صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت الاتفاق النووي الايراني الغربي وتداعياته على الأزمة السورية

ما بعد “الانتصار”/ غسان شربل

أهل الشرق الأوسط عاطفيون وحماسيون. يحبون الانتصارات لا التسويات. الفوز بالضربة القاضية لا بالنقاط. لكن الأوضاع الإقليمية والدولية شديدة التعقيد. ولا تتيح الانتصارات الكاسحة والإسراع في بناء عليها. لهذا لا بد من التمهل في القراءة فنحن لا نزال في بداية الطريق.

كنا صغاراً حين انتهت المغامرة الأميركية في فيتنام بهزيمة محققة. أنزلت القوات الأميركية آخر أعلامها وانسحبت. قيل الكثير يومها عن الهزيمة المذلة والإمبراطورية التي انكفأت إلى العزلة لتلعق جراحها. وها نحن نقرأ منذ سنوات عن ازدياد التبادل التجاري بين البلدين. وعن تشوق فيتنام لاستقبال الاستثمارات الأميركية والسياح. وعن ابتهاجها بزيارات القطع البحرية الأميركية لتذكير الصين بضرورة ضبط شهواتها للهيمنة على جيرانها.

لم تحقق إيران الانتصار الذي حققته فيتنام. استهدفت الأميركي في بيروت. استهدفته أيضاً في العراق. وربما في ساحات أخرى. لكنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع الآلة العسكرية الأميركية التي قدمت لها من دون قصد هديتين ذهبيتين في العراق وأفغانستان. نجحت إيران في جمع الأوراق في الإقليم. ذكرت دائماً بقدرتها على التأثير في الموضوعين الأبرز فيه: أمن النفط وأمن إسرائيل. جاءت بحسن روحاني لاستغلال الفرصة التي تشكلها خيارات أوباما وكان اتفاق جنيف. كان ما تسميه «انتصاراً».

حتى ولو اعتبر ما حدث انتصاراً فان من السابق لأوانه تشبيه نتائج الاتفاق بنتائج زيارة ريتشارد نيكسون لماو تسي تونغ. إننا نسكن اليوم في عالم مختلف عن عالم ماو. مختلف بتوازناته ومعايير القوة، ثم إن إيران ليست الصين وإن كانت تقيم في منطقة حساسة أيضاً.

لنفترض أنه انتصار. لكن علينا الالتفات إلى أن الاتفاق الذي أبرم مرحلي، وأن المفاوضات المقبلة ستكون أكثر صعوبة وتستلزم اتخاذ قرارات مؤلمة. عدم رغبة إدارة أوباما في خوض حروب جديدة في المنطقة وتوجهها لإعطاء الأولوية لمنطقة أخرى لا يعني تكليف إيران قيادة الشرق الأوسط أو رسم ملامحه. لا بد هنا من الالتفات أيضاً إلى اللاعبين الروسي والأوروبي وإلى الدول الأساسية في الإقليم كمصر والسعودية وتركيا.

لا بد أيضاً من الالتفات إلى صعوبات موضوعية تحول دون تفرد إيران بزعامة العالم الإسلامي، خصوصاً بسبب عدم انتمائها إلى الأكثرية في هذا العالم والتي ينتمي إليها أكثرية العرب. ثم إن الاضطلاع بدور من هذا الحجم يفوق قدرات الاقتصاد الإيراني الحالي الذي أنهكته العقوبات الغربية والالتزامات «السوفياتية» من أفغانستان إلى لبنان.

لا تستطيع إيران أن تكون اللاعب الأبرز في الإقليم إلا إذا تغيرت. الأدوار الكبرى تقوم على المساهمة في صناعة الاستقرار. تقوم على صناعة التسويات لا على تسجيل الاختراقات. صناعة الاستقرار في العراق تستلزم إشراك المكون السني في القرار. إشراك هذا المكون جدياً يقلص قدرة إيران على إدارة العراق. أي تسوية قابلة للحياة في سورية تستلزم إشراك الأكثرية السنية وهذا يؤدي في حال حصوله إلى قيام سورية أقل التصاقاً بإيران. يمكن قول الشيء نفسه عن لبنان، الذي أدى الإلغاء المنهجي لموقع رئاسة الحكومة فيه إلى ارتفاع أصوات التشدد داخل الطائفة السنية.

إنها أسئلة ما بعد «الانتصار». كبرت أجيال على وقع هتاف «الموت لأميركا»، فماذا ستفعل ايران بهذا الشعار؟ كيف يمكن تطبيع العلاقات مع «الشيطان الأكبر» والاحتفاظ بلغة الاختراقات والضربات؟ وإذا كان هذا الشعار من مستلزمات تماسك النظام فما هو البديل؟ وماذا عن «تصدير الثورة» وهو الذي أقلق دول المنطقة قبل أن يقلقها البرنامج النووي؟ ثم إن إيران تدرك جيداً أن شعار «استئصال الورم السرطاني» لا يصطدم بأميركا وحدها بل أيضاً بروسيا بوتين التي لا تتهاون أبداً في موضوع أمن إسرائيل. يضاف إلى ذلك أن استقبال المستثمرين يفترض توفير بيئة سياسية وقانونية مختلفة وسيضاعف رغبة الشباب الإيراني في التطلع إلى العيش في دولة طبيعية ومزدهرة تنفق قدراتها على التنمية والتعليم ولا تعيش على الاشتباك الدائم مع جيرانها أو الدول الكبرى.

إيران دولة كبيرة في المنطقة. لكن الدور الكبير المقبول والدائم يستلزم الافتراق عن جمر الثورة. من التسرع أيضاً مقارنة روحاني بميخائيل غورباتشوف. ربما تحتاج إيران إلى رجل يشبه دينغ هسياو بينغ الصيني. وربما عليها أن تتذكر أن فيتنام انتصرت على أميركا لكنها أحالت الانتصار إلى كتب التاريخ، وها هي اليوم منشغلة بجذب الاستثمارات والسياح لتحسين ظروف معيشة أبناء من صنعوا الملحمة وأحفادهم.

الحياة

قبول إيران بالاتفاق النووي: لماذا الآن وليس قبل 10 أعوام؟/ محمد مشموشي *

لماذا قبلت إيران، في اتفاقها مع الدول الخمس الدائمة العضوية زائداً ألمانيا، بأقل مما عرض عليها قبل 10 أعوام، وتحديداً في 2003، في ما سمي آنذاك «الحوافز» الأوروبية لوقف برنامجها النووي؟

كان العرض، الذي وصفه الرئيس الإيراني يومها محمود أحمدي نجاد بأنه كـ «مقايضة الذهب بالحلوى»، يشمل سلة حوافز اقتصادية وتكنولوجية مقابل وقف البرنامج. وبقيت الدول المعنية بالعرض، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تنتظر شهورا عدة قبل أن ترد إيران بالرفض فاتحة بذلك مسيرة العقوبات الاقتصادية والسياسية عليها التي وصلت إلى حد عزلها دولياً وانهاكها اقتصادياً ومالياً.

هذا هو السؤال الذي قد يجيب عن الأسئلة الأخرى الكثيرة التي تطرح حالياً حول طبيعة ما يوصف بـ «الصفقة»، وبالذات في شأن ما سبقها من توافقات تحت الطاولة حول أمور أخرى كدور إيران الإقليمي أو حتى ما يقال عن إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة في المرحلة المقبلة.

فالاتفاق، حتى في صيغته الآنية المحددة بستة شهور، يعني عملياً وقف البرنامج النووي إلا ما يكون منه لأغراض سلمية، وذلك على عكس ما تقوله إيران عن الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم. فالحق في التخصيب بنسب لا تتجاوز 5 في المئة، تتمتع به كل الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإيران منها، بشرط أن تخضع منشآتها وبرنامجها لتفتيش خبراء الوكالة الدولية المعنية دورياً أو بصورة مفاجئة… وهذا تحديداً ما وافقت عليه إيران في الاتفاق.

أكثر من هذا، نقل عن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني أن بلاده ستنهي برنامجها النووي عند نقطة ما. كان ذلك في 2004، عندما كان روحاني رئيساً لمجلس الأمن القومي، حيث دعا إلى الموافقة على العرض الأوروبي (عرض «الحوافز» إياه) عبر ما وصفه بـ «استراتيجية هادئة ومحسوبة مع الغرب… وتجميد التخصيب الذي طرح خلال المفاوضات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإنهائه في نقطة ما».

بل أبعد، ففي خطاب له أمام المجلس الأعلى للثورة الثقافية، بعنوان «التحديات التي تواجه إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية»، قال روحاني: «في ما يتعلق بتصنيع قنبلة نووية، لم نرد قط التحرك في هذا الاتجاه، ونحن لم نطور بشكل كامل بعد قدراتنا الخاصة بدورة الوقود. وهذه بالمناسبة مشكلتنا الرئيسية» في هذا الشأن.

لكنه، ربما في تلميح إلى الاتفاق الأخير، تحدث عن سياسة نووية تجبر الغرب على القبول بقدرات التخصيب الإيرانية. وفي إشارة مباشرة إلى نجاح باكستان في امتلاك السلاح النووي، قال: «إذا جاء اليوم وأكملنا دورة الوقود (النووي)، ورأى العالم أن ما من خيار آخر أمامه وأننا نمتلك بالفعل هذه التكنولوجيا، سيتغير الموقف».

هل جاء روحاني إلى الرئاسة الإيرانية، أو جيء به عملياً بعدما بلغت الأمور ما بلغته في بلاده، لهذه الغاية بالذات؟

لعل العبارات التالية في خطابه إياه تجيب عن السؤال: «كانت النية سابقاً إخفاء البرنامج. لم يكن من المفترض أن يحدث هذا في العلن، لكن الجواسيس كشفوه في أي حال». وأضاف أنه، بنظرة إلى الوراء، كان من الأفضل عدم إخفاء الأنشطة النووية… فـ «لو كشفت إيران عنه من البداية، لم نكن لنواجه أي مشكلة الآن، أو أن مشاكلنا كانت ستكون أقل… العالم لم يكن يريد لباكستان أن تمتلك قنبلة ذرية، أو أن تمتلك البرازيل دورة الوقود، لكن باكستان صنعت قنبلتها وامتلكت البرازيل دورة الوقود، وبدأ العالم يعمل معهما. مشكلتنا أننا لم نحقق أياً منهما، وإن كنا نقف على العتبة».

مع ذلك، بل لذلك تحديداً، فالسؤال هو هو: لماذا وافقت إيران الآن على وقف برنامجها النووي وليس حينذاك؟

الواقع أن مياهاً كثيرة جرت في النهر مذّاك، في إيران ذاتها كما في المنطقة التي تريد أن تلعب دوراً قيادياً فيها. وهذه المياه هي ما جعل «الولي الفقيه» علي خامنئي يقرر إعادة النظر في سياساته السابقة، أولا بالسماح بانتخاب روحاني الموصوف بالاعتدال رئيساً للبلاد، وثانياً بتفويضه وطاقمه الحكومي الجديد السير مع الغرب وما كان يسميه «الشيطان الأكبر» إلى نهاية الشوط .

بين هذه المياه أزمة إيران الاقتصادية والمالية، بخاصة في ظل شبح «الثورة الخضراء» التي لا يزال قادتها إما في السجون أو قيد الإقامة الإجبارية في بيوتهم، لكن «مآزق» إيران الأخرى في سورية والعراق ولبنان ليست بعيدة عنها على رغم كل ما يتردد عن «اليد الطولى» الإيرانية فيها.

في الجانب الأول، قيل الكثير عن انهيار قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة البطالة خصوصاً بين الشباب، وصولاً إلى العجز عن تسديد أقساط الطلاب المبعوثين إلى جامعات العالم ودفع مرتبات خبراء مستقدمين من الخارج. وعلى رغم «التقية» الإيرانية في هذا المجال، فمجرد إلحاح المفاوض الإيراني على رفع العقوبات، أو حتى تخفيضها، منذ اليوم الأول للبحث في الاتفاق، يكشف عمق الأزمة في إيران وحاجتها الملحة للخروج من النفق الذي أدخلتها فيه.

لكن الجانب الثاني لا يقل أهمية من وجهة نظر «الولي الفقيه». فما يراه البعض «مآزق» لإيران، وهي كذلك، في كل من سورية والعراق ولبنان أو غيرها من البلدان التي تسللت إليها أيديولوجياً وسياسياً ومالياً وعسكرياً، يمكن استخدامها حالياً باعتبارها «أوراقاً» للمساومة مع القوى الدولية الفاعلة… من واشنطن إلى موسكو إلى غيرهما من العواصم.

وإذا لم يكن هذا هو الدور الإقليمي الذي تصورته دولة «الولي الفقيه» لنفسها، وعملت له بمختلف الوسائل والأساليب منذ تأسيسها قبل أربعة وثلاثين عاماً، فماذا يكون؟

الواقع أن هذا ما أرادته إيران وعملت له على الدوام. ومن أجله تحديداً، وافقت الآن وليس قبل عشرة أعوام كاملة، على إنهاء برنامجها النووي والانضمام إلى حظيرة الأسرة الدولية بعد أكثر من ثلاثة عقود من حربها المعلنة عليها… تحت شعارات كـ «الاستكبار العالمي» و «الشيطان الأكبر» و «إزالة إسرائيل من الوجود».

وليس في هذا السياق فقط، بل خدمة لاستراتيجيتها ولأهداف بعيدة المدى، أعادت إيقاظ الفتنة التي كانت نائمة على رغم اتفاق الجميع على مر التاريخ على القول: «لعن الله من أيقظها».

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

كيف ستبني إيران الثقة مع الخليج العربي؟/ روزانا بومنصف

اطلق وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف من دول خليجية أعضاء في مجلس التعاون الخليجي أولى الرسائل العلنية ممهداً في اتجاه فتح الأبواب مع المملكة العربية السعودية وحملت هذه الرسالة في طياتها مؤشرات ايجابية في النظرة الايرانية مع الحكومة الجديدة الى “الاهمية البالغة للمملكة في الشرق الاوسط والعالم الاسلامي” ودعوة الى الشراكة في المنطقة من خلال “العمل معاً على ارساء السلام والاستقرار في المنطقة”.

وهذه الرسالة تفيد وفق مضمونها بان ايران تنوي العمل من اجل الاستقرار والسلام وتبعاً لذلك ليس هناك ما تخشاه دول الجوار التي تتهم ايران بزعزعة الاوضاع في دول المنطقة في طموحاتها وامتداداتها العقائدية. وقد تلقفت مصادر ديبلوماسية عدة هذه المواقف بايجابية حذرة. اذ يكتسب هذا الموقف أهمية في سياق التطورات في المنطقة وردود الفعل عليها، مع ان المسألة تتطلب انتظار المزيد من الوقت من أجل اتضاح كيفية ترجمة ايران ما تعلنه على هذا الصعيد باعتبار ان هناك من يعمل من حلفائها وامتداداتها في المنطقة وصولاً الى النظام السوري على رفع سقف العداء والاتهامات للمملكة كما فعل الرئيس بشار الاسد الاسبوع الماضي.

وتدرج مصادر ديبلوماسية مراقبة هذه المقاربة الايرانية في اتجاه دول الخليج المتدرجة صعوداً عبر بعض هذه الدول نحو المملكة السعودية بعد أقل من عشرة أيام على توقيع الاتفاق مع الدول الغربية حول ملفها النووي في اطار متعدد الاتجاهات يشمل من بين ما يشمل:

أولاً – تسويق الأهداف الجديدة لايران في اتجاه الانفتاح على العالم ودول الجوار سعيا الى الخروج من عزلتها الطويلة. فعودة ايران الى المجتمع الدولي يتعين ان تجرى وفق شروط المجتمع الدولي وهو ما يتطلب تغييراً في اسلوب تعاطي ايران مع الخارج العربي أيضاً وليس الغربي نظراً الى ان دول الجوار العربي مؤثرة على ايران مباشرة وعلى الغرب أيضاً على رغم بقاء اسئلة كبيرة حول طرق ترجمة ايران ما قاله وزير خارجيتها وما اذا كانت عودة التقارب مع الخليج ستترافق مع خطوات معينة في هذا الاتجاه تظهر جدية ايران تماماً على غرار عملية بناء الثقة مع الدول الغربية في خلال الأشهر الستة المقبلة. فهناك كمّ هائل من الاشكاليات التي تحتاج ايران الى بناء الثقة حولها من البحرين الى لبنان مثلاً، خصوصاً ان هذه الاشكاليات ليست كلها على غرار الازمة السورية التي تتطلب جهداً اكبر ووقتا طويلا في ظل التعقيدات القائمة. فهل يمكن ان يزور ظريف البحرين مثلاً او تدفع ايران في اتجاه تسهيل تأليف حكومة جديدة في لبنان. اذ هناك تساؤلات جدية في هذا الاطار نظراً للاعتقاد الراسخ بان هناك مسائل معينة ليست في يد الرئيس روحاني ووزير خارجيته خصوصاً في ما يتصل بتوسيع نفوذ ايران في المنطقة وما يثيره من خلافات. لكن ثمة من يقول ان هناك خطوات او نصائح لايران في هذا الاتجاه اذا كانت تنوي السير قدما نحو انجاح حصول اتفاق نهائي مع الغرب حول ملفها النووي باعتبار ان التفاهم والانفتاح قد يخففان من الضغوط الغربية عليها لاحقاً. ثم ان المشاركة في جنيف 2 حول سوريا والمساهمة في تطوير ارضية مناسبة للتوافق حولها باعتبار ان التوافق الاميركي الروسي غير كاف لا بد ان يوافقه او يرافقه توافق اقليمي مواز.

ثانياً – التسويق للاتفاق المبدئي الموقع مع الغرب حماية له أيضاً. اذ ان المسؤولين الايرانيين اطلقوا اخيراً مواقف اعلامية تتناقض مع ما قيل او شمله مضمون الاتفاق الموقع بين ايران والغرب. الا ان هذه المواقف لم تستدع اي رد فعل غربي مستنكر او رافض نظراً للضرورات التي يحتمها تسويق الاتفاق لدى المتشددين في ايران من الذين يضغطون على الرئيس الايراني وحكومته فبدا واضحاً الهامش الكبير المتروك مع الادارة الايرانية الجديدة. في المقابل هناك مقاربة مختلفة لايران في اتجاه دول الخليج من أجل تخفيف الضغوط أيضاً على الولايات المتحدة وادارة الرئيس باراك اوباما باعتبار ان استفزاز الاصدقاء لاميركا في المنطقة نتيجة الاتفاق قد لا يساعد في اتجاه اتفاق نهائي في خلال الأشهر الستة أو السنة

المقبلة.

النهار

الاتفاق الأميركي – الروسي يحقّق السلام والتقارب السعودي – الإيراني يحلّ أزمات المنطقة/ اميل خوري

إذا كان الصراع على السلطة في دول عربية أغرقها في الفوضى العارمة وكاد أن ينسيها القضية الفلسطينية، فان الصراع على السلطة في لبنان يكاد يغرقه في فراغ شامل قد يودي به إلى الفوضى أيضاً وينسيه المحكمة الدولية الخاصة به والتي من المقرر أن تباشر الشهر المقبل محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والاغتيالات المماثلة ما لم يطرأ ما يؤجل المحاكمة مرة أخرى.

والسؤال المطروح هو: هل تواصل المحكمة سيرها من دون عوائق وتأثيرات سياسية قد تدخلها في لعبة التسويات والصفقات التي بدأت مع إيران حول الملف النووي وربما مع ملفات أخرى تتناول الأزمة السورية والأزمة اللبنانية والاوضاع الأمنية المتدهورة في عدد من دول المنطقة؟

لقد قضت تسوية “السين – سين” (السعودية وسوريا) في الماضي بوقف محاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه في مقابل تخلّي “حزب الله” عن سلاحه لتقوم في لبنان الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي ولا يبقى سلاح غير سلاحها، وأن يتوّج الاتفاق على ذلك بعقد مؤتمر مصالحة ومسامحة في الرياض. لكن سوريا التي كانت تريد أن تأخذ قبل أن تعطي أفشلت المعادلة وأعادت الصراع على أشده بينها وبين السعودية، فدفعت حكومة الرئيس سعد الحريري التي تشكلت على أساس اتفاق الدوحة الثمن باستقالتها نتيجة استقالة الوزراء الذين يمثلون قوى 8 آذار وخلفتها حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي من لون سياسي واحد خصوصاً بالنسبة إلى سوريا وقد عرفت بحكومة “حزب الله” التي ضربت رقماً قياسياً في الفشل والشلل فكانت حكومة تصريف أعمال قبل أن تتحول إلى ذلك بعد استقالتها تحت ضغط الخروج عن سياسة النأي بالنفس وتدخّل “حزب الله” عسكرياً وعلى المكشوف في الحرب السورية بين النظام وخصومه، وقد عجز أقطاب 8 و14 آذار عن التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة جديدة بسبب إصرار 8 آذار على أن تكون حكومة “وحدة وطنية جامعة” وإصرار 14 آذار على أن تكون حيادية ومن خارج هاتين القوتين لأنه يصعب، إن لم يكن يستحيل، تشكيل حكومة جامعة مع استمرار “حزب الله” في القتال في سوريا خارقاً بذلك سياسة النأي بالنفس وما نص عليه “اعلان بعبدا” لجهة تحييد لبنان عن كل الصراعات حفاظاً على أمنه واستقراره، وبعدما أدى هذا التدخل إلى عودة التفجيرات إلى لبنان وتحويل أرضه ساحة لتصفية الحسابات، وأخطر هذه التفجيرات تلك التي استهدفت السفارة الايرانية وقد اخطأتها لحسن الحظ وكانت انتحارية مما زاد خطورتها وأبعادها. فهل يمكن الاستعاضة عن معادلة “السين – سين” بمعادلة إيرانية – سعودية؟ وهذا يتطلب عقد قمة بين البلدين للاتفاق على التفاصيل، وقد يكون عقدها مرتبطاً بنجاح انعقاد مؤتمر جنيف – 2 ما دام الرئيس بشار الأسد يعلن “أن المعركة بينه وبين السعودية مفتوحة”. ومعلوم أن ما من دولة وإن قوية تستطيع بمفردها حلّ مشكلات معقدة في أي دولة ولا بدّ من دولتين على الأقل لايجاد هذا الحلّ. فعندما اتفقت الولايات المتحدة الأميركية والرئيس عبد الناصر انتهت احداث 58 في لبنان وتم الاتفاق على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية. وعندما تفاهمت سوريا والسعودية على اتفاق الطائف توقف القتال وصار لبنان خاضعاً لوصاية سورية. وعندما عاد الخلاف بين سوريا والسعودية عادت الخلافات والانقسامات بين اللبنانيين بحيث بلغت حد تعذر التوصل إلى اتفاق على قانون تجرى الانتخابات النيابية على أساسه فصار التمديد لمجلس النواب، كما تعذّر الاتفاق حتى على تشكيل حكومة جديدة، وقد يتعذّر الاتفاق أيضاً على انتخاب رئيس للجمهورية فيصبح لبنان محكوماً بالفراغ…

إلى ذلك، يمكن القول أن حلّ الأزمة السورية يحتاج إلى تقارب أو تفاهم إيراني – سعودي بتشجيع أميركي – روسي، كما يحتاج إلى ذلك ايضاً حل الأزمة في لبنان وفي أكثر من دولة عربية تسودها الفوضى. ويمكن القول أيضاً أن المحكمة الخاصة بلبنان قد تسير على وقع التطورات في المنطقة، أما إذا ظلّ التباعد أو الجفاء قائمين بين ايران والسعودية ولم يؤثر الاتفاق الأميركي – الروسي على ازالتهما فقد يكون للمحكمة الدولية مسار آخر ومصير مختلف بفعل التطورات، أو ينعكس الحكم الذي سيصدر عنها سلباً على الوحدة الوطنية والعيش المشترك ويكون لبنان اليوم غير لبنان الغد… فهل يؤدي التقارب الأميركي – الإيراني إلى تطيير المحكمة أم أن الحكم الذي سيصدر عنها يطيِّر لبنان الواحد؟

النهار

لماذا لا يصدق العالم حُلمَ التصالح الغربي مع إيران؟/ مطاع صفدي

الوصف الدقيق لإنقلابات السياسة الأمريكية، هو أن زعيمها هذا الرئيس الأسمر الأول في البيت الأبيض منذ إنشائه، إنما يمارس أنضج ثمرة لإنجاز ثورة التواصلات الإلكترونية الراهنة المسيطرة على عالم اليوم، وهي ثقافة الافتراض. ما تعنيه هذه الثقافة أولاً هو افتراض أن واقع أزمة دولية ما كأنه غير موجود، واستبداله فورياً بواقع آخر، ليس مصطنعاً أو موهوماً، بل له ممثلوه وأحداثه وحركياته، وحتى إنجازاته. لكن المشكلة أن عمليات الإستبدال هذه لا يمكنها أن تلغي الواقع الأصلي . والبديل عنه قد يغطيه، يخفي بعض معالمه الناتئة، يكبت أصواته وصرخاته، لكنه يظل موجوداً بحقائقه المادية والإنسانية، ما تفعله ثقافة الإفتراض في ميدان السياسة خاصة، هو أنها قد تنجح في تورية ملامح الأزمات لكنها تعجز حقاً عن ابتكار حلولها الصحيحة.

هذا هو عنوان النظام العالمي الجديد الذي شرعت في بنائه استراتيجية (أوباما). فأمريكا لن تنسحب من غابات السياسة الدولية، لكنها لن تكون الشرطي الأول الناشط ضد ذئابها، هنالك طرق أخرى عديدة لإدارة هذا العالم المتوحش، من دون أن تتلقى منه أسوأ نتائجه. هذا لا يعني أن أمريكا ستتحول إلى حمامة سلام، توزّع ثقافة الأمان والتضامن ما بين شعوب الأرض.. لن تسحب لغة المصالح من أية مشكلة دولية مستعصية، بل هي كانت سيدةَ النهج الذرائعي منذ نشأتها، ولسوف تبقى أبرع اللاعبين في مسرحياته. إلا أن خبرات الفلسفة الذرائعية هي التي أنضجت أخيراً أعلى ثماراتها مع حلول عصر الافتراضات كما تعيشه حضارة التقنيات الإلكترونية الراهنة.

النظام العالمي الجديد لا يهدف إلى زعزعة مركب الاستبداد/الفساد، العائد والموجِّه لسلوكية المجتمع الدولي، كمؤسسة كونية لتنظيم حصص السيطرة على العالم من قبل أقويائه على ضعفائه، ما يفعله الإنقلاب الأمريكي ليس تغييراً في مفهوم النظام العالمي السائد والمستديم، بل في وسائل تجديده، مما يتطلب زَرْقَ حيوية مختلفة في منهجيته المعتادة. يريد لمركب الإستبداد/الفساد ألا يظل مقتصراً على معظم دول المعمورة، الفقيرة فقط. هاهو يجدد زحفه نحو العواصم الكبرى للغرب. وهنا في هذا القطاع المتنور والمتقدم من إنسانية القرن الواحد والعشرين، كما تدّعي نُخَبُه المثقفة والحاكمة معاً، لم يعد الاستبداد مستوطناً في قمم الدول، فقد فارق فعاليات السياسة مباشرة، واستقر في مفاصل الشبكة الإقتصادية. ومنذ أن أصدر فيلسوف الحداثة المعاصرة ‘جول دولوز′ كتابه الفاصل عن كون الرأسمالية قد فرضت على مجتمعاتها أن تعاني عقد (الانفصام) الأنطولوجي بين تطور وعيها الثقافي وواقع التفاوت الطبقي لمعظم كياناتها الإنسانية، وذلك بفعل سيطرة قانون الاستغلال اللامحدود، على منظومة العلاقات الاجتماعية وقِيمها الأخلاقية، فذلك هو ما يجعل أحابيل الفساد حاصل تحصيل لمجمل العملية السياسية الإقتصادية للدولة والمجتمع معاً

إن مركّب الاستبداد/الفساد هذا، قبل أن تتميز به نهضات العالم الثالث الزائفة ما بعد استقلال دولها من الهيمنة الغربية، كان ولا يزال قابضاً على عنق المدنية الغربية المصابة بأعراض الإنفصام الوجودي، كما كشفته دول الإيديولوجيات الكليانية الكبرى وحروبها الأوربية العالمية للقرن العشرين، وكانت فلسفات النصف الثاني من هذا القرن هي الفاضحة لزيف المدنية الغربية، وانفصالها الوجودي بين ثقافتها التنويرية وواقعها المعيشي والسياسي المغرق في سلوكيات الإستغلال الطبقي والعنصري والعقائدي. ما نريد قوله هنا هو أن مركّب الإستبداد/الفساد ليس خصوصية مستديمة للعالمثالثية، إنه في أصله، صناعةٌ غربية بامتياز، هو المعبّر الحقيقي عن مصطلح العلاقات العميقة لآليات العملية المجتمعية، المحركة لتطورات مدنية الرأسمالية، الآيلة أخيراً عصرياً إلى عبودية نمط الاستهلاك الشمولي، هذا الإقطاع المستحدث لديمومة السلطة الأحادية للنخبوية المطلقة تحت تسميات مختلفة.

غير أن هذه الديمومة هي التي تواجه تهديدها الأعظم في ظروف الإنهيار الإقتصادي الحالي الذي أفقد الغرب أولويته في قيادة إستراتيجية التطور العالمي، فلم يتبقَّ للغرب، لمجتمعاته المتقدمة، سوى ما تراكم لدى بعض طلائعها من خبراتها العقلية المتفوقة، لكنها المحتاجة إلى تذخير حواملها الإنتاجية بتلك المواد الأولية المعهودة التي لا يزال العالم الثالث وحده يكتنزها في أرضه الطيبة البكر، وفي إنسانه البريء، لكنه المعطّل في إرادته وحريته، والذي لا بد لهذا الغرب من مضاعفة أسباب هذه العطالة الذاتية بكل ما يمكن لعبقريته الاستراتيجية في ابتكار أخبث وأحدث وسائل وآليات تفعيل مركّب الاستبداد/الفساد إياه.

إنه العالم الثالث المستديم، وفي طليعته قارة العرب والإسلام التي لا تكفّ عن تحويل هزائمها النهضوية إلى مشاريع انتصارات وهمية جديدة. ومع ذلك فقد باتت ميادين هذه القارة أقربَ إلى ساحات من البراكين المتواقتة في التفجير وفي الخمود. وصولاً راهنياً إلى مرحلة الثورات الجماهيرية المتمردة على فنون الضبط الخارجي لمفاجآتها، والانضباط الذاتي النابع من تناقضاتها العملية والنظرية معاً. هذه الثورات المختلفة التي يُراد تصنيفُها تحت هذه المقولة شبْه السحرية والشاعرية: الربيع العربي، يدرك بعض الفكر الغربي أنها غير قابلة للأدلجة، من أي مصدر دخيل عليها. ليست قومية، ولا طبقية، ولا ليبرالية. مالا يُصدق هو أن ممارسات هذه الثورات على الأرض، ليس لها من محرك أو هدف سوى كلمة واحدة هي: الحرية. يحدث هذا بالرغم من كل محاولات اختطافها وتشويه سمعتها، واضفاء خصائص كل المنفّرات، حتى اللاأخلاقية، على الكثير من انحرافاتها وأضاليلها، بل جرائمها، لأول مرة تصير ثورة عالمثالثية غير قابلة للانطفاء، قادرة على إعادة إطلاق شراراتها الجديدة من رماد جمراتها الخابية عينها. هذه الثورات ‘الربيعية’ يدرك مثقفون غربيون كثر أنها قد تنوب عن يسارهم الفاشل، في التصدي لأول مرة لمركّب الاستبداد/الفساد، متعرياً من أيديولوجياته المستنفدة شكلاً ومضموناً، ومُطارداً ليس في ساحاته الخارجية، أو المناطقية وحدها، وإنما سيُبْتَلَى به الغرب نفسه في عقر داره.

هكذا يحاول الانقلاب الأمريكي الاستنجاد بمخزونه القديم من العنف الدبلوماسي، بديلاً جاهزاً عن خيبات العنف العسكري وتكاليفه الهائلة في كل شيء. ولعلها لم تعد أمريكا، وكل الغرب وراءها كالعادة، مهووسة بتغيير الكيانات القائمة، من سلطوية حاكمة أو شعبية ثورية، مضادة لمصالحها. ولم تعد تتحمل أعباء هذه السياسة التدميرية المطلقة. فلقد أَعجزها التغييرُ إزاء مشكلاتها الذاتية المستعصية، قبل أن يُعجزها التغييرُ والاستجابة المناسبة لتحديات الآخرين؛ وذلك بعد أن تراكمت جولات أمريكا واسرائيل الحربية وأشباهها الخائبة في تحقيق مشروعهما المشترك المسمَّى بالشرق الأوسط الجديد، حيثما تغدو صهيونية إسرائيل هي الحاكمة بأمرها مافوق وعبر دول المنطقة كلها العربية والاسلامية، وتحت مظلة واسعة من القوى العسكرية الضاربة لأمريكا. ثم ما أن انبثقت مقاومة المنطقة بطريقة غير معهودة، وأطل طقس الربيع، مجتاحاً لقلاع عتيدة من منظومة مركّب الاستبداد/الفساد، لم تتبقَّ ثمة وسيلة بيد الغرب سوى التظاهر بسلوك الانصياع للأمر الواقع. فقد أعطى الغرب نفسه صفة شريك الضرورة للثورات الصاعدة، كان اغتيالها، وهو بين صفوفها، أسهل عليه من فتح جبهات المواجهة المباشرة مع طلائعها.

شراكة الضرورة هذه فرضت على الثورات توأمتها بالفوضى من كل نوع تنظيمي أو أيديولوجي، وكانت ثورة سورية هي الضحية الكارثية والكبرى لاستراتيجية هذه التوأمة المشؤومة. وها هي تكاد تدخل مرحلة التصفية النهائية لفصولها المفجعة، مع انتداب دولة الملالي في طهران للإجهاز على ثورات الربيع العربي، وإدخال قارة العرب والإسلام في دياجير الصراعات المذهبية المغرقة للجميع، والقاتلة لأنصارها كما لأعدائها.

تريد أمريكا من العالم أن يقتنع أن إيران يمكن أن تقلع نهائياً عن مسيرتها وراء القنبلة النووية مقابل أن يُعطى لها حق التدخل في مختلف شؤون القارة العربية والإسلامية. فقد يرضيها أن تفوز بإمبراطورية النفوذ بديلةٌ عن إمبراطورية التسلّط النووي. فلماذا إذن لا تنطلق إيران في مرحلة التصالح مع جيرانها العرب، لتتلقى منهم نوعاً من القبول بمشروعية الأمر الواقع الجديد، بدلاً من أن تفرض عليهم هواجس الخوف والتخويف من سلاح التدمير الشامل، هذا الذي لن يتاح لها أبداً استعماله، وإن هي تملَّكت منه.

أمريكا مشغولة بنسج وتصدير سيناريوهات التغيير الافتراضي، في حين يعرف القاصي والداني أنها لم ولن تستطيع تغيّر شيئاً من تضاريس الشرق الأوسط بقوة الافتراضات الخيالية هذه وحدها، بعد أن تخلت عن تعديل خرائط الأشياء بقوة الأشياء، وليس برقصات أشباحها وأوهامها فحسب.

‘ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

إيران.. الآن تحييد الخليج!/ طارق الحميد

من الكويت خاطب وزير الخارجية الإيراني دول الخليج، قائلا: «كونوا على ثقة أن إيران لا تخطو أي خطوة تكون على حساب أي بلد من بلدانكم»، مضيفا أن اتفاق بلاده النووي مع المجتمع الدولي لـ«صالح كل المنطقة واستقرارها وأمنها»، مع قوله: «إننا مستعدون للتفاوض مع شركائنا في أي وقت يرغبون فيه»!

وأعلن وزير الخارجية الإيراني أيضا، أن بلاده تسعى لتوطيد التعاون مع السعودية، حيث يقول: «سوف أذهب للسعودية، ولكن التاريخ لم يحدد بعد، وننظر للسعودية كبلد مهم ومؤثر في المنطقة، ونعمل على تعزيز التعاون معها لصالح المنطقة»! والسؤال الآن: هل انتهى الخلاف الخليجي – الإيراني بعد هذه التصريحات الإيرانية، هكذا بكل بساطة؟ إذا كان الأمر كذلك، أي أن التصريحات «الإيجابية»، و«النيات الحسنة» من قبل إيران، كفيلة بإنهاء كل الخلافات العميقة بين إيران ودول الخليج، فلماذا ننتقد إذن الإدارة الأميركية، أو الرئيس أوباما، لأنهما تجاوبا مع تصريحات إيران، ونياتها الحسنة؟

الأكيد أن الأزمة الخليجية – الإيرانية، أو العكس، عميقة، وخطيرة، ولا يمكن أن تحل فقط بتصريحات، وخصوصا أن الخليجيين، من دون استثناء، يتذكرون عقلانية رفسنجاني ودهاءه، وانفتاح خاتمي ورقيه، ورغم كل ذلك لم يتحقق شيء، وها هي إيران في المكان الذي قد وصلت إليه، فلماذا على الخليجيين اليوم تصديق إيران فقط لمجرد وعود وتصريحات؟ علما أن طهران اليوم، وهذا هو المهم والأهم، في حاجة ماسة لطمأنة الخليجيين، وتحديدا السعودية، وذلك لتحقيق عدة أمور، أهمها تحييد السعودية والخليج للتفرغ للتفاوض مع أميركا، واستغلال إدارة أوباما أكبر قدر ممكن في الأعوام الثلاثة المقبلة. والأمر الآخر هو أن إيران في حاجة ماسة للوقت الآن لإتمام مشروعها النووي الذي يفوق عمره عمر الثورة الخمينية. وبالتالي، فإن طهران تسعى الآن لتحييد السعودية ودول الخليج، للتفرغ للتفاوض مع أميركا، وكذلك من أجل مواصلة مشروعها النووي، الذي يقترب حلم تحقيقه أكثر من أي وقت مضى.

ولو أرادت إيران فعليا كسب السعوديين والخليجيين، كما يقول وزير الخارجية الإيراني، فلا حاجة للتصريحات، والنيات الحسنة، بل إن بمقدور إيران اتخاذ أفعال حقيقية للتدليل على ذلك، ومنها، مثلا، إعلان أن ما حدث ويحدث في البحرين أمر داخلي، وأنه ليس لإيران علاقة به. وفي سوريا، مثلا، ليس المطلوب إخراج الأسد، بل أن تقوم إيران بسحب حزب الله والميليشيات الشيعية من هناك. وإذا أرادت إيران أيضا طمأنة الخليج، فليس عليها الانسحاب من الجزر الإماراتية، بل إن كل ما عليها فعله الآن هو قبول طلب اللجوء للتحكيم الدولي، كما تطلب الإمارات. وهذه كلها خطوات بسيطة، وإذا لم تفعلها إيران، ولن تفعلها بالطبع، فإن على السعودية تحديدا، ودول الخليج، البحث عن استراتيجية واضحة وصلبة، لمواجهة زحف «النيات الحسنة» الإيرانية في منطقتنا، وحولها.

الشرق الأوسط

إسرائيل وإيران “متفائلتان”!/ عبدالوهاب بدرخان

تحرص إسرائيل في كل فرصة ومناسبة على إثارة مسألة أمنها باعتباره مهدداً دائماً وأبداً. ويعامل حلفاؤها وأصدقاؤها أمنها على أنه “مقدّس” ولا شيء يأتي قبله في الأولويات، حتى عندما ترتكب أفظع الانتهاكات لأمن جيرانها. إلا أنها للمرة الأولى منذ تأسيسها – والمرّة الأولى لا تصنع عادةً، كما يقال – تستنتج مضطرّةً أن لا تهديدات مباشرة لها. أما لماذا تبدو “مضطرّة” وربما آسفة، فلأنها خسرت إحدى ذرائع استدراج العطف وابتزاز المكاسب. ولعلها مقبلة على فقد ذريعة أخرى استثمرتها طوال عشرة أعوام وتوشك أن تنتهي صلاحيتها، إذا لم يكن الاتفاق النووي (بين الدول الكبرى وإيران)، وهماً أو سراباً.

وبحسب معلومات نشرت في إسرائيل، فإن مجلسها الوزاري المصغر ومسؤولي الاستخبارات التقوا لمناقشة التقويم السنوي للتطورات في الشرق الأوسط، وتوقعات السنة المقبلة. وذُكر أن المجتمعين خرجوا بـ “مزاج متفائل” لكنهم واظبوا على التعريف بإيران كـ “أهم أعداء” إسرائيل، وإنْ كانوا لا يعتقدون أنها تشكّل خطراً داهماً عليها. واقعياً لم يكن هذا “الخطر” سوى عنوان استخدمته حكومات إسرائيل لتغطية تطرفها في رفض أي سلام مع الفلسطينيين ولتوجيه الأنظار إلى تطرّف إيراني مقابل عبّرت عنه خطب معادية واستعراضات عسكرية، لكن مزوّدة بمخلب صاروخي اسمه “حزب الله” في لبنان. وإذ اعتبر الإسرائيليون أن هذا الحزب “خطر أكبر” عليهم، لأنه يستطيع الضرب في العمق، إلا أن سلوكه اختلف منذ نهاية حرب 2006، حين شغل نفسه في أزمات لبنانية داخلية متواصلة، ثم أنه غرق منذ منتصف 2012 في الحرب “الطويلة نسبياً” في سوريا.

عدا ذلك، يبدو المشهد الشرق- أوسطي مؤاتياً جداً لإسرائيل، فجيوش الدول العربية المحيطة بها ضعيفة ومنشغلة بحروب داخلية، وحكوماتها لم تعد قادرة أو حتى راغبة في ممارسة ضغوط دولية من أجل حل القضية الفلسطينية. والأهم أن المجموعات المتطرفة (أو “الإرهابية”) لا تبدو هي الأخرى مهتمّة بـ “الجهاد ضد إسرائيل”، بل بالدخول في نسيج تحوّلات “الربيع العربي”، مستفيدةً من وصول أحزاب تيار الإسلام السياسي إلى السلطة… ورغم أن هذه هي الحال، فلا سياسيو إسرائيل ولا استخباريّوها يرون أن اللحظة مناسبة لتسوية فلسطينية، بل على العكس يشعرون بأن الوضع العربي يكاد يشبه ما كان عليه قبيل حرب 1948 حين شرع الإسرائيليون في إنشاء دولتهم، أما اليوم، فهم يعملون على “تشريع” الاحتلال وجعله استيطاناً “مشروعاً” بقوة الأمر الواقع.

لعل المشهد نفسه يقدّم كل الأسباب لـ “تفاؤل” إيران وشعورها بالثقة، إذ إن استخدامها الشحن الأيديولوجي ضد إسرائيل أفادها في نهاية المطاف، فالدول الكبرى وبالأخص الولايات المتحدة أظهرت رفضاً واضحاً للخيار العسكري في معالجة الأزمة النووية، أي أنها استبعدت الخيار الإسرائيلي، وبالتالي كان على طهران أن تحدد خياراتها. وها هي، بعد اتفاق جنيف، تجد أن كل الأبواب مفتوحة أمامها، شرط أن تكون مستعدة للعودة إلى المجتمع الدولي كدولة طبيعية، أي مختلفة عن إسرائيل. ولا شك أنها استفادت جداً من تدهور الأوضاع العربية لتبني “نفوذاً”، ما لا تستطيعه إسرائيل، لكن إذا لم يكن أمن إيران مهدداً من جوارها العربي، وإذا لم يكن طموحها إقامة حالات “احتلال” – كما يتهمها سوريون وعراقيون ولبنانيون – فقد آن الأوان كي توضح ما هي الوظيفة الفعلية المبتغاة والمتوقعة لهذا “النفوذ”، أهي التعاون والتبادل والتعاضد؟ في هذه الحال لا بدّ من البحث عن نهج آخر يستبعد أولاً وخصوصاً استراتيجية الشحن المذهبي.

لا يستبعد التقويم الإسرائيلي لتوقعات المستقبل، ولو تلميحاً، الاحتمال المعروف وهو أن إسرائيل وتركيا وإيران محكومة بالتنافس والتنسيق – وبالتالي التهادن – في ما بينها لإدارة نفوذها في منطقة عربية لا يتوقع لها أن تستقرّ في مدى قريب. لذا يقدّم الإسرائيليون “نصيحة” إلى “القيادتين” التركية والإيرانية مفادها أن الخطر الأعظم يأتي من… الشعوب، التي تثور من أجل الحرية والعدالة وتحسين ظروف العيش، لكن ثوراتها لا تنفكّ تنزلق إلى العنف. حبذا لو ينصح الإسرائيليون أنفسهم وهم يحتلّون شعباً وأرضاً ويحافظون على هذا الاحتلال بإرهاب الدولة وجرائم الحرب، فضلاً عن ترسانة نووية.

كاتب ومحلل سياسي – لندن

الاتحاد

رهان الغرب على انعطاف إيران/ برنار غيتا *

الاتفاق المرحلي بين القوى الكبرى وإيران يقضي بأن تعدل طهران عن مساعي حيازة القنبلة النووية، ويعبّد الطريق أمام رفع طوق العقوبات المحكم على اقتصادها، فيتجنب العالم اندلاع حرب وينزع فتيل الانتشار النووي في المنطقة. لكن عنف ديكتاتورية الملالي يثير القلق في الداخل الإيراني وفي الخارج، الإقليمي والدولي. فطهران هي «دولة– عتبة» تلم بالتكنولوجيا النووية وفي إمكانها حيازة قنبلة ذرية حين تشاء. والقدرة على صناعة القنبلة وراء تنديد إسرائيل ودول عربية بالاتفاق. فإسرائيل تنظر بعين القلق الى امكان ارتقاء ايران قوة نووية، فهي الدولة التي تموّل «حزب الله» وتمده بالسلاح في جنوب لبنان. ولا ينفك مرشدها الأعلى يعلن أن زوال اسرائيل وشيك. والدول العربية في سباق مع ايران في الشرق الاوسط حيث تختلط نيران النزعات الدينية بخصومات الدول. وتفتقر هذه الدول الى ضمانة السلاح النووي ولا يسعها ارساء توازن رعب.

ولا يذلل اتفاق جنيف هذه المشكلات. وبعضهم يرى انه نصر إيراني ونجاح في تجاوز عثرات مرحلة عسيرة. لذا، ثمة غضب في المنطقة من الحليف الاميركي الذي ترك الخيار الأمثل: تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران الى أن ينهار النظام امام مد التوترات الاجتماعية والنبذ السياسي. ومخاوف الدول العربية في محلها، ويخشى ان يحمل الاتفاق دول المنطقة على السعي الى الارتقاء أيضاً «دول– عتبة» من طريق حيازة التكنولوجيا النووية. ولكن، وعلى رغم دواعي الحذر ازاء الاتفاق وترجيحه كفة إيران، لا يجوز اهمال احتساب ثلاثة عوامل- وقائع:

– يبلغ النظام الإيراني المحاصر من جهة، والمسلح بميليشيات نافذة ومدللة وثرية من جهة أخرى، أوج قوته حين يحاصره التهديد أينما تلفّت ويضيّق عليه الخناق ولا يترك له متنفساً. فيرص صفوفه، وتشد الأجنحة المحافظة عود لحمتها في وجه الخطر الخارجي. ونموذج كوريا الشمالية هو ما قد تنتهي اليه الجمهورية الاسلامية إذا كان الخيار اليتيم أمامها هو الأفول والتداعي.

– الساحة السياسية الداخلية الايرانية وتضارب المصالح وتنازعها. فالجمهورية الاسلامية هي نظام يمسك فيه المرشد الأعلى بالصلاحيات العليا وتعود اليه الكلمة الفصل. وإيران ليست ديموقراطية. لكنها جمهورية فيها سلطة تنفيذية منبثقة من انتخابات لا تزور نتائجها على الدوام. وهكذا وسع محمد خاتمي الفوز بولايتين في التسعينات، وأفلح حسن روحاني في حزيران (يونيو) الماضي في حشد اصوات المطالبين بالتغيير على اختلاف انتماءاتهم وفاز بالرئاسة. والشعب الايراني كان يتوق الى اتفاق يرفع قيود الحصار عن بلاده، والاتفاق المبرم ينفخ في شعبية الرئيس وفريقه ويعزز مكانتهما في الداخل. وصار المحافظون مضطرين الى التعاون مع الرئيس، وإذا أفلح فريقه في إبرام اتفاق نووي نهائي يرفع العقوبات كلها عن ايران، تربع في صدارة سدة القرار تربعاً يخوله كسر القيود عن الحياة السياسية كما يشتهي الإيرانيون. والمحافظون في وضع لا يحسدون عليه، في وقت ترجح كفة المعتدلين والاصلاحيين في طهران، ورجحان كفتهم واعد. ففي مقدورهم الإشراف على تطور النظام المحاصر، ومبادرة الأوروبيين والأميركيين الى المساومة مع روحاني تبدو في هذا السياق في محلها.

– وإذا تخلت ايران عن القنبلة النووية واندمجت في المجتمع الدولي ارتقت قوة استقرار اقليمي. ولا يستخف بأخطار المساومة معها والرهان على إمكان ابتعادها عن التسلح الذري، لكنهما أقل خطورة من شد حبال القوة، في وقت تظهر علامات إرهاق ايران من الثورة ومن نظام الملالي.

* معلّق ومحلّل، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 27/11/2013، إعداد منال نحاس

الحياة

معركة خليجية وهمية/ ساطع نور الدين

ايران دولة مارقة، خطرة ، لكن بلدان الخليج العربي، لا سيما تلك التي تستجير باسرائيل لمواجهة ذلك الخطر الآتي من الشرق، دول واهمة، تفتقر الى الحد الادنى من الكفاءة السياسية.

التوسع الايراني في العالم العربي والذي بلغ ذروته في العقد الاخير، لا جدال فيه. لكنه شارف الان على نهايته، وهو سيفقد جدواه، ان لم يكن قد فقدها بالفعل. الحرب التي تخوضها ايران في سوريا، والتي لا تحظى بشعبية كبيرة لدى الايرانيين هي بالتعريف البسيط معركة دفاعية عن نظام حليف يتعرض لأشد تهديد في تاريخه، لن يخرج منها سالما، ولن تخرج منها طهران الا مستنزفة اكثر من اي معاركها السابقة دفاعا عن حلفائها العرب.. وهي ايضا تختزل تحديا جديا يواجهه النفوذ الايراني في كل من لبنان والعراق وفلسطين، الذي يتلقى ضربات يومية.

الاتفاق النووي الاميركي الايراني هو في جوهره دليل على ان ايران التي انهكتها العقوبات الدولية اكتشفت الواقعية السياسية ودخلت تبعا لذلك في مرحلة انحدار او انكفاء على نفسها وعلى مشكلاتها الداخلية،ما يستدعي التخلي تباعا عن مشاريعها واحلامها “الامبراطورية” في العالم العربي خاصة، التي كان الجمهور الايراني في غالبيته يعارضها، ويتوقع من رئيسه الجديد حسن روحاني ان يخفف من اعبائها السياسية والاقتصادية، وان يعبر عن الحاجة الشعبية العارمة الى التخلص من النظام الديني، والى التماهي مع الغرب.

لكن دول الخليج، لا سيما السعودية والامارات والبحرين، لم تقتنع حتى الان بان اميركا وروسيا والصين وغيرها من الدول الكبرى التي وقعت على الاتفاق النووي توصلت بالفعل الى صفقة مربحة جدا مع طهران، وربما مؤذية جدا للنظام الايراني ايضا على المدى البعيد، (وتجربة الدول الاشتراكية في انفتاحها على الغرب خير دليل) وما زالت تصر على المطالبة بتصحيح ذلك المسار الدولي الجارف، وتمضي قدما في واحد من اسوأ الخيارات السياسية واخطرها، وهو التحالف الضمني مع اسرائيل، بناء على قراءات مبتسرة للموقف الاسرائيلي من الاتفاق مع ايران، ولما يبدو في الظاهر خلافا بين واشنطن وتل ابيب، ليس الاول من نوعه ولن يكون الاخير، كما أن حله معروف ومحدد سلفا بالمال والسلاح.

للصراع مع ايران مبرراته السورية واللبنانية والعراقية التي لا جدال فيها. لكن إحالته الى معركة دونكيشوتية مع الاسرة الدولية باجماعها النادر الذي تجلى في اتفاق جنيف النووي، يثير الشك في الدراية السياسية للمسؤولين الخليجيين الذين يفترضون ان العالم كله يعمل تحت إمرتهم، وان بمقدورهم تحديه وتغيير سياساته الكبرى.. والذين يزعمون ان بامكانهم ارساء تحالف مع اسرائيل لمواجهة الخطر الايراني.. الذي يدرك الاسرائيليون قبل سواهم انه في طريقه الى الزوال، استنادا الى المصالحة التاريخية التي افتتحها الاميركيون والايرانيون، وقرروا عن سابق تصور وتصميم دفعها الى حدود التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية بين الدولتين والشعبين، والذي لن يستثني باي حال من الاحوال يهود اميركا ولا يهود اسرائيل.

الاشارات التي ارسلها الخليجيون في الاونة الاخيرة الى اسرائيل ، اذا صح ما نشر في الغرب، وتوسلوا فيها التحالف وتوقعوا ان تنطلق الطائرات الاسرائيلية بين لحظة واخرى لتضرب المنشآت النووية الايرانية، لا تدخل في باب العبث، بل هي ترقى الى مستوى المخاطرة، التي يمكن ان يكون ثمنها الامن والاستقرار في الدول الخليجية التي تفتح ابوابها ومكاتبها للاسرائيليين.. وتكسب الاسلاميين الخليجيين المتربصين شرعية اضافية، بل ربما ايضا ذريعة جديدة للانقضاض على العائلات الحاكمة في الخليج.

لم يكترث الاسرائيليون بالعروض الخليجية الاخيرة، ولعلهم لم يأخذوها على محمل الجد، لانها تدعوهم الى الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي باسره، والى هدر فرصة للانفتاح لاحقا على ايران. وما الظهور المتلفز للرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز، الذي ليس دور او تأثير او حتى تقدير لدى الاسرائيليين، في مؤتمر أمن الخليج الذي انعقد قبل اسبوعين في ابو ظبي، امام 29 وزيرا ومسؤولا عربيا واسلاميا، وبينهم موفد رسمي ايراني،صفقوا له جميعا، سوى مؤشر على ان اسرائيل ليست في وارد المضي في تلك المغامرة الخليجية الغريبة.

الخليج قلق من الاتفاق النووي الاميركي الايراني، لكنه قلق ناجم عن اوهام، لن يكون علاجها عند اسرائيل.

المدن

مفتاح الفَرَج في جَيْب روحاني؟/ الياس الديري

ترجِّح عواصم الدول الست التي شاركت في مؤتمر جنيف بقاء المنطقة العربيّة في مهبّ التطوُّرات السوريَّة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وإلى أن ينجلي الموقف الإيراني من اتفاق جماعي وشامل، ينبثق منه الشرق الأوسط الجديد الذي كثُرت الأحاديث والترجيحات عن احتمالاته… إذا كان هناك جديد.

في هذا الوقت تندفع حمم البركان السوري في اتجاه لبنان، حيث وسَّعت التطورات دائرة القتل والخطف والقنص في “ضيافة” طرابلس الفيحاء، بلوغاً عين الحلوة… تأميناً لعدالة “التوازن” بين الشمال والجنوب.

إلا أنَّ ذلك لا يشكِّل مفاجأة غير متوقَّعة. وما لم تطلُّ إيران على المنطقة بترجمة عملية وإيجابيَّة لـ”الاتفاق التاريخي”، فإن حلقة الاضطرابات والمواجهات ستزداد اتساعاً، ازدياد خطورتها على الوضع اللبناني الذي لا يختلف عمّن ينزلق إلى حافة الهاوية.

وتأكيداً لموجة القلق التي تنتاب أصدقاء لبنان عربيَّاً ودوليَّاً، وجدت المفوَّضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان نافي بيلاي أن تزيح الستارة وتُعلن اتهامها الرئيس السوري بشّار الأسد “بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مع ما يترتّب على هذا الاتهام من تداعيات خطيرة”…

إلا أنَّ الأولويَّة دائماً لوقف القتال. لوقف قتل الأبرياء. لوقف الدمار الذي لم تعرف مثله الحروب العالمية، وفي كل أرجاء سوريا. وقبل أن تتغلغل “رقصة الموت الجماعي” في المناطق والمدن حيث الاختلاط والتنوّع لا يختلفان عن صحن السَلَطَة…

منذ اليوم الأول لإعلان “اتفاق جنيف”، قيل بصريح العبارة إن الامتحان الحقيقي لهذا الاتفاق ليس في إيران. ولا حتى في سوريّا. إنما هو في لبنان حيث الشلل والتعطيل يفتكان بالدولة والتركيبة والنظام، وأكثر مما تفعله الطائرات والصواريخ.

غير أن ما حصل، سواء في سوريا أو لبنان، كان العكس تماماً. وكان أن انفجرت الاشتباكات والاصطدامات في طرابلس الفيحاء، وفَلَت الحبل على غاربه في سوريا، في كل سوريا. جوّاً وبرّاً. وبالأسلحة الثقيلة والصواريخ البعيدة المدى.

فإلى أين، وإلى متى؟

وهل صحيح أن النظام يحاول تبليغ مؤتمر جنيف – 2، قبل انعقاده، أنه هو الحلّ الوحيد لهذا الانفلاش المُرعب لكل أنواع القتل والتخريب والتدمير؟

وانطلاقاً من هذه “الخطة” كانت العودة “التكفيريّة” إلى معلولا، وخطف 12 راهبة، ومعها المعارك العنيفة.

لا أحد يجهل، أو ينكر، أو ينفي، أن مفتاح الحل والربط في يد إيران. سواء بالنسبة إلى النظام السوري ورئيسه، أم بما يخصّ دور “حزب الله” في الحرب السوريَّة وعلى نطاق واسع…

ثمة ما يشبه الإجماع على أن مفتاح الفَرَج في جيب الرئيس حسن روحاني.

النهار

الاتفاق النووي الإيراني يمهد لتصور أمريكي جديد للإقليم المشرقي/ د. بشير موسى نافع

وقعت إيران ومجموعة 5 + 1 اتفاقاً مرحلياً حول ملفها النووي في ساعة متأخرة من مساء السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر. لم يكن الحدث مفاجئاً، فالمؤشرات على اقتراب التوصل لاتفاق كانت تتزايد منذ زيارة الرئيس روحاني لنيويورك في أيلول/سبتمبر الماضي. ولكن عدداً من القوى الإقليمية كان يأمل، حتى اللحظة الأخيرة، في أن يفشل المفاوضون في حل ما تبقى من مسائل عالقة. وما إن وقع الاتفاق حتى بدأ ما يعرف بالخبراء في رسم سيناريوهات لخارطة التحالفات والتوازنات في الشرق الأوسط لما بعد الاتفاق.

أصبح واضحاً الآن أن مفاوضات الملف النووي، في جولتها الأخيرة، لم تبدأ بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية، بل قبل ذلك بشهور. بمعنى، أن لا قرار إدارة أوباما، ولا قرار القيادة الإيرانية العليا، ارتبط بفوز المرشح الإصلاحي في الانتخابات. لكلا الطرفين، كان القرار استراتيجياً، مستقلاً عن المتغيرات السياسية الطارئة، وارتبط بما هو أبعد من شخصية الرئيس الإيراني أو رؤية القوى الغربية لهذا الرئيس.

والأرجح أن انتخاب روحاني جاء ليعزز فرص التوجه الإيراني الجديد، ويوفر مسوغاً للمقاربة الأمريكية للعملية التفاوضية. ما دفع إيران للبحث عن تسوية كان حجم الأعباء التي ألقتها العقوبات الغربية، سيما في حزمتها الأخيرة، على عاتق البلاد. في العام الماضي، تراجع إنتاج النفط الإيراني بما يزيد من خمسين بالمئة، وانكمش الاقتصاد بنسبة خمسة بالمئة، وارتفعت معدلات البطالة بما يزيد عن عشرين بالمئة، طبقاً لبعض الإحصاءات.

في ظروف عادية، لم تكن مثل هذه الأعباء لتكسر إرادة دولة إيديولوجية، واضحة التوجهات. ولكن المشكلة أن ثمة تيارا سياسيا معارضا في إيران، يزداد تبلوراً وانتشاراً منذ 2009، وفي حال تفاقمت أزمة الاقتصاد الوطني والمالية العامة، لم يكن من المستبعد أن يصبح التدهور الاقتصادي سلاحاً فعالاً في يد المعارضة. كما إن الأثر البالغ للعقوبات، من جهة أخرى، بات يهدد المكاسب الجيوسياسية التي حققتها إيران في العراق ولبنان وسورية منذ انطلاق حرب جورج بوش الابن على الإرهاب. بكلمة أخرى، أصبح على إيران التضحية بطموحاتها النووية من أجل الحفاظ على وجود الجمهورية الإسلامية والنفوذ الإقليمي القلق الذي أنجزته في العقد الأول من هذا القرن.

أما ما دفع إدارة أوباما للبحث عن تسوية فكان هموماً من نوع آخر، هموم القوى العظمى وهي تواجه إرثاً ثقيلاً للحروب الأمريكية في المشرق العربي ذ الإسلامي، وتحديات اقتصادية واستراتيجية متزايدة في مناطق أخرى من العالم.

منذ توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض، أظهر أوباما تصميماً على وضع نهاية لحروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإعطاء اهتمام أكبر بمصالح الولايات المتحدة في حوض الباسيفيك والتحديات الاستراتيجية التي تمثلها الصين، ما يسمى بسياسة المحور الاسيوي (Asian Pivot). وتدرك إدارة أوباما، كما إدارة سابقة، أن الخيار البديل للدبلوماسية للتعامل مع الملف النووي الإيراني هو الحرب؛ وخيار الحرب، أولاً، ليس مضموناً لوضع نهاية لمشروع نووي موزع في أنحاء بلاد واسعة؛ كما إنه، ثانياً، خيار محفوف بالمخاطر، مخاطر لا تنتهي عند احتمالات الرد الإيراني على أية ضربة توجهها الولايات المتحدة. ولكن أوباما، مستخدماً السيطرة الغربية شبه الكاملة على النظام المالي والاقتصادي العالمي، فرض عقوبات بالغة الضرر على إيران، مؤكداً عزمه على منع إيران من اكتساب القوى النووية.

في لحظة ما، في ربيع هذا العام، التقت تقديرات الطرفين، وأطلقت بالتالي جولة من المباحثات السرية في سلطنة عمان، أوصلت إلى لقاءات نيويورك ومباحثات جنيف. وكانت النتيجة اتفاقاً مرحلياً حتى الآن، يستمر العمل به لستة شهور، بانتظار انطلاق جولة جديدة من المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي. إن التزمت إيران بشروط هذا الاتفاق، وليس هناك ما يوحي برغبتها في عدم الالتزام، فلن يكون لذلك سوى دلالة واحدة: أن إيران تخلت عن حلمها النووي. فرض الاتفاق على إيران إيقاف العمل في منشأة آراك، التي كان يتوقع أن تبدأ في إنتاج الماء الثقيل خلال عام والبلوتونيوم بعد ذلك بعام آخر؛ والتوقف عن تخصيب اليورانيوم عند مستوى أقصاه خمسة بالمائة (مع العلم أن السلاح النووي يتطلب يورانيوم مخصباً لمستوى تسعين بالمئة، أو أعلى)؛ والتخلص مما يقارب 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب عند 20 بالمئة، سواء بالتخفيف مع الخام أو التحويل إلى أوكسايد؛ والتوقف عن استخدام 8000 جهاز طرد مركزي جديدة، تم نصبها بالفعل ولكنها لم تغذ باليورانيوم بعد. في المقابل، سيفرج تدريجياً عما يقارب سبعة مليارات من الأموال الإيرانية، التي جمدت في الفترة الماضية في الولايات المتحدة وأوروبا ودول أسيوية، بفعل العقوبات. ولكن الإطار العام للعقوبات الاقتصادية والمالية الغربية سيبقى في مكانه بانتظار التوصل إلى الاتفاق النهائي.

فما الذي يمكن أن ينجم عن هذا الاتفاق من اثار جيوسياسية واستراتيجية؟ طبقاً لمختلف أطراف التفاوض، كانت إيران، منذ انطلاق لقاءات التفاوض السرية، ترغب في التوصل إلى ما يعرف بالصفقة الكبرى، أي التفاوض على الملف النووي ودور وموقع إيران الإقليمي؛ ولكن الأمريكيين رفضوا مثل هذا المسار، وحصروا المفاوضات بالملف النووي. ولكن ما ينبغي رؤيته أن اتفاق جنيف ولد مناخاً جديداً للعلاقات الإيرانية الغربية، سيما العلاقات الإيرانية الأمريكية. كما أن ستة شهور ليست زمناً طويلاً في العلاقات بين الدول.

وفي حال تم بالفعل التوصل إلى اتفاق نهائي، وهو الأمر الذي أصبح مرجحاً، ستبدأ مفاوضات أخرى حول عدد من الملفات الإقليمية، مثل العراق ولبنان وسورية، ورغبة إيران في أن تصبح شريكاً اقتصادياً وأمنياً في منطقة الخليج. الاتفاق، من جهة، وما يمكن أن يترتب عليه من آثار جيوسياسية، من جهة أخرى، أطلق سلسلة من التخمينات والتوقعات والمخاوف، سواء في السعودية أو الدولة العبرية، أو ما يتعلق بتصور الولايات المتحدة لخارطة منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية وتوازناتها.

يمثل الاتفاق ضربة ثقيلة للسياسة السعودية الإقليمية. مخاوف السعودية لا تتعلق بما يشاع من تفريط غربي في ‘كبح جماح إيران النووي’؛ فالسعودية، كما غيرها، تدرك أن الاتفاق جاء أقرب إلى أقصى المطالب الغربية من إيران، منه إلى طموحات إيران النووية. ولكن السعودية تخشى أن يكون الاتفاق مقدمة لرفع الضغوط السياسية والاقتصادية عن إيران، وإعادة تأهيل إيران إقليمياً، بموافقة وتأييد من واشنطن. بمعنى استقرار العراق ضمن دائرة النفوذ الإيراني، واختلال التوازن في لبنان لصالح حلفاء إيران، وبقاء الرئيس السوري، بصورة أو أخرى، في موقعه. أطلقت هذه المخاوف، إضافة إلى توترات سابقة في العلاقات السعودية الأمريكية، غضباً سعودياً على سياسة أوباما، وولدت تخمينات باحتمال بحث السعودية عن تحالفات دولية جديدة، بديلاً عن التحالف اللصيق والمستمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مع الولايات المتحدة.

كانت الدولة العبرية، سيما رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، الطرف الإقليمي الثاني الذي صدع بمعارضته للاتفاق، وأبدى شكوكاً حول مصداقيته. ولكن نتنياهو، كعادته، يمارس التشبيح والابتزاز السياسي، أكثر من القلق من الاتفاق. مصادر أمريكية تقول إن أجهزة الأمن الإسرائيلية أكدت لنتنياهو أن الاتفاق يضع حداً لمسيرة المشروع النووي الإيراني؛ والواضح أن نتنياهو يستهدف الضغط باتجاه تجريد إيران كلية من مقدرات التخصيب في الاتفاق النهائي. ولكن قلق نتنياهو من الآثار الجيوسياسية للتوافق الأمريكي الإيراني تختلف عن القلق السعودي. تعتبر كل من الدولة العبرية والسعودية من أكثر الدول نفوذاً في واشنطن، ولكن أياً منهما لم تستطع التأثير على مسار التفاوض حول الملف النووي ولا يبدو أنها استشيرت في اللحظات السابقة على التوصل لاتفاق. وهذا هو المشترك بينهما: تراجع تأثيرهما على القرار الأمريكي الاستراتيجي في محيطهما الإقليمي ذاته. بغير ذلك، لا النفوذ الإيراني في العراق ولا سورية ولا لبنان يشكل هماً كبيراً للإسرائيليين، طالما أن الولايات المتحدة استطاعت، وضمنت، تغيير السلوك الإيراني في المنطقة.

وهذا ما يستدعي محاولة رؤية ما تريده الولايات المتحدة من هذه الخطوة الكبيرة تجاه إيران. ما ينبغي تذكره ليس فقط أن هذا الاتفاق مرحلي، وأن الاتفاق النهائي لم يزل مجرد احتمال، حتى إن كان احتمالاً مرجحاً، ولكن أيضاً أن الاتفاق يبدأ عملية سياسية قد تطول، وستتناول ملفات إقليمية شائكة، ليس من السهل أن يجد الأمريكيون والإيرانيون نقطة التقاء عندما يبدأ التفاوض حولها. ما يمكن رؤيته الآن أن إدارة أوباما تعلمت من إدارة بوش أن هناك حدوداً لما تستطيع الحرب تحقيقه، وأن سياسة الحروب في المشرق الإسلامي سرعان ما تأتي بنتائج معاكسة لما خططت له. ولأن الولايات المتحدة تجد من الضروري أن تبذل جهداً أكبر لمواجهة التحدي الصيني المتسارع، أصبحت أكثر استعداداً لإجراء تغيير جوهري لمقاربتها لشؤون الشرق الأوسط.

وستساعد علاقات أفضل مع إيران على تأمين الدولة العبرية، على تعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب الإسلامي (السني)، وعلى التحكم في أطراف توازن القوى المشرقي. تدافع القوة بين إيران والسعودية وتركيا (على أساس أن مصر وسورية والعراق خارج هذ التدافع الآن)، ليس جديداً. ولكن ثمة فرقا شاسعا بين أن يعمل أحد أطراف التدافع الرئيسيين ضد المصالح الأمريكية، وأن تكون الأطراف جميعها على علاقة جيدة مع واشنطن.

مهما كان الأمر، فالولايات المتحدة لن تدير ظهرها لا للدولة العبرية ولا للسعودية؛ ولكنها سترحب بعضو جديد إلى نادي الصداقة. بيد أن هذه العضوية لن تنجز إلا بعد تقليم أظافر الوافد الجديد، بدون أن يؤدي تقليم الأظافر إلى شل فعاليته. وبالرغم من القفزات السعودية والإسرائيلية باتجاه الصين وروسيا، مرة، واتجاه فرنسا، مرة أخرى، فليس من سبيل للهروب من العلاقة الأمريكية. ما قد يحدث، ربما، أن كلتا الدولتين ستصبح أكثر طواعية في علاقتها مع واشنطن. هذا، بالطبع، عندما تصل هذه العملية الطويلة والشاقة إلى نهايتها، إن كان لها من نهاية.

‘ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

مستجدات العلاقة الأميركية – الإيرانية أمام القمة الخليجية/ راغدة درغام

ليس سراً أن هناك تبايناً في الآراء بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي نحو كيفية التعاطي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأصابعها الأخطبوطية الممتدة من العراق إلى سورية إلى اليمن إلى لبنان. القمة الخليجية المزمع عقدها في الكويت الأسبوع المقبل لن تقفز على «الفيل في الغرفة»، بالذات بعد الاختراق في العلاقة الأميركية – الإيرانية عبر الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وطهران. التحدي الكبير الذي يواجه قادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات هو تحديد نوعية الخطاب السياسي الخليجي على ضوء التطورات التاريخية الأخيرة. قادة ايران يتحدثون بنبرة الطمأنة وبلغة «مأسسة التعاون» فيما يوزعون الأدوار التصعيدية على حلفائهم في العراق وسورية واليمن ولبنان. هذا الأسلوب يفرض على قادة دول مجلس التعاون الخليجي ضبط النفس والانضباط قليلاً أمام السياسة الإيرانية الجديدة ذات الابتسامة العريضة جداً وتلك التقليدية بأذرع الأخطبوط الممتدة في المنطقة العربية وما بعد.

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح تعمد اتخاذ خطوة ضرورية في لمّ الشمل الخليجي فبادر إلى عقد قمة ثلاثية مصغرة جمعته مع خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل خليفة. تلك القمة المصغرة تشكل حجر أساس للرئاسة الكويتية لمجلس التعاون الخليجي في مساعي إزالة الشوائب في العلاقات الخليجية – الخليجية والخليجية – الإيرانية، والخليجية – المصرية، والخليجية – السورية، والخليجية – اليمنية، والخليجية – العراقية فالهدف الكويتي هو أن تكون قمة الكويت خليجية بامتياز بلا تواجد إيراني أو دولي – كمراقب – كما حدث سابقاً.

الشيخ صباح الأحمد اكتسب عبر السنوات سمعة حسن قراءة الخريطة العربية وإتقان فن التهدئة والوساطة. ما تسعى وراءه الديبلوماسية الكويتية هو أن تكون القمة الخليجية الأولى منذ الاتفاق النووي وإطلاق ديبلوماسية الابتسامة العريضة الإيرانية – قمة السياسة الواقعية.

دولة الإمارات أخذت منعطفاً في هذا الاتجاه منذ أدركت أن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا مع ايران ليس موقتاً ولا عابراً. فالديبلوماسية الإماراتية استنتجت أن تحولاً جذرياً طرأ على العلاقة الأميركية – الإيرانية، كما على موقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الخريطة الإقليمية وفي إطار العلاقات الدولية. وعلى أساس هذا الاستنتاج، أضفت الديبلوماسية الإماراتية الواقعية السياسية على استراتيجيتها نحو طهران وانطلقت الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات بين البلدين.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي أصبح وجه سياسة الابتسامة العريضة زار أبو ظبي هذا الأسبوع ونقلت وكالات الأنباء عنه أنه حضّ على «مأسسة التعاون» بين الجانبين مؤكداً أن بلاده تريد «الاعتدال والوسطية والعقلانية في العلاقات الدولية»، بما يتيح «تضافر الجهود لتسوية القضايا الإقليمية» معتبراً أن «الاستقرار والأمن مرهونان باعتماد السبل السياسية بدل تلك العسكرية».

الملفت هو أن تصريحات الجانبين خلت من الإشارة إلى الجزر الإماراتية الثلاث التي تعتبرها الإمارات مُحتلة من قِبَل ايران وترفض طهران هكذا وصف لوضعها. تحدّثا في أمور «التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف والإقليمي مع كل دول المنطقة» وشددا على «إزالة أي عقبات» وعلى «إمكان زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين»، كل هذا في الوقت الذي كانت اختلفت سياسة البلدين جذرياً علناً بالذات نحو سورية، بالأمس القريب. أما بعد قراءة موقع ايران الجديد على الساحة الدولية، تبدو الديبلوماسية الإماراتية جاهزة لاستنباض آفاق التفاهم مع طهران لعله يكون الأسلوب الأنجع في إحداث تغيير في أنماط السياسة الإيرانية نحو سورية وغيرها في المنطقة العربية.

عُمان منذ البداية تبنّت موقفاً مختلفاً عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي نحو ايران وفي سورية. عُمان استضافت المفاوضات السرّية الأميركية – الإيرانية. وطهران اعتبرت زيارة السلطان قابوس بن سعيد لها أخيراً «منعطفاً في العلاقات» العمانية – الإيرانية. إلا أن الديبلوماسية العمانية، ومنذ زمن طويل، اعتمدت الحوار وترطيب الأجواء مع ايران سياسة أساسية لها، على أي حال، ما يجعل وصف العلاقات بأنها وصلت «منعطفاً» جديداً ملفتاً، سيما عشية القمة الخليجية.

البحرين توافق الديبلوماسية السعودية تشخيصها للدور الإيراني وهي تشعر أنها في واجهة الضرر الإيراني لاستقرار الخليج. ما تركز عليه ديبلوماسية البحرين ويعتزم مؤتمر «حوار المنامة» – الذي يعقد خلال هذه العطلة الأسبوعية – التركيز عليه هو الأمن الخليجي بعد الاختراق الذي حدث في العلاقة الأميركية – الإيرانية. مشاركة وزير الدفاع الأميركي، تشك هايغل، في «أحوال الممانعة» إنما هو دليل على الرغبة الأميركية في التحدث إلى دول مجلس التعاون الخليجي عن استمرار الاهتمام الأميركي بالأمن الخليجي – حتى ولو كان على أسس مختلفة.

أما قطر فإن مواقفها نحو مصر هي البارزة في خروجها عن الدائرة الخليجية. ومواقفها نحو ايران في العهد الجديد عادت إلى التآخي سيما بعدما استنتجت الديبلوماسية القطرية أن الولايات المتحدة قفزت إلى علاقة نوعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشكّل منعطفاً بأبعادٍ مهمة لها في أماكن مثل سورية. التراخي في الديبلوماسية القطرية نحو الملف السوري – الذي كان شكّل لها نقطة افتراق مع ايران – إنما يشكل سياسة جديدة للدوحة. كذلك الكلام عن احتمال استعادة الدوحة دور الموفِّق في لبنان عبر مد الأيادي إلى «حزب الله» التابع لإيران مع وقف التنفيذ. والسبب هو التصريحات الأخيرة للسيد حسن نصرالله، الأمين العام لـ «حزب الله»، والتي وجهت الاتهام إلى المملكة العربية السعودية بالضلوع بعملية تفجير السفارة الإيرانية في بيروت. ففي مثل هذه الحالات، يصطف الخليجيون معاً رفضاً لمثل هذا الاتهام لأحدهم.

توقيت تصريحات «حزب الله» التصعيدية نحو السعودية يتزامن مع حملة الطمأنة الإيرانية عبر جولة جواد ظريف الخليجية أثار الشكوك بأن طهران تتعمد توزيع الأدوار لإبلاغ الرسائل المتضاربة. ثم إن التدقيق في ما يقوله جواد ظريف حول نوعية التفاهم الذي يدعو إليه مع دول مجلس التعاون يثير الحفيظة الخليجية. فهو يتحدث عن نوعٍ من العقد بين دول مجلس التعاون والعراق وإيران، ينهي الوجود العسكري الأميركي والقواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. كذلك يقرأه الخليجيون بأنه كلام ملغوم هدفه رهن استقرار الخليج بالدور الإيراني الإقليمي ووضع المنطقة المهمة دولياً كممر دولي للطاقة تحت سلطة القرار الإيراني.

هذه المسائل ستبرز في القمة الخليجية في الكويت لأن الدول الست – مع اختلاف مواقفها وعلاقاتها مع طهران – تدرك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تخرج من القمقم جنية ساحرة جديدة وإنما سياساتها الإقليمية لم تتغير قطعاً. ما تغيّر هو التقبل الدولي لإيران الانفتاح. ما تبدّل هو الموقف الأميركي من طهران ومن الدول الخليجية.

وعليه، إن ما ستتطرق إليه القمة الخليجية هو محاولة التعرّف إلى وسع أو ضيق المساحة الجديدة في العلاقات الأميركية – الخليجية على ضوء مستجدات العلاقة الأميركية – الإيرانية. فمن ضمن التحديات الكبرى للدول الخليجية هو التعرف إلى الرادع الأمني العسكري لمنطقة الخليج إذا كان هناك استعداد للتوقف عن الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة. روسيا لن تكون البديل عن الولايات المتحدة. فموسكو هي الحليف لإيران قبل واشنطن. أوروبا مترهلة ولن تكون البديل. ولعل قمة الكويت تطلق الحديث الضروري عن إنماء الاعتماد الذاتي في تأمين الرادع الأمني العسكري لها.

ستبحث القمة في الوضع الخطير في اليمن لأنه بوابة الاستقرار في الجيرة الخليجية ولأن ايران مستمرة في دعم الحوثيين وتوزيع أدوار أخرى لها عبر حلفائها – بمن فيهم «حزب الله» – في الحرب اليمنية. لعل القمة الخليجية تتطرق إلى المسبّبات في تدهور الوضع في اليمن. وهناك من يدعو إلى إجماع ضروري بين الدول الخليجية حول اليمن. المهم، أن اليمن عادت إلى صدارة القلق الخليجي وهي أيضاً مرآة لذراع من الأذرع الأخطبوطية الإيرانية في الدول العربية.

إنما على القمة الخليجية ألاّ تقع في فخ الذعر من ايران الانفتاح أو من العلاقة الأميركية – الإيرانية. وعليها أن تواجه الخلافات بين الدول الست واختلاف وسائل مواجهتها للتوغّل الإيراني في الدول العربية. وهي، بالضرورة، مُطالبة بالتفكير العميق في وسائل غير تلك القائمة على مواجهة التطرف بالتطرف والنار بالنار، إن كان في سورية أو لبنان أو العراق أو اليمن. فإنماء التطرف سيما عبر المتطوعين الجهاديين الجدد سيرتد على مَن يقوم بإنمائه. فهذه مجموعات لا أمان بها ولها ارتداد.

حال اللاستقرار والشعور باللاأمن ليسا فقط حال الشرق الأوسط وإنما هما أيضاً حال الخليج مع اختلاف المسببات والنسب. على القمة الخليجية التنبه إلى ضرورة التطرق إلى الأمن والاستقرار بمفهوم جديد وبتصور تجددي. فالشعوب العربية – بما فيها الخليجية – تتوق إلى تمكنها يوماً من العيش بطبيعية بدلاً من القفز الدائم على أنغام اللاأمن وأوتار اللااستقرار. وهذا يتطلب رؤيوية جديدة يجدر بالقمة الخليجية في الكويت الجرأة على الخوض في صياغتها.

الحياة

الاتفاق الإيراني – الغربي في مرآة الوضع العربي/ خالد غزال *

بعيداً من ديماغوجيا ادعاءات النصر الإيراني الإلهي وجبهته ضد «الشيطان الأكبر»، فقد جرى الوصول الى اتفاق بين الدول الغربية وإيران تنازلت إيران بموجبه عن معظم المسائل التي كانت تعتبرها خطوطاً حمراء لا يمكن المس بها حول برنامجها النووي، فقبلت بوقف تخصيب الـ20 في المئة، وأخضعت منشآتها للتفتيش اليومي، وأوقفت بناء بعض المفاعل، وقبلت بنسبة من التخصيب الذي لا يتجاوز الخمسة في المئة، «فتجرعت السم» الذي سبق للخميني ان تجرعه في القرن الماضي عندما أجبر على توقيع صلح مذل مع العراق. في المقارنة بين حجم «اللاءات» التي كانت تقول بها إيران لعقود سبقت، وحجم «النعمات» التي اضطرت اليها، لا يخرج أي مراقب بانطباع عن نصر تحقق، بمقدار ما يتبدى له حجم الخسائر التي اضطر الإيرانيون لدفعها. مما لا شك فيه ان حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي باتت تهدد مجمل النظام الإيراني، والناجمة عن العقوبات الغربية المفروضة على إيران، كان العامل الرئيس في ذهاب الحكم الإيراني الى القبول بتوقيع «اتفاقات مهينة» وفق ما قال به بعض الإعلام الإيراني نفسه.

في المقابل، وبالعودة الى الموقف الغربي، وخصوصاً منه الأميركي، جاء توقيع الاتفاق في سياق قناعة بوصول إيران الى التسليم بالشروط الغربية في شأن برنامجها النووي، وفي ظل استبعاد كامل لعملية عسكرية أميركية، لم تكن واردة أصلاً سوى في الإعلام، حيث ان الاتصالات الأميركية – الإيرانية لم تنقطع يوماً، وان الإدارة الاميركية، بشقيها الجمهوري والديموقراطي، كانت ترى الى النظام الإيراني في وصفه حاجة أميركية في سياق استراتيجية الولايات المتحدة تجــاه المنطــقة العربية والشرق أوسطية.

وما جرى الحديث عن تنازلات غربية لم يكن سوى تقليص عقوبات على إيران «من كيسها»، وليس عبر تقديمات أميركية اوغربية. هذا لا يمنع القول ان كسباً إيرانياً محدوداً قد حصل، لكن لا علاقة له مطلقاً بـ «النصر المبين».

أثار الاتفاق نقاشاً لم ينقطع بعد في العالم العربي، سواء على مستوى الأنظمة الرسمية او المؤسسات السياسية او النخب. يستحق الأمر مناقشة فعلية لكون إيران لم تعد تشكل خارجاً بالنسبة للمنظومة العربية بمقدار ما تحولت فاعلاً في الأحداث الجارية راهناً والمتصلة بالماضي البعيد والقريب. كانت ايران، منذ عهد الشاه، وبعده حكم الملالي، ترى في العالم العربي مدى حيوياً لنظامها، ومجالاً لنفوذ متعدد الجوانب.

اعتمدت إيران في اندفاعتها ايام الشاه على أيديولوجيا قومية فارسية قورشية تسعى الى استعادة الامبراطورية الفارسية التي يعود تاريخها الى زمن بعيد، والتي تعتبر ان أجزاء واسعة من المنطقة العربية هي «حقوق تاريخية» للأمبراطورية، فاحتلت بعض الجزر في الخليج وظلت عيونها ترنو الى مزيد من التوسع والهيمنة.

اعتـــمد حكم الملالي على المنظومة القومــية نفسها التي كانـت للـــشاه، وأضافت اليها الأيديولوجيا المـــذهـــبية المستـــندة الى الصراع التاريخي على السلطة في الإسلام، خصوصاً ما بات يعرف بالصراع السني – الـــشيعي. هـــكذا شحن الحـــكم الـــجديد القومية بالدين، وانطلق في خطة لمد نفوذه في معظم العالم العربي، مســـتفيداً من الفراغ الحاصل في المنطقة، ومعتمداً على السياسة الأميركية نفسها في تسهيل هذا النفوذ، خصوصاً في العراق وسورية.

هكذا شهدنا، قبيل الانتفاضات العربية، هجمة غير مسبوقة لمعسكر إيران في المنطقة، امتدت أذرعه من لبنان الى سورية والعراق واليمن، ناهيك بمحاولة وضع اليد على القضية الفلسطينية نفسها. توهم المشروع الإيراني ان سيطرته على المنطقة باتت على مرمى حجر، الى ان فوجئ بالانتفاضات العربية خصوصاً في أحد أعمدة السياسة الإيرانية اي سورية. تفرملت الاندفاعة الإيرانية، وبدت خطتها في دائرة الخطر، وهو ما جعلها تفتح ذراعيها لأي اتفاق مع الغرب، يسمح لها باستئناف توجهها التوسعي في المنطقة العربية.

من حق العالم العربي ان يقلق من المشروع القومي المذهبي لإيران الذي يستعيد ليس فقط حلم أيام قورش، بل يسعى الى انتقام من التاريخ الإسلامي نفسه الذي كان وراء قيام المذهب الذي تعتنقه. إضافة الى ذلك، ينجم الخوف العربي من التلاعب الأميركي والغربي بمصائر الشعوب العربية نفسها، وغض النظر عن التوجهات الإيرانية. لا شك في ان القلق الأكبر هو الناجم عن الوضع العربي نفسه، الذي يعيش اليوم مرحلة تبدلات في السياسات الدولية شبيهة بتلك التي عرفتها القرون السابقة والتي تمخضت عن اتفاقات دولية خلقت دولاً وألغت أخرى.

فالعالم العربي يعيش ذرى أزمته وتفككه الناجمة عن افتقاده الى القوة والتنظيم والتضامن في مواجهة ما يجري التخطيط ضده. والجامعة العربية التي كانت تشكل إطار التوحيد العربي تعيش في سبات وعزلة وانعدام للفاعلية. والفوضى الكيانية العربية تعم أقطار المنطقة وتنتج «أبدع» ما عندها من الحروب الاهلية والفتن المذهبية وطوفان حركات التطرف والإرهاب. وهو وضع يغري إيران ومن معها في استغلال هذا الواقع لمد اليد على هذه المنطقة وتكريس نفوذها فيها.

لن يكون مستغرباً ان تذهب إيران بعيداً في تحالفها مع الولايات المتحدة والغرب، وتقديم نفسها «شرطياً» مكلفاً بضرب الإرهاب والحركات التكفيرية، وهو أمر يلاقي هوى غربياً لانه لا يكلف المعسكر الغربي اي ثمن. فيما لا ترى إيران في الأمر مخالفة لادعاءاتها الأيديولوجية في هذا التحالف، وهي التي لم تر سابقاً في العلاقة مع اسرائيل ما يخالف هذه العقيدة عندما كانت في حرب مع العراق، وانفتح بينها وبين اسرائيل سوق التسليح والاقتصاد على غاربه.

* كاتب لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى