صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

سورية و «جنيف 2» في سياق الاتفاق النووي/ عبدالوهاب بدرخان *

السؤال الذي طُرح بقوة وإلحاح فور اعلان التوصل الى اتفاق بين الدول الكبرى وإيران: هل يمكن أن ينعكس على سورية، وكيف وبماذا؟ طالما أن هذا الاتفاق «التاريخي» يتزامن مع الإعداد المركّز لمؤتمر «جنيف 2». السؤال الآخر: هل كانت سورية في أذهان المفاوضين، خصوصاً أن الايرانيين سبق أن أثاروا المسألة معربين عن استعداد لتنازلات في الملف النووي اذا حصلوا على تنازلات غربية في الملف السوري؟ يستتبع ذلك التساؤل عما اذا كان جنيف الايراني حجز لطهران الآن مقعداً في جنيف السوري، على رغم مشاركتها المباشرة في القتال الى جانب النظام. لكن تساؤلاً استنتاجياً يطرأ: وهل يتناسب هذا الدور العسكري مع اعادة تأهيل ايران للعودة الى الساحة الدولية؟ بل هل بإيران هذه يراد إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة وهي لا تزال تتبنّى سياسة «تصدير الثورة» وتأجيج النعرات والصراعات المذهبية والتدخل السافر في شؤون جيرانها العرب وغير العرب؟

في أي حال، لم يعد في السياسة الدولية منطقٌ يقاس عليه أو بوصلة يُسترشد بها. فبين تغريدتَي «بوتين يرى العالم بمنظار المافيا الروسية» و «مع اوباما مش ح تقدر تغمّض عينيك»، هناك عربدات نتانياهو وليبرمان وسواهما من موتوري الحكومة الاسرائيلية. وهؤلاء جميعاً، بالاضافة الى خامنئي وأعوانه، لاعبون يفضلون المقامرة والمساومة بالعرب وعليهم. المؤلم أن شعب سورية وطموحه الطبيعي والمشروع للتغيير وقعا في قبضة هذه الزمرة التي تتحرّك حالياً وفقاً لكلمة سر معلنة: «الارهاب»، لكنها لا تريد أن ترى مَن استدعاه الى سورية. والمفارقة العجيبة أنها قد تُخضع مجمل الأزمة لمَن يمكن الاعتماد عليه في محاربة هذا الارهاب، أي أن مَن جاء به أولَى بإخراجه على أن يُكافأ في صفقة الحل. فهذه هي قواعد النظام الدولي الراهن، كما تقولبها روسيا وكما تتكيّف اميركا معها.

والدليل الى ذلك ما حصل مع ايران التي ذهب الغرب في شيطنتها الى حدود غير مسبوقة، موحياً بأن مشكلته معها تكمن أولاً وأخيراً في طبيعة نظامها، وفي عقليته وتشدّده وشحنه الأيديولوجي ضد اسرائيل، وإلا لما كان عارض حصولها على القنبلة النووية. من هنا، أن المكسب الأول والأهمّ الذي حصلت عليه ايران هو أن الغرب تعالج وشُفي من «مشكلته» تلك، وأصبح معترفاً بالنظام قبل أن يعترف له بالحق في تخصيب اليورانيوم ولدولته بأن تكتسب صفة «النووية». وفي الأيام والساعات الأخيرة التي سبقت اتفاق جنيف، والمعانقات التي تلته، بدت الدول الكبرى وقد اغتسلت وغسلت نظام طهران من 33 عاماً من الجرائم والانتهاكات والمخالفات، وتأهبت لمعاملته بمقبوليةٍ تضاهي القبول والتغاضي اللذين يحتكر النظام الاسرائيلي التمتّع بهما.

وكما أُتيح لإسرائيل أن تحتل أرضاً وشعباً بالقوة والإجرام وأن تواصل سرقة المزيد من الأرض انتقـامـاً من الاتفاق النووي، لا يُستبعد أن تُكافأ ايران بدور اقليمي بدأته بالرهائن الاميركيين واستثمرت فيه توتيراً لمنطقتي الخليج والشرق الأوسط، وعبثاً بمجتمعات العرب وقضاياهم، ورعايةً للارهاب واستضافةً لفلول تنظيم «القاعدة»، وسيطرة على مفاصل الدولة الهشّة في العراق، وإفساداً لصيغة التعايش في لبنان، وإيقاظاً لأفاعي الصراع السنّي – الشيعي من أجل نظام سوري آفل، وتجميداً للحوار والتوافق في البحرين، واختراقاً لليمن بالارهاب والسلاح استدراجاً لتفكيك دولته، وتحريضاً للبيئات الشيعية هنا وهناك… ثم إنها، مع سعيها الى هذا «النفوذ»، حكمت وتحكم شعبها بالقمع والاستبداد وعرّضت اقتصاده ومعيشته لعقوبات قاسية لقاء سلاح نووي لم يبدُ أنه في متناولها، وإلا لما كانت رضخت وتنازلت فقط من أجل أن يُعترَف لها بالتخصيب وأن تُخفّف العقوبات.

بالمقارنة والقياس الى الحال الايرانية، كيف لنظام بشار الاسد ألا يتوقع مكافأته على ما ارتكبه هو الآخر ضد شعب سورية الذي لم يعد شعبه وضد شعوب لبنان وفلسطين والعراق، طالما أن «نظام بوتين – اوباما الدولي» يتمثّل بعقلية الارهابيين في مكافحة الارهاب، ويستعيد «فجور القوة» وبدائية قيمها في ادارة شؤون العالم، أو بالأحرى شؤون العرب حصرياً. فهذا النظام السوري كان شريكاً وحليفاً لنظيره الايراني في مختلف المراحل، من احتجاز الرهائن الأجانب والحرب ضد العراق، الى استخدام تنظيم «القاعدة» وتخصيبه لتفريخ تنظيمات بعشرات المسمّيات، الى تخريب النظام الانتقالي في العراق وإشعال حرب أهلية فيه، الى تقسيم الشعب الفلسطيني بين ضفةٍ وقطاعٍ، الى الاغتيالات السياسية في لبنان وحروب «حزب الله» بالوكالة عن النظامين اللذين يرعيانه، الى كذبة «نهج الممانعة» لبثّ الانقسام بين العرب، وأخيراً الى حرب هي الأكثر قذارة وبشاعة في التاريخ الحديث وتُخاض على أرض سورية وضد شعبها ولم يظهر حتى الآن أن طرفاً غير اسرائيل استطاع أن يحقق فيها مصلحة خالصةً نظيفةً وبأقل التكاليف… كل ذلك يجعل من نظام الاسد مؤهلاً لأن يكون أيضاً شريكاً لإيران (ولإسرائيل… ولروسيا وأميركا) في حسبة المصالح، فهو قدّم أعظم الخدمات بإضعاف العالم العربي وإلغائه استراتيجياً لمصلحة النفوذين الايراني والاسرائيلي الآيلين الى التصالح والتعاضد، وبالتالي فليس كثيراً أن يُمنح وظيفة «خدمة ما بعد البيع» لقاء استخدام خبرته في التعامل مع جماعات الارهاب.

بعد 24 ساعة على الاتفاق النووي، أمكن أخيراً تحديد موعد لمؤتمر «جنيف 2». هل هي صدفة أم استطراد؟ بان كي مون أعلن ما اتفق عليه الاميركيون والروس، أي أن التأخير لم يكن بسبب عقبات من النظام أو حتى من المعارضة، وإنما للحصول على اتفاق مع إيران، لأن ما بعده لن يكون كما قبله، وفقاً لـ «العارفين» الذين يقولون الشيء ونقيضه في توقعاتهم للسلوك الايراني منذ الآن. لكن المساومة لم تبدأ بعد، والقاعدة الايرانية الأولى هي أن أي عطاء يقابله أخذ، فقد تكون البداية في افغانستان حيث لم تكن هناك مشاكل تذكر مع الاميركيين، وإذ يقترب موعد انسحابهم فإن بعض ترتيباته يحتاج الى تنسيق مع الايرانيين، وبين الجانبين تجربة سابقة في الانسحاب من العراق. أما سورية فهي ورقة ثمينة وصعبة، والمطروح ايرانياً هو استعمالها في المساومة الكبرى عندما يحين وقتها وليس التخلّي عنها، نظراً الى تشعّباتها اللبنانية والفلسطينية والعراقية والخليجية، فضلاً عن التركية والاسرائيلية.

من شأن ايران أن تقرأ في السكوت الدولي عن تدخلها في القتال في سورية وعدم إدانته أو شنّ حملة عليه، مع إقحامها «حزب الله» وميليشيات عراقية ومقاتلين شيعة من بلدان عدة، نوعاً من القبول لمنعها سقوط نظام الاسد وانهيار قواته. لكن، اذا لم يكن «جنيف 2» سراباً أو خديعة… واذا كان الرهان يتمحور حالياً على حل سياسي، حقيقي ومتوازن، ينبثق منه. واذا كانت القوى الدولية، الصامتة والمتغاضية، معنية فعلاً بإنجاح هذه الفرصة التي باتت ملحّة، فقد حان الوقت كي تحدّد هذه القوى، تحديداً اميركا وروسيا، موقفاً واضحاً من هذا الدور الايراني الذي بات عدواناً سافراً على كرامة السوريين والعرب لا يقلّ إجراماً عن أي عدوان اسرائيلي. من هنا، على الاميركيين والروس أن يقرروا اذا كان استعراض القوة الايراني في سورية يمكن أن يساعد (كما يبدو أنهم يعتقدون) في بلورة حل سياسي أو يسهّله، أم أنه على العكس (كما تظهر الوقائع على الأرض) سيضغط على المفاوضات ميدانياً قبل موعد «جنيف 2» وبعده لتحسين الموقف العسكري – التفاوضي للنظام، وماذا سيكون موقفهم منها في هذه الحال أم أنهم يخططون منذ الآن لحل يبقي النظام ويكافئه؟

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

السؤال الذي ينتظر الجواب في جنيف – 2: يبقى الأسد أو لا يبقى… تلك هي القضية/ اميل خوري

السؤال الذي تختلف الأجوبة عنه ولا بد من أن يأتي الجواب القاطع عليه في جنيف – 2 هو: هل يبقى الرئيس بشار الأسد أو لا يبقى في أي حل للأزمة السورية؟ الوفد الرسمي السوري يكرر القول قبل أن يذهب الى جنيف – 2 “إن النظام لا يذهب إلى المؤتمر لتسليم السلطة أو تشكيل هيئة حكم انتقالية، ولو كان الأمر كذلك لسلمناها في دمشق ووفرنا الجهود والشعب وثمن تذاكر الطائرة”… أما المعارضة السورية التي يمثلها الائتلاف فترفض الذهاب الى جنيف ما لم يكن ينطلق من شروط المعارضة وهي وضع جدول زمني لرحيل الأسد وعدم حضور إيران.

لكن الشروط المسبقة المتبادلة لم تحل دون الموافقة على الحضور وانتظار ما سوف تقرره الدول المشاركة في المؤتمر ولاسيما أميركا وروسيا، وتجرى اتصالات لضم ايران والسعودية ودول أخرى معنية بالأزمة السورية من دون شروط مسبقة أيضاً لأن حضورها يساهم في تذليل العقبات والتقريب في وجهات النظر بين وفد النظام السوري ووفد المعارضة.

وفي المعلومات أن الرئيس الأسد سوف يبقى في السلطة حتى انتهاء ولايته وهو ما حصل مع رؤساء في لبنان واجهوا اضطرابات أمنية وأزمات سياسية ولم يرحلوا قبل نهاية ولايتهم مثل الرئيس كميل شمعون والرئيس اميل لحود. والاتصالات جارية بين الدول المعنية حول تغيير النظام السياسي في سوريا، إذ إن المطلوب هو أن تكون كامل الصلاحيات التي تمارسها الحكومة وكذلك الرئيس الأسد قد انتقلت إلى الحكومة الانتقالية وهو ما لا يجوز لروسيا معارضته لأن بيان جنيف – 1 نص صراحة على نقل الصلاحيات، إلا إذا كان لها قراءة مختلفة لهذا النص وهو أن المقصود بالصلاحيات الكاملة صلاحيات الحكومة السورية وليس صلاحيات الرئيس الأسد التي تنتهي حكماً مع تشكيل الحكومة الانتقالية كما ترى ذلك أميركا ودول غربية.

ويذهب كل موافق على المشاركة في مؤتمر جنيف – 2 إلى الأخذ بشروطه أو على التوصل إلى حلّ وسط لا غالب فيه ولا مغلوب، وما رجّح ذلك قول نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في حديث صحافي “إن صيغة لا غالب ولا مغلوب اللبنانية تصلح للحل السياسي في سوريا”.

ويعتمد الوفد الرسمي السوري لبلوغ ما يريد على الآتي:

أولاً: أن يطول التوصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة الانتقالية وبالتالي الى تفسير الغموض في ما يتعلق بنوع الصلاحيات الكاملة ودور الرئيس الأسد بحيث يكون موعد انتهاء ولايته قد اقترب ولا يكون قد تم التوصل الى أي اتفاق إلا إذا سبق عقد المؤتمر اتصالات تجعل التفاهم على الحل يسبق المؤتمر.

ثانياً: أن يغير الوضع الميداني على الأرض المواقف إذا ما استمر تقدم الجيش النظامي واستعادته مزيداً من المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة.

ثالثاً: ألاّ يكون لدى المعارضة المتفرقة تصور واحد بالنشبة إلى شكل الحكومة الانتقالية ومَنْ منها يجب أن يكون متمثلاً فيها، وغير متفقة الا على رحيل الأسد وليس على من يخلفه.

وفي المعلومات أيضاً، أن الولايات المتحدة الاميركية وروسيا بالتنسيق والتفاهم مع الدول المعنية ولاسيما مع ايران والسعودية، لن تنتظر توصّل الوفدين السوريين إلى اتفاق على كل النقاط الواردة في بيان جنيف – 1 إنما سوف يتم الاتفاق بين هذه الدول على ذلك كما اتفقت على إنهاء الحرب في لبنان على بنود اتفاق الطائف ولم تنتظر موافقة الاطراف اللبنانيين عليه وهو اتفاق لو تُرك لهم وحدهم لما اتفقوا.

الواقع أن تنفيذ هذه النقاط يحتاج إلى تفاهم بين الدول المعنية بالأزمة السورية ولاسيما ايران والسعودية، ومن دون التوصل إلى ذلك، فان الازمة السورية سوف تستمر ومعها المواجهات العسكرية الشرسة المدعومة بالمال والسلاح من كل جهة خارجية معنية بحيث تكبر دائرة الخراب والدمار لتبلغ العاصمة دمشق ليصبح “حل التعب” هو الحل الذي قد يفرض نفسه او يعود الحل إلى مجلس الأمن دون “فيتو” بعد الاتفاق الروسي – الاميركي.

يقول ديبلوماسي أوروبي إن لا حل للازمة السورية ما لم توافق عليه روسيا وايران لأنهما وحدهما يستطيعان أن يقولا للرئيس الأسد أن يتخلى عن السلطة لأنه يعلم أنه موجود بفضل دعمهما له. وقد لا يقولان له ذلك إلا اذا تشكلت الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة ويحظى تشكيلها بموافقتهما، وتكون هذه الحكومة قادرة على الحكم وعلى فرض الأمن والنظام في كل سوريا وقادرة خصوصاً على تحرير المناطق من سيطرة الارهابيين والتكفيريين كي لا يحل بسوريا ما يحل في عدد من الدول العربية في الصراع. وهذا ما يمكن التوصل اليه سواء حضرت ايران مؤتمر جنيف – 2 أو لم تحضر لأن في يدها مفتاح الحل سلماً او حرباً خصوصاً بعدما تحقق التقارب بينها وبين أميركا.

النهار

الربط بين مؤتمري جنيف الإيراني والسوري/ خليل حسين

في وقت تم إنجاز اتفاق مؤقت بشأن ملف إيران النووي بعد مفاوضات شاقة في جنيف ، وفي وقت استعرت الساحة السورية بمعارك الكر والفر وسط إعلان انطلاق “جنيف 2” منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل، حاولت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون، إطلاق إشارات توحي بأن مؤتمري جنيف الإيراني والسوري غير مرتبطين، فما هي خلفية هذه الإشارات وهل هي عملية أو واقعية ؟ وبمعنى آخر هي يمكن فصل المسارات في ملفات الشرق الأوسط؟

على الرغم من بعض الخصوصية التي تحكم كلا المؤتمرين لجهة الموضوعات والوسائل المتبعة في سياق الشد والجذب التفاوضي، إلا أن ثمة ترابطاً واضحاً في القضايا الاستراتيجية المتعلقة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي من الصعب القول إن ثمة إمكانية للفصل بين سياق المؤتمرين لجهة التوقيتات المقترحة والأهداف المعلنة وغير المعلنة منهما .

ف”جنيف 2″ السوري المقترح في أواسط ديسمبر/كانون الأول المقبل لم تكتمل شروط انعقاده عملياً، رغم إطلاق التصريحات المتفائلة حوله، فمن الواضح والمسلم به، إن الأطراف السورية معارضة وموالاة تربط حضورها وجداول أعمالها على وقع المكاسب العسكرية المفترضة على الأرض، ويبدو واضحاً أن هذه الأطراف ربطت المؤتمر بالظروف العسكرية الحالية الجارية في منطقة القلمون على الحدود السورية اللبنانية التي تعتبر فاصلة بالنسبة إليها أقله في المرحلة الحالية، كما كان الأمر فاصلاً بالنسبة إليها في معركة القصير التي ربطت نتائجها في سياق الشد والجذب لمقترحات “جنيف 1″، وعليه فإن “جنيف 2” لم تتحقق ظروفه مقارنة بالتاريخ المقترح، وعليه سوف يؤجل أقله إلى شهر يناير/كانون الثاني من العام المقبل كما أطلقت بعض الإشارات الأوروبية في اجتماع بروكسل لوزراء الخارجية الأوروبيين . ورغم ذلك لا يمكن اعتبار هذا الموعد نهائياً، إذ من الممكن أن تنشأ ظروف أخرى متعلقة بالمؤتمر نفسه أو بقضايا إقليمية ذات صلة فيه، وبالتالي إما تؤجله مرة أخرى وإما تجعله وسيلة للضغط في القضايا الإقليمية المرتبطة به .

وفي المقلب الآخر المتعلق بجنيف الإيراني، الذي انطلقت فعالياته بزخم أمريكي وإيراني كبيرين، فإن إطار الاتفاق تم إنجازه، إلا أن مستوى التداخل بين ملفات الأزمة السورية ووقائعها، ومتطلبات الملف النووي الإيراني ووسائل استثماراته، يتطلب نوعاً من الربط والوصل في انعقاد مؤتمري جنيف السوري والإيراني لجهة شكل ومضمون الانعقاد ووسائل الضغوط المستعملة فيهما .

إضافة إلى ذلك، أن القراءة “الإسرائيلية” للملف النووي الإيراني والكيماوي السوري، تجعل من مسار المؤتمرين أمراً مرتبطاً بالرضا “الإسرائيلي” ومدى التقديمات والجوائز المفترضة لها . فزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى تل أبيب مؤخراً وظهوره بمظهر حامي حمى أمن “إسرائيل” أكثر من “الإسرائيليين” أنفسهم ، إضافة إلى موقف وزير خارجيته في اجتماعات جنيف السابقة وتصلبه في مواجهة الأمريكيين من تقنيات التخصيب الإيراني، توحي بأن “إسرائيل” راغبة في المضي إلى النهاية في استثمار هذه الوقائع بصرف النظر عن حجم ومدى فعاليتها العملية . وما يعزز هذه الرؤية موقف وزير الحرب “الإسرائيلي” موشى يعلون من ملفات المؤتمرين بقوله، “إننا نقول، إن من يريد السلام عليه أن يستعد للحرب، وإذا تطلب الأمر المجابهة فلنتجابه، من أجل ألا يمتلكوا سلاحاً نوويا” واعتبار بنيامين نتنياهو الاتفاق النووي بأنه “سيئ” .

إن تعقيدات الملفات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وتشعب الفاعلين فيها وتعدد المستفيدين منها وحاجتهم المتزايدة لتبادل المكاسب والمنافع والتقليل من الخسائر، تعزز من فرص ربط أي مؤتمرات لمعالجة هذه الملفات، ومن بينها مؤتمرا جنيف الإيراني والسوري، لا سيما أن مستقبل الوقائع المرتبطة بهما هي من النوع القابل للاستثمار أولاً، وقابلية هذه الوقائع للامتداد الزمني ثانيا، وهو أمر مطلوب ومرغوب فيه أقله من طهران ودمشق .

أما الأخطر والأبرز في ذلك، إمكانية دخول لبنان أيضاً في سياق المؤتمرين، لا سيما أن معركة القلمون وبصرف النظر عن وقائعها ونتائجها المفترضة، ستنقل القسم الأكبر من تداعيات الأزمة السورية إلى لبنان، فهل سيُحجز للبنان مؤتمراً خاصاً به بعدما حُجز مقعداً له في “جنيف 2″؟ إن تاريخ لبنان السياسي المعاصر حافل باللجوء إلى جنيف كمكان لمناقشة مشاكله ومتاعبه، ويبدو أنه لن يشذ عن هذه القاعدة، ما يؤكد ويعزز من مسار جنيف الإيراني والسوري وربما اللبناني لاحقاً .

الخليج

العرب والأزمة السورية… و”جنيف 2″/ د. وحيد عبد المجيد

يتيح تأخير عقد مؤتمر «جنيف 2» فرصة لمراجعة الدور العربي في الأزمة السورية سعياً لانخراط أكثر فاعلية فيها. فقد أظهرت التفاعلات المكثفة التي حدثت خلال الأسابيع الأخيرة بشأن هذا المؤتمر أن الدور العربي مازال أضعف من أن يؤثر ليس في الترتيبات الخاصة بعقده فقط، ولكن في مسار الأزمة بوجه عام. فكان صراع الإرادات حول جدول أعمال المؤتمر وتحديد المشاركين فيه وتفسير المبادئ التي تضمنها بيان «جنيف1» بمثابة اختزال مكثّف لحالة الأزمة السورية في مجملها في المرحلة الراهنة.

لذلك كانت محدودية الدور العربي في التفاعلات المتعلقة بمؤتمر «جنيف 2» انعكاساً لضعف هذا الدور في الأزمة التي يراد عقد هذا المؤتمر من أجل حلها، أو تحديد الاتجاه الذي يمكن أن يقوم عليه هذا الحل. وعندما اعترف الأمين العام لجامعة الدول العربية في تصريحات صحفية أدلى بها يوم 6 نوفمبر الجاري بعدم وجود خطة بديلة في حالة عدم إمكان تحديد موعد قريب للمؤتمر، لم يفاجئ أحداً. فليس لدى الجامعة خطة متكاملة لهذا المؤتمر في حالة انعقاده أيضاً.

وحين تفتقد الجامعة خطة للمؤتمر، وأخرى بديلة في حالة عدم انعقاده، فهذا نذير خطر يتجاوز الصراع على سوريا ومستقبل بلد عربي منكوب ينزف شعبه يومياً ويعاني ويلات تدمي القلوب.

فقد أصبح هذا الصراع إقليمياً ودولياً بمقدار ما هو داخلي، وصارت سوريا ساحة يستغلها حلفاء نظام الأسد لتحقيق مصالحهم عبر انخراطهم المباشر والمؤثر في إطار خطط يتحركون وفقاً لها. لذلك تجاوزت إيران مثلاً موقف رد الفعل الذي اضطرت إليه عندما بدأت تحركها لمساندة الأسد في بداية الأزمة، وصارت اليوم قوة فاعلة فيها تتحرك وفق رؤية تتوخى أن تكون هذه المساندة سبيلاً للخروج من مأزق الحصار المفروض عليها. وهي تستثمر الآن نتائج انخراطها المباشر، ومعها «حزب الله»، في الصراع، وما أدى إليه من دعم مركز نظام الأسد على الأرض. وفي الوقت الذي تمكنت روسيا من تعويم هذا النظام دولياً عبر صفقة تدمير ترسانته الكيماوية، بدأت إيران في مد جسر مع واشنطن سعياً للخروج من دائرة الحصار وتطلعاً إلى استعادة قدرتها على التمدد الإقليمي بعد فترة اضطرت فيها إلى الانكماش.

ولم يكن اتجاه القيادة المحافظة المهيمنة على إيران إلى تسهيل انتخاب حسن روحاني المعروف باعتداله نسبياً بشأن الملف النووي رئيساً جديداً إلا رغبة في توفير إمكانات هذا التمدد مجدداً.

لذلك تتعامل إيران مع مؤتمر «جنيف2»، سواء عُقد أو لم يُعقد، باعتباره فرصة لجني ثمار انخراطها المباشر في الأزمة السورية، مستندة على موقف الإبراهيمي المتحمس لدورها ومشاركتها في هذا المؤتمر، إلى حد وصفه حضورها بأنه «لا غنى عنه» على حد تعبيره. وهذا مثال واضح يفيد أن الانخراط المباشر يحقق ما لا يمكن التطلع إليه عبر التحرك عن بُعد. فقد فرضت إيران دورها باعتباره أمراً واقعاً، ونجحت عبر تحركها على الأرض في دفع المبعوث الدولي إلى اعتبارها «شاهداً فاعلاً»، وليس طرفاً مباشراً ورديفاً كاملاً لنظام الأسد.

وليس دور إيران هذا، والتهديد الذي ينطوي عليه إقليمياً وسورياً في آن معاً، إلا أحد العوامل التي تدفع إلى الحث على إعادة النظر في الدور العربي. ويمكن أن يكون تأخير عقد مؤتمر «جنيف2» فرصة لمراجعة تقودها الدول العربية التي تؤيد حق الشعب السوري في تقرير مصيره بحرية، وتساند هذا الشعب فعلياً وليس فقط لفظياً، باتجاه انخراط مباشر أكثر فاعلية على الأرض وليس فقط على مائدة هذا المؤتمر حين يُعقد أو إذا عُقد.

ومن المنطقي أن تنطلق هذه المراجعة من تقييم الأداء العربي تجاه الأزمة السورية على مدى عامين وأكثر من نصف عام، والبحث في عوامل ضعفه وكيفية تقويته لمعادلة تأثير دور إيران على الأقل. وفي كل الأحوال، واستباقاً لهذه المراجعة، قد لا يكون هناك خلاف واسع على الحاجة إلى استراتيجية عربية تجاه الأزمة السورية بمختلف جوانبها تقوم على ركيزتين مترابطتين.

الركيزة الأولى هي التواصل مع قوى المعارضة التي تعتبر سوريا وطناً نهائياً لها وليس جزءاً من أي كيان آخر، وممارسة ما يتيسر من ضغط أو نفوذ عليها لتوحيد نشاطها على الأرض بقدر الإمكان، وليس فقط لإقناعها باتخاذ موقف موحد إزاء مؤتمر «جنيف 2».

ويبدأ هذا التحرك بالسعي إلى تفاهم بين هذه القوى على وضع حد للاتهامات المتبادلة والمعارك السياسية التي زادها الخلاف على المشاركة في المؤتمر اشتعالًا. فوقف هذه الاتهامات شرط ضروري للتحرك باتجاه التقريب بين مواقف القوى الوطنية التي أضعفها تشتتها في مواجهة النظام والجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم «القاعدة» في آن معاً.

غير أن نجاح هذا السعي يتوقف على إحراز تقدم على صعيد الركيزة الثانية، وهي مد الجسور بين الجماعات المسلحة التي تتبنى أهدافاً وطنية سورية توطئةً لبناء إطار للتعاون بينها بعد أن أصبح دمجها حلماً بعيد المنال. ولعل الخطوة الأولى في التحرك على هذا الصعيد هي السعي إلى وضع حد لعشوائية تمويل هذه الجماعات وما تؤدي إليه من تعزيز أحد أبرز دوافع الانقسام في اللحظة الراهنة، وهو الحصول على تمويل خارجي. فقد أصبح التطلع إلى هذا التمويل دافعاً إلى تكاثر الجماعات التي يبحث كل منها عن حصته من الأموال في غياب أي تنسيق بين الممولين عرباً وأجانب. ويعني ذلك أن العلاقة بين جماعات الثورة الوطنية المسلحة يحكمها في اللحظة الراهنة مؤثران أساسيان هما الموقف السياسي والتمويل، إلى جانب الخلفية الاجتماعية والظروف الميدانية.

لذلك تستطيع الدول العربية التي تساهم في تمويل المعارضة السورية أن تقود تحركاً فاعلاً لتعزيز الدور العربي، إذا اتفقت على خطة لجمع شتات هذه المعارضة. وعندئذ قد يكون بإمكانها إقناع الفصائل المقاتلة بالاتفاق على قيادة موحدة لإنهاء الطابع الميليشياوي الذي ينتشر اليوم في صفوفها. فقد ثبت خلال الأشهر الستة الأخيرة بصفة خاصة أن وجود قيادة مشتركة للقوات السورية وعناصر الحرس الثوري و«حزب الله» والشبيحة الذين يُطلق عليهم رسمياً «لجان شعبية» كان عاملاً جوهرياً في تغيير ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام.

لذلك يبدو الوضع الراهن للأزمة السورية اختباراً كاشفاً لمدى استعداد الدول العربية التي تساند المعارضة لعمل مشترك بات ملحاً لتجسير الفجوات بين أطراف هذه المعارضة السياسية والعسكرية في إطار خطة محددة تمكنها من إدارة تلك الأزمة بطريقة أفضل.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى