برهان غليونصبحي حديديصفحات سوريةعمر قدورفايز ساره

مقالات لكتاب سوريين تناولت أزمة عرسال الأخيرة

 

 

 

 

عرسال: هل هي تنويع جديد لمحاصصات فاسدة؟/ صبحي حديدي

إذا كانت «داعش» قد قدّمت للنظام السوري هدايا كثيرة، منذ صعودها كتنظيم عسكري مواظب على ارتكاب الجرائم الفظائع والقبائح التي توفّر نظائر مطابقة لما ترتكبه وحدات بشار الأسد العسكرية، وأجهزته، وميليشياته الطائفية منها بصفة خاصة؛ أفليس طبيعياً، والحال هذه، أن تقدّم «داعش» هدايا مماثلة لحلفاء النظام، في لبنان والعراق تحديداً؟ أليس ما جرى في عرسال، مراراً قبلئذ، في المواجهات مع «حزب الله»، وما يجري منذ أيام في مواجهات جديدة مع الجيش اللبناني، مدعوماً من «حزب الله» و»أمل» وفصائل أخرى حليفة للنظام السوري؛ بمثابة «ستراتيجية مخرج»، حتى إذا كانت ركيكة ومفضوحة ومكشوفة، يعتمدها حلفاء الأسد اللبنانيون لتبرير قتالهم إلى جانب نظامه، داخل سوريا؟

خلاصة قد تبدو بديهية، في نهاية المطاف، او حتى بسيطة وتبسيطية؛ الأمر الذي لا يلغي أهميتها في التحريض الميداني ضدّ النزوح السوري في لبنان، بادىء ذي بدء، وفي الخلفية البعيدة (كما تُقرأ ردود الفعل الغاضبة في اللبوة، وقطع الطريق على قافلة المساعدات الإنسانية إلى النازحين السوريين المحاصرين في عرسال)؛ وكذلك، استطراداً، وفي الخلفية السياسية الأقرب، ضدّ قوى الانتفاضة السورية، التي تعاني من «داعش» أكثر بكثير ممّا عانت عرسال. كذلك لا ينبغي لخلاصة كهذه أن تطمس حقيقة أخرى جوهرية، موازية بقدر ما هي وازنة، في المعادلة ذاتها: أنّ جماهير عرسال، في سوادهم الأعظم، كانوا على الدوام متعاطفين مع الانتفاضة، وقدّموا ما استطاعوا لإغاثة السوريين، حتى حين كانت طائرات الأسد تقصف بيوتهم، على مرأى ومسمع من وحدات الجيش اللبناني.

خلاصة أخرى، بديهية بدورها، وإنْ كانت أكثر احتفاءً بالتهويل الدرامي؛ هي أنّ مناخات «الالتفاف الوطني» الحارّ حول الجيش اللبناني، واتفاق جميع القوى والساسة والفئات على اجترار العبارة المكرورة التي تقول إنّ هذا الجيش «خطّ أحمر»… كانت، في الواقع، تعيد عزف أسطوانات مشروخة، كاذبة تماماً، ومنافقة مرائية، تفيد العكس… تماماً، أو تكاد: أنّ هذا الجيش منتهَك الكرامة، عسكرياً ومعنوياً، على يد مسلّحي «حزب الله» أوّلاً، والميليشيات كافة ثانياً؛ وأنّ الجوهر الأقصى لوظائفه بات منحصراً في… ترقية قائد الجيش إلى رتبة رئيس الجمهورية، حيث يسود الوئام الوطني ساعة، وتهيمن الانشطارات الطائفية والمذهبية والطبقية كلّ ساعة.

وللوهلة الأولى، قد يبدو مدهشاً أنّ هذه الخلاصة تعيد ترجيع أصداء ترددت عشية الانتخابات النيابية، صيف 2009، حين أكّدت النتائج مآلَيْن، منتظَرَيْن تماماً في الواقع: انتخاب نبيه برّي، لولاية خامسة، في رئاسة المجلس النيابي، أي المؤسسة ذاتها التي عطّلها عن سابق قصد وانحياز سياسي، وحوّلها إلى أضحوكة، طيلة أشهر؛ وتكريس سلطة المال السياسي الحريري في سدّة رئاسة الوزارة، استمراراً للنهج الذي دشّنه رفيق الحريري سنة 1992، في وزارته الأولى، وتوجّب أن يتابعه وريثه السياسي سعد الحريري. آنذاك، كما اليوم، بدت «الوحدة الوطنية» مختزَلة في هذا الوئام القديم/ الجديد حول مؤسسة الجيش، ثمّ بعدئذ في شخص الرئيس (العسكري) العتيد.

في عرسال، اليوم، تتكاتف آلة عسكرية متنافرة، وليست البتة تعددية «تحت سقف الوطن اللبناني»، إذا جازت الاستعارة من خطاب إعلام النظام السوري؛ لم يسبق لها ان تكاتفت على هذا النحو، العسكري أو التعبوي، في أية واقعة وطنية سابقة، وربما على امتداد تاريخ لبنان. في باطن هذا السياق، بدا «حزب الله» وكأنه عاد خطوة إلى الوراء ـ واحدة فقط، أغلب الظنّ! ـ عن التبشير الأحدث الذي طلع به حسن نصر الله قبل أشهر، في خطاب حماسي عاطفي مشبوب: «نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم»؛ «ونحن الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثنا عشري». كان ذاك هو الإعلان الأكثر وضوحاً عن هوية مذهبية للحزب، شيعية، لكنها تشدّد أيضاً على الركنَيْن، «الإماميّ» و«الإثنا عشري»، تحديداً. في عرسال الراهنة، يلوح أنّ الحزب عاد، وإنْ بمعدّل خطوة واحدة يتيمة، إلى خطاب سابق، حُرق واستُهلك واستُنفد، يشدد على الانتماء إلى الاجتماع السياسي اللبناني، «الوطني» هذه المرّة، وليس «الإماميّ» و»الإثنا عشري».

يُراد لنا، إذاً، أن نكون في منأى عن ـ وعلى مبعدة بعيدة… بعيدة من ـ «غزوة بيروت» في أيار (مايو) 2008 (ساعة اتضح أنّ «حزب التحرير» استدار ببندقيته، على عكس ما أقسم قادته مراراً، نحو خصم محلّي، ونحو المجتمع اللبناني في المحصلة)؛ والعجز عن الثأر لمقتل عماد مغنية، في سياق ما أسماه نصر الله «الحرب المفتوحة» على إسرائيل؛ وعدم ترجمة مبادىء الميثاق الجديد، حتى تلك الفضفاضة في مصطلحاتها «الوطنية»، إلى تطبيقات سياسية واجتماعية على الأرض… كلّ هذه كانت عوامل تعيد «حزب الله» إلى صياغات تأسيسه الأولى، وتضعه في قلب ارتباطات أحلاف الخارج، هذه التي لم يسبق له أن انفكّ عنها تماماً في الواقع.

في تلك الحقبة، تحديداً، ويا لمحاسن الصدف التي ليست مصادفات عشوائية أبداً، أجرى وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلّم، حواراً مع غابرييلا رفكند، من صحيفة الـ«غارديان» البريطانية، قال فيه: «يمكن للانسحاب من الجولان أن يتمّ على مراحل، تنطوي توقيتاتها على شكل من التطبيع. نصف الجولان يمكن أن يفضي إلى إنهاء العداء.

ثلاثة أرباع الجولان، تفتح ممثلية لرعاية المصالح الإسرائيلية في السفارة الأمريكية. الانسحاب الكامل سوف يسمح بسفارة سوريا في إسرائيل».

وحين سألته رفكند عن العلاقات مع إيران و«حزب الله»، لم يقل المعلّم إنها «خطّ أحمر»، جرياً على الموضة الشائعة، بل أجاب ببساطة: نتولى أمرها بعد الانسحاب!

فإذا صحّ، في العودة إلى استهلال هذه السطور، أنّ «داعش» قدّمت في عرسال هدايا ثمينة إلى «حزب الله»، وخاصة لجهة اعتصار تسويغات جديدة لقتال الحزب إلى جانب الأسد في سوريا؛ فهل يصحّ أن تكون عرسال الراهنة واقعة منقطعة عن سياقاتها اللبنانية ـ اللبنانية، وخاصة تلك المتصلة بمعادلات سلاح «حزب الله»؟ أم أنّ عرسال الراهنة، ضمن استطرادات منطقية بسيطة وتبسيطية، ليست أقلّ من تنويع جديد لتلك المحاصصات الفاسدة، السياسية والطائفية والمالية، التي عاثت فساداً بحياة لبنان واللبنانيين، طيلة عقود، وشارك في صناعتها جميع الساسة والأحزب والقوى والفئات؛ بلا استثناء تقريباً، وفي الطليعة «حزب الله»، الشيعي، والإمامي، والإثنا عشري… من غير أهلّة اقتباس هذه المرّة؟

في صياغة أخرى، حين تفشل قوى 14 آذار، أو ما تبقى من ركام تكوينها السياسي، في التمييز بين ثلاثة مستويات للنقاش حول عرسال (حقّ أهل عرسال في طرد «داعش» من البلدة، ثمّ واجب الحكومة اللبنانية في الإبقاء على سلاح واحد شرعي في البلدة، هو سلاح الجيش؛ وأخيراً، ردّ واقعة حضور «داعش» في عرسال إلى جذورها، أي تدخّل «حزب الله» عسكرياً في سوريا لصالح نظام الأسد)؛ فإنّ مآلات هذا الفشل سوف تنتهي إلى اختزال عرسال لا كما يعلن الجيش اللبناني، أو يتشدّق الساسة الحريصون على قدسية «الخطّ الأحمر»؛ بل على النحو الذي يشتهيه «حزب الله» وحلفاؤه (لبنان إثنا عشري أمس، وطني اليوم، وغداً… لكلّ حادث حديث)، وبالتالي تسفر عن، وتفسح المجال كلّه أمام، تعبيرات عنصرية ومشاعر كراهية وحقد ضدّ السوريين.

أسئلة متروكة لإجابات اللبنانيين، ليس على مبدأ أنهم أدرى بشعابهم، فحسب؛ بل، كذلك، لأنّ الليالي من الزمان حبالى… مثقلات يلدن كلّ عجيب!

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

 

 

 

رسالة عتاب إلى وليد جنبلاط وأصدقائنا اللبنانيين/ برهان غليون

ليس للمقاتلين السوريين أية مصلحة في نقل الحرب إلى عرسال لبنان، فهي أولاً الجهة الوحيدة التي يتنفس منها مقاتلو القلمون، وفيها ١٤٠ ألف نازح، معظمهم من دمشق ومناطقها، من بينهم بعض عوائل المقاتلين ونسائهم وأطفالهم. هذا ما منعهم من القيام بأي أعمال قتالية، حتى الآن فيها، حرصاً على أهاليهم، وحفاظاً على هدوء متنفسهم الوحيد. بضغط كبير من حزب الله الذي تعرض، في الأسبوعين الأخيرين، لخسائر بشرية كبيرة في القلمون، ومن خلال استدراج جماعات النصرة وداعش إلى القتال، ردا على اعتقال قائد لواء فجر الإسلام، أحمد جمعة، تم دفع الجيش اللبناني إلى عمل انتقامي في عرسال، يطمئن حاضنة حالش اللبنانية، ويضيق الخناق وإمكانية الحركة والمناورة العسكرية على المقاتلين السوريين في القلمون، ويقضي على ما تبقى من تواصلهم مع قاعدتهم الاجتماعية.

لم تكن المجزرة التي وقعت مرتجلة، لكنها كانت مدبرة، وجزءاً من خطة حزب الله في الضغط على مقاتلي القلمون، تماماً كما تفعل ميليشيات بشار في المدن السورية المختلفة، عندما ترد على هزائمها في الميدان، بالضرب العشوائي على المدنيين، وترويعهم من باب الضغط على المقاتلين، وتدمير حاضنتهم الشعبية والسياسية. وفي هذا السياق، تم إحراق أكثر

“مؤسفٌ أن الأطراف السياسية اللبنانية، بمن فيهم أصدقاء لنا، يقبلون تجيير هذه المجازر، التي ارتكبت بحق اللاجئين السوريين، لحساب الحرب ضد الإرهاب، من دون أن يصدر عن أي طرف لبناني إدانة، ولو ضعيفة، للقتل المجاني للمدنيين السوريين”

من ١٧ مخيماً من ٢٤ من المخيمات المنتشرة في المنطقة عمداً، مع منع اللاجئين من الفرار لتلقينهم، على أفضل وجه، درس القتل المجاني الذي أصبح عملة رائجة على يد ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، وحلفائه في سورية ولبنان.

منذ بداية الثورة، كنا نقول إنه ليس للسوريين جدول أعمال آخر غير إسقاط الأسد، وليس لهم أجندة لا في لبنان، ولا في غيره من الدول المجاورة، ولا يهمهم أمر من يحكم، أو لا يحكم في لبنان، طالما بقي لبنان بعيداً عن التدخل في الشؤون السورية. ولا يزال هذا هو موقف المقاتلين السوريين في القلمون وسورية كلها، حتى بعد أن غزت مرتزقة حزب الله الأراضي السورية، دفاعاً عن نظام الجريمة والدمار، وقامت بأعمال لا تقل إجراما عنه. وها هي تقف، اليوم، خلف مجزرة جديدة في عرسال، دفعت إليها الجيش اللبناني، الذي أصبح ميليشيا خاضعة لها، لا تختلف عن المجازر اليومية، التي ترتكبها على الأرض السورية نفسها.

مؤسفٌ أن الأطراف السياسية اللبنانية، بمن فيهم أصدقاء لنا، يقبلون تجيير هذه المجازر، التي ارتكبت بحق اللاجئين السوريين، لحساب الحرب ضد الإرهاب، من دون أن يصدر عن أي طرف لبناني إدانة، ولو ضعيفة، للقتل المجاني للمدنيين السوريين، ولا قدم أحدهم طلباً واحداً بتحقيق لبناني، أو دولي، لمحاسبة المسؤولين عن إهدار حياة اللاجئين من غير المقاتلين، أيّاً كانت صفتهم. هكذا، قُيض للإجماع الوطني اللبناني أن يتحقق، لأول مرة في تاريخ لبنان الحديث، على أجساد الأطفال السوريين المحروقة، وصار قتلهم وحرق مخيماتهم أمراً طبيعياً ومبرراً في سياق مواجهة الإرهابيين، وثمناً مقبولاً للحفاظ على سيادة لبنان، الذي أكثر ما يميز دولته هو اقتسام سيادتها بين زعماء الطوائف والعشائر، الذين يستخدمونها كرصيدهم الرئيسي منذ عقود، في علاقاتهم الخاصة الإقليمية والدولية، ويدافعون عن نصيبهم منها بالسلاح والرماح.

هذه المحرقة الجديدة في عرسال لبنان أرادها حزب الله، لاستكمال حرب القلمون، التي خسرها، وليس لأي هدف آخر، وهو المسؤول الرئيسي عن الضحايا، الذين سقطوا فيها من جميع الأطراف. ولو لم تكن هناك إرادة لدى قادة حزب الله، الحاكم الحقيقي في لبنان، ومن وراءه، في توسيع دائرة الحرب السورية إلى الأراضي اللبنانية، لما حصل ما حصل، وكان من الممكن التوصل إلى تسوية سريعة لإخراج المقاتلين السوريين الموجودين في عرسال منها، ومنعهم من العودة إليها، مقابل ضمانات حقيقية لحماية اللاجئين السوريين في البلدة، وهو ما كان قد عرضه بعض قادة الكتائب السورية في القلمون. وخرق الجيش اللبناني المتكرر للهدن التي عقدت، أكثر من مرة، وإطلاقه النار على الوسطاء اللبنانيين، كما دلت إصابات الشيخ سالم الرافعي، والدكتور نبيل الحلبي، والشيخ جلال كلش، والناشط أحمد القصير، ثم محاصرة اللاجئين في مخيماتهم المشتعلة لمنعهم من الفرار، في أكثر مشاهد جرائم الإبادة الجماعية ترويعاً، جميعها مؤشرات إضافية على ذلك.

أمام إملاءات حزب الله، فضل زعماء لبنانيون كثر الانصياع، بعضهم من أجل تجنب الانفجار في لبنان، وآخرون من أجل التوصل، على أجساد السوريين، إلى اتفاق سياسي يحل عقدة رئيس الجمهورية المستعصية منذ أشهر، وبعضهم الثالث من أجل تمهيد الطريق إلى تجنيد الجيش اللبناني في الحرب الإقليمية الجارية على قدم وساق على الإرهاب، وفي سياقها، وبالاستفادة من الخلط بينها وبين أي احتجاج شعبي، على طريقة الأسد والمالكي، تصفية حسابات نخب عديدة فاشلة ومجرمة مع شعوبها. لا يهم أكثرهم مصير آلاف السوريين المشردين، ولا حياة الجنود اللبنانيين، الذين زجّوا في معركةٍ ليست لهم فيها ناقة ولا جمل: أعني حرب معاقبة المقاتلين السوريين، بتكبيد أهاليهم أكبر الفجائع الممكنة، وترويعهم وحرق خيمهم وأبنائهم، ودفعهم إلى ترك المكان، من دون أي ذنب، سوى تشردهم الذي كان لحزب الله الدور الأكبر فيه.

نعم، من حق اللبنانيين أن يدافعوا عن الاستقرار في لبنان، وأن يحموه من تسرب المقاتلين، وأن يواجهوا الإرهابيين، وأن لا يسمحوا لهم باتخاذ الأراضي اللبنانية قاعدة، كما يفعل المقاتلون أنفسهم في الأراضي السورية نفسها. لكن، عليهم أن يدركوا أمرين: أولهما أن

“في مواجهة فشل الدولة اللبنانية في تحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين السوريين، على الأمم المتحدة أن تقوم بواجباتها تجاههم. وعلى جامعة الدول العربية أن تساعد على إيجاد السبل اللازمة لوضع آلية لحمايتهم.”

الإرهاب لا يحارب بالإرهاب، وهذه هي جريمة بشار الأسد، الذي يبدو أن مسؤولين لبنانيين كثيرين قد مالوا إلى تبنيها في عرسال، أملا في أن يشاركوه “النصر” الذي تعلنه وسائل إعلامه اللبنانية، كل يوم، على الإرهاب. ثانياً أن من يريد أن يحمي بلده من الإرهاب، لا يقبل إرسال أبنائه بعشرات الألوف، تحت إمرة دولة أجنبية، لممارسته، على أوسع نطاق، في سورية المجاورة، جنبا إلى جنب مع إرهاب الدولة المسؤول عن قتل وجرح وتشريد الملايين من السوريين، وتدمير وطنهم وبلادهم. إذا لم يصدقوا ذلك، فما عليهم إلا أن ينظروا إلى ما حل بسورية نفسها، على يد إرهابي صغير، اعتقد أنه لا حل إلا بالقوة، وأن القوة هي الفتك المجاني والأعمى، وأنه سيكون الرابح الأكيد، لأنه هو الأقوى والأكثر قدرة على الفتك وسفك الدماء والدمار. من يرتبط ببشار وسياساته يقود بلده إلى المكان نفسه الذي قادها إليه.

لسورية شعب، وفي سورية مقاتلون يمكن الحديث والتفاهم معهم، لحفظ أمن لبنان واستقراره، غير المتطرفين والسفهاء، الذين قادوا البلاد والمنطقة إلى الخراب والدمار، ومن دونهم لا يمكن الوصول إلى أفضل مما وصل إليه، وأوصل سورية ولبنان معه، أطفال قاسم سليماني وأزلامه الصغار.

لا توجد دولة من دون احترام القانون وتطبيقه، وليس هناك قانون مع استباحة حياة الناس الأبرياء، ولا يمكن إنقاذ الدولة إلا بتحمل السلطة العمومية، أي الزعماء السياسيين، مسؤولياتهم، والعمل على تطبيق القانون، ومعاقبة كل من يخرقه، وإعادة الحقوق لأصحابها.

لبنان ليس في حالة حرب معلنة. والقتلى السوريون واللبنانيون في لبنان، بمن فيهم العسكريون، هم ضحايا الدولة اللبنانية، ما لم تكشف عن المسؤولين عن المذبحة وتعاقبهم، تماماً كما هو الحال في سورية وكل بلاد العالم.

في مواجهة فشل الدولة اللبنانية في تحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين السوريين، على الأمم المتحدة أن تقوم بواجباتها تجاههم. وعلى جامعة الدول العربية أن تساعد على إيجاد السبل اللازمة لوضع آلية لحمايتهم، ليس في لبنان فحسب، وإنما في جميع البلدان المجاورة التي لجأوا إليها. من دون ذلك، سوف يكون من واجب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وجميع قوى المعارضة السورية، القيام بهذا العمل، إذا لم نشأ أن يبدأ اللاجئون السوريون، كما كان قد حصل في المخيمات الفلسطينية، بتشكيل قوى الدفاع الذاتي، التي لن يستطيع أن يسيطر عليها، أو يمنع تشكيلها في هذه الحالة، أحد.

العربي الجديد

 

 

في لا جدوى الجدل حول عرسال/ عمر قدور

لا تضيف مواجهات عرسال الأخيرة جديداً إلى الجدل السوري اللبناني، حول أصل المشكلة. فحزب الله وحلفاؤه يجيّرون دخول المتطرفين إلى عرسال لإثبات صواب موقفهم عندما انخرط الحزب في الحرب على السوريين، كخطوة استباقية تحت زعم حماية لبنان منهم. مناهضو الحزب سيرون في التطورات الأخيرة، إثباتاً لمقولة أن تدخل الحزب في سوريا سيستدرج المواجهة إلى لبنان، وأن دعوة زعيمه المتقاتلين اللبنانيين وسواهم للقائه في الميدان السوري فحسب، ستنعكس أزمة في الداخل اللبناني عاجلاً أم آجلاً. إذاً، لا جديد حقاً سوى اتفاق الطرفين اللبنانيين على دعم الجيش في تصديه للإرهابيين، فيما يعكس تخوفاً عاماً لديهما؛ الحزب وحلفاؤه لا يريدان رؤية ذرائعهما تنهار مع وصول المواجهة إلى الداخل، ولا يريدان رؤية ميليشيات الحزب تنكفئ لمواصلة الحرب على الأراضي اللبنانية. أما خصوم الحزب، وإن استخدموا التطورات الأخيرة لإثبات صواب رؤيتهم، فهم غير متلهفين إلى تحقق تلك الرؤية لأن الإنذار بالخراب يختلف كلياً عن القبول أو الترحيب به.

كما هو واضح حتى الآن، ينال الجيش دعماً تاماً من النخبة السياسية اللبنانية كافة، التحفظات، التي يبديها البعض، هي لاحقة على الدعم غير المشروط، وهي أشبه بالتمنيات لا غير. التمني على الجيش بأن يمارس سلطته في ضبط الحدود على الجانبين هو أشبه بطلب المستحيل، لأنه يقتضي استدارة كاملة من قيادة الجيش عن الدور الذي ترسخ منذ قيادة إميل لحود له، وأيضاً عن الثلاثية الشهيرة «الشعب والجيش والمقاومة»، التي أرساها في البيانات الوزارية المتعاقبة نظام الوصاية، ولم يجرِ إلغاؤها إلا عندما تم التغاضي عملياً عن خروج المقاومة على دورها المفترض ومشاركتها في احتلال البلد الجار. أصحاب التمنيات يسجلون مواقفهم للذكرى، يتساوى في ذلك بعض السياسيين مع بعض المثقفين، وانطلاقاً من إدراكهم لهذا الواقع ليس ثمة حراك سياسي مواكب لعرسال، باستثناء التأكيد على دعم الجيش في مهمته وتحميله مسؤولية فشل سياسي، بلغ طوراً جديداً مع المستجدات السورية.

التركيز على فشل الحزب في معركته السورية، وعلى مشهد التوابيت العائدة، لم يثبت جدواه أيضاً، فلا القاعدة الشعبية للحزب تخلت عنه، ولا مقتل المئات على الأقل من كوادره وعناصره أنهك قيادة الحزب، أو ردعها عن توسيع حربها وصولاً إلى العراق. انتظار فشل الحزب، من دون فعالية سياسية مقابلة، لن يؤدي على الأرجح إلا لتحميل لبنان تبعات الفشل، وحيث أن الأحداث الميدانية في سوريا لم تمنح ميليشياته عودة ظافرة، فليس متوقعاً من المهزومين أن يقبلوا بتلقي هزيمة تالية على أرضهم. لقد كان سلوك العسكر العرب المهزومين دائماً على هذا المنوال، كلما تعرضوا لخسارة أمام عدو خارجي عوضوا عنها بإحكام الخناق على الداخل. لذا لا يمكننا تجاهل القول بأن الانتصار في عرسال مطلب حيوي للحزب، للتعويض عن الانتكاسات الأخيرة في معارك القلمون، بعد اعتقاده بأن اقتحام القصير ويبرود ورنكوس سينهي المعركة فيها. في فقه الهزيمة هذا، لا نعلم متى تُقلب إلى انتصارات إلهية، ومتى يعود العسكر ليقبضوا التعويض عن خساراتهم في الميدان، لكن التجربة تدلل على أن السياسيين الذين ينتظرون فشلهم وحسب، هم أول من يتعرض للانقضاض على أيديهم. لقد خبر أولئك السياسيون تجربة النصر الإلهي، وربما تكون أشبه بالنزهة قياساً إلى تجربة الهزيمة.

المبالغة في إظهار الدعم للجيش من قبل فئات وقفت دائماً على الضد من مشروع الدولة، لا يمكن أن يكون بريئاً البتة. وإذا أتى الآن كاستعاضة من الفريق نفسه عن عرقلته انتخاب الرئيس فهو يفضح أصلاً محاولة الالتفاف على مدنية الدولة، من خلال إبراز العسكرة كوجه وحيد ضامن للبلد. أيضاً، هذا ليس بجديد في المنطقة العربية، إذ طالما استُخدمت الجيوش من قبل الفئات التي تريد الانقلاب على مفهوم الدولة، وطالما كان الاستخدام تكتيكياً ومرحلياً، بغية الهيمنة على الجيش، ومن ثم إقصائه كمؤسسة، أي إلحاقه بالفئة المهيمنة كلياً. في المزاد الانفعالي تجاه وطنية الجيش، دائماً هناك مشاريع تريد سوقه في وجهة سياسية معينة، ودائماً ثمة من يلتحقون بالمزاد راضين أو مكرهين، ليكتشفوا فيما بعد أن المزاد أقيم على حسابهم وعلى حساب مصالحهم. فالجيوش ليست نزيهة أو محايدة أو وطنية بطبعها. هي كذلك عندما تكون ضمن نسق وطني عام مُتفق عليه، وعندما تتقيد بدورها الدستوري بحذافيره. وإذا كان البعض في المنطقة وخارجها يروّج للجيش كمدماك أول لتأسيس الدولة العتيدة، فإن التجارب السابقة ليست مشجعة إطلاقاً، لأن أي بناء للجيش لا يتزامن مع بناء مؤسسات الدولة ينذر بالقضاء على الأخيرة.

هي حالة شاذة، وربما غير مسبوقة، أن يجهد الجيش اللبناني من أجل حماية الحدود، بينما يعمل فصيل لبناني كقوة احتلال في بلد مجاور. وما لم يتجرأ اللبنانيون على تسمية الوقائع بمسمياتها، لن يكون ثمة سبيل للمضي في حل المعضلة الأصل؛ الإشارات الدبلوماسية إلى انخراط الحزب في سوريا غير كافية أيضاً لملامسة واقع النزوح السوري إلى لبنان. النزوح السوري ينقسم بين حالتين، الأولى إنسانية تحكمها القوانين الدولية المتعلقة بالكوارث والحروب، والثانية منهما تمثلها عرسال على أفضل وجه بسبب انتماء أغلب النازحين في عرسال إلى منطقة القلمون التي استهدفها الحزب بحرب شاملة. نازحو عرسال تنطبق عليهم المعاهدات المتعلقة بالحرب، والتي تُلزم قوات الاحتلال بواجبات محددة تجاه مدنيي البلد الواقع تحت احتلالها. نازحو القصير ويبرود ورنكوس وغيرهم من بلدات القلمون هم ضحايا احتلال الحزب لبلداتهم، واستهداف مخيماتهم بالقصف، أو منعهم من المغادرة في أثناء المعركة ضد الإرهابيين، ينضويان تحت جرائم الحرب المنصوص عليها في القانون الدولي، لأن معاهدات جنيف تُلزم الطرف المحتل بحماية المدنيين الواقعين تحت سلطته. مسؤولية الحزب عن نازحي عرسال مختلفة عن مسؤولية «الدولة» اللبنانية، ما دام الفصل قائماً بين الاثنين، فالجيش بدوره الوطني مسؤول عن إعادة الأمن، بينما الحزب مسؤول أولاً كقوة احتلال. وكما نعلم، فإن ارتكاب جرائم الحرب من قبل تنظيمات لا دول لا يعفي الأولى من تبعاتها. وعلى الأصعدة السياسية والأمنية والحقوقية لا يعفي الدول الراعية لتلك التنظيمات من مسؤولياتها.

إن لم يكن الآن فمتى يقرر من يقفون في صف الدولة اللبنانية الانحياز إليها؟ انتظار متغيرات دولية تؤذن بحل القضية السورية، لن يكون أفضل نتيجة من انتظارها سابقاً لإيجاد حل للصراعات اللبنانية، وفي كل الأحوال، عندما يأتي موسم الحل فهو يراعي القوى الفاعلة لا تلك المستكينة والمنتظرة. الجدل الحالي حول عرسال لا يتعدى السجال اللفظي، ما دامت الأفضلية فيه للذين يغلّبون المعركة على أسبابها الحقيقية، وعلى ذيولها المحتملة. لا يخفى هنا وجود معركتين في عرسال، الأولى يخوضها الجيش ضد الإرهابيين، والثانية يقودها حزب الله وحلفاؤه ضد النازحين والمتعاطفين معهم. تصوير المعركتين على أنهما واحدة لا يعني سوى أنها مسؤولية مشتركة لجميع القوى اللبنانية، وتبنياً ضمنياً لحرب الحزب في سوريا. التلطي وراء الحرب على الإرهاب لتنفيذ مآرب أخرى لم ينفع النظام السوري بكل ترسانته، بل تبين أنه استدرج الإرهاب فعلاً، وأن يوضع اللبنانيون «على غرار السوريين» تحت طائلة القول «إما أنا أو الإرهاب» فهذا اشتراط امتُحن جيداً في سوريا، ولم ينجح رغم سيل من الدماء؛ تكراره في لبنان لن يكون إلا تعميماً للفشل وللكارثة.

المستقبل

 

 

 

حتى لا نذهب أبعد من عرسال/ فايز سارة

مما لا شك فيه أن ما حدث في بلدة عرسال اللبنانية ومحيطها هو أمر مأساوي بالمعنى الإنساني، بما حدث فيه من تطورات، وما ترتب عليه من نتائج، كان بينها قتل وجرح وتشريد آلاف من اللاجئين السوريين الذين كانوا يقيمون في البلدة، وفي مخيمات قريبة منها، كما قُتل وجُرح لبنانيون من البلدة ومن خارجها بفعل الأحداث المؤسفة، التي كانت في جانبها السياسي والأمني لا تقل سوءا في نتائجها الكارثية على السوريين واللبنانيين، حيث ذهبت بالطرفين إلى مسارات أبعد من الصراع والاختلاف، في وقت يفترض أن يكون بينهما مساحات أوسع من أجل التوافق والاتفاق، أقله فيما يتعلق بالوجود السوري في لبنان، وكيفية معالجة ظروفه، وتطوير أشكال التعامل معه.

واستند ما حدث في عرسال إلى موضوعين أساسيين؛ أولهما تطورات واقعية تتصل بالوجود السوري في لبنان، والثاني واقع لبناني معقد، يتصل بموضوع السياسة اللبنانية في القضية السورية، والأبرز في الموضوع الأول يستند إلى زيادات كبيرة في أعداد اللاجئين، وأعداد كبيرة منهم تمركزت في عرسال ومحيطها لأسباب متعددة، وهذه شكلت أساسا لتغييرات في الواقع الديموغرافي السياسي والأمني في المنطقة، وفرضت مستويات من التغيير الاقتصادي – الاجتماعي وصولا إلى الثقافي، ويؤدي ما سبق لخلق أرضية لتوترات مرتقبة في المنطقة، يشكل الوجود السوري فيها عامل تفجير.

أما الموضوع الثاني، فيتصل بالسياسة اللبنانية في الموقف من القضية السورية، والمنقسمة بصورة حادة حيال الوضع السوري، حيث قسمٌ معظمه من تيار «8 آذار» على رأسه «حزب الله»، يدعم سياسات نظام بشار الأسد، ويرسل مقاتلين للمشاركة في حرب النظام على السوريين، وقسم أكثره من «14 آذار»، يعلن وقوفه إلى جانب الثورة ومطالب الشعب السوري، وأبرز قواه تيار المستقبل، وفي صفوفه جماعات إسلامية متشددة.

ووسط تلك الحالة من عوامل الشد والتوتر، انطلقت شرارة أحداث عرسال، التي لم تكن معزولة عن أجندات ثلاث، وإن كانت متباينة في ظاهرها، فقد كانت متوافقة في أهدافها من حيث خلق توتر في لبنان يغطي على استمرار وتصعيد جرائم نظام الأسد ضد السوريين، ويعطي مبررات لاستمرار مواقف «حزب الله» وسياسات أنصاره في الموضوع السوري، إضافة إلى أنه يظهر جماعات التطرف الديني في سوريا على أنها صارت حاضرة وذات وزن وتأثير في لبنان، والأهداف الثلاثة تتناقض مع مصلحة اللاجئين السوريين من جهة، ومصلحة لبنان وعموم اللبنانيين من جهة ثانية.

إن الأبرز في نتائج ما حدث في عرسال، من الناحية السياسية، أنه وتر الأجواء السياسية والأمنية في منطقة عرسال خصوصا، وفي لبنان على نحو عام، وعمق واقع الانقسام والصراع في الداخل اللبناني من جهة، وفي الموقف من القضية السورية من جهة ثانية، ومن الناحية الإنسانية عرض اللاجئين السوريين ومواطنين لبنانيين من أبناء عرسال وغيرهم للموت والتشرد وإلى مزيد من المعاناة الإنسانية، كما ألحق الضرر بالسلطات اللبنانية المسؤولة بصورة مباشرة، ليس فقط عن حماية مواطنيها، إنما عن حماية وتأمين اللاجئين على أراضيها، طبقا لمحتويات القانون الدولي. لقد بُذلت محاولات متعددة من أطراف مختلفة لحصار أحداث عرسال، والحد من نتائجها الكارثية، والأهم عدم تكرارها. لكن النتائج كانت محدودة، بسبب موقف أصحاب الأجندات المتدخلين في الأحداث، وأولهم نظام الأسد وأجهزته، وكذلك أنصاره في لبنان، وخاصة «حزب الله»، وجماعات التطرف السورية، ومنها «داعش» و«النصرة» التي تسللت إلى هناك، وما زالت لديهم الأهداف ذاتها في تفجير الوضع في لبنان، وحول اللاجئين فيه بشكل خاص.

وما لم يحصل تبدل في المواقف والأجندات، فإن الوضع في لبنان سوف يسير إلى ترديات أوسع، وأكثر خطرا، تقوده نحو انفجار، يتجاوز موضوع اللاجئين إلى كل لبنان، وإن كان موضوع اللاجئين سيظل النقطة التي ينطلق منها موضوع الصراع اللبناني – اللبناني.

إن الخطوة الأولى التي يمكن أن تغير سيناريو انفجار الوضع اللبناني، تكمن في تثبيت ابتعاد لبنان عن تدخل مباشر أو غير مباشر في القضية السورية، وهذا لا يمكن أن يحصل مع استمرار إرسال «حزب الله» قواته للقتال إلى جانب النظام السوري، ومع استخدام «حزب الله» الجيش اللبناني واجهة له في التعدي على السوريين في لبنان، والخطوة الثانية، تبدو في التعامل مع موضوع اللاجئين بوصفه قضية إنسانية تتصل بالسوريين بوصفهم إخوة وجيرانا للبنانيين، ووفاء الدولة اللبنانية بالتزاماتها الدولية حيالهم، بما في ذلك وقف حملة التجييش والتحشيد العنصري ضدهم، التي تصاعدت في الفترة الأخيرة.

ولعله لا يحتاج إلى تأكيد أنه، وبالتزامن مع ما سبق، لا بد من تدخل سوري تقوم به قوى المعارضة، وعلى رأسها الائتلاف الوطني، أساسه التواصل مع السلطات اللبنانية ومع الفعاليات السياسية والاجتماعية، وتأكيد أن السوريين، بمن فيهم اللاجئون السوريون، معنيون بأمن وسلامة لبنان واللبنانيين، وبسيادة السلطات اللبنانية على أراضيها، وأن وجود اللاجئين هناك ظرف مؤقت، وأنهم ليسوا جزءا أو طرفا في الصراعات اللبنانية، وأنهم يعارضون تمدد جماعات التطرف الديني من «القاعدة» وأخواتها عبرهم، أو في أوساطهم في لبنان.

ولعله من المؤكد أن خطوات بهذا المحتوى، سوف تساهم في عدم تكرار عرسال أخرى، بل إنها يمكن أن تساهم في تصفية ما خلفته عرسال من آثار ونتائج سلبية في لبنان، وعلى صعيد العلاقات السورية – اللبنانية الآن وفي المستقبل.

كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف

الشرق الأوسط

 

 

 

 

عدو «حزب الله» الذي لا ينضب/ ملاذ الزعبي

«حزب الله» وكيل إيران في لبنان، هو في ذلك شقيق للنظام السوري، الوكيل العلماني للثورة الخمينية في دمشق، والشقيقان لا يشبهان بعضهما في الوكالة الإيرانية وحسب، بل هما كذلك، وعلى رغم اختلاف السياق وطبيعة النظام السياسي، كيانان يسعيان الى البقاء على رأس السلطة، كل في بلده.

في هذا توسل الحزب اللبناني منهجاً مختلفاً عن شقيقه السوري، لاختلافات في السياق وطبيعة النظام السياسي. ذاك أن النظام الطوائفي في لبنان كان يعني أن يحتاج الحزب أولاً إلى تفوق على الأحزاب والقوى التي يفترض بها تمثيل الطوائف الأخرى، فتحقق للحزب ذلك منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي باحتكاره سلاحاً وقوة عسكرية فاقت بمراحل حتى ما تملكه الدولة اللبنانية. كانت أمام الحزب مهمة أخرى أهم، تتمثل في ضمان ولاء مستمر له من جمهور طائفته حتى لا تتكرر تجارب ميليشيوية لبنانية أخرى.

ذاك أنه بعد 1983، عاش لبنان تجربة الكانتونات التي أنشأتها قوى متحاربة أو متحالفة في الحرب الأهلية. ولكن بعد استقرار كل كانتون على حدوده واقتصاده المافيوي وانتهاء المعارك والمواجهات مع قوى الكانتونات الأخرى، بدأت الشرعية الميليشيوية تتآكل داخل الكانتونات في غياب أي تهديد جدي من الآخر، فلم يعد العدو الخارجي مجدياً، ولم يعد المبدأ البسيط «نحن سنحميك من الآخر الساعي الى قتلك» قابلاً للتطبيق، فمارست هذه الميليشيات عنفاً داخلياً موجهاً نحو من تُدّعى حمايتهم.

لتجنب هذه المشكلة، ستسعى «دولة حزب الله» إلى اختلاق عدو دائم، لا يفنى ولا ينضب، لكنه لن يكون أبداً العدو الإسرائيلي على ما حاولت تصويره الماكينة الإعلامية لمحور الممانعة على مدى سنوات، بل سيبقى العدو الدائم، كما في أي نظام طائفي، متمثلاً بالآخر الطائفي، لا بالآخر الإسرائيلي حتى لو كان الأخير ينتهج سياسات كولونيالية وتوسعية. وكان الربط ضرورياً بين إسرائيل ورموز السنية السياسية في لبنان أو في الخليج لتحقيق أعلى درجات الالتفاف حول الحزب لدى جمهوره، كي تكون المعركة في مواجهة الآخر الطائفي، قبل أن تكون في مواجهة «العدو» الإسرائيلي. الالتفاف الصلب في الحالة الأولى سيكون بديهية غير قابلة للنقاش، والتململ متاح في الحالة الثانية، وبخاصة مع مقدار الدمار الذي كان يلحق بالجنوب اللبناني أو بضاحية بيروت الجنوبية. كان يتم تجنب هذا التململ في سنوات المواجهة مع إسرائيل عبر ربط تل أبيب بتيار المستقبل تارة وبالسلفية الجهادية تارة أخرى أو بالقاعدة أو بما كان يعرف بمحور الاعتدال العربي.

في حالة الثورة السورية، ولتبرير انخراطه في قتالها أمام جمهوره، يستحضر الأمين العام للحزب حسن نصر الله وماكينته الإعلامية خطاب «الحركات التكفيرية» و «حماية المراقد»، وهو خطاب أو تبرير يبدو فاعلاً بعد نحو خمسة عشر شهراً على تحول مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سورية إلى العلن، من دون أدنى تململ من جمهور الحزب الإلهي في مواجهة سيل جثامين المقاتلين المتدفقة من القلمون وحلب وريف دمشق وغيرها. دع جانباً النقاش حول خيار الانتصار للنظام السوري، الذي يعرفه اللبنانيون جيداً، في مواجهة شعبه المنتفض عليه.

أما في ما خص أخبار المشاركة في القتال في العراق، فالمؤكد أن نصر الله في غير مرة أتى على ذكر ما وصفه بالاضطهاد والاعتداءات على الشيعة في العراق وفي باكستان. فهل سيكون من المستغرب أن نرى يوماً جثامين لمقاتلين من «حزب الله» قضوا في بيشاور بعدما ذهبوا للقتال في كراتشي «حماية لأحد المراقد» هناك؟ من يعلم؟

* صحافي سوري

 

 

 

في عيد الجيشين وورطتهما/ عمر قدور

أن يتصادف عيد تأسيس الجيشين، السوري واللبناني، في اليوم نفسه فذلك دلالة على افتراقهما، وافتراق البلدين عشية استقلالهما. ثم، في ما بعد، لا يبدو أن هناك وجهاً للمقارنة بينهما؛ التركيبة السياسية الطائفية في لبنان ظهرت دائماً أقوى من الجيش، وحتى من مشروع الدولة ككل. نظيرتها السورية دخلت في صراع مع الجيش، استمر حوالي عقد ونصف، قبل أن يتمكن الأخير من سحقها تماماً ومصادرة الدولة كلها. وبينما كانت مكانة الجيش اللبناني تتدهور، وصولاً إلى الانشقاقات التي رافقت الحرب الأهلية، كانت مكانة نظيره السوري تتعزز وتقوى، أيضاً وصولاً إلى انخراطه في الحرب الأهلية اللبنانية.

قد لا يعرف الكثيرون أن الحرب الأهلية اللبنانية كانت أيضاً منعطفاً مؤثراً جداً في مسيرة الجيش السوري، فالتورط في لبنان كان آنذاك وسيلة حافظ الأسد لتفريغ الشحنة المعنوية التي حصل عليها الجيش مما سمي الانتصار في حرب تشرين التحريرية. فضلاً عن المكاسب السياسية الهامة، أتى التدخل في لبنان ليدشن دوراً جديداً غير متفق عليه في الداخل السوري، وتزامن هذا مع تعميم الفساد داخل المؤسسة العسكرية. لا أحد يعرف حتى الآن مقدار الخسائر التي تعرضت لها قوات النخبة السورية في لبنان، ومن المتوقع أن يكون إجمالي الخسائر يفوق بكثير جداً إجمالي الخسائر في الحروب التي خاضها الجيش ضد إسرائيل، لكن الأهم أن التورط في لبنان افتتح على نحو صريح مرحلة الإقطاعيات العسكرية الصغيرة، المتنافسة في ما بينها والتابعة لشخص الأسد. والأكثر أهمية أن هذه الإقطاعيات بدأت من خلال قياداتها بالكشف عن وجه طائفي، وراحت تبتلع المخصصات الكبرى على حساب الجيش ككل.

باختصار كان التدخل في لبنان تمريناً أول على أن الجيش لم يعد وطنياً، الأمر الذي تكرس بعد خمس سنوات في المواجهة مع الإخوان، وسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها في حماة، وبنسبة أقل في حلب. في المواجهة مع الإخوان ظهرت أهمية الإقطاعيات الطائفية، وتجلت أيضاً أهمية الخلاص من أمرائها الذين قد يهددون مشروع توريث الحكم، ما اقتضى الانقلاب عليهم بعد سحق التمرد. كان الجيش الذي ورث حافظ الأسد جزءاً منه، وأشرف على إنشاء وتقوية جزء آخر منه قد قُضي عليه عملياً كمؤسسة عامة وطنية. وإذا كانت هيئة الضباط والعناصر العائدين من لبنان بالمسروقات والمهرّبات أول خطوة في القضاء على هيبة المؤسسة فإن الفساد الداخلي وشراء أماكن الخدمة الإلزامية، وحتى شراء الإجازات، قد تكفلوا جميعاً بمهمة القضاء على الجيش، قبل انكشاف انكفائه إلى محاربة الداخل فحسب.

ما بين بدء الحرب الأهلية اللبنانية وانتهائها، لم تكن مؤسسة الجيش اللبناني هي التي تقوضت فقط، بل نظيرتها السورية أيضاً على رغم اختلاف الأسباب في الجهتين. لكن ما هو جدير بالملاحظة أن المؤسسة العسكرية اللبنانية راحت تأخذ مكانة أفضل مع نهاية الحرب الأهلية، وبدأ الجيش يحظى باحترام بوصفه قوة حفظ سلام أهلي، أما الجيش السوري فكان قد فقد مكانته نهائياً، وصولاً إلى انسحابه المذل من لبنان إثر اغتيال الحريري. وما لا يجوز تجاهله على هذا الصعيد أن القوة المستحدثة للجيش اللبناني، في ظل الوصاية السورية لم تبقَ بلا أثر سياسي ملموس، فقائده إميل لحود وصل إلى سدة الرئاسة بعد إنجازه لدور كبير في تمتين الأواصر مع الجيش السوري، ثم أتت تسوية الدوحة بقائده ميشال سليمان رئيساً، وبدا مؤخراً مع قائده الحالي أن قيادة الجيش قد تكون المدخل المعتاد لقصر بعبدا. من الواضح هنا أن عقم النخبة السياسية يفسح المجال أمام طموح العسكر، وهذا يعيد إلى الذاكرة الفترة المضطربة في سوريا التي تلت الاستقلال.

لكن العيد المشترك للجيشين هذا العام ربما لا يخلو مما هو مشترك بين حاليهما، فالجيش السوري الذي بدأ انكشافه الأخير منذ انطلاق الثورة ظهر في السنة الأخيرة على أسوأ هيئة متوقعة، من حيث تهافت أدائه العسكري واعتماده على ميليشيات حزب الله ومثيلاتها العراقية، ومن حيث تهافت أدائه الأخلاقي الذي تابعه السوريون سابقاً عن بعد في التجربة اللبنانية وتابعوه في الأشهر الماضية بالتسجيلات المصورة لعمليات السلب والنهب التي يقوم بها الجيش في المناطق السورية. أما الجيش اللبناني فتعرض قبل أيام من عيده لأول حادثة انشقاق على أساس طائفي، وعلى الطريقة ذاتها التي أعلن بها آلاف من المنشقين السوريين نقمتهم على جيشهم، بالتزامن مع دعوات متجددة للانشقاق عنه في مناسبة المواجهة الأخيرة في عرسال.

الواقعية فقط تقتضي القول بأن الجيش اللبناني يحاول قدر استطاعته حماية لبنان من ذيول الحدث السوري، لكن قيامه بنصف المهمة لجهة ضبطه الحدود من طرف واحد لا يبعده عن شبهة الانحياز إلى طرف النظام السوري وحلفائه اللبنانيين؛ الواقعية ذاتها تقتضي الاعتراف بذلك. وإذا كان تدخل الجيش السوري في لبنان استهل مرحلة سقوطه فإن محاذير ملامسة نظيره اللبناني للحدث السوري لا تقل خطورة، بخاصة مع توريطه في مواجهات لا يخفى على هوامشها الاحتقان والتحريض الطائفيين. اتفاق النخبة السياسية على دعم الجيش قد لا يتجاوز الفلكلور اللفظي، بما أنه لا يتزامن مع الاتفاق على حماية لبنان وعدم التدخل في الحرب السورية.

عيد مشترك لجيشين، وورطة كبيرة قد تصبح مشتركة بعد أن أزال حزب الله الحدود بين البلدين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى