صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني وتأثرها على الأوضاع في المنطقة

 

الاتفاق مع إيران لأوباما… و «دولة داعش» لأهل المنطقة!/ جورج سمعان

نجحت سلطنة عمان في السابق. ولا شيء يحول دون نجاحها هذه المرة أيضاً في فتح كوة في الجدار. وكسر الجمود الذي يعتري المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني. تعتقد الديبلوماسية العمانية بأن الطرفين الأميركي والإيراني دخلا النفق مدركين أن ثمة مخرجاً في النهاية. نجحت سابقاً في سعيها إلى دفعهما نحو مدخل النفق وتبديد الكثير من أجواء انعدام الثقة التي خيمت لثلاثة عقود بينهما. والتفاهم الذي قام بينهما عشية الحرب على نظام «طالبان» في أفغانستان، ثم على نظام الرئيس صدام حسين، يمكن أن يتكرر في الملف النووي. صحيح أن هذا الملف يختلف تماماً. وأن طهران أفادت من إزاحة قوتين ناصبتاها العداء وقضّتا مضاجعها. لكن الصحيح أيضاً أنها تحتاج اليوم إلى إعادة فتح الأبواب أمام إعادة بناء علاقاتها مع الغرب عموماً. مثلما تحتاج الولايات المتحدة إلى استقرار منطقة الشرق الأوسط لأهداف كثيرة. بينها أمن إسرائيل وإعادة إطلاق التسوية السلمية. وتأمين مناطق النفط وممراته ومضائقه. والمساعدة في الحرب على الإرهاب.

تحتاج إيران إلى علاقات طيبة مع أميركا وأوروبا من أجل إعادة بناء اقتصادها. هي تعرف أن روسيا ليست بديلاً عن علاقاتها بالغرب، بل هي لا تثق بها كثيراً استناداً إلى تجارب الماضي القريب وليس البعيد فحسب. وعلمتها هذه التجارب أن موسكو أدارت لها الظهر مراراً. وقايضت واشنطن وساومت ولا تزال مستعدة للمساومة. وساهمت في إقرار حزم العقوبات التي تبناها مجلس الأمن، فضلاً عن أنها إحدى القوى التي تفاوضها لمنع امتلاكها برنامجاً نووياً عسكرياً. وفوتت الكثير من الوقت في إكمال تعهداتها الخاصة بمفاعل بوشهر. وتراجعت عن صفقات تسليح اعتبرتها طهران حيوية، خصوصاً «إس إس 300». ورضخت لضغوط أميركية وإسرائيلية أيضاً في هذا المجال. وتعرف النخب الدينية الحاكمة في الجمهورية الإسلامية أن غالبية الإيرانيين ترغب في إعادة بناء الجسور مع الولايات المتحدة. أي أن الشارع الإيراني بخلاف الشارع العربي لا يرى إلى نفسه معادياً للأوروبيين والأميركيين معاداة عامة العرب لهم. وهذا ما أتاح ولايتين لمحمد خاتمي. وهذا ما جاء بالرئيس حسن روحاني. وأبعد من كل هذه الاعتبارات تشعر إيران بأن حروبها الخارجية تستنزف قدراتها الاقتصادية والمالية وترسانتها العسكرية، من العراق إلى سورية ولبنان واليمن وحتى غزة. فليس قليلاً أن تتحمل أعباء نفقات السلاح الروسية إلى دمشق. وأن تتكفل بمعظم الفواتير التجارية لسورية، فضلاً عن الرواتب وتقديمات أخرى للميليشيات التي تقاتل في بلاد الشام. وأخيراً وليس آخراً ستواجه مزيداً من المصاعب مع استمرار هبوط أسعار النفط العماد الرئيسي لتمويل موازنتها العامة.

وتحتاج الإدارة الأميركية هي الأخرى إلى اتفاق يضمن عدم قدرة طهران على صنع سلاحها النووي. الخيار العسكري ليس وارداً. ولم يكن وارداً حتى في أيام الرئيس السابق جورج بوش الا،بن على رغم التهويل الذي رافق «حروبه الاستباقية». ولم يأتِ رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي بجديد. أقر بأن «قصف إيران سيؤدي إلى تأخير برنامجها النووي، لكنه لن يقضي عليه». وبالطبع، ليس في قدرة إسرائيل أن تشن مثل هذه الحرب وحيدة، بل تخشى مثل هذه المغامرة غير المضمونة. لا بديل من الاتفاق السياسي إذاً. وهذا ما شدد عليه الرئيس باراك أوباما وهو يعترف بخسارة حزبه أمام الجمهوريين في الانتخابات النصفية الأخيرة. الأولوية في سياسته للسنتين الباقيتين من ولايته الثانية، إبرام اتفاق مع الجمهورية الإسلامية «يحظى بثقة دولية». ولولا هذا الهدف الذي سعى إليه منذ ولايته الأولى لما بعث بأربع رسائل إلى المرشد السيد علي خامنئي. ناهيك عن الرسائل المفتوحة التي وجهها إلى الشعب الإيراني في مناسبات عدة.

عملياً لم يبقَ أمام الرئيس أوباما متسع من الوقت لتحقيق أي تسوية في قضايا الشرق الأوسط. وهي كثيرة ولا حاجة إلى تعداد الإخفاقات التي مني بها. لم يبق أمامه سوى إنجاز وحيد يؤرخ به لولايته وهو إبرام اتفاق مع إيران. مثل هذا الإنجاز سيمحو شيئاً من آثار الصفعة التي تلقاها من خصومه الجمهوريين. والسؤال هل يقدم الآن، أم ينتظر لئلا يفسر هؤلاء خطوته تحدياً لأكثريتهم في مجلسي النواب والشيوخ؟ لا يستطيع إضاعة مزيد من الوقت. يجب أن يتحرك قبل انعقاد الكونغرس مطلع كانون الثاني (يناير) المقبل. وليست هذه عقبة كبيرة، إذ يمكنه أن ينجز الاتفاق من دون العودة إليه كونه ليس معاهدة. أما العقوبات على إيران التي تحتاج إلى تشريع لإلغاء القوانين الخاصة بها، فيمكنه تعليقها ووقف تنفيذها تالياً.

لقاء وزراء الخارجية الأميركي جون كيري والأوروبية كاثرين آشتون والإيراني محمد جواد ظريف في مسقط ينتظر أن ينتهي اليوم بتفاهم على «اتفاق إطار» جديد يسهل نجاح جولة المفاوضات المقبلة قريباً قبل نهاية المهلة في الرابع والعشرين من الجاري وتحقيق اختراق تاريخي. ويمكن عُمان التي تتمتع برصيد لدى كل من واشنطن وطهران، أن تساهم في ردم الهوة بين الطرفين. وهي تعي كما كل المعنيين بالملف النووي أن فشل المفاوضات سيدفع الجمهورية الإسلامية إلى التعجيل في برنامجها النووي العسكري. ولن يكون عليها فعل الكثير لأن ترسانتها الصاروخية باتت جاهزة لاستكمال البنى التي يحتاج إليها هذا البرنامج. وتعي أيضاً أنها لن تكون بعيدة من التداعيات السلبية لأي فشل على الصراع المذهبي المتصاعد في معظم أرجاء المنطقة.

المتفائلون بتحقيق اتفاق بين إيران والدول الكبرى الست، في ضوء لقاءات مسقط، يبشرون بتغييرات جذرية في صورة الشرق الأوسط. لعل في ذلك مبالغة. أي اتفاق سيحدث صدمة وتداعيات على مجمل العلاقات بين دول المنطقة وبينها وبين الدول المؤثرة والفاعلة. سيلجم سباق التسلح ويهدئ مخاوف أطراف وقوى مثلما قد يثير مخاوف أطراف وقوى أخرى. والأهم من ذلك أنه سيفتح ملفات القضايا المشتعلة في العالم العربي، وقد يزيدها اشتعالاً. وقد صرح الوزير كيري بأن الحوار واللقاءات مع المسؤولين الإيرانيين لا تتناول حتى الآن القضايا الإقليمية، وأن ليست هناك مقايضة أو ربط بين كل هذه الملفات. لعل وزير الخارجية لم يجافِ الصواب. فالجانب الوحيد الواضح في استراتيجية إدارته كان ولا يزال السعي إلى إقفال الملف النووي الإيراني. فيما الغموض والارتباك يسودان سياساتها حيال التداعيات التي خلفتها وتخلفها الرياح العاصفة من شمال أفريقيا حتى العراق. ولـــيس في الأفق ما يشي بأنها ستكون قادرة على التعامل مع كل هذه النيران. وليس لديها الوقت الكافي لذلك. ستظل الملفات مفتوحة للإدارة المقبلة.

الرئيس أوباما كان واضحاً في كلمته الأخيرة. فإلى الاتفاق الذي يسعى إليه مع إيران، أكد أنه سيواصل ضرب «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية «من دون العمل على حل كل الوضع في سورية». وهو في هذا الجانب كان وفياً لوعده الأول بمواصلة الحرب على الإرهاب. لكنه لن يجازف في رسم الخريطة الجديدة للمنطقة العربية. لم يفعل ذلك منذ أن عصفت بها رياح التغيير. ولن يفعل في أي أزمة أكثر مما فعل في العراق الذي لم يعد وقد لا يعود دولة مركزية. بات لكل مكون عرقي أو مذهبي «دويلته» الخاضعة لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك. وهذه حال ليبيا واليمن. أما سورية التي لن يجد لها حلاً، فلن يكون مصيرها أفضل. حربها الأهلية باتت حروباً أهلية مع قيام «داعش» وتشتت فصائل المعارضة. جل ما قد يبتغيه اليوم هو تجنيب حلب مصير كوباني التي سيظل مستقبلها معلقاً. لن يكون الحسم رهن القوى العسكرية المتصارعة بمقدار ما بات رهن العوامل السياسية الداخلية والخارجية التي تواكب مسرح العمليات. تركيا تريد حصة كبيرة في سورية. وتريد تصفية حسابات إقليمية ودولية فيها. ولا تشكل عين العرب سوى نموذج صغير. لا تريد أنقرة سقوطها بيد «داعش»، لكنها لا تريدها أيضاً في أيدي «حزب الاتحاد التركي» لقربه من «حزب العمال». وصالح مسلم لا يريد مساعدة كبيرة من «البيشمركة» لئلا تتحول المدينة جزءاً من مصالح إقليم كردستان ورئيســـه مسعود بارزاني. ولا يريد عون «الجيش الحر» لئلا يندرج لاحقاً تحت مظـــلة «الائتلاف الوطني». والتحالف الدولي – العربي يحـــاذر من أن ينتهي طرد مقاتلي أبو بكر البغدادي من كوباني بعـــودة جنــــود الرئيـــس بشار الأسد إليها. وقد يتكرر النمـــوذج نفـــسه في حلب قبل أن تنطلق فيها المواجهة الكبرى. لن يكون بمقدور طرف وحيد الإمساك بالمدينة. النظام يمنّي النفس باستـــعادة نصفها الآخر بعون روسي وإيراني خصوصاً. والفصائل المعارضة تتقاتل على أجزاء أخرى. «جبهة النصرة» استعجلت طرد منافسيها من ريف إدلب اســـتعداداً للمعركة المقبلة على عاصـــمة الشمال السوري. ويجزم مراقبون بأنها تنسق مع «الدولة الإسلامية» لتكون لهما في النهاية الكلمة الفصل دون الآخرين، معتدلين أم إسلاميين.

والحال هذه لن يكون أمام الرئيس أوباما سوى ترك الساحة للقوى الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، كي تدير شؤون المنطقة. وهو هنا يبقى أميناً لسياسة أعلنها باكراً: إشراك القوى الإقليمية الكبرى في إطفاء الحرائق وإيجاد حلول وتسويات للقضايا والملفات العالقة. الاتفاق مع إيران يطوي صفحة مهمة، لكنه يفتح ملفات المنطقة على مصرعيها. ومن المبكر الحديث عن تحولات جذرية وصورة جديدة للشرق الأوسط. إنه خطوة على طريق الألف ميل. وإذا كان قيام «الدولة الإسلامية» جحيماً يقض مضاجع كل أهل الإقليم، ألا يصلح نقطة انطلاق مشتركة لتلاقي الإرادات والجهود لإعادة ما أفسده صراع المصالح والطوائف والمذاهب والأقليات والأكثريات؟ أم إنه سيكتب عليهم عاجلاً أو آجلاً التعامل مع دولة الخليفة أبو بكر البغدادي؟

الحياة

 

 

 

 

بلاد ما بين البرميلين/ نديم قطيش

رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما الرابعة الى مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران، بصرف النظر عن مضمونها، تعبر عن عمق الخيار الاستراتيجي للبيت الأبيض الراهن في الحوار مع طهران: التفاهم مع ايران هو مفتاح الحل لأمراض الشرق الأوسط وأزماته.

ينتمي أوباما الى إرث سياسي واشنطوني يعتبر ان الموقع الطبيعي لإيران هو المحور الغربي، وان الفترة الممتدة بين سقوط الشاه عام ١٩٧٩ وبين عودة طهران الى احضان الغرب هي الشواذ وليس القاعدة! يلتقي مع هذا التفكير، نظير إسرائيلي، يحن الى عودة الابن الضال، الذي أنقذ في غابر التاريخ اليهود من السبي البابلي!

لذلك لن ييأس الرئيس الأميركي من الرهان على التفاهم مع ايران أكان قبل الرابع والعشرين من الجاري او بعده، ولن يبخل في تقديم الحوافز لطهران وكان آخرها بحسب ما أكد الديبلوماسي الاميركي فريدريك هوف، تطمينات حملتها رسالة أوباما بان التحالف الدولي لا يستهدف ايران ولا يخطط لإسقاط الاسد بل يعمل على هزيمة “داعش” ومشتقاتها وأخواتها.

في المقابل، تستثمر ايران في رومانسية أوباما وسذاجة سياسته الخارجية، للمضي قدماً في تحسين وتحصين نفوذها في الشرق الأوسط لا سيما في المشرق حيث ثراء الديموغرافيا يسمح لها باستثمار شيعة الإقليم الى أقصى الحدود الممكنة. ليس أدل على ذلك من تطورات الأسابيع الاخيرة التي ظهَّرت بوضوح محدودية قدرة قوات التحالف على فرض معادلات ذات تأثير جذري على الأوضاع في سوريا والعراق. كما بدت ايران ثم سوريا في وضع اكثر راحة وأقدر على استيعاب دخول قوات التحالف على خط الأزمة في سوريا.

فرسالة أوباما للمرشد تفهمها ايران فرصة للثبات على موقفها، وليس حافزاً للتغيير كما يريدها البيت الأبيض. وهو ما ترجمته في تشجيعها نظام الاسد على تصعيد جرائمه لا سيما عبر البراميل المتفجرة في حين كان منتظرا ان تكبو عزيمة نظام الاسد قليلاً بسبب تدخل قوات التحالف. وعليه بات واضحاً ان طهران تراهن على استخدام شهر العسل مع واشنطن لتغيير الوقائع على الارض في سوريا، ولاحقا لبنان، كمقدمة لاستعادة ترتيب أوراقها في الإقليم ما بعد سقوط الموصل بيد داعش.

في مقابل ذلك، ذهبت المملكة العربية السعودية خطوة إضافية في المواجهة مع طهران حين قررت ان تلعب ورقة خفض سعر النفط. ليس خافيا ان قدرة الرياض على التلاعب بأسعار النفط العالمية، تراجعت عما كانته في العقود الماضية. وليس خافيا ان إقدامها على خفض سعر مبيعاتها الى الولايات المتحدة ورفع أسعار مثيلتها الي الصين وآسيا، جاء مدفوعاً بحاجة السعودية للدفاع عن حصتها من سوق الاستهلاك الاميركي الذي يتناقص اعتماده دراماتيكياً على نفط الشرق الأوسط في ظل الاكتشافات النفطية والتكنولوجية الجديدة في اميركا.

لكن الأكيد ان السعودية تشن عبر قراراتها النفطية الاخيرة حرباً نفطيةً غير معلنة على طهران (وموسكو!).

هذه الحرب، ساهمت في تراجع أسعار النفط بنحو ٢٥ في المئة عما كانته في الفترة نفسها من العام الفائت، ما يعني خسارة الخزينة الإيرانية النسبة نفسها من العائدات. وتسعى الرياض الى الإبقاء على المستويات نفسها من الانتاج النفطي بغية دفع أسعار النفط الى حدود السبعين دولار في حين ان موازنة ايران للعام ٢٠١٥ مبنية على سعر برميل النفط فوق المئة دولار.

انها بهذا المعنى حرب عض الأصابع بين البرميل المتفجر وبرميل النفط، في بلاد ما بين البرميلين!

المدن

 

 

 

 

مصالح أوباما وخامنئي قبل القضاء على “داعش”/ عبدالوهاب بدرخان

لم يكن «التنسيق ضد داعش» بين الولايات المتحدة وإيران مفاجأة إلا لمن يرغب في التفاجؤ. فالتنسيق قائم على نحو ضمني مباشر أو غير مباشر في العراق وسورية واليمن والبحرين ولبنان، وكان يمكن أن يكون أكثر عمقاً وعلنيةً لو توافرت الشروط التي تغطي كل طرف وتظهره كأنه لم يتنازل عن مواقفه المعلنة، اي عن «ثوابته» و «مبادئه» اذا جازت التسمية. واستناداً الى اللغة المستخدمة في الحديث عن «اتفاق نووي» يمكن استنتاج وجود عناصر اتفاق تتطلّب «بعض التنازلات» لكي تتم الصفقة، وقد تتبلور معالمها بعد محادثات مسقط. واذا كان محور المقايضة أن تسهّل اميركا إنهاء أزمة البرنامج النووي مقابل أن تساعدها ايران في محاربة «داعش»، فإن سؤالين يُطرحان: هل تسعى واشنطن وطهران فعلاً الى إنهاء هذا التنظيم الارهابي أم أنهما تفضّلان ضمناً استخدامه، وهل إن طهران باتت جاهزة لأن تدفع من برنامجها النووي ثمناً لـ «رفع كامل وفوري للعقوبات» كما تطلب؟

أن تعتبر دولة نفسها معنية دولياً بمكافحة الارهاب، فهذا يعني أنها دولة ذات مسؤولية عالمية. يفترض أن هذا التوصيف لا ينطبق على ايران بل على الولايات المتحدة. وعلى ذلك، فقد كان لمحاربة «داعش» في العراق أن تبدأ قبل ثمانية أعوام في العراق عندما عيّن نوري المالكي رئيساً للوزراء بـ «تفاهم» بين اميركا وإيران واعتراف للأخيرة بدور ونفوذ في العراق، أي بعدما جرى تذويب التشنج بين الطرفين، ولم تعد طهران متوجّسة من سعي اميركي الى زعزعة النظام الايراني وتغييره. وعدا بعض المآخذ بين حينٍ وآخر، تعايشت واشنطن مع النهج الايراني في ادارة حكومة المالكي ضدّ سنّة العراق ومعاملتهم جميعاً كإرهابيين، اذ كان الأساس عندها استقطاب ايران واجتذابها الى اتفاق يوقف اندفاعها نحو انتاج قنبلة نووية…

من جانب آخر، كان لمحاربة «داعش» أن تبدأ قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام في سورية، بعد ظهور «جبهة النصرة» كفرع لتنظيم «دولة العراق الاسلامية» المعروف بولائه لتنظيم «القاعدة» (قبل انشقاق «أبو بكر البغدادي» عن أيمن الظواهري)، أي بعد دخول وباء الارهاب الى مناطق المعارضة السورية ليتناغم مع ارهاب نظام بشار الأسد فيتبادلان الخدمات ضمناً وعلناً، بتنسيق ساهمت فيه بغداد وطهران، ولم يكن الاميركيون يجهلون الأمر، لكنهم فضّلوا الصمت. وأصبح معروفاً جيداً لماذا كان هذا الصمت: لأن ثمة خطاً واحداً كان يجمع أربعة أطراف رئيسة (اميركا وروسيا وإيران وإسرائيل) على المحافظة على النظام السوري، كلٌ لأسبابه. لعل اميركا تمايزت داخل هذا الخط بمطالبتها بتنحّي الأسد، لا لمصلحة المعارضة وإنما لمصلحة تغيير من داخله، لتسهيل تسويقه دولياً، ولتمكينه من الشروع ببداية جديدة. ولأجل ذلك، امتنعت عن تسليح المعارضة، بل كشف باراك اوباما في أحد تصريحاته أنه لم يقتنع يوماً بهذه المعارضة ولا بتركيبتها السياسية، لكن ادارته واظبت على تأكيد رغبتها في «المحافظة على المعادلة الميدانية من أجل الحل السياسي»، إلا أن حجب السلاح عن المعارضة ظلّ مؤشراً ثابتاً الى أن واشنطن لا تبالي حقيقةً بتلك «المعادلة». وعندما أقرّ أوباما أخيراً بأنه أخطأ في تقدير خطورة «داعش» لم يقرّ في الوقت نفسه بأنه أخطأ في عدم الاهتمام حتى بما يسمّيه «معارضة معتدلة».

في المقابل، تمايزت ايران أيضاً بكونها الطرف الوحيد القادر على إحداث التغيير داخل نظام الأسد، وفي انتظار صفقة مع الاميركيين صارت ساهرة مباشرة على سلامة شخوص النظام، كما ضغطت عسكرياً لتغيير ميزان القوى على الأرض، ولم يبدِ الاميركيون أي استياء من هذا التطوّر طالما أنه لم يعطل استراتيجيتهم. تزامن هذا الإنجاز الميداني مع تعاظم تركيز الإعلام على تصاعد خطر الارهاب في سورية، وقررت ايران عندئذ أنها لم تعد في حاجة الى أي تناغم أو تنسيق مع «داعش»، وأن «المعركة الآن أصبحت مع التكفيريين»، ما أصبح لازمة رئيسة لخطاب «محور الممانعة». وفيما استمرّت طهران (مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني وميليشيات عراقية) في خوض حرب دمشق وبغداد ضد المعارضتين (السنّيتين)، كانت تخاطب القوى الخارجية بتسليط الضوء على الارهاب و «التكفيريين»… الى أن أصبح الارهاب هو القضية التي تشغل العالم، حاجباً الى حد كبير وظالم قضيتي الشعب السوري ومكوّن أساسي من الشعب العراقي، وجالباً مزيداً من الخراب والدمار الى مناطق كان نظاما الأسد والمالكي قد أمعنا في الإجهاز عليها.

قال اوباما في رسالته الى المرشد الايراني: لدينا «مصالح مشتركة» في محاربة «داعش». غير أن هذه المصالح لا تتطابق تماماً مع «المصالح المشتركة» مع سائر أعضاء «التحالف» الذي شكّل للغاية ذاتها، لا سيما الشركاء العرب الذين شكوا مراراً من وجود خطرين ارهابيين عليهم: «داعش» وايران. وإذ تزامن الكشف عن هذه الرسالة السرّية مع خسارة الحزب الديموقراطي الغالبية في مجلسي الكونغرس، فقد انهالت الانتقادات لا للرسالة نفسها بل للسياسة المبهمة التي ينتهجها اوباما، فهل يمكن الرئيس الاميركي أن يكون جاهلاً تماماً بحقيقة السياسة الايرانية، وهل هو مستعد لخذل حلفائه وأصدقائه في المنطقة بدفع ثمن باهظ من أمنهم واستقرارهم للحصول على اتفاق نووي، وأي رئيس دولة كبرى هذا الذي يخوض حرباً وهو لا ينفكّ يعلن أنها قد تحقق أغراضها أو لا تحققها، فلماذا هذه الحرب اذاً ولماذا هذا «التحالف»؟

واقعياً، لم يقتصر «التنسيق» في العراق على استبدال حيدر العبادي بالمالكي، بل تمثّل بتقاسم المهمات وفقاً لمعادلة «للأميركيين الجو وللإيرانيين الأرض»، بإشراف الجنرالين جون آلن وقاسم سليماني، فالأخير لم يعد يغيب عن أرض المعارك في الأنبار. لكنها معادلة خادعة، اذ دفع سليماني بميليشياته العراقية كإسناد برّي للضربات الجويّة، وأدرك سنّة العراق وعشائرهم أن بديل «جيش المالكي» الذي قاوموه هو «ميليشيات سليماني» التي يرفضونها، ولا خيار آخر أمامهم سوى «داعش» الذي يريدون التخلّص منه. وهكذا غدا حديث رئيس الاركان الاميركي عن استمالة العشائر وتجنيدها ضد «داعش» مجرد وهم، خصوصاً أن واشنطن عهدت بالمهمة الى حكومة العبادي مثلما فعلت حين سلّمت «الصحوات» الى المالكي. وما حصل فعلياً أن عشيرة البونمر خسرت نحو خمسمئة من أفرادها، فلا بغداد ولا الاميركيون وجدوا سبيلاً لمساعدتها ولا حتى بغارات جوية… وليس مستبعداً أن تلقى عشائر اخرى مصيراً مماثلاً طالما أن بغداد تتعامل مع تجنيد العشائر كدعاية اعلامية متلفزة لا كعمل حربي يتطلّب الحيطة والحماية. كل ذلك يشي بأن اللعبة «المالكية – الايرانية» لم تتغيّر في العراق ولا تزال تدار بالعقلية ذاتها، فالخصم الأول للإيرانيين هم سنّة العراق وقد استُخدم «داعش» لشيطنتهم ويمكن الآن أن يُسحق في سياق سحقهم.

لا يختلف الأمر كثيراً في سورية، اذ استُخدم «داعش» أيضاً لاختراق مناطق المعارضة ولإظهارها كحالٍ ارهابية، فلم يُترك للشعب السوري الآن سوى الخيار بين الأسد أو «داعش». وخلافاً لاعتقاد سابق، فإن طريقة عمل «التحالف» حالياً عادت فتكيّفت في خدمة ايران وحلفائها، لا لتقضي على الارهاب. وكما كان متوقعاً، فإن وقف الزحف «الداعشي» على عين العرب (كوباني) سيدفع بهذا التنظيم ورديفه («جبهة النصرة») الى مناطق المعارضة في حلب وإدلب وريفي حماه وحمص، وسيصبّ ذلك في المصلحة المباشرة لنظام الأسد والإيرانيين الذين سيدفعون عندئذ، كما في العراق، بميليشيات النظام و «حزب الله» وسواه لمواجهة «داعش»، اذ لا خيار آخر لـ «التحالف»، كما أنه يشكّل تجسيداً لـ «المصالح المشتركة» بين اوباما وخامنئي.

يصعب القول إن الشهور الثلاثة التي مضت على بداية «الحرب على داعش» أعطت فكرة عن مسارها، ثم إن أحداً لا يعرف ما الذي يجري تماماً وكأنها حربٌ بلا إعلام، أو بالأحرى ينفرد فيها «داعش» بإعلام الأشرطة. اذ يكتفي الاميركيون بالإعلان عن مواقع أغاروا عليها، فيما تهلل بغداد لـ «انتصارات» تحققها، لكن شيئاً لم يتغيّر على الأرض، في العراق وسورية، أو يتغيّر لمصلحة «داعش».

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

العرب بعد النووي/ امين قمورية

تركيا أطلقت سياسة “صفر مشاكل” لكنها لم تلتزمها. سلطنة عمان اشتهرت بالصمت لكنها أفضل من اتقن سياسة كهذه مع الجيران. هي مقبولة لدى الجميع وقادرة على جمع الاضداد مثل الاباضية التي يعتنقها سكانها، اسلامية لا سنية ولا شيعية. ساهمت في ادخال الخصمين اللدودين طهران وواشنطن في نفق المفاوضات الصعبة وهي حالياً برصيدها الكبير لديهما تسعى معهما الى البحث عن نقطة الضوء خارج النفق. السلطنة تبدو مصممة على تهيئة الارضية لاتفاق بين امبراطورة الاقليم وامبراطورة العالم.

طهران، أثقلها عبء العقوبات الاقتصادية والحصار الطويل، وأرهقتها كلفة الادوار الكبيرة وفاتورة الحرب في سوريا وتمددها في جغرافيا المنطقة. الواقع الدولي وتجاربها السابقة علمتها ان الاتكاء على روسيا وحدها لا يعوض خسارتها الغرب. وموسكو أيضاً لا ترتاح الى ايران نووية تقاسمها النفوذ في بحر قزوين وأجزاء من آسيا الوسطى، هي تساوم ولا تزال مستعدة للمساومة وسبق لها ان ساهمت في اقرار حزمة عقوبات على حليفتها في مجلس الامن ولحست التزامها تسليمها الصواريخ العملاقة.

ايران صبرت طويلاً لانتزاع اتفاق يرفع عنها العقوبات في مقابل شفافية برنامجها النووي. ولان النصر ليس إلا صبر ساعة، لن تدع فرصة العودة الى احضان المجتمع الدولي تفوت. مثلها في ذلك مثل البيت الابيض الباحث الآن عن صفقة يخفف بها وقع الصفعة التي تلقاها في مجلسي الكونغرس. فلا ضير أميركياً في طهران منزوعة المخالب النووية ولا تهدد لا أمن اسرائيل ولا الممرات الحيوية للنفط في مقابل اعادة احيائها اقتصادياً وتثبيت اشتراكها في مثلث التوازن الاقليمي ذي الرعاية الاميركية على مساحة الارض العربية. سيد البيت الابيض لا يحبذ الانتقال الى المواجهة العسكرية، واسرائيل من دونه غير قادرة على ان تفعل. انه يستعجل الاتفاق قبل ان يتمكن خصومه الجمهوريون في الكونغرس من ابتزازه، وإلا ما سر الرسائل الاربع منه الى المرشد الاعلى الايراني؟

سلطنة عمان حاضرة على طاولة المفاوضات، لكنها لا تمثل إلاّ نفسها. العرب غائبون عنها او مغيبون، فاذا كانوا غير معنيين بالشق النووي من المفاوضات، فانهم حتما معنيون بالجانب السياسي وبلعبة تحديد الاوزان والاحجام الاقليمية الجارية على ساحاتهم في ضوء الاتفاق أو عدمه.

التوصل الى اتفاق نووي اذا ما أبرم، لن يطوي صفحة التفاوض بين الجانبين على الشق السياسي، فالثاني أكثر تعقيداً من الاول واشد تأثيراً على الاقليم. وفي ظل تلاشي الوزن العربي الذي يفترض انه المعني الاول بما يجري في ملاعبه، ليس مستغرباً ان يحل العرب محل النووي في المفاوضات المقبلة ويصيروا هم الصفقة المطروحة على الطاولة!

النهار

 

 

ما بعد «النووي» أسوأ من الفتنة/ زهير قصيباتي

بديهي أن يلهث الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد هزيمة حزبه في الكونغرس، ساعياً إلى اتفاق ربع الساعة الأخير مع إيران، في الماراثون النووي.

بديهي أن يصر الرئيس حسن روحاني على التشبث بفرصة تتيح رفع العقوبات عن إيران، إذا اقتنع الغرب بأن موقف المرشد خامنئي الذي يحرّم علناً اقتناء السلاح النووي، ليس كذباً وتضليلاً. وليس أقل بداهة صراخ الإسرائيلي الذي يخشى شطب «عدو»، يريده دائماً جاهزاً، لاستخدامه في التغطية على ما يرتكبه من جرائم في فلسطين.

ولكن، لماذا يصبح بديهياً أن نتوقع مزيداً من المجازر، كلما لاحت فرص اتفاقٍ إيراني- أميركي علني (مَنْ يجزم في المخفي؟) أو اقترب موعد نهاية المهلة لحسم الملف النووي؟

لماذا تتشتت الأبصار بين سورية ونكباتها، والعراق وكوارثه، واليمن وخيباته الممهورة بدماء أبنائه… بين ميليشيات شيعية، و «لجان شعبية» حوثية، وقبائل، و «فتاوى» وبراميل متفجرة؟ بين رايات ضرب الفساد التي تضرب شرعيات ورايات دينية، باسمها يُرتكب ما يضلِّل ويخدع لتركيب فتن غرائزية، تحت شعار «ضرب الفتنة»… تتمدد ساحات القتل كلما طال الزمن النووي بالتوقيت الإيراني.

بين جولة «نووية» وأخرى، لا تهدأ فتن القتل والتشريد في العالم العربي، حتى إذا حانت ساعة الحسم، أمكن الكبار قطاف الحصص وتوزيع الأدوار والنفوذ. لذلك، يمهد تنظيم «داعش» وأمثاله الأرض للساكن الجديد، فيركّب على هواه «هلالاً شيعياً» أو شرق أوسط أميركياً- أوروبياً، كل فرصه وأسواقه وثرواته ستكون مباحة للصفقة.

قد يُسعِد أوباما فتح صفحة تعاون مع الصين، من بحرها إلى ملف المناخ وكتاب الإرهاب… وأرق «داعش». قد يشجعه تجهّم الرئيس فلاديمير بوتين على طلب وساطة من بكين لتهدئة جموح الكرملين في خاصرة أوكرانيا الشرقية، أو التحضير لخريطة طريق تحيي «جنيف» السوري، إذا انتهى الماراثون النووي إلى ما يُرضي الغرب والروس والإيرانيين.

في كل ذلك، نحن العرب غائبون، غاضبون من إرهاب الفتنة، لكننا عاجزون عن الإمساك بأوراق المصالح… لا نعي سوى إحصاء ضحايا الإبادات، من المشرق إلى المغرب، ولا نعلي إلا الدهشة أمام مساحات الخراب التي باتت وطناً بلا حدود.

أليس سلاحاً للدمار الشامل أن نتهم غير العرب بزرع الفتنة، ونسقيها دماءً من العراق إلى سورية واليمن، بذريعة «كُفر» الآخر؟ أليس أقصر الطرق إلى الكُفر ذبح الإنسانية وادعاء حراسة الأديان؟

بين جولة إبادة وجولة إعدامات وتقطيع جثث، كان الإيراني يحصي عدد أجهزة الطرد المركزي وعلى كم منها سيساوم، ليفاوض على المنطقة، وعلى حصته من هرمز إلى البحرين، الأحمر والمتوسط. كانت عين أوباما على البحر الأصفر، ودخول التاريخ من صفحات الملف النووي الإيراني الذي سيكون طيّه إنجازه الوحيد إقليمياً ودولياً.

فليكن، أليس من «نهضة» المنطقة، نهوض التاريخ من موته؟ لكلٍّ كربلاؤه، وبعد «انفجار» الإسلام السياسي بكل أصولييه، نصحو على «حقيقة» أن كل العصور والأجيال كانت منذ نحو 1400 سنة بلا ذاكرة!

لدى الإيراني، لا بد أن يكون هذا العصر دينياً ونووياً ايضاً، أما مصير «الشيطان الأكبر»، فسيحدده المرشد بعد مهلة الصفقة.

ماذا لو أُحبِطت؟ هل يكون مصيرنا أسوأ؟ نحن المنهمكين بالحرب على «داعش»، قد ندرك أن الصفقة مصلحة متبادلة، لأوباما المقيّد بسلاسل الجمهوريين في السنتين الباقيتين من عهده، ولروحاني الذي يخشى فقدان معركته الوحيدة مع العقوبات، لأنه خاسر حتماً معركته مع المحافظين إذا لم يُطوَ الملف النووي.

وأما الأسوأ، فهو أن العرب في كلا الحالين، باتوا شهوداً بلا هوية… إلا من «الفتنة». مع الصفقة الكبرى لا بد من توقُّع مواجهات محسوبة، لفرز مناطق النفوذ، وبلا الصفقة ستفتح طهران أبواب المعركة مع الأميركيين على مصراعيها، والمعيار مزيد من الخراب للعرب. ومزيد من دماء الباحثين عن هوية.

الحياة

 

 

 

 

 

المفاوضات مع إيران معلقة بين اللانجاح واللافشل/ راغدة درغام

على رغم أهمية موعد 24 الشهر الجاري في المفاوضات النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا المعروفة بـ5+1، الأرجح أن لا انهيار آتٍ على هذه المفاوضات ولا تتويج لها بالاتفاقية المنشودة مع حلول ذلك التاريخ. للفشل في الاتفاق بين إيران والدول الست تداعياته وللنجاح إفرازاته وكذلك الأمر لحالة اللافشل واللانجاح. والكلام عن التداعيات والإفرازات لا ينحصر بالعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا بالتطوير النووي الإيراني فحسب، ولا بالاقتصاد الإيراني ومستقبله فقط. فلقد تداخل مع هذه النواحي الفائقة الأهمية كل من مستقبل «داعش»، ومصير سورية والعراق واليمن ولبنان، والعلاقة الأميركية مع الدول الخليجية وبالذات المملكة العربية السعودية. إسرائيل ترى أن المسألة النووية الإيرانية وجودية بالنسبة لها ولن ترضى بأي اتفاق يغض النظر عن اقتناء إيران قدرات نووية عسكرية. وبما أن العلاقة الثنائية مع الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو متوترة، قد تدق إسرائيل مرة أخرى طبول العمليات العسكرية ضد المفاعل النووي الإيراني لمنعها من التصنيع النووي العسكري. فما الآتي في 24 الشهر الجاري؟ ماذا لو فشلت المفاوضات النووية مع إيران؟

يرجح الخبراء في المفاوضات النووية الدقيقة والمعقدة أن يفشل المفاوضون في التوصل إلى الاتفاقية الدائمة التي سعوا إليها منذ بدء الاتفاق في جنيف على مفاوضات مكثفة قبل حوالى سنة. يرجحون أن يتم تمديد الموعد المحدد لأربعة أشهر أخرى – علماً أن ذلك سيكون التمديد الثاني. يتوقعون إعلان اتفاقٍ ما، لربما على إطار اتفاقية وليس على الاتفاقية نفسها، في 24 الشهر الجاري. يقرّون أنه ليس في الإمكان التمديد تلو الآخر لأن إيران لم توقف برنامجها النووي أثناء المفاوضات، بالتالي، تخشى بعض الأطراف أن تتحول عملية المفاوضات إلى غطاء الأمر الواقع للتطوّر النووي في إيران.

إذا وقعت مفاجأة الاتفاق في الأيام العشرة المقبلة وتتوّجت المفاوضات بالاتفاقية الدائمة، ستكون كاثرين آشتون أسعد الناس، فمنسقة السياسات الخارجية الأوروبية عقدت العزم على بذل قصارى جهدها لتحقيق هذا الإنجاز ليكون شهادة تاريخية لها تقترن بتركتها وسيرتها. فكاثرين آشتون وباراك أوباما يريدان أكثر ما يريدان قلب الصفحة مع إيران. لا يريدان العلاقة التهادنية مع حكم الملالي في طهران فحسب، بل إنهما يريدان تحقيق نقلة نوعية في العلاقة الغربية – الإيرانية.

فالفجوة بين القيادة الإيرانية على مستوى مرشد الجمهورية وبين القيادة الأميركية ما زالت واسعة جداً. طهران تريد الاحتفاظ بالأدوات التي تمكّنها من أن تصبح دولة نووية، وإذا قبلت بتجميد القدرات فإنها لا تبدو جاهزة للتخلي عن الأدوات. والأدوات لا تقتصر على نسبة تخصيب اليورانيوم المختلف عليها، إنما تشمل الصواريخ التي تصر طهران على استثنائها من المفاوضات النووية والتي تصرّ الولايات المتحدة على شملها.

الرئيس أوباما حاول في رسالته هذا الأسبوع إلى مرشد الجمهورية أن يُبرز أمامه أهمية الفرصة التاريخية المتاحة في 24 هذا الشهر، وهو، ضمناً، كان يعني الموعد الأخير قبل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب – الأمر الذي يقلّص المساحة المتاحة أمامه. لكن أوباما لا يستطيع أن يقدم للمرشد علي خامنئي ما يريده ولن يتمكن من تمرير اتفاقية تضع إيران على «بعد برغي» من تصنيع القنبلة النووية. لا الشعب الأميركي يسمح له بذلك، ولا الكونغرس الجمهوري مستعد للتصديق على مثل تلك الاتفاقية.

لا أحد يستثني الخيار العسكري. الولايات المتحدة لم تعلن سحب ذلك الخيار عن الطاولة. على رغم أنها تودّ جداً استبعاده واقعياً كي لا تتورّط في حروب. لا يمكن الولايات المتحدة التصديق على إيران كقوة نووية، أولاً، لأن إسرائيل تعتبر ذلك تهديداً وجودياً لها، وثانياً، لأن إيران النووية تفتح الباب على سباق نووي في المنطقة. فلقد بات جليّاً أنه في حال التصديق على إيران نووية، ستفعّل دول خليجية أدوات امتلاكها القنبلة النووية – والعنوان في باكستان وغيرها.

هذا لا يعني أبداً أنه في حال اللااتفاق ستُقرع طبول الحرب تلقائياً. فالولايات المتحدة تستعمل أدوات العقوبات الاقتصادية لتقليم أظافر إيران، وهي تعلم أن طهران تفاوض نووياً من أجل إنقاذ حكم الملالي داخلياً لأن الوضع الاقتصادي رديء للغاية.

ثم إن طموحات إيران النووية ومشاريعها الإقليمية مُكلفة جداً ولن تستطيع المضي بها، عملياً، إذا بقي الخناق الاقتصادي قائماً عبر العقوبات المفروضة وربما عقوبات آتية، كما عبر انخفاض أسعار النفط الموجّه ضد إيران وروسيا معها. الكونغرس الجمهوري سيصعِّب كثيراً على باراك أوباما أي رفع للعقوبات بصورة غير تدريجية – الأمر الذي تريده طهران لأنها في حاجة إلى الأموال فوراً. سيصر الكونغرس على التدرّج في رفع العقوبات في حال التوصل إلى اتفاق. وسيصر على المزيد من العقوبات في حال الفشل في الاتفاق. وهنا تماماً تكمن قوة الكونغرس في الملف الإيراني. فأهم العقوبات التي تريد إيران التخلص منها تم فرضها بموجب قانون «داماتو» الذي يتطلب قراراً من الكونغرس لإبطاله.

الجمهوريون في الكونغرس يريدون أيضاً من إدارة أوباما ألّا تمضي في غض النظر عن أدوار إيران في العراق واليمن وسورية ولبنان وهم يرون أن حاجة إيران لرفع العقوبات عنها بموجب المفاوضات النووية توفّر فرصة قيّمة لطرح التوسّع الإيراني الاقليمي على طاولة المفاوضات.

سورياً، حيث يريد الرئيس أوباما الاكتفاء بـ «عزل» «داعش» مقارنة بعزمه على هزيمته في العراق، ليس واضحاً ماذا ستكون آفاق مواقف الكونغرس الجمهوري نحو ما يبدو أنه يُصنع مرحلياً وانتقالياً في سورية. اليوم تدب حركة مبعثرة تزعم إحياء الديبلوماسية للتوصل إلى حلول سياسية تنطلق من الدعوة إلى الإقرار بأن لا مناص من تحالف الأمر الواقع مع الجيش النظامي والقبول ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة من أجل «عزل» ثم «هزيمة» «داعش» وأخواته.

طهران وموسكو جعلتا من مكافحة الإرهاب أداة من أدوات إقناع واشنطن أيضاً بأنها هي الأولوية في سورية وأن لا مناص من الشراكة مع بشار الأسد لتحقيق غايات منع نمو الإرهابيين وتصديرهم. توسّع الغارات الأميركية إلى داخل سورية ضد «داعش» يخدم الأسد بالتأكيد وأيضاً يخدم روسيا وإيران لكنه ليس بلا مغامرة ولا هو خالٍ من غايات كامنة تخشاها موسكو وطهران معاً. لذلك، كلاهما يدرس خياراته ويعيد النظر. موسكو تتحدث عن استضافة مؤتمر للمعارضة السورية هدفه إبراز المعارضة الداخلية بهدف القضاء على «الائتلاف» في الخارج وإضعاف «الجيش السوري الحر» في الداخل وطهران توافقها.

ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا الذي خلف الأخضر الإبراهيمي، يتجوّل في المنطقة ويزور دمشق وهو يحمل مبادرة «رقعة وترقيع» ويرتكب خطأً تلو الآخر. فهو بدأ مواقفه العلنية عندما نصب نفسه متحدثاً باسم التحالف الدولي ليركز على الدعوة إلى محاربة «داعش» كأولوية حاسمة ولم يأتِ على ذكر البراميل المتفجرة وقصف القوات النظامية القرى السورية.

مصادر موثوق بها نقلت عن مقربين من الرئيس السوري قولهم: «أعطانا أكثر مما توقعنا»، إذ إنه وافق على التحدث عن الإرهاب فقط عندما اجتمع للمرة الأولى بالأسد، وهناك «طوى ستيفان دي ميستورا صفحة الأخضر الإبراهيمي». والمقصود أن الإبراهيمي لمّح أمام الأسد إلى أن العملية السياسية الانتقالية التي أقرها بيان «جنيف – 1» تعني عملياً تسليم مهام السلطة إلى هيئة ذات صلاحيات كاملة، أما دي ميستورا فإنه حصر حديثه مع الأسد في مكافحة الإرهاب فقط.

أضافت المصادر أن دي ميستورا كان يعلّق على كل ما قاله الرئيس السوري بتعبير «معك حق» وكان ينفّذ ما تم إفهامه به، وهو أنه من الممنوع التحدث عن مستقبل الرئيس السوري.

إلى جانب غياب البراميل المتفجرة عن خطابه، حرص دي ميستورا على إشراك إيران بصورة منهجية في أية حلول في سورية منذ البداية. إنه لا يملك خطة ولا مبادرة وهو يكتفي بفكرة «التجميد» في حلب التي ذهب بها إلى الحكومة السورية، وبالطبع شجعتها وهي تدرك أن المعارضة السورية المعتدلة لن تتمكن من الموافقة عليها بلا شروط وقف البراميل والغارات. هكذا، استُخدم دي ميستورا أداة لتحميل المعارضة السورية مسؤولية الرفض، إضافة إلى تقنينه أساساً في خانة معالجة الإرهاب أولاً، وهو شرط الحكومة منذ البداية والذي حاول الإبراهيمي معالجته بالموازاة مع الحل السياسي، ولاقى الرفض. فالنظام في دمشق، بدعم من طهران وموسكو، لن يوافق على التنحي جانباً، مرحلياً أو انتقالياً أو أبداً.

كأمر واقع، ارتبطت المفاوضات النووية بالتطورات الإقليمية مثل مكافحة «داعش» والقضاء عليه ضمن تحالف يشمل السعودية والإمارات يجبر الولايات المتحدة على أخذه في الحساب عند التفاوض مع إيران. تداخل «داعش» في المسيرة الطويلة في سورية أو في فسحة الأمل الضيقة في العراق ليس مستقلاً عن الأدوار الإيرانية في البلدين. لذلك، لم تعد المفاوضات النووية نووية واقتصادية حصراً بغض النظر عمّا إذا تم التوصل إلى صفقة كبرى أو إلى حافة الانهيار.

الحياة

 

 

 

عوائق الاتفاق النهائي مع طهران/ وليد شقير

يبني كثير من قادة الدول والقوى السياسية في بعض الدول، ومنها القوى السياسية في لبنان، الحسابات والتوقعات على احتمالات نتائج محادثات دول 5+1 مع إيران حول ملفها النووي، ويقيسون إمكان تبدل الأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة بناء على ما سيتبع تاريخ 24 الجاري، الذي سيسجل انتهاء المهلة الممددة للتوصل الى اتفاق حول هذا الملف.

إلا أن بناء الحسابات على أساس ما سينجم عن هذه المحادثات لن يتيح لأي متابع أو دولة تترقب النتائج أو طرف سياسي ينتظرها، أن يخرج من الحالة الرمادية التي تغلب على المشهد الإقليمي الذي يحبل بالتطورات والمناورات. فإزاء الغموض الذي تحكم بمفاوضات مطلع الأسبوع في مسقط بين الجانبين، وما يسمى باستمرار الفجوات بينهما في مواضيع التفاوض، يبدو من الموقفين الأميركي والإيراني أن كليهما راغب في التوصل الى اتفاق، أو على الأقل يعرب عن صدقه في السعي الى عدم إفشال الفرصة المتاحة. هذا ما عبرت عنه التصريحات الأميركية، لا سيما تسريب نبأ الرسالة الرابعة لباراك أوباما الى مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي عن التعاون والمصالح المشتركة في محاربة تنظيم «داعش»، ثم تسريب كلام المرشد عن دعمه المفاوضات على الملف النووي والمبادئ التي وضعها في شأنها منذ عام 2013، ومنها «تصميم إيران على إغلاق الملف النووي على رغم عزم الخصوم على إطالة أمده» ورغبته في «إبعاد شر الشيطان الأكبر، وتسوية المشكلة».

في المناورات يبدو أن كلاً من واشنطن وطهران تتحسب لكل احتمال. وإزاء احتمال فشل الاتفاق، حذرت واشنطن من احتمال «حرب مفتوحة». ورأت طهران «أننا نكون دخلنا مرحلة الخطر». وهذا ما يفسر ما يعتبره الجانب الإيراني جاهزيته القتالية والصاروخية وإعلانه عن بناء نموذج من طائرة «الشبح» … لكنه في الوقت ذاته يبدي استعداده للانفتاح على المملكة العربية السعودية ويرسل الإشارات للقبول بالشراكة معها انطلاقاً من العراق… وآخر مظاهره زيارة الرئيس العراقي الرياض والأنباء عن رغبة طهران بعدم عرقلة رجالات النظام السابق (نوري المالكي) مهمة رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي.

أما التوصل الى اتفاق نهائي «ينهي المشكلة» كما أمل المرشد، أي يحسم مسألة عدد أجهزة الطرد المركزي على الأراضي الإيرانية، وإقفال مفاعل «أراك»، ونسبة تخصيب اليورانيوم بعد أن كان الاتفاق المرحلي الأولي حسم مسألة الرقابة المستدامة لوكالة الطاقة الذرية على البرنامج الإيراني… فإن ما يحول دونه هو أنه سيؤدي الى رفع كامل للعقوبات الدولية والغربية على إيران وإنهاء مقاطعتها وإعادة أرصدتها المالية المجمدة… وانطلاقة اقتصادها بقوة جديدة من دون التفاهم معها على دورها الإقليمي وتحديده وضبطه. وبمعنى آخر فإن إراحة إيران اقتصادياً وأمنياً وسياسياً باتفاق نهائي على النووي قد يعينها على تثبيت انفلاشها الإقليمي ومساعيها التي بذلتها سابقاً من أجل امتداد نفوذها في عدد من دول المنطقة، من أفغانستان وصولاً الى لبنان مروراً بالعراق وسورية…

إلا أن حاجة أوباما الى إنجاز ما مع إيران لطالما عوّل عليه في سياسته الخارجية، وحاجة طهران الى تجاوز صعوباتها الاقتصادية وفك طوق الحصار عنها، قد يقودان الى الاحتمال الثالث، أي التوصل الى اتفاق يقوم على تطوير الاتفاق المرحلي الممدد، وقد تقود حاجة طهران هذه الى قبولها برفع، ولو جزئي، للعقوبات واستعادة بعض الأرصدة المالية، وإلى تفضيلها ذلك على خيار دخول المنطقة مرحلة الخطر بسبب صعوبة التوصل الى اتفاق نهائي.

والبقاء تحت سقف القرار الاستراتيجي في واشنطن وطهران بالتوصل الى اتفاق، قد يبرر لكل منهما الوصول الى صفقة غير مكتملة. وقبل أسبوع عبّر أحد مستشاري وزير الخارجية الإيراني علي خورام عن الإلحاح على الاتفاق، حين اعتبر أن رسائل أوباما كان لها «تأثير إيجابي على القيادة الإيرانية… وعقيدة اعتبار الولايات المتحدة الشيطان الأكبر تمر بحالة تغيّر في إيران…».

قد يتيح خيار اتفاق غير مكتمل، مبني على أساس الاتفاق المرحلي السابق، فسحة من الوقت لتنظيم الصراع على النفوذ في المنطقة وضبط الخلافات تمهيداً لاتفاق نهائي بالتناغم مع الاستحقاقات الإقليمية على كل من واشنطن وحلفائها من جهة، وعلى إيران من جهة أخرى لجهة رسم خريطة الإقليم، فواشنطن اضطرت أن تراجع سياستها السابقة المتوهمة بأن تصالحها مع طهران يحدث توازناً مع ما يسميه بعض أرباب سياستها «التطرف السني»، لأن ظهور «داعش» ووقوف المملكة العربية السعودية بقوة ضد الإرهاب، وفشل طهران في الحؤول دون امتداد الإرهاب، فرضت على أوباما هذه المراجعة.

الحياة

 

 

 

 

خطر “داعش” يفوق النووي/ سميح صعب

مضى نحو عام على توقيع ايران ومجموعة دول 5+1 الاتفاق النووي الموقت. وخلال هذه الفترة استمرت المفاوضات بين الطرفين توصلاً الى اتفاق دائم على البرنامج النووي الايراني يشمل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران وما سيليه من نتائج جيوسياسية تمليها اعادة العلاقات الطبيعية بين ايران والغرب وخصوصا الولايات المتحدة.

واستناداً الى التوقعات المتواترة، ثمة صعوبة في التوصل الى اتفاق نهائي في الموعد المستهدف في 24 تشرين الثاني الجاري، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عودة الامور مع ايران الى الوراء. فالاتصالات الاميركية – الايرانية المباشرة لم تعد من المحرمات وبات من مصلحة طهران وواشنطن البناء عليها لتسوية القضايا العالقة بين الجانبين، من المشكلة النووية الى القضايا الاقليمية وفي مقدمها مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش). والمراسلات بين الرئيس الاميركي باراك اوباما وايران اكبر دليل على ان الحوار الاميركي – الايراني يمضي قدما على رغم عدم تحقيق اختراق في اي من المسائل التي تثير خلافاً.

وهذا مؤشر اضافي لعدم كون موعد 24 تشرين الثاني تاريخا فاصلا بين مرحلتين،ولكون عدم التوصل الى الاتفاق النووي النهائي حتى هذا التاريخ لا يعني ان الامور بين ايران واميركا ستعود الى المربع الاول، حتى لو فاز الجمهوريون بالغالبية في مجلسي الكونغرس وشكلوا عامل ضغط على أوباما كي يقطع الحوار مع ايران ويعود الى فرض مزيد من العقوبات على طهران أو التلويح بالخيارات العسكرية وفق ما يشتهي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فالوضع الناشئ في المنطقة اليوم والزحف الجهادي الذي يشكل تهديدا وجوديا لدولها وخطرا ماثلا على الغرب، يجعل من الترف العودة الى خيار الضغط على ايران، لأن من شأن ذلك ادخال المنطقة في خيارات غير محسوبة.

وليس مصادفة ان يتحرك المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا ضمن المساحة التي يتيحها التفاهم الاميركي – الايراني العام وعدم ذهاب الائتلاف الدولي في اتجاه توجيه ضربات عسكرية الى الجيش السوري كما تطالب به تركيا وبعض دول الخليج العربي.

وعلى رغم ان 24 تشرين الثاني ليس “موعداً مقدساً” على حد تعبير الديبلوماسية الروسية، فان التوصل الى اختراق بحلول هذا الموعد، سيكون مؤشراً لحقبة جديدة في النظام العالمي والعلاقات الدولية. وحتى في حال عدم التوصل الى اتفاق، فإن التاريخ لن يعود القهقرى في العلاقات الاميركية – الايرانية، لأن ثمة خطرا في المنطقة قد يوازي أو يفوق الخطر النووي.

النهار

 

 

 

 

طهران والاختيار بين النووي والأسد/ سعد كيوان

يبدو أن لعبة الشطرنج التي تجري، منذ سنة، بين الولايات المتحدة وإيران، على رقعة الشرق الأوسط، راحت تزداد تعقيداً مع قرب انتهاء الوقت المحدد للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني في 24 نوفمبر/تشرين أول المقبل، جراء مجموعة عناصر استجدت، في مقدمها الظهور “المفاجئ” لتنظيم داعش الذي تمدد من سورية، ليجتاح شمال العراق، ويتحول إلى “بعبع” للمنطقة بأكملها، ويضع أيضاً الطرفين، أي واشنطن وطهران، في مواجهته، أقله في المعلن.

ومن الواضح أن المفاوضات لم تعد تدور حول النووي فقط، أو بالأحرى، يتم التفاوض عمليّاً حول كل شيء، من العراق إلى سورية ولبنان، ومن الثورات إلى الأنظمة وثوراتها المضادة، ومن المصالح والنفوذ في هذه الدول، ودور الدول المحيطة والمؤثرة، إلى “داعش” بيت القصيد، وخالط كل الأوراق والحسابات.

انطلقت المفاوضات في 24 نوفمبر/تشرين ثاني 2013، من إطار عام، يقضي أن توافق إيران على التزامات طويلة المدى، تتعلق بتقليص برنامجها النووي، في مقابل رفع متدرج للعقوبات المفروضة عليها. بمعنى آخر، تلتزم إيران تعاقديّاً التزاماً طويل المدى، في مقابل أن يستخدم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، صلاحياته الرئاسية لتقليص العقوبات الاقتصادية الحادة المفروضة على إيران، وأن يستأذن الكونغرس في إلغاء قانون العقوبات على إيران، بحلول نهاية عام 2016.

ولهذا الغرض، باشرت إيران، بعد انتخاباتها الرئاسية، العام الماضي، التفاوضَ حول ملفها النووي مجدداً، وأفلحت في إبرام “اتفاق إطار” مع مجموعة (5 + 1)، أي الولايات المتحدة، فرنسا، انكلترا، روسيا والصين + ألمانيا، مدته ستة أشهر، إلا أنه بسبب الفجوة الكبيرة التي استمرت تفصل مواقف الأطراف، ورغبة الجميع في استمرار التفاوض، فقد تم تمديد المهلة ستة أشهر إضافية، إفساحاً في المجال للتوصل إلى اتفاق نهائي. وستنتهي هذه المهلة الإضافية، بعد نحو عشرة أيام، ولا يزال الاتفاق بعيد المنال.

إن النووي قبل “داعش” ليس كما بعده! فواشنطن وطهران تقفان عمليّاً، اليوم، في خندق واحد، في مواجهة هذا الوحش، كل من موقعه وحساباته المختلفة. فقد عمل نظام الملالي، في البداية، على تغذية ظاهرة “داعش” التي أطلقها حليفهم وربيبهم، بشار الأسد، في سورية، ثم مهد الطريق لـ”داعش”، لكي يغزو العراق عبر ربيبه الآخر، نوري المالكي، من أجل أن تتحول الثورة إلى إرهاب واقتتال سني-سني. في الوقت عينه، سعت الإدارة الأميركية إلى استغلال الظاهرة الآخذة في التمدد، وتوظيفها في أكثر من اتجاه، بهدف ابتزاز الخصوم والحلفاء على السواء. حاولت التعويض عن تخاذلها وإطلاق الوعود الكاذبة تجاه (إسقاط) النظام السوري، وكذلك تجاه دعم المعارضة السلمية، ثم المقاتلة، على الأرض.

فكان أن “انقلب السحر على الساحر”، وتحول “داعش” إلى وحش دموي كاسر، يتهدد الجميع، وفرض نفسه بقوة على طاولة المفاوضات النووية. فقرر أوباما التدخل عسكريّاً، عبر الغارات الجوية التي تشنها قوى التحالف، منذ أكثر من شهرين على “داعش” في العراق وسورية على السواء. رفضت إيران المشاركة، على الرغم من صراخها وإعلانها، هي وحلفاؤها بشار في سورية و”حزب الله” في لبنان، والمليشيات الشيعية في العراق، الحرب على الإرهابيين والتكفيريين. كيف لها أن تشارك في المعركة إلى جانب من تصوره لجماهير “المستضعفين” على أنه “الشيطان الأكبر”، ومنبع “الاستكبار العالمي”؟ وأين لها أن تجد بعدها الخصم الذي يعبئ به علي خامنئي ملايين الإيرانيين، أو حسن نصرالله، حشود الممانعين الشيعة في لبنان… علماً أن الأسد عرض خدماته على “الشيطان الأكبر” أوباما من أجل التعاون والتنسيق في مقاتلة “الإرهابيين”، على الرغم من عدم تصديه، ولو بغارة واحدة، على “داعش”.

في المقابل، يعكف مستشارو البيت الأبيض، في الأيام الأخيرة، على وضع استراتيجية جديدة، بعدما تبين للرئيس الأميركي أن لا جدوى من الغارات الجوية فوق الرمال المتحركة، وأن القضاء على “داعش” يفترض التحرك، أيضاً، باتجاه إسقاط نظام الأسد. وهذا يعني إعادة خلط الأوراق مجدداً باتجاه مزيد من التعقيد والتوتر، وربما التفجير في أكثر من ساحة، إلا أن اللافت في هذا المجال هو دخول روسيا على الخط، عبر تسريب ديبلوماسيتها معلومات عن استعدادها التخلي عن الأسد في مقابل تشكيل حكومة انتقالية، تضم المعارضة المعتدلة، وبعض القريبين من النظام، شرط الحفاظ على مؤسسات الدولة والجيش. فهل هذا يعني أن موسكو باتت مقتنعة أن استمرار الرهان على بشار أصبح رهاناً فاشلاً، وأنه مازال يقف على قدميه فقط بفعل الدعم العسكري الإيراني والمليشيات اللبنانية والعراقية التابعة لطهران؟ وبالتالي، من الأفضل ملاقاة واشنطن في منتصف الطريق للحفاظ على موطئ قدم على شرق المتوسط.

هذه التطورات المتسارعة وضعت نظام الملالي، المتمرس في التفاوض، والمعروف بنفسه الطويل في “حياكة السجاد”، أمام اختبار لا يحسد عليه. واشنطن تمارس ضغوطها عبر الملف النووي، وموسكو تترك فجأة طهران الحليفة في منتصف الطريق. والخيار هو بين الملف النووي وبقاء بشار الأسد في السلطة، أي بين ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة عن نظامها وشعبها أيضاً، والحفاظ على نفوذها ومطامعها التوسعية على ضفاف المتوسط بعد أن امتدت أذرعها إلى معظم الدول العربية!

قد يتم ربما في اللحظة الأخيرة إيجاد حل مؤقت للنووي، عبر التمديد للمفاوضات، لكي تبقى العصا مرفوعة في وجه طهران، ولكن، كيف يمكن لها أن توفق بين القضاء على “داعش” وبقاء الأسد.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى