صفحات سوريةعلي العبداللهغسان المفلحفايز سارههوشنك أوسيهوشنك بروكا

مقالات لكتاب سوريين تناولت المسألة الكردية في سورية

“الائتلاف” و”الاتحاد الديموقراطي” خطّان متوازيان/ هوشنك أوسي *

غداة إعلان «الائتلاف الوطني السوري» حكومة أحمد طعمة، الانتقاليّة – الموقّتة، بولادة عسيرة جداً، أعلن «حزب الاتحاد الديموقراطي» (الموالي للعمال الكردستاني) عن «الإدارة المدنيّة الموقّتة» في المناطق الكرديّة شمال وشمال شرقي سورية. وهذان الإعلانان – الحدثان، ليسا محض صدفة، بل يعكسان حجم التنافس والتنافر والتضاد في الاجندات والسياقات السياسيّة والأيديولوجيّة بين الجانبين.

إعلان «الاتحاد الديموقراطي» لم يكن منفرداً، كما أشيع وسوّق له، عبر حملة إعلاميّة تضليليّة واسعة النطاق في قنوات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي من جانب «الائتلاف» والمحسوبين عليه، بل شاركت في الإعلان عن تلك الإدارة أحزاب كرديّة صغيرة، وحزبان سريانيان وشخصيات عربيّة وشيشانيّة من سكّان تلك المناطق. وعليه، حتّى لو كان «الاتحاد الديموقراطي» عصب وعماد وبوصلة هذه الإدارة، ودور باقي الأحزاب المشاركة فيه لا يتعدّى «الديكور»، فإن هذه الخطوة أو المشروع الموقّت، لم يكن يسترعي كل هذه الشحنة العدوانيّة والتهويليّة والتحريضيّة من «الائتلاف» ورموزه! ذلك أن البيان الذي أصدره «الائتلاف» ردّاً على الخطوة الكرديّة السوريّة، فتح النار، في لغته ونبرته التصعيديّة، على «الائتلاف» قبل فتحه النار على الحزب الكردي السوري. زد على ذلك أن البيان ينمّ عن رفض تام وقاطع لإدارة أهالي المناطق ذات الغالبيّة الكرديّة شؤونهم بنفسهم، حاليّاً ومستقبلاً، ما فضح نيات «الائتلاف» وقادته ومشروعهم الوطني – المدني – الديموقراطي، المشتبه به، إن لم نقل: الكاذب.

فإذا كان حزب «الاتحاد الديموقراطي» «معادياً للثورة»، على حد وصف «الائتلاف»، فلماذا لم يصدر الأخير بياناً بهذه الصيغة والنبرة التحريضيّة قبل إعلان الحزب الكردي الإدارة الذاتيّة الموقّتة في المناطق الكرديّة؟ وهذا يعني أن جوهر الموضوع ليس أن من أعلن هذه الإدارة هو «الاتحاد الديموقراطي»، بل إن طرح تسيير الكرد لشؤونهم، حتّى لو كان على مستوى إدارة محليّة وليس حكماً ذاتيّاً أو فيديراليّاً، مرفوض من الأساس وبشكل قاطع، حتّى لو كان أي حزب آخر، موالياً وداعماً للثورة، وراء هذه الإدارة الموقتة!

ثم ان بيان «الائتلاف»، بنبرته العدوانية تلك، هو ما لم نشهد مثيلاً له في ما خص رفض سلطة «داعش» و «جبهة النصرة» وإرهابهما الطائفي المقيت، وسطوة هذين التنظيمين الإرهابيين على الثورة السورية ومحاربتهما الجيش الحرّ!؟. والأنكى من ذلك، اننا رأينا من رموز «الائتلاف» من هو مسيحي وشيوعي وعلماني ويعلن تأييده للمجموعات الإسلاميّة الإرهابيّة المتطفّلة على الثورة السوريّة (جورج صبرا نموذجاً!؟). وهذا فيما صدرت بيانات عدّة من «الائتلاف» و «الجيش الحرّ» تعتبر قتال «الاتحاد الديموقراطي» لـ «داعش» و «النصرة» قتالاً لـ «الجيش الحرّ»!.

وعلى رغم أن هذين التنظيمين أعلنا إمارات إسلاميّة ظلاميّة على الأرض السوريّة، واعتديا على الثورة والثوار والمواطنين والكنائس…، لم نجد «الائتلاف» يصدر بياناً سريعاً وعاجلاً ضدّهما وبتلك النبرة أو الصيغة ذاتها تجاه حزب الاتحاد الديموقراطي؟! علماً أن تلك الادارة، وفي الحد الأدنى، تشترك فيها مكوّنات المجتمع في تلك المناطق، إضافة إلى تنظيمات منتمية الى الائتلاف (المنظمة الآثورية الديموقراطيّة).

ثمّة انتقائيّة عنصريّة تستبطن خطاب «الائتلاف» في التعامل مع «الاتحاد الديموقراطي»، لجهة ترجيح كفة «داعش» و «النصرة «على كفّة الحزب الكردي غير الموالي لـ «الائتلاف»، والتغاضي عن إمارة «داعش» و «النصرة» في مقابل رفضه الإدارة المدنيّة الموقتة للكرد والعرب والمسيحيين في المناطق الكرديّة! ودوماً، بحجّة حماية سلامة الأراضي السوريّة والسيادة السوريّة، وأن مشاريع كهذه ستؤدّي إلى التقسيم، وأن ذلك مشروع انفصالي…، إلى آخر هذا الكلام الممجوج والهزلي. فالعمال الكردستاني وزعيمه اوجلان باتا يرفضان الانفصال والدولة القوميّة، و «الاتحاد الديموقراطي» باعتباره الفرع السوري للكردستاني، لن يشذّ عن هذه القاعدة. زد على ذلك ان هذا الحزب السوري من مؤسسي هيئة التنسيق، المعروفة بعروبيّتها وبميلها إلى الحلول التي لا تزعج وتقلق النظام السوري، هذا إن لم نقل إن الهيئة موالية لنظام الاسد!

وإذا كان «الاتحاد الديموقراطي» مرتبطاً بـ «أجندات إقليميّة» وفق بيان «الائتلاف»، (والكثير من المعطيات تشير إلى ذلك)، فإن «الائتلاف» نفسه وليد الأجندات الإقليميّة ورهينها، أكثر من «الاتحاد الديموقراطي» بكثير. وإذا قارنا حجم الإساءة التي ارتكبها «الائتلاف» بحق الثورة السوريّة، بما اقترفه «الاتحاد الديموقراطي»، وجدنا أن الأوّل تجاوز الثاني، أيضاً بكثير. والأمثلة أكثر من أن تحصى، لجهة التخبّط والفساد المالي والإداري، والصراع على الكراسي، ومنسوب التجاذبات والاستقطابات الداخليّة والإقليميّة والدوليّة!

وعليه، فبيان «الائتلاف» أكبر وأفضل هديّة لـ «الاتحاد الديموقراطي»، كي يحشد خلفه كل الكرد، (وهذه لعبته التي يتقنها ببراعة) بحيث يكون لسان حال الشارع الكردي: «لا فرق بين النظام والمعارضة. بل الأول أفضل من الثاني». وهذا ما يروّج له ويسوّق «الاتحاد الديموقراطي» بين الكرد السوريين، على مدى السنتين الماضيتين، ويأتي «الائتلاف» الآن، ليؤكد ذلك ويوثّقه!

فلن يفيد «الائتلاف» الاختباء وراء الكرد القدامى والجدد المنضوين فيه. ولن يفيده التواري خلف كل كردي معارض لحزب «الاتحاد الديموقراطي» ومنتقد لسياساته وسلوكيّاته. فبيان «الائتلاف»، زد على كونه من طينة الفضيحة وانكشاف النيات، يجبر الكثيرين من منتقدي «الاتحاد الديموقراطي»، وغير الراضين عن سياساته وممارساته، على وضع اختلافاتهم وانتقاداتهم جانباً، والوقوف معه ضد حلف «الائتلاف – داعش – النصرة» المناهض لمطالب الكرد والاقليّات القوميّة والطائفيّة الأخرى في سورية وطنيّة، ديموقراطيّة، مدنيّة، حقيقيّة، بعيداً من موروثات البعث.

* كاتب كردي سوري

الحياة

الأكراد في الائتلاف السوري/ فايز سارة!

سجلت اجتماعات الدورة الاخيرة للهيئة العامة للائتلاف الوطني تحولاً مهماً في ثلاثة من المسائل السياسية المطروحة على المعارضة السورية منذ انطلاقة الثورة السورية في اذار من العام 2011. وتمثلت المسالة الاولى في دخول المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف، وانضمام احد عشر عضواً ممثلين عنه الى الهيئة العامة، وسيتم اختيار اثنين منهم في الهيئة السياسية، واحد الاعضاء ليكون نائباً لرئيس الائتلاف، وكانت المسألة الثانية، اقرار موقف الائتلاف في الذهاب الى جنيف2 وفق محدادات باعتبارها بوابة لحل سياسي للقضية السورية، اما المسألة الثالثة، فكانت تشكيل الحكومة المؤقتة من جانب المعارضة من اجل ادارة الحياة العامة للسوريين سواء في الداخل السوري او مناطق اللجوء وخاصة في دول الجوار، حيث يتواجد أكثر من اربعة ملايين من السوريين.

ورغم الاهمية الكبيرة للنقاط الثلاثة، فان خصوصية انضمام المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف تجعلها مسألة تستحق الوقوف عند حيثياتها وتفاصيلها، ولعل الاهم في هذا الجانب، انها انهت حالة من التباعد بين الجماعات السياسية السورية العربية من جهة والكردية من جهة اخرى، وهو تباعد بدأ بعيد انطلاق الثورة السورية، وكان اساسه موقف الاحزاب الكردية بالتوجه الى بناء موقف مشترك للاكراد هدفه تحديد موقعهم وموقفهم في الثورة السورية ومايمكن ان تتمخض عنه الثورة السورية من نتائج وموقع الاكراد في المستقبل السوري، وقد ترتب على هذا التطور انسحاب الاحزاب الكردية من التحالفين الاساسيين السوريين القائمين: اعلان دمشق للتغيير الديمقراطي وهيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير، وحتى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لجأ الى حالة من تجميد نشاطه في هيئة التنسيق، وان لم يعلن خروجه منها.

وبطبيعة الحال، فقد استكملت اغلبية الاحزاب الكردية توجهها نحو صياغة موقف كردي خاص، عبرت عنه في تأسيس المجلس الوطني الكردي في اواخر العام 2011 الذي ضم معظم الاحزاب الكردية وشخصيات وفعاليات اجتماعية وثقافية في خطوة بدت موازية لتأسيس المجلس الوطني السوري الذي سبق مثيله الكردي بوقت قليل، وصاغ المجلس الوطني الكردي موقفه في اعلان تأييده لثورة السوريين ومشاركة الاكراد فيها باعتبارهم جزء من الشعب السوري، لكنه اضاف الى ذلك مطالب تتعلق بموقع الاكراد في مستقبل سوريا بالتركيز على موضوعين اولهما اعتراف بالقومية الكردية قومية ثانية في البلاد لها ذات المستوى من الحقوق التي يحصل عليها غيرها من المكونات القومية في البلاد، اضافة الى مطلب تطبيق ادارات ذاتية في المناطق ذات الاغلبية الكردية، واعتبار اللغة الكردية لغة ثانية في تلك المناطق في التعليم والتداول.

لقد سعى المجلس الوطني الكردي للتفاهم مع التكتلات السياسية في المعارضة السورية للتفاهم على تلك الرؤيا سواء مع المجلس الوطني السوري او مع الائتلاف، لكن النتائج كانت سلبية، ثم تكرر الامر بعد تشكيل الهيئة الكردية العليا في اواخر العام 2012، والتي جمعت المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي وآخرين، لكن النتائج لم تكن افضل من المرة السابقة، وبذلك تكرس تباعد التمثيل السياسي الكردي عن التحالفات السورية.

غير انه ومع التحولات التي شهدها الائتلاف بعد عملية التوسعة في صيف العام 2013، انفتحت ابواب جديدة في موضوع العلاقات بين الائتلاف والقوى السياسية الكردية، وفي اطارها، فتحت بوابة حوار ادت الى توقيع اتفاق بين الائتلاف والمجلس الوطني الكردي خلص الى تأكيد الائتلاف التزامه “الاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءًا أساسيًا من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضًا وشعبًا، والعمل على إلغاء كل السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق المواطنين الكرد ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعادة الحقوق لأصحابها. ونص الاتفاق على أن الائتلاف يرى أن سوريا الجديدة ديمقراطية مدنية تعددية، نظامها جمهوري برلماني يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية”.

ثم اعقب ذلك أخيراً القيام بخطوات عملية، رسخت وجود ممثلي المجلس الوطني الكردي داخل مؤسسات الائتلاف وهيئاته من الهيئة العامة الى الهيئة السياسية وصولا الى هيئة الرئاسة، كما بدأ ترسيخ وجود الاكراد في المؤسسات التابعة للائتلاف ومنها سفارت الائتلاف وممثلياته لدى الدول العربية والاجنبية وفي المؤسسات التي تتعامل مع الائتلاف، وبداية الخطوات التطبيقية في هذا المجال، تمثلت في تعين سفير للائتلاف في ممثلية المانيا.

ان الخلاصة الاساسية لماتم في علاقة الائتلاف مع التمثيل السياسي للاكراد ، تؤشر الى نهاية التباعد والقطيعة السياسية بين الطرفين، وتوحيد جهودهما المشتركة في العمل الوطني العام وخاصة ما اتصل منه بالثورة السورية وفعالياتها، وفتح باب المشاركة بين الجانبين وآخرين (منهم التركمان والاشوريين الذي ينتظر ضمهم الى الائتلاف) في رسم ملامح المستقبل السوري البديل عن النظام الحالي في نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، كما ان ما تم انجازه يعزز مسار مطلب وحدة المعارضة السورية، لانه يكسر حالة الأنكفاء على الذات التي سادت في اغلب التكوينات التحالفية في البلاد.

المستقبل

عن الكرد وسورية الجديدة…/ علي العبدالله *

لم يكن إعلان حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي إقامة إدارة ذاتية وليد اللحظة. فقد تواتر الحديث عن المشروع منذ بعض الوقت وسرب إلى وسائل الإعلام نص دستور مقترح لهذه الإدارة منذ تموز (يوليو) الماضي، كما أثير الموضوع في زيارات الأستاذ محمد صالح مسلم، رئيس الحزب، إلى تركيا وإيران، وقيل وقتها إنهما باركتاه، ودول أوروبية عدة.

ربط البعض بين الإعلان ودور ينفذه حزب الـ «ب. ي. د» في خدمة محور طهران – بغداد – دمشق وانخراطه العملياتي، الصريح واللوجستي، لصالحه (مقال الأستاذ آزاد أحمد علي في جريدة المستقبل: 17/11/2013). وذهب البعض إلى أبعد من ذلك باعتبار مشروع الحكم الذاتي الكردي خطوة لتبرير قيام دويلة علوية في الساحل (مقالة الأستاذ عبدالوهاب بدرخان في جريدة الحياة: 9/8/2013).

غير أن ما قيل غير كاف لتفسير ما حصل، فالحزب لم يطلق خطوته خدمة للمحور المذكور ولا لإعطاء ذريعة لإقامة دويلة علوية من قبل النظام، إن كان فعل لأجل ذلك، فقط بل وتنفيذاً لبرنامجه السياسي حيث أنه يسعى لفرض تصوراته وأجندته ليس على الدولة السورية فقط بل وعلى المجتمع والأحزاب والقوى الكردية كذلك، ولقد سنحت له فرصة لا تعوض: ضعف النظام وعجز قوى الثورة السورية، السياسية والعسكرية، عن الإمساك بالوضع حتى في المناطق المحررة فاستغلها واندفع للسيطرة على المساحة الجغرافية التي يسميها كردستان الغربية تمهيداً لما يراه من حل بإقامة حكم ذاتي في استنساخ لتجربة الكرد في العراق.

فالكرد يحلمون ويعملون منذ عقود لإقامة كيان يعبر عن تطلعاتهم القومية، والحزب المذكور هو القوة الكردية الوحيدة الجاهزة للإمساك بالفرصة والقيام بهذه الخطوة بالقياس إلى الأحزاب الكردية الأخرى التي تعيش حالة موت سريري إن على صعيد قواعدها وقدراتها أو قياداتها الهرمة أو شعبيتها الهزيلة، والنظام يعرف هذا الواقع جيداً، فقد كان على علاقة قوية مع كل الأحزاب الكردية طوال عقود سبعينات وثمانيات وتسعينات القرن الماضي في إطار تحالف غير معلن لمحاربة النظام العراقي السابق (مرحلة أدارها اللواء محمد منصورة عندما كان رئيساً للأمن العسكري في محافظة الحسكة باقتدار)، أما توقيت الإعلان عن الخطوة فمرتبط بما تم تداوله في وسائل الإعلام عن نية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تأسيس دولة إسلامية في المناطق المحررة، بما في ذلك المناطق الكردية، وتحركه لتأمين نجاح الخطة عبر بسط سيطرته على المناطق الحساسة وبخاصة المعابر الحدودية وآبار النفط.

لكن المشكلة في ما قام به حزب الـ «ب. ي. د»، إنه غير مأمون العواقب لأنه جاء كخطوة انفرادية لن يقبل بها لا الطرف المنتصر في الصراع، إن حصل نصر لطرف على طرف، ولا النظام الذي سينشأ عن الحل السياسي الذي يروج له عبر جنيف2، ناهيك بدول الجوار، وبخاصة التي فيها أجزاء كبيرة من الشعب الكردي، فوفق ما ورد في الإعلام فإن السيد مسلم دعي من قبل الحكومة التركية لمعرفة أبعاد الخطة التي يسعى لتنفيذها، وأنه تلقى تحذيرات من المساس بالأمن الوطني التركي ووعداً بالانفتاح على كرد سورية، وبدعم في محاربة القاعدة، من دون أن نغفل تحفظاً محلياً من قبل العرب والآشوريين والسريان في المحافظات المعنية، حتى الكرد شركاء الحزب في المصير وشركاؤه في الهيئة الكردية العليا لم يقبلوا الخطوة لاعتبارات تتعلق بموقفهم من علاقة الحزب بالكردستاني التركي وبعبدالله أوجلان في حين يميل قسم كبير منهم للبارزاني. كما أن النظام، بسماته المعروفة، لن يقبل بالخطوة وأن يصبح له شريك في إدارة البلد، وأن ما قام به من انسحاب من بعض البلدات والقرى تكتيك لخلط الأوراق وضرب الخصوم ببعضهم، خطوة موقتة سيتراجع عنها إذا ما استعاد قوته وغدا قادراً على سحب الوعود والتنازلات.

كان الأجدى للحزب وللكرد أن ينتظر إما انتصار الثورة أو الذهاب إلى المؤتمر الدولي وطرح موقفه ومطالبه باعتبار الكرد مكوناً في الشعب السوري وله مظلومية خاصة تحتاج معالجه خاصة. فبقراره هذا وضع نفسه خارج الوفاق الوطني واستعدى أطرافاً كثيرة، وهناك تخوف جدي من تحول الخطوة إلى مشكلة للكرد بانفجار صراع كردي كردي، كما وأضاف عقبة كأداء أمام جنيف2 حيث ستتحول الخطوة إلى مادة للسجال بين النظام والمعارضة، وداخل المعارضة ذاتها.

تأخر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في التعاطي مع الخطوة، نتيجة افتقاده لخطة استراتيجية سياسية وعسكرية، كثيراً، وأخطأ بعقده اتفاقاً مع طرف كردي (المجلس الوطني الكردي) دون الطرف الآخر (حزب الاتحاد الديموقراطي) فقد وضع بيضه في سلة واحدة وانحاز إلى طرف في الصراع الكردي الكردي، حيث كان الأجدى إجراء حوار مع الهيئة الكردية العليا التي يشارك فيها الحزب المذكور ومناقشة خطته والعمل على إقناعه بوضعها في سياق يخدم الثورة وأهدافها، كما لم يكن موفقاً في ردة فعله على الخطوة وشنه حملة إعلامية على الحزب واتهامه بمعاداة الثورة، فقد زادت الطين بلة، وباعدت بين المواقف أكثر فأكثر، والبحث في صورة سورية الجديدة ونظامها الديموقراطي التعددي الذي لا يميز بين المواطنين في الحقوق والواجبات ولا يفرق بينهم على أي أساس من دين أو مذهب أو عرق أو جنس، نظام أساسه عقد اجتماعي وطني سوري جديد في دستور جديد تضعه جمعية تأسيسية في المرحلة الانتقالية سواء بعد هزيمة النظام أو بعد الاتفاق معه على نقل السلطة إلى هيئة حاكمة كما ورد في بيان جنيف1، وطمأنتهم على حقوقهم ومستقبلهم في سورية الجديدة.

* كاتب سوري

الحياة

المسألة الكردية في الثورة السورية/ غسان المفلح

لا يوجد سوري على ما أظن يعترض على أن الكرد، كشعب اصيل في سورية، عانى منذ استقلال سورية اضطهادا قوميا إلى جانب الاضطهاد السياسي الذي عانى منه الشعب السوري عموما، منذ تسلم البعث السلطة، مرورا بانقلاباته، حتى وصلنا إلى مرحلة الوريث، بقي الحال كما هو عليه حتى اندلاع الثورة السورية، في حوران 2011 آذار. الحل يكون كما كنت اتصوره وفقا لحق تقرير المصير لأي شعب من الشعوب والشعب الكردي ليس استثناء، وانطلاقا من وضعية الكرد في سورية، أرى الاستفادة من النماذح السويسرية والالمانية، وغيرها من أجل انتاج نموذج سوري. مرت المسالة الكردية منذ الثورة وحتى الآن بثلاث مراحل:

المرحلة الاولى- منذ آذار2011 وحتى قبل نهاية العام 2011 حيث اصبحت العسكرة ردا على عنف النظام هي الحاكم. في هذه المرحلة شهدت القضية الكردية حاضنا جماهيريا سوريا في غالبية المحافظات السورية. وهتفت كل التظاهرات في سورية بآزادي، مع عامودا والقامشلي وكوباني. عفرين لم تخرج لأنها كانت القاعدة الشعبية للبي دي الذي كان لديه توجها سياسيا، يمنعه من الخروج في هذه التظاهرات السلمية المنادية بالحرية. وكما عرض ناشطون أكراد من عفرين عدم رضا البي دي عن القيام بأية تظاهرة في عفرين أو في المناطق التي له فيها سيطرة واضحة. ومن جهة اخرى بقية الاحزاب الكردية لم تحاول ان تتصرف بطريقة تكسب هذا العمق الشعبي السوري. بل بقيت مترددة في مواقفها، وتركت الموضوع للشباب الكردي الثائر في مناطق التظاهر هذه.

المرحلة الثانية- منذ نهاية عام 2011 وحتى تشكيل الائتلاف الوطني…. الذي تشكل بطريقة ولاسباب ليست خافية على أحد، وتتعلق بارادة دولية لتجاوز مؤسسات الثورة الاولى، من اجل سياسة دولية تواطات مع الجريمة، ورفضت التدخل لحماية المدنيين في سورية، الائتلاف بشكل عام منذ تأسيسه وحتى ما قبل انضمام المجلس الكردي له قبل اسبوعين.. لم يستطع أن يضم بين صفوفه القوى الفاعلة على الارض، أقله شبابيا في الحراك الكردي. هنا كان في الجهة المقابلة، تقوية للبي دي وتسليحا واضعافا لبقية الاحزاب الكردية جارية على قدم وساق. وقد قمت بمبادرة شخصية مع الاصدقاء في البي دي، لكنها باءت بالفشل لاسباب لست بوارد الحديث عنها الآن. بالمقابل بعض القوى الاسلامية كانت تعتقد حتى تلك اللحظة أن سقوط النظام بات امرا قريبا!! لهذا لم تنتبه في الواقع إلى محاولة أظهار سوريتها بشكل أكثر عمقا واتساعا وماسسة. والقوى الليبرالية واليسارية المتحالفة معها، كانت تتحاشى الصدام معها، لأن القسم الغالب منها أيضا اعتقد بقرب سقوط النظام و كان ضد التدخل الدولي. ما لفت نظري في موقف البي دي هو موقفه الرافض للتدخل الدولي، وانضواءه في اطار هيئة التنسيق الوطنية. بالمقابل بدأ جهازه الاعلامي يتحدث عن العرب جملة وتفصيلا بلغة شتائمية وتحريضية، ودون تمييز داخل هؤلاء العرب. هذه المرحلة اتسمت بتخبط واضح لدى كل قوى الثورة. كتبنا كثيرا عن اسبابها.

– المرحلة الثالثة منذ تأسيس الائتلاف وحتى اعلان البي دي الادارة الذاتية للمناطق الكردية التي يسيطر عليها بعد أن سلمها له عسكر الاسد. وهنا للعلم البي دي تسلم عفرين وكوباني- عين العرب- والقامشلي وهي تشكل النسبة الغالبة من التجمع السكاني الكردي، تسلمها من النظام. فلم يكن هنالك في هذه المناطق جيشا حرا. المعارك التي دارت لاحقا دارات على المعابر الحدودية. عامودا تقريبا كانت محررة بدون جيش حر. مع بداية هذه المرحلة تخرج تظاهرات منها مؤيد لخطوة البي دي في عفرين ومؤيدة للنظام في القامشلي تحت اشراف البي دي…أو لنقل تحت بصره وسمعه ومشاركة بعض فعالياته ومن وقع معه على مشروعه!! كما يتحدث النشطاء الاكراد والعرب والاشوريين من هناك وكما اظهرت الصور..اتمنى أن تكون هذه المعلومات غير صحيحة. إذا كانت صحيحة فيكون البي دي قد حسم خياره بالقتال كجندي عن آل الاسد، ولن تستفيد القضية الكردية في سورية شيئا، بل ستفقد جزء من العمق الشعبي السوري، كما فقدته هيئة التنسيق من قبل.

المطلوب الآن عقد جلسة حوار بين وفد من الائتلاف بقواه الكردية وغير الكردية والبي دي برعاية الرئيس مسعود البرزاني في أربيل. لأن ما بدأ يتفشى من لغة بين الجميع ضد الجميع لا يترك مجالا لمستقبل تعايشي حقيقي وحر وحقوقي.

غسان المفلح

ايلاف

تركيا و “الكابوس” الكردي/ هوشنك بروكا

في لقائه التاريخي الأخير برئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بعاصمة الحلم الكردي و”كردستانه الكبرى” آمد / دياربكر، لم يتوانَ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وصف تركيا(ه) تحت قيادة حزبه (العدالة والتنمية) ب”تركيا الجديدة”، أو “تركيا العائلة الواحدة”، وذلك في إشارةٍ واضحة إلى تركيا الواحدة، بلسانها الواحد، وثقافتها الواحدة، وتاريخها الواحد، وجغرافيتها الواحدة، وعلمها الواحد، وعمقها “العثماني” الواحد، الممتد لأكثر من 500 عام في المنطقة.

لا شكّ أن أردوغان قد كسر في هذا اللقاء الرمزي مع بارزاني، العرف التركي في تعاطيه مع القضية الكردية، سواء على مستوى أكراد(ه) أو “أكراد الجيران”. فهو أدخل لفظة “كردستان” لأول مرّة، بعد مؤسس الجمهورية التركية مصطفى أتاتورك عام 1923، إلى قاموس الدبلوماسية التركية. هذا ناهيك عن اعترافه بالبارزني في قلب دياربكر، بإعتباره رئيساً لإقليم كردستان العراق، لا ك”رئيس قبيلة”، كما وصفه أردوغان ذات غضبةٍ سياسيةٍ، قبل أكثر من 6 سنوات.

الزيارة على أهميتها، سياساً واقتصادياً بالنسبة للطرفين، والتي سُوّقت إعلامياً في كلٍّ من تركيا وكردستان العراق بإعتبارها زيارة لمدّ الجسور بين الشعبين التركي والكردي، على قاعدة “أخوة الشعوب”، والمصالح المشتركة بين الأتراك والأكراد، إلاّ أنها جاءت في حقيقتها استجابةً لرغبة تركية بالدرجة الأساس، للتخفيف من وطأة “الكابوس الكردي”، الذي بات يقض مضاجع أنقرة، واستكمالاً لسياسة التدخل التركي في أزمة الداخل السوري بإعتبارها أزمة داخلها، وجرّ الأكراد إلى صراع المحاور في المنطقة، والحؤول دون تحوّلهم إلى ورقة قوية في سوريا المستقبل، قد تؤدي في النتيجة إلى خروجهم ك”طُلاب قضية” من تحت السيطرة، وامتداد الحريق السوري، بالتالي، شمالاً إلى تركيا، حيث يعيش فيها حوالي 20 مليون كردي (يشكلون حوالي نصف مجموع تعداد الأكراد في العالم) محروم من ممارسة حقوقه القومية والسياسية والثقافية.

الزيارة وما تلاها من تداعيات وتطورات، انعكست سلباً على علاقة الكردي بالكردي، بل الأصح على علاقة أكراد “دولة البارزاني” بأكراد “دولة قنديل”. ما يعني التمهيد، تركياً، ربما لصراع كردي كردي قادم في المنطقة.

الزيارة، بإعتبارها بوابة “الإنفتاح التركي” على كردستان العراق، لم تؤسس لعلاقة إقتصادية وتجارية متينة ومتطورة بين تركيا وإلإقليم الكردي فحسب، وإنما أسست أيضاً لعلاقة سياسية “تركية كردية” جديدة، بين الطرفين، قد يكون عنوانها الأبرز تمهيد الأرضية لتدخل تركي قادم، عبر أدوات كردية، في “إقليم كردستان سوريا”. وربما تأسيساً على هذا العنوان المحتمل للعلاقة المستقبلية بين أردوغان وبارزاني، يمكن تفسير تأكيدهما على “الموقف الموّحد” من “الإدارة الذاتية المؤقتة”، وتعبيرهما قبل وبعد الزيارة، عن رفضهما القاطع لها جملةّ وتفصيلاً. أردوغان ذهب أبعد من ذلك، مؤكداً على اتفاق الطرفين على “مكافحة الإتحاد الديمقراطي في سوريا”، ومنعه من تشكيل أي كيان كردي في سوريا على غرار ما حدث في العراق.

أحد أهم الأسباب والعوامل التي دفعت بتركيا إلى التدخل “العاجل” في الأزمة السورية ودعمها بالتالي للمعارضات السورية، بشقيها السياسي والمسلّح، هو خوفها من خروج المارد الكردي من القمقم. فحكومة “العدالة والتنمية”، رغم توجهها الإسلامي المعتدل، إلا أنها لجهة الموقف من القضية الكردية لا تختلف بأي شيء عن الحكومات السابقة منذ “جمهورية أتاتورك” وحتى الآن. فأردوغان مثله مثل أي زعيم قومي تركي، لا يزال ينظر إلى الأكراد بإعتبارهم “أتراكاً” ليس لهم إلا الإنصهار في بوتقة تركيا الواحدة أرضاً وشعباً وثقافة ولساناً وعلماً ونشيداً.

صعود نجم الأكراد وبروزهم كلاعب أساسي في الأزمة السورية أعاد “الكابوس الكردي” الذي طالما راود تركيا وأقلقها، إلى الواجهة من جديد. هذا الكابوس يتحوّل يوماً إثر يوم إلى “أمر واقع”.

مبعث القلق التركي يكمن بالأساس في أن تتحوّل “دولة قنديل”، العدو اللدود، على مدى أكثر من ثلاثة عقودٍ ونصف، إلى دولة جارة لها. فمن المعروف أنّ “الإتحاد الديمقراطي” هو الحزب الأقرب آيديولوجياً ل”العمال الكردستاني” في سوريا، والأكثر تجسيداً لتطلعات وأفكار زعيمه عبدالله أوجلان، في هذه الجهة من كردستان. أما مبعث القلق التركي الآخر فهو إحتمال إنشاء الأكراد ل”هلال كردي مستقل” يتحد فيه أكراد سوريا مع أكراد العراق مما سيشجع أخوانهم في الشمال الذين يقدّر تعداداهم بأكثر من 20 مليون نسمة (أكثر من 20% من مجموع سكان تركيا) على القيام بخطوة مماثلة والمطالبة بحق تقرير مصيرهم في إدارة ذاتية، ما يمكن أن يهدد السيادة التركية.

ولكي تحمي تركيا نفسها من تداعيات وآثار سقوط سوريا، الذي لن يكون عليها برداً وسلاماً، خصوصاً في ظل ما تشهده سوريا من حرب أهلية حقيقية، أو ما يمكن تسميتها ب”حرب الهويات”، كان لا بدّ لها من كبح جماح المارد الكردي الذي يشترك معها في حدود طويلة تمتد لأكثر من 850 كم. وأسهل الطرق وربما أنجعها لتحقيق هذا الهدف، كما يقول التاريخ الكردي البعيد والقريب، فهو ضرب الكردي بالكردي وضرب كردستان بكردستان.

سيناريو “توحد” أكراد العراق وسوريا في “هلال كردي”، بات مستبعداً، على المدى القريب في الأقل، خصوصاً بعد إغلاق المعبر الحدودي الوحيد (سيمالكا) بين إقليم كردستان العراق و”إقليم كردستان سوريا”، وزيارة بارزاني لأردوغان، وهو الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى توتر العلاقات بين “أكراد البارزاني” و”أكراد أوجلان”، وصعود الحرب الإعلامية بين الطرفين.

لكنّ السيناريو الثاني وهو الأسوأ، تركياً، أيّ التحالف بين “العمال الكردستاني” وفرعه السوري “الإتحاد الديمقراطي”، لتحويل “إقليم كردستان سوريا” إلى “جار ثقيل” على تركيا، واستغلال إمكاناته الإقتصادية والبشرية لدعم أخوانهم على الجانب الآخر من الحدود، وتشكيل “جبهة ضغط” ضد تركيا من أجل الرضوخ للمطالب الكردية، فلا يزال قائماً، خصوصاً بعد إعلان “الإتحاد الديمقراطي” عن تشكيل “الإدارة الذاتية المؤقتة”.

الآن وبعد مرور إسبوع على اتفاق “أردوغان بارزاني”، تبيّن أنّ الأكراد، بإعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المعادلة الإقليمية في المنطقة، باتوا منقسمين على أنفسهم بين محورين متصارعين، مثلهم مثل كلّ مكوّنات المنطقة: أكراد “المحور السني” بقيادة “دولة بارزاني” و”أكراد المحور الشيعي” بقيادة “دولة قنديل”.

فشل تركيا في سياستها الخارجية مع جيرانها، طوال السنتين والنصف من اشتعال الحريق السوري، خصوصاً مع إيران التي نجحت في تعطيل “قطار السلام” الذي انطلق في آذار الماضي بمباردة من “العمال الكردستاني”، وجريان رياح الأزمة السورية بما لا تشتهي السفن التركية، ونجاح ال “YPG” الجناح العسكري ل”الإتحاد الديمقراطي” في حماية المناطق الكردية حتى الآن، فضلاً عن نجاح هذا الآخير، سياسياً، في التوفيق بين ما يريده لأكراده وما يريده النظام لسوريا، كلّ ذلك دفع بالأتراك إلى “مواجهة الكابوس الكردي” الجاثم على صدورهم، والبحث، بالتالي، عن مخرج آخر من الأزمة المشتعلة على حدودها، للحؤول دون تحوّل الأكراد إلى قوة حقيقية يهدد أمن بلادهم واستقرارها.

ما تشهده الساحة الكردية هذه الأيام من صراعٍ بين “أكراد البارزاني” و”أكراد أوجلان”، وما يرافق ذلك من تعبئة وتحريض وحملات إعلامية ضد بعضهم البعض، يشي بإحتمال إنزلاق الأكراد إلى “حرب بالوكالة”، لن يكون فيها للأكراد بجهاتهم الأربعة، لا ناقة ولا جمل.

 “الخيار الثالث” الذي سلكه الأكراد، طيلة السنتين والنصف الماضيتين، بإعتباره خياراً وسطاً بين طرفين متحاربين (النظام والمعارضة المسلحة) ما عاد خياراً ممكناً، خصوصاً بعد انضمام أكراد “المجلس الوطني الكردي” إلى “الإئتلاف السوري”. ما يعني أنّ الأكراد، بإعتبارهم جزءاً من الحالة السورية، مثلهم مثل غيرهم من المكوّنات الأساسية في النسيج الإثني السوري، دخلوا حلبة اللعب في سياسة المحاور الإقليمية، ليس ككردي واحد وإنما كأكثر من كردي، مختلف في أكثر من سوريا، وعلى أكثر من كردستان.

القضية الكردية برمتها، وفي أجزائها الأربعة، باتت تخضع بهذا الشكل أو ذاك للإستقطاب الإقليمي في إطار المحورين “السني” و”الشيعي”. وتندرج زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إلى آمد دياربكر، في إطار هذه السياسة، حيث تشهد المنطقة (وكردستان بأجزائها الأربعة ضمناً) تمذهباً سياسياً وتجاذبات إقليمية لم تشهدها من قبل.

تقسيم الأكراد، بحسب وصفة “أهل الثورة” وأصدقائهم وعلى رأسهم تركيا، إلى “أكراد أصدقاء” (أكراد الإئتلاف) بقيادة البارزاني و”أكراد أعداء” (أكراد النظام) بقيادة أوجلان، يعني عملياً التأسيس ل”حرب إخوة” كردية كردية قادمة، واحتمال تكرار ما حصل بين أكراد العراق بين عامي 1994 و 1996، حيث راح ضحية الصراع على السلطة بين حزب رئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي تحالف في حينه مع إيران، وحزب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني المتحالف صراعئذٍ مع نظام صدام حسين، حوالي 5000 مقاتل ومدني.

الصراع بين الأخوة، حربئذٍ، كان، كما هو معلوم، صراعاً إقليمياً بإمتياز، تمّ تنفيذه بأدوات كردية. العامل الإقليمي الذي أسس للصراع الكردي الكردي، آنذاك، في كردستان العراق، والذي نجح في ضرب الكرد بالكرد وكردستان بكردستان، هو الآن العامل ذاته تقريباً الذي يمكن أن يؤسس للصراع ذاته بين الأكراد ذواتهم وفي كردستانهم ذاتها. فمن المعروف أن الحرب العراقية الإيرانية المعروفة ب”حرب الخليج الأولى” (1980ـ1988) كانت في الأساس حرباً “خليجية إيرانية”. ذات الحرب هي التي نراها اليوم تتكرر في سوريا، لكن بصورة أخرى، وأدوات أخرى، وعبر “وكلاء حرب” آخرين.

الحرب الأهلية السورية، هي بالأساس فصل من فصول حرب تاريخية مذهبية سنية شيعية، تمتد لأكثر من 1333 سنة. الظروف الإقليمية التي أحاطت بالقضية الكردية العراقية وأدت في النتيجة إلى اندلاع “حرب الإخوة” هناك، تكاد تكون هي ذاتها التي تحيط الآن بالقضية الكردية السورية. هناك، رغم أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها، لكن الصراع كان على أكراد العراق بين إيران “الصفوية المجوسية” والعراق “بوابة العرب الشرقية” على أشدّه. كلا العدوّين حاولا أقصى جهديهما ل”تصدير” المشكلة الكردية إلى الآخر، عبر أكراد(ه). أما النتيجة فكانت واحدة: محو الكرد بالكرد، وقتل كردستان بكردستان. اليوم ربما يعيد التاريخ نفسه، بين الأكراد أنفسهم، في كردستان بنسختها السورية نفسها.

في صراعها على المنطقة ضد إيران، تحاول تركيا الآن مع أكراد سوريا، إعادة إنتاج ما لعبه صدام حسين مع أكراد العراق، في أواسط تسعينيات القرن الماضي.

ايلاف

كرد سورية والعوم ضد التيار/ فرمز حسين

حين كانت الأغلبية الساحقة من المكونات السورية تابعة لحكم الأسد الذي كان يمارس سياسة اضطهاد و اقصاء ممنهجة بحق الكرد، يحاربهم حتى في لقمة عيشهم، سياسة عنصرية تراكمت أثارها على مر السنين مخلفة احتقانا شديدا بلغت ذروتها وتفجرت مخلفة أحداث 2004 في المناطق الكردية حيث واجه الأكراد بمفردهم آلة القتل التي استخدمها النظام مسمية انتفاضتهم بالغوغاء، بقي الكردي السوري رمز الانسان الصامد في وجه النظام الجائر الذي امتهن خبث اللعب على الجميع حيث حرص على تعبئة الطائفة العلوية في صفوف الجيش من خلال ايهامهم بحتمية المصير المشترك على وجه الخصوص بعد أحداث الثمانينات في حماة وتم اسناد المراكز الأمنية الهامة اليهم كما عمد الى وضع العرب السنة في خدمته عبر أكذوبة الصمود و التصدي لإسرائيل وأميركا ومن خلال النداء بشعارات زائفة عن القومية العربية المستمدة من مفاهيم حزب البعث العنصري،كما أمعن في تسخير الأقليات الدينية لخدمة أهدافه من خلال فزّاعة البديل الذي سيكون ضدهم وللنجاح في ذلك قام باستمالة بعض الشخصيات الدينية من مختلف الطوائف واستخدامهم كأبواق له.

الآن ومع قرب انقضاء العام الثالث للثورة السورية ووجود الأغلبية الساحقة من المكونات السورية في الصف المعارض للنظام هناك ممارسات تستهدف وضع الكرد السوريين من جديد في فوهة بندقية الجميع، النظام، المعارضة بمختلف فصائلها، وحتى محاولة اقحام طرف كردي للتناحر ضد الآخر. المسؤولية اليوم تاريخية واستثنائية، يجب أن لا يكون قدر الكرد البقاء دائما في الجهة المعاكسة لا بد من وجود أطراف معتدلة في صفوف المعارضة السورية تستطيع استيعاب المكون الكردي واحتياجاته كشريك مهم لقيادة المرحلة القادمة في البلاد. تبادل الآراء والاستفادة من تجربة كردستان العراق كعمق استراتيجي أمر جيد لكن التبعية أمر لا يخدم قضية الكرد السوريين وينتزع منهم استقلالية القرار الذي من المفروض أن يكون كرديا سوريا بحتا، هذا على الرغم من الاعتدال الكبير في موقف رئيس الاقليم تجاه قضية الكرد السوريين في ظل التوازنات الاقليمية المعقدة والصعبة.

من جهة أخرى نعم هناك قضية عادلة يخوضها الأكراد منذ عشرات السنين ضد الحكومة التركية التي مارست ارهاب الدولة بحقهم و قدموا آلاف الشهداء في سبيل نيل حريتهم لكن كل ذلك لا يخول قيادات حزب العمال الكردستاني المتواجدة في قنديل استخدام قضية الكرد السوريين كورقة ضغط على أنقرة من خلال زجهم في معارك لا تخدم الا النظام السوري وحليفه ايران. المعادلة السورية معروفة النتائج حين يسقط النظام وهذا ما سيحصل عاجلا أم اجلا حينها لن يكون للحزب المذكور قبول في المنطقة لا من المعارضة السورية، لا من حلفاءها الاقليميين و لا الدوليين المتمثل بأوروبا و أمريكا، يبقى لديه أهم ركائز بقائه ألا وهي القاعدة الشعبية وممارساته اليوم هي التي تقرر حفاظه على حاضنته الشعبية الكردية أم فقدانه لها أيضا، لذلك من المهم جدا أن يعيد الحزب المذكور النظر في استراتيجيته اليوم قبل فوات الآوان.

الشعب الكردي في سورية الذى عانى الحرمان وذاق مرارة الظلم على مدى عقود من الزمن على أيدي الطغمة الحاكمة من حقه أن يكون شريكا فاعلا في بناء سورية الجديدة، ويستنشق هواء الحرية مع بقية مكونات المجتمع السوري وليس له طاقة بالعوم ضد التيار لعقود أخرى.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى