية، زادت فرص جر الأكراد في العراق وإيران لأتون القتال، وهو ما سيمثل معضلات للدول الأربع التي تعيش فيها أقليات كردية والتي لا تقبل أي منها بمبدأ قيام دولة للكرد.

الدولة الثالثة التي تشعر بالقلق الشديد جراء الحرب المندلعة في سوريا هي الأردن التي استقبلت ما يقرب من 40 ألف لاجئ سوري فروا عبر الحدود إلى أراضيها وانتهى الأمر بمعظمهم إلى الإقامة في معسكر الزعتري للاجئين الذي تديره الأمم المتحدة. وسبب قلق الأردن من مشكلة تدفق اللاجئين السوريين هو أنه لم يتعاف بعد من طوفان العراقيين الذين تدفقوا عليه أثناء الحرب العراقية، ما يجعله غير مستعد ولا مجهز للتعامل مع أعداد إضافيه من اللاجئين، يمكن أن يضيفوا أعباء زائدة لا يحتملها مشهده السياسي المتقلب الذي ما زال يعكس حالة من الصراع العميق بين بعض مكوناته الداخلية.

الموضوع المتداخل مع كل تلك القضايا يتمثل في المشكلة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو في الشتات الفلسطيني، في لبنان وسوريا والأردن. فأي حرب ممتدة بسبب تفاقم الأزمة السورية يمكن أن تقود في نهاية المطاف إلى جر إسرائيل، وقد تؤدي بالتالي إلى إشعال نيران انتفاضة فلسطينية ثالثة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان حالة الجمود السياسي السائدة حالياً بسبب تعثر المفاوضات بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية.

وقصارى القول في هذا الخصوص أن هناك إمكانية كبيرة لأن يؤدي العنف المتصاعد بين تركيا وسوريا إلى تأجيج نيران حرب إقليمية أوسع نطاقاً يمكن بدورها أن تجر قوى خارجية، وتؤدي إلى مفاقمة الانقسام الشيعي- السني المرير. وإذا ما كانت هناك حالات مشابهة في الماضي للوضع الحالي في الشرق الأوسط، فإن أول ما يخطر على الذهن هو الحرب الأهلية الإسبانية أو ربما -وهو الاحتمال الأكثر تشاؤماً- الحرب العالمية الأولى.

الاتحاد

الطريق نحو سوريا المعتدلة

ترودي روبن

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

اسطنبول, تركيا- من بين أكثر قضايا السياسة الخارجية الشائكة التي سوف تواجه المرشح الرئاسي الناجح في انتخابات يوم الثلاثاء القادم هي كيفية تسريع نهاية الحرب الأهلية السورية المرعبة التي تهدد الكثير من أجزاء الشرق الأوسط.

لقد أمضيت للتو يومين في اسطنبول لحضور مؤتمر جاء إليه أكثر من 80 شخصية من قادة المتمردين و النشطاء المدنيين الذين جاء إلى المؤتمر من داخل سوريا. لقد أطلق على المؤتمر اسم “إدارة الانتقال في سوريا” و قد تم دعمه من قبل المركز السوري للدراسات السياسية و الإستراتيجية, و هو مركز دراسات موقعه في واشنطن و يرأسه المثقف و الناشط رضوان زيادة.

لقد قام النشطاء بتقديم إجابات مقنعة حول ما يجب القيام به من أجل بناء حكومة سوريا معتدلة و انتقالية يمكن أن تعجل في إنهاء هذه الحرب.

لقد كانت رسالة المتمردين الرئيسة هي : تلك  الدول التي تبحث عن تنحية الرئيس بشار الأسد المتوحش  يجب أن تساعد أعضاء المجتمع المدني و القادة العسكريين داخل سوريا؛ و الذين يقومون فعليا بإنشاء هياكل حكومية في مناطق واسعة محررة من سيطرة الحكومة.

على النقيض من الصورة الموجودة في الغرب, فإن معظم هؤلاء النشطاء و في حين أنهم مسلمون ملتزمون, فإنهم لا يبحثون عن دولة إسلامية. و لكنهم بحاجة إلى مساعدة و دعم خارجيين من أجل مواجهة التمويل الذي تحظى به فعليا الجماعات الإسلامية  من أشخاص أو حكومات غنية في الخليج العربي.

لقد أخبرني علي بدران و هو محامي و ناشط حقوقي من تل رفعت و هي بلدة قرب حلب تعرضت للقصف من قبل حكومة الأسد :”إذا لم يقم الأمريكان و الدول الغربية بتقديم المساعدات الإنسانية و الطبية و إنشاء مؤسسات جديدة, فإن السلفيين و القاعدة سوف يقومون بذلك. إن لدى السلفيين المال و هم يقدمون الخدمات, و هكذا فإن الشعب السوري سوف يتعاطف و هذا الأمر سوف يشكل تهديد كبير”.

حتى الآن, فإن المساعدات الأمريكية للمتمردين كانت محصورة بشكل رئيس على المساعدات غير القاتلة للمجموعات المعارضة غير العنيفة, خصوصا معدات الاتصال.(سوف أكتب أكثر عن هذا الموضوع في مقال آخر). إن العقبة الرئيسة لتقديم المزيد من المساعدات هي أن المعارضة السورية الخارجية و التي يمثلها المجلس الوطني السوري لم تكن قادرة على فرز قيادة موحدة يمكن من خلالها تقديم المساعدات عبر قنوات مضمونة كما أن المجلس لا يملك الكثير من النشطاء على الأرض.

إن التطورات في الأسابيع القادمة قد, و أكرر قد, تنتج أخيرا مجلس قيادة مكون بشكل كبير من النشطاء الداخليين وهذا المجلس قد يتجاوز المجلس الوطني و قد يتم الاعتراف به دوليا كحكومة انتقالية. مباشرة بعد اجتماع المجلس الوطني السوري الكبير في الدوحة, قطر, نهاية هذا الأسبوع, فإن لقاء ثانيا سوف يعقد و هذا الاجتماع سوف يتضمن وفودا من المجالس الثورية و لجان التنسيق في المناطق المحررة.

الفكرة التي طرحت من قبل المعارض الأسطوري رياض سيف تتمثل في اختيار مجلس سوري جديد يتكون من 51 شخصية, 15 منهم فقط من المجلس الوطني السوري. لقد أخبرني دبلوماسي أوروبي أن ” معارضة الداخل سوف يكون لها الصوت الأكبر”. إن ظهور مجلس ذو مصداقية يمكن أن يقدم ضمانا أيضا للأقليات في سوريا التي سوف يرحب بها في سوريا ما بعد الأسد.

حقيقة, فإن هناك جدلا حول اجتماع الدوحة, مع بعض أعضاء المجلس الوطني الذي يحاولون أن يوقفوا أي قرار حتى المؤتمر الثاني في القاهرة. يقول زيادة وهو منظم المؤتمر الذي يشك في نجاح خطة رياض سيف :”بعد عام و نصف من القتال, مع مساحات من المناطق المحررة, فإنه لا يمكن لك أن تبني جسما أو هيئة من الأعلى إلى الأسفل”. وهو يقترح عوضا عن ذلك إنشاء جمعية وطنية داخل الأراضي المحررة.

و لكن الرسالة هي ذاتها: إن هناك الآن عددا كافيا من المجالس المدنية و القادة العسكريين في المناطق المحررة من أجل تقديم أساس للحكومة الانتقالية. تلك الحكومات التي تريد تسريع نهاية نظام الأسد يجب أن تعجل في إنشاء مثل هذه الحكومة بالسرعة الممكنة, مع تعهد بأنها سوف تتلقى المساعدات.

في تل رفعت كما يقول على بدران, و على الرغم من القصف اليومي الذي أدى إلى مقتل 300 شخص, فإن السكان المحليين قاموا بانتخاب لجنة تتعامل مع قضايا الكهرباء و الماء و الوقود و جميع النقص الناشئ عن عدم وجود الحكومة. لقد اختاروا قضاة مدنيين لإدارة المحاكم و أقاموا السجون لعقاب اللصوص. ليس هناك في المدينة مدارس رسمية منذ أن تم قصف المباني المدرسية و توجه المعلمين للقتال على الجبهات, و لكنهم يحاولون تنظيم مدارس في البيوت يتم إداراتها من قبل ربات البيوت.

و قد قاموا أيضا بتشكيل مجلس طبي للأطباء و مجلس تعليمي للمعلمين. كما شكلوا منظمة إغاثية في محافظة حلب من أجل تقديم الحاجات الغذائية الأساسية, و ذلك بسبب أن المزارعين يفتقرون إلى البذور و الأسمدة اللازمة لزراعة محاصيل السنة القادمة و هم يخشون من المجاعة السنة القادمة.

و لكن ليس هناك نقود لدفع الرواتب و للوازم المدرسية و السجون أو العيادات ( لقد قام النظام بقصف أغلب المستشفيات). يقول بدران :”إننا بحاجة إلى دعم مالي لتمويل الإدارة المدنية وتوفير القضاة و الشرطة. إننا بحاجة للتمويل لشراء اللقاحات لمنع انتشار الأوبئة”.

إن قصة تل رفعت تتكرر في معظم البلدات المجاورة. هؤلاء ليسوا سلفيين متطرفين, ولكن السوريين يحاولون بيأس أن يعيدوا تنظيم إدارة أمر واقع جديد.

إذا نجحت خطة سيف, فإن المجلس السوري الجديد سوف يقدم عنوانا يمكن أن تقدم من خلاله المساعدات إلى البلدات مثل تل رفعت. و إذا فشلت, فإن المفهوم سوف يعاد إنشاؤه من جديد. بغض النظر عمن سوف يفوز في الانتخابات الرئاسية فإن عليه أن يجد وسيلة لتسريع إنشاء حكومة انتقالية تتكون من العديد من أمثال علي بدران – و ذلك إذا كنا نريد منع الانفجار الداخلي السوري الذي سوف يغذي رسالة الإسلام المتطرف.

فيلادلفيا دايلي نيوز

التدخل في سورية متاح وممكن

فرانسوا هيزبورغ *

ثمة إجماع على ان حظوظ نجاح التدخل العسكري الخارجي في أي بلد ضعيفة. ولذا، تبرز الحاجة الى توسل الحذر عند البحث في استعمال القوة والتدخل في سورية، وعدد سكانها يضاهي عدد سكان العراق أو افغانستان، والانقسامات الإثنية والدينية فيها راسخة. لكن، والحق يقال، الظروف القانونية والسياسية والاستراتيجية لعملية تدخل عسكري ناضجة. وهي تشرّع الابواب امام اطاحة ديكتاتورية بشار الاسد الدموية. فحملة النظام السوري العسكرية والقمعية تزعزع استقرار المنطقة.

وعلى المستوى القانوني، غيّر انتهاك سورية الحدود مع تركيا المعادلة. فهو ابطل فاعلية الفيتويين (حق النقض) الروسي والصيني في مجلس امن الامم المتحدة، وأسقطهما من الحسابات. فحق تركيا في الرد على الانتهاك مشروع. ودان «الناتو» الانتهاك السوري للحدود التركية وأجمع مجلس الامن في سابقة من نوعها على شجبه. ولكن الادانات لم تحل دون تواصل الاعتداءات على الاراضي التركية، وتواصل عمليات تبادل اطلاق النار بين البلدين.

والحق يقال يتهدد استقرار تركيا الامني سيل اللاجئين ودفقهم المنفلت من أي عقال هرباً من قمع نظام الاسد الأهوج والأغشى. فهذا النظام هو وراء تزايد هجمات الناشطين الاكراد ضد الجيش التركي وقوى الامن التركية. ومثل هذه الحوادث تخوّل تركيا توسل البند 51 من شرعة الامم المتحدة والدفاع عن أراضيها، وطلب مساعدة الحلفاء «الاطلسيين». وتتحمل روسيا والصين مسؤولية دحض حق تركيا في الدفاع عن نفسها في مجلس الامن.

وعلى المستوى السياسي، يتوقع أن تستعيد الولايات المتحدة هامش التحرك بعد انتخابات السادس من تشرين الثاني (نوفمبر)، سواء انتخب الرئيس اوباما لولاية ثانية أو المرشح الجمهوري الى الرئاسة، ميت رومني. ودعا وزير الخارجية التركية، أحمد داود أوغلو، الى دعم «أطلسي» فعال في التصدي للأزمة السورية مذكراً حلف شمال الاطلسي بالكلفة الانسانية العالية التي ترتبت على بطء التدخل في البلقان قبل عشرين عاماً. والمقارنة بين البلقان وسورية مقلقة. وعلى ما كانت الحال عشية التدخل العسكري في ليبيا في 2011، لا تجمع دول الاطلسي على التدخل، وبعضها عاجز عن التدخل. ويرجح أن تشارك القوتان العسكريتان الوازنتان في «الناتو»، فرنسا وبريطانيا، في الحملة على سورية. فالرئيس الفرنسي يؤيد النهج التركي في التصدي للأزمة السورية. وقد يشارك عدد من الدول العربية في عملية التدخل.

وعلى المستوى الاستراتيجي، بلغت الحرب الاهلية في سورية طريقاً مسدوداً. فقوات الأسد عاجزة عن سحق الثورة والتمرد العسكري غير قادر على اطاحة النظام. وأبرز أهداف التدخل هو ترجيح كفة الثوار، والمساعدة على اطاحة الاسد. وعلى ما حصل في ليبيا وعلى خلاف ما جرى في العراق، يرمي التدخل الى تعزيز قدرات الثوار وليس الى التربع محلها.

وعلى المستوى العسكري، يبلغ الهدف هذا من طريق إرساء منطقة عازلة مساحتها 50 ميلاً على طول الحدود السورية – التركية. وفي المنطقة هذه يحظر على الطائرات الحربية التحليق في الأجواء السورية. ويسع الصواريخ الجوية وصواريخ الارض – جو المطلقة من المجال الجوي التركي إصابة المقاتلات السورية او المروحيات التي تدخل المنطقة العازلة. وفي مقدور رادار «آواكس» AWACS الجوي، وهو في منأى من دفاعات سورية الجوية، رصد أي مقاتلة تقترب من منطقة الحظر الجوي وإبلاغ الحلفاء بمعلومات دقيقة وفورية عن مسارها. والمنطقة هذه تمتد الى حلب، وتحول دون مواصلة النظام قصف أكبر مدينة سورية. ويغلب سقوط حلب والتأييد اللوجستي التركي كفة الثوار.

ومثل هذا التدخل لا يقتضي ارسال قوات برية، ولا يترتب عليه تالياً الإعداد لاستراتيجية خروج. وهو في متناول «الاطلسي» في غياب حل أفضل. فترك الحرب الاهلية على غاربها يفاقم اضطراب سورية والمنطقة – وارتدادات الاضطراب السورية بدأت تظهر في لبنان والاردن – ويغلّب الطابع الراديكالي على النزاع. وتزويد الثوار بالسلاح، والصواريخ المضادة للطائرات على وجه التحديد، يفاقم المخاوف من النتائج المترتبة عليه. فمن العسير تعقب الاسلحة هذه والحرص على عدم وقوعها في أيادٍ غير امينة.

والحق يقال، ليس نموذج التدخل المقترح ضمانة انتهاء الامور في سورية الى ما يرام وبلوغها بر الامان والاستقرار. ولم يترتب على إطاحة معمر القذافي تحول ليبيا جنة على الارض. ولكن المخاطر المترتبة على الحلول الاخرى أفدح من التدخل المقترح.

* باحث ومحلل ومستشار في الشؤون السياسية الاوروبية والدولية، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 26/10/2012، إعداد منال نحاس

الحياة

خطوتان للإدارة الأميركية المقبلة تجاه الأزمة السورية

ديفيد شينكر *

خلال زيارة قمتُ بها إلى لبنان في وقت سابق من الشهر الجاري، عبّر لي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، المعروف بمواقفه الصريحة، عن امتعاضه الشديد من غياب سياسة أميركية جدية من شأنها وضع حدّ للقتل والدمار الوحشيين في سورية. وكان جنبلاط محقاً في ذلك، فقد أثبتت السياسة التي اعتمدتها إدارة أوباما حيال سورية منذ بداية الانتفاضة افتقارها إلى القيادة وإلى الطابع الملح.

وحتى قبل اندلاع الثورة الشعبية، بدت سياسة الإدارة القائمة على محاولة التحاور بطريقة ديبلوماسية مع الديكتاتور المتعنّت، سياسة مضللة. لكن، على مدى الأشهر التسعة عشر الماضية، تفاقم الخطأ المبكر الذي ارتكبته الإدارة، أولاً من خلال الاعتراض على تسليح الانتفاضة ومن ثمّ من خلال تركيز الجهود على المجلس الوطني السوري السيئ الحظ، وبعدها من خلال تعهيد قيادة السياسة تجاه سورية إلى الأتراك والفرنسيين وأخيراً إلى الولايات المتّحدة.

وكشفت المقاربة المعتمدة عن سوء قراءة تام لطبيعة نظام الأسد ولمسار الأحداث ميدانياً في سورية.

وإلى جانب الخسائر البشرية الهائلة والخسارة الكبيرة في الإرث التاريخي السوري، تسبب عجز إدارة أوباما، إلى الآن، عن صوغ وإطلاق ردّ فاعل على المجزرة بإضفاء طابع نزاع متطرّف وإسلامي وجهادي على النزاع، علماً أنّه يصعب، لا بل يستحيل، عكس هذه الظاهرة.

والحق أنّ سورية – في عهدي حافظ وبشّار – تجد دوماً صعوبة في التعامل مع صنّاع السياسات الأميركية، ففي عام 2003، حين كنتُ مسؤولاً عن الشؤون السورية في وزارة الدفاع الأميركية في إدارة بوش، أوكل إليّ وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مهمّة وضع استراتيجية تهدف إلى «ممارسة المزيد من الضغوط على سورية» التي كانت ترسل عدداً كبيراً من المتمردين إلى العراق آنذاك. وقبل الشروع في كتابة الاستراتيجية، استشرتُ مساعد وزير الدفاع آنذاك بيتر رودمان الذي عمل مع هنري كيسنجر في إدارتي نيكسون وفورد، وأخبرني رودمان أنّ كيسنجر كلّفه المهمة نفسها في عام 1973. وفي النهاية، فيما فرضت إدارة بوش سلسلة من العقوبات المؤلمة على سورية – بما تشمل إجراءات بالغة الصرامة ضد «المصرف التجاري السوري» ورامي مخلوف، نسيب الأسد، الذي يموّل النظام – ودعمت اللبنانيين المعارضين لسورية في سياق الجهود البطولية التي بذلوها لوضع حدّ للاحتلال السوري الوحشي، لم ننجح يوماً في تغيير سلوك الأسد المتهوّر والإجرامي. وبصرف النظر عمّا إذا كان سيتمّ انتخاب ميت رومني أو باراك أوباما في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، يقدّم وصول الإدارة المقبلة فرصة لتغيير السياسة الأميركية حيال سورية.

ويجب أن تقوم الخطوة الأولى على وضع حدّ للاعتراض غير المبرر على تسليح الجيش السوري الحرّ. وفيما أسدت قطر والمملكة العربية السعودية خدمة مهمّة مع توفيرها أسلحة لدعم الثورة، يشار إلى أن ميل هذه الدول إلى تسليح المقاتلين الإسلاميين الذين سيسعون بلا أدنى شك، بعد إطاحة الأسد، إلى تغيير آفاق سورية الدينية المتسامحة والمعتدلة، لا يصب في مصلحة أي من سورية أو الأميركيين.

وعقب الانتخابات، يجب أن تمضي واشنطن قدماً في تزويد وحدات الجيش السوري الحر بالأسلحة الضرورية من أجل إنهاء الحرب في شكل أسرع. وأشار الحاكم رومني إلى أنّه سيعتمد هذه السياسة في حال انتخابه. ومن الممكن أن يسير أوباما في الاتجاه نفسه أيضاً في حال إعادة انتخابه بعد أن يتحرّر من القيود الانتخابية.

والمنطق السائد في هذا الصدد بسيط، فكلما طالت مدة القتال، صعُب تلافي العقوبات العنيفة ضد المجتمعات العرقية والدينية التي ارتكبت أو شوهدت تدعم الأفعال الوحشية التي ارتكبها النظام. في الوقت نفسه، سيؤدي استمرار القتال إلى إنتاج سورية متصدّعة تعمّ فيها الفوضى وتحكمها الميليشيات المسلحة وربما الإسلامية بعد سقوط الأسد، علماً أنّه احتمال خطير في بلد يملك أحد أكثر برامج الأسلحة الكيماوية تطوّراً في المنطقة.

ويجدر بواشنطن في الخطوة الثانية أن تطبّق على الفور مبادرة ديبلوماسية قائمة على التوصل إلى توافق عربي لدعم فرض منطقة حظر جوي لمراقبة الأراضي التي تحرّرت من الأسد شمالي سورية. ومن الواضح أنّ روسيا والصين لن تتراجعا عن معارضتهما في الأمم المتحدّة لأي تحرّك دولي متفق عليه لحماية الشعب السوري. وفي ظلّ غياب ما يسمى بـ «الشرعية الدولية»، قد يساهم الدعم العربي لتدخّل عسكري في تشجيع سياسة أميركية أكثر قيادية.

والأفضل أن تتمكن القيادة العربية من فرض حظر جوي وإرسال قوات لحفظ السلام في مرحلة ما بعد الأسد. وفي مطلق الأحوال، تمّ إرسال قوات جوية قطرية وإماراتية وأردنية خلال النزاع الليبي. وعلى خلاف العراق، وبعد أن يتمّ التخلّص من الأسد، يجب أن تكون الدول العربية، وليس الولايات المتحدّة، مستعدة لاستثمار أموالها وقواتها بهدف فرض الاستقرار بعد الحرب والجهود المبذولة لإعادة إعمار البلاد.

وبالنظر إلى القدرات التي برزت في ليبيا، ما من سبب يدعو الولايات المتحدّة إلى تحمّل العبء والمجازفة وحدها في سورية. والجدير ذكره أنّه على رغم أنّ التدخّل العسكري الأميركي كان مرحّباً به في الثورة الليبية، تفيد التجربة بأنّه سيتمّ في آن شكر الولايات المتحدّة ولعنها لمساعدتها على تحرير سورية.

ولا شكّ في أنّ سورية شكّلت على مرّ التاريخ مشكلة سياسية مربكة بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، إلا أنّ التدخّل الآن للمساعدة على وضع حدّ لنظام الأسد يجب ألا يكون قراراً صعباً، حيث إن الديكتاتور لم يكتفِ بقتل عشرات الآلاف من الأشخاص في الداخل، بل قوّض المصالح الأميركية في لبنان وإسرائيل وكان مسؤولاً عن مقتل مئات الجنود الأميركيين في العراق بين عامي 2003 و2009. فضلاً عن ذلك، قد يشكّل سقوط الأسد هزيمة للنظام الثيوقراطي في طهران. وسيعكس الدعم العسكري للثورة السورية الاهتمامات الإنسانية والمصالح الاستراتيجية الأميركية. وهي سياسة يجب أن يعتمدها كل من الرئيس الأميركي المقبل والدول العربية.

* مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. عمل من عام 2002 إلى عام 2006، مديراً لمنطقة الشرق في مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.

الاتحاد

توحيد المعارضة السورية

فولكر بيرتس

يُعرِب الناشطون في المعارضة السورية على نحو منتظم عن خيبة أملهم إزاء مستوى الدعم الدولي الذي يتلقونه . ورغم أن الاجتماع الأخير لما يسمى »أصدقاء سوريا« (مجموعة من الدول التي يجتمع ممثلوها بشكل دوري لمناقشة الوضع في سوريا خارج نطاق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) جلب المزيد من المساعدات المالية، فإن درجة الالتزام الحقيقي في الخارج بالقضية تظل موضع تساؤل وشك .

إن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وأغلب الدول العربية تتفق على أن نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا لم يعد شرعياً . ولقد كثفت هذه الدول العقوبات ضد الحكومة، كما قدمت أنواعاً مختلفة من الدعم لجماعات المعارضة . وبعض الدول قدمت أسلحة آلية وذخائر وقذائف صاروخية . ولكن معين الأسلحة نضب، وتظل توسلات الثوار طلباً للأسلحة المضادة للطائرات بلا إجابة .

علاوة على ذلك فإن لا الدول المجاورة لسوريا ولا الحكومات الغربية على استعداد للتدخل عسكرياً . بل إنها على الرغم من تعبيرها عن التضامن رفضت إقامة منطقة حماية للمدنيين السوريين على طول الحدود مع الدول المجاورة، أو فرض منطقة حظر جوي لردع الطائرات العسكرية السورية . ونتيجة لهذا فإن جماعات المعارضة السورية تعتقد أنها تُرِكَت في مواجهة نظام الأسد الوحشي وحدها .

ولكن يتعين على المعارضين السوريين أن يدركوا أن الافتقار إلى العمل الدولي الحاسم لا يرجع فقط إلى استخدام روسيا والصين لحق النقض ضد أي إجراء حقيقي في مجلس الأمن، أو عزوف دول منظمة حلف شمال الأطلسي عن الدخول في حرب أخرى في المنطقة . الواقع أن المجتمع الدولي ينتظر من المعارضة غير المنظمة في سوريا أن تحول نفسها إلى قوة متماسكة فعّالة، بقدر ما تنتظر المعارضة تحرك المجتمع الدولي . وهذا يستلزم تشكيل أرضية مشتركة تمثل كل المجموعات ذات الصلة، بما في ذلك لجان التنسيق المحلية، واتحاد منسقي الثورة السورية، والمجلس العسكري للجيش السوري الحر .

لا شك أن الثوار أحرزوا بعض التقدم . فقد أسسوا أربعة مجالس عسكرية إقليمية، وهو ما ساعد على ترسيخ زعامتهم وتوطيد سيطرتهم على مساحات كبيرة من البلاد، وخاصة بالقرب من الحدود التركية .

ورغم ذلك فإن المعارضة السورية فشلت حتى الآن في تقديم نفسها كجهة فاعلة موحدة . وهو أمر يبعث على الدهشة إذا ما علمنا أن شخصيات مؤثرة وتحظى باحترام كبير وأحزاباً سياسية كانت تتحدث باسم المعارضة في المحافل الدولية

فالمجلس الوطني السوري على سبيل المثال يضم العديد من مثل هذه الشخصيات، ولقد تمكن من الحصول على الدعم المادي من عدة دول، لكنه ليس شاملاً بالقدر الكافي للعمل بوصفه الممثل الوحيد للمعارضة السورية . وكانت المحاولات الرامية إلى توسيع المجلس الوطني السوري غير ناجحة، نظراً للتحفظات التي أعربت عنها بعض المجموعات المهمة، مثل المنتدى الديمقراطي، بشأن الانضمام إلى منظمة تعتمد على رعاة أجانب .

 إن المعارضة السورية تحتاج إلى إنشاء منظمة جامعة مقبولة من الجميع، بما في ذلك الزعماء المدنيون والعسكريون الذين فرضهم الأمر الواقع والذين ظهروا محلياً على مدى العام ونصف العام الماضيين . وتسعى هذه المجموعات بالفعل إلى تحقيق هدف مشترك  إسقاط نظام الأسد  وأغلبها (باستثناءات قليلة لجماعات مسلحة متشددة) تأمل في بناء دولة سلمية شاملة وديمقراطية .

ولقد اقترحت شخصيات معارضة مؤثرة  مثل البرلماني والسجين السابق رياض سيف، وزعيم المجلس الوطني السوري السابق برهان غليون  تبني استراتيجيات واعدة لتشكيل مثل هذه المنظمة الجامعة . على سبيل المثال، بوسع »مجموعة من الحكماء« الذين لا يسعون إلى الحصول على مناصب سياسية أن يتولوا الإشراف على إنشاء مجلس مؤقت يشمل كل المجموعات والائتلافات السياسية المعنية، والمجالس العسكرية، ومجتمع الأعمال، والزعماء الدينيين .

ولكن مثل هذه الخطط لم تتحقق بسبب غياب الثقافة التعاونية . ولأن السوريين كانوا خاضعين لنظام استبدادي عميق، فإن هؤلاء الذين يكافحون من أجل إرساء نظام ديمقراطي يفتقرون إلى الخبرة في فن بناء التحالفات . ولم يتسن للساسة المحتملين قط قياس شعبيتهم في منافسات ديمقراطية . ونتيجة لهذا فإن عدداً ليس بالقليل منهم يبالغون في تقدير نفوذهم الفعلي ويميلون إلى المنافسة على الزعامة وليس التعاون .

لا أحد يطالب زعماء المعارضة بكنس خلافاتهم السياسية تحت البساط من أجل الحصول على دعم المجتمع الدولي . بل يتعين عليهم ببساطة أن يعملوا على إنشاء هيئة مشتركة تتقبلها كل المجموعات العاملة على الأرض، كما فعلت المعارضة الليبية عندما أنشأت المجلس الوطني الانتقالي .

إن الثورة السورية تمثل في الأساس تمرداً مدنياً سياسياً ضد الدكتاتورية  وهي تعمل تدريجياً على حل وتفكيك نظام الأسد . ويتعين على المعارضة أن تبدأ بوضع الأساس لنظام جديد يقوم على الوحدة والتعاون . وإلا فإن المجموعات الأصغر من المقاتلين المسلحين  والمدعومة، أو حتى المستغلة من قِبَل أطراف خارجية  سوف تحدد مستقبل سوريا .

* رئيس مجلس إدارة ومدير مؤسسة العلوم والسياسة، المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين . والمقال ينشر بترتيب مع »بروجيكت سنديكيت«

حان وقت المصالحة الوطنية في سورية

باتريك سيل *

شكّل الانهيار السريع لوقف إطلاق النار الذي دعا إليه الأخضر الإبراهيمي في سورية خيبة أمل كبيرة بالنسبة إلى كافة الأشخاص الذين أملوا مثلي في أن يكون حان الوقت لوقف القتل والبدء بعملية المصالحة الوطنية الصعبة. إنّما لم يفت الأوان بعد.

فعلى رغم بقاء العوائق الكثيفة قائمة، ثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأنه يمكن إنقاذ سورية، الدولة التي تقع في قلب النظام السياسي العربي، من الدمار والتفكّك الوطني. ولا شكّ في أنّ الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لإحلال السلام في سورية لم يستسلم، فهو لا يزال عازماً على جلب نظام الأسد وخصومه إلى طاولة المفاوضات قبل أن يتحوّل البلد برمّته إلى أنقاض.

ما هي العوائق التي تقف في وجه بلوغ حلّ سلمي؟ أولاً، يعاني المجتمع السوري من جراح عميقة جرّاء النزاع الوحشي الذي اندلع منذ عشرين شهراً. وقد يحتاج تبديد حالة غياب الثقة العميق والكره الشديد والتوق إلى الثأر الذي نشأ لدى الطرفين جرّاء القتال القاسي، إلى سنوات عديدة، كما لا يبدو أنّ أيّاً من الطرفين مستعد للمصالحة.

أما العائق الأساسي الآخر الذي يحول دون حصول مصالحة، فهو الدور المتزايد الذي تلعبه المجموعات الإسلامية المتطرّفة في الثورة، مثل «جبهة النصرة» وجماعات أخرى، فلا تملك هذه المجموعات أيّ مصلحة في وقف إطلاق النار ولا في حصول مفاوضات مع النظام، إذ يقوم هدفها على تدمير نظام البعث العلماني واستبداله بنظام إسلامي متشدّد.

وتبدو «جبهة النصرة» التي وصفها الباحث السويدي آرون لوند بأنها منبثقة من جناح تنظيم «القاعدة» في العراق متخصصة في التفجيرات الانتحارية في سورية وفي ارتكاب أعمال إرهابية أخرى. كما تمّ اعتبارها مسؤولة عن تفجير قنبلة في دمشق في أوّل أيام عيد الأضحى، الأمر الذي قوّض وقف إطلاق النار الذي دعا إليه الإبراهيمي. ووافق النظام على وقف إطلاق النار، إلا أنه احتفظ بحقّ الرد في حال تمّت مهاجمته، الأمر الذي لم يتردّد في فعله. والمؤسف أنّه كما أن الإسلاميين المتشددين يرفضون التعامل مع النظام، فإن النظام يرفض هو ايضاً التعامل معهم إلا باستخدام المدافع والمتفجرات. ولن يتمّ بسهولة ردم الهوة القائمة بين الطرفين.

لكن ثمة أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأنّ المفاوضات يجب أن تحصل. ويشعر معظم الفاعلين الخارجيين مهما كانت الجهة التي ينتمون إليها، بقلق متزايد حيال احتمال زعزعة استقرار المنطقة. فقد انتشر العنف إلى لبنان، كما أنه يهدّد الأردن، وفاقم ويلات العراق، وتسبّب بمشكلة كبيرة في تركيا التي تسعى جاهدة إلى معالجة مسألة بروز المناضلين الأكراد والتدفق الكثيف للاجئين السوريين. وفي أنقرة، ترتفع الأصوات المنتقدة لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بسبب تنديده العنيف والمتسرّع بالنظام السوري. وتكشف التصريحات الأخيرة القادمة من تركيا عن تراجع حدّة موقف اردوغان. إذ يبدو أنّ تركيا لم تعد مصرة على رحيل الرئيس بشار الأسد عن الساحة قبل بدء المفاوضات، كما بدأ عدد كبير من السوريين من الطرفين يقتنع أنّه لا يمكن حلّ النزاع بطريقة عسكرية، وبمعنى آخر لا يستطيع أيّ من الطرفين أن يأمل في تحقيق انتصار كامل. تمّت زعزعة النظام إنما لم يتمّ إسقاطه، ولا تزال الدولة السورية سليمة الى حد ما، بفضل دعم جيشها وضباطها وأجهزتها الأمنية القوية وشبكات حزب البعث المنتشرة في أنحاء البلد وبفضل دعم مجموعة من الموظفين المدنيين الأوفياء ودعم الأقليات وجزء من الأكثرية الصامتة التي لا تريد النظام بل تخشى مما قد يأتي بعده.

وتوقّع الثوّار حصول تدخّل عسكري خارجي لمصلحتهم، تماماً كما حصل في ليبيا، إلا أنّ أملهم خاب، فلا أحد يودّ التدخّل عسكرياً في سورية، لا الولايات المتحدّة ولا تركيا ولا الدول الأوروبية ولا حتى الدول العربية. لكن من دون التدخّل الخارجي لا أمل لدى الثوّار في هزيمة الجيش السوري. قد يخطئ الثوّار في تعليق آمالهم على وصول ميت رومني إلى سدّة الرئاسة الأميركية، فرومني هو أكثر عدائية من الرئيس باراك أوباما تجاه الحركات الإسلامية، كما يعارض – مثل اوباما – حصول تدخّل عسكري أميركي.

فضلاً عن ذلك، لا بدّ أنّ المعارضة السورية لاحظت أنّ الولايات المتحدة بدأت تنفي نفياً قاطعاً أنّها تنسّق عمليات إرسال الأسلحة إلى الثوّار أو أنها زوّدتهم كما يدّعي البعض بقذائف مضادة للطائرات من طراز «ستينغر». وتخشى واشنطن من أن تتحوّل سورية إلى أفغانستان أخرى وترتعد خوفاً من فكرة القتال إلى جانب تنظيم «القاعدة».

منذ البداية، تمّ ربط الانقضاض الخارجي على سورية بالانقضاض الموازي على إيران. وكانت إسرائيل تدفع الولايات المتحدّة إلى إسقاط النظام في طهران بالطريقة نفسها التي دفعت الولايات المتحدّة إلى الإطاحة بصدّام حسين في العراق عام 2003. ونجح أوباما في مقاومة دعوة إسرائيل إلى شنّ الحرب من خلال فرض عقوبات منقطعة النظير على الجمهورية الإسلامية. وعلى رغم أنّها تشلّ الاقتصاد وتتسبّب بمعاناة كبيرة للشعب، لا يزال النظام الإيراني يبدو صلباً. وفي عام 2003، تعرّضت بريطانيا لتضليل كبير لمشاركة الولايات المتحدة في غزو العراق، وهي لا ترغب في ارتكاب الخطأ نفسه من جديد. وبناء على المشورة القانونية القائلة بأنّ شنّ هجوم على إيران هو عمل غير قانوني، أبلغت بريطانيا الولايات المتحدّة أنها لن تسمح باستخدام قواعدها في قبرص ودييغو غارسيا في حال شنّ هجوم مماثل.

بطريقة أو بأخرى، تراجع خطر شنّ هجوم على إيران. وأشارت تقارير صحافية إلى أنّ الولايات المتحدّة وإيران أجرتا اتصالات سرية، الأمر الذي يزيد من احتمال حصول مفاوضات طموحة بعد الانتخابات الأميركية اذا أعيد انتخاب أوباما. ويشكّل مثل هذا التطوّر خبراً ساراً من شأنه تمهيد الطريق أمام التوصل إلى حلّ يتمّ التفاوض عليه في سورية.

وتجب الإشارة إلى عاملين مهمّين، فقد عادت مصر بقيادة الرئيس محمّد مرسي لتبرز على الساحة العالمية بعد تبعية دامت عقوداً للولايات المتحدة وإسرائيل. ويسعى مرسي إلى إرساء مجموعة اتصال إقليمية من شأنها الترويج لانتقال للسلطة يتمّ التفاوض عليه. والأهم من ذلك هو الدور الكبير الذي تلعبه روسيا في النزاع السوري. فقد دانت خبث الغرب في الدعوة إلى وقف لإطلاق النار فيما يقوم بتسليح الثوّار، علماً أنّها عرضت استضافة مفاوضات في موسكو.

وأظهرت الأزمة السورية أنّ الولايات المتحدّة التي طالما كانت تعدّ القوة الخارجية المسيطرة في الشرق الأوسط، لا تستطيع بعد الآن فرض رغبتها من جانب واحد على المنطقة. ويجب أن تأخذ بالاعتبار رغبات الآخرين ومصالحهم وفي طليعتهم روسيا.

لكن، في نهاية المطاف، يجدر بالسوريين أن يقرروا متى يجب وقف القتال، لا سيّما أنهم هم الذين يموتون، كما يتمّ تدمير منازلهم ومصانعهم ومدارسهم ومستشفياتهم. وتتمّ المساومة على مستقبل بلدهم كلاعب إقليمي أساسي يدافع عن المصالح العربية في وجه طموحات إسرائيل والولايات المتحدّة. لا شكّ في أنّ الوقت حان للإقرار بأنّه يجب استبدال الكره الأعمى بالحوار وبالتنازلات المتبادلة وبمحاولة التوصل إلى مصالحة مهما بلغت صعوبة هذا الأمر.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى