صفحات سورية

مقالات لكتاب سوريين تناولت موضوع مؤتمر جنيف 2

موت الحل السياسي للأزمة السورية/كرم يوسف

مجدداً وبعد فترة سبات ممزوجة برائحة الدم، تثار من جديد أمريكياً وروسياً، مسألة إحياء مؤتمر جنيف 2 للسلام بخصوص الأزمة السورية، هذا المؤتمر الذي كلف منذ انعقاده الأول إلى الحديث عن انعقاده الثاني الآن،’تدمير الملايين’ من المنازل وما لا يحصى من القرى والمدن عن طريق القصف، واعتقال وقتل آلاف السوريين، وكل ذلك على يد نظام الأسد..

اللافت في جنيف 2، هو أن’الذي أحيا الملف من جديد هذه المرة ليس المبعوث الأممي للسلام في سورية الأخضر الإبراهيمي، بقدر ما كانت’ روسيا التي عملت عليه، وتمكنت من إقناع الأمريكيين بذلك، في محاولة سياسية للفت نظر أمريكا عن الضربة العسكرية ضد نظام الأسد، بعد استخدام الكيماوي في غوطة دمشق.

يأتي الحديث عن جنيف 2 بهذه القوة بعد الحرج الأمريكي الذي أوقعها فيه الأسد الذي كان يأخذ كل شيء على غير محمل من الجد، حتى استخدام الكيماوي الذي كانت أمريكا تعتبره هو فقط خطاً أحمر، وما يؤكد مجدداً أن أمريكا لم تهتم بالجانب الإنساني في الأزمة السورية، بقدر ما كان يهمها السلاح الكيماوي الموجود بيد الأسد، هو موافقتها بسرعة على العرض الروسي في تدمير الأسلحة مقابل التخلي عن مشروع الضربة.

حديث رئيس الائتلاف السوري أحمد عاصي الجربا، خلال زيارته الاخيرة لأمريكا، عن قبولهم كائتلاف حضور جنيف 2، والمطالبة بإدراج الأزمة تحت الفصل السابع لمجلس الأمن، الذي يجيز التدخل العسكري ما لم يلتزم النظام بتدمير أسلحته الكيماوية في الوقت المحدد، ليس إلا محاولة لاستدارج الأسد حضور هذا المؤتمر. لكن كيف’لجنيف 2 أن يعقد من دون قيد أو شرط، في الوقت الذي يكون فيه مطلب أمريكا على لسان رئيسها باراك أوباما، خلال الجلسة الـ86 للجمعية العامة للأمم المتحدة يتجدد بضرورة مرحلة انتقالية من دون نظام الأسد، وهو نفس مطلب الائتلاف وعدد من الدول الأوروبية، وفي المقابل يعتبر النظام وروسيا هذا المطلب ضمن خانة الأمور التي لا يمكن النقاش حولها؟

مع كل ما يجري من تحضيرات سياسية لجنيف 2، يدرك طرفا الصراع في سورية انه بدون قوة وسيطرة على الميدان سيكون الموقف ضعيفاً في المحادثات، لذلك سعى كل منهما، مع′ أي حديث عن المؤتمر، إلى تحقيق مزيد من الانجازات على الأرض، في سبيل أن تكون كلمته قوية في ملف المفاوضات، ولعل تصريحات رئيس الائتلاف السوري الجربا، التي أعلن فيها أنه يسعى إلى إنجازات على الأرض قبل أي تسوية سياسية مع النظام، هي خير دليل على الرغبة في الحضور كطرف قوي’له كلمته التي لا بد أن يسمعها النظام في المفاوضات ان حدثت.

وبتسليط أكثر للضوء على ‘المشهد العسكري في سورية، يمكن الوصول إلى أكثر من نتيجة محتومة حول ملف الحل السياسي للأزمة، ولعل أبرزها هو أن أحد طرفي الصراع، المعني بالوصول إلى حل سياسي وهو الائتلاف، لا يملك سلطة عسكرية إلا على الجيش السوري الحر، الذي يمكن القول انه إلى’حد ما مغلوب على أمره أمام الجماعات الإسلامية المتشددة، وهو حال ما حدث ويحدث في ريف محافظات اللاذقية وإدلب وحلب ومدينة الرقة. وفي الآونة الأخيرة قام الجيش الحر نفسه بإعلان عدم التزامه بما يتوصل إليه الائتلاف بخصوص مؤتمر جنيف، وهو الذي كان الجهة العسكرية الوحيدة المحسوبة على الائتلاف.

وفي خضم هذه المعادلة العسكرية المعقدة، لن يكون التوصل إلى تسوية سياسية تقتضي مرحلة انتقالية بين النظام والمعارضة، أمراً يسيراً لأن هناك من هم خارج سلطة الائتلاف عسكريا، وهو ما يؤدي بأي حل، إن تم، إلى الفشل، وهذا ما حدث خلال البيان المشترك’ للقوى العسكرية العاملة على الأرض، بما فيها جبهة النصرة (البيان رقم 1) التي أعلنت فيه بأنها غير ملتزمة باتفاقيات الائتلاف، وكل ما يتم التوصل إليه في الخارج ما لم يتم الرجوع إليها، كل هذا الحديث هو بغض النظر عن الطرف الآخر في الصراع، وهو النظام الذي لا ينظر إلى ما يجري سورياً إلا على أنه معركة وجود، لا تقبل من الحلول لا الانتصار عسكرياً، ويضاف إلى هذا إلى أن طرفي الصراع في سورية أعلنا موقفيهما الحاسمين سابقاً من أي تسوية سياسية، فالنظام لا يقبل أن يتنازل عن شرعيته التي يتكلم عنها، ولا المعارضة تقبل به شريكاً، بعد الآلاف المؤلفة التي قتلتها آلة النظام العسكرية.

‘لا بد هنا من ذكر نقطة أخرى، وهي أن روسيا العضو في مجلس الأمن الدولي التي أوصلت، حسبما يقال، الأمور إلى ما هي عليه الان، لن تقبل بعد كل هذا الدعم الذي كلفها سمعتها عالمياً على أقل تقدير أن تقبل تسوية سياسية لا تستطيع بموجبها أن تتحكم بالقرار في دمشق، حين يكون القرار مشتركاً بين النظام والمعارضة في حكومة مستقبلية مشتركة على سبيل المثال، ناهيك عن أن الأطراف التي تقول بأنها تناصر الثورة في سورية سترفض أي تسوية هي الأخرى، فلو كانت تريد إنهاء حكم الأسد لكانت فعلت ذلك قبلاً عبر دعم مؤسسة الائتلاف العسكرية، وهي الجيش الحر، أو الوصول إلى تسوية معه من خلال دعم عسكري معقول يتمكن به الحر من أن يقول كلمته بقوة، ويجبر النظام على الجلوس معه إلى طاولة المفاوضات.

يقتضي بنا الأمر هنا’ أن نصل إلى’ نتيجة مفادها أن أي تسوية سياسية أو طرحها بأي شكل مع نظام لا يقبل الحلول، هي مجرد مشروع الهدف منه تمرير الوقت لا اكثر،’ويقتضي بنا أيضاً الوصول إلى قناعة بأن الحل ممكن في سورية، ولكن عبر السلاح، وعبر معركة ينتصر فيها أحد الطرفين، وهو ما لم يتحقق إلى الآن بعد ثلاثة أعوام من عمر الثورة، وربما يأخذ أعواماً ‘أخرى، ما لم يأت الحل الإسعافي وهو التدخل الغربي، إما بشكله المباشر أو بشكله غير المباشر عبر دعم الحر بالأسلحة النوعية وليس بالقطارة.

ولكن ماذا لو نجحت روسيا وأمريكا في عقد جنيف 2 ورضي طرفا الصراع في سورية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وجلس النظام إلى جانب المعارضة في النهاية؟ هل يمكن لحلول سياسية جديدة أن تطفو على السطح حين يكون وفد النظام قادماً من دمشق بعد تعيينهم من قبل الأسد للصفح عن المعارضة ومنحها حق العودة لسورية من دون عقاب في أكثر الأحوال، ويكون وفد المعارضة قادماً لقبول رحيل رئيس نظام الوفد الذي يتفاوض معه’ لحقن دماء السوريين؟

‘ كاتب سوري

مسار جنيف ٢ مسدود/ صادق عبد الرحمن

“يستحق مجلس الأمن أخيراً اسمه”. هذا ما انتهى إليه وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، تعليقاً على قرار مجلس الأمن رقم 2118، الذي نص على نزع الأسلحة الكيماوية السورية، وهدد بالعودة إلى بحث مسألة تنفيذ ذلك تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم الامتثال،  بالتزامن مع اشارته إلى مؤتمر جنيف 2، الذي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن انعقاده في منتصف شهر تشرين الثاني المقبل.

يعبِّر فابيوس عن اعتقاد بلاده والمجتمع الدولي بأن مهمة مجلس الأمن الرئيسة في صيانة السلم والأمن الدوليين تتحقق في سياق الصراع الدائر على الأرض السورية، من خلال تفكيك الترسانة الكيماوية السورية، وأخذ السوريين نظاماً ومعارضة إلى جنيف 2 بغير شروط أو أهداف واضحة.

 التسوية حول الكيماوي، إذا ما تمت قراءتها على ضوء أداء المجتمع الدولي منذ انطلاق الثورة السورية، تحمل في طياتها ملامح أي تسوية يمكن أن يقترحها مؤتمر جنيف 2 على السوريين، إذ يوجه المجتمع الدولي رسالة للثوار السوريين وحاضنتهم الشعبية مفادها أن موتهم لن يستمر إذا قبلوا بعدم تفكيك النظام السوري.

تبدو الرسالة غير أخلاقية، وتبدو كذلك غير مجدية في ما يتعلق بمعالجة المعاناة الإنسانية للحاضنة الشعبية للثورة التي يطبق على خناقها النظام السوري من جهة، والتكفيريون والاستهتار الدولي من جهة ثانية.

 ولكن بعيداً عن ذلك، فإن هذه الرسالة  تبدو أيضاً عقيمة ولا تقدم جديداً في السياسة، فما الذي يعنيه القول للسوريين بأنه يمكنهم النجاة بأرواحهم ومستقبلهم إذا ما قبلوا بحل لا يفضي إلى التخلص من النظام السوري؟

مما لا شك فيه أن المسألة بالنسبة للدول الكبرى ليست أخلاقية بل هي مسألة صراع حول المصالح. وأيضاً فإن المسألة لا تتعلق بضمان السلم والأمن الدوليين فحسب، بل إنها تتعلق بضمان السلم والأمن الدوليين بقدر ما يضمن هذا مصالح الدول الكبرى.

 وإذا كان ليس من شأن هذه الدول الكبرى تخليص السوريين من نظامٍ يصرّ على الاستمرار في نهج مركزة السلطة والثروة على حساب عموم السوريين، ويصرّ على استخدام العنف ولا شيء غير العنف في محاولته الاستمرار في هذا النهج، فإن من شأن هذه الدول دون شك الحيلولة دون انفلات الصراعات من الضوابط، والحيلولة دون استمرار العنف في هذه البلاد بلا أفق أو نهاية بما قد يهدد مصالح الجميع في نهاية المطاف.

 وهذا لا يمكن أن يتحقق بأي حال من الأحوال من خلال جرّ المعارضة السورية إلى عملية تفاوضية لا يتعهد فيها النظام السوري بأي شيء، بل إنه لا يزال يؤكد تعنته وعدم استعداده لتقديم أية تنازلات من خلال تصريحات متتالية على ألسنة رموزه ومسؤوليه. وكان أبرزها قول وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، مؤخراً بأنه “لا مجال لمناقشة مستقبل الرئيس الأسد، هذا الأمر يقرره الدستور السوري”.

 لكن مراوغة نظام الرئيس السوري بشار الأسد ليست وحدها من تعيق امكان عقد او حتى تحقيق اي اختراق في حنيف ٢، اذ أن المعارضة السورية، التي يمكن أن تحضر المؤتمر، تبدو فاقدة للتمثيل الذي يؤهلها لخوض عملية تفاوضية باسم الثورة السورية، وذلك في ظل فقدانها للسيطرة على الكتائب التي تقاتل النظام على الأرض.

وهي الكتائب التي أعلن قسم منها مؤخراً عدم الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، والرفض الواضح لأي حل لا يفضي إلى رحيل الأسد وتفكيك نظامه.

كما تفتقد المعارضة للتمثيل الشعبي الكافي نتيجة عدم قدرتها على إدارة الأوضاع في المناطق المحررة من جهة، وعدم قدرتها على انتزاع أي تعهدات من نظام الأسد قبل الذهاب إلى التفاوض من جهة أخرى.

وهكذا فإن المجتمع الدولي يتجه لإدارة عملية تفاوضية تهدف للوصول إلى تسوية سياسية لا تحقق شيئاً من طموحات السوريين الثائرين على النظام، كما أنها غير ممكنة التنفيذ بسبب رفضها من قبل الأغلبية الساحقة من الكتائب التي تواجه قوات الأسد، فضلاً عن غياب أي هيكلية عسكرية فعلية للمعارضة بامكانها ضمان الالتزام بمخرجات جنيف ٢ في ظل انتشار جماعات جهادية ترفض أي تبعية بما في ذلك التبعية الشكلية لهيئة أركان الجيش الحر.

وضع تبدو فيه يد النظام السوري طليقة في ممارسة العنف إلى حد بعيد، أما الدول الكبرى فإنها تبدو غير مهتمة بالوصول إلى حلول جديّة بقدر اهتمامها بعقد مؤتمر للسلام في سوريا سواء تم تمثيل الجميع فيه أم لا، ذلك في الوقت الذي تفقد فيه المعارضة السياسية السورية شيئاً فشيئاً قدرتها على التأثير والتمثيل.

وهكذا فإن أحداً لا يبدو مهتماً بمعالجة الأسباب التي دفعت بالسوريين إلى الشوارع ثم إلى خنادق القتال.

المشكلة في سوريا لا تتعلق بوسائل العنف المستخدمة، بل تتعلق باستخدام العنف نفسه.  والمشكلة لا تتعلق بحماية حياة السوريين فحسب، بل تتعلق بمعالجة الأسباب التي دفعتهم إلى ما هم فيه اليوم، وبغير معالجة المسألة على هذا الأساس فإن العنف الذي يريد المجتمع الدولي أن يضع حداً له سيستمر بصرف النظر عن جنيف 2 ومآلاته.

الأزمة السورية بعد قرار مجلس الأمن 2118 (2013)

وضع صدور قرار مجلس الأمن رقم 2118  في 27 سبتمبر (أيلول) 2013 لتفكيك الترسانة الكيماوية للنظام الأزمة السورية حيّز التدويل عملياً، وأصبحت أحد الملفات الرئيسية على الساحة الدولية، حيث دخلت هذه الأزمة في تفاعلات جديدة بناءً على المعطى الدولي الأخير، ومن المتوقّع أن تعيد الكثير من القوى السياسية السورية حساباتها، سواءً في المعارضة أو الموالاة، خاصة أنّ “جنيف 2″ أصبحت في موقع اهتمام دولي كبير. فقد تعذّر اقليمياً ودولياً الخروج من الصراع وفقاً للآليات التي كانت مطروحة خلال العامين والنصف الماضيين، كما أدّى المعطى الأمريكي بكل ما حمله من متغيرات إلى بلورة الكثير من الحسابات، وفي هذه الورقة محاولة لتحليل أبعاد الأزمة السورية بعد قرار مجلس الأمن المتعلّق بالأسلحة الكيماوية للنظام السوري.

الوضع الدولي المحيط بالأزمة السورية:

أحدثت مذبحة الأسلحة الكيماوية أثراً كبيراً على سياق الأزمة السورية وسرّعت ايقاعها. فقد شكّلت صدمةً سمحت بكشف واقع التوافقات الدولية، وأسفرت عن إيضاح الولايات المتحدة لأولوياتها بشكل واضح، سواءً:

    فيما يتعلّق بالتوافق مع روسيا، والحاجة لتفاهماتٍ معها، فيما يخص الملف النووي الإيراني من جهة، ونفط وسط آسيا من جهة أخرى، واحتواء الصين من خلال تحالف أمريكي روسي من جهة ثالثة.

    أو فيما يتعلّق بالعمل على الاحتواء السياسي والدبلوماسي والاقتصادي لإيران، والعمل بأقصى ما يمكن من أجل تجنّب اللجوء إلى القوّة معها، وإنّما الاعتماد على التوافقات والضغوط كوسيلة وحيدة لممارسة السياسة تحت إدارة أوباما.

وبذلك نستطيع القول إن الأزمة السورية قد أصبحت أزمة دولية بامتياز بعد أن أدّى استخدام النظام السلاح الكيماوي وانتقال الصراع من صراع داخلي واقليمي إلى صراع دولي تدخل فيه المصالح الدولية كفاعلٍ رئيسي في تحديد ملامحه.

وبالنسبة للولايات المتحدة فإن الرئيس أوباما يحاول أن يوحي بأنّه قد بدّل موقفه في إدارة الأزمة. فبعد أن اتّكل على القيادة من الخلف تاركاً لروسيا القيادة الفعلية في الشأن السوري، بدأ يوحي بأنّه راغب في الانتقال إلى دور أكثر فعالية في إدارة الأزمة، وأن الولايات المتحدة أصبحت تتعامل مع الإدارة الروسية كشريك على قدم وساق في إدارة الأزمة السورية.

لكن على التوازي من ذلك، تسعى للعمل الإدارة الأمريكية إلى تعزيز سياستها على أربعة محاور:

    دعم الكتائب المقاتلة المعتدلة من الجيش الحر بقيادة هيئة الأركان والعميد سليم ادريس.

    تشجيع الاشتباك والمواجهة بين الجيش الحر والمتشدّدين من المجموعات المقاتلة المرتبطة بالقاعدة (دولة الإسلام في العراق والشام).

    السعي لتحضير شبكة واقية من بنية الدولة لمجابهة احتمال انهيار النظام بشكل مفاجئ.

    التمهيد لجنيف 2.

وفي حين يتركز الهدف الرئيسي من دعم الولايات المتحدة للمقاتلين المعتدلين في الجيش الحر لقمع أو تحييد القوات المتطرفة، فهناك رأي يقول بأن الجيش السوري الحر لن يتمكّن من تصفية المتطرّفين، بل ثمة معلومات يجري تداولها بأنّ بعض الأوساط في البنتاغون تبحث في احتمالات توجيه ضربات في مراحل لاحقة للقوى المتطرفة على الأرض السورية فيما لو شعرت بالخطر من احتمال تورطها في اعمال ضد الولايات المتحدة. حيث تدل تجربة كينيا الأخيرة على أن تحوّل دولة ما إلى دولة فاشلة وانهيار النظام العام فيها سيؤدي عاجلاً ام آجلاً إلى تهديد لأمن الدول المجاورة والولايات المتحدة على حد سواء، غير أنّ استمرار الاستعصاء الداخلي وتأخّر التوافقات الدولية من شأنه أن يمنح النظام المزيد من عوامل الاستمرار دون أن يعني ذلك قدرته على حسم الصراع.

وفي حين وضعت التطوّرات الأخيرة الملف السوري على طاولة مجلس الأمن لتصبح المشكلة السورية مشكلة دولية رئيسية، نلاحظ أن الولايات المتحدة وروسيا لا تمتلكان في المرحلة الراهنة أية إمكانية سوى إدارة الأزمة وليس حلّها، فكلتاهما لا تملكان الروافع اللازمة للحل بالنسبة لطرفي النزاع.

وبالمقابل، تتصرف روسيا الآن من منطق المنتصر أمام ضعف الإرادة السياسية للإدارة الأمريكية، لكنّها تدرك في ذات الوقت أنّها لن تستطيع جرّ الولايات المتحدة لحرب تغرق فيها مثل أفغانستان، ممّا يدفع روسيا للبحث عن بديل لبشار الأسد. فالهدف الرئيسي بالنسبة لها أن تسعى بكل قوتها من أجل منع قوى المعارضة من الاستفراد بالسلطة في سوريا، في حين يراهن الأمريكيون على مخرج يسمح بتعزيز مكانة بعض القوى الموالية لهم في المعارضة. وتبقى هذه هي نقطة خلاف رئيسية بينهما.

الأزمة السورية في بعدها الإقليمي:

ترى الدول الإقليمية أن مصالحها ستتأثر بشكل كبير إن تم الحل بمعزل عنها، وتملك هذه الدول، ومنها السعودية وقطر وتركيا، روافع كبيرة موالية لها على الأرض في سوريا، ولا ترى أنها مضطرة للتنازل عن مصالحها، بل تجد أن الولايات المتحدة وروسيا هما اللتان تحتاجان لدول المنطقة وليس العكس. وهذا أمر يمكن أن نلاحظه من خلال سلوك القوى على الأرض بالرغم من الشدّ والجذب بين السعودية وقطر.

ولا تبدو المملكة العربية السعودية وغيرها من دول المنطقة مرتاحةً لشكل إدارة المعركة في سوريا من قبل أوباما. بل يبدو من الواضح أنها غير مرتاحة للطريقة التي يتم بها الدفع نحو “جنيف 2″، وهي تملك في هذا السياق روافع كبرى لا تملكها غيرها من الدول.

وتمتلك أوساط نافدة في المملكة العربية السعودية القدرة على تحويل مسار العملية السياسية بشكل يضمن مخرج للأزمة السورية يحقّق توافقها في بعدها العربي والاقليمي.

بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فالمشكلة مع إيران لا تقتصر على ملفها النووي، وإنما في طموحاتها التوسعية. وإذ تسعى الولايات المتحدة لحل المشاكل بينها وبين إيران وحدهما، فإنها لا تحاول حل المشاكل الناجمة عن سياسة إيران في المنطقة، حيث أصبح حيّز المناورة الاستراتيجية لدول المنطقة ضيقاً، كما أصبح الحيز الاستراتيجي أقل ثباتاً في دول الخليج.

تقييم للوضع على الصعيد الداخلي السوري:

بالنسبة للقوى الداخلية السورية، نلاحظ أن عناصر الحل لم تنضج بعد بالنسبة لأي من الأطراف الداخلة في النزاع، طالما أن المعركة على الأرض لا تزال بعيدة عن الحسم، بالرغم من ارتفاع معنويات القوى الموالية للنظام ممّا يجعلها أكثر تتشدّد أكثر فأكثر ضد القبول بالحدّ الأدنى من الحلول التوافقية.

أما على الأرض فمن المؤكد أنّ المعركة لا تسير في صالح النظام، وإن كانت لا تسير أيضاً في صالح المعارضة، ممّا يرجّح استمرار المآل العفوي للأحداث، وهو ما يعني عملياً ذهاب البلاد نحو هاوية التفكك والانهيار.

وإذ نقول إن جميع الأطراف في النزاع داخل سوريا لا تزال غير مستعدة للبحث عن أرضية مشتركة للمخرج الآمن للبلاد، وأن العوامل المهيئة لهذا المخرج لم تنضج بعد، فإن أي اتفاق سيكون مرهوناً بمدى توصل طرفي النزاع لإدراك استحالة الانتصار الناجز المتفرد في هذا النزاع. إذ أنّ أيّ اتفاق في “جنيف 2″ غير ممكن دون أن يحمل في طياته اتفاقاً على الجانب العسكري، وهو أمر لم تتهيأ مقوماته الموضوعية على الأرض حتى اللحظة، وبذلك سيستمر النزاع العسكري بجانب العملية التفاوضية.

كما أنّ دخول المفتشين الدوليين إلى سوريا يعني أن السيادة السورية فُتحت على سلطات دولية، الأمر الذي سيعطي للمفتشين امكانية القيام بزيارات مباشرة على الأرض، وستستمر الولايات المتحدة بالتلويح بالمقصلة الدولية إذا تلاعب نظام الأسد أو رفض عرض كافة مواقعه للتفتيش، ويبقى هذا الصراع خاضعاً لميزان القوى بين بوتين وأوباما، مع احتمال أن تبدّل الولايات المتحدة موقفها في اللحظة التي تستطيع أن تضع يدها على الكيماوي السوري.

ومن الواضح أن قوى الثورة السورية تخشى من احتمالات أن تؤدي التوافقات الأمريكية الروسية لحل غير منصف في حدّه الأدنى المقبول بالنسبة لها، وبالتالي لا تستطيع القوتان الدوليتان الكبيرتان في الأزمة السورية خلق عناصر الحل ما لم يخلقها السوريون أنفسهم بالتزامن مع حدوث توافقات إقليمية.

أسئلة برهن المستقبل:

يبرز عدد من الأسئلة المرتبطة بالداخل السوري في سياق “جنيف 2″:

إلى متى يبقى بشار الأسد قادراً على إدارة بلد بهذا المستوى من الانهيار، مع استمرار عوامل تفكّك الدولة.

ما هو مصير فوضى السلاح في الداخل السوري؟

كيف يمكن لجنيف التي يشارك فيها ممثلو بشار الأسد أن يقبلوا بالوصول لإتفاق سياسي جوهره خروج الأسد من السلطة؟

هل بإمكان المعارضة بتنوّع أطيافها أن تصل إلى مشتركات فيما بينها حول طبيعة المخرج السياسي (ثوابته ومحدّداته)؟

ومن المتوقّع أن يُعاد اصطفاف القوى السياسية والعسكرية للمعارضة تهيئةً لدخول “جنيف 2″، مع التأكيد على أنّ القلق ما يزال يشكّل عنصراً أساسياً في المشهد السياسي الإقليمي، خاصةً أنّ مآلات الاتفاق سترسم إلى حدٍّ بعيد منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة وستظهر طبيعة التحالفات المستقبلية.

                      ORC – DUBAI, JLT- Indigo Icon, Plot# F3, Unit# 405, Dubai – UAE, P.O. Box: 488049

Tel: +971 4 4227210, Fax: +971 4 4508479, email: info@orc-dubai.org,Website:www.orc-dubai.org

Company Registered & Licensed as a FREEZONE Company under the rules & regulations of DMCC

فريق البحث:

د. سمير التقي (مدير مركز الشرق للبحوث)

د. عارف دليلة

حسام ميرو

إبراهيم الأصيل

منير الريّس

هل تنتهي الثورة السورية في جنيف؟/ د. رياض نعسان أغا

السوريون قلقون، يشعرون بأن مقود عربة المستقبل لم يعد بأيديهم، بل لم يعد حتى للعرب موقع فيه، وتعصف الريبة والشكوك بالقلوب التي غصت بالفواجع والأحزان ولاسيما بعد أن صدر قرار مجلس الأمن مختصراً القضية السورية في الأسلحة الكيماوية، متجاهلاً ترقب ملايين الأطفال النازحين والمشردين في العراء، والشتاء على الأبواب والبرد قاتل مثل كل الأسلحة التقليدية، وليس أقل منه تدميراً لمستقبل الشعب تفشي الأمية عند جيل كامل من أطفال السوريين وهو خطر يكبر بعد هدم آلاف المدارس وتحول الباقي إلى مقرات للشبيحة، فضلاً عن ظروف النزوح القاهرة، وعن معاناة المشردين في البحث المذل عن تجديد جواز سفر، وعن تأشيرة لجوء أو دخول لبلد آمن، وعن موارد رزق في بلاد الشتات. وفوق ذلك معاناة المرضى والمعوقين والمفقودين والمعتقلين، وقبلها مآسي الأسر التي تموت تحت الأنقاض، وهذا بعض ما غاب عن قرار مجلس الأمن الذي اهتم فقط بالأسلحة الكيماوية وتدميرها، وكأن الثورة السورية قامت من أجل أن يسلم النظام أسلحته ويطمئن إسرائيل بأن ما يقلقها وربما يشكل خطراً عليها إذا وقع ذات يوم بيد أعدائها الحقيقيين قد انتهى. والأخطر في القرار أنه صمت عن قتل السوريين بالصواريخ والطائرات وكل أنواع القتل التقليدية التي اكتسبت شرعية، لأنه اعتبرها دون الخط الأحمر.

ومع أنني كنت من الذين عبروا عن رفضهم للضربة الأميركية وقد خشيت أن تكون الولايات المتحدة جادة في ضرب سوريا وإنهاء قواها كاملة، كي تطمئن إسرائيل تماماً بهدم دولتين عربيتين هما العراق وسوريا، وكان من المتوقع أيضاً أن تنصب الضربة على الكتائب المقاتلة تحت يافطات دينية ورايات إسلامية، مع أن جلها بسيط التوجه، يلجأ إلى الدين بشكل عفوي ينبع من إيمانه الذي يجعل الموت شهادة ويجعل الجنة عزاء. وكثير من الشباب الذين انخرطوا في هذه التشكيلات ليسوا من أصحاب الإيديولوجيات ولا هم رواد سياسة، وإنما هم مفجوعون بما لقوا من عنف في أثناء المظاهرات السلمية واضطرهم الحل العسكري إلى حمل ما تيسر لهم من سلاح ليدافعوا عن أهلهم وعن قراهم التي تقصف بشكل عشوائي. ولم يجدوا سوى الاستعانة بالله، وبات شعارهم الذي يرددونه «يا الله ما لنا غيرك» لجوءاً عفوياً إلى الدين. وليس سراً أن النظام عمد إلى تقديم صور مشوهة للتوجه الديني، وحرك التوجهات الطائفية، وأطلق لحى الشبيحة وألبسهم جلابيات «طالبان» وصاروا يكبّرون ويقتلون باسم الدين والثورة، وانفتح الباب للمتطرفين من كل صوب، وقد نجحوا في تحويل الثورة إلى ساحة إرهاب وتطرف، وصار بوسع النظام أن يقول «إما أنا وإما هؤلاء».

واليوم تنكشف حقيقة المؤامرة الكونية، ويقف كثير من قادة العالم عراة أمام الشعب السوري، وتنفضح المؤامرة الكبرى على الشعب السوري وعلى سوريا الدولة والوطن وليس على النظام، والخوف بعد ذلك أن تأتي مفاوضات جنيف مجرد إغواء محتمل بجوائز ترضية لا تحل مشكلة ولا تعالج قضية.

وإذا كان هدف الداعين إلى المؤتمر هو فرض حلول جاهزة صنعت في روسيا وإيران ووافقت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المأساة السورية ستبقى جرحاً مفتوحاً لعقود قادمة.

لقد بدا مريعاً أن يستبعد العرب بل أن تستبعد أوروبا أيضاً، وأن تسلم القضية للروس وللفرس وحدهم، وأن يتم إرضاء الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل، وعبر ثمن ربما يقدمه الإيرانيون على شاكلة ما قدم النظام السوري، فتهدأ مخاوف إسرائيل من النووي الإيراني كما هدأت من الكيماوي السوري، وبالمقابل تبسط إيران نفوذها على سوريا ولبنان كما بسطتها من قبل على العراق، ضامنة لأمن إسرائيل، باحثة عن صداقة تستجد مع الولايات المتحدة، وقد بدأت تباشير الغزل السياسي بين الرئيسين الأميركي والإيراني، موحية بما يمكن أن يصير واقعاً.

وليت النظام يدرك أن سوريا مقبلة على دمار شامل لن تسلم منه طائفة ولا إثنية، حتى ولو جاءت مقترحات حلول بالتقسيم على طريقة حلول قضية البوسنة، فربما يكف دهاقنة الدبلوماسية فيه عن إبداء البراعة والشطارة بدل الإخلاص والاعتراف بخطر المستقبل، وبالطبع لا تملك المعارضة فنون النظام في البراعة الدبلوماسية، وقد بدأ ظهورها منذ الإعلان عن رفض حضور وفد من الائتلاف، وعن الاكتفاء بالحوار مع معارضة الداخل فقط. وقد يكون المقصود المعارضة الممثلة في الحكومة الراهنة. ومثل هذا التفكير لا يعبر عن رغبة جادة في إيجاد حل للقضية السورية، وإنما هو يبحث عن حل لمشكلة النظام، وشتان بين من همه أن ينقذ سوريا، ومن همه أن ينقذ النظام.

كما أن الإصرار على تشكيل عدة وفود من المعارضة يخطط للاستفادة من تمزقها ومن شتاتها، ولو كانت النية الدولية صافية وصارمة نحو إيجاد حل ناجع، لسعى المجتمع الدولي لتوحيد صفوف المعارضة التي شتتها أصلاً تنوع الولاءات بتنوع مصادر الدعم الذي كان ينبغي أن يصب في صندوق واحد، وتتولى جهة واحدة توزيعه في خدمة الشعب وقضيته، دون إدخال المصالح والولاءات الصغيرة.

وقد يبدو مبكراً أن نعلن اليأس من مؤتمر جنيف، قبل أن تعلن الدول الراعية قبولها بالمحددات التي تشكل الحد المقبول من شروط التفاوض، ويأتي القول برفض الشروط تعمية مرفوضة أيضاً، فلابد من أن يعرف الذاهبون إلى المؤتمر على أي حل سيتفاوضون، ولابد أن تكون هناك لائحة نوايا معلنة، تشكل عناوين مقبولة، وأهمها إنهاء النظام القائم وإيجاد نظام وطني تعددي ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، ويكون فيه السوريون جميعاً متساوين أمام القانون، وأن يتوقف القتل والقصف والتدمير دون إعفاء المجرمين من الملاحقة. وأن يطلق سراح المعتقلين السياسيين، وأن يبدأ العمل الفوري لإعادة المهجرين واللاجئين والنازحين والمشردين مع تقديم وسائل الحياة الضرورية للمناطق المنكوبة. وأن يعاد بناء الجيش الوطني للدفاع عن الوطن وليس عن أنظمة الحكم، وأن يبدأ حوار وطني مع الجهات المسلحة تفادياً لأي اقتتال متوقع. وأن يغادر المقاتلون الأجانب سوريا فوراً، وأخطرهم جيش «حزب الله» وما يقابله من تنظيمات متطرفة تحسب على أهل السنة. وأن تتعهد روسيا وإيران بإنهاء سيطرتهما على القرار السوري. ولابد من أن يكون للدول العربية دور رئيسي في المؤتمر، وبخاصة الدول التي قدمت الكثير للشعب السوري في محنته. ونرجو أن تكون هي الضامنة مع السوريين لحقوقهم ومطالبهم المشروعة، فالحفاظ على أمن سوريا واستقرار مستقبلها هو حفاظ على أمن العرب جميعاً.

الاتحاد

من فاحش لداعش لجنيف3

غسان المفلح

سورية التي دمرت وقتل شعبها وشرد، كانت الجريمة وقلة الاخلاق، ولغة سوقية، ثقافة حاقدة، تلوين من قلة الضمير. تبطين قل نظير وساخته، في الظاهر وطني وفي الباطن طائفي إلى حد فاق كل الحدود. منذ أول يوم في الثورة الشعب السوري بملايينه التي خرجت، مطالبة بالحرية، جراثيم وارهابيين، ومرتزقة، إلى روان قداح ومأساة طفلة، يمكن لكل متتبع أن يضع أسمها على غوغل الآن ليعرف، أي عقل فاحش وقف خلف هذه المأساة، مرورا بجهاد النكاح الذي بات سخرية العالم. هذا يوضح بما لايقبل الشك موقف هذه الزمرة من المرأة، كما هو موقف بعض معارضة أيضا. المرأة السورية انبل منكم جميعا.

منذ اليوم الاول للثورة ظهر فحش هذا العالم متمثلا بقواه الكبرى، أرادت لهذا الشعب أن يذبح، إذا استمر في إرادته نحو الحرية. ثمانية أشهر من الثورة السلمية والقتل للمدنيين والاعتقالات الهمجية والتعذيب، وهدر الكرامة الانسانية، كل هذا كان يعني لهذه القوى، تحويل سورية إلى صومال جديد.

الفحش في سورية إضافة لما ذكرته عن الطفمة الحاكمة ومواليها، كان هنالك موقف دولي تجاوز كل الحدود المتعارف عليها، في التاريخ انسانيا وقانونيا، وحتى بلد تمثال الحرية لم تحمي في تاريخها ثلة مجرمة كما حمت نظام الاسد، ليس لأنها عاجزة وليس لأنها ضعيفة، بل لأنها تريد أن يقتل الشعب السوري، على يديها.

الفحش موقف عربي ماخلا قلة من الدول، كان مرتبطا بالفساد والعسكر فيه، ولايزال. إنها ثنائية تأسس عليها الوضع العربي(عسكر وفساد) كان مع ذبح الشعب علنا في أروقة الجامعة العربية.

الفحش في موقف معارضة فاجأت شعبها الذي يقتل بالتظاهرات وهي تدعو للمصالحة مع القتل والقاتل.

الفحش عندما قامت هذه المعارضة بالتحريض على الشعب، وتسويف قتله بحجج شتى، وعلى رأسها ثلة من الاسماء التي لاتزال تصر على أنها تنسيق بين روسيا وإيران والنظام والغرب!!! كانت بمنتهى الفحش.

والفحش في معارضة اعتقدت أنها قاب قوسين أو ادنى من السلطة، فهيأت نفسها بربطات عنق، لم يكن يرتدي غالبية اعضاءها، قبل الثورة ربما بعضهم لم يكن يملك ثمنا لها. فتركت نفسها تسبح بالفساد الحظي والعابر.

الفحش في ارسال الدول الكبرى والصغرى من روسيا لامريكا لايران ولغيرها، كل محترفي الجهادية والقتل واذرع الاستخبارات هذه إلى سورية، بما فيها اذرع القاعدة الموالية للاسد وتربيته، التي اطلق سراحها مع المالكي الايراني..لكي تلغي الملف الحقوقي الانساني من الوضعية السورية، كي تستطيع ان تقول أنها ليست ثورة حرية إنما حربا أهلية أو طائفية أو مركبة.

فكانت الظاهرة المتشددة، هي متشددة ضد الشعب في المناطق المحررة فقط. وتوج كل هذا الفحش بداعش.

داعش هي ثمرة الزواج اللاشرعي لكل تلك الاطراف في فحش جماعي من سفاح المحارم.

فلماذا لا يبنى جنيف على فاحش( تنسيق وائتلاف والراعي المنحاز سلفا للجريمة، وجيوش اسلاموية وداعش) لكل هؤلاء مثقفين ماشاء الله؟ فأي جنيف سيكون؟ كي تتحول سورية إلى ثنائية( فاحش ضد داعش) فأي الخيار تريد؟ ينسون أن شعبا واجه كل هذا التاريخ الاسود الحاكم والقاتل ونظاما دوليا، أقل ما يقال فيه أنه بلا أخلاق. هذا الشعب لن يعود لما قبل آذار…وكيف يعود؟ لا استثني نفسي من هذه الجريمة.

– See more at: http://www.elaph.com/Web/opinion/2013/10/840404.html?entry=opinion#sthash.k7acxLTo.dpuf

ايلاف

أزمة السوريّين العميقة في دهاليز المفاوضات الدوليّة/ معتز حيسو

 عندما أُطلق العنان للآلة الإعلامية للترويج للتدخل العسكري الأميركي، وضع السوريون أيديهم على قلوبهم خوفاً على ذاتهم ووطنهم، ومن مستقبل تتحكم به قوى الخارج والقهر والتخلف التكفيري، فيما أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير يتم تغييبهم. فـ«الثورة» التي خُيّل للكثيرين في لحظة ما، أنها قد تكون مُنقذهم تحولت إلى أزمة من الصعب تجاوز تناقضاتها. ففي سياق تناقض حواملها، وتحولاتها والتغيرات الطارئة على سياقاتها، وتقاطع أزماتها مع أزمة السلطة، وتناقض مصالح القوى الدولية، وطغيان قوى التخلف والقهر التي تدّعي تمثيل الإسلام، تحوّل المجتمع إلى حقل للصراع والتناقض والتشتت والانقسام المحمول على مختلف تجليات التخلف والتناقض الاجتماعي والسياسي. فالحملة العسكرية التي حملت لواءها قوى الغرب وحكام الخليج وبعض الدول الإقليمية… أكدنا أنها لن تُفضي إلا إلى دمار البنى التحتية والفوقية والمجتمع، وإلى الفوضى والصراعات البينية التي ستطال تداعياتها كل الفئات الاجتماعية.

فهي لن تُسقط النظام، ولن تقود إلى إيصال القوى السياسية الوطنية الديموقراطية إلى السلطة. لأن هذا ليس في حسابات الدول الكبرى، إن لم نقل إنها تعمل على إجهاض أيّ تحوّل وطني ديموقراطي.

إضافة إلى ذلك، فإنها تعمل على إضعاف السلطة المركزية وتدمير الجيش. فتترك بذلك سوريا نهباً لقوى الاستبداد والعنف الجهادي التكفيري التي تدّعي الدفاع عن مصالح السوريين، فيما هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون أدوات في مشاريع دولية وإقليمية تحارب أي تحوّل ديموقراطي يمكن أن تقوده القوى الوطنية الديموقراطية والعلمانية.

وقد تزامن تراجع وتيرة الحملات الإعلامية الداعية إلى التدخل العسكري مع التركيز على ملف السلاح الكيميائي، مع تغييب مقصود لجذر الأزمة. وكأن تفكيك المخزون الكيميائي أو تدميره، أو وضعه تحت إشراف الجهات الأممية المختصة، سوف ينهي الأزمة السورية. وترافق هذا أيضاً، مع تغييب ملف ترسانة إسرائيل النووية، في لحظة كان يجب أن يتم فيها التشديد على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وهذا يستدعي بداهة إيجاد حلول جذرية للصراع العربي _ الإسرائيلي. وكذلك ربط ملف السلاح الكيميائي السوري بملف أسلحة الدمار الشامل في إسرائيل. ورغم أن التوافق على تدمير الأسلحة الكيميائية، وانضمام سوريا الى معاهدة حظر السلاح الكيميائي يجنّبها آنياً، هجوماً أميركياً كان وشيكاً، إلا أنه من الممكن أن يجعلها عرضة للتدخلات الخارجية والضغوط والابتزاز بشكل دائم.

وفي سياق الصخب الإعلامي والسياسي عن الترسانة الكيميائية، يعود من جديد الحديث الملغوم عن إيجاد حلول سياسية. ورغم أننا في المبدأ مع الحل السياسي، نشدد على أنه يجب أن يكون بمفاعيل وطنية ديموقراطية، تقطع مع الأطراف الجهادية والاستقطابات الدولية المتصارعة على سوريا وفيها. فالقوى الدولية التي تعمل على إيجاد مخارج للأزمة السورية ليست أدرى بمصالح السوريين، من السوريين أنفسهم. لكن من الواضح أنها تعمل على إيجاد حلول لتناقضاتها ومصالحها على حساب السوريين، وذلك من خلال تغذية أطراف الصراع، وضمان إبقائها تحت السيطرة.

وحتى لو سلّمنا بأن هذه القوى قادرة على وضع آليات لحل الأزمة سياسياً، وأنها قادرة على التحكّم بأطراف الصراع، فهل تستطيع أن تُخرج مكونات المجتمع السوري من التناقضات التي خلّفها الصراع الدموي، الذي يتجلى في كثير من لحظاته بأشد الأشكال تخلفاً وقهراً وعنفاً.

هنا، يجب علينا أن نتوقف قليلاً عند إمكانية الحلول السياسية التي يفترضها الغرب كمخرج من الأزمة، في لحظة يرفض فيها من يحمل السلاح أي مبادرة سياسية لا تتضمن رحيل رأس النظام أولاً. ويأتي هذا الرفض في سياق الادعاء بأن «الثورة» لم تحقق أهدافها التي تنحصر من وجهة نظرهم بإسقاط رموز النظام، وتحديداً الرئيس. وفي ظل الاستقطاب الدولي، فإن هذا يعني تأجيج الصراع وتحويله إلى صراع مفتوح على المجتمع. حينها، لن يتوقف إلا بعد تدمير السوريين لذاتهم، وتحويل سوريا إلى ركام. وبينما يتفاقم تأثير القوى الدولية في مجريات الصراع، فإن التناقض الجبهي بين حوامل الصراع يزداد حدة، والإرادة الشعبية يتم تغييبها، بينما القوى الديموقراطية العلمانية يتراجع تأثيرها، وأعداد المجاهدين غير السوريين ودورهم في ازدياد. وهذا يدل على أن أهداف الصراع ونهاياته لن تكون تعبيراً عن طموح السوريين. فالأطراف الجهادية الأكثر تعصباً (الدولة الإسلامية في العراق والشام، جبهة النصرة…) تعمل على التحكّم بآليات الصراع وخواتيمه من أجل تحقيق حلمها في إقامة دولة الخلافة. ويتجلى هذا أخيراً من خلال قتال هذه الأطراف لفصائل «الجيش الحر» واغتيال قياداته والسيطرة على مناطق كانت تحت سيطرته في ريف حلب، الرقة، دير الزور، الحسكة، إدلب… وهذا يدلّ على تحوّل جديد في مسار الصراع السوري. وهذا التحول، سوف يزيد من حدة العنف الأعمى، وخلط الأوراق، والعبث بالمجتمع السوري ومستقبله، الذي بدأ يدخل في طور التحولات ذات المآلات المجهولة، وغير المضبوطة.

وإذا كان إيقاف الصراع يشكّل الهدف الأول للسوريين، فإن دور القوى الدولية في الصراع، وشكل السلطة المقبلة، ومصير الجغرافيا السياسية، يشكّل هاجسهم الأساسي. هذا إضافة إلى أن الدور المتنامي للجهاديين التكفيريين، يشكّل مصدراً لخوف غالبية السوريين، وتحديداً الأقليات. إن تفاقم حجم التناقضات الاجتماعية وتوسع دائرة الصراع التي باتت تنخر عمق المكونات الاجتماعية، يمكن أن يكونا سبباً في استمرار الصراع بأشكال مختلفة.

فليست أحلام السوريين فقط من تم اغتياله، بل إن الدمار بكل أشكاله ومستوياته شمل غالبية أبناء المجتمع. فمعظم المرتكبين باسم «الثورة» أو السلطة، أو من استغلوا الأزمة لتحقيق مآربهم الدنيئة، لا يزالون بيننا. فالصراع دمّر كثيراً من العلاقات الاجتماعية، حتى إنه نال من الأسرة وساهم في تفكيكها، وأدخل أفرادها في صراع مميت. فالتّمزق الذي أصاب بنية المجتمع السوري تجاوز كل الحدود والضوابط. وطاول كافة الأشكال الاجتماعية ومستوياتها، وأدخل الفرد في صراع مع ذاته ومع الآخرين. ورغم أن انعكاس آثار الصراع وتداعياته، لم ينحصر على المستوى السياسي، فإن البعض يحاولون التغاضي عن تأثيراته وتداعياته على البنى والعلاقات الاجتماعية. ومع هذا، فإن السوريين معنيون بشكل مباشر بتجاوز هذه التناقضات، وضبط إمكانية تفجّرها في المستقبل.

وإذا لم تستطع الأطراف الدولية إيجاد مخارج سياسية تضمن تجاوز مفاعيل الأزمة الحقيقية والعميقة (وهذا ممكن لأسباب متعددة)، فإن المجتمع السوري سيكون على عتبة من التناقضات التي تهدد بانهيارات وتصدعات أكثر عمقاً وخطراً. فمن يستطع أن يمنع انتقام ولي الدم، ومن انُتهك عرضه أمام عينيه وهدّم منزله وسُرقت ممتلكاته ومن شُرّد من دياره وسُبيت بناته، وذُبح أقرب المقربين له، بحجج وذرائع لا تمت للإنسانية والعقيدة الإسلامية بصلة.

إضافة إلى ذلك، كيف ستتم مواجهة بقايا الإرهاب والعنف الخارج عن إرادة السوريين، وكذلك العنف والحقد الذي بدأ يتأصل داخل السوريين أنفسهم. فهل يستطيع السوريون تضميد جراحهم وتجاوز أحقادهم الثأرية والانتقامية؟

بالتأكيد، إن جميع هذه العوامل والمظاهر لا تستطيع قوى الغرب أن تجد لها الحلول المناسبة. لأن ما يعنيها هو تحقيق مصالحها التي تتناقض بالأساس مع أحلام السوريين وأهدافهم. كذلك فإن من يحمل رايات «العنف الثوري» لا يستطيع أن يتجاوز ما أنتجته الأزمة، كونهم نتاج الأزمة وأحد أسبابها. كذلك فإن كثيراً من الآليات التي تعتمدها السلطة يناقض حقوق الإنسان، إضافة إلى أن كثيراً ممن تعصّبوا للسلطة مارسوا بحق السوريين أكثر الأشكال السلطوية عنفاً وقهراً.

إن مجمل التحولات التي ساهمت وتساهم في استمرار الصراع، تفترض منا التساؤل عن قدرة قيم المجتمع السوري الأخلاقية والدينية على تجاوز مخلفات الأزمة، وردم الهوة التي تزداد تجذّراً. وهل سيكون بإمكان هذه القيم مع وعي السوريين لذاتهم وحقوقهم ومصالحهم تجاوز الانهيارات والانتهاكات التي كان الصراع والتخلف والاستبداد من أسبابها.

فالسوريون أمام مرحلة بالغة الصعوبة. فاستمرار الصراع يزيد من تعميق الكارثة الإنسانية والاجتماعية، ويفتح سوريا على المجهول. كذلك فإن إيقافه وفق آليات تضمن مصالح الغرب ومن يدور في فلكهم سيضعهم مباشرة أمام أزمات وإشكاليات من الصعوبة بمكان تجاوزها.

وإذا كان إيقاف الصراع يشكّل المهمة الأولى للسوريين، فإن تجاوز ما أفرزته الأزمة سيكون في مقدمة المسؤوليات التي يجب عليهم تحمّلها. فوعي الإنسان السوري وحرصه الوطني وأخلاقه ودينه ستكون أمام اختبار حقيقي في الآتي من الأيام. فالسوريون وكل القوى الوطنية الديموقراطية والعلمانية الرافضة للعنف، مُطالبون بالعمل على إيجاد آليات تُخرج المجتمع من تداعيات الأزمة التي حطمت الإنسان وأدخلته في تناقض وصراع مع ذاته والآخرين.

ومن المرجّح بأن المرحلة المقبلة سوف تُشكّل عتبة لجملة من التحولات، عليها سيكون الاختبار الحقيقي لوعي السوريين ووطنيتهم. وإذا لم يتم تجاوزها بالعقلانية والموضوعية اللازمة، فإن المجتمع السوري سيكون على موعد مع أزمات وكوارث إنسانية وأخلاقية واجتماعية جديدة ومتجددة. فإخراج الجهاديين والتكفيريين ودعاة العنف والقتل والانتقام، من المشهد السوري، يساهم في حقن دماء السوريين، لكنه لن يكون كافياً. أما المفاوضات الدولية فإنها لن تكون المآل الأخير، ومحاسبة المتورطين في انتهاك دماء السوريين وكرامتهم، والرهان على وعي السوريين وقدرتهم على تجاوز أحقادهم وتحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية، من الممكن أن يساهم في إعادة التماسك الاجتماعي والبدء ببناء وطن ديموقراطي حر ومستقل، تكون فيه حقوق الإنسان والمواطنة والعدالة الاجتماعية هي المقياس والمعيار. وهذا لن يكون إلا بإخراج المقاتلين الغرباء من سوريا، والقطع مع الاستقطابات الدولية، والتوصّل إلى آلية سياسية بين السوريين أنفسهم، من خلالها يتم إيقاف الصراع، وضمان حقوق السوريين، وليس مصالح أطراف الصراع الذاتية. وقد يستدعي هذا رعاية أممية مستقلة ومحايدة، بشرط ألا تتحول إلى وصاية دولية، لفرض شروط الدول ذات المصلحة في الصراع على سوريا وفيها.

فهل سنكون قادرين بقوانا الذاتية على تجاوز أزماتنا، وبناء ذاتنا الإنسانية الواعية لمصالحها وأهدافها. ولأن تحقيق المعالي من الأهداف لن يكون بالأماني، فإن تماسك السوريين وتصميمهم على تحقيق أهدافهم سيكونان السبيل الوحيد لذلك.

* باحث وكاتب سوري

الأخبار

اذهبوا لجنيف 3 بلاعدالة انتقالية/ غسان المفلح

لم يغب مفهوم العدالة الانتقالية1 عن أية ثورة من ثورات الربيع العربي كما غاب عن الثورة السورية، بعد أن حولتها الادارة الأميركية بشكل رئيسي إلى ملف سياسي، خال من أي ملمح حقوقي إنساني. على الرغم أنها قدمت من التضحيات، لأجل حرية شعب وكرامته، ما يفوق الوصف وما تعجز عنه حتى اللحظة آليات الإحصاء ومؤسساته، حيث يمكننا وبلا تردد أن نتحدث عن كارثة شاملة، جراء وجود نظام استثنائي لم يعرف التاريخ شبيها له بنيته التمييزية والجرمية.

ما كان يمكن للولايات المتحدة الامريكية، وإدارة أوباما بشكل خاص، أن تستمر في سياستها تجاه الثورة السورية دون أن تقوم بطي هذه الصفحة من العدالة الانتقالية والحقوق إنسانية. لأنها لو تركت لهذا الملف أن يطفو على سطح الحقل السياسي، فإنها مضطرة لتبديل موقفها، ومضطرة للتدخل من أجل حماية المدنيين. لهذا قامت الولايات المتحدة منذ بداية الثورة بمحاولات حثيثية من أجل إنكار أن ما يحدث هو ثورة شعب من أجل حريته وكرامته. ساعدها في ذلك معارضة اتضح أنها كانت، ولا تزال، نقطة ضعف هذه الثورة، معارضة وصلت لدى بعضها أن تشتري نفسها لدى النظام وقاعدته الاجتماعية، وتبيع الثورة، تحت شعارات الثورة نفسها. قسم من هذه المعارضة حاول تحسين شروطه على حساب الثورة في محاولة ما يسمى إصلاح النظام، والقسم الآخر فهم أن الثورة منتصرة لا محالة وأن عليه فقط أن يتقدم مواقعها الأمامية لكي يكون حاضراً في المراحل اللاحقة لسقوط الأسد. كنت مع غيري نقول لهم إن هذا النظام لا يسقط إلا بمنطق القوة الخارجية. بعد سنتين ونصف وصلت هذه المعارضة لكي تطالب المجتمع الدولي بالتدخل! لهذا هي ساهمت منذ اللحظة الأولى بتسويق ما أرادته إدارة أوباما عبر سفيرها روبرت فورد، وروسيا عبر تنسيقها، في نفي ما يحصل بكونه ثورة حرية وكرامة لشعب اخترق جداراً أسود من الحقد والجريمة. لم يكن أحد في التاريخ الراهن مهيأ لسماع نبأ الشعب السوري يثور من أجل حريته. كانت موضة في سياقات تأسيسات المعارضة في مراحل الثورة الأولى أن ترفع بوجهك شعار في بداية أي بيان: أنها ضد التدخل الخارجي. تريد إثبات وطنيتها، لكن لمن؟ للشعب الذي خرج مضحياً ومطالباً بتدخل أممي لحماية تظاهراته؟ أم لنسق إيديولوجي متهافت، أثبت حقارته وتواطئه مع الجاني؟ أم لنظام يريدون إصلاحه؟ أم لنسق إسلاموي أظهر فشله حتى في قيادة التيارات الإسلامية نفسها.

وصلت إدارة أوباما، وهذا كان من مصلحة النظام طبعاً، إلى معالجة ما يحدث في سورية بأنه حرب أهلية، ثم طائفية الآن. وصفق القسم الأول من هذه المعارضة وساهم حثيثاً للوصول لهذه النتيجة، غير الصحيحة لا واقعياً ولا أخلاقياً ولا قانونياً حتى. الشعب يُذبح، يرفضون تدخلاً لحمايته، ثم رفضوا خيار العسكرة، ليس لأنه خيار مميت، بل لأنه خيار كان يمكن أن يسقط هذا النظام. خيار العسكرة كان يمكن أن ينجح لو أراد المجتمع الدولي نجاحه، وخاصة الدول الغربية، ومع ذلك استطاع الخيار العسكري تحرير قسم كبير من المناطق التي كانت تشكل مصدراً للعملة الصعبة لهذا النظام، لكي يستورد سلاحه القاتل لشعبنا منها، ويدفع للمافيا الروسية ثمنا لهذا السلاح. فتطوعت إيران الملالي بذلك وقدمت أموال الشعب الايراني ثمناً لسلاح قتل الشعب السوري به. قبل عام وأكثر، أميركا ومعها بعض الدول الغربية تتساءل عن مصير الأسلحة الكيماوية، وطلبت من المعارضة ‒هذه المعارضة‒ عن موقفها من هذه الأسلحة. أجابتهم المعارضة بأنها ترفض تدميره، أو أنها طنشت عن هذا السؤال! ومنهم من أراد أن يتجهبذ سياسياً، فأبلغهم موقف النظام (يوافق على تدميره في مؤتمر دولي لتدمير أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط). بعد أن اطمأن النظام لأجوبة هذه المعارضة، بدأ باستخدامه على نطاق ضيق، في محاولة منه لشرعنته بالتدريج، حتى قام بمجزرة الغوطة الشرقية في 21 آب 2013، وحصل ما حصل بعدها، حتى صدور قرار مجلس الامن 2118 القاضي بتدمير هذا السلاح، وذرّ الرماد في العيون، بأخذ «أطراف النزاع» إلى جنيف للتفاوض من أجل وقف النزاع. كلمة ترددت على استحياء عن محاسبة من قام بجريمة الكيماوي، دون إشارة واضحة للنظام. أيضاً، كيف لأميركا وأدارتها أن تذهب لجنيف، ومع الأمم المتحدة، مع نظام استخدم الكيماوي؟ لهذا حدث متغيران، الأول: أن النظام أصبح بلا كيماوي! والثاني: دخول همروجة التواصل الإيراني الامريكي.

بالنسبة للأولى، مؤكد أن نظام الاسد خسر ورقة تفاوضية مهمة. أما موضوعة إعطائه وقتاً فهذه ليست كسباً، لأن إدارة أوباما بشكل طبيعي لا تريد الضغط حتى إسقاطه. أما بالنسبة للثانية فإن الطرف المأزوم هو إيران، وهي من طلبت ودّ أوباما، حتى لو كانت المبادرة من أوباما، إلا أنها مبادرة تأتي في سياق المأزق الإيراني، وليس العكس. وصلنا الآن إلى محاولة أن تحضر إيران جنيف2، الذي أصبح الآن جنيف3، لأن مقومات جنيف2 الذي لم يعد لها وجود، أعني نظاماً أسدياً بكيماوي، ودون وجود إيران في المؤتمر. والنظام أصبح مرتكباً لجريمة أقرتها الأمم المتحدة وأميركا والدول الغربية.

لكن المعارضة الائتلافية، رغم أنها يجب أن تكون الرابحة، نجدها قد وصلت لحائط من الإفلاس. وتمردت الكتائب العسكرية في الداخل على ما يطرحه هذا الائتلاف. هذه الكتائب العسكرية، أو بعض منها، لا نريد أن نختلف من أين أتت وماهي مصادر دعمها، لكنها في النهاية كتائب يقودها ملثمون! وهم عبارة عن محترفي إسلاموية جهادوية، أرادها النظام وقدمها له المجتمع الدولي على طبق من ذهب، لأن موقف القوى الفاعلة فيه تريد ذلك دولياً وإقليمياً، مما حول قسماً من سورية إلى ساحة لتصفية الحسابات. أيضا لو بحثنا في هذا الملف قليلاً لوجدنا المعارضة نفسها تتحمل قسطاً وافراً من هذه الحالة. فشلت في السلمية، وفشلت في العسكرة، وفشلت في حمل المجتمع الدولي على التدخل لحماية المدنيين.

وكي لا نُفهم خطأ، نحن نتحدث عن المعارضة وليس عمن يسمّون أنفسهم كذلك، وهم كانوا خنجراً في ظهر الثورة منذ لحظتها الأولى. هؤلاء معروفون بالاسم والخطاب.

بعد كل هذا الآن، مطلوب من تلك المعارضة أن تذهب لجنيف3 دون أي حس أو خبر عما أسميناه العدالة الانتقالية، تحت سؤال «أين حقوق الضحايا»؟ هذا غائب عن جنيف3 كلياً. لهذا سيكون هذا الجنيف3 لقاء تعارف، بين كل الفاشلين دولياً وإنسانياً وأخلاقياً، برعاية أوباما، فلماذا لا تذهب معارضة فاشلة لجنيف3؟ علها بذهابها تفيد، أفضل من أن تبقى عالة على الثورة، وتأخذ رواتبها من مآسي الناس وضحايا الجريمة الأسدية. ليذهب بأهداف رفعتها الناس التي ضحت، دون أن يتنازلوا عنها هناك. لأن النظام ساقط بهم أو بدونهم، عاجلاً أم آجلاً. على الأقل ليردوا الدين في أعناقهم لروبرت فورد، صاحب المقولة التي سوقت للإدارة الامريكية: «اتركوهم يقتلون بعضهم بعضاً»!

العدالة الانتقالية لن تكون بزمن باراك أوباما. فاذهبوا لجنيف3!

    تشير العدالة الإنتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، وأشكالاً متنوّعة من إصلاح المؤسسات. وليست العدالة الإنتقالية نوعاً «خاصاً» من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الإنتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية. [↩]

موقع الجمهورية

لكنْ ماذا عن «جنيف 2» وعن فرصه واحتمالاته؟/ أكرم البني *

مع شيوع حالة من الاطمئنان بقدرة الاتفاق الاميركي- الروسي على تفكيك الترسانة الكيماوية للنظام، ينهض السؤال عن مصير مؤتمر «جنيف 2» وهل يصح اعتباره خطوة مهمة على طريق التأسيس لوقف العنف ولمرحلة من التفاوض والمعالجة السياسية للصراع السوري؟

ثمة من يجيب بلا، ويعتقد أن ما يحصل ليس أكثر من ذر الرماد في العيون وامتصاص الحرج الأخلاقي وردود الأفعال الحادة، مرة لأن الغرب لا يزال يجني من استمرار الصراع السوري الثمار ومنها استنزاف خصومه والثمرة الكيماوية، ومرة لأن موسكو ليست في وارد التراجع عن دعم نظام جعلها في زمن قياسي مرجعاً مقرراً في المنطقة، ويقوم بالنيابة عنها بمواجهة التطرف الجهادي الذي تخشى انتشاره في الجمهوريات الاسلامية المحاذية لها، ومرة ثالثة لأن نظاماً من طبيعة النظام السوري لا تهمه سوى سلطته وامتيازاته، وليس من دافع لديه لتقديم أي حد من التنازلات السياسية أمام قوى الداخل، بما يفضح ضعفه وعجزه وارتكاباته ويطيح ما تبقى من مظاهر هيبته كما يبدو اعترافاً علنياً بهزيمة خياره العنفي.

وفي المقابل، ثمة من يجيب بنعم، ولديه اعتقاد بأن التوافق الدولي على تدمير السلاح الكيماوي ما كان ليتحقق لولا تضافر دوافع ومصالح مشتركة لأطرافه في عقد تسوية سياسية عبر مؤتمر «جنيف 2» تضع حداً لاستمرار المأساة السورية.

والبداية من موسكو وواشنطن، فالأولى وعلى رغم دعمها المستمر للنظام وتغذية رهاناته على الحسم العسكري، شجعت مراراً الحوار والتفاوض السياسي تحسباً من الذهاب بعيداً في تسعير الصراع السوري، كي لا تفقد ما جنته وتغرق في مستنقع استنزاف واستقطاب يضرها ويهدد مستقبل علاقاتها مع العرب، بخاصة أنها تتحمل المسؤولية الأكبر في إدارة هذا الملف، وقد عززتها المبادرة الانقاذية التي قدمتها لإبعاد شبح الضربة العسكرية، ووضوح مرونة طهران بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً واستعداده لتقديم التنازلات وعقد التسويات ونبذ منطق المكاسرة، وهذا بينما يصب الحل السياسي بداهة في طاحونة واشنطن التي ما فتئت تمنحه الأولوية وتسوغ تحت يافطته ترددها وسلبيتها، فضلاً عن أنه يخدم أهدافاً مشتركة لكليهما، إن لجهة تفعيله وتسخيره لضرب الجماعات المتطرفة التي بدأت تتوافد وتستجمع قواها هناك، وإن لجهة دوره في الحفاظ على الكيان السوري، بتنوعه وتعدديته، وتالياً على مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية، تجنباً للفوضى والتفكك والحرب الأهلية المديدة.

يعزز ما سبق تنامي الحاجة الاقليمية الى تسوية سياسية في سورية، فالتخوف صار على أشده من انفلات الصراع هناك ومن مخاطر انتقاله إلى بلدان الجوار بسبب المساحات الحدودية الواسعة والتداخل العشائري والديني والقومي، وها هي حكومة أنقرة «تلمّس على رأسها» من تصاعد الوزن العسكري لأنصار حزب العمال الكردستاني ومن احتمال عودة التوترات والتحركات الشعبية ضدها والتي لا يمكن فصلها عن الأحداث السورية، بينما يكتوي العراق بنار العنف السوري المتصاعد وبنفوذ تنظيم «دولة الاسلام في العراق والشام» وما يترتب على ذلك من عودة البلاد إلى المربع الأول، إلى زمن هجمات القاعدة والصحوات العشائرية. ويرتبط الحافز الأردني بشدة الضغوط التي يشكلها تدفق اللاجئين إلى أراضيه وتطلعه إلى حل سياسي يخفف عنه بعض الحمل ويعيد السوريين الهاربين من أتون العنف إلى ديارهم، في حين تتجاوز الحاجة اللبنانية أعداد اللاجئين ومشكلاتهم ومعاناتهم، إلى أولوية تخفيف الاحتقانات والاستقطابات المذهبية الحادة، والتي ربما أفضى تفاقمها، بعد وضوح مشاركة «حزب الله» في الصراع السوري، إلى إكراه الحزب على سحب حضوره الأمني المباشر من مناطق نفوذه وتقديم دور المؤسسات العسكرية والأمنية للدولة اللبنانية.

أما إسرائيل فهي تحبذ اليوم الخيار السياسي بعد حالة الإنهاك والاهتراء التي نالت من الوضع السوري، وبعد أن ضبط البعبع الكيماوي، ربطاً بمخاوفها من أن يفضي تصاعد الصراع والعنف إلى مواجهات هي في غنى عنها مع قوى إسلامية متطرفة لا ضابط لها ولا رادع.

أخيراً يدرج اصحاب هذا الرأي حافزاً مستجداً في الداخل السوري لعقد التسوية السياسية. فمع استمرار الاستعصاء والعجز عن تحقيق تبدل مهم في التوازنات والمواقع، ومع الإنهاك المتزايد للقوى وتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، نمت الجماعات الجهادية إلى درجة باتت قادرة على مقارعة النظام والمعارضة معاً، وهي جماعات غطتها المعارضة ومنحتها الشرعية على أنها ظاهرة موقتة وطارئة واستقوت بها في حربها على النظام بينما فضّل هذا الأخير اختراق صفوفها وتمكينها وتوظيفها لتأليب الغرب ضد الثورة. لقد كسرت اليوم هذه الجماعات الطوق واشتد عودها جراء الدعم الخارجي السخي واستجرار من يشبهها في مختلف البلدان من كوادر ومقاتلين لنصرتها، وبدأت بتنفيذ أجندتها الخاصة وفرض نمط من الحياة يهدد وحدة الوطن والبنية الاجتماعية السورية، واضعة أطرافاً من النظام ومن المعارضة، موضوعياً، أمام هم مشترك هو التصدي لها ولإرهابها، كما تجلى ميدانياً في بعض مناطق وأرياف حلب والرقة وإدلب.

صحيح أن قرار السير في طريق الحل السياسي تحكمه ارتباطات ودوافع متداخلة ومعقدة زادها تعقيداً طول أمد الصراع وما كرسه العنف المفرط من نتائج مؤلمة يصعب تجاوزها راهناً، وصحيح أن ثمة رهانات وأوهاماً حول مؤتمر جنيف وما يمكن أن يسفر عنه، مع غموض الخطة المقررة وخطوات نقل السلطة، ومع صعوبة التوفيق بين مصالح متعارضة تمثلها قوى عربية ودولية وفئات من النظام والمعارضة. لكن يبقى الاحتمال قائماً في أن تتمكن واشنطن وموسكو وقد باتتا اليوم أقدر على التحكم بالوضع السوري من تطويع أهم الأطراف المتحاربة وجرّها جراً إلى طاولة المفاوضات.

* كاتب سوري

الحياة

هل سيجلب استخدام الكيميائي الحل في جنيف 2؟/ سلامة كيلة

ما إن أعلن أوباما تهديده بتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري حتى انفرجت أسارير كثيرة معتبرة أن اللحظة التي انتظرتها منذ اليوم الأول للثورة قد أزفت.

الائتلاف الوطني والمجلس الوطني ورهط من المنتظرين في الخارج أخذوا في تحضير أنفسهم معتبرين أن الأمر قد حسم، وأن أميركا التي لوعتهم سنتين ونصف قد أفاقت من “جهالتها” واندفعت لكي تحسم أمر الصراع ضد النظام في دمشق.

لكن فجأة تبخّر كل شيء، فقد أفرغ تهديد باراك أوباما من محتواه، وجرى التوصل إلى اتفاق أميركي روسي يخص تسليم الأسلحة الكيميائية، وانتهى الأمر.

لا شك في أن السلطة قد استخدمت الأسلحة الكيميائية بـ”دوز” أعلى من استخدامات عديدة سابقة، كان صاحب الخط الأحمر يغض النظر عنها، ويتوسل روسيا لكي تضبط “بيبيها” لتمنعه من استخدام هذا السلاح بعد أن اعتبره أوباما “خطاً أحمر.

ولا شك في أن كل الوقائع تثبت ذلك إلا للذين لا يريدون الاقتناع، فالأسلحة المستخدمة ليست بدائية الصنع، بل صواريخ.

وغبيّ كل من يشك للحظة بأن دولة ما، مهما كانت معادية، يمكن أن تقدم هذا السلاح لمجموعة مسلحة، لأن ذلك من الخطوط الحمر التي لا يجري التسامح بها، ببساطة لأنها يمكن أن تنقلب على فاعليها.

ولهذا تتمسك كل الدول بعدم اللعب بها، ويبقى الحصول عليها أمرا محصورا فقط في الدول، وواضح من تقرير المفتشين الدوليين نوع الصواريخ المستخدمة، وأرقامها، وبالتالي مصدرها، وحتى زاوية الإطلاق، الأمر الذي يسمح بتحديد مكان الإطلاق، الذي جاء مطابقا لأقوال الناس.

طبعا، إن القول بأن طرفا ما في المعارضة المسلحة هو الذي استخدمها، بالتحديد من أجل التدخل الأميركي سوف ينهار على ضوء ملاحظة مجريات الأحداث، والتراجع الأميركي السريع عن توجيه الضربة العسكرية (حتى وإن أعاد استخدام القوة المسلحة).

فقد بدا أوباما مترددا، وكان منذ البدء قد حدد أن الضربة هي محدودة وتتعلق بالأسلحة الكيميائية ولا تهدف إلى إسقاط النظام، ثم ظهر أن الوضع الشعبي العالمي لا يميل إلى التدخل العسكري، وحتى بريطانيا، الملحق الطبيعي بأميركا قرر برلمانها عدم المشاركة.

وتدخل الكونغرس لكي يفرض على الرئيس الرجوع إليه رغم أن حدود الضربة كما توضحت هي من حقه “الطبيعي”، وبالتالي بدا أن أميركا مشلولة، ولهذا وافقت على سحب السلاح الكيميائي وفق المقترح الروسي.

ولكن هل كان استخدام السلاح الكيميائي ضرورة بالنسبة إلى السلطة؟

إذا كان هناك من يشير إلى أن السلطة كانت تتقدم عسكريا، وبالتالي لم تكن بحاجة إلى استخدام هذا السلاح، خصوصا وأن لجنة المفتشين موجودة في سوريا، فإن الوقائع كانت تشير إلى عكس ذلك تماما.

فقد حاولت تحقيق “انتصارات” جديدة بعد أن سيطرت على مدينة القصير، لهذا تقدمت لاستعادة حمص وريف دمشق، لكن أشهرا مرت دون أن تستطيع ذلك، سوى بعض التقدم في أحد أحياء حمص (حي الخالدية)، وفشلت فشلا ذريعا في كل ريف دمشق، وفي الوقت ذاته كانت تمنى بخسائر في الشمال والشرق وفي مناطق درعا.

وإذا كانت تريد تحقيق انتصارات لكي تعزز وضعها التفاوضي في مؤتمر جنيف 2، فقد اقترب المؤتمر دون أن تستطيع فعل شيء.

لقد استخدمت السلاح الكيميائي يوم 21 أغسطس/آب الماضي، وكان اجتماع الخبراء الأميركيين والروس سوف ينعقد يوم 26 أغسطس/آب الماضي لترتيب عقد المؤتمر في سبتمبر/أيلول.

بالتالي كان يبدو أن السلطة تسارع لتحقيق انتصار جديد قبيل انعقاد المؤتمر، لهذا لم يكن أمامها سوى الأسلحة الكيميائية لكي تربك الكتائب المسلحة في الغوطتين، وتتقدم للسيطرة عليها.

وبطبيعة الحال فقد كانت تعتقد بأنها محمية من قبل الروس، وأن أميركا ليست قادرة على القيام برد فعل كما حدث في مرات سابقة، ثم استخدمت وجود المفتشين لنفي ممارستها انطلاقا من أنه ليس من الممكن أن تقوم بهذه “الفعلة الشنيعة” واللجنة على الأرض السورية.

هنا هي كما كانت -وكما فعلت في كثير من الحالات- تحضر النفي لإخفاء الممارسة، أي إنها تتقصد وجود عنصر يصبح مبرر النفي لممارستها.

فكما يقال إنه ليس من الممكن أن تقوم بهذا الفعل واللجنة في سوريا، يمكن أن يقال إنها انطلقت من هذه “البديهية” لكي تمارس فعلتها، الأمر الذي يوفر لها ستارا ضروريا للإنكار.

لكن “الانهيار السريع” في الموقف، والموافقة على تسليم كل الأسلحة الكيميائية (حتى دون الإشارة إلى وجود سلاح كيميائي لدى المعارضة كما تتهم ويكرر إعلامها)، حتى دون اعتبار للمسألة الوطنية برمتها (حيث كان السلاح الكيميائي هو المقابل للسلاح النووي الذي تمتلكه الدولة الصهيونية)، يشي بأن الأمر بات واضحا.

وبغض النظر عما يصرّح به الروس فهم يعرفون بدقة أن المسألة باتت واضحة، وأنهم مورطون بها (كما ظهر أن ألمانيا ودولا أخرى قد باعت أسلحة كيميائية للسلطة).

وكانت مسارعتهم لسحب الأسلحة هي التعبير عن فشلهم في ضبطها، ومنع السلطة السورية من استخدامها، وفي كل الحالات لا أميركا ولا روسيا لديها تردد في اعتبار أن ذلك ضروري لمصلحة الدولة الصهيونية.

أميركا لم تكن معنية بالملف السوري منذ بدء الثورة، ومن يعتقد غير ذلك فلأنه ما زال يعيش أجواء الحرب البارة، وجبروت أميركا الذي تلا انهيار الاتحاد السوفياتي.

ولقد أدت الأزمة المالية إلى تغيير كلية وضعها، وفرضت أن تعيد تموضعها عالميا، وهذه المرة بعيدا عن “الشرق الأوسط”، حيث باتت أولويتها منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ولقد أصبحت مقيدة في استخدام قوتها العسكرية نتيجة أزمتها الاقتصادية العويصة، وأيضا باتت تنزع إلى “الانكفاء الداخلي” والحفاظ على وضعها كقوة عالمية، وليس كـالقوة العالمية المسيطرة.

وهذا الأمر جعلها “تبيع” سوريا (وربما الشرق الأوسط فيما عدا الخليج) لروسيا، وهو الأمر الذي فتح للتوافق الأميركي الروسي على مبادئ جنيف 1، وعلى عقد جنيف 2 وفق الرؤية الروسية.

ما أربك الإدارة الأميركية هو أنها بذلت مجهودا كبيرا لـ”تزبيط” الأطراف الإقليمية التي كانت لها “أطماع” في سوريا، أو التي كان يبدو أنها “تلعب” في الوضع السوري، مع إعادة ترتيب المعارضة الخارجية (الائتلاف الوطني) لكي تقبل بالحل الروسي.

ولكن السلطة اندفعت -بعد أن استطاعت تحقيق الدعم للتوافق الأميركي الروسي ولحل جنيف 2- إلى تصعيد الصراع من أجل تغيير موازين القوى، وزادت في استخدام الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي كان يُظهر أميركا وكأنها تخرج منهزمة من المنطقة، خصوصا بعد ما حدث في مصر، ودفاعها عن سلطة الإخوان المسلمين (وتمرّد قيادة الجيش التي كانت تُحسب عليها).

لقد تكسر الخط الأحمر الكيميائي، وبدأت القوى التي كانت تحت قبضتها تتفلت من سيطرتها، لهذا كان الأمر بحاجة إلى “شدة أذن” للقول بأن أميركا ما زالت قوية وقادرة، لكنها لم تعد تريد الحرب، لكنها إذا ما اضطرت سوف تفعل.

حصلت أميركا دون حرب على اتفاق بتخليص سوريا من الأسلحة الكيميائية، هذا نجاح لا شك في ذلك، وسرعة قبول السلطة يؤكد هذا الأمر.

ولكن هل استعادت هيبتها؟ ربما ليس بعد، فهذا يعتمد على مجريات تسليم الأسلحة الكيميائية وتدميرها، وحتى وإن قامت أميركا بتوجيه ضربة عسكرية فإن الأمر الذي بات واضحا هو أنها لم تعد تلك القوة التي تقرر، وأصبحت تتراجع وتنحدر.

السؤال الذي يبقى قائما هو: هل يفضي رعب السلطة إلى تسهيل أمر جنيف 2؟

إن الاتفاق على سحب الأسلحة الكيميائية سوف يعيد مسار جنيف 2 بالتأكيد.

هل ستكون السلطة قد هزلت إلى حد الموافقة على المبادئ المطروحة، التي تعرف هي أنها ستودي بها في كل الأحوال، برغم تردد الروس وغموضهم في هذا المجال؟

أما المعارضة فقد باتت محكومة بسياق دولي يفرض عليها الذهاب إلى جنيف 2 بغض النظر كذلك عن كل التصريحات، وربما كان “الخذلان الأميركي” الجديد هو المدخل الذي يعبّد الطريق.

الجزيرة نت

بيان مجلس الامن والكارثة السورية/ فايز سارة

 بدا البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن الدولي، رغم ثغراته، وكأنه تحول نوعي في موقف المجتمع الدولي من الكارثة الإنسانية التي تحيط بالواقع السوري، حيث حضّ مجلس الأمن “كل الأطراف وخصوصاً السلطات السورية على اتخاذ كل الإجراءات المناسبة لتسهيل جهود الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وكل الوكالات الإنسانية التي تمارس أنشطة إغاثة لضمان وصول فوري إلى المتضررين في سوريا”، ودعا الحكومة السورية إلى اتخاذ “خطوات فورية لتسهيل توسيع عمليات الإغاثة الإنسانية ورفع العراقيل البيروقراطية وغيرها من العراقيل”.

ورغم أهمية بيان مجلس الأمن حول الكارثة الإنسانية، فلا يمكن اعتباره كافياً في معالجة ما صار إليه الوضع السوري من الناحية الإنسانية. فالبيان من جهة أولى غير ملزم لأي كان في سوريا وخارجها، وخاصة للسلطات السورية ذات التأثير القوي في موضوع وصول المساعدات ومرورها إلى الداخل وإلى المستحقين من السوريين. إذ هي تمنع من الناحية السياسية مرور المساعدات إلى المناطق التي لا تسيطر عليها، وتعتبر مرور هذه المساعدات رغم طابعها الإنساني والإغاثي ومنها حليب الأطفال والمواد الغذائية “دعماً للإرهابيين” الأمر الذي يجعل من عمل منظمات الإغاثة عملاً “غير قانوني”، مما يمنع تلك المنظمات من القيام بدورها.

وتذهب السلطات السورية في المناطق الخاضعة لها إلى أبعد من ذلك من الناحية العملية. إذ تفرض على منظمات الإغاثة التعامل معها بصورة حصرية، مما يسمح لها بتوجيه المساعدات في مسارات معينة بحيث يتحول بعضها إلى مواد تجري في مسار عمليات الفساد والنهب الحكومي، وجزء أخر يتحول لصالح مؤيدي النظام، والقليل القليل، يذهب إلى بعض المستحقين، والأهم في سياسة السلطات السورية في موضوع الإغاثة، أنها تمنع مرور أية احتياجات إنسانية سواء جاءت من منظمات وهيئات الإغاثة، أو جاءت من المواطنين السوريين إلى المناطق التي تحاصرها قوات النظام، كما الحال في غوطة دمشق المحاصرة بصورة تكاد تكون مطلقة منذ نحو عام كامل، أو في إحياء حمص القديمة المحاصرة منذ نحو عامين، وكلاهما مجرد مثال.

وليست مشكلة البيان في أنه غير ملزم فحسب، بل هو بيان خجول ومتأخر كثيراً. إذ هو يأتي والوضع المأساوي في سوريا يقترب من نهاية عامه الثالث، وطوال ذلك الوقت بدا مجلس الأمن الدولي المناط به الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين غائباً عن مباشرة مهامه، في معالجة كارثة عميقة، لم تضرب الداخل السوري قتلاً وتدميراً وتشريداً وجوعاً وحصاراً، أصاب الملايين فقط. بل هي امتدت في محيطه الإقليمي والأبعد منه، حيث أكثر من أربعة ملايين سوري أصبحوا لاجئين في دول الجوار، التي تنوء بمشاكلها الداخلية، وقد صارت أقرب إلى الانفجار بإضافة أعباء اللاجئين إلى أوضاعها الداخلية مع تقصير المجتمع الدولي في ممارسة مسؤولياته والقيام بدوره في معالجة الأزمة، وفي التصدي إلى عمليات توليدها ومراكمتها الناتجة عن سياسة السلطات السورية في دفع مزيد من السوريين لمغادرة بلادهم نتيجة أعمال القتل والدمار المتصاعدة، والتي دفعت أيضاً إلى ظاهرة عمليات الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر ولاسيما عبر البحار وصولاً إلى بلدان أوروبية، والتي تكشّف القليل منها في مآسي إنسانية عبر حوادث غرق اللاجئين مؤخراً.

لقد حول البيان في جانب منه قضية السوريين إلى مجرد مشكلة إنسانية، تتصل بالإغاثة والمساعدات، وهي وإن كانت في أحد جوانبها كذلك، فمن غير الجائز، تجاوز طابعها السياسي. فهي ليست كارثة طبيعية، ينبغي معالجة تداعياتها، وإنما هي مشكلة سياسية، يفترض معالجة جذورها، والأساس فيها هي سياسة النظام، وما يقوم به من أعمال قتل للناس وتدمير لمواردهم المعيشية وللخدمات التي كانت تتوفر لهم، وكان من المفروض على مجلس الأمن الدولي، أن ينصّ في بيانه على تحميل النظام السوري مسؤولية الكارثة، وكان من المفروض النص على إجباره القيام بوقف فوري لعمليات القتل والتدمير والتهجير، التي تولد مزيد من الاحتياجات والضرورات الإنسانية لعموم السوريين والنازحين عن بيوتهم واللاجئين إلى بلدان أخرى على وجه الخصوص.

إن تقصير المجتمع الدولي وخاصة مجلس الامن في معالجة الأوضاع  في سوريا، أمر لا نقاش فيه، وهو تقصير مستمر رغم البيان الأخير للمجلس الذي كان ينبغي أن يعالج الكارثة السورية في جانبها السياسي أولاً، ثم في جانبها الإنساني، وأية معالجة جدية، كان ولا بدّ (بدلالة سياسات النظام وممارساته) أن تكون ملزمة وتحت الفصل السابع، ودون ذلك، لن يقبل النظام تنفيذ أية طلبات، سواء كانت تتعلق بالإغاثة أو بأي أمر آخر في الموضوع السوري والتجربة هي البرهان الأهم.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى