صفحات سوريةعلي العبداللهعمر قدورغسان المفلحغياث نعيسةمنذر خدامهوشنك بروكاوائل السواحياسين السويحة

مقالات لكتاب سوريين تناولت جنيف 2

نعم لاستمرار الثورة، لا لمؤتمر جنيف/ غياث نعيسة

    منذ إقرار، في 27 أيلول، القرار رقم 2118 في مجلس الأمن بشأن تدمير أسلحة النظام السوري الكيميائية، يبدو أن البلد قد دخل مرحلة جديدة على المستوى الإقليمي.

    فالتقارب بين الولايات المتحدة والحكومة الإيرانية لم يرضِ النظام السعودي، وتتوافق جميع الأنظمة الإمبريالية على أن الحل الوحيد الممكن في سوريا يكمن في حل سياسي بين النظام و”المعارضة”، من أجل التوصل إلى “جهاز تنفيذي انتقالي” يتشكل من الطرفين. وهذا الجهاز يتم التوصل إليه من خلال مؤتمر “سلام”، “جنيف 2″، المتوقع انعقاده في تشرين الثاني.

    وخفتت أصوات طبول الحرب التي سبقت الاتفاق الأميركي- الروسي. ومُسِحت كل الخطوط الحمراء التي أعلن أوباما وزعماء الدول الإمبريالية عنها، من ضمنها الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، عبر استخدام الغازات الكيميائية ضد الشعب في ريف دمشق في 21 آب والذي قتل بسبب المئات من المدنيين.

    وتتحدث التقارير الصادرة عن وزارات الخارجية ووسائل الإعلام المهيمنة عن مدى محنة السوريين: المجازر، والقصف، والمناطق المحاصرة حيث يموت السكان خاصة الأطفال وكبار السن ليس فقط علي يد النظام إنما بفعل المجاعة. هذا ما يحصل في الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. في دير الزور، أعلن أحد ضباط النظام أنه سيهدم المدينة لتحويلها إلى حقل لزراعة البطاطا.

    الديكتاتور يجب أن يرحل

    ومن سخرية الأقدار، أن النظام السوري، بتنازله عن الأسلحة الكيميائية، حصل على تفويض ضمني لمواصلة حربه ضد الشعب. فأكثَرَ من إطلالاته الإعلامية، التي قدمته كمنتصر، معلنا أنه سيترشح إلى الانتخابات الرئاسية في مقابلة أجريت معه في 21 تشرين الأول. وبما خص جنيف 2 والمفاوضات مع المعارضة، أعلن: “لم يتم تحديد تاريخ معين، والظروف لم تجتمع إذا أردنا نجاح المفاوضات…”

    وعقدت مجموعة الدول الـ 11 الغربية والعربية، “أصدقاء سوريا”، مؤتمرا في لندن في 22 تشرين الأول للتعبير عن عدم رغبتهم في استمرار بشار الأسد في الحكم ولكن أيضا للضغط على الائتلاف الوطني السوري الذي يشهد عدة خلافات بما خص موضوع المشاركة في جنيف 2. لأن التفاوض في جنيف مع النظام يشكل منذ شهر خطا فاصلا للنزاع وسط المعارضة السورية. جزء من الائتلاف بزعامة ميشال كيلو يوافق على التفاوض، وهيئة التنسيق الوطنية أيضا. أما المجلس الوطني السوري، المكون الرئيسي للائتلاف، فقد أعلن رفضه المشاركة في المؤتمر إذا لم يوضع شرط رحيل بشار الأسد ونظامه كشرط مسبق. كما أعلن الجيش السوري الحر، الذي بات يقاتل على طرفين، النظام من جهة والمجموعات الجهادية من جهة أخرى، عن رفضه المشاركة في أي تفاوض دون ضمان رحيل بشار ونظامه.

    هذا الموقف هو انعكاس للحركة الشعبية الذي عُبِر عنه خلال المظاهرات الأخيرة، وعلى الرغم من حالة الرعب التي يعيش الشعب السوري في ظلها، ومن خلال رفعهم لشعار “الحل في لاهاي لا في جنيف” الذي يحدد مسار الثورة خاصة وأنه يعبر عن رغبتهم في محاكمة المسؤولين. الشعب نفسه وفي المناطق المحاصرة أعلن في المظاهرات عينها “نموت جوعا أفضل من الاستسلام”. الحركة الشعبية تؤكد على إرادتها في إسقاط النظام من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. الثورة الشعبية في سوريا مستمرة، وهي تحتاج إلى تضامننا.

هو بالأحرى جنيف صفر/ عمر قدور

 حتى الآن لم ترشح معلومات رسمية دقيقة عن الإدارة الأمريكية تفسّر التغير في موقفها من الملف السوري، أو تعلن عن استراتيجية ما للتعاطي معه بعد صفقة الكيماوي. الظاهر على السطح أن القطع البحرية الأميركية تغادر المتوسط بينما القطع البحرية الروسية تعزّز من تواجدها فيه. غير بعيد عن ذلك لا يخفى غضب المملكة العربية السعودية من التوجه الأميركي الجديد، ولعلها المرة الأولى التي يعبّر فيها مسؤولو المملكة عن غضبهم صراحة وعلانية. البعض يحيل غضب الائتلاف السوري المعارض إلى الغضب السعودي، لكن ذلك أيضاً لا يكفي وحده لتفسير موقف المعارضة ما لم تكن الأخيرة قد لمست تراجعاً أميركياً ينذر بصفقة لحساب النظام وحلفائه.

لم تسرّب المعارضة السياسية شيئاً من محاضر اجتماعاتها مع السفير روبرت فورد في اسطنبول. الجهة الوحيدة التي سرّبت محضر اجتماعها معه هي من ممثلي الحراك الثوري في محافظة درعا، حيث يظهر السفير فورد مصرّاً على عدم وجود خيار آخر أمام المعارضة سوى “جنيف”، وعلى أنها الفرصة المناسبة لاستغلال تخوف الروس من انتشار الجماعات الأصولية في سوريا، ورغبتهم في اشتراك النظام والمعارضة في التصدي لتلك الجماعات. في الاجتماع المذكور لا يقدّم فورد أية التزامات أو تعهّدات تخصّ نتائج المؤتمر، ويؤكد مرتين على استبعاد الحل العسكري وعلى استغلال تخوّف الروس من الإسلاميين، أي أنه بعبارة أخرى يضع الحل في عهدة الروس.

وعلى رغم أن محضر الاجتماع السابق لم تؤكده أوساط الإدارة الأميركية إلا أن مقالة عضوي مجلس الشيوخ جون ماكين وليندسي غراهام في الواشنطن بوست تؤكد على فحواه، فهما يشيران في مقالهما المشترك إلى أن “كل أميركي يجب أن ينتابه القلق من التقارير التي تنشر في وسائل الإعلام الرئيسية حول تخلي إدارة الرئيس أوباما عن دورها القيادي، وتداعيات ذلك على مصالح الأمن القومي الأميركي”. ويذكّران في المقال بأن أوباما “تعهّد لهما شخصياً في المكتب البيضاوي بأن إستراتيجيته هي خفض القدرات العسكرية للنظام السوري، وفي المقابل رفع قدرات المعارضة ما يؤدي لقلب ميزان القوى على الأرض الذي سيقود إلى مفاوضات لفضّ النزاع ورحيل الأسد عن السلطة”. ويبيّن المشرّعان أن إدارة أوباما لم تعطِ أية إشارات على احترامها لوعد وكلمات الرئيس. بدورها كشفت دورية “فورين بوليسي”، المقرّبة عادة من أوساط صنع القرار، يوم الجمعة الفائت، عن وجود خلاف بين وزير الخارجية جون كيري وكبار مستشاريه الذين يصرّون على إلغاء “جنيف2” أو تأجيله، ونقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله: الشخص الوحيد الذي يريد عقد مؤتمر “جنيف” هو الوزير.

في الواقع، كان مؤتمر أصدقاء سوريا المنعقد في لندن بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأوّل الجاري فرصة ليتعرف “الأصدقاء” على التغير في اللهجة الأميركية، ومن المؤكد أنهم فرضوا عليها الذهاب إلى مدى لا تريده. مع ذلك استطاع الوفد الأميركي تفخيخ البيان، الذي ينصّ على تطبيق “جنيف1″، بعبارات من نوع أن تأسيس الهيئة الانتقالية كاملة الصلاحيات سيكون بالموافقة المتبادلة بين النظام والمعارضة! والأهم من ذلك خلوّ البيان من أي تعهد دولي بمعاقبة مَن يعرقل المفاوضات أو لا يلتزم بخطة النقاط الستّ المتضمنة في تفاهمات “جنيف1″، والتي يجب البدء بتنفيذها فور انعقاد المؤتمر. فضلاً عن ذلك يتبنّى البيان لغة غامضة إزاء إلزامية تنفيذ أي اتفاق محتمل، إذ ينصّ على “تأييده” من قبل مجلس الأمن وعلى مشاركة الأعضاء الدائمين في ضمان التنفيذ الكامل للانتقال السياسي و(يشمل ذلك عواقب خطيرة في حال عدم الالتزام)، ومن المرجح بناء على تجربة نزع الكيماوي اقتصار الالتزام على تفاهمات بين الأعضاء الكبار من دون وجود قرار دولي ملزم فعلاً.

خلاصة ما تريده الإدارة الأميركية من المعارضة السورية أن تغطّي الأخيرة التراجع الأميركي عن “جنيف1″، وعلى وجه الدقة أن تسلّم بالتفسير الروسي ل”جنيف1”. المطلوب حقاً ليس مؤتمراً دولياً يفرض حلاً مقبولاً، بل عملية تفاوض غير محدّدة الأجل على رغم القول بأنها ليست بلا نهاية؛ عملية تبدأ فعلياً مما قبل تفاهمات “جنيف1″، ويُترك لها تقويض تلك التفاهمات عبر مفاوضات غير متكافئة، حيث تُترك للنظام أيضاً أفضلية سحق الثوار الذين ستُقطع عنهم الإمدادات.

الأحرى بالقوى الضاغطة من أجل “جنيف2” أن تطلق عليه تسمية جنيف صفر. فالمؤتمر إذا انطلق وفق ما يُروّج له سيبدأ من افتراض انتصار النظام وحلفائه وتسليم “أصدقاء سوريا” بذلك، وسيكون على رأس أولويات الكبار محاربة الجماعات المتطرفة، ومن ثم اختزال الوضع بالمعاناة الإنسانية. عندما يتم تصوير حضور جنيف على أنه إلزام لا بد منه، وفي الوقت نفسه يجري تفريغه من أي التزام دولي قاطع، فهذا لا يعني سوى التنصل من البحث عن حل، وهذا ما لا يريد “أصدقاء سوريا” الإقرار به علناً.

المدن

رومانسية جنيف: أحمد وبهية!/ عمر قدور

في الآونة الأخيرة جرى تسويق فكرة أن مؤتمر جنيف2 هو الحل الوحيد في سوريا، سبق ذلك تمهيد لا يكلّ من الغرب الذي لم يتوقف مسؤولوه عن القول بأن الحل في سوريا سياسي، وبأن لا رغبة للقوى الغربية في التدخل العسكري أو في مواجهة الدعم الروسي والإيراني للنظام. ومع أنه ليس معروفاً بعد ما ستسفر عنه مشاورات الوسيط الدولي بشأن انعقاد المؤتمر، إلا أن ما هو واضح منذ الآن قوة الإرادة الدولية لعقده، والاستعداد للانتظار فيما لو تأجل انعقاده مرة أو مرتين تحت شعار “لا بديل لجنيف”. أي ينبغي على المتقاتلين الاقتناع بهذه الخلاصة، إما الآن أو بعد جولة أخرى منهكة من القتال، وقد بات واضحاً أن عملية “الإقناع” ينبغي لها الحدوث على ضفة المعارضة وبخاصة الكتائب المسلحة التي تقاتل النظام، ما يستلزم قطع خطوط الإمداد عنها في الوقت الذي يتدفق فيه المقاتلون والأسلحة باتجاه النظام، لعل انعدام الأمل بحصول توازن ميداني “يساعد” المعارضة على الاقتناع بجنيف.

يوحي ظاهر التحضيرات بأن المجتمع الدولي لا يلقي بالاً إلى شروط النظام التي أعلنها مراراً، والتي تستبق المؤتمر بسقف متدنٍّ جداً، بينما يُركز على شروط المعارضة ومحاولة ثنيها عن شروطها التي لا تتجاوز تطبيق ما هو منصوص عليه أصلاً في جنيف1. هكذا تبدو المعارضة في موقع من يعرقل المؤتمر، وكأن الأخير سينجح بمجرد انعقاده، وكأن وفد النظام آتٍ للتفاوض حقاً لا لاكتساب مزيد من الوقت والشرعية اللذين سيصرفهما في الداخل مزيداً من القتل والتدمير. هكذا أيضاً يُصوّر من يرفض الذهاب إلى جنيف وفق الشروط الحالية على أنه يرفض حقن الدماء، بل هو المسؤول عن استمرار نظام القتل في ممارسة مهامه، وعليه تحمّل عواقب فعلته بمزيد من القتل أو لاحقاً بمزيد من الخسارة السياسية إن رضخ ووافق على جنيف.

بالتأكيد ليس عسيراً على القوى الدولية، المتفقة علناً أو ضمناً، أن تسوّق إعلامياً لجنيف2 بوصفه الخلاص الذي لا بديل له، ذلك بصرف النظر عما سيحدث في المؤتمر العتيد، وبصرف النظر عن الصفقة المُتفق على إطارها العام وعما إذا كانت ترضي السوريين أم لا. وليس عسيراً أن تصل الآلة الإعلامية إلى الخلاصة القائلة بأن السوريين لا يريدون وقف نزيف دمائهم، ويرفضون مساعدة العالم لهم على وقف نزيفها. السوريون الذين وفق هذا يضيّعون فردوس جنيف ويصرّون لعلّة فيهم على الاستمرار في “حرب أهلية” طاحنة، ويستجلبون عوامل التطرف والقوى الظلامية إلى بلدهم؛ السوريون الذين يتحملون وحدهم عواقب ثورتهم وعواقب تحديهم لنظام يحظى برعاية دولية وإقليمية قلّ نظيرها.

التساؤل عن آليات مؤتمر جنيف لا يبدو مهماً بالقدر الذي يبدو عليه انعقاده، ولا مجازفة بالقول بأن ثمة تصوراً رومانسياً يُروّج عن المؤتمر مفاده أن مجرد انعقاده هو نجاح بحد ذاته، لأن المعارضة تكون قد اكتسبت شرعية من حلفاء النظام الذين قبلوا بوجودها، والأخير يكون قد استرد الشرعية التي خسرها في الغرب، أمريكا تستعيد مصداقيتها بعد مقلب الكيماوي، وربما يوفّر المؤتمر للسوريين فرصة للترويح عن أنفسهم بأخباره بعد أن سئموا أخبار القصف والتشريد. بوجود هذه المكاسب الجلية سيكون من قلة الفطنة رفضُ المؤتمر، وستكون مبرراته حجة على الذين يرفضونه بما أنهم يعجزون عن اقتراح بديل له.

أما التصور الرومانسي الأقوى فيحاول ترويجه بعض السوريين أنفسهم، فوفق تصورات هذا البعض ما لم يقبل به النظام قبل أكثر من سنتين ونصف سيقبل به الآن بعد أن أنهكته الحرب هو الآخر، النظام أصبح جاهزاً لتقديم التنازلات وملاقاة المعارضة التي فشلت أيضاً في إسقاطه عسكرياً. بناء على الفشل المزدوج سيضطر الطرفان إلى تقديم تنازلات لا بد منها، بعدما ثبت بالدليل القاطع عدم قدرتهما على الحسم العسكري. نعم، النظام الذي يتمتع بعقلانية مشهودة سيقرّ باستنفاذه فرص الحسم العسكري، ويقدّم التنازلات التي كان بوسعه تقديم قسم منها في آذار 2011 لكنه لم يفعل حينها؛ النظام الذي لا يتوقف عن اعتبار معارضيه مجرد إرهابيين مرتزقة، ولا يكفّ عن اشتراط بقاء رئيسه في أية تسوية قادمة؛ هذا النظام سيتغير فجأة ويكتشف أن لا خلاص للبلد إلا بتقديم التنازلات “المؤلمة”، وسيضحي من أجل البلد ويقبل بها كأنه لم يضحِّ سابقاً بموالاته قبل معارضيه من أجل البقاء!.

تنبني الفرضية السابقة على أن النظام يمكن أن يقدّم بالسياسة ما لا يقبل تقديمه تحت الضغوط، وهذا أيضاً ما يروّجه النظام عن نفسه إذ يواظب على تكرار أنه لا يرضخ للضغوط الداخلية، طبعاً الأمر مختلف بالنسبة إلى الضغوط الدولية. على ذلك ينبغي على المعارضة التخلي عن محاولاتها إكراه النظام على التنحي لأن ذلك سيزيد في عناده، أما قبولها التفاوض معهم فيجرّده من خصلة العناد ويعقلنه. أصحاب هذا الرأي يتناسون مثلاً ما فعله النظام إبان ما عُرف بربيع دمشق، فكما هو معلوم اقتصر ربيع دمشق على عدد محدود جداً من النشطاء المدنيين، وكان قسم منهم يعوّل على النظام نفسه لإصلاح ذاته ضمن عملية طويلة جداً، لكن الأخير انقض على الحراك السلمي المحدود وأودع العديد ممن شاركوا فيه في المعتقلات، بل أتت مناسبة اتهامه بقتل الرئيس الحريري آنذاك ليزيد من ضغوطه على الداخل تحت دعوى التصدي للخارج؛ تماماً كما يفعل اليوم إذ يتهم معارضيه بالعمالة للخارج.

البعض أيضاً ينطلق من أن النظام مضطر إلى تقديم التنازلات هذه المرة تحت ضغط حلفائه، لكن هذا البعض لا يقدّم أجوبة حول مدى التنازلات التي يقبل بها الحلفاء، بخاصة وهم يعتقدون أنهم كسبوا الحرب الدبلوماسية وحيّدوا الإدارة الأمريكية عن الملف السوري، وأنهم أعطوا أوباما خشبة الخلاص من هذا الملف المزعج عبر منحه صفقة الكيماوي. هذا البعض يراهن على التلازم بين مسار المفاوضات حول ملف إيران النووي ومسار جنيف السوري، وهو ضمناً يرهن الملف السوري لصالح الملف الإيراني، وإذا كانت إيران مدعوة لتقديم تنازلات على الصعيد النووي فمن المرجح أنها ستقبض الثمن إقليمياً، لا يقلل منه أن توافق على منح بعض جوائز الترضية البسيطة في ما تعتبره مركز نفوذها الأهم ومحافظتها الخامسة والثلاثين.

أما أكثر التصورات رومانسية فينطلق من أن الخطر الأكبر على سوريا يأتي الآن من الجماعات المتطرفة، وذلك يستدعي اتفاق النظام والمعارضة على مواجهتها معاً برعاية دولية، أي أن دخول العناصر المتطرفة أدى، من حيث لا تريد هذه الجماعات، دوراً إيجابياً عظيماً إذ بوسعها توحيد السوريين الذين عانوا الفرقة لمدة سنتين ونصف وتبين لهم الآن أنهم في سبيل تضييع وطنهم إذا تركوه لقمة سائغة لأولئك المتطرفين. ومع أن خطر الإرهاب ماثل فعلاً، وهو يطاول مناطق الثورة أولاً، ومع أن النظام يبدو سعيداً بذلك إلا أن هذه المعطيات لا تمنع من تصوير خطر الجماعات الإرهابية ببساطة وتبسيط شديدين، وتصوير إمكانية التصدي لها من قبل النظام والمعارضة بتبسيط أكبر.

ما يخلص إليه مجموع التصورات الرومانسية المطعّمة بوقائع منتقاة أن مؤتمر جنيف بوسعه وضع النهاية السعيدة لوضع بائس ومعقد، ثمة أشرار يشبهون الشخصيات التي اشتُهر بأدائها الفنان المصري عادل أدهم عرقلوا حتى الآن الوفاق الوطني الممكن، وستنكشف شرورهم عندما يجلس النظام والمعارضة إلى مائدة التفاوض، ثمة حلّ ممكن بالانتظار على الطاولة، وقد ينقضي قسم كبير من الخلافات بشيء من العتاب بين الطرفين، بل ربما لا يقتضي الحل حتى هذا القدر من العتاب، فربما يكفي على طريقة الدراما المصرية النمطية أن يدخل النظام القاعةَ من جهة اليمين وتدخل المعارضة من جهة اليسار، وما إن يريان بعضهما حتى يصيح أحدهما: أحمد. فيصيح الآخر: بهية. ثم يتجهان مسرعين إلى منتصف الطريق ويفردان ذراعيهما للعناق الذي طال انتظاره في الوقت الذي ترتسم فيه على الشاشة كلمة “النهاية” السعيدة.

المستقبل

جنيف2.. الفرص والمخاطر/ علي صالح العبد الله

فتح اجتماع وزيري خارجية أميركا وروسيا في موسكو (7 مايو/أيار 2013) واتفاقهما على عقد مؤتمر جنيف2 حول سوريا، وما تلاه من لقاءات بينهما ومع أطراف دولية وإقليمية، باب الحديث عن حل سياسي للملف السوري، وعن مفاوضات بين النظام والمعارضة لتنفيذ وثيقة جنيف1 التي اتفق عليها يوم 30 يونيو/حزيران 2012.

ومن هذه اللقاءات لقاء الرجلين في دبلن (9 أغسطس/آب2013)، وجنيف (14 سبتمبر/أيلول 2013)، ونيويورك (27 سبتمبر/أيلول 2013)، ولقاءات بيرنز وبوغدانوف والإبراهيمي في جنيف، وبايدن ولافروف في ميونيخ، والخطيب بكل من بايدن ولافروف وصالحي في ميونيخ، وكيري والجربا في نيويورك (25 سبتمبر/أيلول 2013)، وكيري والإبراهيمي في لندن (14 أكتوبر/تشرين الأول 2013).

وقد عكست اللقاءات والدعوات والمواقف وجود توجه دولي إلى الاتفاق على حل “بالتراضي” بين النظام السوري والمعارضة بذريعة استحالة الحسم العسكري، والخسائر الكبيرة التي ستقع نتيجة استمرار الصراع، والتوجس من تمدده إلى دول الجوار، والخوف من تنامي قوة الجهاديين والمخاطر التي تترتب على ذلك.

غير أن قراءة مدققة في التطورات الميدانية والسياسية، المحلية والإقليمية والدولية، تشير إلى خلفية مختلفة، فالدول الكبرى التي تعاطت مع الثورة السورية تبعا لمصالحها الخاصة، واستغلت الحدث السوري ووظفته كساحة للضغط على خصومها، وكورقة للمساومة على ملفات عالقة بينها، وجدت نفسها في مأزق حاد على خلفية تقدم الثورة السورية وتحقيقها مكاسب على الأرض.

وهذه المكاسب قد تمنحها فرصة الانتصار على النظام وحسم الصراع قبل أن تنجز هي صفقتها، خاصة أن لانتصار الثورة مترتبات محلية وإقليمية ودولية كبيرة وخطيرة على مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين، وعلى البيئة الإقليمية، وخاصة شعوب المنطقة لجهة تحفيزها على النهوض لإحداث تغيير في واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ناهيك عن إدراك الدول الكبرى للخسائر التي ستلحق بها، إن لجهة المصداقية بالنسبة لأميركا وأوروبا، أو لجهة العلاقات المستقبلية مع شعوب العالمين العربي والإسلامي بالنسبة لروسيا والصين.

ولأجل ذلك لجأت إلى التفاهم على حل الصراع على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، والعمل على ضبط إيقاعه والتحكم بتطوراته عبر الضغط على طرفيه وعلى الدول الفاعلة والمؤثرة فيه، وخلق حالة مراوحة واستنزاف وإنهاك الطرفين لإقناعهما بالقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، عبر تجفيف موارد الثوار المالية والعسكرية من جهة، والتلويح للنظام بتسليح المعارضة وتحويل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية واستخدام القوة ضده عبر إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بخصوص أسلحته الكيميائية تضمن الإشارة إلى الفصل السابع من جهة ثانية.

واللافت أن هذه الدعوات مقطوعة الصلة عما يدور على الأرض، فالنظام الذي اعتمد الخيار العسكري للرد على مطالب الثوار ما زال عند موقفه من هذه المطالب، إذ ما زال يرفض الاعتراف بالثورة والمعارضة ويتحدث عن مؤامرة وجماعات إرهابية وتكفيرية، ويكرر مقولته حول الحوار “تحت سقف الوطن”، وتقسيمه الثوار بين إرهابيين سيستمر في محاربتهم، ومغرر بهم، ومعارضة شريفة وأخرى مرتهنة للخارج، وهذا ليس أكثر من وصفة لإغلاق الباب على المفاوضات.

أثارت الدعوات والمواقف التي أعلنت محليا وإقليميا ودوليا، بالسلب أو بالإيجاب، آمالا ومخاوف، قلقا وتوجسا، على خلفية الفرص والمخاطر التي تنطوي عليها، والشك وعدم اليقين في إمكانية تحقيقها في ضوء ما كشفته من خلافات وانقسامات سياسية بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية حول شروط عقد المؤتمر والدول التي ستشارك فيه.

فمن جهة هناك تحفظ من النظام على مشاركة أطراف في المعارضة يعتبرها إرهابية وغير وطنية لأنها حملت السلاح أو دعت إلى التدخل الخارجي ويشترط إلقاءها السلاح قبل التفاوض معها، كما على مشاركة أوروبا.

المعارضات السورية من جهتها موزعة على مواقف متعددة ومتعارضة إلى درجة التناقض بين الائتلاف الذي يقبل المشاركة بشروط (ضمانات عربية وإسلامية)، والمجلس الوطني الذي يرفض المشاركة ويهدد بالانسحاب من الائتلاف إذا ما وافق على المشاركة، وقيادة الجيش السوري الحر التي ترفض المشاركة وتربطها بشروط توازن على الأرض وتنحي رأس النظام ومحاسبة المجرمين، وكتائب غير منضوية في الجيش الحر لا تعتبر نفسها معنية بالدعوة على خلفية أجندتها الخاصة ومشروعها السياسي.

قوى معارضة أخرى ابتداء من هيئة التنسيق الوطنية التي تعتبر الفكرة فكرتها ولذا أعلنت استعدادها للمشاركة، إلى تيار بناء الدولة المؤيد للمشاركة، ومعارضة موالية للنظام كالجبهة الشعبية للتغيير والتحرير (قدري جميل وعلي الشيخ حيدر)، وأحزاب شكلت برعاية رسمية تعتبر نفسها طرفا معارضا وشريكا في المؤتمر.

أما الدول الإقليمية التي انحازت إلى النظام أو تلك التي انحازت الى المعارضة، فليست على موجة واحدة، فإيران التي تقف إلى جانب النظام بقوة، ترى في مشاركتها في المؤتمر اعترافا بقوتها وبدورها الإقليمي، لكنها تفضل تحقيق اختراق في ملفها النووي قبل عقد المؤتمر كي تستخدم الملف السوري كورقة على طاولة التفاوض حول ملفها النووي. لذا فإنها تتحدث عن حل سوري دون تدخل خارجي، ولم تستجب لطلب أميركي بالاعتراف بجنيف1 كي تشارك في جنيف2.

والنظام العراقي الذي يؤيد النظام السوري لاعتبارات تتعلق بتبعيته لإيران، مع حل سياسي نتيجة تخوفه من تمدد الأزمة إلى داخله، في ضوء اشتراك تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في القتال بسوريا.

في المقابل فإن موقف الدول الإقليمية الداعمة للثورة من عقد المؤتمر مركب وملتبس، فهي مع إسقاط النظام بالقوة لانعكاس ذلك على إيران ومشروعها الإقليمي، وهي مع عقده إرضاء لواشنطن، لكنها تخشى تداخله مع الملف النووي الإيراني وعقد صفقة أميركية إيرانية تخرج فيها الأخيرة وقد حققت مكاسب في سوريا والإقليم.

لأجل ذلك فإنها تتحفظ على مشاركة إيران ما لم توقف دعمها للنظام وتسحب أتباعها (فيلق القدس، وحزب الله اللبناني، وكتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق، والحوثيين)، وتدفع أطرافا سورية سياسية وعسكرية لرفض المؤتمر.

أميركا وروسيا منقسمة حول طبيعة وفد المعارضة بين وفود مستقلة كما تطالب موسكو، ووفد موحد تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري كما تطرح واشنطن.

لكن ومع كل هذه التباينات فإن الدعوات إلى جنيف2 وتطورات الوضعين الميداني والسياسي تطرح على المعارضة ضرورة تعميق التواصل مع المجتمع الدولي، والتعاطي مع تحركاته ودعواته بإيجابية ومرونة، وعرض مطالبها ومواقفها مما يطرح بشكل منطقي وعملي، وأن تكون جزءا من المعادلة والحل، حاضرة على الطاولة بصورة مناسبة مع تصور كامل وفق المحددات الآتية:

1- ربط موقفها من أي مبادرة بحقيقة ما يجري في سوريا: ثورة شعبية ضد نظام استبدادي عائلي وفاسد، والعمل على تحقيق أهداف الثورة أو الرئيسي منها عبر نقل السلطة ووضع سوريا على طريق الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي.

2- ربط موافقتها على أي مبادرة بموافقة قوى الثورة وفعالياتها ليس باعتبار الأخيرة أم الولد فقط بل لأنها مصدر الشرعية الثورية، ناهيك عن أنه لا قيمة حقيقية لموقف المعارضة السياسية ما لم تتأكد القوى الاقليمية والدولية من قدرتها على الحصول على موافقة الثوار على أي اتفاق يتم التوصل إليه، فموافقة قوى الثورة تمنح أي اتفاق صدقية وقابلية للتنفيذ.

3- تفعيل بنود خطة كوفي أنان (وقف العنف، وسحب الجيش، والإفراج عن المعتقلين، والسماح بالتظاهر السلمي، والسماح لوسائل الإعلام بالدخول لتغطية الأحداث، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية) والمطالبة بتنفيذها كاملة، ووضع وقف القتل والتدمير كشرط أولي لأي انطلاقة سياسية.

4‌- العمل بدأب ومثابرة على توفير احتياجات الثوار المالية والعسكرية كي يصمدوا أولا، وكي يحققوا تقدما ويخلقوا وقائع على الأرض يفرضون عبرها توازنا قويا لصالح الثورة، ذلك أن النظام لن يقبل بمطالب الثورة ويسلم بهدفها الأول: نقل السلطة، ما لم يشعر بأنه قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة من جهة، وتقوية موقف المعارضة التفاوضي وتصليبه في مواجهة ضغوط القوى الإقليمية والدولية التي ستسعى لتمرير مصالحها عبر صيغة الاتفاق من جهة ثانية.

فاللحظة السياسية الراهنة بتعقيداتها ومخاطرها تستدعي من المعارضة بشقيها السياسي والعسكري تحركا إستراتيجيا يأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الميدانية والسياسية، الثابتة والمتغيرة، مرتكزاته:

1- لا يمكن لقوة سياسية استبعاد الخيار السياسي بالمطلق، فالسياسة هي الوجه الآخر للحرب، ولكن مع التمسك بالجوهري وهو أن لا يأتي الحل السياسي على حساب الثورة وأهدافها، فالموقف من أي حل سياسي يطرح مرهون بمدى استجابته لمطالب الثوار وتحقيقه لأهداف الثورة، لذا يمكن الانفتاح على الخيار السياسي والتعاطي مع الحلول التي تعرض بدلالة مطالب الثوار وأهداف الثورة والسعي لتحقيق هذه الأهداف أو الرئيسي منها عبر الحل السياسي.

2- التعاطي مع المبادرات باعتماد القوانين التي تحكم الصراعات السياسية والعسكرية وتفيد بحصول كل فريق على أهدافه بقدر ما يتناسب مع وضعه على الأرض، لذا لا تصل المفاوضات إلى نتائج محددة ما لم يكن مؤشر ميزان القوى الشامل للعوامل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية واضحا وحاسما لصالح طرف من أطراف الصراع، وإلا فستكون المفاوضات إما بلا نتيجة أو تكرس حالة “لا غالب ولا مغلوب”.

وهذا يتطلب تقدير موقف دقيق لميزان القوى على الأرض وللمواقف الإقليمية والدولية، وتحديد التصور والتوقيت المناسب للتحرك السياسي.. صحيح أن السياسة هي فن تحقيق الممكن، لكنها فن تغيير ميزان القوى كذلك.

3- الانفتاح على المبادرات السياسية والتعاطي معها بمسؤولية وجدية واعتماد العقلانية والعمليانية، فالعقلانية السياسية تستدعي أولا وقبل كل شيء وجود تقدير موقف دقيق لقابلية نجاح المفاوضات قائم على دراسة لميزان القوى وتداخلاته، ولمواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، ولاحتمالات التعاطي الإيجابي معها ومع نتائجها.

 وتستدعي ثانيا تخطيطا نظريا وعمليا لإستراتيجية التفاوض وتحديد التوقيت المناسب للانخراط فيه كي يحقق المطلوب، وتستدعي ثالثا وضع بدائل كي لا يقع وفد التفاوض في مأزق الخيار الواحد في حال عدم نجاحه في تمريره.

كما تستدعي رابعا وأخيرا ضمان وحدة موقف القوى التي يعبر عنها الوفد التفاوضي ووجود رأي عام فيها قابل بها، كي لا ينقل المعركة إلى داخل صفوفه وتتحول المفاوضات إلى أداة تمزيق وتشتيت لقواه الذاتية.

وفي حالتنا وفي ضوء الوضع الراهن، تستدعي العقلانية السياسية خلق إجماع بين المعارضة وقوى وفعاليات الثورة حول أي خطوة سياسية أو غير سياسية.

وهذا يستدعي نقاشا معمقا بينها للوصول إلى موقف موحد، وتوفير احتياجات الصراع لتحقيق انتصارات ومكاسب ميدانية ترجح كفة الثورة على الأرض، كي تفرض على النظام وداعميه القبول بمطالبها.

4- التحرك المنضبط والمنسق بحيث تكون خطواتنا مدروسة وموزونة وردود أفعالنا محسوبة بدقة، والحذر من بعض المبادرات التي تطرحها قوى إقليمية أو دولية في إطار إدارة أزمة أو كبالونات اختبار، والحذر من الاستنزاف وتضييع الوقت والجهد في مبادرات غير جادة، والحذر من الوقوع في فخ الاستدراج إلى مبادرات مبهمة وغير واضحة المآل كالتي تطرح الآن للبدء بحوار دون حدود وضوابط وغايات، أو الذهاب إلى المفاوضات دون تحضير جيد ودون مرجعية تحدد طبيعة المؤتمر وأهدافه وسقفه الزمني.

فكما أن الشعب السوري يستحق نظاما أفضل فإن بلوغ أهداف الثورة النبيلة يستحق تحركا جادا ومدروسا.

الجزيرة نت

ما الخيار الآخر إن رفضنا جنيف -2/ وائل السوّاح

 رفض المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، وقبله المجلس الوطني السوري، الجلوس إلى طاولة التفاوض مع من “تلطخت أيديهم بدماء السوريين”، وقال في بيان له إن بإمكان مؤتمر جنيف-2 أن “يذهب إلى الجحيم” في حال لم يأخذ المجتمع الدولي موقفاً حاسماً يرقى إلى تضحيات ومعاناة الشعب السوري.

شخصياً أعتقد أن كلا الهيئتين محقة من حيث المبدأ في رفض الحوار مع القتلة. دم السوريين الذين قضوا تحت القصف والقنص والتعذيب، ودموع المهجرين. المفقودون والمعتقلون والذين فقدوا بيوتهم وأرزاقهم بسبب سلوك النظام السوري الفاشي واستمراره في سياسة القمع والقتل والحصار والتجويع، كل ذلك يجعل مِن الجلوس إلى طاولة واحدة مع القتلة أمراً مثيراً للحزن والجزع.

بيد أن السؤال هو: ما الذي يمكن فعله إن لم نذهب إلى جنيف؟

لنلق نظرة سريعة على الوضع السوري الراهن. لقد فقد السوريون، رسمياً، نحو 125 ألف قتيلاً من المدنيين، وثمة إحصاءات غير رسمية تضاعف هذا الرقم. وثمة من المفقودين عدد مواز لعدد الشهداء. وجرح أكثر من أربعمائة ألف سوري، وهجر خمسة ملايين داخل سوريا وفي دول الجوار. ودمرت البنية التحتية وهدم الاقتصاد السوري. وقلص الناتج المحلي الإجمالي إلى 50%، بينما ارتفع التضخم بنحو 200%، وتدنت نسبة البطالة إلى 50% في أحسن أحوالها، ويقدر أكثر المحللين تفاؤلاً أن سوريا بحاجة إلى عقود لتستعيد عافيتها. واليوم يفتقد السوريون المأوى والمدرسة والكهرباء والمياه النظيفة، وهم مقبلون على شتاء قاس آخر من دون وقود للتدفئة.

إلى ذلك، أصيبت الثورة السورية بوباء المنظمات الإسلامية الراديكالية التي تهيمن اليوم على الجزء الأكبر من الأراضي السورية الواقعة تحت قبضة المعارضة، وتحتل معظم أراضي حلب وإدلب وكامل مساحة الرقة وجزءا من دير الزور، وتحاول الامتداد إلى شمال حمص وريف دمشق. تفرض هذه المنظمات بقوة السلاح نمطاً غريباً عن الثقافة السورية وديناً مختلفاً عن تدين الشارع السوري الوسطي والمعتدل عموماً. وجاءت حوادث الإساءة إلى الكنائس وإنزال الصلبان من على أعلى الكنائس و رميها باستهتار لتزيد من حدة غضب الشارع السوري وإحساسه بالإهانة.

ولا تتورع هذه التنظيمات عن قتل واعتقال وتهجير معارضيها كما يفعل النظام تماماً. وقد كانت وراء رحيل مثقفين ومفكرين سوريين من منطقة الرقة، أو اضطرارهم إلى التخفي، بمن فيهم سعاد نوفل التي شكلت ظاهرة في محافظه الرقة، عندما قامت باعتصام يومي أمام مقرّ داعش في قلب مدينة الرقة مدة شهرين، قبل أن تتعرض لإطلاق النار، واضطرت إلى التخفي.

وتتراجع مقدرات الجيش الحر باستمرار أمام استفحال قوة التنظيمات الإسلامية المتشددة التي لا تقاتل النظام، بل توجه كل وقتها وقوتها لتأسيسي دولة  ظلامية في شمال البلاد، معطية بذلك سبباً إضافياً للنظام الذي يفكر بتقسيم البلاد.

وتراجع الدعم الدولي لقضية السوريين بعد مهزلة السلاح الكيماوي، التي انتصر فيها الجميع باستثناء السوريين أنفسهم، ويبدو أن الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية الأخرى قد ألغت من أجندتها نهائياً فكرة توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، ولا يوجد تسليح حقيقي للمعارضة السورية يمكنها من مواجهة آلة حرب النظام المدعومة من لواء أبو الفضل العباس العراقي وحزب الله اللبناني وخبرة الحرس الثوري الإيراني وأموال إيران ونوري المالكي التي تدعم صمود الليرة السورية وتمنعها من الانهيار. وانتهى إلى أمد بعيد النشاط الاحتجاجي السلمي الذي ميز الثورة في أشهرها الأولى.

فإذا كانت هذه هي الحال، فما هو البديل أمام المعارضة السورية للذهاب إلى جنيف؟ لا يكفي للمعارضة أن تقول إن الشعب يريد ذلك، ولا يمكن التحجج إذن بـ “إرادة الشعب” وبأن الشعب السوري لن يقبل الجلوس إلى طاولة واحدة مع القتلة. لا أحد استشار الشعب، ولا أحد يعرف بالضبط ما الذي يريده السوريون المحاصرون اليوم في المعضمية أو غوطة دمشق أو حرستا أو حمص القديمة. لا أحد يعرف بالضبط ما الذي تريده الأمهات القابعات في البيوت، يمتن في كل لحظة فرقا على أبنائهم عندما يغادرون بيوتهم ولا يعرفون إن كانوا سيعودون مساء أم لا. لا أحد سال تلك الصبية التي أصابتها رصاصة في شوارع القصاع إن كانت تؤيد الحوار أم لا. ولا أحد استفسر من ذلك العجوز الذي قضى بمتفجرة مزروعة في حاوية للقمامة، في دمشق القديمة إن كان يفضل العيش على الموت أم الحرب على السلام.

أوافق الجيش الحر وكل المعارضين على موقفهم ب”عدم الجلوس على طاولة واحدة مع القتلة”، ولكن خلوَّهم من حل آخر يجعل هذا الحل المر أفضل الموجود أو اقله سوءا.

ليس بإمكان أحد أن يجازف بما تبقى من سوريا. المزيد من القتال في سوريا يعني المزيد من الانتصارات للنظام السوري ولداعش وشركائها في الشمال. السوري العادي الذي يشبهني ويشبه الكثير من القراء سوف يفقد المزيد من حظوظه في البقاء وحصوله على حصة من الطعام والكهرباء والانترنت.

ليس جنيف 2 انتصاراً للثورة السورية، ولكنه أفضل من موت السوريين وتدمير بلادهم. وإذا أدى الاجتماع في النهاية إلى تشكيل هيئة حكومية انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة عبر التوافق المشترك، وإلى رحيل الأسد وأعوانه المقربين الملطخة أيديهم بالدماء، فسيكون في ذلك تعويض لسوريين الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالعدالة والمساواة والكرامة، وإن يكُن تعويضاً بسيطاً جداً.

من واجب المعارضة التي فشلت حتى الآن في تفهم ما يريده السوريون، وارتكبت كل خطأ سياسي ممكن في سياساتها الداخلية والإقليمية والدولية، أن تنتبه إلى الواقع  قبل فوات الأوان.

المدن

الكرد في سوريا واستحقاق “جنيف 2″/ شيرزاد عادل اليزيدي

الائتلاف العربي السوري لم يوافق على البندين اللذين أضافهما، من باب حفظ ماء الوجه، المجلس الوطني الكردي على الوثيقة الموقعة بينهما كشرط لانضمام الأخير إليه. كذلك أصدر الائتلاف قانون السيادة الوطنية، الذي يبدو واضحاً أنّه يستهدف، من الآن، الالتفاف على القضية الكردية وسبل حلها ديموقراطياً، بدلالة الإشارة في القانون العتيد إلى أنّ البرلمان المنتخب هو المخول بالموافقة على أية اتفاقات يبرمها الائتلاف، فيما ثمة تعاقدات وطنية تأسيسية فوق دستورية، لا بد من ابرامها والتوافق عليها، منذ الآن حتى قبل سقوط النظام وبدء عملية التحول، وعلى رأسها القضية الكردية واقرار حلها، وفق حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في إطار ديموقراطي اتحادي.

ومع هذا لا يزال المجلس الكردي مصراً على المضي في خياره الانتحاري للانضمام إلى هذا الائتلاف، وبدفع من جماعة الاتحاد السياسي وراكبي موجته، كالحزب التقدمي. وليس خافياً هنا أن دوافع هذا التهافت هي محض مصلحية وشخصية، تتعلق بتولي منصب نائب رئيس الائتلاف، وبضعة مناصب في حكومة الائتلاف العتيدة ووزارتها الوهمية، فضلاً عن الدور السلبي للحزب الديموقراطي الكردستاني في دعم هذه التوجهات، الذي يبدو كمن يعمل على تخريب التجربة الديموقراطية الجنينية في غرب كردستان (كردستان سوريا)، لا لشيء إلا لكونه لم يفلح في بسط الوصاية على ذاك الجزء من كردستان، ولكون صيغة المناصفة («ففتي ففتي») التي كان عرابها، رفضها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) بعد عرضها عليه من قبل البارتي، جناح حكيم بشار، الذي ليس خافياً أنه يعد بمثابة الفرع السوري للديموقراطي الكردستاني العراقي. فحزب PYD طرح بدلاً عن ذلك مشروع الإدارة المشتركة الموقتة، المنوط بها تنظيم الانتخابات بما يحدد النسب وفق إرادة الناس، لا وفق اتفاقات مفروضة من أعلى ولا تتناسب وحقيقة الأحجام والأوزان السياسية الشعبية للأطراف المعنية. الأمر الذي ينبغي أن تدعمه مختلف القوى الكردستانية في الأجزاء الأخرى من كردستان، لا أن تضع العصي في عجلته وتسعى إلى فرض وصايتها على غرب كردستان وإلى تأزيم الأوضاع فيه.

ولنا في اغلاق معبر سيمالكا بين كردستان العراق وكردستان سوريا، خير شاهد على كنه هذه السياسات الفاشلة. فمن يطالب بالمناصفة، عليه أن لا يخشى صناديق الاقتراع، وإلا فعلى أيّ أساس جرتّ المطالبة بالمناصفة تلك، طالما أن ذاك الطرف بمجرد الحديث عن إدارة وانتخابات وبرلمان وحكومة أخذ وعلى خلفية هزال قاعدته الشعبية الناخبة يماطل، بل ويرفض المشاركة في هذا المشروع التاريخي لجهة وضعه البنية التحتية للكيان القومي الديموقراطي في غرب كردستان في اطار سوريا ديموقراطية فدرالية، على غرار ما حدث قبل نحو عقدين من الزمن في جنوب كردستان (كردستان العراق). وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو مؤتمر «جنيف 2» على قاعدة اقرار حل توافقي ينهي الحرب الأهلية، ويطوي صفحة النظام القاتل وفق صيغة ديموقراطية توافقية لتقاسم السلطات بين مختلف المكونات وخاصة الثلاثة الرئيسية منها: السنة والعلويين والكرد، بما يضمن التوازن والتشارك والاتحاد الطوعي الاختياري.

اليوم ملاحم المقاومة والانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب (YPG)، الذراع العسكرية للهيئة الكردية العليا، ضد جماعات القاعدة الارهابية وحلفائها، معطوفة على تبلور ملامح توجه دولي عام يمتد من موسكو إلى واشنطن لقبول تمثيل الكرد كمكون مستقل في إطار الهيئة الكردية العليا في المؤتمر الدولي للحلّ، وبما يتسق مع حقيقة كونهم رافعة التحول الديموقراطي البنيوي، ولا سيما في حال تعذر تمثيل مختلف قوى المعارضة في وفد واحد، حيث تشير المعطيات إلى تمثيل المعارضة بثلاثة وفود: الائتلاف وهيئة التنسيق والهيئة الكردية. الأمر الذي لا يتوافق والأجندات المعادية للقضية الكردية داخلياً واقليمياً، ولموقع الكرد ودورهم في سوريا كمكون رئيسي وكشريك، وكطرف مفاوض ومهندس لشكل سوريا الجديدة وأسسها.

لكن وللمفارقة، وتناغماً مع تلك الأجندات العنصرية العروبية، تصرّ بعض الجهات الكردية المذكورة آنفاً، على المضي في التآمر على قضية شعبها وفقاً لحسابات فئوية. ووصل بها الأمر إلى حد الاسهام الجدي في محاولة تفويت هذه الفرصة الذهبية لضمان حقوق الكرد في سوريا في المؤتمر الدولي للحل، وبضمانات ورعاية دوليين، من خلال تمثلهم كطرف مستقل قائم بذاته عبر الالتفاف على هذا الاستحقاق التاريخي، واللهاث خلف الائتلاف الذي يعاني الانقسامات العاصفة وفقدانه السيطرة على قطاعات واسعة من «الجيش الحر».

ولعلّ الرهان على ضربة «الكيميائي»، التي ذهبت أدراج الرياح هو ما دفع المجلس الكردي إلى السقوط في هذا الفخ الوجودي. فالمجلس بقراءاته السطحية للمشهد، شد الرحال نحو إسطنبول، ظنّاً منه أنه سيعود بعد أسابيع بمعية الائتلاف حاكماً على البلاد والعباد، ودوماً عبر التعويل على أن الضربة الأميركية كانت قاب قوسين أو أدنى.

* كاتب كردي

الأخبار

الائتلاف وحتمية التفاوض/ صادق عبد الرحمن

 على الرغم من الجولات المكوكية  للمبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، على عدد من الدول الاقليمية في سياق الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى عقد مؤتمر جنيف 2، والتي قادته اليوم إلى دمشق، فإن احتمالات انعقاد مؤتمر جنيف 2 في موعده الأولي، المحدد في الثالث والعشرين من تشرين الثاني، تتراجع.

الابراهيمي من جهته لم يوفر اي دول ابدت استعدادها لاستقباله، فزار في اطار جولته 8 دول اقليمية، هي مصر والكويت وقطر وتركيا إلى جانب إيران والأردن وسلطنة عمان قبل أن ينتقل إلى سوريا عبر لبنان.

في المقابل لم ينجح الابراهيمي في طرق باب السعودية التي تتخذ موقفاً متشدداً في ظل حالة غير مسبوقة من الاستياء تعتيرها حيال حليفتها الولايات المتحدة الأميركية.

متابعة تصريحات الابراهيمي خلال  جولته الإقليمية كافية للدلالة على مدى إدراكه للمصاعب التي تعتري مهمة تعبيد الطريق أمام جنيف 2.

في مختلف المؤتمرات الصحافية، كان الإبراهيمي يتجنب الحديث عن موعد نهائي للمؤتمر، وهو الذي يدرك جيداً أن زياراته المكوكية غير كافية لضمان عقد المؤتمر. فالتحضيرات تحتاج إلى دعم من مختلف الأطراف المعنية بالصراع سواء السورية أو الإقليمية والدولية. وهو ما يبدو أنه غير متوفر حتى اللحظة، وإن كان التحدي الأكبر يتمثل في إقناع الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية بالمشاركة.

مسألة تحديد الائتلاف لموقفه من المشاركة في جنيف 2 لا تبدو بهذه البساطة، ولا سيما مع رفض أغلب الكتائب المسلحة لهذا المؤتمر. وهو ما أكده البيان الأخير الذي حمل توقيع أغلب الفصائل المسلحة ويتضمن رفض مؤتمر جنيف 2، ورفض “أي حل لا ينهي وجود (الرئيس السوري بشار) الأسد بكل أركانه ومرتكزاته العسكرية ومنظومته الأمنية، ولا يقضي بمحاسبة كل من اشترك في ممارسة إرهاب الدولة” على حد تعبير البيان.

هكذا يبدو الائتلاف محاصراً بين مطرقة احتمالات تراجع الدعم الدولي له في حال رفضه حضور المؤتمر، وسندان تراجع تمثيله للكتائب المسلحة في حال حضوره للمؤتمر بدون تعهدات جدية برحيل الأسد.

لكن هذا الأمر، لن يغير من ضغط المجتمع الدولي على الائتلاف لحضور المؤتمر، ومن التحذير المتكرر من عواقب فشله. وهو ما جاء بوضوح على لسان رئيس الدائرة السياسية في الأمم المتحدة، جيفري فيلتمان، حين قال بأن فشل جنيف 2 سيمهد لولاية ثانية للأسد.

لكن هل يعني قول فيلتمان هذا أن نجاح جنيف 2 يعني رحيل الأسد، الذي يعد شرطاً اساسياً يطرحه الائتلاف لحضور جنيف 2؟ لا يبدو ذلك حاسماً حتى الآن على الرغم من تأكيد “مؤتمر أصدقاء سوريا” الأخير في بيانه الختامي على أنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا، فالبيان لا يعدو كونه محاولة، ولو كلامية، لتلبية متواضعة لشرط الائتلاف الأول والرئيسي لحضور المؤتمر، وهو تقديم ضمانات بتسليم الأسد للسلطة إلى هيئة انتقالية.

كذلك، لا يبدو الشرط الثاني للائتلاف وهو عدم مشاركة إيران في أعمال المؤتمر قابلاً للتنفيذ. الإبراهيمي أعلن من طهران يوم السبت الماضي أن مشاركة إيران طبيعية وضرورية، في حين أكدت الأخيرة استعدادها للحضور من دون شروط مسبقة للمساعدة في الوصول إلى حل دبلوماسي للأزمة.

ما ذهب إليه الإبراهيمي بخصوص إيران أكثر واقعية من رؤية الائتلاف. المعارضة تعتبر حضور المؤتمر هو المسألة الرئيسية، في حين أن الأهم هو ما يمكن أن يُقال في هذا المؤتمر وليس الحضور أو عدم الحضور بحد ذاته. وهنا تحديداً تكمن أهمية حضور ايران.

الائتلاف يرفض التفاوض مع إيران باعتبارها شريكاً في قتل السوريين، لكن هذا بالضبط ما يجعل التفاوض معها أمراً حتمياً باعتبارها لم تعد مجرد داعم للنظام السوري فحسب، بل أصبحت طرفاً مباشراً في الحرب من خلال الوجود القوي والمتعاظم لقوات تابعة لها ولحليفها حزب الله على الأرض السورية، ذلك لأن التفاوض لإنهاء أي حرب يتطلب مشاركة جميع أطرافها فيه.

شروط أخرى أدرجها الائتلاف لحضور المؤتمر من بينها إطلاق سراح الأطفال والنساء المعتقلين في سجون النظام وفتح ممرات إنسانية إلى المناطق المنكوبة والمحاصرة، إلا أن الواضح أن حزمة الشروط هذه غير ممكنة التنفيذ كرزمة واحدة، ولا سيما بعد أن قام الأسد بكسب رضا المجتمع الدولي من خلال تسليم ترسانته الكيماوية، وبعد أن أعلن قبوله بمبدأ التفاوض في جنيف 2، وهو الأمر الذي لم يعلن الائتلاف قبوله حتى اللحظة.

يضاف إلى كل ذلك أن مسار المعارك العنيفة والمتواصلة على جبهات القتال في سوريا لا يسير باتجاه قدرة أي من الطرفين على الحسم العسكري، وهو ما لا بديل عنه سوى التفاوض بين أطراف الصراع، بل ويبدو أن استمرار وزيادة الدعم الدولي الذي قد يعزز مواقع المعارضة مشروطٌ بقبول الأخيرة للعملية التفاوضية.

وإذا كان النظام السوري يشتري الوقت  من خلال إعلانه الاستعداد لحضور جنيف 2 بالتزامن مع تعطيله أي حل لا يلبي طموحاته عبر الإصرار على رفض التعهد بتنحي الأسد والاستمرار في العمليات العسكرية، فإنه ليس أمام المعارضة خيار سوى البدء بشراء الوقت أيضاً والعمل على تحصيل مكاسب مرحلية.

ماذا لو طرح الائتلاف استعداده للذهاب إلى جنيف 2 مقابل رفع الحصار الغذائي عن مدن وبلدات ريف دمشق مثلاً؟

المدن

جنيف2 تأسيس أمريكي للصوملة/ غسان المفلح

لم يترك الاخضر الابراهيمي ملفا تسلمه كمبعوث دولي، إلا وتركه رمادا. السبب أنه وجه قباحة لملفات لايراد حلها، وهو ليس من اصحاب المبادرات القوية، ليس في سجله مثل هذا. حيث بات من المتعارف عليه، ومنذ زمن أن اي ملف لا تريد امريكا حله تسلمه للابراهيمي. من هذا الموضوع نستطيع استشفاف ماذا يعني جنيف2. للابراهيمي تجربته في العراق ولبنان، والنتائج واضحة.

 ” الأسد كان شخصاً منبوذاً ولكنه بعد صفقة الكيماوي أصبح شريكاً”.. هذا آخر تصريح للابراهيمي قبل توجهه لدمشق. تصوروا على ضمير هذا الرجل وفريق عمله، بعد أن ضرب الشعب السوري بالكيماوي، اصبح شريكا مع أنه ليس كذلك لكن هذه رغبة الابراهيمي نفسه وعسكر الفساد. فكيف لهكذا وسيط ان يكون نزيها؟ وكيف لامريكا أن تبوح له باستراتيجيتها؟ الاميركان رغم كل شيئ، لايزالون يحسبون حسابا، لوسطاء لديهم ضمير مهني. لهذا هم يرمون بالابراهيمي في كل ملف، يحتاج لوسيط لديه مثل هذا الفصام. كي لايصطاد احد بالماء العكر، لا يعنيني الابراهيمي كشخص مطلقا، بل اتحدث عنه بوصفه مؤسسة سياسية.

ثنائية( العسكر والسلطة العميقة- الفساد) هي التي يجب أن تحكم المنطقة، أو أن تذهب نحو الصوملة. اسلاميون تركوا النموذج التركي، ويركضون في حقل تنافسي على الشارع، تشددا شعاراتيا، ساعد في ذلك

 تيارات أخرى وجدت أن سبب ديمومتها هو استمرار العسكر أيضا.

روسيا وإيران- استراتيجيتهما مغلقة على خيار الاسد أو نحرق البلد. دون القدرة على حل خارج هذه الدائرة. فماذا تريدان من جنيف2 ؟

 أمريكا- ليذهب الجميع إلى جنيف وهنالك نرى. جر الاطراف لتأسيس شبيه بالحالة الفلسطينية أو لتأسيس يجمع بين هذه الحالة وبين الصوملة، أو لتطبيق سيناريو أمريكي لايزال خارج اجندة جنيف2 ربما يتم طرحه في اللحظات الأخيرة؟ هنالك من يرى أن أمريكا تراجعت عن جنيف1 وتبنت التفسير الروسي له، لو كانت أمريكا تريد جنيف1 أو التفسير الروسي له حتى لفرضته بقرار من مجلس الامن.

 “المعارضة”- هيئة التنسيق لاوزن فعلي لها، وتتبنى جزء كبيرا من مطالب الثورة ما عدا المس بموقع آل الاسد، واجراء مصالحة وطنية، ويادار ما دخلك شر.

الائتلاف- لايزال كما تشكل رجل بالبور ورجل بالفلاحة، يتبنى مطالب الثورة، دون أية استراتيجية واضحة لتحقيقها سواء عبر كنيف2 أو أي طريق آخر. كما أنه منذ تأسيسه استطاع أن يفصل بين حركة الداخل وتفاعلاته وبين المعارضة الائتلافية كلها. والهوة تتسع والمخاض لعودة مؤسسية حقيقية يزداد صعوبة، تصل حد الاستحالة.

– آل الاسد إما نحن أو نستمر في قتل الشعب السوري.

– الحركة الكردية منقسمة بين النظام وبين الثورة واهدافها. القسم الأول مسلح ويفرض نفسه بقوة السلاح، والثاني غير مسلح ولا سند مهم له.

– الجيش الحر اخترقته داعش وغيرها، واصبح بلاقيادة موحدة بفضل السياسة الامريكية- الائتلافية.

فأي جنيف2 هذا الذي سيعقد؟ لايزال عنوان التدخل الدولي مطروحا لحماية شعبنا من هذه القوى المستكلبة.

ايلاف

انتصارات «جنيف 2»؟/ ياسين سويحة *

بعد الإعلان عن موعد أولي لانعقاده، تتسارع النقاشات حول «جنيف 2» في أوساط المعارضة السوريّة. الذهاب إلى المؤتمر أم لا؟ بأيّة شروط؟ بأيّة مطالب؟ هل ستتمثّل المعارضات السوريّة الذاهبة إلى جنيف في وفد واحد، أم ستكون هناك وفود متعددة حسب التقسيم، العقيم والخلّبي، بين معارضات «الداخل» و «الخارج»؟ هناك آراء ومواقف داخل المعارضات السوريّة مناسبة لكلّ الأذواق الإقليمية والدوليّة: رفض مطلق، موافقة مرهونة بطيف من الشروط، موافقة متحمّسة.

النقاشات بين تنويعة المواقف هي، ككلّ المسيرة البائسة والحزينة للمعارضات السوريّة، افتراضيّة بحتة، ﻻ أسس أرضيّة عليها في ظل اﻻنسلاخ شبه الكامل بين ديناميكية القوى المسلّحة الأقوى على الأرض و «الحياة السياسيّة» للمعارضات السوريّة.

من جهته، يبدي النظام موقفاً يمزج بين الحديث عن جنيف وكأنه مشروع لـ «مؤتمر يالطا»، يصلح إعلاناً لانتصارٍ روسي – إيراني – أسدي، ومأسسة هذا الانتصار دولياً من جهة، وتكرار الحديث الشامت، على لسان رأس النظام في مقابلاته التلفزيونية، عن انعدام الوزن والتأثير السياسي للمعارضات السوريّة المطروح مشاركتها في جنيف من جهة أخرى. ﻻ شك في أنّ نقاش المعارضات السوريّة اليوم هو حلقة جديدة من حلقات فقر الأداء، شبه العقيم سياسياً، وذو مواقف قاصرة وجبانة، والمكتفي بنفسه على طرح المسألة السوريّة بشكل إنسانوي وصل منه الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي إلى حدّ الإشباع. ﻻ شكّ أيضاً أن النظام السوري وحلفاءه تمكنوا من إحداث خرق كبير على المجال السياسي، وتحوّل وضع النظام من الوقوع تحت تهديد ضربة عسكريّة أميركية فوريّة إلى إعادة تأهيل نسبيّة في الساحة الدوليّة وفرض النفس كجهة يحقّ لها المساءلة عن شرعيّة جهات أخرى. كل هذا بثمن أولي، الترسانة الكيماوية، بخس وسهل الدفع كما رأينا، وغير ذي أهمية كبيرة لما يخصّ صلب المسألة السوريّة وعمقها.

هل يحقّ للنظام فعلاً أن يعلن انتصاره؟ وهل من المنطقي أن يكون اﻻعتراف جزءاً من خطاب اليأس السوري، السائد اليوم في الرأي العام المعارض؟

لنفترض أن موازين القوى السياسيّة هي أكثر ميلاً للنظام، حتى أكثر من الواقع الحالي، وبالتالي لنتخيّل أنه قادر على تحقيق سقف طموحاته السياسيّة في «جنيف 2». ما هي هذه الطموحات؟ لنقل أنها اعترافٌ كامل به كمركز قوة أوحد داخل سورية، وإبقاء القوّة الضاربة للجيش والأجهزة الأمنيّة تحت قبضة بشار الأسد، وعدم فرض أجندة سياسيّة لتغيير النظام السياسي والامتناع عن المطالبة بمحاسبات مقابل تغييرات شكليّة تجري وفق رؤية وإيقاع النظام، كإدخال وجوه من «المعارضات الداخلية» في سلطة تنفيذية تُعطى بعض الصلاحيات هنا وهناك، من دون اﻻقتراب من الشؤون العسكرية والأمنيّة، والإقرار به كجهة مكافِحة لـ «الإرهاب العالمي» يحقّ لها الكثير من التفهّم والمراعاة لقلة اكتراثها بالشؤون الإنسانيّة والحقوقيّة في سياق معركتها ضد «التكفيريين». لنفترض أن النظام حقق كلّ هذا على الصعيد الدولي. هل انتصر حقاً؟ ﻻ شك في أن النظام يمتلك اليوم المبادرة العسكرية في عدد كبير من المناطق، وتماسك قواه يمنحه أفضليّة أمام التفكك والتحلل الجاري على الجبهة المعارضة، والتي تعاني من فقر السلاح والتنظيم، عدا الحرب التي تشنّها «داعش» عليها من الخلف. لكن أليس صحيحاً، أيضاً، أن النظام فقد السيطرة على معظم الشمال السوري، وأنه عاجز عن تأمين الاتصال الآمن أرضاً بين مراكز المدن الرئيسيّة؟ أليس واقعاً أيضاً أنه، رغم امتلاكه التفوّق العسكري الهائل، ورغم استخدام كلّ أنواع الأسلحة وبمنتهى الشراسة، عاجز عن الوصول، مثلاً، إلى مناطق في ريف دمشق ﻻ تبعد إﻻ كيلومترات معدودة عن مقرات قيادة الجيش والأجهزة الأمنية في قلب العاصمة؟

أيّاً كانت نتيجة جنيف، ومهما انحازت لصالح النظام، فهي ستكون افتراضيّة ومنفصلة عن الأرض، مثلها مثل افتراضيّة عمل «معارضة الخارج»، التي يسخر منها بشار الأسد في مقابلاته التلفزيونية؟

لو «انتصر» النظام في جنيف، سيكون عليه أن يدفع بشكل عاجل مجموعة كبيرة من الفواتير والمستحقات المتأخرة، المالية منها والسياسيّة، أكان ذلك لحلفاءٍ دافعوا عنه بشراسة، أو للقوى الغربيّة، الولايات المتحدة خصوصاً، والتي ستطالبه أيضاً بثمن عدم التورّط بشكل أكبر في المسألة السوريّة، بغضّ النظر عن أسباب ومنطلقات عدم التورّط. بعض هذه الفواتير ستكون متضاربة ومتناقضة في ما بينها، ما سيوقع النظام في متاهة. كلّ هذا مقابل «نصر» افتراضي، ﻻ يختلف، في أقصى احتمالات ميلانه لصالح النظام، عن اﻻعتراف الدولي بحكومتي الصومال ومالي في وجه «التكفيريين». هذا على صعيد العلاقة مع الخارج. أما الداخل، فيشهد النظام تحوّل حلفائه الخارجيين إلى قوى داخليّة فيه بشكل يفقده استقلاله ومقدرته على «البهلوانيّة» في علاقاته بالخارج، والتي طبعت العهود الأسديّة، وذلك عبر الدخول الإيراني المباشر أو عبر «حزب الله» والميليشيات العراقيّة، أو الثقل العسكري الروسي، تسليحاً وتمويلاً وإدارة.

عدا هذا، كيف يمكن النظام أن يتعامل مع بنيته، التي فقدت كلّ قشور مؤسساتيّة شبه الدولة السوريّة السابقة، وصارت، في الشكل والمضمون، كياناً عُصابياً، هويّته واقتصاده السياسي، هو وقاعدته اﻻجتماعيّة، الحرب. هل هو قادر على إعادة تأهيل هذه البنية بما يضمن عدم تفككها وتصارع جزيئاتها من دون استمرار الحرب؟

ليس في ما سبق من كلام أي محاولة للتفاؤل من وجهة نظر معارضة، فاستحالة انتصار النظام من دون أن «ينتحر» ﻻ تعني، إطلاقاً، مساحة مُكتسبة لمعارضة سياسيّة وعسكرية تُعاني وضعاً مأسوياً في تنظيمها وعلاقاتها الداخلية من جهة، وفي تحالفاتها وارتباطاتها اﻹقليمية والدولية من جهة أخرى. «جنيف 2»، بصيغته ومفرداته الحالية، القائمة على «التفاوض من أجل التفاوض» بما تقتضيه علاقات القوى الدولية في ما بينها، ﻻ هو انتصار للمعارضة وﻻ للنظام، ولا ينفع حتى كتسوية بالحد الأدنى. إنه طريق مفتوح لتقدّم جهة لم تُدع للمؤتمر، وﻻ هي تكترث به أصلاً: «داعش».

* كاتب سوري

الحياة

الواقعية السياسية تنتصر أخيراً/منذر خدام

قبيل انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، وفي سياق الاستعداد للمشاركة فيه، عُقد بتاريخ 22/ 10/2013 في العاصمة البريطانية لندن مؤتمر مجموعة ما يسمى أصدقاء الشعب السوري (أصدقاء الائتلاف الوطني السوري) المكونة من إحدى عشر دولة، من بينها خمس دول عربية تتقدمها المملكة العربية السعودية، إضافة إلى وفد يمثل الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة. في نهاية المؤتمر صدر بيان عنه تضمن جملة من المواقف تبنتها بالإجماع الدول المشاركة إضافة إلى وفد الائتلاف.

ومن خلال مقارنة ما جاء في البيان بالنهج السياسي الذي اتبعه الائتلاف الوطني وقبله المجلس الوطني طيلة الفترة الماضية من زمن انتفاضة الشعب السوري، يمكن القول إنّ المؤتمر قد نجح أخيراً في إعادة الائتلاف إلى الواقعية السياسية، بعدما ظل طيلة زمن الانتفاضة السورية يحلق في فضاء الشعارات، مستخدماً لغة مبتذلة في تعامله مع خصومه السياسيين، وخصوصاً النظام، ومعارضته لكل المبادرات الدولية لحل الأزمة السورية، سواء تلك التي صدرت عن الجامعة العربية، أو التي صدرت عن الأمم المتحدة، ومنها مبادرة مجموعة العمل الخاصة بسوريا، التي صدر عنها إعلان «جنيف 1»، الذي يجري العمل اليوم على تطبيقه من خلال مؤتمر «جنيف 2».

لقد جاء في الفقرة الأولى من البيان: «ترحب مجموعة أصدقاء سوريا «لندن 11» بالإجماع بتوافق مجلس الأمن الدولي يوم 27 سبتمبر/ أيلول على الحاجة الملحة إلى الانتقال السياسي وتأييده لإعلان جنيف، الذي كان موضوعه تشكيل هيئة حكومية انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة تشمل الأمن والجيش والهياكل الاستخبارية». في هذه الفقرة يلفت الانتباه أن البيان صدر بالإجماع، هذا يعني أن الائتلاف والسعودية موافقان عليه، وهو يعلن تأييده «لإعلان جنيف» وما تضمنه من خارطة طريق للخروج من الأزمة، إضافة إلى ذلك، فهو يتحدث عن انتقال «سياسي» لا عن انتقال «السلطة»، كما كان يطالب بذلك قادة الائتلاف دائماً، وبين الانتقالين فروق جوهرية كما هو معلوم. وهذه الحكومة ينبغي أن تتمتع بصلاحيات «تنفيذية» كاملة، لا بصلاحيات «كاملة» كما كان يطالب الائتلاف أيضاً. لقد صيغت هذه الفقرة بالكامل بما يتوافق مع بيان «جنيف 1»، الذي كان يرفضه

الائتلاف.

في الفقرة الثانية، التي تبدو شكلاً أنها محابية لخطاب الائتلاف المعروف، جاءت أيضاً على عكس ما ظل قادة الائتلاف يطالبون به. فهم على الأغلب لم يفكروا في المعنى الذي تعطيه كلمة «نوافق» التي تقدمت هذه الفقرة من البيان، والتي لا يمكن لمعارض أن يختلف معها فيعارضها. لقد جاء في النص: «نوافق على أنه عندما يجري تأسيس الهيئة الحكومية الانتقالية فإن بشار الأسد ومساعديه المقربين والملطخة أيديهم لن يكون لهم دور في سوريا. ولا بد أن تكون هناك مساءلة على الأعمال التي ارتكبت أثناء الصراع الحالي». من الواضح أنّ الخطاب في هذه الفقرة موجه إلى أصحابه، ولا يلزم مؤتمر «جنيف 2» بشيء، وهناك فرق كبير بين أن توافق أنت على حصول شيء وحصوله فعلياً.

بالطبع من المتوقع أن تطالب جميع أطراف المعارضة التي سوف تشارك في مؤتمر «جنيف 2» بأن تتحمل السلطة القائمة المسؤولية عما حصل في سوريا، وأن تتنحى، بل وأن تحاسب أيضاً. وهذا شيء مفهوم ومطلوب، لكن ذلك ليس شرطاً واجب التنفيذ، فقد يرى المؤتمر غير ذلك، على الأقل خلال المرحلة الانتقالية. حتى «المساءلة» التي طالب بها البيان في نهاية هذه الفقرة جاءت عامة لا تخص السلطة وحدها، بل جميع «الأعمال التي جرى ارتكابها أثناء الصراع»، مما يترك الباب مفتوحاً لمساءلة المعارضة ذاتها، وخصوصاً المعارضة المسلحة. والمساءلة هنا غير «المحاسبة» التي لطالما طالبت بها المعارضة السورية بجميع فصائلها، مما يترك باباً لنجاة حتى المجرمين الذين ارتكبوا المجازر ضد السوريين من العقاب، أقله في المدى المنظور.

في الفقرة الرابعة من البيان، وردت في المقدمة عبارة «نرحب بالتقدم المنجز بخصوص التحضيرات لمؤتمر «جنيف 2»، ونتعهد تقديم الدعم الكامل للممثل الخاص المشترك…». لقد حسمت هذه العبارة مواقف الأطراف المشاركة في لقاء لندن، ومنها بطبيعة الحال الائتلاف، بصورة لا لبس فيها من مؤتمر جنيف، ومشاركتها فيه، بل وتعهدها تقديم «الدعم الكامل» للسيد الأخضر الإبراهيمي «الممثل الخاص المشترك».

في الفقرة الثامنة من البيان أُشيرَ بوضوح إلى المخاطر الناجمة عن «انتشار التطرف»، ويذكر بالاسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وجبهة النصرة… ويترك الجملة مفتوحة لتشمل قوى أخرى محتملة. يفترض بالائتلاف بعد هذا البيان الذي وافق عليه أن يخرج من خطابه بتصنيف هذه الجماعات المسلحة من قائمة «قوى الثورة»، ويعدّها قوى إرهابية. وعلى خلاف مع خطاب الائتلاف السائد، فإن البيان في هذه الفقرة يطالب أيضاً بخروج جميع «المقاتلين الأجانب» من سوريا، وليس فقط تلك القوات التي تقاتل إلى جانب النظام.

في الفقرة 12 من البيان، ورد بالنص يجري «بالموافقة المتبادلة تأسيس هيئة حكومية انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة وتتمتع بالسيطرة على جميع المؤسسات الحكومية، بما في ذلك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات… وهذه الهيئة يجب أن تكون هي المصدر الوحيد للشرعية والالتزام القانوني في سوريا، وإن أية انتخابات في سوريا يجب أن تجري ضمن إطار الانتقال السياسي». قد يكون ما جاء في هذه الفقرة هو «شيطان التفاصيل» بذاته، فالموافقة المتبادلة المنصوص عنها هنا سوف تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لتعظيم الاختلافات بين المعارضة والنظام، وإذا ما استخدم كل طرف حق الفيتو الممنوح له بموجب هذه الفقرة، فإنه يمكن توقع عدم التقدم إلى الأمام على طريق الخروج من الأزمة. لذلك لا بد من وضع آليات لحل التعارض والاختلاف في الآراء والمواقف بين المعارضة والنظام، وهي مؤكدة، من أجل نجاح المؤتمر والمساعي اللاحقة للخروج من الأزمة.

في الفقرة 16، وفي معرض الحديث عن وفد المعارضة الذي ينبغي أن يفاوض وفد النظام ورد بالنص «يجب أن تجري المفاوضات عبر وساطة الممثل الخاص المشترك ما بين وفد منفرد للنظام السوري، ووفد منفرد للمعارضة، والتي يجب أن يشكل الائتلاف الوطني السوري جوهرها ورائدها بصفته الممثل الشرعي للشعب السوري». تبدو هذه الفقرة الطعم الذي ألقي للائتلاف لتحفيزه على تغيير استراتيجيته السياسية وقبول الحل السياسي، لكن هنا أيضاً لم يعدّ الائتلاف الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة، وإنّ عبارة «أن يشكل الائتلاف جوهرها ورائدها…» تعني أن هناك قوى معارضة أخرى، سوف تشارك إلى جانب الائتلاف في مواجهة وفد النظام، وإن توصيف دوره بالجوهري والرائد لا يعني أنّ دور المعارضين الآخرين ليس جوهريا ورائداً.

بصورة عامة يمكن القول إن بيان «لندن 11»، يتطابق في أفكاره الرئيسية مع بيان «جنيف 1»، وهو يكاد يستلهم في أغلب بنوده ما جاء في المذكرة التنفيذية لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التي سلمت للمسؤولين الروس والأميركيين، وكانا قد أبديا إعجابهما بها في حينه.

* رئيس مكتب الاعلام

في «هيئة التنسيق الوطنية» السورية

الأخبار

“جنيف2”.. هل هو الطريق إلى اللاحلّ؟/ هوشنك بروكا

لا اتفاق حتى الآن بين أطراف النزاع الرئيسية في سوريا على شكل “جنيف2″، دخولاً وخروجاً. كلّ طرف يريد الذهاب إلى “جنيف2” حسب شروطه الخاصة. المشكلة السورية بالنسبة للشعب السوري هي واحدة: حرب الجميع على الجميع. لكنّ الحلّ يتعدد بتعدد الأطراف المشاركة في هذه الحرب. قلة قليلة من الأطراف الفاعلة على الأرض، معارضة وموالاة، تؤمن بالحل السلمي أو السياسي. الأطراف الأساسية في الصراع لا تزال تؤمن بخيار الحرب أكثر من السلام. كلٌّ ينظر إلى “جنيف2″ من زاويته الخاصة ك”ضد” و”ندّ” للآخر، قبل أن يكون محاوراً له. فلا النظام يقبل بالمعارضة شريكةً له في “سوريا ما بعد جنيف2″، ولا هذه الأخيرة تقبل بالنظام كشريك لها ولا حتى كمشاركٍ معها في سوريا القادمة.

النظام يرفض أي حوار مع المعارضة في “جنيف2” بشروط مسبقة، والمعارضة ترفض في المقابل الذهاب إلى أيّ مفاوضات، سواء في “جنيف2” أو بعدها، بدون شروط مسبقة، أولها تحييد النظام، وتنحي رئيسه بشار الأسد عن السلطة، لئلا يكون له أي دور أو مكان في العملية الانتقالية، وهو ما يرفضه النظام وحلفاؤه وعلى رأسهم إيران، جملةً وتفصيلاً، خصوصاً بعد “صفقة الكيماوي” التي عززت موقع النظام ووفرت له ك”مفاوض قوي” مقومات الصمود و ربما البقاء أيضاً إلى حين تفكيك ترسانته الكيماوية بحلول منتصف العام 2014.

المزاج الأممي العام، خصوصاً بعد الإتفاق الروسي الأميركي، بات يتجه نحو “الحل السياسي السلمي” للأزمة السورية. لا حديث بعد اتفاق الكبار ولقاء مصالح واشنطن مع موسكو عن أيّ دعم عسكري للمعارضة، أو أي “خيار عسكري” قريب يستهدف النظام، الأمر الذي شكّل خيبة أمل كبيرة لدى أهل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وعلى رأسها “الإئتلاف السوري” و”الجيش الحرّ”. “أصدقاء” المعارضة وعلى رأسهم السعودية وقطر وتركيا عبروا بكلّ صراحة عن استيائهم من “التماطل” الأميركي تجاه القضية السورية، وعن عدم ارتياحهم من التقارب الأميركي الإيراني والإنفراجات الأخيرة بين الجانبين بشأن النووي الإيراني، ما أدى إلى بلوغ الخلافات الأميركية السعودية إلى ذروة غير مسبوقة لم تشهد لها مثيلاً منذ سبعينيات القرن الماضي.

أصدقاء المعارضة السورية وفي مقدمتهم دول “المحور السني” (السعودية + قطر + تركيا) لا يزالون مقتنعون بأن الأسد ومعه إيران هم أصل المشكلة، أساّ وأساساً، ولا يمكن لأهل المشكلة أن يكونوا جزءاً من أيّ “حل سياسي” قادم في سوريا القادمة، فيما أميركا وروسيا ومعهما المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي يصرّون علناً، كما تبيّن من زيارة الإبراهيمي إلى طهران، على ضرورة مشاركة إيران في “جنيف2” بإعتبارها جزءً أساسياً من الحلّ.

موسكو كما يبدو من تصريحات مسؤوليها الكبار ستضمن مشاركة النظام وإيران في “جنيف2” بدون شروط، بحسب اتفاقها مع واشنطن، وكذلك معارضة الداخل “المعتدلة”، والتي توصف في أوساط معارضة الخارج ب”معارضة النظام” أو المحسوبة عليه، وعلى رأسها “هيئة التنسيق” وتوابعها. أما المعارضة السورية بشقيها السياسي (الإئتلاف) والمسلح (الجيش الحرّ)، فلا أحد يضمن مشاركتها، حتى الآن، في “جنيف بلا شروط”. لا بل أن أجزاء أساسية من هذه المعارضة سواء تلك العسكرية الداخلة تحت قيادة أركان “الجيش الحرّ”، أو السياسية منها الممثلة ب”المجلس الوطني السوري”، الذي يشكّل جزءً أساسياً ومهماً من “الإئتلاف”، عبرّت في أكثر من مناسبة وبيان، بأنها لن تشارك في “جنيف2” بدون شروط وضمانات دولية. هذا الموقف “الصارم” جاء على لسان رئيس “المجلس الوطني السوري” جورج صبرا قبل أكثر من أسبوعين، وهدد بالإنسحاب الكامل من الإئتلاف إذا قرر هذا الأخير الذهاب إلى جنيف.

في آخر اجتماعٍ له مع الأخضر الإبراهيمي أكدّ رئيس “الإئتلاف” أحمد الجربا أن حضورهم في “جنيف “2 ممكن لكنه مشروط برحيل الأسد. ما يعني أنّ لا جديد على موقف “الإئتلاف” ولا ذهاب إلى جنيف بدون “رحيل الأسد”. أقصى ما يمكن أن يذهب إليه “الإئتلاف” في اجتماعه المرتقب لحسم موقفه من “جنيف 2” في التاسع من نوفمبر الجاري، هو المشاركة في جنيف

مقابل “ضمانات أممية” ل”تأسيس هيئة حكم انتقالية لن يكون لبشار الأسد وأعوانه المقربين الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور مستقبلي فيها، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبوها”، كما جاء في أحدى بنود “بيان لندن 11”.

ما بات شبه مؤكداً هو أن “رحيل الأسد” لم يّدرج حتى الآن، كشرط من شروط “جنيف2″، لا بل الكلّ يؤكد أنّ على كلّ الأطراف أن تشارك في جنيف بدون شروط، وهو ما أكد عليه الأميركان والروس أكثر من مرّة. في اجتماعٍ للمعارضة السورية مع السفير الأمريكي السابق في دمشق، مسئول الملف السوري، روبرت فورد، قال الأخير ردًا على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن تضمن للمعارضة أن يرحل الأسد عن السلطة، قبل أو بعد المفاوضات: “نحن لا نضمن شيئًا وليس لدينا أي نتيجة مضمونة فى المفاوضات”، علماً أنه لم يتم ذكر أي شيء عن مستقبل أو مصير الأسد فى وثيقة “جنيف2”.

ما يهم الأميركان، الآن، في “جنيف 2” وما بعدها، أنّ رياح الأزمة السورية، بعد ضمان “الكيماوي السوري”، تجري بما تشتهي سفنها وسفن حلفائها في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل. هذا ما أكدّ عليه المسؤولون الأميركان، وعلى رأسهم السفير فورد، في أكثر من مرّة. من وجهة نظر أميركا وأمنها القومي، لا خوف حقيقي الآن من الأسد، بل الخوف هو من الجماعات الإسلامية المتشددة التي باتت تشكل تقريباً نصف عديد المعارضة السورية. خوف أميركا وحلفائها الحقيقي، هو أن يقع “الكيماوي السوري” في “الأيدي الخطأ”.

“جنيف2” لن يناقش على الأرجح مصير الأسد، وأميركا ستكون من أشد المتمسكين ببقائه، إلى حين تفكيك الكيماوي على أقل تقدير. فمصير الأسد هو من مصير “الكيماوي”.

إزاء بقاء الأسد في السلطة وانعقاد “جنيف 2” بدون ضمانات وشروط مسبقة، لن يبقى أمام المعارضة السورية سوى خيارين، أحلاهما مرٌّ:

إما أن تشارك في “جنيف2” لتخسر السلام، بحسب “ثوابتها”، وتخسر معه “الثورة” وأهلها الذين يرفضون كلّ السلام مع كلّ النظام، ولا يتوانون في وصف كلّ من يفاوض الأسد ب”الخائن العظيم”. أو تقاطعه وتسلّم أمرها ل”امراء” الحرب، ليخسر الجميع الحربَ، أو يخسر الجميع الجميع.

بين “لاءات” النظام “ولاءات” المعارضة تجري جهودٌ دولية حثيثة لعقد “جنيف2” في 23 من نوفمبر الجاري.

الطريق إلى “جنيف2” ربما يكون واحداً، لكنّ الطريق منها إلى دمشق، حتماً، سيتعدد.

ربما كلّ الطرق، الآن، تؤدي إلى “جنيف 2″، كما يريد له المزاج الدولي أن يكون. لكن السؤال الأهم هو: هل هو الطريق الممكن إلى الحلّ؟

“جنيف 2” قد يُعقد لوضع بعض النقاط على بعض حروف الأزمة السورية، مثلما عُقد “جنيف 1″، لكنّ الطريق إلى دمشق لن يعبر على الأرجح من جنيف، هذه المرّة أيضاً.

ربما ينجح النظام والمعارضة في دخول “جنيف 2″، برعاية دولية، لبحث المشكلة السورية، كمشكلة واحدة تشمل جميع السوريين، لكنّ من الصعب جداً عليهم، كما تقول المشكلة على الأرض السورية، أن يخرجوا منه بحلّ واحد يجتمع تحت سقفه الجميع.

فهل الطريق إلى “جنيف2” هو الطريق إلى اللاحلّ؟

ايلاف

كيف وصلنا الى جنيف/ وليد البني

عند بدء التحرك الشعبي السوري المطالب بالتغيير قبل ثلاثين شهرا، كانت لا تزال الآمال كبيرة ، بأن شيئا مشابهالما حصل في اوربا الشرقية، من تحركات شعبية مطالبة بالديمقراطية، قد بدأ يجتاح المنطقة العربية. وهذا ما عززه الانهيار السريع لنظامي بن علي ومبارك، وبدأت تروج فكرة الربيع العربي، المدعوم من العالم الحر والقوى الديمقراطية في العالم، وخاصة بعد التحالف  الاقليمي الدولي الذي ساعد على اسقاط نظام القذافي بعد أن اعلن حربا على شعبه مستخدما كل ترسانته العسكرية.

 كل هذه العوامل الهمت  مخيلة الشباب السوري بأنهم هم ايضا مثل المصريين والتونسيين والليبيين سيكونون  قادرين على التغيير الديمقراطي في سوريا، سلميا في البداية،  وبالعمل المسلح بعد ان استخدم نظام الأسد ابشع الوسائل لقمع التحرك السلمي المتصاعد( القنص المحدود للمتظاهرين مع الضرب المبرح والتعذيب والتنكيل في البداية، ثم كل ما امتلك من اسلحة عندما بدأت  المقاومة المسلحة وازدادت الانشقاقات من صفوف جيشه).

وحتى عندما بدأ استخدام  الطيران الحربي بقي الكثير من الشباب السوري معتقدا بأن ما يسمى بالعالم الحر واشقائهم المقتنعين بعدالة قضيتهم لن يتخلوا عنهم،  وسيقفون الى جانبهم ضد المجازر المتتالية التي بدأ النظام بتنفيذها لإرهابهم وإخماد الثورة.

لكن ومع كل اسف لم تبدي الإدارة الأمريكية اية رغبة بتدخل حاسم من اي نوع لإيقاف ما يجري، وتُرك الشعب السوري وحيدا امام ألة القتل الوحشية للنظام والذي لاقى دعما متواصلا لتعزيزها من الايرانيين ماليا، والروس تسليحا.

بينما ترك دعم الثورة السورية لتتعهده قوى إقليمية، لا تمتلك اية خبرات بالعمل المؤسساتي، أو البنى الديمقراطية وأليات عملها، فتم ارتجال المجلس الوطني السوري، برعاية وتمويل قطري وتشجيع تركي سعودي، والذي لاقى ترحيبا شعبيا واسعا داخل سوريا على امل ان يكون دوره مثيلا لدور المجلس الوطني الليبي، الذي تم الإعتراف به كبديل لنظام القذافي، والذي قاد عملية تدخل اقليمية دولية ساعدت على انتصار الثورة الليبية.

إلا أن البرود الأمريكي في تبني فكرة دعم الثوار السوريين، إضافة الى الاسلوب الإرتجالي الذي اتبع في تأسيس المجلس، وبُعده عن العمل المؤسسي أدى الى خيبة امل كبيرة لدى الشباب السوري الذي كان لايزال لديه أمل بأن المجتمع الدولي سوف لن يبقى مكتوف الأيدي امام هول المجازر التي يرتكبها النظام ، فتم الإنتقال الى تشكيلة جديدة سميت الإئتلاف الوطني، ايضا بنفس الطريقة الإرتجالية برعاية نفس الدول الإقليمية،  ولكن بوعود مبالغ بها جدا حول قرب تغيير الموقف الدولي تجاه دعم الثورة السورية، عسكريا وماليا. طبعا الوعود لم تُلبّى،  والمأسسة لم تحصل والدعم لم يأتِ، مما أدى الى خيبة امل أكبر لدى غالبية الشباب السوري الثائر، وخلق تربة خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة، والتي بدأت تحاول إقناع  هؤلاء الشباب؛ بأن الغرب، هو حقيقة يحمي النظام، وهو لن يساعدهم حتى يحققوا ما خرجوا من أجله، وبالتالي بدأت تسود الأفكار الجهادية، وانتشرت بين الشباب فكرة أن الله وحده هو من سيساعد السوريين على تحمل آلامهم  والوقوف  في وجه اعتى آلة قتل وتنكيل عرفتها البشرية.

ساعد على ذلك الإعلام الأصولي، وكان ذلك ضمن خطة النظام منذ بداية الثورة، الذي يريد ان يُظهر نفسه كمدافع عن العلمانية وحرية الأديان،  في وجه تنظيمات اصولية معادية للحضارة و لحرية الاديان.

إن ظهور هذه التنظيمات وازدياد قوتها، وخيبة الأمل من القوى الوطنية الديمقراطية ، أدى الى تحول معظم القوى المسلحة باتجاه تبني الفكر الديني الجهادي، مما أضعف المعارضة الوطنية الديمقراطية، والائتلاف وهيئة اركانه،  التي كانت توصف بأنها ( المؤسسات ، وهي ابعد ما تكون عن المأسسة والشفافية ، من ما اضعف شعبيتها أكثر) المعارضة المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة وأوربا .

ضمن هذه الظروف، وبعد الرد الدولي على استخدام النظام للأسلحة الكيماوية والتي طالما وصفها اوباما بالخط الأحمر،  ضمن حديثه عن فقدان الأسد لشرعيته.

هذا الرد الذي لم يتعدى مطالبة الأسد بتسليم اسلحته الكيماوية ، بدل معاقبته على جريمة حرب موصوفة بعد مجزرة اسفرت عن مقتل اكثر من الف وأربعمائة سوري،  اكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال.

اقول، وضمن هذه الظروف جاءت  دعوة الإبراهيمي لعقد مؤتمر جنيف٢ لإجراء مفاوضات مباشرة بين نظام فعل كل ما فعل، ومعارضة فقدت السيطرة على الأرض وخسرت دعمها الشعبي، دون اية ضمانات تذكر حول نتائج هذه المفاوضات، او اية قرارت اممية ملزمة تفرض على النظام  الإفراج عن أكثر من مائتي معتقل يموت الكثير منهم يوميا تحت التعذيب، ودون فك الحصار عن أكثر من مليوني سوري يتعرضون للقصف والقتل اليومي، وتمنع عنهم المواد التموينية وكل وسائل الحياة، ولا يُسمح حتى لمؤسسات الإغاثة الدولية بالوصول اليهم ، مما أدى الى موت الكثير من الأطفال وكبيري السن جوعا.

فهل من المُستغزب أن يفشل مؤتمر هذه مقوماته، وهل سيجرؤ وطني سوري واحد على حضور هكذا مؤتمردون شروط كما يريد رعاته.

كلنا شركاء

الحل السياسي في سوريا بين النوايا والواقع الموضوعي/ حسام ميرو

يعتقد البعض في المعارضة السورية أن جنيف 2 هو أمر ضروري بعد أن وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من أحوال. لا بأس، فهذا الرأي السياسي يُقدّم حجته انطلاقاً من ضرورة إنقاذ من تبقى من سورية، مقتنعاً بأن الوقت كلما تأخر أمام الحل السياسي كلما تعقدت الظروف الموضوعية أكثر، وبالتالي فإن إمكانية خروج البلاد من أزمتها الراهنة ستكون أمراً أكثر تعقيداً  من الحال الراهن.

إن نظرة موضوعية فاحصة إلى الوضع السوري من شأنها أن تساعد على فهم ما يمكن أن يقدمه مؤتمر جنيف 2 في حال انعقاده، فالمسألة لا تقع سياسياً وموضوعياً في خانة الرغبات، وإنما في خانة الواقع، والذي بات معقداً وإشكالياً إلى الدرجة التي يصبح معها الاعتقاد بأن الحل السياسي سيحل الأزمة السورية مجرد رأي، لا يستند إلى وقائع تجاوزت في معطياتها إمكانات الحل، وإنما يستند إلى نوايا خالصة.

لكن، أيضاً قرار الذهاب إلى جنيف 2 لم يعد أمراً سورياً خالصاً لمعظم الأطراف، فنحن حين نتحدث عن تدويل الأزمة فإننا نتحدث بالضرورة عن فقدان الكثير من القوى السورية المعارضة، ناهيك عن النظام، إلى استقلالية القرار السياسي، ففي ثنايا ما يجري في سوريا مواجهات إقليمية ودولية لم تعد خافية على متابعي الشأن السياسي في الشرق الأوسط.

بدايةً، إن أي عملية تفاوضية لا تحدث قبل توصيف إطار العملية التفاوضية نفسه، والهدف منها، وهو ما لم تخرج بشأنه حتى اللحظة توافقات دولية تقطع الشك باليقين، وجل ما يتم الحديث عنه هو أن يكون جنيف 1 هو مرجعية جنيف 2، لكن من قال إن الظروف التي أنتجت جنيف 1 ما زالت على حالها ولم تتغير حتى تاريخه؟.

المتحدثون حول الحل السياسي يعتقدون أن وحدة سورية أرضاً وشعباً ما زالت قائمة، أو يمكن أن تكون موجودة في أسس الحل السياسي، ما يعني أن عملية تأويل هذا الموقف تنطلق من تقدير يعود زمنياً إلى وقائع تمّ تجاوزها، فسورية الموحدة لم تعد موجودة إلا في رأس البعض، وليست في الواقع الموضوعي على مستويي الجغرافيا والنفوذ، فليس هناك اليوم سلطة مركزية- على سبيل المثال لا الحصر- تسيطر على المعابر الحدودية للبلاد، وليس هناك اقتصاد موحد، والواقع الاجتماعي بات منقسماً أفقياً وعمودياً، والافتراض بأن هذا الواقع هو مجرد واقع طارئ يبقى افتراضاً طالما أن مجريات الأمور ما زالت في سياق تكريسه، وليست في سياق نقضه.

إن أي حل سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار توصيف الواقع الحالي سيبقى حبراً على ورق، وهنا لا نتحدث فقط عن الواقع السوري، وإنما أيضاً الواقع الإقليمي الذي يشهد متغيرات كبرى، حيث يعاد اليوم رسم موازين القوى في المنطقة برمتها، وثمة قوى جدية ترفض الأدوار التي ستفرض عليها، والتي ستؤدي إلى تحجيمها، وربما إلى زعزعة أمنها واستقرارها في ظل موازين قوى جديدة لا تلحظ مكانتها وإمكاناتها.

إن الحسم العسكري في سوريا لم يعد وارداً، هذا صحيح، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحل السياسي كما يطرح الآن هو الذي سينتج الحل، ويخرج سورية من حالة الحرب الأهلية التي وصلت إليها، فالتجربة العراقية ما زالت ماثلة في الأذهان، فقد ارتأى الأمريكان الانسحاب وإنشاء دستور عراقي وإجراء انتخابات وغيرها من المظاهر التي توحي بأن ثمة عملية سياسية ستعيد إنتاج عراق جديد، خاصة لجهة ما يتمتع به العراق من موارد نفطية هائلة، لكن كل هذا لم يأتِ بالسلام للعراقيين، وما زالت الحرب الأهلية في العراق موجودة، وما زال العراق يعاني من انقسامات طائفية وسياسية حادة، ولم تحقق الواردات المالية من نفط العراق أي مكاسب حقيقية للشعب العراقي. إن كل ما حدث في العراق هو سلام ما بعد سلام.

الأمريكان والغرب عموماً يريدون إغلاق الملف السوري، وجعله ملفاً سورياً، بحيث تقع تبعات فشله على السوريين أنفسهم، ومن هنا فإن جنيف 2 هو مخرج معقول للولايات المتحدة، لكنه قد يكون نفقاً جديداً للسوريين، فالمطلوب وضع إطار لهذا المؤتمر يأخذ بعين الاعتبار تحقيق سلام حقيقي، وهو أمر لن يتحقق من دون تحديد الاتفاق على شكل الدولة المقبلة، ومرجعياتها، وهنا يبرز سؤال الدولة المركزية من جديد، وفيما لو كانت ما زالت صالحة كإطار جامع للسوريين، أم أنه علينا الحديث عن دولة لا مركزية؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى