صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

 “جنيف 2″: الفشل ينتظر الجميع!/ خالد الدخيل *

هل يمكن أن يؤدي «جنيف2» إلى مخرج حقيقي للحرب في سورية؟ العقبة الأهم في وجه المؤتمر هي مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد ومستقبل النظام الذي يقف على سُدته، وهذا لا يعود لأهمية يتميز بها الأسد ونظامه إلا لناحية واحدة، وهي أنه بقي الرافعة الوحيدة للدور الإيراني في الشام وأذرعة هذا الدور، ومن أهمها «حزب الله» اللبناني بترسانته العسكرية، ومن هنا تبرز مسألة مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2، وارتباطها بموقف طهران من مستقبل الرئيس السوري، واشتراط واشنطن لقبول مشاركة إيران سحب مقاتليها من سورية.

من جانبها، تلتزم طهران صمتاً مطبقاً حيال الموضوع، تاركة لحليفها الأهم في الشام الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، مساحة واسعة للتهويل والتهديد في خطابات ازداد عددها في الآونة الأخيرة عن المعهود، وقد أخذت نبرة هذه الخطابات ترتفع في حدتها وعدوانيتها، وأكثر ما يلفت النظر في خطابات نصرالله الأخيرة هو استهدافه السعودية في شكل مباشر وغير مسبوق. قد يبدو هذا محاولة لتأكيد الثقة بالنفس، لكنه في الواقع يعكس حال التوجس والتوتر التي تمر بها أطراف الفريق الذي يمثله نصرالله في هذه المرحلة. صمت إيران حيال الموضوع، وهي الراعي الأكبر لهذا الفريق، يشير إلى أنها تستخدم الأمين العام لجس النبض، وهو ما يعزز فرضية التوجس.

لكن هناك ما قد يكون أخطر من ذلك، وهو أن محاولة إيران التعبير عن توجسها وتوترها من خلال الأمين العام لـ «حزب الله»، من خلال بعث رسائل تهديد بأنها ستلجأ إلى تفجير الوضع في لبنان، تمهيداً لانقلاب يحضر له الحزب للاستيلاء على الدولة، وفرض واقع سياسي هناك بقوة السلاح. تأمل إيران أنها بذلك تجعل من لبنان ورقة سياسية ضاغطة في يدها على الجميع. كان لبنان هو الورقة التي لا يستطيع النظام السوري المحافظة على بقائه من دونها. ثم تعاظمت أهمية هذا البلد الصغير بعد الثورة السورية: النظام السوري يخوض معركته الأخيرة، والاتفاق الأميركي الإيراني وضع إيران ودورها الإقليمي الذي لا يزال في طور التشكل أمام أخطر المنعطفات، ومن ثم تعاظم دور «حزب الله» بالنسبة لإيران، وللحفاظ على فعالية ووظيفة دور الحزب، لا بد من الإمساك الكامل بالوضع السياسي في لبنان. المرحلة حرجة بالنسبة لإيران، لأنها مقبلة على مفاوضات الاتفاق النهائي في شأن برنامجها النووي، وعلى مؤتمر جنيف 2 الذي سيحدد مستقبل النظام السوري حليفها الوحيد في المنطقة. الاتفاق النهائي مع الدول الكبرى يقتضي التخلي عن السلاح النووي. هل تقبل إيران بالتخلي عن حليفها الأسد ونظامه، وهو الرافعة الوحيدة لدورها الإقليمي؟

من هذه الزاوية يجب أن نفهم التوتر الذي بات يسيطر على خطابات حسن نصرالله، وأنه توتر يمتد بين طهران والضاحية الجنوبية، ومن الزاوية نفسها يجب أن نفهم ما يقوله نصرالله هذه الأيام، فالأمين العام أمين حقاً، كما يردد هو، على الدور الإيراني، لمعرفته أن تعثر هذا الدور يعني تعثر موقعه، وانتهاء دوره في لبنان والمنطقة.

المفردة المفتاح في خطابات نصرالله هي «التفجير»، والسياق الذي ينتظم خطاباته هو التهديد دائماً، ومحاولة استعراض فائض لدى الحزب. ذكر نصرالله مفردة تفجير لبنان أكثر من مرة في خطابه الجمعة الماضي. من الذي سيقوم بالتفجير؟ حاول نصرالله بذكاء مكشوف القول إن السعودية هي من قد يفعل ذلك. يقول: «يبدو أن هناك في مكان ما في الإقليم مَن وصل إلى مرحلة لأخذ البلد إلى التفجير نتيجة غضبه». في الوقت نفسه هدد بلغة مباشرة بانقلاب عسكري إذا لم تطلق يد مقاتليه في سورية، وإذا لم يحمِ لبنان ظهرهم هناك. يقول: «حكومة الحياد هي حكومة خداع. في لبنان لا يوجد حياديون». بعبارة أخرى إما أن تكون مع النظام السوري أو تكون ضده. حسن نصرالله مع النظام السوري قلباً وقالباً، ولذلك أطلق تهديده المباشر بقوله: «نحن لا ننصح أحداً بالإقدام على تشكيل حكومة أمر واقع، ونقطة على أول السطر». وهذا تهديد يشبه تماماً ما قاله نصرالله قبيل نزول مقاتليه في شوارع بيروت والجبل في عملية عسكرية نفذها الحزب في 7 أيار (مايو) 2008 ضد تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. ثم يذهب أبعد من ذلك عندما خاطب قوى 14 آذار، الخصم الرئيس لـ «حزب الله» قائلاً: «إذا كان هناك إعلان حرب قولوا لنا، إن كان هناك إعلان حرب، نحن ترى ما بدنا نعمل حرب معكم، ونحن مش فاضيين لكم، ونحن معركتنا مع الإسرائيلي، لكن ما حدا يلعب معنا، ما حدا يلعب معنا». لاحظ حديث نصرالله بأن معركته مع إسرائيل، في الوقت الذي يغرق مقاتليه في الحرب إلى جانب الأسد ضد الشعب السوري، والمقصود بـ «ما حدا يلعب معنا»، أي الامتناع عن تشكيل حكومة انتقالية في لبنان، حكومة حيادية لا تتمثل فيها كل القوى السياسية مهمتها التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. في المقابل يريد حسن نصرالله ما يسميه «حكومة وحدة وطنية» يتمثل فيها حزبه بسلاحه وحلفائه بهدف السيطرة عليها لحماية تدخله العسكري في سورية، وذلك لأن موضوع سورية كما يقول هو «معركة وجود، وليس معركة امتيازات، هو شرط وجود»، مضيفاً: «إن تدخل حزب الله في سورية قاطع ونهائي وحاسم، لأن معركة سورية في نظرنا هي معركة وجود». عندما تأخذ نصيحة نصرالله لخصومة بعدم تشكيل حكومة أمر واقع، وتهديده بـ «عدم اللعب معه»، وتأكيده المتكرر أن معركته في سورية هي معركة وجود، تصل إلى نتيجة واحدة، مفادها أن حال التوتر في صفوف قيادات الحزب مرتفعة، وأن لبنان يقترب على خلفية ذلك من مرحلة تفجير ستكون إذا حصلت أكبر مما حصل في 7 أيار 2008.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لإيران ولمؤتمر جنيف 2؟ بالنسبة لإيران يعني أن محاولات استثمارها الإعلامي لاتفاقها مع الأميركيين لم تنجح في إخفاء حقيقة أن سياستها الإقليمية تمر بمرحلة خيارات، مرحلة انتقالية تجتمع فيها مكاسب وخسائر تحاول الموازنة فيها بين تنازل عن السلاح النووي والتضحية بحليفها الأسد، وما يفعله «حزب الله» هو محاولة العمل في السياق نفسه لتأمين لبنان تحت كل الظروف حتى لا يخرج عن المدار الإيراني. ستضطر إيران إلى تنازلات وتضحيات في سبيل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدول الكبرى، كما فعلت في الاتفاق الموقت. لكن هل ستضحي بالأسد؟ صحيح أن هناك صراعاً بين تيار إصلاحي وآخر محافظ في إيران؟ لكن الصحيح أيضاً أن هناك إجماعاً داخل إيران بأن تحالف الأقليات هو العمود الفقري لسياسة الدولة الإقليمية، وأن سورية هي الجبهة الأولى، وبالتالي فإن تراجع دور طهران في سورية سيكون الخطوة الأولى لانهيار الدور برمته. تأمل طهران، كما يؤكد نصرالله، أن يكون جنيف مجرد غطاء لاستكمال الحل الأمني. بالنسبة للنظام السوري ليس هناك ما يخسره في استكمال هذا الحل، لكن ما هو الحد الذي يمكن أن يتوقف عنده الحل الأمني؟ في سورية عشرات الآلاف من المقاتلين والأرقام تتزايد. مأزق إيران أنها دشنت حرباً طائفية في العراق أولاً، ثم في سورية ثانياً. توظف ذلك لدفع الآخرين لتقديم تنازلات الحل السوري المطلوب، تخشى أن يأتي وقت ترتد عليها حربها الطائفية، وتأمل بأن التراجع الأميركي في العالم قد يضطر واشنطن لفرض تنازلات على حلفائها وأصدقائها. إذا فشلت في ذلك، وهو الأرجح، فإن الحرب في سورية ستستمر بكل تبعاتها. تهديد نصرالله بتفجير لبنان هدفه تأمين لبنان، وفرض دعوة إيران إلى جنيف 2 من دون شروط مسبقة، لكن دعوتها على هذا النحو تعني ابتعاد إمكان الحل، وعليه فإن إمكان نجاح جنيف 2 يتطلب إما إبعاد إيران عن المؤتمر، أو أن تحضر شرط أن تسحب ميليشياتها من سورية، وأن تقتنع بأن عصر الأسد في هذا البلد وصل إلى نهاياته… فهل هذا ممكن؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

تزوير السياسة/ نهلة الشهال

هل كان متوقعاً حقاً أن يؤدي اجتماع جنيف المقبل إلى اتخاذ قرار برحيل الأسد، أو على الأقل بتعيين موعد لرحيله؟ ينبغي على من يفترض ذلك أن يسأل نفسه عن الجهة التي يمكنها اتخاذ قرار كهذا، وكذلك عن قدرتها على تنفيذه. وهي لا وجود لها، لا في الحالة السورية ولا في سواها.

ويبدو صبيانياً ونزقاً افتراض أن مؤتمراً دولياً يمكنه أو يُتوقع منه ذلك، ما يعني شطب روسيا والصين وإيران… على الأقل! ومن جهة أخرى، وخارج إطار المؤتمرات، اتضح بصورة كافية أن لا جهة دولية ستشن غداً حرباً على سورية ولا حتى غارات عسكرية، تُنهي ببساطة حكم الأسد وتسلم السلطة للجيش الحر مثلاً، وتتركه يصارع داعش وحاشا وسواهما من التشكيلات. وأن تكرار ما جرى في ليبيا غير ممكن، علاوة على أن المشهد الليبي الحالي يجعله غير مستحب. وأما سيناريو العراق فسياقه مختلف بالكامل وأصلاً: لحظته الدولية والإقليمية، والتمهيدات التي رافقته وتطلبت حربين عالميتين شنتا على البلد وسنوات من الحصار، ثم الخلاصات التي أسفرت عن الغزو والاحتلال والتي يُجمَع على أنها كارثية.

هذا زمــــن انتهى. وهو كان قصيراً خاطفاً على أية حال. والمدهش أن الأميــــركيين أنفسهم يقولون ذلك علناً وبطـــرق مختلفة، ولا أحد يسمع أو يرتِّب على تصريحات مسؤوليهم نتائجها. بل تـــدور على أثرها حفلة هجاء وندب على طريقة «يا للخيانة»، وتظـــهير لسيناريوات تآمرية عن صفقة مع إيران الخ… وهـــناك من يأسف لأن خطوة توريط واشنطن في عملية عسكرية هنا لم تنجح. وهي، حتى لو كانت حدثت في أي لحظة، وبعد أحداث كاستخدام الكيماوي أو غيرها من المجازر، وعلى فرض إمكان تجاوز التصدي الروسي والصيني لها، ديبلوماسياً وعملياً، لكانت محدودة ولأججت الصراعات الدائرة ودفعتها إلى الإفلات من كل عقال، وليس العكس.

وهناك من يأسف أكثر للتفاهمات الدولية مع طهران التي تنجح. وفي ذلك كله قفز فوق المعطيات السياسية على كل المستويات، وخلط خطير بين الأمنيات والواقع، وتسويق لأوهام، وغش للناس لا يفعل غير إلحاق مزيد الأذى بهم، تماماً كذلك الغش الذي مورس حين جرى إيهامهم، بواسطة تصريحات دولية ولقادة المعارضة السورية آنذاك، أن أمر الخلاص من نظام الأسد يتطلب صموداً لأيام أو أسابيع بالأكثر. وبدا آنذاك كل كلام يناقض هذه التأكيدات، ويبْرز الطبيعة الشاقة والمعقدة للمواجهة، واستعصاءاتها، ويتوقع استطالتها، وكأنه مُغرض، يدافع عن النظام، وكأن الأمر يُحسم بالانحيازات الارادوية، الذهنية والأخلاقية، ويتطفل عليه التحليل المركب والاتجاه لقياس المعطيات الواقعية!

وهو نفسه الموقف اليوم، الذي يريد تلخيص المشهد وتبسيطه بأن «المجتمع الدولي» يخاف انتشار القاعدة في سورية ولذلك «قرر» الإبقاء على سلطة الأسد، بينما يتحكم في الواقع ويفعل فيه ألف اعتبار آخر، مما لا ينفع تجاهله والتعمية عليه. والتشديد على تلك الاعتبارات لا يتضمن محاباة للأسد ولنظامه، ولا تقديم تبريرات لهما. ثم، وعلى فرض هُزمت الثورة السورية غداً، فلا يعني ذلك أبداً أن الأسد ونظامه ومؤيديه كانوا على حق. فالانتصار والهزيمة ليسا هما من يحدد شرعية أي فعل سياسي، علاوة على أن الثورات غالباً ما تُهزم، وأن الاستثناء هو نجاحها في تحقيق أهدافها، تلك المباشرة المتعلقة بالاستيلاء على السلطة، والأخرى التي تلي هذا الابتداء…

إن عالماً كاملاً من الوهم والتزوير قد حكم المسألة السورية وتحكم بالعقليات المحيطة بها والمتعاطية معها. وهو عالم بدأ بُعيد اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية، حالما طغت عليها حالة المجابهة المسلحة، أو ما يُنعت بالعسكرة، فارضة تغييراً عميقاً في معطيات المشهد العام. ولا يتعلق الأمر بالنجاح في المحاجّات، كالقول مثلاً إن السلطة استخدمت عنفاً مفرطاً، ما استدعى الرد المسلح عليه. اذكر هنا أن عدداً من ذوي النفوذ (الفكري على الأقل) قالوا في تلك المرحلة إنه يحق استخدام السلاح للدفاع عن النفس بوجه الشبيحة. وهم كانوا حينها مربكين ومحرجين، يعرفون أن مقولة «الدفاع عن النفس» لا تستقيم، ولكنهم لا يجرأون على إعلان رفضهم للعسكرة التي كانت قد بدأت، ويحتمون خلف حقيقة أن السلطة كانت تدفع الناس دفعاً لاستخدام السلاح. يعرفون ذلك ويؤكدونه، ولكنهم لا يصلون بهذا المعطى الى نهاياته: حسناً، لماذا تفعل السلطة ذلك، وما النتائج المترتبة على قدرتها على فرض شكل المجابهة. يقولون إن الدفع نحو العسكرة سيبرر لها ممارسة القمع، إذ تعتد بأنها تواجه إرهابيين والفوضى. ثم يعاودون الوقوف في نقطة تسبق الاستنتاج السياسي، الذي يفترض أن تُبنى عليه الخطة المضادة. وقيل إن النظام أطلق سراح القياديين في التنظيمات المرتبطة بالقاعدة المعتقلين في سجونه، وتركهم يسرحون ويمرحون. وهذا بات مؤكداً وموثقاً. ويبدو إيراد هذه الواقعة، هنا أيضاً، اقرب إلى المنازلة الكلامية والتفوق في المحاجّة منه إلى السياسة بما هي مخططات تنطلق من هندسة معطيات الواقع: انظروا كم هي سافلة هذه السلطة التي تتعمد العسكرة وتدفع الناس إليها عبر تنظيم الانتهاكات الفظيعة، وعبر تسهيل انتشار السلاح بل توفيره لو لزم الأمر، وعبر إطلاق من تتوقع تماماً سلوكياتهم وما سيعيثون… كم هم حقراء! اشهدوا يا قوم. ثم ينتهي الأمر بالانسياق إلى ما خططت له السلطة.

وفي مرحلة ثالثة، بدأ عهد التدخلات الخارجية العلنية، العربية والإقليمية والدولية. وراحت الساحة السورية، التي كان الدمار قد زحف إلى معظم أرجائها، تنسل من تحت أقدام السوريين أنفسهم بينما هم ضحاياها، ليظهر اللاعبون الخارجيون يخططون وينظمون ويمولون ويصرحون ويقاتلون… إلى آخر مظاهر الفعل السياسي. وتمكّن من عقول المعارضين، قيادات وقواعد، ان تدويل الصراع وأقلمته يجعلان العالم كله يتنفس وفق الإيقاع السوري ولا شيء سواه، وأنه سيتدخل لفرض ما يرى، بغض النظر عن أي حساب.

لقد استمر القصور السياسي سمة طاغية في كل محطات المأساة السورية. وبالطبع لا يعوض ذلك الاعتداد بالحق والظلم والعدل الخ… هذه تشد فحسب من عزيمة من يؤمن بأنها إلى جانبه. ولكنها لا تعوضه نواقص فعله الذاتية، ولا تتحكم بالمعطيات العامة، ولا تقرر المآلات.

الحياة

مغير اللعبة السوري/ جايمس تراوب

بداية هذا الأسبوع, وجهت لي الفورين بوليسي دعوة للمشاركة في محاضرة بعنوان “لعبة السلام” في سوريا التي استضافتها بالاشتراك مع معهد الولايات المتحدة للسلام والتي كانت تهدف إلى البحث عن طرق مناسبة لإيجاد حل سياسي للحرب هناك. بعد أن قطعت عهدا على نفسي أن لا أكتب عن سوريا بسبب عدم وجود أي شيء لقوله حتى الأمل البعيد, فكرت أنه يتوجب علي على الأقل أن أرى ما إذا كان الآخرون أقل يأسا مما أنا عليه. لا يوجد مثل هذا الحظ, الأغلبية, 45% من المشاركين – معظمهم ليسوا مثلي, خبراء فعليين- اتفقوا على أنه لا يوجد أي احتمال لحل يمكن أن يرضي المخاوف التي يحملها المتمردون. مع ذلك, فإن الممارسة أجبرتنا على أن ننظر فيما إذا كان هناك احتمالات ضئيلة تستحق أن نكتشفها.

مشرف الجلسة, الرئيس التنفيذي للفورين بوليسي دافيد روثكوبف, قدم عرضا مختصرا أوجز فيه رأينا الجماعي حيث قال إنه لا يوجد أي احتمال لإنهاء حالة الجمود القاسية دون تدخل دبلوماسي (أو عسكري)   قوي من قبل لاعبين خارجيين, ولكن جميع اللاعبين الخارجيين وجدوا أن بإمكانهم التعايش مع الوضع الراهن. لهذا السبب, فإن القياس الأكثر مقاربة للحرب الأهلية الطائفية في سوريا – لبنان في السبعينات والثمانينات والبلقان في التسعينات- لا تنطبق على هذه الحالة, لأنه في تلك الحالات فإن اللاعبين الخارجيين (سوريا في المقام الأول والولايات المتحدة والناتو في المقام الثاني) وجدوا أن العنف يمثل تهديدا غير مقبول ضد مصالحهم.

تنامي قوة النظام لا يعطي الداعمين الرئيسيين, روسيا وإيران, أي سبب لتقديم تنازلات. الدول السنية التي تدعم المتمردين, خصوصا السعودية وقطر وتركيا لا يشعرون بالرضا عن الوضع الحالي, ولكنهم غير قادرين على القيام بأي شيء لتغيير توزان القوة الحالي على الأرض. والولايات المتحدة أيضا, يبدو أنها راضية بالتعايش مع الوضع الراهن. لنأخذ نظرة فقط على خطاب الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي في معهد بروكنغز. بالكاد أتى أوباما على ذكر سوريا, وعندما ذكرها, ذكرها فقط من أجل التعبير عن الرضا على التقدم الذي تشهده عملية التخلص من الأسلحة الكيماوية. هذا بطبيعة الحال أمر جيد دون أي شك, ولكنه لم يكن حتى ضمن أهداف الإدارة في سوريا قبل أن تتدخل روسيا في القضية كوسيلة لإحباط الهجوم الأمريكي.

المسئولون السابقون والحاليون في الإدارة الذين تحدثوا هذا الأسبوع في مؤتمر الفورين بوليسي – نائب مستشار الأمن القومي أنثوني بلنكن, ومستشار الأمن القومي السابق توم دونيليون, ووزير الخارجية جون كيري- جميعهم وصفوا اتفاق الأسلحة على أنه تقدم دبلوماسي كبير. وفي حين لم يبين أي منهم أن  الصفقة تتطلب تعاون نظام الأسد وبالتالي كيف يمكن أن تقود إلى إضعاف النظام – لسبب بسيط وهو أنها لا يمكن أن تفعل ذلك. فإنني لا أشك أن مسئولي البيت الأبيض يشعرون بالعذاب من المعاناة التي تجري في سوريا, ولكنهم أسرى لقراراتهم السابقة.

علاوة على ذلك, فإن استراتيجية البيت الأبيض في بناء مجموعات متمردة معتدلة بحيث لا يكون أمام النظام أي خيار سوى التوصل إلى اتفاق معهم أصبحت استراتيجية غير صالحة. هذه المجوعات, التي أضعفت نتيجة للقتال الداخلي وغياب الدعم المستمر, أصبحت غير قادرة على الدفاع عن المستودعات التي تخزن فيها المساعدات الأمريكية غير الفتاكة في مواجهة هجوم شنته الجبهة الإسلامية بداية هذا الأسبوع. الولايات المتحدة ردت من جانبها بقطع المساعدات غير الفتاكة, وبالتالي المزيد من تهميش هذه الجماعات. كانت الإدارة تأمل أنه وخلال اللقاء المزمع في جينف 2 الشهر القادم بأن يتمكن المتمردون تقديم لائحة شاملة من القادة السوريين ليكونوا بدائل عن أسرة الأسد. هذا السيناريو, غير المعقول, يبدو أقل احتمالا مع تشظي قوات المعارضة وتفكك قيادتهم الهشة.

إذا لم ينتج عن جينف 2 حلا مفاجئا للمشاكل, فإن بإمكاننا أن ننسى الحل السياسي على المدى القصير. وهذا يطرح سؤالا حول الأمور التي يمكن أن تثير غضب الروس أو الإيرانيين حيال الوضع الراهن. ولكن من ناحية أخرى, فإنها ما يمكن أن يحول سوريا إلى حالة أقرب إلى لبنان والبوسنة – أماكن تبدو مخيفة بالمقارنة مع أي مكان آخر عدا سوريا؟

المشاركون في مؤتمر “لعبة السلام”, الذين يحالون التنقيب عن أي بصيص من الأمل, يتكهنون  بأن حصول تقدم في المحادثات النووية مع إيران يمكن أن يؤدي إلى تحولات كبيرة في المنطقة, مع المزيد من التعاون من قبل إيران التي يمكن أن تفكر في إعادة التفكير في دعمها للأسد وتفكيرا براغماتيا من قبل السعودية للحوار مع الإيرانيين حول تخفيف التوتر بين السنة الشيعة. ولكن حتى مع موقف أقل عدائية فإن إيران لن تتخلى عن سياستها الخارجية الثورية في أي وقت قريب.

أنثوني بلنكن رد على سؤال حول هذا الموضوع بقوله :” لا أضع الكثير من الإيجابية في الجواب, ولكن علينا أن نختبر ذلك”. كما أضاف أن أية محاولة أمريكية لإضافة قضايا إقليمية على المحادثات النووية تخاطر بخسارة أمريكا لشركائها في المفاوضات.

ذكر بلنكن الكثير من التطورات السلبية الأخرى, من بينها تشديد قبضة الجهاديين الأجانب على المدن والبلدات الرئيسة شمال سوريا والتي بدأت, كما قال “تسيطر على عقول الأطراف الفاعلة خارج سوريا”. الروس, كما قال بلنكن “لديهم مصالح كبيرة في تجنب ظهور سوريا متطرفة”. إذا توصل الروس إلى أن استمرار وجود الأسد لن يؤدي إلى استعادة الاستقرار بل على العكس تماما إلى فراغ سوف تملؤه القاعدة, ربما سوف يكونوا أكثر ميلا إلى التخلي عن حاكم سوريا.

طرحت هذه النظرية على مسئول على دراية وتعاطف مع موقف الروس في المؤتمر فقال :”سمعت هذا أيضا. ولكنه لم يكن يتحدث عن روسيا ولكن عن السعودية وقطر”. إن مسئولية صعود المتطرفين, كما قال, لا تقع على الأسد ولكن على دعم الخليج لهؤلاء المتطرفين.

باختصار لا تعولوا على روسيا أكثر من تعويلكم على إيران. لدى واشنطن على كل حال رافعة مع السعوديين. مسئولو الإدارة يقولون أن السعوديين بدأوا بالاعتراف بأن التمرد خرج عن سيطرتهم. ولهذا فإن الولايات المتحدة ربما تكون قادرة على اقناع السعودية وقطر وقف دعم الدولة للمتطرفين (على الرغم من أن التدفق الأكبر للتمويل و القادم من مصادر خاصة  سوف يكون من الصعب إيقافه). وربما تكون تركيا مستعدة لمنع دخول الجهاديين الأجانب عبر حدودها الجنوبية الشرقية إلى سوريا. وإذا كان أحد مئات الجهاديين الغربيين في سوريا يستعد للقيام بهجوم إرهابي في الولايات المتحدة أو أوروبا, حيث ترى الإدارة أنه أمر لا مفر منه, سوف يبدأ الغرب بالنظر إلى سوريا على أنها جبهة جديدة في الحرب على القاعدة وليست كابوسا لحقوق الإنسان. وكما أن التخلص من الأسلحة الكيماوية حققت هدف وضع حد لوحشية الأسد, فإن ديناميكية الحرب على الإرهاب ربما تحل مكان ذلك قريبا.

مثل هذا التطور سوف يشكل انتصارا في واقع الأمر لصالح الأسد. لطالما وصف الرئيس السوري الصراع بأنه حرب بين العلمانيين والمتطرفين. الأمر لم يكن كذلك في البداية, ولكن الآن وبفضل قراره الغريب بإطلاق سراح المئات من المتطرفين من سجونه عام 2012, فإن الأمر كذلك. وبهذا فإن الأسد يصبح أقل الشرين, ليس فقط بالنسبة للغرب ولكن بالنسبة للعديد من السوريين, الذين يكرهون ويخافون من المجاهدين أكثر من النظام. قادة التمرد والناشطين الذين تحدثت معهم عندما كنت في المنطقة الحدودية في أكتوبر أخبروني أن السلفيين شكلوا الجبهة الإسلامية من أجل مواجهة النفوذ المتصاعد للأجانب الذين تجمعوا تحت راية دولة العراق والشام الإسلامية, التي تشعر بسعادة في تدمير سوريا باسم حربهم المقدسة لاستعادة الخلافة الإسلامية.

القوة المتصاعدة لدولة والعراق الشام هو التطور الذي سوف يغير معالم التحالفات القائمة. ليس هناك أي مكان في العالم سيطرت فيه القاعدة على مناطق مكتظة بالسكان سوى هنا. ربما يجب على الولايات المتحدة أن تصنع قضية مشتركة مع السلفيين. وربما توافق الدول الخليجية على العمل مع المتمردين المعتدلين والقيادة السياسية. بعض الكتائب المعتدلة ربما تصنع قضية مشتركة حتى مع النظام. إنه مغير اللعبة في سوريا. ولكن هناك لعبة واحدة لن تتغير أبدا: جرائم الأسد الوحشية ضد شعبه. لا شيء سوى الاستسلام, سوف يضع حدا لذلك.

                      فورين بوليسي

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

الجهود الأميركية في سوريا… ووهم تحقيق التقدم/ دويل مكمانوس

إليكم درجة الضعف التي بلغها التأثير الأميركي في مجريات الحرب السورية الرهيبة: فحتى تنجح دبلوماسية إدارة أوباما عليها اليوم البحث عن مساعدة الجماعات المسلحة التي تحمل اسم «الجبهة الإسلامية»، مع كل ما يحيل إليه من مخاوف وتوجسات غربية، علماً أنها ليست النتيجة التي كانت تطمح إليها الإدارة الأميركية.

فعندما اهتم أوباما أول مرة بالشأن السوري في عام 2011 كان أمله أن الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد لا تحتاج أكثر من دعم أخلاقي من العالم الخارجي كي يسقط النظام الوحشي الذي حكم سوريا لعقود طويلة، لكن عندما لم يحدث ذلك عرض أوباما تقديم مساعدات متواضعة اقتصر أغلبها على دعم غير عسكري يصل إلى مجموعات معتدلة في المعارضة السورية باعتباره كافياً لإنعاش آمالها، دون أن يمكنها من حسم المعركة.

وحتى عندما استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد أحياء مدنية، هدد أوباما بالتدخل العسكري واستخدام القوة، فقط ليتراجع محطماً آمال الأطراف الموالية للولايات المتحدة ضمن المعارضة التي انتظرت طويلاً عملاً عسكرياً تبادر به واشنطن دون جدوى، وفي هذه الأثناء كانت القوات المنافسة في الساحة السورية تبحث عن موطئ قدم مثل الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة»، التي تستفيد من التمويل الإقليمي وتحث «الجهاديين» في المنطقة على التوجه للقتال في سوريا.

وفيما كانت الولايات المتحدة تتحسب جيداً في خطواتها بسوريا حتى لا تقع الأسلحة في الأيدي الخطأ، كانت القوى الأخرى الداعمة للجماعات «الجهادية» تتحرك بسرعة وسخاء، والنتيجة أن العديد من المتمردين الشباب انجروا وراء المال المتدفق، وبالأخص وراء الأسلحة، لينقلوا ولاءهم من المجموعات المعتدلة إلى «الجبهة الإسلامية»، وهو ما يضعنا وجهاً لوجه مع الوضع الحالي في سوريا، حيث تدور حرب أهلية طاحنة بين أربعة فصائل، ويبقى الجيش «السوري الحر» الذي تدعمه الولايات المتحدة ويقوده اللواء سليم إدريس الأضعف بينها، فقد تعرض مقره نهاية الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى مخزن تابع له، إلى اجتياح من قوات تابعة للجبهة الإسلامية التي تمولها دول إقليمية، حيث تمكن المهاجمون من الاستيلاء على معدات وأجهزة أميركية بما فيها شاحنات ومواد غذائية، وفي تعليق لأحد المتحدثين باسم «الجيش السوري الحر» سلمت قوات اللواء إدريس المقر دون مقاومة لأنهم لم يكونوا بالقوة الكافية للدخول في مواجهة مع عناصر الجبهة الإسلامية، ولعل من تداعيات هذا الهجوم إحراج قائده اللواء إدريس الذي أمضى جزءاً كبيراً من الأسبوع الجاري ينفي هروبه خارج سوريا، ليؤكد بذلك فقط ما بات معروفاً على أرض الواقع من أن الفاعل الرئيسي ضمن المعارضة المسلحة هي «الجبهة الإسلامية» التي تنضوي تحتها مجموعة من الفصائل الإسلامية التي تتفق جميعها على تطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا الغد.

هذا الأمر يوضحه «أندرو تابلر» الخبير في الشؤون السورية بـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، قائلاً «إن عناصر الجبهة من السلفيين لكنهم ليسوا متطرفين»، وما يعنيه ذلك أنه رغم سيطرة أشخاص متدينين على الجبهة الإسلامية من الطائفة السُنية، وهم على الأرجح لا يؤمنون بالديمقراطية والتعددية، إلا أنهم على الأقل ليسوا من إرهابيي «القاعدة»، وهذا ما يفسر في جزء منه على الأقل محاولات الدبلوماسيين الأميركيين إقناع الجبهة بالانضمام، أو حتى دعم، مؤتمر السلام المقرر عقده في مدينة «مونتريو» السويسرية في الشهر المقبل.

وقد أخبرتني مصادر مطلعة عن لقاء دار بين السفير، «روبرت فورد»، المكلف بالموضوع السوري، وممثلين عن الجبهة الإسلامية في تركيا مؤخراً، لكن ما تمخض عن اللقاء لم يتضح بعد، كما أن مواقف الجبهة فيما يتعلق بالمشاركة في مؤتمر السلام معروفة، حيث تصر على رفض أي مباحثات مع نظام الأسد، ويبدو أن هذا الأخير هو الوحيد ضمن أطراف الصراع السورية الذي أبدى استعداده للمشاركة في المؤتمر.

ورغم الجهود التي بذلها رئيس الدبلوماسية الأميركية، جون كيري، لضمان مشاركة واسعة للسوريين في المؤتمر بمن فيهم المعارضة المعتدلة، تبقى القدرة على تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في نقل السلطة من الأسد إلى حكومة صلاحيات واسعة، محدودة للغاية، في ظل تجاهل الأسد وداعمه الأساسي، روسيا، لهذا الطلب.

وبدلاً من إزاحة الأسد من المشهد السوري سيركز المؤتمر، حسب العديد من المراقبين على مهمة إطلاق المفاوضات بين الفصائل السورية، على أن تبدأ بالقضايا غير الأساسية مثل وقف إطلاق النار وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية، على أمل أن يقود ذلك إلى مفاوضات أعمق حول مستقبل سوريا وشكلها النهائي، وفيما ستواصل رحى الحرب الأهلية دورانها ستواجه إدارة أوباما نفس الأسئلة الصعبة من قبيل ما إذا كان عليها مساعدة المعارضة السورية، وإلى أي مدى، ومن هم العناصر المستحقة؟

ومع أن إدارة أوباما قد تغير المسار وتقرر التعايش مع الأسد باعتباره خياراً أفضل من سوريا مقسمة تسيطر عليها «القاعدة»، وهو الرأي الذي يدافع عنه المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، «مايكل هايدن»، إلا أن ذلك سيكون بمثابة هزيمة محققة، فيما قد تقرر أميركا مواصلة جهودها لإنقاذ «الجيش السوري الحر»، وفي الوقت نفسه التقارب مع «الجبهة الإسلامية» وتحريك العمل الدبلوماسي، لكن هذا هو الخيار الذي يطلق عليه «فريدريك هوف»، من مجلس أتلانتيك، والخبير في الشؤون السورية «محلك سر» في إشارة إلى ما يخلقه الخيار الحالي من مراوحة في المكان نفسه دون تحقيق أي تقدم، فهو لن ينهي معاناة الشعب السوري، أو يزيل خطر المجموعات الجهادية. كل ما سيفعله أنه سيقلل احتمال تورط عسكري أميركي جديد في المنطقة، وهذا لعمري ما شكل أولوية أوباما منذ البداية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي.انترناشونال»

الاتحاد

إذا قالت موسكو فصدِّقوها/ الياس الديري

يمكن القول إنَّ الكلام التمهيدي بالنسبة الى موقع الرئيس السوري بشّار الأسد، قد شقَّ دربه الى العلانية، واستناداً الى رغبة صريحة في ولاية جديدة كشفت عنها الستارة شلَّة المحيطين به والمعبّرين عن آرائه.

أما الأخذُ والردُّ في هذا الصدد، فعلى المكشوف. وعلى أعلى المستويات. سواء في واشنطن التي سارعت الى إعلان موقف سلبي تماماً، أو في موسكو التي وجدت نفسها في حال ارتباك إزاء تصريح أدلى به نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في سياق مقابلة مع وكالة “إنترفاكس” الروسيَّة.

ماذا قال بوغدانوف حتى ثارت ثائرة المقرَّبين من الأسد؟

ليس أكثر من اثنتي عشرة كلمة: “إن مثل هذه التصريحات (للأسد) تؤجج التوتر ولا تساهم بتاتاً في تهدئة الوضع”.

هذه الجملة القصيرة جداً، والمعبِّرة جداً، والصادرة عن مسؤول روسي كبير جداً، أثارت ردوداً غزيرة من لدن دمشق، وكلها تهجو المسؤول الروسي، مما استدعى نفياً عابراً.

ولكن ما قيل قد قيل. وإذا كان المَثَل العربي يقول إذا قالت حَذامِ فصدِّقوها، فان المَثَل السائد على المستوى الدولي يقول “إذا قالت الروسيا فصدِّقوها”.

والتحدِّث عن أضرار وذيول ترشُّح الأسد ليس شيئاً عادياً، أو بعيداً من “مصنع” السياسة الروسية على الصعيد الخارجي، ومع سوريا بالذات. وعند هذا المنعطف الخطير الذي لا يُستبعد أن يكون تاريخياً ومليئاً بالمفاجآت.

إذاً، ليس كلام بوغدانوف من صنع مخيّلته، أو مجرَّد تعبير عن رأي شخصي. ولا اعتادت الديبلوماسيَّة الروسيّة إلقاء الكلام على عواهنه.

المسألة لا تنتهي هنا في موسكو التي ستستقبل رئيس “الائتلاف الوطني السوري” المعارض الذي قد يزور روسيا مطلع كانون الثاني، كما قال نائب وزير الخارجية.

بل إنها تمتدُّ، وبالمعنى ذاته والموضوع نفسه، الى المنقلب الدولي الآخر. أي الى واشنطن، حيث اعتبر البيت الأبيض “أن الشعب السوري قال كلمته، وهي أن لا مكان للرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا”.

مع إضافةٍ بسيطة، من شأنها الإضاءة أكثر على الموقف الأميركي، مفادها “أن الأسد يتحمَّل القدر الكبير من المسؤولية عن دمار سوريا”.

لا يمكن، ولا يجوز القفز فوق الكلام الجديد الصادر عن واشنطن وموسكو في وقت واحد تقريباً. وإذا كان صحيحاً تصريح بوغدانوف، فلن يكون من المستغرب اتفاق الدولتين العظميين على مجموعة أزمات متقاربة أو متداخلة… وبالتفاهم والتعاون مع الدول الرئيسيَّة.

يبقى السؤال الأهم بالنسبة الى دور مؤتمر “جنيف – 2″، وما إذا كانت نتائجه ستقتصر على التمهيد لـ”جنيف 3″، ثم…

النهار

انزعاج أميركي وسوري من الابرهيمي ودعوة إلى تحصين الداخل قبل “السورنة”/ خليل فليحان

أبدت الولايات المتحدة الاميركية انزعاجا من المبعوث العربي والاممي الاخضر الابرهيمي لاعلانه انها تعارض اشتراك ايران في “المؤتمر الدولي الخاص حول سوريا” الذي سيعقد في مونترو في 22/01/2013 هذا ما نقل عن عضو في الوفد الذي ناقش مع الابرهيمي ومع الوفد الروسي صباح امس الصيغة النهائية لتوجيه الدعوة الى الدول المعنية والدول المدعوة وعددها 30. وكررت رئيسة الوفد الاميركي ويندي تشيرمان خلال اجتماع جنيف رفض بلادها اشراك ايران لانها تدعم النظام السوري في قتاله ضد المعارضة ولأنها تسلح تنظيمات اخرى استقدمتها الى سوريا لتقاتل الى جانب الجيش النظامي، إضافة الى ان اشراك طهران يجعل المعارضة ترفض الحضور ومناقشة القضايا التي ستطرح في جنيف في 22 من الشهر المقبل. كما ان رئيس الوفد الروسي ميخائيل بوغدانوف يؤيد مشاركة طهران نظرا الى الدور الذي يمكن ان تؤديه مع سوريا.

ولم يكن لانتقاد الابرهيمي الصدى الايجابي لدى سوريا لاستعمالها “الاسلحة الفتاكة”، أي “البراميل الحارقة” وفق تعبيره. واستغرب توجيه هذا الانتقاد في جنيف قبيل عقد الاجتماع التمهيدي مديرو الشؤون السياسية في وزارات خارجية الدول المدعوة الى مونترو، وفي عدادهم مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السورية. ونقل عن الوفد السوري ان الابرهيمي يدرك ان استخدام الطائرات تلك الاسلحة موجه ضد ارهابيين أتوا من خارج سوريا لمقاتلة القوات السورية النظامية ولتخريب البلاد كما يحصل منذ 33 شهرا.

ونقل عن مصادر الوفد الروسي ان تصريحات البيت الابيض والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انه من غير الوارد إبقاء الرئيس السوري بشار الاسد خلال المرحلة الانتقالية، يشكل ضغطا واحراجا وعائقا لانطلاقة المفاوضات وديمومتها.

وأشارت الى ان ظاهرة التنظيمات الارهابية التي قصدت سوريا تفرض نفسها على مفاوضات مونترو وبعدها جنيف بين ممثلين للنظام برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم وعن المعارضة برئاسة رئيس الائتلاف الوطني احمد الجربا. وأكدت ان وزير الخارجية سيرغي لافروف سيطرح هذه المسألة ويطالب بمعالجتها لان تلك التنظيمات تعارض الحل السياسي المطروح في جنيف، وهي في الوقت نفسه تقاتل النظام وبعض المعارضة المسلحة كبعض المسؤولين في “الجيش السوري الحر” عندما لا يتجاوبون مع ما تطلبه منهم.

ولفتت الى ان الانتقادات التي توجه الى الآن لاجتماعات مونترو وجنيف لم تنسف موعد الانعقاد الموسع في 23 من الشهر المقبل، وهذا مؤشر جيد، يبنى عليه، لان لا روسيا التي هي وراء السعي الى عقد هذه الاجتماعات ولا اميركا والدول الاوروبية المتجاوبة معها تؤمن بأن المفاوضات بين السوريين الموالين والمعارضين امر سهل وسينتهي بسرعة واذا تم التوصل قبيل انعقاد مونترو الى وقف لاطلاق النار فسيعتبر ذلك انجازا وعاملا مشجعا على امكان التوصل الى حد أدنى من التفاهم ينقل البلاد الى حالة جديدة من الهدوء ويوقف نزف اللجوء الى دول الجوار او الى دول أبعد من دون امل بالعودة الى الديار. ويفترض ان تبدأ ورشة الاعمار التي تستوجب مليارات الدولارات بحيث تتضاعف المبالغ مع اشتداد المواجهات او القصف الجوي بالبراميل الحارقة.

وأكدت مصادر لبنانية مسؤولة لـ”النهار” ان لبنان لن يستعيد استقراره السياسي والامني ولن يتراجع عدد اللاجئين السوريين اليه إلا بالحل السياسي المرجو في جنيف 2 المحفوف بمخاطر جمة وبمتضررين بداوا يحاولون نسفه قبل التئامه في 23 كانون الثاني المقبل. والمهم في نظر هذه المصادر تحصين الجبهة الداخلية بتشكيل حكومة الممكن وانتخاب رئيس جديد للجمهورية لئلا تتذرع الدول الكبرى بترك لبنان بما أنه لا مؤسسات رسمية فيه وما دام يعيش حالة من الفراغ.

النهار

مناورة بوغدانوف المكشوفة!/ راجح الخوري

روسيا لن تتراجع قيد انملة عن تبنيها الكامل ودعمها الاعمى لنظام القتل في سوريا، ان انتقاد ميخائيل بوغدانوف تلميحات بشار الاسد الى انه يريد الترشّح للرئاسة في السنة المقبلة، ليس اكثر من قشرة موز او كلام خادع، يلقى امام المعارضة لإقناعها بالذهاب الى مؤتمر جنيف للاستسلام!

موسكو تخطط لجعل المؤتمر منطلقاً لإعلان الحرب الشاملة على “الارهابيين”، فيما اعتبرت المعارضة السورية منذ اليوم الاول ارهابية، وانحازت الى النظام وتولت تغطية جرائمه سياسياً وعسكرياً، وهو ما ادى في النهاية الى ظهور “النصرة” و”داعش” واخواتهما !

ما قاله بوغدانوف كان واضحاً ، فهو عملياً ليس ضد تلميحات الاسد بالترشح، بل ضد التوقيت التي ظهرت فيه هذه التلميحات فقد قال بالحرف: “عشية المفاوضات نعتبر انه من الافضل عدم الادلاء بتصريحات من شأنها ان تثير استياء اي كان وتثير غضباً او ردوداً”.

اذا كان من المفهوم ان يسارع النظام الى الرد بأنه لا يمكن احداً ان يمنع الاسد من الترشح، فليس من المفهوم اطلاقاً ان تقوم السفارة الروسية في دمشق بالنفي بأسلوب موارب، حيث قالت ان موقف روسيا من مسألة حل الازمة السورية لم يطرأ عليه اي تغيير، وموسكو تبقى على اقتناع بأن مستقبل سوريا ومن يرأسها مسألة يجب ان يحلّها السوريون”.

كلام بوغدانوف لم ينطل على احد، فموسكو تريد تحويل مؤتمر جنيف مناسبة لاقامة كماشة من النظام والمعارضة المعتدلة، للإطباق على الارهابيين والتكفيريين الذين ولدوا من رحم سياسات موسكو والاسد، وكل ما عدا ذلك تفصيل، فقتل اكثر من 150 الفاً تفصيل، وتشريد اربعة ملايين سوري تفصيل، وتدمير سوريا بالسلاح الروسي تفصيل، الامر الوحيد المهم هو كيفية تطويق وحش الارهاب، الذي ولد من بطش النظام ومن فظاظة انحياز الروس الى القتل ووحشية تعامي الاميركيين عن القتل!

الدليل الجديد الذي يثبت استمرار هذه السياسات الاجرامية، صدور تقرير جديد من الامم المتحدة امس يؤكد تورط النظام السوري في جريمة الكيميائي في الغوطتين عبر استعماله مادة الهكسامين القاتلة، في حين يستمر الروس في المجادلة لتبرئة النظام من هذه الجريمة!

أكثر من هذا تتمادى روسيا في احتضان النظام والدفاع عنه الى درجة انها عرقلت امس بالتحديد، صدور بيان عن مجلس الامن قدمته اميركا، وهو يدين ارتفاع حدة الهجمات بالصواريخ والبراميل المتفجرة على المدنيين والاطفال في حلب، لكن موسكو لوحت بالفيتو مرة جديدة حماية للقتلة، في حين لم تجد اميركا غير التعبير عن خيبة الامل، وهذا اقصى ما تستطيعه ادارة اوباما، التي تمرغ صورة اميركا وحقوق الانسان في وحول سوريا الدامية!

النهار

هل تعيد المعارضة السورية تنظيم صفوفها؟/ د. نقولا زيدان

سوف يبدو من نافل الكلام التطرق للظروف الدقيقة والتطورات السياسية وبالأخص الديبلوماسية منها التي بدأت ترسم معالم مؤتمر جنيف2 حول الأزمة السورية الوشيك الانعقاد. فالدعوات للمشاركة فيه والتي وجهها “بان كي مون” والأخضر الابراهيمي، علاوة على النظام في دمشق والمعارضة السورية بلغ عددها 30 بلداً. وفي تنازل لافت من قبل المعارضة لم تعلق هذه قط على دعوة النظام الايراني للحضور، في الوقت الذي دعيت المملكة السعودية ليتم بهذه الخطوة الموازنة المقبولة من خلال حضور دولتين ما زالتا رغماً عن الأجواء الايجابية التي أعقبت الاتفاق الفوري الأولي بين ايران والدول الست الكبرى، متباعدتين في المواقف سواء كان ذلك حول الأزمة السورية أو حول قضايا دول الخليج.

إلا أن جملة من الهواجس والعوامل السلبية الباعثة على القلق والعناصر المؤثرة، لا يجوز أن تغيب عن أنظارنا عندما نتساءل حول ماهية أوضاع سوريا التي سوف تكون المادة الوحيدة على طاولة المفاوضات، علينا الآن قراءتها بصدق وموضوعية وشفافية منذ اللحظة الراهنة، ونحن نقترب من نهاية العام الثالث من تاريخ اندلاع الثورة السورية.

إن مكامن الخطر ودواعي القلق لا تتمثل قط في طبيعة النظام الأسدي، ولا بتركيبته الدكتاتورية الفردية ولا بنهجه الفاشي الدموي. فهو سيحضر المؤتمر حاملاً على منكبيه ما يقارب الـ150,000 قتيل وعدداً مماثلاً من الجرحى والمعوقين والمرضى، وحوالى 200,000 معتقل وعدداً غير معروف من المفقودين وما لا يقل عن 7 ملايين سوري بين مهجر على أرض سوريا ونازح لاجئ في دول الجوار، هذا ما عدا الخراب والدمار والأضرار والتلف والتصحر الذي لحق بالمحاصيل والمزارع والبساتين والحقول والمزروعات.

ان سوريا التي ستنكب عليها النقاشات والمداخلات والمواجهات الكلامية المتوقعة، سوف تكون أشبه بجثة هامدة. وقد خابت كل الآمال والنوايا الحسنة حول رؤية جدية وفعلية لانسحاب القوات المتعددة الجنسيات التي أرسلها النظام الايراني لنجدة النظام الأسدي المترنح (الحرس الثوري الايراني، لواء أبو الفضل العباس العراقي، ميليشيا حزب الله اللبناني وخليط مخيف من مقاتلين يمنيين وأفغان وروس ومن أتوا حتى من آسيا الوسطى…). والحق أن وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف كان يتلاعب بالأسرة الدولية وبالدول العربية عندما أدلى بتصريحه المعهود الذي لم يتحقق منه شيء قط. لقد غرق النظام الايراني وحلفاؤه في دعمهم النظام في دمشق على كافة الصعد والمستويات، بالمال والسلاح والدعم اللوجستي وبالمقاتلين لدرجة انه أصبح من غير الممكن عملياً على هؤلاء وعليه بالذات الانسحاب هكذا بقدرة قادر. بل قد أطلق هذا النظام مشروع حرب فعلية واقتتال مذهبي فئوي لم يلوث الساحة السورية فحسب بل طاول العديد من بلدان المنطقة ابتداء بلبنان ومروراً بالبحرين والكويت واليمن وانتهاء بكل دول الخليج. انها بقعة الزيت التي تفشت في منطقتنا في جميع الاتجاهات. وقد استفاد نظام الأسد الى أبعد الحدود من هذا الدعم والذي في حقيقته يستند الى الصناعة الحربية الروسية المتطورة ليلعب كل أوراقه المعلنة منها والمبطنة، الماكرة والخبيثة منها بل الدموية المجبولة بأسلحة الدمار الشامل، وبالتعبئة، والتحريض واثارة الأحقاد والخوف الاقلوي على المصير، حتى يظل قابعاً على رأس السلطة في دمشق مهما كانت الأثمان.

أما الجيش السوري النظامي والذي كان قد جرى امداده وتنظيمه وتوزيع قيادة قطعاته وفرقه منذ 40 سنة خلت بطريقة وحبكة فئوية مذهبية مخيفة، تدعمه أجهزة مخابرات وأمن واستطلاع شديدة التعقيد، فقد ضمن ولاءه تحت سيف الريبة والظن والخوف والاعدامات السرية.

فبهذا الحمل المخيف والملطخ بالدماء والمتخم بالضحايا وبسوريا الممزقة أشلاء سيدخل وفده الى قاعة مفاوضات جنيف2.

علينا مصارحة أنفسنا بالحقيقة، ونقيم حساباتنا بدقة واحتراس وصدق مع الذات عندما نتكلم عن المعارضة السورية الذاهبة بدورها الى جنيف. فمنذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة، بدأت الظواهر المثيرة للقلق والخوف لتتسلل الى صفوف المعارضة. وذلك ان المرحلة الأسدية التي رافقت تاريخياً انحسار وتراجع المشروع القومي العربي وضمور وتلاشي أحزابه الوطنية والعلمانية قد سوّت بالأرض كل نية أو عزم أو دينامية لدى الشعب السوري في الاعتراض والرفض للأمر الواقع الذي أمسك بأعناقه. فالنظام الأسدي المذهبي الفئوي الفاسد، وهو النقيض للعلمانية الكاذبة المزورة التي ظل يروّج لها اعلامه المحكم الانغلاق، قد ثارت بوجهه الجماهير ليس رفضاً لعلمانيته الملفقة، ولا ضد دعواته اللفظية لتحرير فلسطين المزعوم بل بالدرجة الأولى طلباً للحرية والانعتاق وحرية التعبير وحقوق الانسان. انه في هذا الاطار وضمن هذا الهم علينا ادراك الظواهر الدينية والدعوات الورعة للاستنجاد بالله، عندما عزّت العزيمة وضعف الحَيل لدى الجماهير السورية التي دجنها وصادرها واسرها ظلام دامس من القمع دام طيلة 40 سنة من السجن الكبير. لقد أودع العلمانيون الصادقون والوطنيون الشرفاء وكل محبي الحرية واطلاق حقوق ابداء الرأي والكتابة والتعبير، السجون والمعتقلات والزنازين.

لقد ظهر الأسد في لعبته المتقنة المحبوكة حبكاً ذكياً، في أعين الاعلام الغربي، بطل مقاومة الارهاب والاسلام التكفيري. وكان الهدف الرئيسي من وراء هذا كله الجيش السوري الحر والمجلس الوطني والائتلاف الوطني السوري. لا بل عمد النظام الأسدي للاستنجاد شمالاً بحزب العمال الكردستاني لاثارة المتاعب على الحدود التركية ثم فيما بعد بالحزب الديموقراطي الكردستاني الانفصالي.

يجب اضعاف وتمزيق الجيش السوري الحر، هذا هو الشعار الحقيقي للنظام الأسدي. ومن أجل تحقيق ذلك لم يكتف بالمقاتلين الايرانيين وحلفائهم، بل قامت أجهزته بالتعاون مع المخابرات الايرانية والعراقية بفبركة “داعش” وتسهيل مرور النصرة” وافساح المجال أمام عناصر القاعدة…

وبالمقابل ما دامت الادارة الأميركية تعج بدعاة اطالة الحرب الأهلية في سوريا وبالثقل الكبير للوبي الاسرائيلي الذي يعتبر ان لا مصلحة لإسرائيل في سقوط النظام الأسدي، راحت واشنطن تتأرجح وتتلكأ في دعم الجيش السوري الحر بالسلاح النوعي لمواجهة النظام بطيرانه الحربي ودباباته وصواريخ “سكود”. وتشهد الوقائع الدامغة أن السلاح الوحيد الذي حصل عليه هذا الجيش مصدره حصراً بعض الدول العربية التي ما زالت ترفض الضغوط الأميركية لمنع وصول السلاح الى أيديه.

لسنا في معرض سرد المعارك الخلفية التي قادها الجيش السوري الحر على مختلف الجبهات الخلفية وما وراء خطوط الامداد، وهي كثيرة ولا تحصى. ولسنا في معرض توضيح الأذى المادي والمعنوي الذي لحق بهذا الجيش من جراء أعمال الانتقام والاعدامات أمام الاعلام وقطع الرؤوس التي ارتكبتها هذه المجموعات المخابراتية للنيل من سمعة الجيش السوري الحر وتحريض الأسرة الدولية على المعارضة السورية.

إن جميع الدلائل والقرائن تثبت أن لنظام الأسد وأجهزته نصيبا كبيرا في التحريض والتشجيع على ارتكاب هذه الأعمال المشينة التي تمارسها هذه المجموعات المشبوهة التي راوحت بين فرض القوانين السلفية السوداء على المواطنين العاديين من أنصار الثورة (سجن دير الزور) والتنكيل بالأقليات الدينية والاثنية (حادثة المطرانين، راهبات معلولا، العلاقات المتوترة على الدوام مع الأكراد). ان هؤلاء في ممارساتهم البشعة هم الخدم الأوفياء لنظام بشار الأسد، وهذه المجموعات إما من صناعته أو تتوافق معه في الأهداف والغايات التي لا ترمي في حقيقة الأمر سوى لضرب الجيش السوري الحر ومحاصرته وعزله ما أمكنها ذلك.

إن الاعداد والاستعداد بكفاءة وأهلية وجهوزية عالية لحضور جنيف2 يتطلب من الجيش السوري الحر انتفاضة داخلية من شأنها اعادة “تثوير” وضعه الداخلي باللجوء الى تدابير حازمة وصارمة حيال العابثين والمغامرين والمتسببين سواء من كانوا في صفوفه أو تلك المجموعات التي يفبركها النظام أو يتواطأ معها لزعزعة القوى الثورية حتى تصل لاهثة منهكة مبعثرة الى جنيف2.

إذا كان الجيش السوري الحر ما زال متمسكاً بموقفه بعدم حضوره المؤتمر العتيد، فإن تمثيله في وضع المعارضة هناك سيعطي الوفد زخماً ودفعاً قوياً، ذلك اننا نعتقد انه من الخطأ في حروب التحرير تكريس مقولة الفصل ما بين ما هو سياسي وما هو عسكري.

إن الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب السوري المعذب المقهور والذي سطر بطولات ستتناقلها الأجيال كمفخرة وعلامة مضيئة في تاريخنا الحديث، تنتظر الكثير من المعارضة الثورية السورية.

فلنعد العدة ولنكن جاهزين.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى