صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

“جنيف 2″ و”الائتلاف” بيد “الجبهة الإسلامية”؟/ جورج سمعان

مؤتمر «جنيف 2» محطة مهمة في مسيرة الأزمة السورية. سيعلن بداية مرحلة جديدة لن تكون بالضرورة نهاية الحرب. فالثابت الوحيد أن هذه الحرب لن تتوقف ضناً بدماء السوريين، بل يجب استثمار استمرارها حتى تحقيق مزيد من الأهداف. قطف الأميركيون في مرحلتها الأولى هدفين ثمينين: بدء تدمير الترسانة الكيماوية للنظام السوري، وبدء احتواء الملف النووي الإيراني. هدفان أمنيان كبيران أنجزا ولا هم بعدهما لواشنطن – ولحليفتها تل أبيب أساساً – سواء تأخر المؤتمر الدولي أم انعقد في موعده المقرر الشهر المقبل. ما تريده إدارة باراك أوباما من لقاء المتصارعين هو انخراطهم في عملية سياسية مهما طالت أو قصرت. لذلك لم تتوقف أمام مطلب المعارضة وبعض «أصدقائها»، ولا سيما منهم فرنسا، ربط هذه العملية بمهلة زمنية من ثلاثة أشهر. ما تريده أن تواكب هذه العملية ما يدور على الجبهة الأخرى مع الجمهورية الإسلامية. لذلك لا تسوية سريعة بالتأكيد، كما يأمل المتفائلون. فلا النظام جاهز ولا المعارضة أيضاً. بل كلاهما لا يزال يعتقد بقدرته على تعديل الموقف الميداني بما يخدم أجندته، أو يرجيء الاستحقاقات الآتية.

كلا الطرفين المتصارعين يستعد للذهاب إلى جنيف مرغماً. النظام يعرف في قرارة نفسه أن سورية خرجت من بين يديه. معظمها على الأقل. ولا يمكن أن تعود إليه قيادتها مهما تباهى بتحقيق انجازات على الأرض. ويعرف أيضاً أن المرحلة الانتقالية التي نصت عليها مقررات جنيف الأولى تعني في النهاية الإعداد لمرحلة ما بعده، وليس «الانتقال من بشار الأسد إلى بشار الأسد»، كما حذر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. ويعرف أبعد من ذلك أن الصفحة السياسية التي ستفتح بين واشنطن وطهران، بعد الصفحة النووية، ستتناول أولاً مسقبل نظامه وبلاده. ويستبعد في هذا المقام أن تسلم أميركا لإيران بالورقة السورية كاملة. فإذا كانت هذه اختارت التفاوض على ملفها النووي لأنها كانت أمام خيارين إما الحرب وإما الاستسلام، على ما قال هاشمي رفسنجاني، فكيف يمكن أن تسلم لها إدارة أوباما بانتصار في سورية؟ اختارت «نصف هزيمة» باتفاق جنيف مع القوى الكبرى، فهل يعقل أن يسلم لها الأميركيون بنصر سياسي في دمشق وبيروت بعد بغداد؟

تحاشى الإيرانيون الحرب وتحاشوا الاستسلام. اختاروا العودة إلى التفاوض بما يحفظ ماء الوجه. ضمنوا حقهم في تخصيب اليورانيوم بدرجات لا ترقى إلى صناعة قنبلة ذرية. وضمنوا بداية فك الحصار الاقتصادي. أهدروا بلايين الدولارات على برنامجهم وضاعت عليهم بلايين إضافية بسبب العقوبات. طووا تلك الصفحة الآن ولا يمكن أن يتراجعوا عن العملية السياسية التي انطلقت من جنيف. وليس سراً أنهم سيكونون مستعدين للبحث في مصير النظام في دمشق. وهم بعثوا في السابق بإشارات ورسائل إلى المعارضة السورية تتضمن مشاريع تسويات ومقايضات تتناول خروجاً آمناً لرأس النظام وحماية دور «حزب الله» الذي لن يتضرر كثيراً كما يتوقع خصومه أياً كان مآل الصفقة. لكن هذه المحاولات ظلت بلا نتيجة. ربما لأن المعارضة لم تكن، كما حالها اليوم، في موقع يسمح لها بتقديم تعهدات وضمانات. مثل هذه الضمانات يمكن أن تقدمه اليوم واشنطن التي يهمها أيضاً أن تراعي مواقف بعض حلفائها العرب الذين يصرون على وجوب رحيل نظام الأسد، ويرتابون من الحوار الأميركي – الإيراني.

أما «الائتلاف» المعارض فيمر بأضعف مراحله. ويشعر بأن أكثر من قوة عسكرية على الأرض تهدد تمثيله، فضلاً عن تناقضاته الداخلية خصوصاً مع «المجلس الوطني. يكفي أن «الجبهة الإسلامية» خرجت من تحت المظلة المشتركة مع «الجيش الحر» الذي يزداد ضعفاً في وجه ما تمثله هذه الجبهة – فضلاً عن حضور «داعش» و»جبهة النصرة» – من تحديات لدوره ذراعاً للمعارضة. لذلك كان «الائتلاف» ولا يزال يتمنى تأجيل «جنيف 2» شهراً إضافياً لعل الوقت يسمح له بإعادة ترتيب أوراقه في أكثر من مجال. فهو أولاً أمام إعادة انتخاب رئيس وقيادة سياسية جديدين منتصف الشهر المقبل. وستكون هذه القيادة بحاجة إلى فترة لمراجعة ملفات كثيرة والاستعداد للمؤتمر. وينتظر ثانياً استكمال تدريب بعض عناصره المرشحة إلى المؤتمر على فنون التفاوض. ويأمل ثالثاً بأن يسترجع الفصائل التي خرجت من المجلس العسكري، وأبرزها فصائل الجبهة الست، أو على الأقل إعادة بناء جسور التنسيق والتعاون معها.

بالطبع لا يأمل «الائتلاف» ولا يتوقع، على غرار كثيرين من «أصدقائه» العرب والأوروبيين، أن يأتي التغيير الذي ينشد من جنيف. بل هناك من يخشى أن ينتهي المؤتمر إلى فشل ينتهي معه ما بقي من لحمة بين مكونات هذا «الائتلاف» وذراعه العسكرية، لحساب قوى أخرى أبرزها «الجبهة الإسلامية» التي لم يكتف قادتها بإعلان «استقلالهم» العسكري بل لوحوا بمشروع سياسي لا يلتقي مع ما تحاول المعارضة في الخارج الترويج له. ويعول بعض اللاعبين الإقليميين على هذه الجبهة التي ربما خلفت «الجيش الحر» وتحولت سنداً لتغييرات قد تطرأ على تركيبة «الائتلاف» أو انهياره بفعل ما قد ينجم عن «جنيف 2». ومعروف أن هذه الجبهة تعارض المؤتمر الدولي وترفع في سلم أولوياتها إسقاط النظام.

ستبقى «الجبهة الإسلامية» احتياطاً عسكرياً وسياسياً لقوى محلية وإقليمية، من تركيا إلى قطر و»الأخوان» («المجلس الوطني» تحديداً)، تخشى أن تكون «صفقة» متوقعة بين واشنطن وطهران على حساب دورها وموقعها في سورية والمنطقة عموماً. لذلك حاولت أميركا وفرنسا وبريطانيا أن تفتح خطوطاً مع هذه الجبهة وتنادي بوجوب حضورها إلى جنيف. إلا أن الثقة المفقودة بين الطرفين لم تساعد حتى الآن في انجاز أي توافق. فما حتم نشوء الجبهة هو الحاجة إلى الخروج من عباءة اللعبة بين الدول الكبرى التي تقدم مصالحها على ما عداها. أو على الأقل دفع هذه الدول إلى مراعاة مطالب السوريين الداعين إلى التغيير. ولا يستبعد مراقبون أن يقدم قادة فصائلها على مفاجآت سياسية وميدانية تسبق المؤتمر الدولي فتبدل في جدول الأعمال الذي تعده أميركا وروسيا وبعض أوروبا… هذا إذا لم يسقطوا فكرة المؤتمر برمتها ما دام جميع المعنيين به يحاولون خطب ودهم ويشعرون بالحاجة إليهم في المرحلة الانتقالية. باتوا التحدي الكبير أمام حسابات الكبار ومستقبل «الائتلاف» المعارض أيضاً. فكيف يمكن ترجمة أي قرار ميداني يصدر عن جنيف إذا كان هؤلاء خارج اللعبة؟ بل كيف يمكن الوقوف في وجه «داعش» و»النصرة» إذا كان «الجيش الحر» يتحاشى الصدام معهما وهو بالفعل ليس قادراً على مواجهتهما؟ ألم يستنجد لحماية معبر باب الهوى بـ «الجبهة الاسلامية»، فكان أن نصرته ونالت ما نالت من ترسانته، وبعض العتاد غربي المنشأ. وهو ما أثار مخاوف الأميركيين والأوروبيين فأوقفوا مساعداتهم العسكرية الشحيحة.

بخلاف جميع المتوجسين من مؤتمر جنيف والعاملين على عرقلته، يبقى الروس أكثر المهتمين والمتحمسين لانعقاده. فهم مثلهم مثل الأميركيين يدفعون في اتجاه فتح الباب أمام العملية السياسية. لكنهم يستعجلون أكثر من باقي الشركاء مخافة أن يتقدم الحوار السياسي هذه المرة بين واشنطن وطهران وتنضج ثماره. ولإنهم يدركون في قرارة أنفسهم أن مستقبل النظام في دمشق ومصيره ليسا بأيديهم بقدر ما هما بأيدي الإيرانيين. فهؤلاء يمدونه بأسباب الصمود والبقاء. يمدونه بالمقاتلين والمساعدات المادية. ولا جدال في أن هذه أجدى من كل أنواع الأسلحة التي تبعث بها موسكو. أي أن الكلمة الفصل تبقى في أيدي الذين يقفون إلى جانب النظام في الميدان والذين حالت مشاركتهم في القتال دون هزيمة النظام، أو سقوط دمشق، على ما قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله.

لا تملك روسيا إذن الكثير من الخيارات. بينما لا تبدو أميركا في عجلة ما دامت الحرب في سورية حققت الكثير على المستوى الأمن الإقليمي الاستراتيجي في الملفين الكيماوي والنووي. ولا ضير في مواصلتها لاستنزاف اللاعبين الآخرين وإنهاكهم وإنضاج الظروف لصفقة على المستوى السياسي. وإذا أخفقت في التوافق مع موسكو في الطريق إلى جنيف، قد تفتح باب التفاهم مع طهران فتفسح هذه المكان لأهل الخليج في سورية مقابل الافساح لها بمكان في ساحة الخليج. أما في لبنان فلا خوف على حلفاء الجمهورية الإسلامية الذين ثبّتوا حضورهم في السنوات الأخيرة في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وسلطاتها. ولا خوف عليهم من شركائهم في الوطن الصغير. فإذا كانوا اليوم عاجزين عن إلغاء هؤلاء الشركاء على رغم كل ما يمتلكون من عناصر القوة، فإن شركاءهم لن يكون بمقدورهم تحقيق الغلبة. أما إذا تعذر على الولايات المتحدة التفاهم مع روسيا وإيران أيضاً وبعض الشركاء العرب، فلا ضير في أن تستمر الحرب في سورية. ولا ضير في رفع وتيرة الصراع المذهبي الذي يستنزف الجميع ومده بمزيد من الوقود «الأصولي» و»الجهادي»… ولا ضير في أن يتقلب مزاج الأخضر الإبراهيمي بين الإحباط والغضب!

الحياة

تلغيم «جنيف 2» بأولوية ضرب الإرهاب على الحل السياسي/ عبدالوهاب بدرخان *

للمرة الأولى قد تعوّل الأمم المتحدة على علماء في الكيمياء في ادارة مؤتمر «جنيف 2» أكثر من اعتمادها على خبراء السياسة والديبلوماسية، لماذا؟ لأن المطلوب، وفق التسريبات والمعلومات المتداولة، تركيبة عجائبية سحرية غير مسبوقة يستطيع كل طرف القول بأنها حققت أهدافه: أن يبقى بشار الأسد ونظامه برضا المعارضة والقوى الدولية لكي يحارب الارهابيين الذين تنبّأ بوجودهم قبل أن يظهروا في حراك الشعب السوري، وأن تحصل المعارضة على صيغة من شأنها تقليص صلاحيات الاسد في طريقه الى الرحيل وتغيير صيغة النظام باتجاه تمثيل أوفى للمكوّنات الطائفية للمجتمع.

كبيرا الكيماويين هما سيرغي لافروف وجون كيري. والأول أكثر صراحةً اذ يلزم مختبره مازجاً الحوامض بالسموم والوقائع بالفرضيات والتمنيات ليخرج بوصفات لا يمكن تذويبها في الواقع: الأولوية لضرب الارهاب ولتوحيد النظام والمعارضة في المعركة ضدّه. أما الآخر، كيري، فيستخدم عبر سفيره روبرت فورد اسلوب الصدمات الكهربائية المتوالية لترويض شروط المعارضة: فليس عليها أن تقبل فكرة بقاء الأسد فحسب، بل أن يستمر الجيش وأجهزة الأمن تحت إمرة ضباط من الطائفة العلوية، منعاً لانهيار الجيش وحماية للطائفة… حسناً، لكن أين «جنيف 1» من كل ذلك، وكيف يُعقد «جنيف 2» على أساسه كما يقال، بل كما تقول الدعوة الموجهّة من بان كي مون؟

كما المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية التي سادت فيها مرجعية اتفاق الطرفين على لا مرجعية القرارات الدولية مع استحالة العودة الى تلك القرارات حتى لو اختلف الطرفان وتوقف التفاوض، كذلك ستُغلَّب في مفاوضات المعارضة – النظام مرجعية توافق الطرفين الاميركي والروسي، ولا مرجعية سواها، خصوصاً أن الأخير عطّل صدور أي قرار عن مجلس الأمن ولم يقبل إلا بيان «جنيف 1». كان لافروف تمكن من اقناع هيلاري كلينتون، خلال لقائهما في سان بطرسبرغ قبل يوم من مؤتمر جنيف في 30 حزيران (يونيو) 2012، بالتعديلات التي اقترحها على ذلك البيان مستبعداً أي اشارة الى تنحّي الاسد. اكتشفت كلينتون الخدعة متأخرة، اذ تلقّت من واشنطن اتصالات لوم واستهجان، وعندما حاولت تصحيح الخطأ معلنةً أن البيان يعني حكماً تنحّي الاسد، كان لافروف في طريقه الى المطار للمغادرة، إلا أنه عاد ليصحح أن البيان يتحدّث فقط عن تفاوض على «هيئة تنفيذية انتقالية» ولا يتطرّق الى مصير الاسد الذي ردّد دائماً أنه «شأن» الشعب السوري، مفترضاً أن هذا الشعب كانت لديه فعلاً حرية الخيار عندما «انتخب» الأسد مرتين.

ظلّ «التنحّي» و «الرحيل» عنوانين ثابتين في المواقف الاميركية المعلنة فيما كانت قوات «الجيش السوري الحرّ» تحقق تقدماً ميدانياً ضد قوات النظام، وبحدٍّ أدنى من الدعم الخارجي، وعندما احتاجت الى هذا الدعم لتحسم المعركة ضد النظام، بدأ الموقف الاميركي يشهد تحوّلات سلبية صارت اليوم محسومة. فمن جهة، تبنّى تحذيرات روسية واسرائيلية بأن سقوط النظام يؤدي الى «عرقنة» سورية بانهيار الدولة والجيش والأمن وبصعود الاسلاميين المتشددين والارهابيين. وفي المقابل، لم تستطع المعارضة اقناع واشنطن بأنها انتظمت فعلاً في اطار سياسي – عسكري متماسك وممثل للمكوّنات الاجتماعية بقيادة زعامة معترف بها داخلياً. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، أطلقت الوزيرة كلينتون تصريحات انتقادية شديدة للمعارضة بعد لقائها وفداً من «المجلس الوطني» ومطالبتها (غير الواقعية) بضمانات للأقليات السورية (العَلَوية تحديداً)، في حين أن هذا «المجلس» لم يكن قادراً على ضمان بقائه، بدليل أن انتقادات كلينتون مهّدت لضغط اميركي على مجموعة «أصدقاء سورية» لاستبدال «الائتلاف» بـ «المجلس».

كان هناك اعتقاد بأن ولادة «الائتلاف» عَنَت تأهب الولايات المتحدة لتسليح نوعي للمعارضة، وبالتالي بداية «عملية اميركية» لإسقاط النظام. بدلاً من ذلك، بادرت واشنطن الى ارسال أولى اشاراتها الى النظام عبر قرارها وضع «جبهة النُصرة» على لائحة المنظمات الارهابية. عشية ذلك القرار، عقد اجتماع اميركي – روسي في دبلن بحضور الاخضر الابراهيمي، وتبعه لقاء مماثل في جنيف ذهب على أثره الابراهيمي الى دمشق ليبلغ الأسد أن الحل السياسي بناء على بيان جنيف يعني فتح الآفاق أمام جميع السوريين ليقرروا شكل النظام الذي يريدونه، وأنه مدعو الى لعب دور ايجابي في هذا المسار، خصوصاً أن يتخلّى طوعاً عن فكرة البقاء في السلطة. كادت مهمة الابراهيمي تنتهي عند هذا الحدّ، لولا أن روسيا (وأميركا) شجّعته على الاستمرار، وفهم الاسد أن موسكو (وواشنطن) وافقت على أن يحمل المبعوث الدولي – العربي هذه «النصيحة» اليه، لكن الأسد (وإيران) فهم أيضاً أن الاميركيين والروس باتوا يعتبرون بقاءه سبباً لاستشراء ظواهر التطرف الارهابي وعقبةً أمام مكافحتها والحدّ من انتشارها.

وهكذا تبلورت الاستراتيجية الأسدية – الإيرانية، فإذا كانت الدول الكبرى لا تبالي بقضية الشعب السوري ولا تخشى سوى الارهاب، فالأفضل تموضع النظام عسكرياً (بدعم ايراني) كطرف وحيد قادر على ضربه. كيف؟ بمفاقمة الحال الارهابية في مناطق المعارضة واستدعاء المزيد من الارهابيين ولو بتدبير فرارهم من سجون سورية وعراقية.

واذا كانت 2012 سجلت في بدايتها ظهور «أبو محمد الجولاني» قائد «النُصرة» وانتهت بإلحاق هذه الجبهة وصمة «الارهاب» بالثورة السورية، فإن 2013 كانت سنة الاعلان عن دخول «القاعدة» الصراع – «رسمياً» – عبر إنشاء «الدولة الاسلامية للعراق والشام» (داعش)، ما جعل «المجتمع الدولي» يكتفي بتدمير السلاح الكيماوي ويتجاوز مبدأ معاقبة النظام على استخدامه.

وتزامن ظهور «داعش» مع دخول مصطلح «التكفيريين» بمغزاه المذهبي في بروباغندا النظام وطهران وخطب الأمين العام لـ «حزب الله» وأبواقهم، وأصبح التكفيريون عنواناً توجّه اليه الاتهامات بعد كل تفجير في سورية أو لبنان أياً تكن الجهة التي دبّرته. في غضون ذلك، وكلما زاد ظهور المجموعات المتطرفة وتحركها بحرّية وتشكيلها خطراً حقيقياً على مدنيي المعارضة وعسكرييها، زاد تمييع الولايات المتحدة وعودها لتسليح «الجيش الحر» وتلكؤها في تنفيذها ثم تناسيها شيئاً فشيئاً الى أن أصبحت صارمة التشدد في منع حتى الدول الراغبة بتوفير مثل هذا الدعم للمعارضة. ولكثرة المجازفة بإضعاف «الجيش الحر» وحجب الدعم عنه، كتبت واشنطن عملياً نهايته، لتشدّد الضغط على «الائتلاف» كي يلعب اللعبة المرسومة لـ «جنيف 2»، إلا أنها فوجئت بـ «الجبهة الاسلامية» تستولي على أركان «الجيش الحر» وتطرح نفسها بديلاً منه وترفض أقلّه في العلن رغبة اميركية في التحادث معها.

واقعياً، عملت الولايات المتحدة، بموجب التفاهمات مع روسيا، على أن يتزامن الوصول الى موعد «جنيف 2» مع تلاشي القوة العسكرية للمعارضة، ليسهل عندئذ تنفيذ فكرة «توحيد قوى النظام والمعارضة ضد الارهاب». صحيح أن الارادة الاميركية – الروسية هي التي ستسيّر المؤتمر، إلا أن فكرة توحيد القوى هذه تعاني أولاً من عدم وجود نيّة لوقف اطلاق النار قبل المؤتمر، وثانياً من عدم إسنادها بمشروع يوضح أفق الحل السياسي المنشود، ثم أنها تبدو تبسيطية ومنفصلة عن الواقع القتالي وقصف المدنيين بالبراميل المتفجّرة واستمرار النظام في تعزيز موقفه الميداني. وعلى افتراض الرضوخ للضغوط، فإن المعارضة ستضع نفسها حُكماً تحت الإمرة الايرانية، اذ إن أحد الاختبارات لطهران ما بعد الاتفاق النووي أن تثبت قدرةً على ازالة خطر الارهاب كما أثبتت مهارةً في تصديره وزرعه في مناطق المعارضة. ولذلك لم تغضب ايران من استبعادها عن «جنيف 2»، فهذا يمنحها امكان تخريب المؤتمر من خارجه بعدما حُرمت امكان تخريبه من داخله.

* كاتب وصحافي لبناني.

الحياة

إلغاء الشعب.. وإعادة إنتاج الأسد؟/ راجح الخوري

يقترب الثاني والعشرون من يناير بسرعة وليس هناك ما يوحي بأن مؤتمر «جنيف – 2» يمكن ان يعقد بعدما نسف الروس كل اهدافه ووظائفه التي حددت في «جنيف – 1»، وحتى اذا عقد فليس هناك اي أمل في ان يتوصل الى حل سياسي ينهي الكارثة الدموية التي دمرت سوريا وتفيض على دول الجوار وتحديداً لبنان.

وهكذا يبدو الاخضر الابرهيمي وكأنه يسهر على طبخة بحص، وخصوصاً في ظل التباعد المتزايد في مواقف الافرقاء جميعاً، ففي حين يزداد النظام تشبثاً بالنظرية المرفوضة قطعاً، اي بقاء الاسد في السلطة يرفض «الائتلاف الوطني» المؤتمر اذا لم يؤد الى اتفاق على حكومة تنتقل لها كل الصلاحيات، وهو ما يدعمه فرنسوا هولاند الذي اعلن ان لا داعي لجنيف اذا لم ينه حكم الاسد.

المشكلة الاساسية تكمن حصراً في الموقف الروسي الذي قد ينسف المؤتمر من اساسه، وخصوصاً في ظل سعي موسكو لجعل «جنيف – 2» مناسبة دولية لتكريس ثلاثة امور غاية في الفظاظة والوحشية:

1 – اولاً أن يقوم الاسد بتسليم السلطة للأسد وكأن شيئاً لم يكن!

2 – أن يتحول المؤتمر مناسبة دولية لتبني الحل العسكري الذي يطبقه النظام وتدعمه موسكو من ثلاثة اعوام!

3 – ان تعود المعارضة الى بيت الطاعة الأسدية وتنخرط معه في ما يسمى الحرب على الارهاب!

لا ينكر احد ان هناك تنظيمات ارهابية وتكفيرية تسربت لتعمل الآن في سوريا، بعد مرور عامين على المذابح والفظاعات التي تمادى النظام في ارتكابها تحت مظلة الرعاية الروسية وفي ظل التعامي الاميركي الخبيث، الذي لم ير بحور الدماء كما رأى (بعيون اسرائيلية) ترسانة الاسد الكيماوية، لكن من الواضح ان هذه التنظيمات باتت تقاتل المعارضة الى جانب النظام الذي صنعها في الاساس، ويتحدث بعض التقارير الميدانية الاخيرة عن مشاركة ايران في دعم «داعش» مثلا، في اطار السعي الى تصوير المعارضة وكأنها حركة ارهابية، وهو ما يشكل هذا خذفاً كلياً للشعب السوري المذبوح!

لم يكن ما اعلنه ميخائيل بوغدانوف من «ان تلميحات الاسد الآن لا تشجع على الحل» اكثر من محاولة لتزحيط المعارضة نحو جنيف (لاحظ كلمة الآن اي عشية المؤتمر)، وبالرغم من هذا سارعت موسكو الى النفي، لكن سيرغي لافروف ذهب أبعد من ذلك عندما اعلن صراحة الرغبة في اعادة انتخاب الاسد بقوله «ان الغرب بدأ يدرك ان بقاء بشار الاسد على رأس السلطة ليس بالأمر الخطر مثلما لو سيطر الارهابيون»، ثم كرر نظريته التي تبناها النظام السوري وهي «ان وظيفة مؤتمر جنيف حشد المجتمع الدولي وراء الحرب على الارهاب في سوريا، ومن الضروري توحيد جهود المعارضة والحكومة لمواجهة القوى المتطرفة»!

الائتلاف الوطني رد بالقول ان الجميع يريد محاربة الارهاب لكن المشكلة ان المجتمع الدولي لا يحدد الارهاب بشكل واضح، «عندما لا يرى ان الاسد ارهابي قبل (جبهة النصرة)، وان الارهابي الحقيقي هو الاسد واعوانه من ميليشيا (حزب الله) وابو الفضل العباس التي تديرها ايران».

في مقابلة مع وكالة «نوفوستي» قال لافروف الذي لا يرى إلا بعين واحدة انه «في النقاشات الخاصة وحتى في بعض تصريحات شركائنا الغربيين، تبرز فكرة انه في حال وصول الجهاديين والارهابيين الى سدة الحكم فسيطبقون الشريعة وسيذبحون الاقلية ويحرقون الناس»، يأتي هذا في حين كان الاسد يهدم حلب ودرعا على رؤوس المدنيين بالقنابل البرميلية، ولكأن القتل بالسكاكين ارهاب اما القتل الجماعي بمدفعية الميدان وبصواريخ سكود الروسية وبسلاح الطيران وبالكيماوي ليس من الارهاب الذي فتك حتى الآن باكثر بما يقرب من 150الف سوري!

مؤتمر جنيف ساقط عندما يسقط مطالب الشعب السوري ويعتبره ارهابياً، وهو مسخرة عندما يريده الروس مناسبة لاعادة انتاج الاسد… ولكن الساقط اكثر بالمعنى السياسي والاخلاقي هو الموقف الاميركي الملتبس والمتراجع، الذي لا يمانع في استمرار المقتلة التي بات ينظر اليها في كواليس المخططين الاستراتيجيين في واشنطن، على انها مدخل مثالي ممتاز لإنزلاق الخصوم الى الرمال الدموية الاسلامية المتحركة.

فهي المدخل الايراني الى خطر الفتنة المذهبية او «الحلم الاسرائيلي القديم»، الذي تغرق فيه طهران اكثر فأكثر، بما يزيد من مطواعيتها النووية، وهو المأزق الذي يندفع اليه الروس بعيون مفتوحة بما سيورطهم طويلاً مع كراهية المسلمين ويزيد من مشاكلهم حتى داخل عقر دارهم، وهو ما يريح واشنطن المنصرفة الى الاهتمامات الاسيوية والصينية… ويسعد اسرائيل التي تنام ملء جفونها وإن كان هناك من يصرخ ان القتال الى جانب الاسد الذي ذبح شعبه هو دعم لتيار المقاومة!

الشرق الأوسط

شاحنات بوتين وبراميل الأسد/ موناليزا فريحة

استنفر العالم لاخراج الاسلحة الكيميائية من سوريا وتدميرها. أرسلت روسيا 75 شاحنة لنقلها الى طرطوس. وقدمت أميركا أقماراً اصطناعية والصين كاميرات مراقبة لمتابعة الشاحنات الروسية. وضعت الدانمارك ونروج سفنا في تصرف منظمة حظر الاسلحة الكيميائية لنقل الاسلحة الى ميناء في ايطاليا.

حال طوارئ دولية في البحر والبر وربما الجو، لنقل المواد “الاخطر” الى خارج سوريا، فيما النظام يمطر حلب وضواحيها منذ عشرة ايام ببراميل متفجرة محلية الصنع. أسلحة بدائية محشوة بالمسامير والمتفجرات والشظايا لا هدف لها الا اصطياد اكبر عدد من الضحايا. براميل لا تقل فتكاً عن الغازات التي استخدمت في آب الماضي ضد الغوطة الشرقية. الفارق الوحيد بين هذه وتلك أن الغازات محظورة دولياً فيما براميل الاسد عصية على أي حظر؟

منذ أسابيع تعكس الاخبار الواردة من سوريا وعنها صورتين متناقضتين. الخطوات المتسارعة لاتمام “الانجاز” الكيميائي والجهود الديبلوماسية المكثفة لعقد “جنيف 2″، يقابلها قصف بوتيرة متسارعة ايضاً بالبراميل لحلب والمدن الاخرى. فبماذا يفيد تفكيك الكيميائي أهالي حلب وسوريا كلها ما دامت الاسلحة الاخرى والبراميل غب الطلب؟ وأي سلام يبحث عنه جنيف بين الجثث المتزايدة؟

لم يعد الاسد يصف معارضيه الا بالتكفيريين. لم يعد يرى من أهالي حلب وحمص والغوطتين غير أولئك الذين سطوا على الثورة وألحقوا فيها أذى لا يقل عن ارهاب براميل النظام.

رفعت التسوية الكيميائية معنويات الرئيس السوري بعدما سقطت الضغوط الدولية على نظامه. ومع تبدد خطر الضربة الغربية، اكتسب زخماً عسكرياً وسياسياً. أطلق العنان لهجوم مضاد جنوباً وشمالاً، وابتكر أنواعاً جديدة من الموت والرعب. أعادته التسوية السياسية الى المعادلة وجعلته شريكا في أي حل للنزاع، بعدما كان معزولا، أقله في الغرب. وفيما تتكثف الجهود لعقد “جنيف 2″، يعود النظام الى المراوغة تارة بمناقشة ماهية المرحلة الانتقالية، وطوراً بالاعلان أن الدستور السوري الراهن سيطبق على “جنيف 2”.

من البديهي أن نظاما في وضع ميداني وسياسي كهذا لن يذهب الى مؤتمر السلام لتسليم السلطة، ولا حتى لتقاسمها. ومجرد مطالبة مسؤولين سوريين بتطبيق الدستور الحالي يدل على أن الاسد ينوي الاحتفاظ بكل الصلاحيات، وعدم التنازل للحكومة الانتقالية بشيء. وليس ثمة ما يضطر حلفاءه الروس تحديداً الى الضغط عليه لتقديم تنازلات. أما الائتلاف الوطني فليس في موقع قوة للتفاوض، ولن يكون مستعداً لتقديم تنازلات تضعف أكثر قوته التمثيلية.

في ظل هذا الخلل في ميزان القوى، تبدو حظوظ نجاح “جنيف 2″، اذا انعقد، ضعيفة جداً، إن لم تكن معدومة.

النهار

“جنيف – 2 ” بين الأمل والإخفاق/ أحمد عبد الملك

 رغم إعلان المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي إلى سوريا بأن 26 دولة سوف تشارك في مؤتمر «جنيف 2»، وأن الولايات المتحدة قد مارست ضغوطات لعدم إشراك إيران في المؤتمر، وأن حضور السعودية سيكون بروتوكولياً ( في جلسة الافتتاح)، وإنْ كان الرأي بأن يكون مندوبوها على مقربة من مقر المؤتمر، إلا أن الإشكالية الرئيسية التي ستواجه المؤتمر تتمثل في تعدد الجبهات والجهات على التراب السوري وخارجه، وصعوبة توحيد التمثيل.

ورغم إعلان رئيس الائتلاف السوري المعارض «أحمد الجربا» أن الأكراد سوف يكون لهم تمثيل في المحادثات «وفد ضمن الائتلاف ووفد ضمن النظام»، إلا أن ما يزيد في تعقيد الأمور هو تعدد الجبهات وصعوبة ضبط إيقاع الجماعات «الجهادية»، و«الجبهة الإسلامية»، و«جبهة النصرة»، و«أحرار الشام»، و«الجبهة الشعبية للتغير والتحرير»، وجماعة «داعش» وهي «الدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها. وإذا ما صحّت «التنبؤات» – على ضوء ما جرى في الجلسات التحضيرية للمؤتمر- فإن عدم حضور إيران والسعودية، وهما من أكبر الدول في المنطقة، وانفراد الولايات المتحدة وروسيا بأقدار المؤتمر، سوف لن يكون لصالح المؤتمر. كما واجهت الجلسات التحضيرية استقطابات دولية لقوى المعارضة، ما سُميّ « تقاسم نفوذ» بين الأطراف المشاركة في المؤتمر وبعض الدول الأوروبية. وكان السفير الأميركي لدى سوريا «روبرت فورد»، قد أكد أن بلاده ترفض مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2» بشأن سوريا، مشيراً إلى أن دور إيران في الملف السوري كان دائماً سلبياً. كما أكد بأن الموقف الأميركي من الأسد لم يتغيّر وأنه لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية. ولكن ما يدور في المخيال الغربي أن مؤتمر «جنيف 2» لا يفضي بالضرورة إلى خروج الرئيس السوري من السلطة.

ورغم أن «الإبراهيمي» بدا ممتعضاً من عدم إشراك إيران في المؤتمر، فإن نائب وزير الخارجية الروسي «ميخائيل بوغدانوف» صرّح بأن «استبعاد إيران من مؤتمر «جنيف 2» قرار أميركي، وإذا لم تحضر إيران، فلن تكون مضطرة للالتزام بقرارات المؤتمر ، ولن يساعد ذلك على حل النزاع في سوريا، مشيراً إلى أن إصرار الولايات المتحدة على موقفها هذا سوف يُفشل المؤتمر» . كما زاد على ذلك «الإبراهيمي» بالقول : إن الوفد الأميركي قد أعاق تمرير المشاركة الإيرانية لأنه لا يراها ضرورية، لكننا سنستمر في بحث المسألة لتصبح ممكنة، مشيراً إلى أن الإيرانيين «يتمنون» الحضور، لكنهم أبلغوا الأمم المتحدة بأن «عدم مشاركتهم لا تعنى نهاية العالم».

على الصعيد الميداني، حيث سُجلت بعض التراجعات لـ«الجيش السوري الحر»، بعد سقوط أكثر من 70 قتيلاً يوم الخميس الماضي في ريف دمشق، حيث قصفت قوات الجيش النظامي المدن والبلدات التي يسيطر عليها «الجيش الحر» بالطيران والمدفعية الثقيلة، كما استخدم النظام صواريخ «أرض- أرض» في حي «القابون». وقد أعلن رئيس أركان الجيش السوري الحر «سليم إدريس» أنه يجري العمل على توحيد صفوف المقاتلين المعارضين لنظام «الأسد» في وقت تشهد ميادين القتال تراجعاً لحضور هذا الجيش مقابل تصاعد نفوذ المجموعات الإسلامية و«الجهاديين» بعد أن سيطر مقاتلون إسلاميون على مخازن أسلحة تابعة للجيش الحر قرب الحدود مع تركيا. كما حدث تعارض بين المواقف عندما أعلن السفير الأميركي في سوريا بأن الجبهة الإسلامية السورية رفضت لقاء الجانب الأميركي في إسطنبول قبيل الاستعدادات للجلسات التحضرية لـ«جنيف 2 ».

وهذا يُعتبر مؤشراً سلبياً لكل ما أملّتهُ الثورة السورية، وتشتيتاً للجهود التي هدفت لإزاحة نظام الأسد، وإنشاء دولة ديموقراطية مدنية في سوريا، وأن الثورة السورية تتعرض لعمليات «اختطاف» على أيدي جماعات متفرقة، لا يبدو أنها تؤمن بأهداف الثورة السورية الأصلية، وليس مستغرباً أن تكون لديها أجندات خارجية تأتمر بها، ولا يمكن أن تستجيب لصوت العقل بعد أن وصل عدد القتلى إلى أكثر من 126 ألف شخص، وتشريد أكثر من 6 ملايين سوري في المنافي، وسط ضراوة الطقس وشدة برودته.

كما أن همجية القتل لدى بعض الجماعات «الجهادية» وإمعانهم في القتل بلا رحمة والاختطافات غير المسؤولة يزيد في مساحات معاناة السوريين. ولا أدل على ذلك من نشر صور لثلاثة رجال من مدينة «عدرا»، وقد تم ذبحهم من قبل عناصر جهاديين مرتبطين بتنظيم «القاعدة» وقد وضعت رؤوسهم بجانب جثثهم في منظر لا يمكن قبوله من جهاديين يسعون إلى إقامة دولة العدل والحرية.

«جنيف 2» سيكون محفوفاً بالمخاطر، طالما امتدت إليه الأيادي الطويلة والمتنوعة، ولن تضمن نجاحهُ التمنيات التي تُطلق من هنا وهناك، بل سيكون الأمر في النهاية عند واشنطن وموسكو، وقد يكون الطريق طويلاً وغير مفروش بالورود.

الاتحاد

سوريا بانتظار ما يسفر عنه الميدان.. لا “جنيف 2” / كمال خلف الطويل

من رحم النصف الثاني لعام 2012 ولدت وتشكلت وارتسمت معالم الحدث السوري عبر النصف الاول من عام 2013.

والحال ان شهور تموز ـ تشرين أول من 2012 كانت شهور محنة فارقة من حياة النظام السوري أوشكت ان تعرّضها ذاتها لخطر محيق، وإن قصُرت عن ان تكون فاصلة بحسمٍ نحوها. فيها دق الموت أبواب الحلقة القيادية العليا للنظام، ففقد اثنين من عظام الرقبة، أحدهما صهر الرئيس، والآخر عمود أمني مديد الأثر، فيما الإثنان الآخران وزيرا دفاع، راهن وأسبق. تصاحب ذلك مع اختراق دمشق المدينة ذاتها من «ميدانها» بهجمة مسلحة انطلقت من غوطتها، وبالكاد صدّت وردّت على أعقابها.. بل ومع تسلل لوائي مسلحين من ريف حلب الى مدينتها مستولييْن على نصفها الشرقي ، في غفلة من نظام باع مدير فرع الاستخبارات العسكرية فيها مفاتيح المدينة للاستخبارات التركية راعيةُ أولئك المسلحين، وللمخابرات القطرية ممولتهم. والثابت ان امتصاص النظام لهذه الضربة المثلثة كان إشارة لا تخطئها عين على استحالة قبعه من قبل مستهدفيه بالقوة، أمرٌ تكررت برهنته مرات ومرات قبل محنته تلك وبعدها ولتاريخه.

ما إن استوعب النظام تلك الصدمة حتى تلتها طيلة خريف 2012 هجمات عدة تبغي اختراق دمشق منطلقة من غوطتها، لتتكسر جميعها على بواباتها .. ولكن بشق الأنفس.

ولعل شهر تشرين الأول كان الموعد الاول الذي ألمح فيه السيد حسن نصرالله الى احتمال إلقاء «حزب الله» بثقله في ميدان الحرب السورية، وهو ما عنى أمرين في آن: ان الحاجة لتدخله تتنامى، وان النظام لن يُترك من قبل حلفائه ليسقط.

مع بدايات شتاء 2012 ـ 2013 كان قد أضحى جلياً ان التهديد المتربص بدمشق قد انحسر، وأن كفة الميزان في تأرجح، بين رجحان طفيف لهذا الجانب أو ذاك، ما بين أسبوع وآخر.

ما هي القوى المتصارعة فوق الجغرافيا السورية منذ مطلع 2013؟

الجيش: وهو القوة الأقوى، وإن غير متمتع برجحان وطيد الاركان.

البشمركة: وهي ميليشيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ـ ملهمه السجين عبدالله أوجلان ـ بقيادة صالح مسلم محمد زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني. قوة ميليشياه (وحش) تتركز في الشمال والشمال الشرقي والأحياء الكردية من مدينة حلب. هي تناصب تركيا وامتداداتها السورية العداء، مثلما تتشاطره مع القاعدة.. فيما تقيم هدنة مع الجيش تتحول أحياناً الى تخادم تمليه ضرورات الميدان، وهي المستمدة من عداوة الطرفين لباقي الأطراف الباقية.

القاعدة: بشقيها «داعش» و«النصرة».. تلك حالة مستقلة عن باقي الظواهر المسلحة، وإن تنافعت في أحيان كثر مع مخابرات الدول الاقليمية المعادية للنظام السوري. هي في العموم على عداوة وجودية مع النظام.. عداء مرير مع البشمركة.. وخصومة لابدة نحو مسلحي التنظيمات المرتبطة بالدول الاقليمية تلك.

السلفية السعودية: وهي جملة من تنظيمات سلفية محلية لا تعرف مرجعيةً وممولاً وراعياً الا السعودية واستخباراتها. عدوها الأول هو النظام، متبوعاً «بالبشمركة»… فيما «القاعدة» عندها خصم اليوم التالي، أما التركو ـ قطريين فهم هدف للابتلاع والإلحاق والتقويض متى سنحت الفرصة.

التركو ـ قطريين: وهم مروحة من تنظيمات محلية تراوحت بين ميل اخواني ومنبت سلفي، وائتمرت بإمرة الراعي التركي والممول القطري. يتشارك في عداوتهم النظام و«البشمركة» و«القاعدة»، وإن بتفاوت يرجّح حصة النظام منها، لكن التوجس والارتياب هو ناموس نظرتهم الى السلفية السعودية، ومن ثمّ الصراع المطوي بين الثنايا.

تنضاف على خريطة القوى مجموعة من الضباط المنشقين الذين لا تُعرف عنهم اسلامية جارفة، وانما الارتباط بأحد المحورين الاقليميين: السعودية ـ الإمارات قبالة تركيا ـ قطر، برباط المال والتشغيل.

مع بداية 2013، وبعد أن طوى الرئيس السوري صفحة التهديد الوجودي الذي طاله لشهور عدة، وخرج من بياته الاعلامي على الملأ بمبادرة سياسية أراد منها إثبات انه الأقوى بين فرقاء الصراع، لم يكن ينتظر استجابة خصومه بقدر ما اراد تسجيل نقاط ٍلمصلحته، أهمها ان ليس المهم ان تريد واشنطن وحلفاؤها إسقاطه.. الأهم انه باقٍ رغم أنفهم. عكست المبادرة ايضاً حقيقة ان الرجحان المتأرجح بات يتثبت باطراد… تثبت احتاج توكيده ولوج قوات «حزب الله» الى الميدان، بدايةً لتأمين مقتربات القصير الغربية والمشرَعة على كل أجناس العبور للرجال والسلاح والمؤن من لبنان الى الداخل السوري، ووصولاً الى الاستيلاء على القصير ذاتها وهي القلعة المنفتحة على محاور استراتيجية عدة وفارقة.

في نيسان 2013 وفد الى واشنطن حاكم قطر حمد بن خليفة لتتمخض زيارته عن ترتيب تسليم شريكه وخاله وموطن سره رئيس الوزراء حمد بن جاسم لبندر بن سلطان ـ مدير الاستخبارات السعودية ـ ملف الحرب السورية، بعد ان برهن الأول عن فشل ذريع في إحراز الفوز المرغوب طيلة عام ونصف من الجهد. وفيما طبخة الانتقال تتم على نار متأنية شن «حزب الله» هجومه على القصير في مايو ملحقاً هزيمة طاحنة بمسلحي «القلعة»، وهم أخلاط من «سعوديين» و «تركو ـ قطريين» و«قاعديين». دق جرس الانذار في واشنطن فتأجّل انفاذ جنيف ـ 2، برغم اتفاق «7 أيار» المبدئي في موسكو بين وزيري الخارجيتين الروسي والاميركي على ألا يتأخر عن الصيف.

أفسح حمد بن خليفة الدرب لنجله تميم حاكماً لقطر، مؤذناً بخسوف الدور القطري في الحرب السورية بواقع فشله المتراكم في تصديع النظام، سواء عبر فيلقه الميداني أم عبر واجهته السياسية «المجلس الوطني» الذي كان قد تعرض لتهميش مقلِص في تشرين الأول 2012 للاسباب ذاتها، مجسَّداً باستيعابه في «الائتلاف» مكوِّناً من عدة.. لا أداة واحدة كما كان لعام سلف.

برهنت القصير ان الفيلق التركو ـ قطري ليس على قد مقام الميدان ـ وهو الأوزن في الوسط السوري ـ ولا استطاع درء تهشيمه في الشمال والشمال الشرقي على يد كل من «البشمركة» و«القاعدة»، فيما السلفية «البندرية» قد حافظت على وجود مؤثر في ريف دمشق وفي حوران وريف الساحل الشمالي.

كسر التوازن

صدر الإذن الاميركي لتولية بندر مهمة كسر التوازن الهش مع الجيش وحلفائه ما وسِعَهُ الجهد والطاقة، وبأمل ان يفضي ذلك الى تسوية سياسية ترجح فيها كفة واشنطن وحلفائها على كفة الحلف المقابل، متمثلة في اخراج الرئيس السوري من المعادلة السياسية.. تماما لكونه صمغ النظام اللاحم الذي بخروجه تتفكك عقدة النفاذ الى حشايا المؤسسة العسكرية ـ الأمنية، بما يكفل أخذها الى ضفة «البوتامك» وأخذ سوريا معها من ضفتي «الأسود» و«قزوين».

سارع بندر الى توجيه ضربة مغافِلة وموجعة للنظام بضربه في ما راهن عليه مقتلاً، أي ريف الساحل المكتظ ببيئة موالية للنظام تزوده بمعين لا ينضب من المقاتلين. ولوهلةٍ بدا الجيش وكأنه قد فقد توازنه لكنه سرعان ما استجمع قواه ليستوعب الهجمة أولاً ثم ليقضي على مشنّيها من قاعديين وبندريين.

واللافت ان تلك الهجمة تزامنت مع تهيؤ الجيش لشن هجوم واسع على ريف دمشق الشمالي، الذي ما إن بدأ في 21 آب حتى تطور الأمر الى تصعيد كيميائي تواقتَ مع وجود بعثة تقصٍ أممية لسوابق كيماوية، أبرزها في خان العسل بريف حلب في اذار السابق. والحاصل ان تحقيق سيمور هيرش في لندن ريفيو ـ بتاريخ 7 كانون الأول ـ يشي باستبعاد الجيش متسبباً بالاستعمال.

الأهم هنا هو ان الكيميائي كان، لعام كامل قبل الغوطة، محل تجاذب مكتوم بين دمشق وواشنطن مع اطلالة روسية ـ ايرانية عليه. ولعل خط اوباما الكيميائي الاحمر الذي رسمه للأسد في 18 آب 2012 كان في العمق تعبيراً عن الفجوة المتسعة بين الرغبة والقدرة لدى امبراطورية تضعف، ولم تضبط بعد إيقاع لسانها على ساعة قدرتها، فبقيت «الهوبرة» طاغية في مفرداتها بظن ان مفعول الوعيد يغني عن الفعل عند المتوعَد.

كان في حساب اوباما، إضافةً، ان كيميائي سوريا حتى وإن كان عملانياً ليس ذاك المهدِّد، فإنه نفسياً وسياسياً مصدر عصاب اسرائيلي يحتاج علاجاً حاسماً يفيد في تطمين اسرائيل.

والحاصل أن التفاوض السري عبر القناة الروسية شق طريقه منذ نيسان الفائت، وفحواه ان ثمن تخلي سوريا عن الكيميائي هو تخلي واشنطن عن محاولة إسقاط النظام بالقوة.

والشاهد ان غارة 5 أيار الاسرائيلية على قاسيون كانت فعل تليين اميركي للارادة السورية لم يصب نجاحاً في وقته، واحتاج الأمر الى أزمة آب اللاحق لتتحلحل المسألة.

خط أوباما الأحمر

والثابت ان ما هدف اليه اوباما من تفعيل مسألة الخط الأحمر في آب هو اختبار صلابة الحائط المسنِد لسوريا في الاقليم وما خلفه، فإن وهنت عزيمته عن الصد وبدا كمن لا يعترض على تمرير ضربة أميركية لسوريا فتلك هي الفرصة التي لا تفوَّت لضرب النظام في مقتل، عبر هجوم صاروخي ثم جوي على معاقله ويشكل ساتراً نارياً لانطلاقة برية واسعة النطاق صوب دمشق يشنها المسلحون، وتكفلان معاً التطويح بالنظام، فيما قوات تدخل سريع تركية ـ اردنية، محفوفة بوحدات من «الناتو» خاصة، تدلف الى الداخل لتفرض الأمن، وتصطاد «القاعدة»، وتستصلح بقاياً مقبولة في الجيش والأمن داخل بنيان جديد يوالي واشنطن ومواليها.

أما إن تبدت صلابة الحلف في تصميم قاطع له على إنجاد النظام ولو بالقوة، وما يضمره ذلك من نية توسيع المواجهة من محلية لإقليمية ـ حتى وإن بدْءاً من سوريا ـ فحينها يتم الاكتفاء بجائزة الكيميائي التي طال ارتقابها.. وهكذا كان: جاء القرار قاطعاً وجلياً من فم طهران لأذن موسكو، ومنها لأذني واشنطن، إن غارة ولو محدودة على سوريا كفيلة بإشعال اسرائيل. أعان موسكو في مهمتها سلطان عمان، وهو الذي تمرس في فن قراءة الخريطة وفهم الجغراسياسية؟؟.

والثابت ان يوم 3 أيلول كان يوم الفصل في فهم ـ أو إفهام ـ واشنطن أن الأقلام قد رفعت وجفت معها الصحف، إذ بصفرية الموقف الايراني تصلّب الموقف الروسي، وهو ما تجلى في إشهار موسكو الفوري لانطلاق صاروخين اميركيين من منصتيهما في المتوسط.. الرسالة واضحة: الزموا الحد، فلن ندع دمشق فريسة.

تلك لحظة وطدت طور الأفول الاميركي بما لا تخطئه عين، وعنت ان القرار العالمي أضحى الآن بين خيمتين كونيتين جيوستراتيجيتين ـ «أوراسية» و«ناتوية» ـ لا حكراً على الثانية، وفي الرأس منها الولايات المتحدة.

أفضى الأفول سورياً الى تبيّن كم أخطأت واشنطن في سبل توسلها هدف اسقاط النظام، حين أذنت بتيسير وصول القاعدة الى الداخل السوري من كل المنافذ الحدودية بأمل ان يتكفل ارتطامها بالجيش بتهشيم الاثنين، وهو غب الطلب عندها، فإذ بها ترقب تنامي شوكة كل منهما، ثم ليدخل على خط الأول انتقال ««حزب الله»» من قوة لبنانية مزعجة الى مصاف قوة اقليمية منغصة تزاول دوراً فارقاً على الجغرافيا السورية، عبر نصرة للنظام.

الكيميائي أنقذ النظام

ومع فشل هجوم ريف الساحل وانفراج ازمة الكيميائي، بما استبطنه من إقرار واشنطن برئاسة الأسد حتى نهاية مدته بل وانفتاحها على مسألة ترشحه ثانيةً، بدا ان بندر يواجه أزمة ملفٍ عنوانها ان انتقال الأسد من خانة الرجحان الى خانة الفوز (حيث للفائز اليد العليا في التسوية) معناه حكماً زوال أي نفوذ سعودي في سوريا، بل ولبنان، ينضاف على خسارتها العراق.. وإذن فالشمال العربي كله حليف لعدوه الإيراني، فيما اليمن صندوق مفاجاّت يعج بالسخط على اّل سعود لعقود ثمانية، وعمان ـ قابوس مسكونة بهاجس كابوسهم، وقطر مصدر صداع مزمن، والامارات تتحين لحظة الانفكاك عن حلف الضرورة معهم، والكويت غير مأمونة الجانب.. وذلك ناهيك عن أوجاع الداخل اللامحدودة سواء من «القاعدة» أم «الاخوان» أم الشيعة ام الاسماعيلية ام الليبراليين ام سنّة الحجاز.. فضلاً عن صراعات الخلافة المحتدمة ـ وإن مكتومة ـ بين الأمراء الرئيسين… ذلك كله، معطوفاً على «كارثة» الانفراج الاميركي ـ الايراني الداهمة.

الجنرال بندر

تحول عصاب اّل سعود الى بعض ذهان تجلى في تصميم بندر على تصعيد الحرب السورية، بظن ان الفوز فيها ضمانُ البقاء، فيما خسارتها معبرُ الفناء. أدمج «سلفييه» غير القاعديين في «الجبهة الاسلامية».. سلّط سبل الغواية والترويض والتقويض على «التركو ـ قطريين» مستهدفا توحيد البندقية «الاسلامية» تحت إمرته.. وخطط لأخذ زمام المبادرة من الجيش، ومشاغلة البشمركة، وترك «القاعدة».. الى حين.

حفل الخريف بهجمات وازنة للفيلق «الخليجي» في كل من ريف حلب وحوران والقلمون انتهت كلها الى خسران بيّن أفضى بدوره الى نجاحات فارقة في كل من هذه المحاور، أهمها في القلمون. لكن مفاجأته الكبرى كانت، في 22 تشرين الثاني، في شرقي الغوطة حين هاجم «الفيلق» العتيبة، وملاحقها الغوطية، من داخل طوق الجيش ومن خارجه معاً، ليحقق نجاحاً أولياً سرعان ما انقلب الى نكسة طاحنة كسرت اي تهديد جدي لدمشق لمرةٍ، تبدو الأخيرة.

والحال ان تطورات الخريف الميدانية عنت ان واشنطن قد أذنت لبندر بمحاولة جادة، علّها فاصلة، لكسر ظهر الجيش قبل الدلف الى التفاوض.

أقنعت نفسها أو اقتنعت، بحجة بندر ان من يقاتل بهم هم سلفيون نعم، ولكن غير جهاديين.. ومحتسبون تاريخياً على الرياض مرجعيةً وممولاً وراعياً، ولا يحملون أجندة كونية ولا عداءً برنامجياً لواشنطن، بل لعلهم ـ في شرحه ـ خير فيلق يُعتمد بعد الحرب السورية في قتال أي طرف تريد واشنطن ترهيبه بالاسلام وبنيه، من أول روسيا والصين الى اّخر بنين.

والحاصل ان واشنطن اصاخت السمع ملياً لمقولات بندر، بوهم ان الترياق يأتي من السم، وأن السلفية البندرية مشروع «صحوات» واعد، واحتمال نفعه «فرقة أجنبية» وارد… ثم ان تليين الجيش ييسر استحصال حصة معقولة لـ14 اذار السوري في بنيان الدولة الجديد. من هنا كان تأجيل جنيف ـ 2 من الصيف الى الخريف، ثم ترحيله لمنتصف شتاء 13ـ 14، علّ الميدان يثمر أوراق تفاوض.

ورغم ان السلفية البندرية و«القاعدة» منبثتان في الريف السوري ومدينة الرقة وأجزاء متفاوتة من مدن حلب ودير الزور وحمص، بل ومهيمنتان على الشرق السوري مصدر الغذاء والطاقة، لكنهما ـ كمحصلة ـ بعيدتان عن امكانية تحقيق رحجان كاسر للتوازن، ناهيك عن فوز، فيما الجيش يقترب رويداً من حافة الأخير. هذا برغم اعتبار ان بندر نجح في تحويل الاردن الى قاعدة تدريب وتجهيز، بل وانطلاق، لمفارز من سوريين أعدها لمهام في الداخل، وانه مواظب على حث تركيا على تسهيل أمور «فيلقه» عبر الحدود.

هي اولا تفارقت مع السعودية على خلفية رعايتها لمن يعتبرونه خطراً وجودياً عليهم إن تمكنوا من السلطة في قطر عربي مركزي (كمصر او سوريا).. أي الاخوان.

تجلى الفراق صارخاً مع سقوط حكم «الاخوان» في مصر منتصف العام، وحبور آل سعود العارم به، ثم نهش «التركو ـ قطريين» في الداخل السوري، معطوفاً على تذويب نفوذ الاخوان في «الائتلاف».

لم يغير الفراق من رغبة الطرفين في الاطاحة بالنظام (فضلاً عن أن كليهما يخشى من الكردية الأوجلانية على طرفي الحدود، فيما المفاضلة بين الأسد و14 اذار «السعودي» تميل لمصلحة الثاني عند أنقرة) وإن دفع بالترك الى مهادنة ايران وحليفها العراقي بظن انها واياهم على ذات الموجة من مستجدات مصر.

لم تكن سوريا ـ منذ عام 1957 ـ الا خارج المظلة الأميركية والا مطلب استتباع أميركي، أي نقلها من شاطئ الأورال ـ كارون الى ضفة «البوتامك». لكن المراد تقلص من شهوة استيلاء الى توسل مساكنة، مبتغاها خروج سوريا من الصراع العربي ـ الصهيوني وتوقفها عن دعم المقاومات العربية وأن تكون مصدر ومعبر «طاقة» ذاهبة لأوروبا، وفق دفتر الشروط الاميركية، وتجويفها من داخلٍ لتغدو كياناً أيسر على التطويع، عبر فدرلته ولبنانو ـ عرقنته… وأن تشترك في قراره الاستراتيجي مجموعات تدين لها بالولاء، بالطول والعرض.

في المقابل، فما عند موسكو وطهران ـ ناهيك عن دمشق ذاتها ـ هو احتفاظ النظام بقرار الأمن القومي، مع تسليمه بمشاركة الاخرين في باقي شؤون الدولة.

أيٌ من المسارين سيتمخض عنه جنيف ـ 2؟ القول الفصل للميدان، لكن شواهد 2013 تؤشر الى ان الفوز ـ بعد الرجحان السالف التحقق ـ هو في متناول الجيش وحلفائه، فيما النصر محال طالما المنافذ غير موصدة. والراجح ان شتاء 13ـ14 سيدمغ ببصمته صك التسوية القادمة.

قبالة مفاوض النظام سيجلس برقع علماني لا يعدو ان يكون طلاءً للسلفية البندرية، وطرف كردي تحاول واشنطن تغليب «بارازانييه» على «أوجلانييه» رغم غلبة الاخير الميدانية في ساحته. أما معارضو «التنسيق» وحوافه فلهم مكان احتياط إن تكسرت نصال «البنادرة» في الميدان.

والله أعلم

أرقام سورية

[ يتحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن 120 ألف قتيل.

[ حذرت الأمم المتحدة من أن عدد اللاجئين قد يصل إلى حوالي أربعة ملايين ومئة ألف بحلول نهاية العام 2014 مقابل مليونين وأربعة آلاف حالياً. وهناك حوالي سبعة ملايين نازح في الداخل من أصل 23 مليون سوري.

[ كشفت الأمم المتحدة أن ما يقرب من ثلاثة ملايين طفل اضطروا للتوقف عن التعليم، كما أن مدرسة من كل خمس مدارس أصبحت غير صالحة للاستخدام.

[ ذكر تقرير لـ«المركز الدولي لدراسة التطرف»، في لندن، أن ما بين 3300 و11 ألف مقاتل من أكثر من 70 دولة توجهوا إلى سوريا.

[ سيخصص نحو 45 في المئة من ميزانية سوريا للعام 2014 لنفقات دعم المواد الغذائية. وتحددت اعتمادات الموازنة العامة بمبلغ إجمالي قدره ألف و390 مليار ليرة (9,26 مليارات دولار أميركي).

[ أعلنت السلطات السورية أنها تملك إجمالي 1200 طن من الأسلحة الكيميائية.

العام 2013

6 كانون الثاني: الأسد يطرح حلاً يبدأ بالتزام الدول المعنية بوقف دعم المسلحين قبل وقف الجيش عملياته، ثم إطلاق الحوار.

1 شباط: وافق الائتلاف المعارض للمرة الأولى على مبدأ الحوار، على أن يؤدي إلى تنحي الأسد.

4 آذار: سيطر المسلحون على الرقة.

21 آذار: اغتيال العلامة محمد سعيد رمضان البوطي في تفجير انتحاري داخل مسجد الإيمان في دمشق.

26 آذار: اعترفت القمة العربية في الدوحة، بـ«الائتلاف الوطني ممثلاً وحيداً للشعب السوري»، في ظل تحفظ الجزائر والعراق ونأي لبنان.

9 نيسان: أعلن زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي أن «جبهة النصرة» في سوريا جزء منه. ولكن زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني رفض، وبايع زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري.

22 نيسان: خطف مسلحون متروبوليت حلب للروم الأرثوذكس المطران بولس اليازجي ومتروبوليت السريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم، بعد دخولهما إلى سوريا من تركيا.

5 أيار: أغارت الطائرات الإسرائيلية للمرة الثانية على مواقع عسكرية سورية قرب دمشق، ثم استهدفت اللاذقية في آب وتشرين الأول.

19 أيار: الجيش السوري يشن هجوماً كبيراً على مدينة القصير، لتسقط بيده في 5 حزيران.

15 حزيران: أعلن الرئيس المصري محمد مرسي قطع العلاقات مع النظام السوري بالكامل، فيما رد الجيش المصري بتأكيده أنه لن يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

6 تموز: انتخب «الائتلاف الوطني» أحمد الجربا رئيساً له، بعد استقالة أحمد معاذ الخطيب في 24 آذار.

21 آب: استهدفت مناطق في غوطة دمشق بصواريخ تحمل رؤوساً كيميائية، ليسقط مئات القتلى.

31 آب: أعلن أوباما أنه قرر إرجاء قرار توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا حتى استشارة الكونغرس.

9 أيلول: رحب وزير الخارجية وليد المعلم، من موسكو، بالفكرة الروسية لوضع ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية لمنع العدوان.

12 أيلول: بدأ كيري ولافروف في جنيف محادثات حول خطة لوضع الترسانة الكيميائية تحت الرقابة الدولية، تمهيداً لتدميرها.

15 أيلول: اختار «الائتلاف» أحمد طعمة رئيساً لـ«الحكومة المؤقتة».

19 تشرين الثاني: أعلن الجيش السوري سيطرته الكاملة على بلدة قارة في القلمون، قبل أن تسقط دير عطية والنبك.

24 تشرين الثاني: أعلنت الأمم المتحدة أن مؤتمر «جنيف 2» سيعقد في 22 كانون الثاني.

26 تشرين الثاني: أعلنت «الجبهة الإسلامية»، وهي تحالف من سبع جماعات مسلحة، أن مشروعها هو إقامة «دولة إسلامية» تحت حكم «الشورى». وبعد حوالي الأسبوعين سيطر عناصرها على مقار لـ«رئاسة أركان الجيش الحر» عند معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

19 كانون الأول: ظهور زعيم تنظيم «جبهة النصرة» للمرة الأولى، عبر قناة «الجزيرة»، ليتحدث عن مستقبل سوريا محكوماً بالشريعة.

18 كانون الأول: كيري يتحدث عن احتمال مشاركة «الجبهة الإسلامية» في «جنيف 2».

السفير

أصابع السوريين ليست من حبر/ نصري الصايغ

لم يحن الوقت بعد. سوريا ليست في الفصل الأخير من مرحلتها إلى الجحيم. ما تزال بعيدة جداً عن الحبر. أصابع السوريين ليست من حبر بل من دم. التوقيع على السلم محفوف بالجرائم المروعة المرتكبة، وبالعنف الذي يتأصل سياسياً ودينياً ومذهبياً، بدعم وحضور دولي والخليجي، لديه كفاءة الانتظار.. على الركام.

سوريا التي كانت.. لا يُعرف كيف ستكون، أو، هل سيتاح لها أن تكون. ما كان أحلاماً «ربيعية» انطفأ. مطالب المعارضة الأولى ذبحت. لا مكان لها، لدى النظام ولدى جحافل البرابرة القادمين من كهوف المذاهب ومقاصل التكفير.

دفعت سوريا، أثماناً حافلة بالقتل والتشنيع والاعتقال والذبح والاقتلاع والتهجير. وليست مرشحة للشفاء من هذا التوغل في الهمجية، فالآتي أعظم.

هذا المشهد السوري الذي يتكرر ويتطور باتجاه الأفدح والأسوأ، شهد في العام 2013، تحولات وانعطافات كبرى: باتت الحرب تخاض لكسر التوازن، إما لمصلحة المعارضة المسلحة المؤيدة والمدعومة من دول كونية وإقليمية، وإما لمصلحة النظام المؤيد من إيران و«حزب الله» وبعض التنظيمات الشيعية العراقية.

غير أن التحول الأكبر، حصل بعد معركة «القصير». كانت المعارضة المسلحة تقوم باقتحامات مدمرة، في كثير من المناطق. حافظ النظام على حدوده الدمشقية، بمشقة وصعوبة، وبدا أحياناً أنه يترنح. قالت إيران: «ممنوع سقوط النظام». تدخل «حزب الله» في القصير، وتغير سير المعارك في دمشق وريفها وبعض مناطق حمص.

هذه المعركة استدعت قوات المعارضة لرد فعل تجتاح فيه مناطق على تخوم الأردن، وعلى أبواب دمشق من الجهة الجنوبية، تداعت جبهة المعارضة، وتقدمت جريمة استعمال الكيميائي… جن جنون الاعلام. أوباما أحرج بسبب المساس بالخط الأحمر الكيميائي. قاد الجنون الدولي معركة الرد على القصير، بحجة استعمال الكيميائي.

وتغيّر العالم، بعدما تغيرت أحوال الدول. سقطت الضربة الأميركية، بالاقتراح الروسي والدعم الإيراني وقبول النظام، بأن تجرد سوريا من سلاحها الكيميائي.

تغيّرت سوريا ميدانياً باتجاهين: الأول: الجيش السوري يتعافى في مناطق يستعيدها، مؤقتاً أحياناً وبات النظام يعوِّل على نتائج سياسية يمكن صرفها مع دول أوروبا ودول الإقليم. الثاني: تفوق قوات «داعش» و«النصرة» على الجميع، في مناطق الشمال والشمال الشرقي.

في هذا العام، خرجت قطر من الميدان بخفيّ خسارة. تركيا أصيبت بنكسة، دول الخليج تعيد حساباتها، أميركا تجهد لإتمام الاتفاق مع روسيا.

النظام يستفيد من نجاحاته، ليخوض معارك بكل ما أوتي من قوة وعنف وتدمير. والسعودية، برغم هزيمتها السياسية، لن تترك المعارضة أبداً. ففي يديها أوراق كثيرة، وأموال طائلة وأسلحة مؤهلة.

سوريا اليوم من حطب إما للاشتعال أو لصناعة التوابيت.

السفير

حان الوقت لتحقيق السلام في سوريا/ جيمي كارتر وروبرت باستور

في السادس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وجه الأمين العام للأمم المتحدة دعوة جديدة لعقد مؤتمر جنيف الثاني حول سوريا في 22 يناير (كانون الثاني) المقبل. هذه الدعوات توجه منذ يونيو (حزيران) 2011، لكن الأطراف المتحاربة لم تحضر لأن كلا منها سُمح له بوضع شروطه المسبقة للمفاوضات. والسبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق يتمثل في قيام الأمم المتحدة والقوى الكبرى بوضع هذه الشروط وتنفيذها.

كان أكثر من 100 ألف سوري قد لقوا حتفهم خلال الحرب الدائرة منذ عامين ونصف العام، فيما فر أكثر من مليوني سوري آخرين من البلاد كلاجئين ونزح أكثر من ستة ملايين سوري داخل البلاد. واتخذت الحرب بين الطوائف الكثيرة في سوريا صورة أكثر وحشية، كما تدخلت بعض دول الجوار بصورة أعمق لمساعدة طرف أو انتصار الآخر. وقد حان الوقت للتساؤل عن سبب فشل الدعوات إلى السلام.

أصر خصوم الرئيس بشار الأسد على ضرورة أن يكون هدف مؤتمر جنيف هو استبدال حكومته، وهو أمر كان متوقعا أن يرفضه، فيما طالبت حكومته مجموعات المعارضة، التي تشهد انقسامات كبيرة، والتي تصنف غالبيتها كمنظمات إرهابية، بالتخلي عن أسلحتها قبل مناقشة السلام. هذا المأزق يوضح السبب في التوقعات بعدم إمكانية نجاح الدعوة الأخيرة للمفاوضات في يناير المقبل.

كانت الأمم المتحدة محظوظة في استعانتها بمبعوثين ذكيين للتعامل مع الأزمة السورية – كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي – لكنهما لم يسمح لهما باستخدام مهارتهما التفاوضية لأن اللاعبين الأساسيين يصرون على النصر كشرط مسبق عوضا عن الاستيعاب المتبادل الضروري لإنهاء الحرب.

هذه الشروط المسبقة تهدف إلى الفوز في حرب لا يمكن تحقيق الانتصار فيها أكثر منها لتحقيق سلام منقوص يحرم الشعب السوري من حقه الأصيل في الاختيار.

لكن مجموعة من الشروط البديلة المسبقة، التي يصعب على جميع الأطراف قبولها، يمكن أن تؤدي إلى الديمقراطية والتسامح. وسوف يتطلب ذلك من الأطراف العالمية والإقليمية اتخاذ خطوة أولية وتشجيع الحلفاء السوريين على القيام بالخطوات التالية.

يجب على كل الأطراف التوصل إلى تسوية صعبة إذا أرادوا وضع نهاية للحرب، وإذا فشلوا في اتخاذ هذه الخطوات الصعبة، فربما تمتد الحرب لعقد آخر، ومن المحتمل أن تؤدي إلى حلقة أوسع من الدمار والموت.

ونحن نقترح هذه المبادئ التي ينبغي أن تعتمد عليها المحادثات في جنيف:

* تقرير المصير: يجب أن يتخذ الشعب السوري القرار بشأن حكومة مستقبلية في انتخابات حرة تخضع لمراقبة عن كثب من مراقبين دوليين، ومنظمات غير حكومية موثوقة، وقبول النتائج في حال الحكم على الانتخابات بالحرية والنزاهة.

* الاحترام: ينبغي على المنتصرين ضمانة احترام الأقليات والمجموعات المذهبية.

* قوات حفظ السلام: لضمان تحقيق تلك الأهداف ينبغي نشر «قوة حفظ سلام قوية».

وكل من يقبل بهذه الشروط الثلاثة المسبقة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ينبغي أن يكون موضع ترحيب في مفاوضات جنيف.

هذه الشروط المسبقة يجب ألا تكون مثيرة للجدل، لكنها تعني أن الفصائل السورية – ومؤيديها – سيضطرون إلى التنازل عن مطالبهم غير المعقولة السابقة.

والاتفاق الأخير للسيطرة على الأسلحة الكيماوية يشير إلى أن التنازلات غير المتوقعة ممكنة إذا اجتمعت الأمم المتحدة واللاعبون الرئيسيون على الصعيد الدولي على هدف مشترك وعملوا على تنفيذه معا.

لن يتمكن أي طرف من الفوز بهذه الحرب، لأن كلا الطرفين يعتقد أن الخسارة تعني بالنسبة له الفناء، وهذا ما يفسر السبب في أن الحرب ستستمر ما لم يفرض المجتمع الدولي بديلا شرعيا.

أولى أهم الخطوات لتحقيق ذلك هي إنشاء لجنة ذات مصداقية ومستقلة وغير حزبية للانتخابات. والخطوة الثانية المهمة هي بناء آلية أمنية قادرة على منع أي طرف من تخريب الانتخابات أو التلاعب في النتائج. كما نحتاج إلى موافقة روسيا والولايات المتحدة للموافقة على هذه الخطة، وأن تقوم إيران «وقوى إقليمية أخرى» بوقف الدعم لحلفائها، وأن تجعل الأمم المتحدة السلام في سوريا على رأس أولوياتها.

لقد حان الوقت لتغيير الأجندة، والشروط المسبقة والاستراتيجية الخاصة بسوريا، وإنهاء الحرب.

* تولى كارتر رئاسة الولايات المتحدة من 1977 إلى 1981.. ويركز «مركز كارتر» ومقره أتلانتا على حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم.. أما باستور فهو أستاذ جامعي، وهو أيضا كبير مستشاري مركز كارتر لحل النزاعات

* خدمة «واشنطن بوست»

فرصة “جنيف 2″/ علي إبراهيم

السؤال الذي يجب أن يطرح مع إغلاق دفاتر العام الحالي، واقتراب دخول الحرب السورية عامها الرابع في مارس (آذار) المقبل مع كم خسائر هائل، هو هل يتحمل الشعب السوري والمنطقة كلها عاما آخر من الخراب والدمار، فضلا عن الفظائع التي يزداد التفنن فيها يوما بعد يوم وجعلت أزمات سابقة، شهدتها المنطقة وبينها حتى حروب أهلية أو صراعات داخلية، تتضاءل مقارنة بما جرى خلال أكثر من عامين ونصف على الأراضي السورية.

واقع الأمر يقول إننا قد نجد أنفسنا أمام نفس السؤال في نهاية 2014 ما لم تكن هناك جدية حقيقية من جميع الأطراف المؤثرة في هذه الأزمة التي أخذت أبعادا لم يكن أحد يتوقعها عندما بدأت بانتفاضة سلمية لمطالب حقوقية واجتماعية ومعيشية لتتحول تحت بصر العالم كله إلى حرب ضروس لصالح النظام وأصبحت أزمة إقليمية ودولية تلعب فيها المصالح الدور الأكبر ويدفع المواطن السوري العادي ثمنها.

لم يكن أحد في الشهور أو حتى في السنة الأولى للأزمة يتصور أن تأخذ كل هذا الوقت أو أن يستطيع النظام أن يوظفها طائفيا بهذا الشكل، وكانت كل المراهنات على سقوط سريع للنظام، والآن أصبح كثيرون يسلمون بأن هذه الحرب يمكن أن تستمر سنوات في ضوء عدم قدرة طرفيها على الحسم، ما لم يكن هناك تدخل دولي يساعد على فرض إرادة جديدة على الأرض ويمهد لعملية انتقالية تخرج البلاد من ورطتها.

فهناك مسؤولية ليست أخلاقية فقط، ولكنها سياسية واستراتيجية على المجتمع الدولي في وضع حد لهذه الأزمة التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم وتهدد الأمن الإقليمي، وحتى السلم الدولي بما تفرزه من مشكلات نراها في التقارير التي تتحدث عن تدفق المقاتلين أصحاب الفكر المتطرف من المنطقة ومن دول غربية، الذين يجدون في مثل هذه الأزمات فرصة لإيجاد موطئ قدم لهم ونشر أفكارهم وبدلا من أن يساعدوا على الحل يصبون الزيت على النار.

المسؤولية مرجعها أيضا أن التهاون من قبل المجتمع الدولي هو الذي أفرز هذه التعقيدات في الأزمة السورية، المتمثلة خصوصا في ازدياد شراسة النظام في قصف المدن الخارجة عن سيطرته، وتغلغل التنظيمات المتطرفة بمقاتليها القادمين عبر الحدود وهو ما كانت أطراف عربية تحذر منه منذ بداية الأزمة، وكانت رسالتها صريحة بأن تركها هكذا دون جهود حقيقية لإنهائها سيورط المنطقة كلها في وضع صعب أصبح على الجميع التعامل معه الآن.

ولا يوجد أحد يحبذ أو يرى أن التدخل الخارجي في أزمة داخل بلد معين هو الحل الأمثل، فدائما يكون الأفضل أن تجد الأطراف الداخلية صيغة نابعة من واقعها تحل بها أزماتها، ولكن بين التمني والواقع مسافة كبيرة، فإذا كبر حجم الأزمة، ولم تعد الأطراف المتقاتلة ترى حلا أبعد من القضاء تماما على خصومها يكون هناك حاجة لمساعدة من الخارج في فرض حلول وتقديم ضمانات، تمنع عمليات الانتقام، وتراقب تدفق السلاح وتعطي أملا بأنه ستكون هناك مساعدات لإعادة الإعمار.

وفي الأزمة السورية التي أمامها أول فرصة حقيقية لرؤية ضوء في نهاية النفق في مؤتمر «جنيف 2» المقبل في يناير (كانون الثاني) يتعين على المجتمع الدولي ألا يترك الفرصة تضيع، ولا يمكن التعلل بأن الأطراف الداخلية سواء في المعارضة أو النظام هي المسؤولة، لأن اللاعبين الخارجيين لديهم أوراق ضغط حقيقية على الجانبين، ويمكنها إجبارهم على التعايش مع حل سياسي يؤمن دخول مرحلة انتقالية سياسية حقيقية.

الشرق الأوسط

جنيف2: وداعاً ثورة/ أيمن شروف

كان مؤتمر جنيف المزمع عقده في 22 كانون الثاني عام 2014، لبحث مُستقبل سوريا في ما خص الصراع بين النظام السوري والمعارضة، وتطبيق ما تمّ الإتفاق عليه في جنيف1. أصبح مؤتمر جنيف2 محطة في إدارة الصراع ضد ما يسميه المجتمع الدولي: خطر التنظيمات الإرهابية. توحدت جهود الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما من دول، تحديداً التي قالت إنها صديقة لسوريا، كي توحّد المعارضة والنظام!

لم يعد النقاش في عواصم القرار حول حق الشعب السوري في تقرير مصيره. ينقل مصدر مطلع في المعارضة السورية عن ديبلوماسي أوروبي (من أصدقاء سوريا) قوله إن “الكثير من الدول أصبح اليوم همّها مكافحة الإرهاب وخلايا القاعدة التي تنتشر بسرعة في سوريا”، وهو ما يلتقي مع ما قاله وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في تصريح لوكالة “إنترفاكس” الروسية إن “على الحكومة السورية والمجموعات المعارضة التوحد في مواجهة المتطرفين”، وهذا ما لا يتعارض كثيراً مع ما يقوله وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال اجتماعاته مع نظرائه الأوروبيين.

 قبل أقل من شهر على انعقاد الإجتماع الذي قيل إنه ضروري لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، يبدو المجتمع الدولي أكثر حرصاً على استثمار هذا الإجتماع من أجل “الخلاص من القاعدة، لا من النظام” كما يقول بعض أركان الإئتلاف السوري المعارض، والذي بدوره يشهد في الفترة الأخيرة انقساماً من نوع جديد، إذ يقول أحد أعضائه إن “هناك من يعمل على تشكيل وفد جنيف بمعزل عن بعض الفئات، وتحديداً بمعزل عن الحراك الثوري والعسكري”، الذي يبدو شبه وحيد في مطالبته بحل يرتكز أساساً على تنحي بشار الأسد.

 إضافة إلى ما تقدم، يقول أحد أعضاء الإئتلاف: بعض أركان الإئتلاف يعملون من أجل حضور جنيف2 تحت شعار المجتمع الدولي وإحراج النظام، لا تحت شعار الثورة الذي يبدو في آخر سلّم الأولويات لديهم، خصوصاً أن إحدى النقاط التي شدد عليها السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد خلال لقاءاته في اسطنبول أن مؤتمر جنيف2 ضرورة إعلامية.

 ويضيف عضو الإئتلاف: استبعاد البعض، وجعل الوفد يقتصر على بعض الشخصيات، لا يُمكن أن يمرّ، خاصة أن في الإئتلاف نفسه، وتحديداً من هم في موقع قرار، من لا مُشكلة لديه في تحوّل المؤتمر إلى مناسبة لتوحيد المعارضة والنظام في مواجهة ما يُسمّى بداعش، وبذلك تكون الثورة قد انتهت رسمياً.

 وسط هذا الجو، سيعقد الإئتلاف اجتماعه المقبل في 5 كانون الثاني المقبل، وإن استمرت الأمور على ما هي عليه، فهو سيشهد معارك  في داخله، خصوصاً أن الاجتماع ستجري فيه انتخابات قيادة جديدة وسيتم اتخاذ موقف نهائي من جنيف2، بحسب ما تقول أوساط مطلعة في المعارضة.

 وبالعودة إلى ما سُرّب عن اجتماع بين السفير الأميركي في سوريا، ووفد من الجبهة الإسلامية، وللإشارة أكثر إلى توجه المجتمع الدولي الجديد في ما خص المرحلة المقبلة في سوريا. ينفي فورد حصول الإجتماع، كذلك تفعل الجبهة. لكنّ، المعلومات تتحدث عن حصول لقاء موسع، وطويل، تناول الكثير من الأمور. فيه، عرض فورد على الجبهة الإسلامية خطة طريق، أو بالأحرى مطالب، إذا نُفذت تكون قد أثبتت مصداقيتها، وعدم تطرفها. وتقوم الخطة على إنضواء الجبهة تحت راية قيادة الأركان في الجيش السوري الحر وإعلانها الحرب على الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”. (لاحقاً، بدأت الأركان بحوار مع الجبهة لتوحيد العمل العسكري وترك القرار السياسي للشعب).

 انتهى الإجتماع. لم توافق الجبهة على الخطة. يقول أحد المطلعين على موقف الكتائب الإسلامية: لم يُقدم فورد أي شيء يُذكر للجبهة، لا دعم، لا مبادرة، لا تسليح. طلب فتح حرب على داعش ولم يذكر أي شيء له علاقة بالنظام، وهذا ما لا يُمكن للكتائب الإسلامية الموافقة عليه، لأنه سيكون جزءاً مما يُخطط لسوريا في جنيف2، أي بمعنى أوضح: تثبيت الحرب على القاعدة ونسيان النظام الآن.

المدن

هل يمكن أن يتغيّر شيء في موسكو؟/ خيرالله خيرالله

انعقد مؤتمر جنيف-2 ، أم لم ينعقد، يفترض في كلّ معني بالازمة السورية وبالحرب التي يشنّها نظام فئوي على شعبه ألا تكون لديه أية اوهام في شأن الموقف الروسي. لم يتغيّر شيء في موسكو ولن يتغيّر شيء منذ كانت هذه المدينة عاصمة الاتحاد السوفياتي وقبل ذلك عاصمة روسيا القيصرية. هناك من يراهن على امكان حصول تغيير روسي في وقت لم يظهر على الارض أي دليل ملموس على ذلك، أقلّه الى الآن.

حتّى إشعار آخر، وفي انتظار صدور ما يشير الى أن روسيا باتت قادرة على استيعاب أنّ لا مفرّ من تغيير جذري في سوريا، ليس لدى موسكو أيّ همّ آخر غير همّ المساهمة في تفتيت سوريا ككيان والانتهاء منها بشكلها الحالي.

لو لم يكن الأمر على هذا النحو، لما صدرت عن المسؤولين الروس تصريحات متناقضة بالنسبة الى مستقبل بشّار الاسد. بشّار الاسد انتهى منذ فترة طويلة، منذ لم يجد ما يردّ به على أطفال درعا سوى التهديدات والتعذيب. بشّار الأسد انتهى، قبل ذلك بكثير، أي قبل العام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية. انتهى الاسد الابن في اليوم الذي لم يستطع فيه ضبط غرائزه البدائية وشارك بطريقة أو بأخرى في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط/فبراير 2005… وفي الاغتيالات الاخرى.

كلّ ما يستطيع الجانب الروسي عمله حالياً يتمثّل في دعم إيران التي تعتبر أن بقاء نظام الاسد مسألة حياة أو موت بالنسبة اليها. لا يوجد في موسكو من يمتلك شجاعة طرح سؤال في غاية البساطة. هذا السؤال هو الآتي: كيف يمكن للنظام القائم حكم سوريا مستقبلاً. هل يمكن لحاكم رسم علامة النصر وهو واقف على جماجم السوريين وجثث الاطفال؟

كان الخطاب الاخير للامين العام لـ”حزب الله”، وهو كناية عن ميليشيا مذهبية عناصرها لبنانية ولكن تابعة لايران، مفيداً. تكمن فائدة الخطاب الذي، ألقاه نصر الله قبل أيام قليلة، في تأكيده أن التدخل الايراني في الحرب التي يشنها النظام السوري على السوريين قضيّة “وجود”. انها قضية وجود لحزب لا وجود له خارج كونه تابعاً لايران، وقضية وجود لنظام ايراني يسعى الى المتاجرة بكل ما تقع يده عليه.

وأخيراً، انّها قضية وجود لروسيا التي تعتقد أنّ خروجها من سوريا خروج من كلّ المنطقة العربية. لم تستطع روسيا استيعاب أن في استطاعتها لعب دور ايجابي في المنطقة والمشاركة في مكافحة الارهاب بعيداً من عقدة الدولة العظمى القادرة على جعل دول أخرى تدور في فلكها.

يتبيّن يومياً أن السياسة الروسية في سوريا أسيرة السياسة الايرانية. هناك رهان روسي على أن النظام القائم في سوريا لا يمكن الا أن يظلّ في نهاية المطاف مسيطراً على جزء من الاراضي السورية، ربّما على مساحة نحو أربعين في المئة من الاراضي السورية. ولذلك، لا تجد موسكو عيباً في الاستفادة من التخاذل الاميركي في دعم الشعب السوري وفي توفير كلّ وسائل القتل للنظام السوري.

هل الرهان الروسي على النظام السوري في محلّه؟

إنه في الواقع رهان على انتصار ايراني في سوريا. انّه رهان على المستحيل. لا يمكن لايران الانتصار في سوريا لسبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في أن أكثرية الشعب السوري ضدّ ايران وما تمثّله، حتى لو كانت مسيطرة على العراق، المجاور لسوريا، ومتحكّمة بالقرار السياسي فيه من منطلق مذهبي لا أكثر ولا أقلّ.

هذا كلّ ما في الامر. معنى ذلك، أي معنى الرهان الروسي على بشّار الاسد، أن كل ما تسعى اليه موسكو هو تفتيت سوريا. ليس لدى بشّار الاسد من مهمّة في المدى المنظور سوى تدمير سوريا التي عرفناها. في أكثر السيناريوات تفاؤلاً بالنسبة الى النظام السوري، يمكن للنظام الابقاء على منطقة معيّنة تحت سيطرته. حسناً، لنفترض أنه استطاع السيطرة على تلك المنطقة، بما في ذلك على جزء من الساحل السوري. الى متى يمكن أن يستمرّ ذلك؟

سبق للاتحاد السوفياتي أن سيطر على دول عدّة. حكم، بالواسطة، كلاً من بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا وهنغاريا وألمانيا الشرقية ودول البلطيق الثلاث. كذلك، حكم ما كان يسمّى اليمن الجنوبية. وحكم أثيوبيا، في عهد منغيستو هايلي مريام. قبل ذلك، حكم الصومال في عهد محمّد سياد بري قبل أن ينقلب عليه ويجعل بلده قاعدة أميركية.

ما مصير كلّ هذه الانظمة؟ لماذا لم يستطع أي من هذه الأنظمة البقاء؟

الجواب أن العقم الذي تعاني منه السياسة الروسية فريد من نوعه. لم يتعلّم النظام الروسي القائم من تجربة الاتحاد السوفياتي والاسباب الموضوعية، بالمنطق الماركسي، التي أدّت الى انهيار القوّة العظمى الثانية في العالم. لم يستفد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتّى، من دروس المغامرة السوفياتية في أفغانستان… التي كانت فيتنام الاتحاد السوفياتي.

وضع الروسي كلّ أوراقه السورية في الجيب الايراني. غداً، سيتصالح الايراني مع “الشيطان الاكبر” في ظلّ معادلة لن تفيد موسكو في شيء. سيحاول النظام الايراني الاحتفاظ ببعض النفوذ في سوريا مستخدماً أداته اللبنانية المسمّاة “حزب الله”. أين المصلحة الروسية في ذلك؟ هل من جواب منطقي غير أن الروسي، وقبله السوفياتي، أخذاً على عاتقهما توريط كلّ دولة عربية في مشاريع لا تخدم سوى اسرائيل. في النهاية، ماذا استطاعت موسكو أن تقدّم للفسطينيين في يوم من الايّام؟ من ورّط جمال عبدالناصر في حرب 1967، بل شجّعه عليها، ولم يحذّره مسبقاً من النتائج؟

عاجلاً أو آجلاً، سيتبيّن هل في الإمكان عمل شيء من أجل إعادة موسكو الى التفكير المنطقي، أي الى ابتعاد روسيا عن نظام البراميل المتفجّرة. هل هذا ممكن؟ هل يمكن أن تصير روسيا يوماً دولة طبيعية؟

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى