صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

هل سيعقد مؤتمر “جنيف2″؟/ يوسف عبدا لله مكي

هل ما حدث من تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية، هو نتاج تراجع في القوة الاقتصادية لأميركا، أم أن ثمة صفقة تم عقدها بين الأميركان والروس، تفاصيلها لا تزال مجهولة

اتضح بشكل لا يقبل الجدل، أن قطار السياسة الدولية، انتهى إلى مرحلة مغايرة، يمكن أن نطلق عليها مجازا مرحلة الاسترخاء. ويبدو أنها تعبد لخلق نظام دولي جديد، تتراجع فيه سطوة الولايات المتحدة الأميركية على صناعة القرار الدولي، لصالح منظومة بريكس، بقيادة قيصر روسيا. ويبدو أن الإدارة الأميركية، من خلال سلوكها هذا تعيد للمفهوم التقليدي للسياسة حضوره من جديد. فالسياسة كما توصف في العلوم السياسية، هي فن الممكن.

تخلي الإدارة الأميركية عن الملف السوري لصالح روسيا الاتحادية، هو علامة فارقة في السياسة الدولية. وأبرز ملامح هذا الانتقال، هو تغيير نمط الحل للأزمة السورية من الحالة الصراعية، إلى الحل السياسي. ورغم أن هذا الانتقال، بلغ قمته، بعد التراجع عن الضوء الأخضر، الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما بضرب عماد القوة العسكرية السورية، لكن الواقع يشير إلى أن هذا التوجه بدأ مع “جنيف1”.

فما شهده العالم مؤخرا، هو تصريحات رخوة متكررة، من قبل أقطاب الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم وزير الخارجية، جون كيري، تؤكد على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد والممكن للأزمة السورية، يقابله ثبات على الموقف من قبل إدارة الرئيس الروسي بوتين، التي لم يتغير موقفها المساند للنظام السوري منذ بداية الأزمة. والنتيجة أن ما نادت به الإدارة الروسية منذ وقت طويل، هو الذي تحقق الآن على الأرض.

وهنا نطرح السؤال: هل ما حدث من تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية، هو نتاج تراجع في القوة الاقتصادية لأميركا، أم أن ثمة صفقة تم عقدها بين الأميركان والروس، تفاصيلها لا تزال مجهولة. هناك تسريبات تشير إلى احتمال فتح روسيا بوابات الاستثمار في صناعة الغاز للإدارة الأميركية. تسريبات أخرى، تقول عن تعهدات صينية وروسية بتقديم دعم كبير للاقتصاد الأميركي. وفي كل الأحوال، فإن للغة القوة مفرداتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

إن قوى دولية تتجه نحو الأفول وأخرى تتقدم إلى الأمام. والأميركان يعلمون أن ربيع قوتهم، لم يعد ربيعا، وأن قوى فتية أخرى، تستعد لقيادة العالم، أو على الأقل للمشاركة الفعلية في تلك القيادة.

هل سيعقد مؤتمر “جنيف 2” المقترح لحل الأزمة السورية؟

هناك عدة سيناريوهات لعل الأبرز بينها تأجيل انعقاد المؤتمر لحين موافقة الائتلاف الوطني المعارض على الالتحاق بالمؤتمر. ويذكر في هذا السياق أن وفدا من الائتلاف وصل أو في طريقه للوصول إلى موسكو للتباحث مع المسؤولين الروس في موضوع عقد المؤتمر. وهناك تسريبات روسية عن احتمال انعقاد المؤتمر في شهر فبراير من العام القادم.

السيناريو الآخر، يقول بإمكانية اعتبار جنيف اثنين مؤتمرا دوليا، وليس مقتصرا على أطراف الأزمة فقط. وفي هذه الحالة لن يكون هناك ما يمنع من انعقاده، بغياب المعارضة السورية، ما دامت مختلف الأطراف الدولية قد وافقت على ذلك. وقد تشارك تركيا وقطر وتركيا وإيران والأردن، كقوى إقليمية أو داعمة إما للنظام أو المعارضة، إضافة إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في هذا المؤتمر.

السيناريو الثالث، هو أن يعقد المؤتمر بمن حضر، من أطراف المعارضة. وفي هذه الحالة تلتحق بالمؤتمر التنسيقيات التي يرأسها حسن عبد العظيم، والتي تضم مجموعة من الأطراف السياسية، التي رفضت منذ البداية الحلول الأمنية من قبل النظام وتحول الانتفاضة من طابعها السلمي إلى العمل المسلح،. كما ستشارك قوى سياسية أخرى، تعاونت مع النظام، منذ الوهلة الأولى للأزمة، وصنفت نفسها تحت تسمية المعارضة الوطنية، وتشمل الحزب السوري القومي الاجتماعي وجبهة قوى التغيير.

وهناك احتمال أخير، بألا ينعقد مؤتمر جنيف اثنين مطلقا، ويتواصل العمل المسلح، الذي تشير مؤشراته في الأيام الأخيرة إلى تفوق النظام عسكريا، من غير قدرته على الحسم الشامل.

السيناريو الأقرب إلى التطبيق هو السيناريو الأول، رغم حدة موقف الائتلاف الوطني والجيش الحر من مؤتمر جنيف. يدفعنا لهذا الاعتقاد مجموعة من الأسباب:

الأول هو أن الائتلاف نتاج توافق دولي على الإطاحة بالنظام السوري، وقيام نظام بديل عنه. لقد تخلخل هذا التوافق، وانسحب معظم الذين رعوا تأسيسه عن تأييده. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة لتلويح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن نية الإدارة الأميركية إيجاد بديل عنه، في حال تمسكه بالامتناع عن المشاركة في مؤتمر جنيف 2، كدليل على عمق معضلة الائتلاف.

هناك توافق أميركي روسي، وإلى حد ما إقليمي، على خيار الحل السلمي، وسوف يتسبب ذلك في تراجع منابع تمويل المعارضة، وقادة العمل المسلح بما يجبر الجيش الحر، على اتخاذ تقديم تنازلات تحفظ له دورا بالحل السياسي.

يتوقع أن يؤدي الضغط الدولي، إلى إغلاق منافذ عبور المسلحين، من تركيا والعراق والأردن ولبنان، تزامنا مع تجفيف التمويل. كما أن وجود العناصر المقاتلة، من جبهة النصرة وداعش، قد أدى إلى إضعاف قدرة الجيش الحر على المناورة والقتال، وأفقده مناطق كثيرة، لصالح تلك القوى، كانت حتى وقت قريب تحت سيطرته. ومما لا شك فيه أن وجود تنظيم القاعدة، قد أحرج أنصار الثورة السورية، أمام العالم. وبديهي ألا ينعقد مؤتمر جنيف2 من غير معارضة سورية، لأن معنى ذلك أن النظام سيحاور نفسه، وسيكون ذلك بمثابة اعتراف المجتمع الدولي، بعجزه عن إيجاد حلول سياسية ناجحة للأزمة.

لكل هذه الأسباب فإن الأكثر منطقية هو أن يتأجل انعقاد المؤتمر، ثلاثة أشهر أخرى، عن موعده المحدد، لحين قبول الائتلاف والجيش الحر، الالتحاق بمؤتمر جنيف2، والتحضير بشكل جيد للمؤتمر. وليس علينا سوى الانتظار.

الوطن السعودية

نجاح «جنيف 2» بإقرار روسيا أن سورية ليست الشيشان/ عبدالوهاب بدرخان *

أشعل الاميركيون الضوء الأحمر لتحييد كل الدول الداعمة للمعارضة عن الملف السوري. لا سلاح ولا أموال تمر عبر الحدود، باستثناء ما لا تقدمه الحكومات وما لا تُستخدم فيه القنوات الرسمية. القوات الايرانية ومقاتلو «حزب الله» اللبناني وميليشيا «أبو فضل العباس» العراقية وعناصر من بلدان شتى بينهم حوثيون يمنيون وباكستانيون وحتى روس يستعرضون أمام صور لبشار الاسد… يحاربون جميعاً لحسم الحرب السورية لمصلحة النظام، وسط صمت الدول «الداعمة» للمعارضة، بما فيها تلك التي لا تزال تعتبر ايران في «محور الشرّ» أو تصنّف «حزب الله» تنظيماً ارهابياً. هي الدول ذاتها التي طالما تحدّت النظام بأن «الحل الأمني» غير مجدٍ وبأن «الحل العسكري» لن ينجح ثم انتهت الى أن «الحل السياسي» هو الممكن الوحيد، لكنها توفّر له اليوم الغطاء والدعم غير المباشر لينجز الحسم العسكري.

هذا هو نموذج الضغط على المعارضة الذي نبه سيرغي لافروف مراراً الى أن الاميركيين وعدوا به ولم ينفّذوه، ولعله يجد الآن أنهم يفون بأكثر مما تعهدوه تمهيداً لـ «جنيف 2». وعندما سيلتقي ممثلو الدولتين الكبريين تحضيراً لهذا المؤتمر (في 25 ت2/ نوفمبر) قد يتمكّنون هذه المرة من تحديد موعد خلال الشهر المقبل، على وقع «الانتصارات» المتوقعة للقوات الآتية من الخارج كـ «جبهة نصرة» للنظام. وعلى ذلك سيطرح الاسد، وقد يوافقه أيضاً الروس، السؤال البديهي: وعلامَ «جنيف» في هذه الحال؟ فالأسد سيرى أن التطورات الميدانية في صدد حل الأزمة من دون أي جلوس مع المعارضة، لأن الحل العسكري هو الذي سيفرض السياسي، ولن يتبقّى عليه، وفقاً لتعبير أحد رجاله، سوى أن يُحكم إغلاق البلد ويستكمل مع حلفائه الإجهاز على المعارضين تقتيلاً وتذبيحاً وليستغرق الأمر السنوات التي يستغرقها، ساحقاً في طريقه «الارهابيين» الذين يقلقون الاميركيين والروس والاوروبيين معاً.

بالنسبة الى النظام، أصبح «جنيف» عنواناً لتنازل لا يحبذ تقديمه: فللمرّة الأولى سيُسجّل أن طرفاً آخر غير «سورية الاسد» يقاسمه تمثيل سورية. هذا تنازل يكرهه النظام ليس فقط من أجل الاسم، الذي بات يختصر كل الألقاب الاخرى (البعث، العروبة، الممانعة…)، بل لأن المؤتمر والتفاوض والدخول في تفاصيل الملفات ستفتح عليه أبواباً جهد لإيصادها بكل حرص.

لطالما قال الاميركيون للمعارضة إن فرصتهم الوحيدة لممارسة الضغوط ستكون في جنيف، والأسد يخشى هذا الاحتمال ويريد تجنّبه، خصوصاً اذا تقاطع مع خطوات يحدسها من الجانب الروسي لكنه يجهلها حتى الآن. طبعاً لم يعد أحد يصدّق الاميركيين، اذ سبق أن قالوا الشيء نفسه للفلسطينيين في شأن المفاوضات مع الاسرائيليين ولم يحدث أن تعرّض هؤلاء لأي ازعاج أو ضغوط. لا شك في أن قضية شعب سورية وقعت في الفخّ الذي اسمه «اوباما» ولم تتوقعه بل لم تتصوّر أن يكون صنو بوتين في «لا إنسانيته»، مع فارق أن الروسي مكشوف وصريح، أما الاميركي فيدّعي ما يفعل حقاً.

قبل أسبوع أعلن للمرة الأولى، منذ بدء الأزمة، عن اتصال هاتفي بين بوتين والاسد مهّد على ما يبدو لإرسال بثينة شعبان وفيصل المقداد الى موسكو. ويُعتقد أن محادثات الوفد ستتناول المسائل الثلاث التي ذُكر أنها كانت محور اتصال الرئيس الروسي: سير تنفيذ برنامج تفكيك الترسانة الكيماوية، إيصال المساعدات الانسانية، وحماية المسيحيين.

لا مشكلة في العنوان الأول، فالنظام يبذل أقصى التعاون منذ اعتبر الاسد أن تدمير مخزونه الكيماوي أصبح بوليصة التأمين على بقائه في السلطة. لكن العنوانين الآخرين لافتان، ذاك أن قضية المساعدات قد تكون تنازلاً مطلوباً إنْ لم يكن إرضاءً للمعارضة فعلى الأقل كخطوة «تأهيلية» للنظام لدى المجتمع الدولي. فروسيا قد تكون تفهّمت حاجة «الشريك» الاميركي الى الورقة الإغاثية لموازنة ضغوطها على المعارضة، ولعلها تريد في الوقت نفسه اختبار نفوذها على النظام في ملف رفض سابقاً أن يقدّم فيه أي تنازل لا للأمم المتحدة ولا لسواها. أما حماية المسيحيين فقد يكون بوتين فاجأ بها الاسد الذي لا يزال يعتبر نفسه «الضمان» الوحيد للأقليات، غير أن ممارسات قواته وحلفائه في الفترة الأخيرة والخطط التي يتأهبون لتنفيذها ضايقت الأقليات وأحرجتها سواء بدفعها الى انحياز ناشط للنظام أو باختراقها عبر جماعات لبنانية لجرّها الى الحرب.

ليس معروفاً بدقة مدى جدية الرئيس الروسي في طرح حماية المسيحيين، أو اذا كانت لديه مطالب محددة على هذا الصعيد، لكن لهذا الملف صدى تاريخياً يتردد منذ قرون عدّة في أرجاء الشرق وبلغ حالياً أقصى درجات الخطر في ظل صعود تيار الاسلام السياسي بكل تطرّفاته وحماقاته ليحل محل أنظمة استبدادية كانت جميعاً تدّعي لكنها لم تبنِ الدول الكفيلة وحدها بحماية جميع مواطنيها وليس فئة معينة منهم.

لا شك في أن اثارة بوتين هذه المسألة تعكس بلوغ شكوى مسيحية اليه، ولا شك أيضاً في أن سماع الاسد دعوة «الحماية» هذه يجب أن يقلقه. قد يعني عدم ارسال وليد المعلم الى موسكو أن الوفد مكلف الاستعلام والاستطلاع وليس اعلان اتفاقات بين الدولتين. أما اختيار بثينة شعبان (للمرة الثانية منذ ايلول/ سبتمبر 2011) فيشير الى الحاجة للاستفهام عن نقاط «استراتيجية» تختص بالاسد والحلقة الضيّقة للنظام والنيات الروسية قبيل التحضيرات الأخيرة لـ «جنيف 2».

كان هناك من توقّع أن يتقاطع وجود وفدي النظام والائتلاف المعارض، وأن موسكو ربما رتّبت لقاءً بينهما. لكن الائتلاف لم يحسم موقفه من الدعوة الروسية، فهناك مَن يرى ضرورة تلبيتها، ذاك أن السفير روبرت فورد أبلغ محاورين من الائتلاف أن لا جديد لدى واشنطن ونصحهم بالذهاب الى موسكو لعل عندها ما تقدّمه، وفهم المعارضون أن الاميركيين انتهوا الى «تلزيم» الملف لروسيا التي ستبقى لسنوات اللاعب الرئيس في قضية سورية. أما رافضو الدعوة فيحاججون بأن الروس لم تصدر عنهم طوال 32 شهراً كلمة واحدة تعترف بالانتهاكات الفظيعة التي يتعرّض لها الشعب السوري من قتل وتشريد وتدمير، ثم إن اللقاء اليتيم معهم أيام «المجلس الوطني» استغلّه ميخائيل بوغدانوف لإسماعهم أن روسيا سبق أن فعلت في الشيشان ما يفعله النظام في سورية، فما الذي يمكن انتظاره من معاودة اللقاء مع الروس، خصوصاً أنهم ضاعفوا مذّاك دعمهم للنظام ويشاركون في القتل والقتال، ثم إن الوضع الحالي للمعارضة على الأرض (في جنوب دمشق والغوطتين، وفي القلمون وحلب، بالاضافة الى الواقع المستجدّ مع اختراقَي «داعش» و «حزب الاتحاد الديموقراطي»…) قد يحفز الروس على دفع جلافتهم التقليدية الى أقصاها ليقولوا مثلاً إن المعارضة ذاهبة الى هزيمة وما عليها سوى استباقها إما بالتخلّي عن شرط تنحّي الاسد أو على الأقل بالذهاب الى جنيف لقبول تسوية «واقعية».

ما ينبغي أن يدركه الروس أن سورية ليست الشيشان وإنْ كان النظام حوّل مدنها «غروزني»ـات مدمّرة. والمهم أن ثورة السوريين ليس لها قائد يمكن أن يُحاصر بالضغوط ليعلن استسلاماً أو ما يشبهه. أما الأهم فهو أن انكشاف الاستقطاب الطائفي الحاد على مستويي النظام ومناوئيه سيجعل أي انتصار عسكري للأسد غير قابل للصرف في أي حل سياسي ملفّق أو مصطنع.

وأخيراً اذا كان «جنيف» هو عنوان انتصار النفوذ الروسي فالأحرى أن تعمل موسكو على تأمين نجاح حقيقي له، والسبيل الوحيد الى ذلك هو تنازلات جوهرية من النظام طالما أن أي حل سياسي فعلي لا بدّ من أن يقرّ بتغيير جذري في بنية النظام، وإلا فإنه سيكرّس صراعاً دموياً طويلاً.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

“سايكس – بيكو” جديد… إنما مُدَوْزَن؟/ الياس الديري

يحار اللبناني العادي، أو المسؤول، أو المؤرّخ، أو الكاتب من أين يبدأ بحكاية لبنان في مناسبة ذكرى الاستقلال، وفي التسمية الكثير من المبالغة.

تظهير صورة الوضع اللبناني، عربيّاً ودوليّاً وكونيّاً، التقى عند نتيجة تكاد تكون متشابهة في كل شيء. بل واحدة بكل السِّمات والعلامات الفارقة. حتى بالنسبة إلى أبسط التفاصيل والمفاصل.

والخلاصة الصريحة الواضحة بأبعادها الثلاثية وألوانها الطبيعيّة أن سبعين سنة من الاستقلال الناجز والتام، والمعترف به من الشرعيّة الدوليّة والمجتمع الدولي، حَفَلَت بما يوازي سبعين مرّة سبع مرات حروباً وثورات وأزمات لا تُحصى.

كلّها جميعها أكدت أن اللبنانيين بكل عهودهم، ورجالاتهم ومحافلهم، وشهاداتهم، ومقاماتهم، ومسؤوليهم، غير مؤهّلين لحكم أنفسهم بأنفسهم. ولو لفترة قصيرة، تعدُّ بالأيّام.

وما زالوا كما كانوا دائماً. سواء خلال زمن الانتداب أو مرحلة الاستقلال أو عقود انفراط المواثيق والنصوص والدساتير.

تماماً، كما وصفهم الرئيس الياس الهراوي في حديثه المشهور بأنهم لم يبلغوا سن الرشد. وما زالوا حتى الساعة، وحتى الغد… والذي يليه، في حاجة إلى وصيّ يمنعهم من الهجوم بعضهم على البعض وتهشيم “الوطن الرسالة”.

أجل، إنهم غير مؤهّلين لإدارة شؤونهم وشجونهم وفق نصوص وقوانين ودساتير، عُدّلت وبُدّلت مرّات عدّة نزولاً عند رغبة هذه الطائفة أو تلك، واستجابة لرغبات هذه القبيلة أو هاتيك المحميّة.

حقاً، إنهم مختلفون على كل شيء. ومنقسمون حول كل شيء، حتى لو كان هذا الشيء يتصل بالموقف من المناخ…

وهم الآن على هذا النحو، وهذه الصورة: مختلفون، حتى الوعيد بحروب جديدة، حول الموقف من إيران، وسوريا، والعراق، ومصر، واليمن، وتونس، وليبيا، وحول تأليف الحكومة منذ ثمانية أشهر فيما البلد مشلول على نحو لم يسبق له مثيل.

ناس مع سوريا وإيران حتى الانخراط في الحروب بلا هوادة، وناس ضد مصر وإلى جانب “الإخوان”، وناس مع “داعش” و”النصرة” وناس مع كل البلدان وكل الناس في كل الكرة الأرضية… ما عدا لبنانهم. ما عدا هذا البلد الذي لم يُسمح له أن يصير وطناً ليخرّج مواطنين له، لا أنصار وحلفاء لهذه الدولة أو تلك، وعلى حساب لبنان.

هذا في ما يخصّ الوقائع اللبنانيّة التي يَندى لها الجبين. أما على صعيد المنطقة و”الشرق الأوسط الجديد”، فإن إجراءات الصفقة بين أميركا والروسيا متواصلة على قَدَم وساق وفَخذ، وعلى أساس صياغة “سايكس – بيكو” متطوّر تحلّ بموجبه واشنطن محلّ لندن وموسكو محلّ باريس، مثلاً…

كان يمكن القول لعناتر هذه الأيام البائسة إن الحياد وحده يحمي لبنان وجميع مزارعه ودويلاته، ولكن على مَن تقرأ مزاميرك؟

النهار

بدء محادثات سرية لإنقاذ سوريا/ كولام لينش

عقدت كل من الولايات المتحدة وإيران وروسيا والسعودية ودول أخرى محادثات غير رسمية يوم الخميس لوضع استراتيجية للعمل على دعم جهود الأمم المتحدة الإغاثية المتعثرة في سوريا, وذلك بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة.

وقد عقد الاجتماع  – الذي تم في مقر البعثة الفرنسية للأمم المتحدة في جنيف- من أجل وضع أرضية عمل لعقد اجتماع آخر في 26 نوفمبر لبحث مستقبل جهود الإغاثة الدولية في سوريا.

اشتراك مسئولين أمريكان وإيرانيين يقدم دليلا آخر على أن الجمود الدبلوماسي الطويل بين البلدين بدأ بالذوبان, مما يشير إلى وجود مجالات أخرى للعمل أبعد من الدبلوماسية النووية الجارية حاليا بحيث يمكن للأعداء القدامى التعاون فيما بينهم.

منسقة الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة, فاليري آموس, نظمت هذا الاجتماع من أجل جمع القوى الإقليمية والقوى الخارجية التي تملك نفوذا على الأطراف المتصارعة. والهدف هو الضغط على الطرفين للسماح لعمال الإغاثة الدوليين الدخول إلى البلاد, لكي يتمكنوا من مساعدة عشرات آلاف المدنيين الذين لم يحصلوا على المساعدات الإنسانية منذ فترة طويلة. الأمم المتحدة بدورها بدأت بتقديم المساعدات الأساسية التي تشمل الطعام والدواء لأكثر من 2.5 مليون شخص من بينهم 300000 شخص يعيشون في مدن يحاصرها الجيش السوري, أجبر بعضهم على تناول أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة.

وفقا لمذكرة سرية طرحتها آموس أمام مجلس الأمن حصلت عليها الفورين بوليسي فإن :”الوضع الإنساني في سوريا يسوء يوما بعد يوم. كما تم قطع وصول المساعدات الإنسانية بسبب القتال الدائر هناك. الاستهداف المتعمد للمستشفيات والطواقم الطبية من قبل جميع أطراف الصراع أصبح حقيقة يومية. اختطاف واحتجاز عمال الإغاثة يزداد يوميا كما هو حال شاحنات الإغاثة. كما أن السوريين لم يرفعوا العوائق البيروقراطية وغيرها والتي تعيق عمال الإغاثة من أداء مهامهم”.

وقد تفاقمت الأزمة بسبب سياسات الحكومة السورية التي تعيق وصول المساعدات للمدنيين في معاقل المعارضة؛ كما أن نظام الأسد يمنع بصورة دائمة وصول الدواء ويضع العراقيل عندما يريد عمال الإغاثة الحصول على تأشيرات المرور. المجموعات المعارضة المتطرفة هي الأخرى تستهدف السوريين وعمال الإغاثة الدوليين, وتفرض حصارا على بلدات قرب مدينة حلب. (تحديدا بلدتين هما نبل والزهراء قرب مدينة حلب؛ المترجم).

في 2 أكتوبر, أصدر مجلس الأمن بيانا يدين فيه “جميع حالات منع وصول المساعدات الإنسانية” ويدعو إلى تسهيل “الوصول الآمن وغير المشروط للمساعدات في جميع أنحاء البلاد”. ولكن الوضع شهد تحسنا طفيفا جدا خلال الستة أسابيع التي تلت ذلك.

نتيجة للاحباط وعدم إحراز تقدم, بدأت كل من أستراليا ولوكسمبورغ بتحضير مسودة أكثر رسمية لمجلس الأمن تهدف إلى زيادة الضغط على جميع الأطراف للامتثال. ولكن روسيا عارضت بشدة هذا الإجراء, وبالتالي أقنعت آموس أستراليا ولوكسمبورغ أنه من الأفضل التوقف عن ذلك, ومواصلة الطريق الدبلوماسية من خلال تشكيل مجموعة من الدول ذات النفوذ للسير في هذا الإجراء.

حكومات كل من بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والكويت وقطر وأستراليا ولوكسمبورغ جميعهم قبلوا رسميا دعوة الأمم المتحدة للاجتماع في جنيف يوم الثلاثاء. دبلوماسيون من السعودية أخبروا نظراءهم في جنيف يوم الخميس أن الوفد بانتظار قرار رسمي من العاصمة. ولكن دبلوماسيين قدموا روايات متضاربة حول ما إذا قبلت إيران الدعوة. يوم الجمعة, قالت الرضا ميريوسفي المتحدث باسم البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة إن طهران تنظر  بشكل إيجابي إلى جهود آموس. وأضاف :”السيد آموس ناقشت بعض الأفكار الإنسانية حول سوريا خلال زيارتها إلى طهران مع المسئولين الإيرانيين. و رحبت السلطات الإيرانية بمبادرات الأمم المتحدة من أجل مساعدة أولئك الذين هم بحاجة للمساعدة” ولكن وفود أمريكا وإيران في الأمم المتحدة لم يستجيبوا اليوم لطلب الحصول على تعليق حول الموضوع.

أحد الدبلوماسيين الغربيين اشتكى من أن خطة آموس الأصلية – لتنظيم مجموعة مصغرة نسبيا من اللاعبين ذوي النفوذ – أعطت الطريق الآن للكثير من الدول التي ربما تكون غير ذات صلة.

اجتماع يوم الخميس تضمن أيضا ممثلين عن ألمانيا ومسئولين من وكالة إغاثة الأمم المتحدة و برنامج الغذاء العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة والمجلس النرويجي للاجئين.

دبلوماسيون على اطلاع قالوا إن فرنسا أصرت على حضور جارة سوريا, تركيا, في اجتماع يوم الثلاثاء, بينما اقترحت روسيا حضور جيران سوريا الذين يشملون العراق والأردن ولبنان. ولكن إسرائيل لم تدع إلى هذا الاجتماع.

يقول أحد الدبلوماسيين, مثيرا القلق من أن اجتماع الثلاثاء سوف يتحول إلى تجمع ضخم للدبلوماسيين يتم تقديم الخطب الدبلوماسية فيه فقط :”المجموعة تزداد حجما يوما بعد يوم. ما كان يفترض أن يكون كائنا صغيرا أصبح وحشا الآن”. ولكن من غير الواضح, وفقا للمسئول, ما إذا كان ذلك سوف يحقق نجاحا.

كما قال الدبلوماسي إنه في حين أن الخطة لوضع قرار مجلس الأمن على “الجليد” فإن بإمكان المجلس أن يعتمد قرار كل من أستراليا ولوكسمبورغ إذا فشل اجتماع جنيف في إحراز أي تقدم. السعودية هي الأخرى كانت تعمل على توزيع قرار في مجلس الأمن فيما يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية. من المفترض أن تخاطب آموس دول مجلس الأمن ال 15 في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر, وفقا لما أشار إليه الدبلوماسي. وإذا قالت إن الحكومة لا تتعاون, فإن “القرار سوف يعود إلى الطاولة بسرعة كبيرة”.

فورين بوليسي

مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى