حسين عبد العزيزسعيد لحدوصفحات سورية

مقالات لكتاب سوريين تناولت جنيف 2

الائتلاف وكمين جنيف – 2/ حسين عبد العزيز *

لم يكن بمقدور «الائتلاف الوطني» السوري رفض المشاركة في مؤتمر جنيف – 2 لأن ذلك سيضعه في مواجهة مع الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة التي مارست ضغوطا هائلة عليه وعلى وحلفائه الإقليميين للقبول بالمشاركة.

كما لم يكن بمقدور «الائتلاف» قبول المشاركة في المؤتمر من دون شروط مسبقة، لأن ذلك سيفقده مصداقيته ويضيع 30 شهراً من النضال السياسي، في وقت يعاني «الائتلاف» من حالة جمود سياسي بدت واضحة منذ شهور نتيجة ارتباط أعضائه بمرجعيات إقليمية ودولية مختلفة أولاً، وبسبب تراجع قدرة «الجيش الحر» على الأرض نتيجة تمدد الفصائل الإسلامية في الميدان من جهة ثانية.

هذا الواقع هو ما دفع «الائتلاف» إلى إعلان موافقة مشروطة للمشاركة في جنيف – 2، وليس المقصود بالشروط المسبقة المطالب المتعلقة بدخول وكالات الإغاثة إلى المناطق المحاصرة والإفراج عن السجناء السياسيين، فمثل هذه المطالب تدخل في باب حسن النوايا وليس في باب التفاوض الذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير المشهد السياسي، وهذا هو عين شروط «الائتلاف» المسبقة، أي أن المفاوضات يجب أن تؤدي إلى تحول سياسي في سورية.

لقد حقق الائتلاف بهذه الموافقة المشروطة هدفين في غاية الأهمية:

1 – إعادة توثيق العرى بين مكونات «الائتلاف» في هذه المرحلة الهامة، وإعادة بناء الجسور مع بعض الفصائل المسلحة ذات الوزن على أرض الميدان.

2 – وضع «الائتلاف» سقفاً سياسياً للمؤتمر، وهو سقف الشرعية الدولية الذي نص عليه القرار 2118 في بنده السادس عشر الذي أقر بيان جنيف-1 لا سيما بنده السادس الذي ينص على إنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق.

ومع ذلك، فـ «الائتلاف» مقبل على مرحلة صعبة، فمخاطر المشاركة في المؤتمر تفوق بكثير مخاطر عدم المشاركة، لأن إيقاع المفاوضات يخضع في نهاية المطاف لموازين القوى على الأرض، كما يخضع لاعتبارات سياسية إقليمية ودولية تغاير في ماهيتها روح القوانين والشرعية الدولية.

ويخشى هنا أن يستحيل جنيف- 2 كما استحال مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، حيث تركت الولايات المتحدة مآل المفاوضات إلى موازين القوى وليس للشرعة الدولية، وكانت النتيجة أن إسرائيل باعتبارها المفاوض الأقوى استطاعت إبرام اتفاقيات جانبية مع السلطة والأردن لتدع الدب السوري وحيداً طيلة أكثر من عقدين، ويخشى أن يستنسخ النظام التجربة الإسرائيلية في جنيف- 2 عبر إبرام اتفاقات جانبية مع بعض القوى في المعارضة ليترك «الائتلاف» خارج إطار التفاوض.

لذلك على الائتلاف أن يعمل في المرحلة المقبلة على توحيد أكبر قدر ممكن من الفصائل المسلحة في هيئة موحدة ذات هدف سياسي، كما عليه أن يخرج في اجتماع المعارضة السورية المقرر في 28 الشهر الجاري بموقف موحد لا سيما مع هيئة التنسيق الوطنية بسبب ثقلها السياسي، في ظل الغموض الذي ما زال يعتري المؤتمر إن كان على مستوى السقف السياسي أو على مستوى طبيعة المرحلة الانتقالية، فالولايات المتحدة بدأت بعد صفقة الكيماوي البحث عن مخرج للأزمة السورية خشية انهيار الدولة والهيئة الاجتماعية برمتها، بغض النظر عن الفئة الحاكمة في المستقبل وعن شكل النظام السياسي المرجو.

لا يعني ذلك بطبيعة الحال أن واشنطن بصدد القبول بهذا النظام القائم، كما لا يعني ذلك في الوقت نفسه قبولها برؤية «الائتلاف» لشكل وطبيعة النظام السياسي المقبل ونوعية الفاعلين فيه.

وعلى «الائتلاف» أخيرا أن يتدرب على فن التفاوض لأنه مقبل على طاولة مفاوضات تجمعه مع أمهر مفاوض في الشرق الأوسط يمتهن لعبة الوقت وسياسة الخطوة خطوة.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

جنيف 2… تعا..  ولا  تجي../ سعيد لحدو

يغني السوريون، إن بقيت بعد فسحة للغناء، لجنيف 2 سراً وعلانية كما غنت فيروز يوماً لحبيبها البعيد: تعا… ولا تجي…واكذب عليي.. إلى آخر كلمات الأغنية. ذلك لأن هذا (الجنيف) وبأي رقم جاء، فقد أجمع المجتمع الدولي بأنه الوصفة الوحيدة الناجعة للحالة السورية. مع العلم أن المجتمع الدولي إياه لم يقم بأي جهد حقيقي وفعّال للبحث عن طريق آخر غير هذا الجنيف الذي كما يبدو لم يعد طريقاً يمكن سلوكه بيسر، وإنما ممراً إجبارياً للجميع وفي نهايته، إذا سلمنا جدلاً بأن له نهاية ما، لن يكون من الحكمة أن يركن السوريون إلى أحلام وردية وانبساط مروج خضراء واعدة. لأن (المكتوب من عنوانه بينقرا). ولأن عنوان هذا المكتوب واضح جداً. فهل يلام السوريون إذا ترددوا في التوجه صوب جنيف الفاقد لكل مضمون باستثناء هذا العنوان الملتبس والمغلف بألف إشكال وإشكال.

نعود إلى كلمات الأغنية التي تتابع: (واكذب عليي… الكذبة مش خطيي… وعدني إنو رح تجي.. وتعا… ولا تجي..).

هذه ليست أحجية يطيب للشعراء أن يتلاعبوا بالألفاظ ليظهروا براعتهم اللغوية… ولا هي درس في الحب لمن يرغب في تعلمه على كبر. إنما هي توصيف أقرب مايكون إلى واقع الثورة السورية والحال الذي وجدت نفسها فيه بعد كل هذه التضحيات بالغالي والنفيس من أجل بناء وطن لايشبه الحاضر بشيء.

لقد وثق السوريون بمن وضعوا أنفسهم في صف الأصدقاء، وتقبلوا منهم الدعم والنصيحة للانتقال بأقل الخسائر إلى الضفة الأخرى لحلمهم الوطني. وركنوا إلى قيم الأخلاق ومبادئ الحق والعدالة والضمائر الحية في المجتمع الإنساني لإنصاف الشعب السوري بما هو حق مشروع له. لكن الخذلان الكبير جاء من الأصدقاء قبل الأعداء. ومن أدعياء المبادئ والقيم والأخلاق قبل غيرهم ممن أشهر عداءه الصريح لكل هذه القيم والمبادئ قبل أن يشهره ضد الشعب السوري وإرادته الحرة. وهكذا يأتي طرح مؤتمر جنيف 2 في هذا الإطار من الكذب والنفاق والدجل الصريح لإيصال الثورة السورية إلى حالة من الإحباط واليأس العميق بحيث لايمكنها التقدم إلى الأمام، كما لن يجرؤ أحد بعد كل هذه التضحيات بالتصريح ولو تلميحاً بالعودة إلى الوراء والتنازل لهذا النظام الذي انتهك كل المحرمات، وهو ماضٍ بإجرامه غير المسبوق بحق الشعب والوطن. وهذا أسوأ وضع يمكن أن تجد ثورة نفسها فيه. في الوقت الذي يتصاعد الحديث على كل المستويات عن جنيف 2 وكأنه سيعقد غداً. لكنك حين تتأمل في معطيات هذا المؤتمر والعوامل الضرورية والشروط الموضوعية لنجاحه، ستجد نفسك مدفوعاً للاقتناع بأنه لن يأتي أبداً. وما هذا التأجيل المتواصل لكل موعد يحدد له إلا تخديراً موضعياً للجرح النازف في غياب أية معالجة حقيقية وفعالة للقضية برمتها. أو ربما غياب الإرادة الحقيقية لتلك المعالجة. على الأقل لدى تلك الأطراف التي تستطيع إذا أرادت أن تجد مايسكّن الألم ويطبب المرض في الآن ذاته.

 لقد بات مؤتمر جنيف محور كل نشاط ومستقطباً لكل حديث. لكن هذا الموعود بالقدوم ليست له بعد أية ملامح تنم عن شخصيته، على الأقل في نظر السوريين. فرغم إعلان الأمريكان والروس عن (اكتشاف العصر) باتفاقهم على عقد جنيف 2. لكنهم ظلوا مختلفين على كل ماعدا ذلك العنوان العريض الملغم. فلا الموعد كان محدداً وثابتاً. ولا الأسس التي سيقوم عليها ولا الإطار الذي يمكن أن تجري المفاوضات ضمنه معلومة وواضحة، أقله في العلن أو للمعارضة السورية. ولا سقف زمني لكل ذلك. وهنا الخشية أن تستمر المراوحة سياسياً وميدانياً على أمل انتظار غودو الغارق في المجهول. ليحصل للسوريين كما يحصل الآن للفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو. أو في أحسن الأحوال ماهو حاصل في لبنان من كانتونات شبه مستقلة ومتصارعة في كل حي وقرية لبنانية.

السياسة في النهاية تقررها مصالح الدول لا جمال الحبيبة أو الحبيب سواء جاء أم لم يأتِ.أما المصلحة الكبرى فهي للسوريين في إيقاف هذا العبث الجنوني من قتل وتدمير وتهجير للملايين. وإنهاء هذا الفصل الأسود من تاريخ حكم بغيض. ولكن السؤال الأهم هو: متى ستلتقي مصلحة السوريين هذه مع مصالح كل من قطر والسعودية وتركيا والإمارات وإيران وروسيا والاتحاد الأوربي وأمريكا وكل قريب وبعيد. وخلف أو وفوق كل هؤلاء إسرائيل، لإيقاف هذا الجنون الذي طال أكثر بكثير مما يحتمله بلد وشعب؟

لم يساورني الشك يوماً في قدرة الثورة السورية على الانتصار. ولكن تكاثر الأيدي القابضة على مقود هذه الثورة ضيَّع وسيضيّع علينا الكثير من الوقت الثمين الذي يدفع السوري اليوم ثمنه بالدم الغالي والتدمير لبلد أغلى. وحتى ذلك الحين سنغني مراعاة لمشاعر بعض الأصدقاء: تعا ولا تجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى