صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش” والتطورات الأخيرة في المنطقة

لماذا أدار «داعش» ظهره لبغداد ودمشق؟/ عبد الرحمن الراشد
كان مقاتلو تنظيم «داعش» يزحفون جنوبا، نحو أبواب العاصمة العراقية قبل شهرين مضيا، بعد السقوط السهل لمدينة الموصل، وبعد سيطرتهم على مفاصل محافظة الأنبار.. مع هذا لم يدخل التنظيم بغداد. بخلاف كل التوقعات، اتجهوا شمالا إلى كردستان! وفي سوريا، تكرر مسار التنظيم.. أدار ظهره إلى دمشق واتجه شرقا، إلى الرقة، بعد أن استولى على دير الزور الشرقية. كان انتصاره سهلا على «الفرقة 17» من «اللواء 93»، مما عزز الظن بأن النظام السوري يتعمد التخلي عن المناطق البعيدة لصالح «داعش»، ويكتفي بمقاتلة الجيش الحر في جوبر وركن الدين وضواحي دمشق.
السؤال المحير؛ لماذا نقل «داعش» رجاله بعيدا إلى كردستان العراق وشرق سوريا؟ أو لماذا لم يقاتل الداعشيون بعد مراكز النظام الرئيسة على مدى عام كامل تقريبا؟
ما نراه على الخريطة أن التنظيم الإرهابي يسعى للسيطرة على المناطق ذات الكثافة السنية، ويتجاهل غيرها، وهذا يثير التساؤل.. ربما يريد إقامة دولته؛ الخلافة، بدلا من التورط في المناطق الطائفية الأخرى، حيث ستصعب عليه السيطرة عليها، أو أنه حقا يعمل ضمن مشروع إفشال الثورة في سوريا، وخدمة نظام نوري المالكي في العراق. وهي النظرية التي تزداد انتشارا، ويزداد اقتناع الناس بها، خاصة في سوريا، وهي أن «داعش» ليس إلا تنظيما آخر مخترقا يدار من قبل النظام السوري، كما كان تنظيم «القاعدة في العراق» إبان ما كان يسمى المقاومة ضد المحتل الأميركي.
بالنسبة لتنظيم يعشق لفت الانتباه، وإعلان الانتصارات، وتحدى خصومه في وضح النهار، ليس منطقيا أن يتراجع عن مهاجمة بغداد أو دمشق فقط لأنه يبحث عن مناطق بعيدة آمنة.. فالسلطة، والنفوذ، والاهتمام العالمي هو في الاقتتال على العواصم، أما كردستان فمناطق جبلية لن تضيف إليه جديدا، حتى لو حقق فيها بعض الانتصارات، وكذلك المناطق الشرقية من سوريا.. إنها مناطق هامشية في ظل الصراع على حواضر الدولتين. وفي الوقت نفسه نرى «داعش» يهدد مناطق التماس مع تركيا والسعودية؛ دولتين على خلاف حاد مع النظام السوري، وهذا من جديد يعزز نظرية الاختراق! وقبل ذلك كل معارك «داعش» كانت في المحافظات العراقية السنية فقط.
وربما تصبح كردستان العراق مقبرة «داعش»، خاصة بعد دخول البيشمركة في القتال، وكذلك دخول الولايات المتحدة على خط الصراع لأول مرة منذ بداية الأزمة منذ ثلاث سنوات. إنها مناطق وعرة، ومعادية لتنظيمات أجنبية مثل «داعش»، ولن تستطيع حتى لو انتصرت في بعضها التأثير على الوضع السياسي.
بقيت المعركة السياسية في بغداد التي لا تقل أهمية، التي إن نجحت في إزاحة المالكي، وتقلد أحد الزعامات الشيعية المعتدلة رئاسة الوزراء، فإن ذلك سيوحد الجميع لمقاتلة التنظيم، خاصة في ظل ازدياد الدعم الدولي المشروط بحكومة جديدة.
الشرق الأوسط

 

 

المالكي… بعد فوات الأوان/ الياس حرفوش
كان يفترض أن يدرك رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي أن وقته انتهى، منذ دعاه المرجع الشيعي علي السيستاني الى التنحي حفاظاً على وحدة العراق ولمنع تمدد تنظيم «داعش» الذي يستغل حالة الاستقطاب السياسي الحاد لتوسيع سيطرته في المناطق الخالية من أي وجود أمني حكومي بعد ان أخلاها الجيش العراقي، وترك أهلها عرضة للقتل والتهجير، يبحثون في العراء عمّن يسعفهم بقطعة خبز أو نقطة ماء.
كان يفترض ان يدرك المالكي ان وقته انتهى عندما التقت معظم المكونات العراقية، بما فيها بعض التكتلات الشيعية، على مطالبته بالابتعاد عن موقع رئاسة الحكومة، والموافقة على هذه «التضحية»، خدمة لمصلحة العراق. وعندما بدأ تداول الاسماء البديلة، ومنها اسماء كانت مقربة من المالكي الى فترة قصيرة.
كان يفترض ان يدرك المالكي ايضاً ان وقته انتهى عندما اوضح له الاميركيون انه بات عقبة، بل العقبة الاساسية، في وجه أي حل للأزمة الحكومية والامنية المتفاقمة في العراق. وزير الخارجية جون كيري اكد في اكثر من مناسبة ان هناك حاجة لعملية انتقال سياسي تسمح بوصول شخصية غير استفزازية الى رئاسة الحكومة. اما الرئيس باراك اوباما فقد بلغ به الامر، في حديثه الاخير الى صحيفة «نيويورك تايمز»، ان ابلغ توماس فريدمان ان السبب الاساس الذي دفعه الى عدم اتخاذ الأمر بقصف المواقع التي سيطر عليها تنظيم «داعش» هو انه كان من شأن ذلك أن يخفف الضغط عن المالكي وأن يشجعه على الاعتقاد ان لا حاجة للتوصل الى تسويات وللتفكير في الاخطاء التي ارتكبها في السابق.
اعتقد المالكي انه صاحب الكلمة الاخيرة في ما يتعلق بمستقبله في رئاسة الحكومة. نسي إيران التي كانت صاحبة الكلمة الاساس في وصوله. ونسي الولايات المتحدة التي لا تزال مساعدتها العسكرية وغطاؤها السياسي ضروريين لاستقرار العراق المنهك من آثار الاحتلال وما اعقبه من سوء ادارة ومن اضطراب امني. بل ان المالكي تجاهل الاطراف الآخرين الاساسيين في مثلث الحكم العراقي. استعدى القادة السنّة ولم يوفر بعضهم من تهمة الارهاب والملاحقة الجنائية، ما دفعهم الى الهرب من البلاد واللجوء الى دول الجوار. استعدى كذلك القادة الاكراد الذين ظلت مناطقهم الوحيدة التي تنعم بما يشبه الحياة الطبيعية، بينما باقي المناطق تعاني من غياب الامن ومن انهيار الادارة والخدمات.
وباستثناء العلاقة مع ايران، التي ظلت محكومة بمصلحة الايرانيين، اي انها بقيت علاقة من طرف واحد، قاد المالكي العراق الى علاقة سيئة مع دول الجوار، وعلى الاخص مع منطقة الخليج، وهي المنطقة التي كانت دولها قادرة على دعم العراق ومساعدته في اكثر من مجال. وتجاهل المالكي الحساسية التي يرتبها نقل العاصمة العراقية بتاريخها المعروف كحاضنة للخلافة الاسلامية الى كنف النفوذ الشيعي، من دون أي اعتبار لموقع العراق ولدوره التقليدي في المنطقة.
وبلغ التحدي والغرور بالمالكي ان اطلق الرصاصة الاخيرة على إمكان خروجه بشكل لائق من رئاسة الحكومة، بعد ان عجز عن فهم كل الرسائل، وآخرها قرار الرئيس الجديد فؤاد معصوم بتكليف نائب رئيس مجلس النواب حيدر العبادي رئاسة الحكومة.
والسؤال الآن هو الى أي مدى سيستطيع المالكي المضي في هذا التحدي، وهل سيستخدم القوات الامنية، التي امسك بها بشكل منفرد في السنوات الماضية، لمواجهة قرار الرئيس العراقي في الشارع، بعد ان عجز عن مواجهة ذلك من داخل المؤسسات؟
يفترض في هذه المرحلة ان يلعب المرجع الشيعي السيستاني دوراً اساسياً لتجنب أي انهيار أمني ولاخراج العراق من المأزق الحالي، برفع الصوت اولاً للقول ان مصلحة الشيعة قبل غيرهم تقتضي وجود شخصية توافقية في رئاسة الحكومة. وان مصلحة العراق تبقى أهم من المالكي أو أي شخص آخر. فقد دفع العراقيون ثمناً باهظاً لاحتلال الكراسي ولاعتبار البلد بضاعة شخصية يتصرف بها الحاكم على هواه.
الحياة

 

أمن السدود والحدود من الموصل إلى عرسال مسؤولية… إيران/ جورج سمعان
التدخل الأميركي في العراق لن يكون كافياً. الغارات الجوية لن تحسم الحرب وتنهي «الدولة الإسلامية». مثل هذا التدخل اعتمدته الولايات المتحدة ولا تزال في أفغانستان واليمن وباكستان. لكنه لم يغير الكثير في موازين القوى على الأرض. تأثيراته تبقى محدودة. إضافة إلى أن واشنطن ليست مستعدة لانخراط ميداني أو توسيع لائحة أهدافها. الرئيس باراك أوباما كرر أنه لن يرسل قوات برية. كان واضحاً منذ اليوم الأول للاجتياح الذي قامت به «داعش» قبل شهرين. أكد أن قواته لن تعود للقتال في العراق. وقال صراحة إن لا قدرة على حل هذه المشكلة من خلال إرسال قوات أو صرف أموال. وأضاف شروطاً سياسية في الأيام الأخيرة، ما دام أن هذا التنظيم المتشدد قلب قواعد اللعبة السياسية رأساً على عقب. لذلك لم يتحرك من شهرين حتى عندما استنجد به رئيس الحكومة نوري المالكي. وحدد هذه الشروط بوضوح مع الاستعداد لتوسيع العمليات العسكرية: يريد شركاء على الأرض. يريد حكومة توافق وطني لا تستثني أحداً وجيشاً يمثل كل العراقيين. وعبرت إدارته منذ انتهاء الانتخابات النيابية الأخيرة عن رغبتها في رئيس جديد للحكومة بديلاً من زعيم «دولة القانون».
تقدمت الولايات المتحدة خطوة على طريق مواجهة محدودة لـ»الدولة الإسلامية»: حماية اربيل والأميركيين المقيمين فيها. وكذلك إنقاذ الأقليات المسيحية والأيزيدية من خطر الإبادة. ومساعدة «البيشمركة» على مواجهة تمدد «داعش». الكرة الآن في ملعب العراقيين. عليهم أن يتقدموا خطوة نحو استكمال بناء مؤسساتهم الدستورية ووقف تقدمهم نحو تجديد الحرب الأهلية التي اندلعت منتصف العقد الماضي. والكرة في ملعب إيران التي «فرضت» على واشنطن قبل أربع سنوات القبول بولاية ثانية للمالكي. عليها أن تتقدم خطوة إذا كانت جادة في سعيـــها إلى محاربة الإرهاب، كما تدعي وتعلن. وعليها أن تعيـــد النظر في سياستها الشاملة في العراق، كما فــي سورية ولبنان أيضاً، إذا كانت راغبة فعلاً في علاقات طبيعية مع جيرانها العرب، والخليجيين خصوصاً. وإذا كانت حريصة على وقف استنزاف قواها ومقدراتها في كل هذه الجبهات المفتوحة، وإذا كانت حريصة فعلاً على عدم دفع الإقليم كله إلى حرب مذهبية واسعة لن يخرج أحد منها منتصراً.
لم تعد لعبة عض الأصابع بين الولايات المتحدة وإيران تجدي في مواجهات التطورات في بلاد الشام كلها. كان يجب استباق المفاجأة «الداعشية». وكان يجب التحرك سريعاً لوقف تمددها في الشهرين الأخيرين. كان على القيادة الإيرانية أن تترجم رغبتها في التعاون مع إدارة أوباما لمواجهة سياسية وعسكرية لهذا التمدد. تأخرت في دفع حلفائها في بغداد إلى الإسراع في اختيار بديل من المالكي، لطمأنة المكونات العراقية الأخرى وملاقاتها في منتصف الطريق. لكن التيار المتشدد راهن على تصاعد مخاوف الأميركيين وشركائهم الخليجيين من تنامي ظاهرة الإرهاب «الداعشي» الذي رأوا فيه تهديداً لمصالحهم الحيوية في المنطقة. راهن هذا التيار على إمكان استثمار هذه المخاوف في المفاوضات الخاصة بالملف النووي وملفات أخرى. لكنه لم ينتبه إلى النتائج السلبية التي يخلفها صعود الحركات الجهادية على الدور والحضور الإيرانيين في بلاد الشام.
ما منع إيران حتى الآن من اتخاذ قرار حاسم بإخراج المالكي من موقع رئاسة الوزراء ليس الرغبة في ابتزاز الغرب والسعودية فحسب، بل الأمل بإمكان الحد من تداعيات مثل هذا القرار على صورتها. وعلى صورة أولئك الذين أوكلت إليهم في «الحرس الثوري» الإشراف على أذرعها وساحاتها الخارجية. إن التخلي عن زعيم «دولة القانون» سيعني بلا شك اعترافاً صريحاً بفشلها في إدارة اللعبة السياسية في بغداد. وإخفاقها الصارخ عسكرياً وأمنياً بعد انهيار القوات العراقية أمام حملة «داعش» والمجموعات المسلحة الأخرى. إلى ذلك هي تعي أن التخلي عن رجلها في الحكومة يعني ببساطة الرضوخ لرغبات خصومها من السنة والكرد. وهذه ستعد سابقة لا يمكن الجمهورية الإسلامية التسليم بها. ستعني ببساطة أن ثمة شركاء جدداً في إدارة اللعبة لا يمكنها بعد اليوم تجاهلهم أو تجاوزهم. وإلا ما معنى هذا التمسك بالشخص ما دام أن الجميع راضون ببديل من الكتلة نفسها، ولا يمكن هذا البديل أن يجازف بتعريض المصالح الإيرانية للخطر!
استراتيجية إيران بالإشراف المباشر على إدارة اللعبة السياسية والأمنية في العراق بدأت تتصدع. وبدأت تلقي بثقلها على استراتيجية حشد كل القوى الموالية في ساحة القتال في سورية دفاعاً عن النظام. فالوعود التي أطلقها الرئيس بشار الأسد بعد إعادة انتخابه لولاية ثالثة تبخرت ويتبخر معها الوهم بإمكان الحسم العسكري. المناطق التي بشر بتحريرها من الإرهابيين استكمل هؤلاء السيطرة عليها شرقاً وشمالاً وجنوباً. وحتى القلمون التي أعلن تحريرها قبل أشهر عادت إليها الحرب أشد مما كانت وفق تكتيك ميداني جديد تعتمده «داعش» والفصائل الأخرى المقاتلة التي قفزت إلى خلف خطوط «حزب الله» في البقاع الشمالي. وكادت أن تصب الزيت على النار المذهبية الحامية أصلاً في لبنان ولا تحتاج إلى مزيد من الوقود.
صحيح أن طهران عبرت أخيراً عن مجاراتها رغبة المرجعية في النجف ومعظم القوى السياسية في تغيير المالكي. لكن هذا الموقف ظل ضبابياً يكتنفه شيء من الغموض. القوى المنضوية في التحالف الوطني الشيعي التي رفضت وترفض علناً ولاية ثالثة لزعيم «دولة القانون» لم تتخذ موقفاً حاسماً أو تحركاً نحو المكونات الأخرى الكردية والسنية لتحقيق هذه الخطوة يترجم هذا الرفض. فهل تخشى غضب القيادة الإيرانية أم أنها حريصة على عدم التفريط بالتحالف الذي ضمن لها حتى الآن إحكام قبضتها في حكم البلاد والسيطرة على مقدراتها وقراراتها. أما إذا كانت إيران عاجزة فعلاً عن إخراج المالكي فإن ذلك يعني ببساطة أن قبضتها في بغداد بدأت تتداعى! الواقع لا يشي بمثل هذا العجز. لكن انتظارها أن يصرخ خصومها من لعبة عض الأصابع قد يطول إذا كانت التطورات تستنزفها يومياً في معظم ساحات بلاد الشام من الموصل إلى البقاع مروراً ببقاع سورية كثيرة.
أن تكون الكرة في ملعب إيران لا يعفي الولايات المتحدة من مسؤولياتها. فهي تأخرت في الرد على هجوم «داعش». وغاراتها على مواقع التنظيم اليوم لن تكون كافية لإنهاء أزمة العراق. تأخرت أكثر من سنتين في خوض معركة إخراج المالكي لتفادي الأزمة الحالية. كان يجب مواجهته يوم بدأ حملاته السياسية والعسكرية على خصومه السنة والأكراد وحتى شركائه في التحالف الوطني الشيعي. وتأخرت في التدخل الفاعل لتسوية الأزمة السورية التي لا يقل ضحاياها عن الضحايا الذين يسقطون بسيوف «الدولة الإسلامية» وسكاكينها! وتأخرت وتتأخر خصوصاً، لوقف المذبحة التي تقودها حكومة بنيامين نتانياهو في قطاع غزة. عجزت عن تحريك التسوية لكن لا شيء كان يحول دون تحركها لرفع الحصار عن مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في سجن حقيقي في القطاع. لعل أفضل وصف لسياسة أوباما أنها لم تبدأ شيئاً وأنجزته كما هو دور دولة كبرى تتولى إدارة شؤون العالم. والأدلة أكثر من أن تحصى من ليبيا والصومال فالسودان إلى أفغانستان فالعراق وسورية وفلسطين… والسلسلة طويلة.
لذلك يبدو طبيعياً أن تكون الخيارات ضئيلة أمام هذه الإدارة في معالجة ظاهرة «الدولة الإسلامية». الرئيس أوباما متمسك بعدم إرسال قوات برية، إذا لم يكن تماشياً مع سياسته في الانكفاء، فأقله استناداً إلى دروس التجربة السابقة في العراق. لقد اعتمدت واشنطن نموذجاً قضى برفع عديد قواتها قبل انسحابها التام في نهاية عام 2011 لمواجهة «دولة الزرقاوي» والفصائل المسلحة التي قاومت احتلالها ووقف الحرب الأهلية منتصف العقد الماضي. ترافقت هذه الخطوة مع بناء «الصحوات» من أبناء العشائر السنية من أجل عزل المسلحين عن بيئات حاضنة، وسعياً إلى تعزيز شرعية الحكومة في بغداد. نجح هذا النموذج إلى حد ما. لكن حكومة المالكي تنصلت، بعد خروج الأميركيين، من كل الوعود التي أغدقت على القوى السنية لإشراكها في القرار السياسي وحصولها على حصتها من الثروة. وباشرت حملة إلغاء وإقصاء لكل القوى السياسية. اعتمدت نهج تفكيك جبهات خصومها. ولم يتمكن هؤلاء قبل سنتين من سحب الثقة من هذه الحكومة بسبب الموقف المتشدد لطهران التي مارست ضغوطها على قوى شيعية وكردية.
قيام «الدولة الإسلامية» على جزء من العراق وسورية وطرقها حدود لبنان لم يغيرا قواعد اللعبة فحسب بل هزّا الأرض تحت أقدام الحلفاء والخصوم في المنطقة. وفرضت وستفرض مقاربات سياسية مختلفة وتبدلاً في الاستراتيجيات. فليس قليلاً أن يعد الرئيس أوباما بمزيد من التدخل لمواجهة «دولة الخلافة». وليس قليلاً أن تقدم المملكة العربية السعودية بليون دولار إلى الجيش اللبناني ليظل ممثلاً وحيداً لجميع اللبنانيين، ودعماً لدوره في مواجهة «الداعشيين» ومنع انزلاق البلاد إلى حرب مذهبية مفتوحة. وليس قليلاً أن يعود الرئيس سعد الدين الحريري لإدارة هذه العناوين ومنع انزلاق أهل السنة إلى أحضان المتشددين بعدما بدا بعض الأصابع في مستهل أزمة عرسال يؤشر إلى المؤسسة العسكرية ودورها.
تقدمت واشنطن خطوة في مواجهة إرهاب «داعش» في العراق. ومثلها فعلت الرياض في لبنان. فماذا تنتظر طهران لتتقدم خطوة واسعة من بغداد إلى دمشق وبيروت لتلاقي استعداد الآخرين لتوسيع تدخلهم، ولتتقدم بسياسة مختلفة متوازنة ومعتدلة ومسؤولة… قبل أن يُغرِق سدُّ الموصل وبعده سد الفرات الإقليم كله بالماء والدماء.
الحياة
تلكؤ الغرب حيال الأقليّات يثير الذهول الضربة الأميركية لا توحي باستراتيجيّة رادعة/ روزانا بومنصف
وقف المراقبون السياسيون في المنطقة مذهولين حيال تلكؤ الدول الغربية في مساعدة العراقيين من الاقليات المسيحية والايزيدية الذين يطردهم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) من اراضيهم ويهدد حياتهم ومصيرهم. ماذا جرى للعالم ليقف عاجزا ومتفرجا على هذا النحو على ما يجري في العراق ويهدد المنطقة بأسرها؟ يتساءل الجميع.
لم تحرك الدول الاوروبية ساكنا لوقف الفرز السكاني الجاري في المنطقة وان فتحت بعض العواصم ابوابها لاستقبال اعداد من الاقليات المهجرة، بل اكدت استلحاقها اكثر فاكثر بالسياسة الاميركية حين أبدت فرنسا وبريطانيا استعدادهما لمشاركة الولايات المتحدة في الضربات العسكرية بعدما اعطى الرئيس الاميركي باراك اوباما الاذن لقصف تقدم داعش نحو مدينة اربيل الكردية. فقدت اوروبا القيم والمثل بعدما كانت لمدة طويلة ضمير العالم والمدافع عن الحريات والقيم الانسانية والتي كانت ترفع لواءها. تحرك الرئيس اوباما لحماية اربيل الكردية عسكريا عبر ضربات جوية لان المصالح الاميركية بدت مهددة عند هذا الحد من اندفاع داعش كما بدا استمرار نظام معمر القذافي سابقا في لحظة ما، ما حتم عودة التدخل العسكري الاميركي في العراق. بدا للمراقبين المتابعين ان الرئيس الاميركي كان سيبدو محرجا وفاقد الصدقية لو اكتفى بتوجيه تحذير لتنظيم داعش من التقدم نحو اربيل وبغداد معتبرا عاصمة كردستان خطا احمر. لم تعد التحذيرات او التهديدات الكلامية الاميركية فاعلة في ضوء نهج الرئيس الاميركي بالابتعاد عن التدخل العسكري وسحب الجيش الاميركي من العراق وافغانستان. فانتقل الى العمل فورا مقدما التبريرات للتدخل عسكريا في العراق ولعدم التدخل في سوريا في الوقت نفسه مستخدما الاسباب نفسها التي يسوقها منذ اشهر عدة حول عدم دعم المعارضة السورية المعتدلة.
بدا مستغربا الجانب المتعلق بالمنطق المستخدم حول التدخل الاميركي الجديد، الا وهو تلبية واشنطن طلب الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي والذي تطالبه واشنطن بالتنحي والافساح في المجال امام حكومة جامعة تنقذ العراق. وذلك في الوقت الذي يتمنع هذا الاخير ويرفض المساهمة في انقاذ بلاده من الهاوية التي ينحدر اليها بقوة ما يفيد بأن الضربات العسكرية الاميركية يمكن ان يوظفها هذا الاخير من اجل تعزيز وضعه وليس من اجل الرحيل. لم يعترض احد على القصف الاميركي، لا روسيا ولا الصين ولا ايران التي كانت عملت على اخراج الاميركيين من العراق سابقا. لا يزال العراق مسؤولية اميركية في مكان ما علما انه لو كان موضوع التدخل الاميركي هو قصف تنظيم ارهابي فعلا لما اعترضت، وفق ما يعتقد، لا روسيا ولا الصين او اي دولة نظرا الى الاصطفاف الدولي بمواجهة الارهاب بغض النظر عما اذا كان في موقعه فعلا او هو بات يستخدم ذريعة في كل وقت لمواجهة المعارضين.
لكن على رغم اهمية التدخل المطلوب من اجل ردع تنظيم داعش ومنعه من قضم مزيد من المناطق العراقية، فان اهمية كردستان بالنسبة الى الولايات المتحدة بدت هي الموضوع في هذا السياق فضلا عن حماية الوجود الديبلوماسي وغير الديبلوماسي الاميركي الذي نزح من بغداد اليها اكثر منها الارهاب الذي تشكله داعش في مناطق سيطرتها. لذا لم يفصح الصمت الدولي والاقليمي عن امكان تشكيل جبهة دولية واقليمية تلتقي على وضع حد نهائي وتوجيه ضربات قاصمة لتنظيم الدولة الاسلامية، فبدا العمل العسكري الاميركي اقرب الى عملية جراحية موضعية في السياق الجاري في رأي المراقبين نظرا الى عدم نضوج افق عمل عسكري اوسع.
هل يستطيع تنظيم داعش الاستمرار في تقوية نفسه خارج التمدد نحو اربيل كما حصل بالنسبة الى الخط الاحمر الذي وضعه الرئيس اوباما امام استخدام النظام السوري للاسلحة الكيميائية ضد شعبه ما عنى امكان استمرار الاخير في استخدام كل انواع الاسلحة الاخرى باستثناء الاسلحة الكيميائية على ما واصل القيام به؟ وهل ان ضرب قوافل للتنظيم الارهابي في مناطق سيطرته العراقية قد تدفع به الى سوريا من اجل تعزيز قوته اكثر والقيام بما يقوم به في العراق فتضطر الولايات المتحدة الى ان تكون شريكة مع النظام السوري في ضرب ارهاب داعش ما دامت العمليات العسكرية ضد مواقعه في العراق قد تطول وفق ما اعلن اوباما؟
يأمل المراقبون ان تستدرج الضربات الجوية استراتيجية اميركية واضحة تربط الاستجابة لطلب الحكومة العراقية بتوجيه ضربات عسكرية والتدخل ضد داعش برحيل المالكي اولا، ثم بتحقيق خطوات سياسية مكملة لحل سياسي يبدأ في العراق وتكون ايران على خطه ولا يستفز الدول الخليجية على رغم ان المراقبين لا يرون ذلك واقعا. وتنفي مصادر ديبلوماسية توافر معلومات عن امر من هذا القبيل لكن هناك عدم ثقة في شكل عام في امكان ان يتمكن الرئيس الاميركي من قيادة امر من هذا النوع او في وجود رغبة لديه بذلك انطلاقا من ان الاستثناء في نهجه لجهة توجيه ضربات عسكرية في العراق لا يعني تراجعه عن سياسة الانكفاء التي يعتمدها في سياسته الخارجية.
النهار

 

قراءة هادئة في زوبعة “داعش”/ صلاح أبوجوده
عقب توسّع داعش المفاجئ داخل العراق وسورية وإعلان الدولة الإسلاميّة والخلافة، سادت أوساط مراقبي أوضاع العالم العربيّ حالة ارتباك إن لجهة تفسير أسباب التطوّرات الدراميّة هذه، وإن لجهة قراءة فرص استمراريّة الدولة الإسلاميّة الجديدة.
في ما خصّ الأسباب، أوّلاً، يؤثر بعضهم قراءة المشهد قراءةً حدثيّة راهنة، فيعتبر أنّ داعش قامت عسكريًّا في سورية والعراق بما قام به الإخوان المسلمون سياسيًّا في مصر وتونس إثر الانتفاضات الشعبيّة، أي ملأت فراغًا ناتجًا من غياب السلطات المحليّة عن مناطق واسعة في البلدَين تسودها فوضى أمنيّة كبيرة بسبب صراع مجموعات مسلّحة مختلفة على النفوذ؛ فلا عجب بالتالي أن تسيطر المجموعة الأقوى. ويؤثر بعضهم الآخر ربط القراءة الحدثيَّة بتطوّر الظروف السياسيّة والاجتماعيّة في العراق منذ إمساك حزب “البعث” بالسلطة، مرورًا بالثورة الإيرانيّة والاجتياح الأميركيّ ووصولاً إلى حكم نوري المالكي. ذلك أنّ حكم “البعث” في ظلّ أحمد حسن البكر ومن بعده صدّام حسين، همّش شيعة العراق بل واضطهدهم، ولا سيّما في أعقاب الثورة الإسلاميّة في إيران التي شجّعت مرجعيّات دينيّة شيعيّة كثيرة في العراق على المطالبة بالعدالة والمساواة. غير أنّ الأوضاع بدأت تنقلب لصالح الشيعة عقب الاجتياح الأميركيّ. فما لبثت المواجهات المذهبيّة أن اتّخذت خطًّا تصاعديًّا خصوصًا منذ العام 2007، وشهدت تفاقمًا خطيرًا بعد انتخابات 2010، وتسلّم المالكي رئاسة الوزراء بدعم من إيران. وقد تزامن التغيير هذا وإخفاقات حكوميّة وبرلمانيّة في اتّباع سياسة مصالحة وطنيّة، ومكافحة الفساد المستشري في إدارات الدولة والقضاء والقوى المسلّحة، والعجز عن حلّ مسألة المناطق المتنازع عليها. فسخط الأوساط السنيّة أخذ بالازدياد لما لحق بها من تهميش وإهمال وظلم، خصوصًا وأنّ المالكي لجأ إلى قطع مخصّصات “الصحوات” التي كانت طوال سنوات سندًا للحكومة في وجه “القاعدة” ومتفرّعاتها، ومن ثمّ قضى عليها. فهذه السياسة خلقت في العديد من الأوساط السنيّة، وبوجه خاصّ عند العشائر، جوًّا مؤاتيًا للتحالف مع “داعش “. لذا، نجد مَن رأى في التحوّلات الأخيرة انتفاضةً سنيّة أكثر منها دعمًا لتنظيم “داعش” الذي، بصفته متفرّعًا من “القاعدة”، ثبَّت وجوده اجتماعيًّا وعسكريًّا في مناطق عراقيّة متعدّدة منذ سنوات طويلة، بحجّة مقاومة الاحتلال الأميركيّ والذود عن أهل السنّة، بل وبادر أيضًا إلى فرض الضرائب وإخضاع المؤسّسات الرسميّة لسلطته منذ العام 2006، بحيث تحوّل في مناطقه إلى دولة داخل الدولة. وهنالك، أخيرًا، مَن يُضفي على الطفرة “الداعشيّة” الراهنة بُعدًا إقليميًّا ودوليًّا، إذ يستبعد هؤلاء قدرة تنظيم محليّ بإمكاناته الماليّة والبشريّة المحدودة، أن يتوسّع بسرعة مذهلة من دون سند مخابراتيّ خارجيّ، بل ودعم ماليّ وعسكريّ. فأشار بعضهم بإصبع الاتّهام إلى النظام السوريّ بالتنسيق مع حكومة المالكيّ وإيران، لأنّ “داعش” أضعفت كثيرًا قدرات المعارضة السوريّة العسكريّة، وأشار بعضهم الآخر إلى تركيا التي تريد قطع تواصل طهران وبغداد ودمشق، وتطمح إلى الاضطلاع بدور إقليميّ رائد، وغيرهم أشار إلى قطر التي تبحث عن طريقة لتعويض خسارتها حكم الإخوان المسلمين في مصر، أو إلى السعوديّة لما لـ”داعش” من قدرة على مواجهة الخطر الإيرانيّ، وحتّى هنالك مَن لمـَّح إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة التي تريد تفتيت المنطقة على أساس دينيّ وعرقيّ، خدمةً لمصالحها ومصالح إسرائيل.
في ما خصّ فرص استمراريّة “الدولة الإسلاميّة” أو شروط زوالها، فمن المراقبين مَن يعتبر أنّ إعلان الدولة هذه يفتقد إلى الجديّة، ولا يمثّل إلاّ مسرحيّة ستنتهي بمجرّد استعادة الحكومة المركزيّة في بغداد زمام الأمور. فالمناطق التي قامت عليها “الدولة الإسلاميّة” تُعتبر مناطق قتاليّة لن تعرف الاستقرار. فضلاً عن أنّ تنظيم “داعش” ليس القوّة العسكريّة الوحيدة على أرض دولته، بل ثمّة قوى سنيّة أخرى ليس تحالفها مع التنظيم سوى ظرفيّ، ولا يمكن أن تتبنّى نهجه التكفيريّ والعنفيّ. وفي الاتّجاه عينه، يعتبر بعضهم أنّ دولة “داعش”، إن استمرّت على المدى المتوسّط، فذلك سيصبح تدريجيًّا محصورًا في بعض مناطق العراق حيث نشأ التنظيم أصلاً. فالبيئة السنيّة السوريّة لن تقبل حكم “داعش”، وينسحب الأمر عينه على الأوساط السنيّة في باقي البلدان التي يريد التنظيم ضمّها إلى دولته. ومن مكان آخر، ليس من دعم خارجيّ، على الأقلّ علنيّ، للتنظيم، وبالتالي من الصعب جدًّا أن يتمكّن من الاستمرار من دون دول تعترف به. وأخيرًا، لا يعكس إعلان “الدولة الإسلاميّة” والخلافة برنامجًا واضحًا لـ”داعش. ففي العمق يفتقر التنظيم إلى فلسفة أو أيديولوجيا، ويبدو كمن يبحث عن دور له يجهله إلى الآن.
غير أنّ هنالك مَن يرى أنّ تنظيم “داعش” يُرسي فعليًّا في مناطق سيطرته بين حلب وديالى في العراق، أسس دولة من خلال المحاكم ونظام الضرائب والخدمات الاجتماعيّة والطبيّة والأمنيّة، بالرغم من أنّ تطوّر هذه الأسس وترسّخها يرتبط باستمرار نجاح “داعش” عسكريًّا، وقدرته على تأمين تأييد قاعدة شعبيّة واسعة له، وتأمين مصادر تمويل دائمة وكافية. وفي هذا السياق، يجري الكلام على جهد التنظيم لاستثمار حقول النفط والغاز والأراضي الزراعيّة التي استولى عليها، إضافة إلى استثماره أموال المصارف التي صادرها، وأموال الفديات التي حصّلها مقابل إطلاق سراح المخطوفين، والأموال التي يربحها من تجارته بالسلاح والآثار العراقيّة والسوريّة.
في ضوء ما تقدّم، يبدو أنّ ما من أمر مؤكّد بشأن زوال “الدولة الإسلاميّة”، لا سيّما في ظلّ عجز حكومة بغداد – بالرغم من تحالفها المستجدّ مع البشمركة- في استعادة المناطق التي خسرتها مؤخّرًا، وفي ظلّ عدم قدرة حكومة دمشق والمعارضة السوريّة على طرد “داعش” من المناطق التي يسيطر عليها، وبسبب عدم استعداد الولايات المتّحدة الأميركيّة وحلفائها في الغرب للتورّط مباشرة في معركة خلفيّتها صراع سنيّ – شيعيّ. وسيبقى المشهد الحاليّ عسكريًّا بامتياز، ويتّخذ شكل معارك كرٍّ وفرّ، ولعلّه يتغيّر قليلاً لصالح حكومة بغداد إذا تمكّنت إيران من إقناع المالكي بالتنحّي، والمجيء برئيس وزراء جديد قادر على كسب تأييد العشائر السنيّة أو معظمها. وفي المقابل، من شبه الثابت أنّ نشاط دولة “داعش” المنظّم لن يتجاوز المناطق التي يسيطر التنظيم عليها في العراق وسوريا. وستبقى طموحاته للتمدّد إلى بلدانٍ أخرى محصورة بمساعيه لاستمالة الحركات السلفيّة الجهاديّة التي قد تصبح مستعدّة للتعاون معه، خصوصًا مع اتّخاذ المواجهة الدائرة في العراق وسوريا طابعًا مذهبيًّا وعرقيًّا.
لذا، بانتظار مسار الأمور السياسيّة والميدانيّة في العراق وسوريا، يبقى تحلّي المرجعيّات السياسيّة والروحيّة في الدول الأخرى التي يسعى “داعش” إلى بلوغها، بحسّ المسؤوليّة الوطنيّة، وتبنّيها ووسائل الإعلام خطابًا معتدلاً يدعو إلى التسامح وقبول التعدديّة وعدم التورّط في نزاعات المنطقة المذهبيّة، ضرورة لا بدّ منها لإبعاد الخطر التكفيريّ ونتائجه العنفيّة. وفي المقابل، يطرح الحدث “الداعشي” أسئلة جوهريّة على الفكر السياسيّ العربيّ والإسلاميّ بعد إخفاقات انتفاضات الربيع العربيّ: ألا يكشف الحدث “الداعشي” عن وهن الكيانات الوطنيّة وهشاشة حدودها الجيوسياسيّة؟ ألا يُظهِر ذلك الحدث، وإن بطريقة عنيفة، التفكير المذهبيّ الذي لم يفارق ذهن الإنسان العربيّ؟ ألا ينتج الحدث “الداعشيّ” من ممارسة سياسيّة زبائنيّة وفاسدة تفتقر إلى أبسط مفاهيم الخير العامّ والمواطنة والعدالة، بقدر ما ينتج من سياسات الغرب العشوائيّة؟ ألا يبيِّن الحدث هذا أيضًا عجز الفكر السياسيّ الإسلاميّ، في شقَّيه الشيعيّ والسنيّ، عن تطوير نظام حكم يتماشى وطموحات الإنسان العربيّ للعدالة والكرامة والديموقراطيّة؟ أليس كلّ هذا، بالنتيجة، المأساة التي يعيشها العالم العربيّ منذ نهاية الإمبراطوريّة العثمانيّة؟ عندما كتب خالد محمّد خالد كتابه الشهير بعنوان “من هنا نبدأ” في العام 1950، ودعا فيه إلى فصل الدين عن الدولة، قامت القيامة عليه ولم تقعد إلى أن أعلن “توبته” التي صارت محطّ فخرٍ في أوساط الفكر السياسيّ الإسلاميّ التقليديّ. فهل يمكن هذه الأوساط أن تقول لنا اليوم: من أين نبدأ؟

استاذ في جامعة القديس يوسف
النهار
“داعش” والاستفادة من الأعداء/ عبد الوهاب بدرخان
لم تتبرّع أي جهة، أي حكومة أو جهاز أو مركز أبحاث، بكشف طبيعة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). صحيح أن مراحل نشأته لمناوءة الاحتلال الأميركي للعراق، ثم امتداده إلى سوريا، صارت معروفة، لكن مصادر سلاحه وتمويله وكذلك عناصر قوته وجاذبيته المتزايدة وقدرته على الاستقطاب والتدريب والاستيعاب، لاتزال مجهولة. عندما أعلن عن إنشاء تنظيم «القاعدة» عام 1998 كان كل شيئ معروفاً عنه تقريباً، بحكم انبثاقه من بيئة «الأفغان العرب» التي قصد معظم عناصرها أفغانستان (بعلم الاستخبارات وبتزكية منها) لـ «الجهاد» ضد الاحتلال السوفييتي، كما أن شخصية أسامة بن لادن ووجوده في أفغانستان خلال أعوام «الجهاد» لعبا دوراً رئيسياً في اجتذاب المتطوّعين.
الأرجح أن «داعش»، الذي بدأ كإفراز من «القاعدة» باسم «القاعدة في بلاد الرافدين» (2004)، حظي ولا يزال يحظى بمساعدات وتسهيلات، حتى أن كثيرين يعتبرونه مجرد «كيان استخباري». وعندما تحوّل إلى «دولة العراق الإسلامية» بعد مقتل «أبو مصعب الزرقاوي» (2006) كان بدأ “يتعرقن”، ورغم أن البيئة السنّية العراقية احتضنته في أعوامه الأولى إلا أن «الصحوات» السُنّية التي بلغت ذروتها عام 2008 دفعته إلى الانكفاء، حتى أنه فقد في عملية واحدة (2010) اثنين من قادته هما «أبو حمزة المهاجر» و«أبو عمر البغدادي». كانت تلك لحظة حاسمة لمواصلة إضعاف التنظيم وتجفيف منابعه، وكانت الوسيلة الأكثر نجاعة الشروع في مصالحة وطنية تنصف السُنّة وتحترم حقوقهم، بموجب الدستور، إلا أن «النجدة» جاءت للزعيم الجديد للتنظيم أبو بكر البغدادي، من حيث لم يتوقع، تحديداً من نوري المالكي الذي كان قطع شوطاً كبيراً في تقسيم «الصحوات» والتمييز في ما بينها، متخلّياً عن معظمها، وزاد إلى ذلك نكصاً في تنفيذ اتفاق أربيل لتقاسم الحقائب الوزارية (ديسمبر 2010)، وأتبعه غداة الانسحاب الأميركي، بنهاية 2011، بحملة منظّمة للتخلص من أقطاب السُنّة وتحجيم أو تهميش من كانوا حتى في عداد حكومته.
في غضون ذلك كانت الأزمة السورية تفاقمت، وزاد تعسكرها، بفعل عنف النظام وإصراره على حل عسكري يُخضع انتفاضة الشعب. ورغم أن العلاقة بين بغداد ودمشق كانت فاترة، إلا أن ارتباط العاصمتين بطهران أوجب تنحية الخلافات والانخراط في تنسيق متعدد المجالات.
كما أن حال الحرب المعلنة بين نظام المالكي و«دولة العراق الإسلامية» لم تحل دون بدء تسرّب عناصر من هذا التنظيم إلى داخل سوريا، وقد تزامن ذلك مع انفجار الخلاف بين المالكي والمحافظات السنّية التي دخلت في اعتصامات سلمية مفتوحة من أجل تحقيق مطالبها.
وعلى وقع هذه الاعتصامات، وفي ذروة زخمها، أعلنت «جبهة النصرة» عن نفسها في سوريا كفرع لتنظيم «القاعدة» مرتبط بالولاء لزعيمها أيمن الظواهري، أما داخل العراق فراحت جماعة «أبو بكر البغدادي» تتقرّب من العشائر وتنسلّ في ثوب الاعتصامات وتكثّف عمليات التفجير ضد سنّة «الصحوات» انتقاماً منها وضد أهداف شيعية.
منذ مطلع 2013، كان فتيل الأزمة العراقية بين يدَي بغداد وطهران، وكان بإمكانهما نزعه لكنهما وجدتا مصلحةً في حل أمني- عسكري لكسر الاعتصامات وإخضاعها. وهذا ما توقعه «البغدادي» الذي كان شرع في نسج تحالفات أو تفاهمات مع العديد من العشائر الناقمة على المالكي، ومع العديد من الجماعات المسلّحة غير الموالية له. وفي الوقت نفسه كان عزّز وجود تنظيمه في سوريا، معلناً إنشاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (4 أبريل 2013) ومفجّراً خلافه مع «القاعدة» و«النُصرة». قبل ذلك كان واضحاً أن تنظيم «البغدادي» وجد طرقه مفتوحة وآمنة للتغلغل في المناطق السورية، واستطاع من دون أي ازعاج أن يدبّر هروباً كبيراً لآلاف من أنصاره من سجن التاجي (يوليو 2012) تعزيزاً لعديده، كما أن طوابير سيارات مقاتليه بدت في ما يشبه عراضة سياحية بين البلدين. ثم كان لافتاً ذلك التعايش المنسّق (والموثّق استخبارياً) بين «داعش» وقوات النظام السوري، أما في بغداد فكان التركيز الحكومي على خيام الاعتصامات باعتبارها بؤراً إرهابية أكثر مما كان على «داعش» تحديداً.
عندما أعلن المالكي «الحرب على الإرهاب» في ديسمبر 2013، كان في باله أنها الشعار الأنسب للإجهاز على الاحتجاجات السُنّية، بدليل أن واشنطن ساندته، ووعدت بتوفير أسلحة نوعية، لكنها اشترطت وجود بداية ملموسة لحل سياسي، لكنه سمع الجزء الأول وأهمل الآخر، فراح يدكّ الرمادي والفلّوجة ويمعن في الانتهاكات في عموم مدن المثلث. كان «البغدادي» يتوقّع أيضاً هذا التطوّر وينتظره، وقبل أن تتجمّع عناصر خطّة دولية- إقليمية لضرب تنظيمه كان هو من بادر مباغتاً الجميع في الموصل. وفجأة انتهى التعايش الإيراني- (العراقي)- «الداعشي» والسوري النظامي- «الداعشي» لينقلب إلى حال حرب بلغت وقائعها أقصى درجات الوحشية. وخلال شهرين فقط استطاع «داعش» أن يتوسّع جغرافياً في العراق وسوريا، كما لم يفعل منذ نشأته، وسط ارتباك وعجز غير مسبوقين في مختلف عواصم المنطقة. وليس معروفاً مدى فاعلية الضربات الجوية الأميركية، غير أن واشنطن سجّلت لتوّها «خطأً» اذ لم تهتم ولم ترَ الخطر «الداعشي» عندما دهم عموم السوريين والعراقيين لكنها حرّكت مقاتلاتها فقط عندما صار خطراً على الأقليات، وهذا يرسم مجدداً علامات استفهام حول نيات أميركا وأهدافها.
الاتحاد

 

نقص المسؤولية بين أميركا والعراق وأكراده/ حازم صاغية
سياسيون ومثقفون وإعلاميون عراقيون يتبارون اليوم في كيل التهم للولايات المتحدة الأميركية. فهي، في عرفهم، قصرت في إنجاد العراق، ومارست التنصل من مسؤولياتها عنه، وحين تدخلت جاء تدخلها المتأخر حرصاً منها على الأكراد، لا على العرب، وعلى أربيل، لا على بغداد. وعلى جاري العادة العربية المألوفة، ذهب البعض أبعد، فلقن الأميركيين، الغافلين عن مصالحهم الاستراتيجية، كيف يخدمون هذه المصالح.
وقد يؤخذ الكثير على الإدارة الأميركية وعلى سياستها المنكفئة، في سورية قبل العراق، وقد يستحق النهج الأوبامي نقداً صارماً يسائل مزاعمه الأخلاقية. لكن المؤكد أن العراقيين الذين يؤاخذون الولايات المتحدة اليوم هم آخر من يحق لهم ذلك.
فساسة بغداد الذين كانوا في سرهم يريدون للقوات الأميركية أن تبقى في بلاد الرافدين، كانوا في علنهم يتنافسون في إبداء رغبتهم في إجلاء تلك القوات. والتنافس هذا غالباً ما اتخذ شكل المزايدة الاتهامية بين السنة والشيعة، بحيث جعل كلاً من الطرفين يتباهى بأنه الأكثر سعياً لذلك والأشد إلحاحاً عليه. وهذا بمثابة امتداد لمزايدة بدأت بُعيد حرب 2003، وكان هدفها إحراز البراءة من كل شبهة علاقة بالأميركيين. فحليف أميركا المتواطئ معها هو الشيعي الحاكم في نظر السنة، وهو السني الإرهابي في نظر الشيعة.
وبعد شهر عسل قصير تلا دخول الأميركيين بغداد، وإزاحتهم صدام حسين الذي لم يُزحه العراقيون منذ 1968، صار الحصول على اعتراف عراقي بهذا العون الهائل أشبه بالمعجزة. أما الذين كان يذبحهم صدام، لا سيما أبناء العائلات الدينية الشيعية ممن كانوا يُقتلون فرداً فرداً، فما إن حولتهم الحرب الأميركية حكاماً لبلدهم حتى أهدوا جزءاً معتبراً من السيادة العراقية لإيران. وجاء تثبيت نوري المالكي في موقعه الذي حُرم منه إياد علاوي الدليل الذي لا يُدحض على أن طهران باتت تمتلك اليد العليا في بغداد المغلولة اليدين.
فصعوبة أن يقال شكراً للأميركيين لا تعادلها إلا سهولة إهداء البلد إلى إيران. ذاك أن الأميركيين، في آخر المطاف، ليسوا مسلمين وليسوا شيعة، بل هم، بحسب وعي راكمته التيارات النضالية العربية على أنواعها، مجرد شرطي إمبريالي وشيطان أكبر. إنهم رجس ينبغي اجتنابه.
وفي هذه الغضون، بني نظام هو بين الأسوأ والأكثر فساداً في العالم، يتزاحم فيه النهب والمحسوبية واستباحة المؤسسات. حتى «الصحوات» التي كان يمولها الأميركيون، والتي قاتلت تنظيم «القاعدة» وهزمته، لم يحتملها نظام طائفي حتى النخاع، جلفٌ في طائفيته حتى العظم. أما الواقف على رأس النظام المذكور فلا يكف عن تذكيرنا بمدى ما يدغدغه صدام حسين كنموذج مُشتهى.
في المقابل يُسهى عن حقائق يصعب السهو عنها. فحين تكون الحرب دائرة بين «داعش» والأكراد، تكون بين خصم صريح وكامل للولايات المتحدة، تفرع عن عملية 11 أيلول (سبتمبر) التي ضربت نيويورك وواشنطن، وبين صديق صريح وكامل للولايات المتحدة، صديقٍ لم يتردد ولم يتلعثم في توجيه الشكر لها على إطاحة صدام، ولم يقل شيئاً في الغرف المغلقة وشيئاً آخر في الهواء الطلق، ولا جعل العداوة الدونكيشوتية لواشنطن موضوع مزايدة بين أطرافه. أما ما بني في أربيل، وهو بعيد جداً من أن يُعد مثالاً، فيستحق الدفاع عنه ألف مرة أكثر من الدفاع عن ذاك المسخ الذي بني في بغداد.
الحياة

 

من الغوطة الى سنجار: امبريالية العزم واللاعزم/ وسام سعادة
قبل عام ونيّف، وجدت الإدارة الأمريكية أن عقاب النظام السوري واجب، على فعلته المتمثلة باستخدام السلاح الكيماوي ضد أهالي الغوطة. حبَسَ العالم أنفاسه منتظراً حرباً أمريكية جديدة في منطقة الشرق الأوسط. من أحرجته الضربة الكيماوية الأسديّة في الشرق والغرب على خلفية التزاماته الأيديولوجية، ما لبث أن وجد ضالته مجدداً في التظاهر المحموم من أجل «السلام» وضد الهجمة الإمبريالية الأمريكية، التي كانت تبدو «حتمية» و»وشيكة» ضد نظام آل الأسد. وفي المقابل، من كانت أولويته التخلّص من النظام السوري بأي شكل كان، استخفّ بكل حذر بديهيّ بازاء حسابات الدول العظمى، ومضى يعيّن للهجمة العتيدة المنتظرة بنك أهدافها.
ثم كان ما كان، من اعلان النظام تخلّيه عن ترسانته الكيماوية، ومن احجام الإدارة الأمريكية عن ضربه. وشيئاً فشيئاً، صارت تبدو الهجمة على الغوطة، كأنها الدفعة الأولى من عملية اتلاف الترسانة الكيماوية.
زُيّن للأمريكيين يومها أنّهم استطاعوا تحصيل نتائج الحرب من دون حرب، بانتزاعهم الترسانة الكيماوية التي افتدت نظامها مرّتين، مرة بأنه استطاع استخدامها لحماية رأسه دون أن يُقطع هذا الرأس بعدها، ومرة بأن فكّكها بالتزامن مع تفكّك الثورة السورية نفسها، هذه الثورة التي يمكن القول أنّها، من بعد سلسلة من الخيارات الخاطئة التي جنحوا اليها، أصيبت بانشطار عميق، مرتبط بشكل وثيق بمصاب أهل الغوطة: فمن كان يعوّل على تدخّل دولي بعد تخطي النظام للخط الأحمر الكيماوي بات عليه أن يدفع ثمن فشل رهانه، ومن كان يصرّ على جوهرية المعركة مع الأمريكيين حتى في عزّ دعمهم الرسميّ للثورة السورية لم يعد بمستطاعه أن يحفظ هذا المخزون المعادي للإمبريالية في بوتقة وطنية من أي نوع، وصارت حيلته أقلّ أمام التيار الذي يشهر بشكل واضح عداءه للفكرة الوطنية من حيث هي كذلك، وليس فقط للحدود المرسومة بالمبضع الاستعماري.
بهذا المعنى ما يحدث في العراق أولاً وفي سوريا ثانياً هذا الصيف هو مرآة لما حدث في سورياً أولاً وفي العراق ثانياً في الصيف الماضي.
في الصيف الماضي، نظام استبدادي، له سمة فئوية تضخّم طابعها النافر، بعد تدخّل ميليشيات مذهبية عراقية ولبنانية لنجدته، يقصف تخوم العاصمة السورية بالسلاح الكيماوي. تحشد أمريكا لمعاقبته، ثم يوظّف النظام طبول الحرب لصالح تسوية تقضي بابطال سلاحه الكيماوي بعد أن استُعمَل تماماً كما لو أنّه لم يُستَعمَل. واقعة أنّه استُعمِل تضيع: تلغي نفسها بنفسها.
هذا الصيف، تنظيم «الدولة الاسلامية» الكاسر للحدود العراقية السورية، ينتقل من فوزه بالمناطق العربية السنية في وسط وشمال العراق الى استباحة مناطق حساسة في شمال العراق، مضطهداً الأقليات الدينية والإثنية من مسيحيين وايزيديين وصابئة وشبك وتركمان، فتجد ادارة الرئيس باراك اوباما أن عليها في نهاية المطاف أن تحدّد له خطاً أحمر، بل خطين: الحؤول دون اجتياحه لأربيل واقليم كردستان، والحؤول دون اجتياحه لبغداد. الرابطة هنا تختلف: لا يمكن لـ»داعش» أن تحذو حذو النظام السوري الذي اقترض من «ما بعد الخط الأحمر»، من خلال استخدامه للسلاح الكيماوي، كي يعود فيسدّد من هذه الترسانة نفسها، كمدخل لتسكين العدائية الغربية له، وجعلها على الأقل «غير نافعة عملياً» للثورة.
تختلف الرابط اذاً، لكن ليس بشكل مطلق: فعلى قدر «تكيّف» داعش مع هذه الضربات ستجيء التداعيات. فاما أن تتعلّم «داعش» العيش مع «الخطوط الحمر» المحدّدة لها كلّما تجاوزت منطقة سوادها الأعظم من العرب السنة الى غيرها من المناطق، ولهذا تبعات خطيرة، ليس أقلّها تحكيم داعش على العرب السنة في العراق وشرق سوريا. وإما ان تظهر «داعش» محدودية الأثر الميداني لهذه الضربات، فتحقق توسعا يتجاوز المدى العربي السني الى ما هو واقع شماله وجنوبه. ولهذا تبعات خطيرة أيضاً، من شأنها أن تجسّد، في الواقع الكليّ. الشهوات «الإباديّة» غير المحقّقة في المشرق الا جزئياً في السنوات الماضية.
بين الصيفين، ربّما اقتنع البعض بمفارقة من قبيل انه، اذا أحجمت الامبريالية عن الضرب كان الأمر كارثياً، واذا بادرت الامبريالية الى الضرب جاء الأمر أيضاً كارثياً. مثل هذه المفارقة يمكن أن تُلاك للقول أن الشرّ في الامبريالية سواء أحجمت أو هاجمت، أو للقول أن الشرّ منتج محليّ واقليمي بصرف النظر عن احجام الامبريالية أو قيامها. في الواقع، الاكثار من التوقف أمام «المفارقات» يأكل من الشروط الأولى للتعاطي مع هجمات مزمعة أو مسدّدة تقوم بها قوة عظمى على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها الترابية. من هذه الشروط الادراك، بأنّ هذه القوّة ليست مطراً يحتجب فيستسقى، وأنّه مهما اختلفت أنماط ومواضع استخدامها في السنوات الماضية، الا انه ثمة مشترك أساسي لا يمكن تضييعه. هذا المشترك هو مفهوم «الامبريالية». ناله من الابتذال، المتبني له او الجاحد به، الكثير، في العقود الماضية. لكن اقل ما يُقال فيه، ان تعدّد أنماط ظهوره، من الاقبال على تسديد الضربات، الى الاقبال دون عزم، والعزم دون اقبال، كما تعدّد عواصمه، في عالم لم تعد فيه الامبريالية «أمريكية فقط»، ولو بقيت فيه «أمريكية بالدرجة الأولى»، ولا تبدّل في ذلك بشكل نوعي، جميع تردّدات واحجامات اوباما وحروبه المقتضبة.
من الغوطة الى سنجار: أي كلام لا يعود فيأخذ مفهوم الامبريالية بعين الجد لا يعوّل عليه. ابتذال هذا المفهوم على يد المستهلكين برخص لـ»نظرية المؤامرة»، كما على يد المراهنين على هذه الضربة وعلى انعدام حظوظ تلك، هو تحدّ اضافي من أجل انتشاله كمفهوم من الوحل. الامبريالية تبقى امبريالية حين تحجم من بعد عزم، وحين تضرب من دون عزم. النموذج الأول كان في الغوطة. النموذج الثاني في سنجار، ولها كذا نموذج آخر. اذا كان من غير الممكن مؤاخذة بيئات أهلية لاستفادتها من لحظة في هذا الايقاع، احتماء واسعافاً من خطر تنكيليّ محليّ أو اقليميّ، فان التضامن مع المضطهَدين لا يكون بافتعال التماهي مع حالتهم في ظلّ خطر يداهمهم عينياً. الحس النقدي السليم لا يكون أبداً بتقسيم الضربات الأمريكية الى واحدة نؤيدها، وأخرى نندّد بها. صحيح ان التنديد في كل وقت ليس بديهياً، وكذلك التأييد. لكن ما يفترض ان يكون بديهياً أكثر هو تلك الفضيلة الاسبينوزية التي اسمها: الحذر. في المثال الذي أمامنا، الضربة الأمريكية يمكن أن تكون منشطات لداعش تطلق الاخيرة بعدها العنان لمخيلتها الابادية، ويمكن أن تكون اعترافاً بداعش كأمر واقع اذا التزم بخطوط حمر جغرافية، ويمكن أن تكون امعاناً في تغليب مذهب على آخر، وليس هناك شيء من هذه الاحتمالات يمكن أن يقترن بمفردات «الحداثة والديموقراطية» سوى أنه، في حال الاضطهاد الذي تمارسه «داعش» للأيزيديين مثلا، فانه، وبخلاف ما يتوهمه المثقف الليبرالي النمطي، تلعب «داعش» شخصية «المبشّر بالحداثة» في مواجهة «التقاليد الموروثة» الأيزيدية. وهذا لوحده كفيل بتذكيرنا بأن خوض الصراع الايديولوجي مع ما تمثله داعش من موقع مجابهتها بالحداثة، يغفل ان ما يكابده الايزيديون مثلاً هو الطابع الحداثي لداعش، بل الطابع الداعشي اللابس لكل حداثة. في هذه الحالة العينية التي أمامنا، الدفاع عن حق الايزيديين في العيش يعني الدفاع عن حقهم في «التقليد» ضد «الحداثة».

٭ كاتب لبناني
القدس العربي

 

ما بعد «فتوحات» إيران/ غسان شربل
في الاعوام الماضية، حقق الهجوم الايراني في الاقليم سلسلة نجاحات تعادل انقلاباً كاملاً. ادى الإخلال السريع بموازين القوى الى توتر اقليمي كما ادى الى تدهور صريح في العلاقات السنّية-الشيعية. وإذا تركنا خصوصية ما يحدث في اليمن جانباً يمكن اختصار النجاحات الاخرى بالآتي:
– في العراق شاركت ايران في استنزاف الاحتلال الاميركي. غادرت القوات الاميركية العراق بعد شهور شهدت تراجع نفوذ اميركا السياسي في البلد الذي غزته وحررته من نظام صدام حسين. بعد الانسحاب الاميركي اصبحت ايران اللاعب الاول على المسرح العراقي. شددت في سياستها على نقطتين: الاولى إبقاء الكتلة الشيعية موحدة. والثانية الاحتفاظ بعلاقة مع الاكراد ومنع الخلاف الشيعي-الكردي من بلوغ نقطة التصادم.
– قبل ذلك نجحت ايران في منع حصول انقلاب دائم في ميزان القوى اللبناني بفعل اضطرار الجيش السوري الى الانسحاب من هذا البلد إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تمكنت ايران من منع قوى 14 آذار من تشكيل حكومة مستقرة مؤيدة لمعسكر الاعتدال العربي ومتعاطفة مع الغرب. وأظهرت التجارب لاحقاً استحالة تشكيل حكومة في لبنان من دون الحصول على موافقة طهران.
– تعاطت ايران مع الاحتجاجات في سورية بوصفها محاولة تستهدف محور الممانعة والتحالف السوري-الايراني. اتخذت قراراً قاطعاً بمنع اسقاط النظام السوري. ترجمت قرارها بتدخل «حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية الموالية لها في القتال الى جانب ذلك النظام. أظهرت مجريات المعارك ان الدعم الروسي ما كان ليضمن بقاء النظام لو غاب الدور الايراني.
في العام الماضي، بدت صورة النجاحات اقل زهواً. ظهرت ايران محتاجة الى ما هو اكثر من تحسين الصورة عبر انتخاب الرئيس حسن روحاني. ارسل اقتصادها اشارات تعب بفعل العقوبات الغربية. اضطرت الى الانخراط في المفاوضات النووية مع مجموعة 5+1. تبين ان طهران قادرة على منع اسقاط النظام السوري لكنها غير قادرة على حسم نزاع يبدو طويلاً ومكلفاً. بدأ الحديث عن تحول سورية الى فيتنام ايرانية باهظة مالياً لطهران ومكلفة بشرياً لـ «حزب الله».
جاءت المفاجأة من العراق. انهار الجيش العراقي امام هجمات «داعش». وولدت «الدولة الاسلامية» على مساحات واسعة من العراق وسورية. سبق ذلك انهيار علاقات رئيس الوزراء نوري المالكي بالمكونين السنّي والكردي. لا تستطيع ايران ارسال قواتها لاسترجاع المناطق السنّية من قبضة «داعش». والتمسك بالمالكي يعني الوقوع في استنزاف طويل. ادركت واشنطن صعوبة الموقف الايراني فاشترطت للمساهمة في ضرب «داعش» تغييراً حكومياً في بغداد يحل الشراكة مكان الشراهة.
قبل اعوام، سألت في طهران عن احتمال وقوع حرب اميركية - ايرانية فجاءني الجواب:» انك تسأل عن الحرب التي لن تقع. نحن نجري حسابات دقيقة. قد نقيم طويلاً على حافة الحرب لكننا لن نقع فيها. لن نجازف بمنجزات الثورة لكننا سنتصدى لأي عدوان».
لم تقع الحرب. ولم يعد جلوس المفاوضين الايرانيين مع نظرائهم الاميركيين جريمة تستحق الشنق. وروحاني يصف من يخافون التفاوض بالجبناء. في هذا المناخ اعلن علي شمخاني سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني ترحيب بلاده بالعملية الدستورية التي ادت الى تكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة خلفاً للمالكي.
رفض المالكي الرقص مع السنّة. رفض الرقص مع الاكراد. الحاكم العراقي لا يحب التانغو. لكن من قال ان من حق لاعب محلي ان يشهر سياسة «انا او لا احد». من قال ان من حق لاعب محلي ان يعرقل لعبة كبرى وحسابات كبرى. ايران تستهويها احياناً رقصة التانغو خصوصاً اذا كانت تعني امكان فوزها بمقعد الشريك الاكبر لـ «الشيطان الاكبر».
من المبكر الانطلاق من الموقف الايراني في العراق للاستنتاج بأن ايران وأميركا سترقصان الرقصة نفسها في ملفات اخرى. لكن الاكيد هو ان عصر «الفتوحات» الايرانية السهلة انتهى. تركيبة الاقليم صعبة ومملوءة بالفخاخ وقادرة على المقاومة والممانعة. تركيبة لا تسمح بالراقص الوحيد ولا بسياسة «انا او لا احد».
الحياة

 

إيران تتخلّى عن المالكي ولا تخسر العراق/ موناليزا فريحة
رفعت طهران الغطاء تدريجا عن نوري المالكي. لم تترك له خيارا الا التنحي. لكنها بالتخلي عن رجلها في بغداد، لم تخسر العراق، خلافاً للسيناريو المفترض الذي تخشاه في سوريا، فهي لا ترى حتى الان بديلا من الاسد لابقاء سوريا في دائرة نفوذها.
تذكّر المعلومات المتداولة عن “ليلة” الانقلاب على المالكي، بما سبق اعادة تكليفه رئاسة الوزراء عام 2010. حينذاك تولى الرجل الاقوى في العراق وربما في الشرق الاوسط الجنرال قاسم سليماني، حل الازمة السياسية في العراق التي استمرت ثمانية أشهر. فعلى رغم النفوذ الذي كان الاميركيون لا يزالون يتمتعون به في هذا البلد، استدعى قائد “فيلق القدس” الزعماء العراقيين المدينين لبلاده بعد سنوات من الدعم السياسي والمالي ، وأملى عليهم وصايا المرشد الاعلى: المالكي يبقى رئيسا للوزراء وجلال طالباني يبقى رئيساً، والاهم أن القوات الاميركية تنسحب بحلول نهاية 2011 . ومع ذلك، مضت واشنطن في التسوية الايرانية للعراق ورمت بثقلها خلف المالكي على رغم التحفظات الكبيرة لديبلوماسيين أميركيين يعملون في بغداد.
بعد نحو أربع سنوات ، ومع التراجع الكبير للدور الاميركي في العراق، يبدو واضحا أن طهران لاتزال لها الكلمة الفصل في بغداد. وثمة تقارير عن أن سليماني تولى بنفسه الاشراف على عملية اطاحة المالكي، وأنه ذهب الى العراق بتكليف من المرشد وبتوصية بالتنسيق مع المرجعية في النجف لاختيار شخصية مناسبة لرئاسة الوزراء. لكنّ واشنطن لم تكن بعيدة من أجواء هذا الاختراق في الازمة السياسية في العراق. ففيما أعلنت طهران ترحيبها باختيار العبادي، كانت واشنطن أول المرحبين به. ويقول ديبلوماسيون أميركيون إنهم بدأوا منذ حزيران الماضي حشد الدعم لعبادي في الاوساط الشيعية.
وفي اي حال، يعكس تخلي طهران تحديداً عن المالكي ثقتها بامكان توافر بديل منه يحفظ مصالحها الحيوية في هذا البلد. واستنادا الى المواقف المتوافرة له، يدرك رئيس الوزراء المكلف أهمية الروابط بين البلدين. وهو أقر صراحة في حديث الى “الهافينغتون بوست” في حزيران بأن بغداد قد تطلب دعما ايرانيا لمقاتلة “الدولة الاسلامية”، إذا لم تحصل غارات أميركية لردع المقاتلين.
ويبقى السؤال الملح :هل ينجح العبادي حيث أخفق المالكي؟. في الحديث نفسه الى المجلة الاميركية أقر بأن على الحكومة الاصغاء الى شهادات عن “التجاوزات” التي ارتكبتها القوى الامنية كي تقرر سبل الرد.وكان واضحا أيضاً أنّ على بلاده تجنب الانجرار الى نوع من الحرب ترغب فيه “الدولة الاسلامية”. ومع أن هذا الرجل يتحدر من “حزب الدعوة” الذي ينتمي اليه المالكي، فهو بحسب الخبير في الشؤون العراقية ريدر فيسر، يتمتع بدعم أكبر في أوساط الاكراد والسنة. ولكن قبل اختبار مؤهلات العبادي، يجب أن يقبل المالكي بالهزيمة، فهل يذعن أم يتحول صدّام آخر؟.
النهار
البغدادي.. أعد لمشروع «دولة الخلافة» قبيل الانسحاب الأميركي من العراق
أعاد هيكلة جماعته على غرار الشركات واستعان بضباط بعثيين رغم الانتقادات
بغداد: تيم آرانغو وإريك شميت
عندما داهمت القوات الأميركية منزلا قرب الفلوجة خلال هجوم عام 2004 واجهوا المسلحين المتشددين الذين كانوا يبحثون عنهم، واعتقلوا رجلا في أوائل عقده الثالث لم يكونوا يعرفون عنه شيئا.
سجل الأميركيون اسمه قبل أن يرسلوه ضمن آخرين إلى مركز اعتقال في معسكر بوكا: وكان يدعى إبراهيم عواد إبراهيم البدري.
أصبح هذا الشخص معروفا لدى العالم الآن باسم «أبو بكر البغدادي»، الخليفة الذي نصب نفسه على رأس «داعش» ومهندسا لحملة عنيفة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
وقال مسؤول في البنتاغون، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «كان بلطجيا في الشارع عندما احتجزناه في عام 2004». وأضاف: «من الصعب أن نتصور أن لدينا كرة بلورية تخبرنا بأنه سيصبح رئيسا لـ(داعش)».
وفي كل منعطف، وارتبط صعود البغدادي بالتدخل الأميركي في العراق. فمعظم التغييرات السياسية التي غذت معركته، أو أدت إلى بروزه، ولدت مباشرة من رحم بعض الإجراءات الأميركية. والآن أجبر البغدادي الولايات المتحدة على فصل جديد من ذلك التدخل، بعد أن دفعت نجاحات «داعش» العسكرية والمجازر الوحشية ضد الأقليات بالرئيس أوباما إلى أن يأمر بشن ضربات جوية في العراق.
بدا البغدادي مستمتعا بالحرب، متوعدا بأن «داعش» ستكون قريبا في «مواجهة مباشرة» مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، عندما انضم إلى تنظيم القاعدة في البداية، في السنوات الأولى للاحتلال الأميركي، لم يكن مقاتلا، بل شخصية دينية. وبعد ذلك أعلن نفسه «خليفة»، وشن حملة عنيفة للقضاء على الأقليات الدينية، مثل الشيعة والإيزيديين، الأمر الذي جعل قادة «القاعدة» يدينون تلك الأفعال.
ورغم وصوله إلى مكانة عالمية، ظل البغدادي وهو الآن في أوائل عقده الرابع، أكثر غموضا من أي من الشخصيات المتشددة الكبرى الذين سبقوه. ويمتلك المسؤولون الأميركيون والعراقيون فرقا من المحللين الاستخباراتيين وعناصر مخصصة لمطاردته، لكن لم تسفر عن نجاح يذكر في أوضاع حياته. وكان ظهوره أخيرا في مسجد في الموصل لإلقاء الخطبة، حيث جرى نشر مقطع فيديو له على الإنترنت، بمثابة المرة الأولى على الإطلاق التي يراه فيها كثير من أتباعه. ويقال إن البغدادي حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة في بغداد، وكان خطيبا بمسجد في مدينة سامراء، مسقط رأسه.
عدا ذلك، فإن كل نقطة تقريبا عن السيرة الذاتية للبغدادي يكتنفها بعض الارتباك. وتقول وزارة الدفاع الأميركية إن البغدادي، بعد إلقاء القبض عليه في الفلوجة في أوائل عام 2004، أطلق سراحه في شهر ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام مع مجموعة كبيرة من السجناء الآخرين ممن اعتبروا من السجناء الأقل خطورة. بيد أن هشام الهاشمي، باحث عراقي درس حياة البغدادي، أحيانا نيابة عن المخابرات العراقية، قال إن البغدادي أمضى خمس سنوات في معتقل أميركي مما جعله يصبح، مثل كثير من مقاتلي «داعش» الذين يقاتلون حاليا في ساحة المعركة، أكثر راديكالية.
وقال الهاشمي إن البغدادي نشأ في أسرة فقيرة في قرية زراعية قرب سامراء، وإن عائلته كانت صوفية. وأضاف أن البغدادي أتى إلى بغداد في أوائل التسعينات، وبمرور الوقت أصبح أكثر راديكالية.
وفي بداية تمرده، انجذب نحو جماعة جديدة بقيادة المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي. على الرغم من أن جماعة الزرقاوي، فرع تنظيم القاعدة في العراق، بدأت كمنظمة متمردة عراقية في عمومها، فإنها كانت موالية لقيادة التنظيم العالمية، وعلى مدى سنوات جلبت المزيد والمزيد من الشخصيات القيادية الأجنبية.
ومن غير الواضح مدى الأهمية التي حظي بها البغدادي تحت قيادة الزرقاوي. وكتب بروس ريدل، ضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية ويعمل الآن بمعهد بروكينغز، حديثا أن البغدادي كان قد أمضى عدة سنوات في أفغانستان، وعمل جنبا إلى جنب مع الزرقاوي. ولكن يقول بعض المسؤولين إن مجتمع الاستخبارات الأميركي لم يعتقدوا بأن البغدادي لم تطأ قدماه خارج مناطق الصراع في العراق وسوريا على الإطلاق، ولهذا لم يكن مقربا إلى الزرقاوي بشكل خاص.
كانت العملية الأميركية التي أسفرت عن مقتل الزرقاوي في عام 2006 ضربة كبيرة لقيادة المنظمة. وبعد سنوات حصل البغدادي على فرصته في أخذ زمام الأمور مجددا.
وبينما كان الأميركان ينهون حربهم في العراق، فإنهم ركزوا على محاولة القضاء على القيادة المتبقية لتنظيم القاعدة في العراق. وفي أبريل (نيسان) من عام 2010، وجهت عملية مشتركة بين القوات العراقية والأميركية أكبر ضربة للجماعة في سنوات، أسفرت عن مقتل اثنين من كبار الشخصيات قرب تكريت.
وبعد شهر، أصدرت الجماعة بيانا أعلنت فيه عن تولي قيادة جديدة للزعامة، واعتلى البغدادي قائمة المرشحين، وفقا لمعلومات حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الغربية. وكتبت محلل في ستراتفور، وهي شركة استخبارات خاصة عملت فيما بعد لحساب الحكومة الأميركية في العراق، في رسالة عبر البريد الإلكتروني سربتها «ويكيليكس»: «هل هناك أي فكرة عن من هم هؤلاء الرجال؟» «من المرجح أنها أسماء حركية، ولكن هل هي مرتبطة بأي شخص نعرفه؟»
وفي يونيو (حزيران) من عام 2010، نشر ستراتفور تقريرا عن المجموعة متناولا توقعاتها المستقبلية في أعقاب عمليات القتل التي تنفذ ضد قياداتها العليا. وجاء في التقرير: «مستقبل المنظمة المسلحة نحو النجاح يبدو قاتما».
مع ذلك، قال التقرير، مشيرا إلى «داعش»، الاسم البديل لتنظيم القاعدة في العراق، إن «عزم التنظيم تجاه تأسيس خلافة إسلامية في العراق لم يتضاءل».
وكان للقبائل السنية في شرق سوريا والأنبار ونينوى في العراق علاقات قوية وتأسس «داعش» على تلك العلاقات. وعليه فمع تراجع حظوظ الجماعة في العراق، وجدت فرصة جديدة في القتال ضد حكومة بشار الأسد في سوريا.
وفي الوقت الذي انهزمت فيه الجماعات المتمردة السورية الأكثر اعتدالا على يد قوات الأمن السورية وحلفائها، سيطر «داعش» بشكل متزايد على المعركة، ويرجع ذلك جزئيا إلى قوة السلاح والتمويل الذي يأتيه من عملياتها في العراق ومؤيديها في العالم العربي. ودفع هذا الواقع المشرعين الأميركيين والشخصيات السياسية، بما في ذلك وزيرة الخارجية السابقة هيلاري رودهام كلينتون، إلى اتهام الرئيس أوباما بمساعدة «داعش» على الصعود عبر سبيلين: الأول عن طريق سحب القوات الأميركية بشكل كامل من العراق في عام 2011، وثانيهما بتردده في تسليح الجماعات المعارضة السورية الأكثر اعتدالا في وقت مبكر من هذا الصراع. وقال النائب إليوت إنجل، الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، خلال جلسة استماع عقدت مؤخرا بشأن الأزمة في العراق: «لا يسعني إلا أن أتساءل ماذا كان سيحدث لو أننا التزمنا بتمكين المعارضة السورية المعتدلة العام الماضي». وأضاف: «هل كان داعش ستشتد شوكته كما هي الآن؟»
لكن أيضا قبل ذلك، كانت الإجراءات الأميركية حاسمة في صعود البغدادي بطرق مباشرة بشكل أكبر. فهو عراقي حتى النخاع، كما احتد فكره المتطرف وترعرع في بوتقة الاحتلال الأميركي.
وقدم الغزو الأميركي البغدادي وحلفاءه كعدو جاهز. ومنحت الإطاحة الأميركية بصدام حسين، الذي أبقى نظامه الديكتاتوري الوحشي غطاء على الحركات المتطرفة، البغدادي الحرية التي ساعدت على تنامي آرائه المتطرفة.
وعلى خلاف الزرقاوي، الذي سعى إلى الحصول على المساعدة من القيادة خارج العراق، أحاط البغدادي نفسه بزمرة ضيقة النطاق من ضباط سابقين في الجيش وجهاز الاستخبارات التابعين لحزب البعث من نظام صدام حسين الذين يعرفون أساليب القتال. ويعتقد محللون وضباط بالمخابرات العراقية بأنه بعد أن تولى البغدادي زعامة التنظيم، قام بتعيين ضابط من عصر صدام حسين، وهو رجل يعرف باسم «حجي بكر»، قائدا عسكريا، للإشراف على العمليات كما شكل مجلسا عسكريا ضم ثلاثة ضباط آخرين من قوات أمن النظام السابق.
وكان يعتقد بأن «حجي بكر» قتل العام الماضي في سوريا. ويعتقد المحللون بأنه إلى جانب اثنين على الأقل من ثلاثة رجال آخرين في المجلس العسكري قد اعتقلوا في أوقات مختلفة على يد الأميركيين في معسكر بوكا.
ووجهت انتقادات إلى البغدادي من قبل بعض المتطرفين لاعتماده على البعثيين السابقين. لكن بالنسبة لكثيرين، فندت نجاحات البغدادي هذه الانتقادات. ويقول بريان فيشمان، الباحث في مكافحة الإرهاب في «مؤسسة نيو أميركا»، عن البغدادي إن «لديه مصداقية لأنه يدير نصف العراق ونصف سوريا».
ربما أصبحت سوريا ملجأ مؤقتا وميدانا للاختبار، بيد أن العراق ظل دائما معقل البغدادي وأهم مصدر من مصادر تمويله، وحاليا أصبح أيضا المقر الرئيس لمسعى البغدادي لبناء الدولة.
ورغم أن استيلاء «داعش» على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بدا وكأنه يثير دهشة الاستخبارات الأميركية والحكومة العراقية، فإن العمليات التي يجريها البغدادي في المدينة – التي تشبه عمليات المافيا – طالما ما كانت تشكل عاملا حاسما بالنسبة لاستراتيجيته المتعلقة بإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
وحسبما أفاد به مسؤولون أميركيون، فقد تمكنت جماعته من حصد ما قيمته 12 مليون دولار شهريا، من عمليات الابتزاز في الموصل، واستخدم التنظيم هذه الأموال لتمويل عملياته في سوريا.
يذكر أنه قبل يونيو الماضي، كان «داعش» يسيطر على الأحياء السكنية في المدينة ليلا وكان مسلحوه يجمعون الأموال ثم يتسللون إلى الأرياف.
وأفادت وكالة «رويترز» أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينظر في اتخاذ تدابير جديدة من شأنها تجميد أموال «داعش»، من خلال التهديد بفرض عقوبات على مؤيديهم. ومن المرجح أن هذا الإجراء لن يكون له أثر يُذكر بالنظر إلى حقيقة أنه حتى تلك اللحظة، يتلقى التنظيم بالكامل تقريبا تمويلا ذاتيا، من خلال استيلائه على الحقول النفطية، وعمليات الابتزاز، بالإضافة إلى الضرائب التي يجمعونها من الأراضي التي تخضع لسيطرتهم. وساعدت الأراضي التي تمكنوا من السيطرة عليها في العراق من إيجاد سبل جديدة لجلب إيرادات لهم، فعلى سبيل المثال، طالب التنظيم مؤخرا في الحويجة – بلدة تقع بالقرب من كركوك – جميع الجنود السابقين أو ضباط الشرطة بدفع مبلغ قدره 850 دولارا عن كل واحد منهم نظير توبتهم والعفو عنهم.
ورغم أن البغدادي استولي على تلك البلدة عبر اللجوء إلى أساليب وحشية، إلا أنه تبنى أيضا خطوات عملية من أجل بناء الدولة، كما أنه أظهر جانبا أخف وطأة؛ ففي الموصل، أقام داعش «يوما مرحا» للأطفال، وقام بتوزيع هدايا ومواد غذائية أثناء عيد الفطر، كما نظم مسابقات تلاوة القرآن، ودشن خدمات الحافلات وفتح المدارس.
ويقول مسؤولون أميركيون إن البغدادي يدير تنظيما أكثر كفاءة، مقارنة بما كان عليه الزرقاوي، وبمقدوره السيطرة على هذا التنظيم دون منازع، مع تفويض السلطة لمساعديه. ووفقا لما أفاد به أحد كبار المسؤولين الأميركيين في مجال مكافحة الإرهاب: «إنه ليس بحاجة للتصديق على كل التفاصيل»، وأضاف: «إنه يتيح لهم المزيد من حرية التصرف والمرونة». وبإعجاب على مضض، قال مسؤول بارز في البنتاغون عن البغدادي: «لقد قام بعمل جيد من خلال لم شمل وتنظيم المنظمة المتراجعة، ولكنه قد يحقق الآن تقدما كبيرا؟»
لكن حتى قبل أن تقدم له الحرب الأهلية في سوريا الفرصة التي تساعده على إحراز تقدم، اتخذ البغدادي بعض التدابير في العراق – أقرب إلى إعادة هيكلة الشركات – التي وضعت الأساس لعودة الجماعة مجددا، وذلك في الوقت الذي كان يغادر فيه الأميركيون العراق. وعمل على التخلص من المنافسين له من خلال عمليات الاغتيال، وكان العقل المدبر لاختراق السجون لتعزيز صفوف المقاتلين التابعين له، كما أنه أتاح مصادر تمويل متعددة من خلال عمليات الابتزاز لتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي من القيادة المركزية لتنظيم القاعدة.
ويقول الهاشمي إن البغدادي «كان يستعد لينشق عن تنظيم القاعدة».
* خدمة: «نيويورك تايمز»

 

من المتواطئ مع المالكي؟ /زهير قصيباتي
ساعات قليلة هي الفاصلة بين «كلمة السر» الإيرانية التي أعلنها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني بتأييد تكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، والهجوم الانتحاري قرب منزل الأخير، رغم إيحاء رئيس الوزراء نوري المالكي بدايةً بأنه استسلم للأمر الواقع.
المالكي الذي بدا لكثيرين من العراقيين صدام حسين آخر في تعامله مع مؤسسات الدولة والجيش والقوى الأمنية كأنها ملكٌ له، قد يعتبر أنه سقط ضحية لاندفاعة «داعش» ولسيطرة هذا التنظيم على نحو ثلث الأراضي العراقية. فلولا فضيحة استيلاء التنظيم على الموصل وتمدده سريعاً وتحضيراته لغزو بغداد، لما تخلت إيران عن حليفها المالكي الذي سجل نجاحاً باهراً في استعداء السنّة والأكراد وبعض الشيعة، وافتعال أزمات مع دول الجوار، واحتكر كل السلطات التنفيذية، وتغاضى عن نهب موارد البلد وتمدُّد أخطبوط الفساد.
لم يعد مهماً تعداد «مآثر» المالكي، لكنَّ العراقيين سيذكرون حتماً كم قُتِل وشُرِّد منهم في عهده، وكم استُنزِفت الدولة خلال ولايتيه، والأهم مقدار ما رُسِّخ من سياسة الاستبداد والتنكيل والاستعلاء على شعبه. والأهم بالمقدار ذاته ان الغطاء الإيراني الذي مُنِح له، أوهمه بالقدرة على سحق كل الخصوم في الداخل والخارج. لذلك، تبدو طهران شريكاً في كل ما شهدته حقبة ما بعد صدام، بل متواطئة إلى حد بعيد في سيناريو إبقاء العراق في غرفة العناية الفائقة… بلداً ضعيفاً، مؤسساته مهترئة، يحتاج دائماً إلى رعاية إيرانية، بالأحرى وصاية هي نسخة معدّلة للوصاية السورية على لبنان حتى عام 2005.
هل استسلم المالكي فعلاً للأمر الواقع، في مقابل ضمانات غير معلنة بمنع ملاحقته، أم أن اصابع له ستفتح «أبواب جهنم» التي هدد بها قبل أيام قليلة من تكليف الرئيس فؤاد معصوم، حيدر العبادي تشكيل حكومة؟ والحال أنه فاجأ كثيرين مجدداً، مصراً على وجود انتهاك دستوري في عملية التكليف، ومتجاهلاً الارتياح الإقليمي والدولي لبدء مرحلة جديدة في العراق، بما يسهّل تعاوناً متعدد الأطراف في التصدي لتنظيم «داعش» ودولته… ووقف تحطيم الحدود وتهجير أقليات، وموجات الرعب التي تهجّر مئات الآلاف على امتداد بقعة سيطرة التنظيم في العراق وسورية.
وإذ يصر المالكي على تحدي تكليف العبادي، فالسؤال هو ما إذا كان ينتظر من المحكمة الاتحادية حفظ ماء وجهه، حتى إذا أقدمت على تثبيت دستورية التكليف تذرّع الأول برضوخه للدستور لا لرغبة الأميركيين ولا الإيرانيين. وإلى أن تطوي المحكمة هذا الإشكال الذي اخترعه رئيس الوزراء، سيبقى قائداً للقوات المسلحة التي دعاها إلى عدم التدخل في تداول السلطة، لكن الواقع أن بغداد ما زالت في أجواء «انقلاب».
لم يعد كثيرون يذكرون جلسة التوبيخ التي عقدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع المالكي في بغداد، لإبلاغ رئيس الوزراء أن طيشه في استعداء السنّة والأكراد، سهّل لـ «داعش» الانقضاض على الموصل وتكريت وإظهار القوات المسلحة واهنة أمام مسلّحي التنظيم وميليشيات أخرى. والأكيد أن واشنطن ولندن تريان في تهجير «داعش» الإيزيديين بعد المسيحيين، سبباً كافياً لتجاوز الدولة العراقية في تسليح الأكراد.
في المقابل، ما زال لغزاً ذاك التهديد الإيراني بالتدخل في العراق ضد «داعش» ثم التراجع، وعجز طهران والجيش العراقي عن وقف تقدم التنظيم وتهديدات «الدولة الإسلامية». وإن لم تعد سراً تكهنات بتفاهمات إيرانية- أميركية تشمل إعادة ترتيب أوضاع دول في المنطقة، تعصف بها الأزمات وتضربها فصائل التطرف، ضمن إجراءات لبناء الثقة بين طهران وواشنطن تدريجاً، كلما صيغت بنود جديدة في الاتفاق النووي المرتقب… فالواقع ان إيران خامنئي المتلهفة على الاتفاق، تتصرف كأنها تريد من العراقيين وسواهم ما يمنحها مبرراً للعدول عن سياسات استمرت لأكثر من عقد. في وجهها الآخر هي نهج تدخل في شؤون دول كرّس رياح المذهبية وزرع بذوراً كثيرة لصراعات طائفية.
بين العراقيين مَنْ يؤكد أن للمرجع الشيعي علي السيستاني الفضل الأول في إقناع طهران برفع الغطاء عن المالكي وغطرسته، بعدما بات وجود العراق مهدداً، ووحّدت ممارسات رئيس الوزراء السنّة والأكراد، وباتت ورقة انفصال كردستان نقطة تقاطع مصالح بين إيران وتركيا، توحدهما في منع شرذمة العراق.
صحيح أن بين المتشائمين مَنْ يعتبر ان «حزب الدعوة» سيبقى الحاكم الفعلي للعراق، ولو تغيَّر اسم رئيس الوزراء، لكن الصحيح ايضاً أن خوض مواجهة واسعة مع «داعش» انطلاقاً من بلاد الرافدين، بات الأولوية الأولى إقليمياً ودولياً، وهو مصلحة للغرب وواشنطن. في المقابل قد تكون إيران سلّمت اخيراً بأن نار التطرف لن تبقى على حدودها، وبأن زمن إدارة «الهلال الشيعي» ودوله بالريموت كونترول ولّى، ولن يعود… وسلّمت بأن سنوات من استقطاب الشيعة العرب باسم الدفاع عن مصالحهم، كانت بين بذور الانشقاق المذهبي ورياح الفتنة، ووقوداً فاعلاً في حرب «داعش» وأخواتها.
بين إطلالة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد فاتحاً، في بغداد، وانتصار «داعش» في الموصل وتكريت، سنوات قليلة، هزت العراق والمنطقة، وأسقطت حدوداً، ومعها ربما مشروع امبراطورية الوصاية.
الحياة
الثورة السورية والمنزلق الخطير/ فايز الدويري
إنطلقت الثورة السورية في شهر آذار من عام 2011 مستجيبة لنسائم الربيع العربي. جاءت انطلاقتها عفوية رغم ان الإرهاصات الكامنة وراءها عميقة، عمق تجربة البعث في تكميم الأفواه وسلب الحريات وقمع المعارضين، فكان يكفي النظام أن يقوم صبية بكتابة عبارة (إجاك الدور يا دكتور) على احد الجدران في مدينة درعا، لتتسارع الأحداث وتصبح ككرة الثلج تأخذ كل مافي طريقها الى هاوية سحيقة ليس لها قرار.
بداءت الثورة سلمية وإستمرت بسلميتها طيلة الأشهر الستة الاولى وبإعتراف رأس النظام، و رغم سلمية الثورة الى ان النظام إعتمد مقاربة أمنية متصاعدة مستفيدا من التجربة الإيرانية في قمع الثورة الخضراء، وبدل ان يستخدم قوات شعبية منظمة على غرار قوات الباسيج استخدم ما اصطلح عليه ( الشبيحة)، وكانوا يواجهون المسيرات السلمية بالرصاص الحي تحت سمع ونظر وحماية قوات النظام، بعد فشل الشبيحة في إنجاز المهمة الموكلة لهم بداء النظام السوري يزج الوحدات ذات الموثوقية العالية من حماة الديار علها تنجح فيما فشل الشبيحة وقوات والأمن في تحقيقه.
ادى الفشل في قمع الحراك السلمي الى تحول النظام السوري الى المقاربة العسكرية بدلا من الأمنية، وقد جاء هذا التحول بعد زيارة وزير الخارجية الروسي مصطحبا معه مدير الاستخبارات العسكرية الروسية،حيث تم اعتماد المقاربة الروسية في غروزني او ما يعرف بعقيدة بوتن، والتي تعتمد سياسة الارض المحروقة والانتقام من البيئة الاجتماعية الحاضنة.
استخدم النظام السوري ما يعرف بالتصعيد المسلح المتدرج، فبداء بإستخدام الاسلحة الخفيفة ثم المتوسطة فالثقيلة فالطائرات العمودية ثم المقاتلة ثم صواريخ ارض ارض فالسلاح الكيماوي، وكان في كل مرة يستخدم بها مستوى جديد من الاسلحة، كان يستخدمه بصورة محددة زمانا ومكانا يتبعها بفترة هدؤ ليرقب ردود الفعل الدولية، وعندما وجد ان ( ردود الفعل العالميمة لا تتعدى الشجب والاستنكار من قبل أصدقاء الشعب السوري، فيما حظي النظام السوري بغطاء فاعل في مجلس الأمن من خلال استخدام روسيا والصين لحق النقض الفيتو ضد اي قرار يدين النظام السوري كما حظي بمساعدة إيرانية غير محدودة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية)، دخل في حرب مفتوحة مع الشعب السوري.
ادت الإجراءات العسكرية السورية الى تزايد عمليات الانشقاق لدى منتسبي الجيش السوري، وما يؤخذ عيها انها كانت انشقاقات أفقية على مستوى فردي فيما لم تتمكن أية وحدة عسكرية من الانشقاق بسبب الرقابة الأمنية الصارمة، والتي بلغت حد حجز بعض الوحدات غير الموثوقة في معسكراتها لفترات طويلة.
كما يؤخذ على الثورة السورية انها بدأت في الريف السوري ومنه اتجهت الى المدن السورية، مما سمح للنظام ان يشدد قبضته على مراكز الثقل الديموغرافية والاقتصادية، كما ان نسبة كبيرة من العسكريين المنشقين لجأوا الى دول الجـــوار مما حــرم الثورة من خبراتهم العسكرية. رغم كل ذلك نجحـــت قوات الثورة في منتصف عام 2012 الى الوصول الى قلب دمشق وأصبحت على بعد 300 متر من ساحة العباسيين، كما نجحت في تحقيق إختراق أمني كبير تمـــثل في تفجـــير خلية الازمة الأمنية، كما بداءت معركة تحرير حلب وبالتزامن مع احداث إختراقات كبيرة في معظم المحافظات السورية.
عانت الثورة السورية من ضعف الجناحين السياسي والعسكري وعدم قدرتهما على مواكبة الانجازات الميدانية، حيث بداء الحراك السياسي بتشكيل المجلس الوطني ثم إئتلاف قوى المعارضة وتشكيل حكومة مؤقتة، فيما أسس الجيش الحر وتم انشاء المجلس العسكري الأعلى ورئاسة الأركان، ولكنها جميعا لم تحقق الحد الأدنى لما هو مطلوب منها، ويقف وراء ذلك أسباب عدة منها ان العديد من منتسبيها مصابين بأمراض النظام او مرتهنين للقوى الإقليمية والدولية الداعمة لهم، مما نقل الخلافات الإقليمية والدولية الى داخل مؤسسات الثورة السياسية والعسكرية.
رغم عدم نجاح المؤسسات السياسية والعسكرية اعلاة في إحداث اختراقات كبيرة الا ان المقاتلين من الجيش الحر والتنظيمات الاسلامية المعتدلة وجبهة النصرة حققوا كثيراً من الانجازات الميدانية حتى سيطروا في نهاية عام 2012 وبداية 2013 على ما يقرب من 60/ من الجغرافيا السورية وإن بقيت معظم المدن الرئيسية تحت سيطرة النظام بصورة كلية او جزئية. ادت تلك النجاحات الميدانية الى قيام ايران وبأوامر من القيادات السياسية والعسكرية والمرجعيات الدينية الى تجنيد الآلاف من الشباب الشيعة للقتال في سوريا بحجة حماية المزارات الشيعية، كما طلبت من حزب الله التدخل العسكري، وكانت باكورة هذا التدخل معارك القصير والسيدة زينب والقلمون لتتوسع لاحقا لتشارك لاحقا في كل المعارك الحاسمة التي تخوضها قوات النظام.
ادى كل ذلك الى بروز حالة من التذمر لدى العديد من التنظيمات العسكرية المنضوية تحت رئاسة الأركان، فبداء مسلسل الانسحابات من الجيش الحر وتشكيل تنظيمات جديدة كالجبهة الاسلامية وغيرها مما اضعف الجيش الحر وجعله تنظيم هلامي غير فاعل، كما دخل تنظيم الدولة الاسلامية الى ساحة المعركة.
إعتمد تنظيم الدولة في بداية تدخله على انشاء مراكز دعوية وتقديم المعونات الاقتصادية وفرض الأمن على المناطق التي يتواجد فيها كما عمد الى استخدام المقاربات الدموية المفرطة على مخالفيه مما بث الرعب في قلوبهم، كما بداء بالتوسع التدريجي في المناطق المحررة فتواجدت قواته وبدرجات متفاوتة في تسع محافظات سورية منها محافظة الرقة التي سيطر عليها سيطرة شبه مطلقة، ومما يؤخذ على تنظيم الدولة عدم خوضه معارك حاسمة مع قوات الجيش السوري كما فعلت جبهة النصرة إنما اكتفى في المشاركة في بعض المعارك مثل معركة مطار منغ العسكري، كما بداء تنظيم الدولة بالاحتكاك بكتائب الجيش الحر من خلال عمليات اختطاف وقتل لبعض قادة الكتائب ومنتسبي المجالس العسكرية مما ادى الى عمليات إقتتال بين تنظيم الدولة وبقية مكونات المعارضة المسلحة ادت الى انسحاب قوات الدولة من ريف أدلب وريف حلب الغربي وإعادة تنظيم صفوفه في محافظة الرقة.
يعتبر يوم العاشر من حزيران الماضي علامة فارقة في مسار الثورة السورية وهو اليوم الذي إنطلقت به العمليات العسكرية في العراق والتي ادت الى سيطرة تنظيم الدولة والجماعات السنية المسلحة على ثلاثة محافظات عراقية وعلى كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر بلإضافة الى مايزيد عن نصف مليار دولار من بنوك مدينة الموصل، ولقد استطاع تنظيم الدولة ان يجير الانتصارات الميدانية له ويصبح اللاعب الرئيس على الساحة العراقية. بعد الانتصارات الميدانية الكبيرة في العراق بدء تنظيم الدولة في نقل معركته الى سوريا فأزال الحدود السياسية وسيطر على المعابر الحدودية، كما سيطر على معظم أراضى محافظتي دير الزور والحسكة وعلى حقول النفط والغاز فيهما، كما سيطر على اهم المواقع العسكرية للنظام ممثلة في قيادة الفرقة 17واللواء93 وهو في طريقه للسيطرة على مطار الطبقة العسكري. هذه الانتصارات الميدانية السريعة عززت من قدرات تنظيم الدولة الاقتصادية والعسكرية والبشرية كما تمكن من بث الرعب والفزع في قلوب معارضيه لإعتماده المقاربة الدموية المفرطة مما سيجعل منه العدو الصلب بجانب الجيش السوري للثورة السورية رغم الاقتتال بينهما وإختلاف توجهاتهما واهدافهما.
رغم كل الإخفــــاقات السياسية والعملياتية للجناحين السياسي والعسكري الا ان المقاتلين في الميدان يحققون إنجازات ميدانية هامة في كل من ريف حماة وريف إدلب والقلمون ومحافظتي درعا والقنيطرة وبعض مناطق الغوطة الشرقية ولكنها تبقى إنجازات ميدانية لا ترقى للمستوى العملياتي والاستراتيجي مما يقلل من اثارها الإيجابية المستقبلية على الثورة السورية.
لاتزال الثورة السورية تواجه العديد من التحديات الجسام والتي تتلخص في عدم الاهتمام الدولي والإقليمي بالشعب السوري وتخوفهم من سيطرة المتشددين الإسلاميين على الجغرافيا السورية خاصة بعد اشتداد عود تنظيم الدولة والتخوف من ان تنهج جبهة النصرة نفس النهج وتعلن عن انشاء إمارة إسلامية في ريف إدلب، يضــــاف لذلك استـــمرار الدعم الايراني اللامحدود على كافة الصـــعد والمساعدة العسكرية من حزب الله مما يعزز من مكاسب النظام العسكرية ويدعمه سياسيا، يقابل ذلك ضعف وتشرذم القيادات الســياسية والعسكرية لقوى المعارضة السورية،مما يعني استـــمرار الصـــراع لسنوات قادمة دون وجود القدرة لدى اي من الأطراف المتصارعة على تحقيق الحسم العسكري، وهذا سيقود حتما الى تدمير الدولة السورية وتحولها الى مناطق يسيطر عليها أمراء حرب، وسيكون العالم امام صومال جديد.
٭ خبير عسكري واستراتيجي

 

العبادي أيضاً من حزب “الدعوة”/ حسان حيدر
قد يعتقد البعض أن شهر العسل الأميركي– الإيراني انتهى لمجرد أن طهران تخلت عن نوري المالكي، أو وافقت قبل ذلك على تشكيل حكومة في لبنان لا تمون عليها كثيراً، أو وجهت انتقادات خجولة لطريقة إدارة بشار الأسد الحرب. لكن من المبكر بالتأكيد التوصل إلى هذا الاستنتاج، لأن العلاقة بين الدولتين أعقد بكثير ومصالحهما تتلاقى أكثر مما تتباعد، حتى لو اضطر الإيرانيون إلى بعض التراجع هنا وهناك خدمة لهدف أبعد مدى.
ولنأخذ العراق مثالاً: نجح الأميركيون والإيرانيون في تصوير أن المشكلة كلها تكمن في شخص المالكي. كان لهذا الطائفي المتعصب تأثير كبير بالفعل على طريقة إدارة الدولة وتوجيه أجهزتها للتنكيل بالطوائف الأخرى، وخصوصاً السنّة، وتثبيت الهيمنة الشيعية، لكنه في النهاية كان يطبق سياسة تستند إلى فكر «حزب الدعوة» الذي طوعته إيران الخمينية وأدخلته في عداد التابعين لـ «ولاية الفقيه» ثم أوصلته إلى الحكم ليلتزم برنامجها العراقي والإقليمي.
وهكذا، عندما تم استبداله بقيادي آخر من الحزب نفسه، رغم ما يقال عن اعتداله، بدا الأمر وكأن إيران قدمت تنازلاً كبيراً بضغط أميركي، وتراجعت عن نفوذها في العراق وعن إدارة سياساته. لكن الحقيقة هي على الأرجح غير ذلك تماماً، والعبرة في ما سيقدم عليه العبادي لاحقاً، وما إذا كان سينجح في تشكيل حكومة وحدة وطنية فعلية تشرك سائر المكونات العراقية في القرار، وتباشر تغيير السياسات التي طبقها سلفه على مدى ثماني سنوات، ولكي لا يكون التغيير مجرد تبديل في الوجوه.
فهل هذا ممكن؟ ثمة شكوك كبيرة، فالإيراني يعتمد في العراق الأسلوب نفسه الذي اعتمده السوري في لبنان عندما قرر نظام حافظ الأسد وضع اليد عليه في منتصف سبعينات القرن الماضي. تعميم فوضى الحرب الأهلية ليفرض نفسه «منقذاً». وعندما خرج الجيش السوري من بيروت مرة أولى بعد الغزو الإسرائيلي في 1982 أعاد الكرة بإطلاق العنان لحلفائه من الميليشيات المحلية لزرع الفوضى في العاصمة اللبنانية حتى صارت عودته إليها «مطلباً شعبياً».
وهذا ما فعلته وتفعله طهران في العراق بتواطؤ أميركي، فالفوضى الطائفية التي عصفت ببلاد ما بين النهرين وغذتها طهران أفضت إلى اتفاق أميركي – إيراني على تسليم الحكم إلى حلفاء إيران المقربين كشرط مسبق لوقف العنف. ثم لم يلبث أن تكشف وجه المالكي الحقيقي وبرنامجه الإقصائي، ورويداً رويداً انتقل الحكم المشترك إلى حكم شيعي صرف يلتزم التوجيهات الإيرانية محلياً وفي الإقليم.
وعندما اصطدم المالكي برفض داخلي تحول نقمة شعبية سادت المناطق السنّية واجتذبت قسماً من الشيعة، وواجه صداً إقليمياً قارب العزلة، عاود الإيرانيون تعميم الفوضى كي لا يضطروا إلى تقديم تنازل كبير، فدخل «داعش» الأراضي العراقية بعدما «تبخر» الجيش النظامي فجأة، لكن التنظيم المشبوه توقف بعيداً من بغداد، واستدار لحصار الأكراد، أعداء المالكي، بعد اجتياح الإقليم السني، وصار خطر المتطرفين المستجد أكبر من خطر المالكي الذي كان لا بد من استبداله لإثبات «المرونة» الإيرانية، لكن مع إبقاء حزبه على رأس السلطة، ودوماً بمباركة أميركية.
وبدلاً من أن يكون تعديل النظام المهمة المقبلة في العراق، صار تكليف السنّة طرد «داعش» من مناطقهم هو المهمة التي قد تنتهي بإنهاكهما معاً. أما إشراكهم في توليفة جديدة بقيادة «حزب الدعوة» إياه، فقد يكون مجرد ترتيب موقت.
الحياة
النخوة الأميركية المفاجئة حيال الأكراد أثارت تساؤلات نفط اربيل يُعيد واشنطن إلى العراق/ موناليزا فريحة
عندما أمر الرئيس الاميركي باراك أوباما بشن غارات على العراق الاسبوع الماضي، وصف تدخله بأنه “جهد انساني” لانقاذ آلاف المدنيين الذين تقطعت بهم السبل في الجبال و”حماية موظفينا الاميركيين”. الا أن هاجس النفط لم يكن غائبا عن هذه النخوة المفاجئة التي أعادت الاميركيين الى العراق بعد سنتين ونصف سنة من سحب آخر جنودهم منه.
أقامت واشنطن تحالفات سياسية في اربيل ومدت ميليشيات البشمركة بالسلاح والعتاد قبل الغزو الاميركي للعراق عام 2003 بوقت طويل.ومنذ أكثر من عشر سنين، صار اقليم كردستان العراق المنطقة الاكثر استقراراً في بلد يعيش على فوهة بركان.غير أن تقدم “الدولة الاسلامية” الاسبوع الماضي في اتجاه ضواحي اربيل غافل الميليشيات الكردية التي طالما اعتبرت قوة لا تقهر، وغيّر حسابات أوباما ودفعه الى اتخاذ القرار الصعب.
وفي حديثه الى توماس فريدمان الاسبوع الماضي، قال أوباما إن “المنطقة الكردية عملية… فيها تسامح حيال الاتنيات والمذاهب الاخرى بطريقة نتمنى رؤيتها في أماكن أخرى. لذا نعتقد أنه من المهم حماية هذا المكان”.
لا شك في أن كردستان هي واحد من الحلفاء القلائل الباقين لأميركا وحليفتها اسرائيل ايضا، في المنطقة.اقتصادها شهد ازدهارا كبيرا في السنوات الاخيرة واستقطب استثمارات من دول حول العالم. ومع ذلك، ثمة من رأى أن المبررات المعلنة لاوباما للتدخل غير كاملة، خصوصا أن كردستان ليست عقدة كبيرة في حكومة الوحدة الوطنية التي لا تزال المشروع الرئيسي للادارة الاميركية في العراق.
وكتب جون ب. جوديس في “النيو ريبابليك” أن ما لم يقله أوباما هو أن اربيل، وهي مدينة تعد نحو 5,1 ملايين نسمة، هي عاصمة حكومة إقليم كردستان، والمركز الإداري لصناعة النفط فيها، وتنتج نحو ربع النفط الذي يصدره العراق. ويدعي الأكراد أنهم إذا أرادوا أن يصيروا دولة مستقلة، فسيكون لديهم تاسع أضخم احتياط للنفط في العالم. كما أن آبار النفط قريبة من اربيل.
ولا شك في أنه إذا استولى تنظيم “الدولة الإسلامية” على أربيل سيعرض للخطر صناعة النفط العراقي وسيصير عصيا على العالم الوصول اليه، كما سترتفع أسعاره وقت لم تتجاوز أوروبا بعد تماماً مشاكل الركود العالمي.
وأوضح مستشارو أوباما للصحافيين أسباب اجازة أوباما شن غارات جوية على العراق، قائلين إن اربيل تضم القنصلية الاميركية، وإن آلاف الاميركيين يعيشون هناك، لذا تجب حماية المدينة، والا غزتها “الدولة الاسلامية” وعرضت حياة الاميركيين للخطر.
وفي معرض قراءته لاسباب تدخل اوباما في العراق، قال ستيف كول، عميد كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، إن آلاف الاميركيين ليسوا في اربيل بداعي تنشّق هواء جبلي نقي. وشرح أن “اكسون موبيل” و”شفرون” هما في عداد شركات أميركية وعالمية كثيرة، كبيرة وصغيرة، للنفط والغاز عاملة في كردستان. ومع عمالقة النفط جاء المقاولون العاديون وشركات خدمات النفط والمحاسبون وشركات البناء والنقل وصولا الى رجال الاعمال.
وأعاد “المبرر الانساني” للتدخل الاميركي الى الاذهان الذريعة التي استخدمتها واشنطن للتدخل في ليبيا، عندما قالت إنه لمنع حصول مجزرة في بنغازي. وفي حينه، كانت ليبيا سادس منتج للنفط في العالم، والمزود الرئيسي للنفط لاوروبا.
وفي معايير ستيف كول، ثمة خط صدع في منطق اوباما حيال إربيل.فلئن كان الرئيس الاميركي واضحا في أنه لا يزال مؤمناً بأنه يمكن تأليف حكومة وحدة وطنية تضم زعماء من الشيعة والاكراد والسنة الذين يعارضون “الدولة الاسلامية” في بغداد، وإن استغرق الامر بضعة أسابيع اضافية، يرى الباحث الاميركي أن مشروع حكومة جامعة قوية ما يكفي لالحاق الهزيمة بـ”الدولة الاسلامية” مع جيش وطني لا يزال حلماً بعيد المنال.
تكثر التحاليل لاسباب اخفاق العملية السياسية في بغداد منذ الغزو الاميركي عام 2003، مع حل الجيش العراقي، وعملية اجتثاث البعث التي نفّرت جزءا كبيرا من السنة، وتزايد الاحقاد المذهبية بين السنة والشيعة على خلفية سياسات الاقصاء والاستبداد التي اعتمدتها الحكومات العراقية والتدخل الايراني والفساد الذي فتك بحكومات بغداد، وخصوصاً برئاسة نوري المالكي. والى ذلك كله يزيد كول الطمع النفطي الكردي.
ويذكر أنه خلال ولاية الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، سمح الأخير لشركات النفط الاميركية بالتنقيب في كردستان وقت كان يصر على وجوب تفاوض السياسيين في اربيل على تقاسم عائدات النفط والوحدة السياسية مع بغداد.
الا أن حكام أربيل لم يتوصلوا حتى الان الى تسوية نفطية مع الحكومة الشيعية في بغداد. ومع مرور السنين كان الاكراد يزدادون غنى ويستقطبون مزيدا من الشركاء النفطيين ويتجهون أكثر فأكثر نحو اقامة دولة امر واقع. ولم تبذل ادارة اوباما جهودا كبيرة لوقف هذا التوجه، على رغم سياستها المعلنة “عراق واحد” ومصادرة شحنة نفط آتية من كردستان على متن ناقلة قبالة ساحل تكساس، بناء على طلب من الحكومة المركزية في العراق.
باختصار، يرى كول أن السياسة الاميركية في العراق هي عبارة عن مهمة قذرة تلو الاخرى.وعنده أن الدفاع عن اربيل ليس عمليا الا دفاعاً عن دولة نفطية كردية غير معلنة ذات اغراءات جيوسياسية كبيرة على المدى البعيد، بما فيها توفير مصدر غير روسي للنفط والغاز لأوروبا.
النهار
المالكي والعبّادي.. الثابت والمتغيّر في العراق/ عزمي بشارة
تطلّب الحؤول بين نوري المالكي وتكليفه بتشكيل الحكومة، بفعلٍ غير دستوري، استعادة شروط تعيينه ذاتها، ألا وهي التوافق الأميركي-الإيراني. وكان المالكي قد كُلِّف بتشكيل الحكومة الحالية بفعلٍ مماثل، حين شُكّل ائتلافٌ من حوله، واعتُبر الكتلة الأكبر، مع أن قائمته لم تكن كذلك في نتائج الانتخابات.
منذ اعترفت الولايات المتحدة داخلياً بفشل سياستها في العراق، وأدركت تعثّر أهداف احتلالها هذا البلد، بما فيها التي وُضِعَت بأثر رجعي بعد العدوان، لم تجتهد طويلاً في البحث عن القوّة التي يمكنها الاعتماد عليها، للحفاظ على استقرار العراق ككيان سياسي على الأقل. وكيف تخفى عنها هوية تلك القوّة التي راقبت، بغبطةٍ، تورّطها في هذا العدوان عام 2003، لتقدم لها العراق بدون البعث وصدام حسين؟ كانت إيران تعد نفسها للتعامل مع هذا البلد العربي كمنطقة نفوذ، بل كمجال للهيمنة المباشرة.
لقد جذّرت إيران في السّنوات الأخيرة من حكم صدام حسين نفوذها داخل القوى المعارضة العراقية التي اتخذت، بالتدريج، صبغة طائفية. كما نجحت في فترة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق في مدِّ نفوذها إلى مؤسسات الدّولة العراقيّة، عبر الأحزاب والتجمعات التي يمكن اعتبارها شيعيّة سياسيّة، بالمعنيين الطائفي والمذهبي.
في نظر أميركا، كانت هذه القوّة الرئيسة التي لا يمكن تجاهلها عند وضع الترتيبات لعراق ما بعد الانسحاب على شكل نظام حزبي تعدّدي، تُشكّل فيه هذه الأحزاب أكثريّة طائفيّة. وهي لم تعرِ خطورة تطابق ما اعتبرته أكثريّة طائفيةً مع الأكثرية الديمقراطية حتى التفاتةً. لقد أعدّت الولايات المتحدة مساراتٍ لتطوّر العراق على أسس طائفية، وذلك من دون توفّر تقاليد طائفية سياسية، وتوافق طائفي، أو ما يسمى خطأً ديمقراطية توافقية.
هكذا انقسم سكان العراق العرب إلى طوائف، من دون نظام توافقٍ طائفيٍّ من جهة، فيما اعتُرف فيه بقوميّة واحدة، هي القوميّة الكرديّة من جهة أخرى. وسمح هذا الوضع بائتلافات وتحالفاتٍ أقصت العرب السنّة. وبلغت السياسة الطائفية حد الانتقام المشوب بالمرارة والثأرية السياسية التي لم تشف غليلها، بعد تصفية نظام البعث وتفكيك الجيش العراقي. والحديث، هنا، عن إقصاء حتى أولئك الذين شاركوا في ما تسمى “العملية السياسية”، أما من عارضوها فكان نصيبهم القمع، مع تعريض أبرياء كثيرين للعقوبة.
وبغضّ النّظر عن الصراعات على كعكة السلطة ومغانمها، والتوازنات داخل التجمعات السياسية الشيعية، ومناورات إيران بين قواها المختلفة التي تتمتع بدرجاتٍ متفاوتة من الاستقلاليّة عن إيران، أو ترتبط بها بدرجات متفاوتة من التبعيّة، ظل التقاطع بين الإرادتين، الإيرانيّة والأميركيّة، العامل الحاسم في إقرار شخص رئيس الحكومة وغيره من المناصب السيادية.
لقد أصاب تخلي الولايات المتحدة عن إياد علّاوي، المرشّح العلماني المُعلن والمقرب منها، والذي دعمته غالبيّة أصوات السنّة، رغم كونه شيعيًّا، كثيرين بالدهشة. فقد اختارت أن تدعم تكليف المالكي بتشكيلها، لأنّه المرشّح الذي دعمته إيران بعد الانتخابات قبل الأخيرة. كان ذلك مفاجئاً حتى لمن يعرف تفاصيل سياسة تلك الأيام، بما في ذلك علاوي نفسه. وتحوّل هذا الاتفاق الإيراني-الأميركي إلى عامل ضغط أساسي على النظام السوري، ليغيّر موقفه، بعد أن كان قد اتفق مع تركيا وقطر على دعم إياد علاوي. لم يمنعه من ذلك سيل الاتهامات التي كالها له المالكي بدعم الإرهاب في العراق. وكانت الرغبة الأميركية، في حينه، أكثر أهمية للنظام السوري من الرغبة الإيرانية، وذلك عشية عودة السفير الأميركي إلى سورية.
كان اللقاء الأميركي-الإيراني العامل الأقوى في تحديد تحالفات الأغلبيّة داخل البرلمان العراقي، وتسمية رئيس الحكومة، وإن لم يكن من القائمة البرلمانيّة الأكبر. ولهذا الغرض، أقرت المحكمة الدستورية مبدأ الكتلة الأكبر، وليس الحزب، أو القائمة البرلمانية، الأكبر.
ولم يكن فشل المالكي في تحقيق وحدة العراق، وتنفيره حتى من يسمون المعتدلين السنّة، بمن فيهم الذين شكلوا الصحوات العشائرية، وطردوا تنظيم القاعدة من محافظاتهم، باتباعه سياسة طائفيّة كريهة وحاقدة وانتقاميّة، كافياً لاتخاذ قرار حاسم بضرورة تغييره.
لقد أصبح اسم المالكي، بحد ذاته، رمزًا لنفور العرب السنّة من تهميشهم في ما تسمى العمليّة السياسيّة. وعلى الرغم مما وقع من إعدامٍ بالجملة، وتعذيبٍ في السجون، وتعنّت المالكي واختياره العنف ضد الاعتصامات السلميّة، والرد على ذلك بتمرّد العشائر في الفلوجة، واقتحامه الأنبار وفشله عسكرياً، وفيض مآثره الأخرى، لم تتحرك أميركا وإيران لترشيح اسم آخر، لولا نشوء خطرٍ جديدٍ، هو خطر تمدّد داعش في المناطق الغربيّة والشماليّة من العراق. وحده هذا المتغير كان كافياً، لإنتاج تفاهمٍ جديدٍ بين الولايات المتحدة وإيران. فقد اتضح أن تجنّد الشعب العراقي ذاته ضد داعش غير ممكن بوجود المالكي، وكذلك التدخل الأجنبي في العراق، إذ سوف يفسر نصرةَ طائفةٍ ضد أخرى، إذا لم يسبقه تشكيل حكومة واسعة.
لم تتغير بنية النّظام في العراق، ولا تبدّلت علاقات القوى السائدة فيه، ولا عُدّلت مسارات تطوّره الطائفيّة. لقد تغيّر الشخص، كما تعدّل المزاج السياسي قليلاً، بسبب الاستنتاجات من تجربة المالكي المريرة والفاشلة في آن معاً، والأهم من ذلك، ربما تراجع حدة الغرور الأمني، وتجوف التبجح الذي ميّز المالكي، بعد فضيحة الجيش العراقي في نينوى، وقبل ذلك في الأنبار. ومن هنا، رهان الولايات المتحدة على أن يتّبع رئيس الحكومة الجديد، حيدر العبادي، سياسةً أكثر انفتاحاً، وللدقة، أكثر قدرة على احتواء العرب السنّة في الحكومة وأجهزة الأمن والجيش وغيرها.
ما زالت الدول العربيّة غائبةً عن أن تشكل عاملا معتبرا في الحياة السياسيّة الداخلية في العراق، في مقابل هذا التقاطع الإيراني-الأميركي، وما زال التيار السياسي المواطني العراقي الذي يدمج بين العرب الشيعة والسنّة في مواطنةٍ عراقيّة واحدة غائبا. ومن هنا، فإن البنية السياسيّة الاجتماعيّة العراقيّة ما زالت هي ذاتها. إنها تقوم على النفوذ الإيراني والتوافق مع أميركا، والاستقلال الكردي كحقيقة واقعة ضمن انتماء شكلي للعراق، ومحاولة احتواء ما تبقى (العرب السنّة) في ظل هيمنة بنيةٍ طائفيةٍ مستندةٍ إلى النفوذ الأجنبي. وهي معرّضة لمخاطر وأزماتٍ شبيهةٍ في المستقبل.
أما الانتقال من الهيمنة الطائفية إلى التوافق الطائفي، فلا يبدو لي أن إيران جاهزة لقبوله، أو أن الولايات المتحدة قادرة على فرضه، حتى بعد التطهير الطائفي وخطر التقسيم. هذه الطائفية المعطوفة على التدخل الخارجي هي التي تمنع نشوء قوى وطنية، تدفع البنية السياسية العراقية باتجاه السيادة الوطنية والديمقراطية القائمة على المواطنة، ويبدو لي أنهما في العراق صنوان.
العربي الجديد
الثعلب الذي أصبح ذئباً/ أمجد ناصر
بدا نوري المالكي، في مستهل عهده، “عربياً”، كيف لا، وهو القادم من دمشق “قلب العروبة النابض”. بدا أليف المظهر. يمكن تخيله، بسهولة، موظفاً عمومياً بسيطاً حاملاً بطيخةً، وهو عائد إلى البيت (لو كان مصرياً، بالطبع)، أو خارجاً من الجامع وبيده مسبحة. بدا أقلّ طائفية من آخرين قادمين من موقعة “النهروان” مباشرة. بدا أميركيّاً، يمكن لواشنطن أن تعتمده وتعوّل عليه، وبالمقدار نفسه بدا إيرانيّاً، إذ بوسع طهران أن ترى فيه رجلها في بغداد.
وماذا بدا بعد؟
بدا معادياً، حتى العظم، لبشار الأسد، حتى إنه طلب من مجلس الأمن، ذات يوم دموي في بغداد، أن يدرج اسم الأسد الصغير في سجل الجرائم الدولية. أراد له محكمة دولية على غرار محكمة مقتل الحريري. قال إنه لن يقبل بأقل من ذلك، بعدما تمادى بشار في إرسال فرق الانتحاريين إلى بغداد الذين لم يسمّوا بعد: داعش! ولكن، بعدما تمكَّن بائع السجاد في أسواق دمشق الشعبية (ثمة من يقول إنه كان يبيع المسابح) من كرسِّيه في رئاسة الوزراء، حتى راحت طباع بائع السجاد (أو المسابح) تتضح. فبدا رجل مساومةٍ من الطراز الأول. يرى الفرص وهي تتكوّن في الجوّ. يعرف متى تنضج، ثم يقطفها، تاركا حلفاءه الخصوم وراءه، يحارون كيف يصنّفون أديب المالكي، (اسمه الحركي أيام النضال ضد صدام حسين) وبعقلية بائع السجاد (أو المسابح) تماهى بطباع الثعلب، وراحا يتداخلان: المساومة. المراوغة. التضليل. الإيحاء بأن الهدف في الشرق في حين يكون في الغرب. تعجَّب كثيرون، خصوصاً بعدما فاز بالولاية الثانية، كيف أمكن لرجلٍ ليس لديه خلفية حكومية، ولم يكن شخصية سياسية بارزة في المعارضة الشيعية العراقية، أن يجعل من نفسه ضرورةً لا بدَّ منها للطرفين الحاكمين في العراق: واشنطن وطهران. وكيف أمكنه أن يصير نقطة تقاطع مصالح، لازمة، للطرفين. فأمسى هو، لا صدام حسين، الرجل الضرورة!
ولعلها من المرات النادرة التي يغدو فيها رجل سياسة ضرورة لأطرافٍ متباعدة، إن لم تكن متصارعة. فالأميركيون يريدونه كي يهربوا من العراق، تاركين الجمل بما حمل، والإيرانيون يريدونه كي يبسطوا يدهم على القرار العراقي، و”البيت الشيعي” مضطر له، لأنه لا يملك شخصيةً يمكن الاتفاق عليها، وربما بدا خياراً معقولاً للسنة الذين أوهمهم بحسن جواره للعروبة، أما الأكراد فمشى معهم خطواتٍ في اتجاه مطالبهم اللامركزية.
لكنَّ الثعلب انقلب، بعدما دانت له أطرافٌ لم تدن لأحد من قبل، إلى ذئبٍ فراح يفتكُ، بكل من تسوّل له نفسه، الاقتراب من مقر رئاسة الوزراء في المنطقة الخضراء، بل بكل من يحتج على تمركز السلطات في يده: سياسةً وأمناً وعسكراً ومالاً ونفطاً وإعلاماً ومافيات، ومليشيات تسلَّط على الحلفاء قبل الأعداء، إن لزم الأمر. وقد لزم الأمر، وقامت هذه المليشيات بأعمال قتل وسطو وترويع وتفجير وخلط للأوراق في الوسطين العربيين: الشيعي والسني.
نسي المالكي، وهو يحوّل نفسه إلى ديكتاتور ركيك، أن لا شيء يبقى على حاله. أنَّ يوماً سيأتي لن يكون فيه موضع “ضرورة” للاعبين الأساسين في المعادلة العراقية، وأنَّ رصيده الوحيد الذي يمكن أن يواجه به أية قوة خارجية هو إنجازاته الداخلية. فأية انجازات حققها المالكي: إنفاق مليارات الدولارات على جيش طائفي خلع ثيابه في أول مواجهة ضد مليشيا “داعش”. بلد على شفير التفكك الجغرافي. جراح طائفية وإثنية غائرة في جسد بلاده، فقر وجوع في أغنى بلد عربي، الجوع الذي قصده السياب: أي الحرفي.
***
وأنهي، أخيراً، بهذه الطرفة التي تتداولها مواقع عراقية وعربية، معطوفةً على المالكي وطبع الثعلب فيه:
يحكى أنَّ ثعلباً رأى غراباً فوق شجرةٍ، وفي فمه قطعة جبن، فقال له: ما أجمل صوتك أيها الغراب العزيز، لماذا لا تغرّد لنا؟ فوضع الغراب قطعة الجبن تحت جناحه، وقال: تظنني الغراب الذي في كتاب القراءة؟ فقال الثعلب: كلا، وأنا، أيضاً، لست، الثعلب الذي في كتاب القراءة. فقال الغراب: من أنت إذن؟ فردَّ: أنا ثعلبٌ يحبُّ الغناء والطرب ومن متابعي “أرب آيدول”! دعنا نغني ونزجي الوقت. فغنّى الغراب، ورقص الثعلب على غنائه، وصفَّق له، فاشتدّت حماسة الغراب وشاشَ، فقال له الثعلب: لماذا لا تصفّق لرقصي، ألا يعجبك؟ فقال الغراب: بلى، ومن فوره راح يصفَّق، فوقعت قطعة الجبن، والتقطها الثعلب الذي قال للغراب ضاحكاً:
أنا هو الثعلب الذي في كتاب القراءة، لكن المنهاج تغيّر!
العربي الجديد

 

هكذا طويت صفحة المالكي أميركياً/ أسامة أبو ارشيد
ضيقت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، رويداً رويداً، حبل المشنقة حول رقبة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، منذ شهر يونيو/حزيران الماضي وصولاً إلى النقطة التي أرادتها، والمتمثلة في التخلص من المالكي، واستبداله بشخصية أخرى أقل استقطاباً في واقع الحياة السياسية العراقية.
وجدت إدارة أوباما، التي تعتبر أن أحد أبرز إنجازاتها في مجال السياسة الخارجية، يتمثّل في إخراج القوات الأميركية من “وحل” العراق أواخر عام 2011، نفسها تنجرّ، من حيث لم ترد، إلى ذلك “الوحل” من جديد، وذلك حين سيطرت قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على مدينة الموصل ومناطق أخرى.
وتفاجأت الإدارة الأميركية بانهيار الجيش العراقي المدرب والمسلح أميركياً، وهو ما سمح لـ”داعش”، الذي ترى فيها واشنطن خطراً محدقاً بأمنها ومصالحها، بالسيطرة على إقليم يمتد على جانبي الحدود العراقية ــ السورية، بما في ذلك آبار نفط وأموال. ويضاف إلى ذلك أسلحة أميركية غنمها التنظيم من القوات العراقية الفارة من وجهه.
لكن إدارة أوباما، الواقعة تحت انتقادات شرسة من خصومها الداخليين، ومن حلفائها الخارجيين، الذين يتهمونها بالتردد وافتقاد المبادرة والزعامة في السياسة الخارجية، وخصوصاً في سورية وأوكرانيا، جادلت، منذ البداية، بأن الحل في العراق لا يمكن أن يكون عسكرياً وحسب، بل إنه لا بد أن يكون سياسياً بالدرجة الأولى، معززاً بإسناد عسكري أميركي.
معضلة تسلّط المالكي
عبثاً، حاولت إدارة أوباما، منذ انسحابها من العراق أواخر عام 2011، إقناع المالكي بأن صيغة الحكم الإقصائية والتسلطية التي كان يتبعها مع السنة والأكراد غير قابلة للاستمرار، لكن المالكي، المنتشي حينها بالانسحاب الأميركي، والدعم الإيراني للتحالف الشيعي الذي يقوده، رفض التدخلات الأميركية. ومضى أكثر فأكثر في إقصاء السنة والأكراد وتهميشهم، ثمّ لم يلبث أن بدأ في إقصاء وتهميش مكونات تحالفه الشيعي نفسه، وهو ما أثار حالة من السخط الواسع ضد الرجل وسياساته المتسلطة.
وجاء التقدم المفاجئ للمسلحين، مطلع شهر يونيو/حزيران الماضي، وتزايد مخاطر زحفهم نحو بغداد والسيطرة عليها، ليغير الحسابات الأميركية.
ووجدت إدارة أوباما، التي كانت تقاوم أي انجرار نحو التورط في العراق مجدداً، نفسها في وضع حرج، لا يسمح لها بالتغاضي عن تعزيز قبضة “داعش” على كثير من الأرض العراقية، واتساع رقعة تمدد التنظيم.
وضاعف من الضغوط على إدارة أوباما، اتهام الجمهوريين لها بأنها تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الفوضى في العراق. ووفقاً لمنطق هؤلاء، فإنه لو لم تسحب إدارة أوباما القوات الأميركية بشكل كلي، أواخر عام 2011، بعد فشلها في إقناع حكومة المالكي إبقاء قوة أميركية قوامها بضعة آلاف جندي، ولو لم يتردد أوباما في التدخل في سورية ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، عبر دعم “الثوار المعتدلين”، لما كان تنظيم “الدولة الإسلامية” حقق هذه الإنجازات في كل من سورية والعراق، مستفيداً من الفراغ والفوضى في البلدين.
يضاف إلى ذلك، أن منتقدي إدارة أوباما، أميركياً، ومن حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، حمّلوها جزءاً كبيراً من المسؤولية عن تسلّط المالكي، وتهميشه لخصومه السياسيين، جراء ضعف الضغط الأميركي عليه.
ومرة أخرى، كان أوباما يريد أن يبتعد بأي ثمن عن العراق والتورط فيه، وراهن على قوة الجيش العراقي، المدرب والمسلّح أميركياً، في مواجهة تحديات تنظيم “القاعدة” والتيارات الأخرى المنبثقة منه، غير أن ذلك كله فشل في المحصلة.
في المقابل، وجد المالكي نفسه مكشوفاً أمام الإنجازات والانتصارات التي حققها “داعش” على الأرض في مواجهة قواته. وبدا واضحاً، أن سنوات من تهميش السنة العرب تحديداً، وقمعهم واستهدافهم، خلقت بيئة مواتية في صفوفهم لتقبل تنظيم “داعش” على حساب النظام الطائفي الذي أرساه المالكي، والجيش الذي يقوم برعايته.
وهكذا، فإن المالكي، الذي أغلق سبل إبقاء أي قوة أميركية على الأرض العراقية أواخر عام 2011، بتعطيله منح الحصانة القضائية لتلك القوة، وجد نفسه يتوسل، هذه المرة، دعماً عسكرياً أميركياً لمواجهة زحف “داعش” والعشائر، وأتبع ذلك بمنحها الحصانة القضائية التي أعاقها قبل سنوات فقط.
غير أن تحرك المالكي جاء متأخراً، فالمسألة أكبر من مجرد توفر دعم عسكري أميركي، سواء جوي أم بري، بقدر ما أنها كانت متعلقة بأسلوب حكمه التسلطي الإقصائي. وهو الأمر الذي عادت الولايات المتحدة إلى التركيز عليه مجدداً، رابطة أي إسناد عسكري، ذي معنى، للمالكي، بتشكيل حكومة تشاركية وفاقية، لا تقصي أحداً، وخصوصاً من السنة والأكراد.
تضييق الخناق
وبهذا، تمثل النهج الذي اتبعه أوباما، مع التحدي القادم من العراق هذه المرة في تضييق الخناق على المالكي، بهدف تغيير سلوكه على الأرض.
وضمن هذا السياق، اكتفى أوباما، في شهر يونيو/حزيران الماضي، بإرسال 300 مستشار عسكري أميركي (رُفع عددهم إلى 600 الآن موزعين بين بغداد وأربيل)، لتنسيق العمليات العسكرية للقوات العراقية على الأرض ضد المسلّحين. كما أنه أمر بقيام طائرات أميركية من دون طيار وطائرات أميركية مقاتلة (أف ـ 18) بإجراء عشرات الطلعات الجوية في الأجواء العراقية، في مهمة حدد هدفها، بجمع المعلومات الاستخبارية وحماية العناصر الأميركية على الأرض.
لكن أوباما لم يأمر بأي هجمات تشنها هذه الطائرات على مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” إلا صباح يوم الجمعة 8 أغسطس/آب الحالي،، أي بعد شهرين تقريباً من اجتياح “داعش” للموصل، ومدن وبلدات أخرى في شمال وغرب العراق، وذلك بعد بدئه الزحف نحو الإقليم الكردي، وتهديد عاصمة كردستان العراق، أربيل، وما قيل عن تهديده للأقليات المسيحية والأيزيدية.
وكان الهدف من تأخير التدخل العسكري الأميركي في البداية، الضغط على المالكي من أجل القبول بصيغة حكم تشاركية واسعة، أو الخروج من المشهد السياسي كلياً، واستبداله بشخصية أخرى أقل استقطاباً من داخل الائتلاف الشيعي الحاكم.
وعبر وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، عن ذلك، بقوله إن “ما يجري في العراق مسؤولية عراقية ينبغي على العراقيين أنفسهم حلها”، في إشارة إلى الانسداد السياسي في البلاد.
فمنذ أن جرت الانتخابات البرلمانية، في شهر أبريل/نيسان الماضي، ورغم حصول التحالف الوطني الشيعي، والذي تشكل كتلة ائتلاف “القانون” التي يقودها المالكي، أكبر مكوناته، إلا أن الأخير لم يتمكن من من تشكيل حكومة، سواء ضيقة أو واسعة، وذلك بسبب رفض السنة والأكراد العمل معه، بسبب سياساته الإقصائية، فضلاً عن رفض عدد من مكونات التحالف الشيعي نفسه لشخص المالكي.
وما عزز القناعة الأميركية بأن على المالكي أن يرحل لمعالجة جذور الأزمة، هي الحقيقة القائلة بأن القاعدة الأوسع للمقاتلين السنة ضد قواته ليسوا من “داعش”، بل هم من مقاتلي العشائر التي سئمت سياسات المالكي الطائفية والإقصائية.
بل إن كثيراً من ثوار العشائر اليوم، كانوا هم أنفسهم، من مقاتلي “الصحوات” الذين ساعدوا الولايات المتحدة على هزيمة تنظيم “القاعدة” عام 2006-2007، ورفض المالكي إدماجهم فيما بعد في الجيش وقوات الأمن العراقية.
وبالتالي، فإن تدخل الولايات المتحدة عسكرياً لصالح حكومة المالكي من دون تغيير سلوكه على الأرض، على الأقل، كان سيبدو وقوفاً أميركياً مع الشيعة وإيران ضد السنة وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخصوصاً السعودية، المستاءة من حكومة المالكي وراعيه الإيراني.
في هذا السياق، أعلن أوباما في مقابلة له مع صحيفة “نيويورك تايمز”، قبل أيام، أنه “لن يقبل بأن تتحول المقاتلات الأميركية إلى سلاح جو للحكومة الشيعية”. وشدّد على ضرورة أن تفهم “إيران بأن السعي للسيطرة المطلقة على العراق، عبر حلفها الشيعي ستكون له نتائج وارتدادات عكسية”.
طي الصفحة
ونتيجة لذلك، عطّلت إدارة أوباما استخدام القوة الجوية الأميركية ضد “داعش”، إلى حين اقتناع المالكي بأن وقته قد انتهى، إلا أن زحف مقاتلي “داعش”، قبل أيام، باتجاه الإقليم الكردي، وإلحاقهم الهزيمة بقوات “البشمركة” الكردية، فضلاً عن موجة النزوح الإنساني للمسيحين والأيزيديين العراقيين، دفع أوباما إلى التدخل العسكري جواً. ولكنه تدخل، جاء مرة أخرى، تدخلاً محدوداً، وذلك حتى لا يُخفف الضغط على المالكي.
وتدخلت إدارة أوباما، أولاً، لحماية القوات الأميركية المتواجدة في أربيل، وثانياً، لمنع وقوع “إبادة”، بحق اللاجئين المسيحيين والأيزيديين العراقيين العالقين في جبل سنجار، وثالثاً، حماية للحليف الأميركي الوثيق، المتمثل في أكراد العراق.
ورغم أن الإدارة قدمت شحنات أسلحة محدودة، إلى الأكراد، لتعزيز قدرتهم على التصدي لتنظيم “داعش”، ورغم أنها أيضاً شنّت بعض الهجمات الجوية المحددة على مقاتلي “داعش” المتقدمين نحو إقليم كردستان، إلا أنها لم توسع من نطاق ضرباتها للتنظيم في الموصل والمناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وذلك لإرغام المالكي، على الرحيل هذه المرة.
ودفع إصرار المالكي، وتشبثه بولاية ثالثة، بذريعة أنه رئيس أكبر حزب سياسي في الانتخابات الأخيرة، الأطراف الداخلية والخارجية لزيادة الضغوط عليه، وفرض مزيد من العزلة ضده، الأمر الذي شجّع خصومه من داخل التحالف الوطني الشيعي، ومن السنة والأكراد أيضاً، على ترشيح، حيدر العبادي، كبديل له من داخل حزبه نفسه.
صحيح أن المالكي، لا يزال يصرّ على أنه رئيس الوزراء الشرعي، وصحيح أن قوات موالية له قد نزلت إلى شوارع بغداد في استعراض للقوة، غير أن الصحيح أيضاً، أن ورقة المالكي، قد طويت أميركياً، ويبدو كذلك إيرانياً.
وتبدو مصلحة الجميع الآن بأن يكون هناك رئيس وزراء توافقي قادر على تشكيل حكومة موسعة لا تقصي أحداً، وذلك إن أريد للعراق أن يبقى وحدة جغرافية واحدة، كما نعرفه اليوم.
ومن الزاوية الأميركية، سيعزز ذلك فرص هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، قبل أن يتحول إلى تهديد إقليمي أكبر من العراق.
كما أن في خروج المالكي من الحكم اليوم، ضمن القراءة الإيرانية، ما شأنه أن يبقي على النفوذ الشيعي في العراق، كما تريد إيران، عبر حلفائها من الشيعة، ولكن عبر شخصية أقل استقطاباً من المالكي.
نهاية المالكي درس للأسد والمنطقة/ طارق الحميد
رغم كل محاولات نوري المالكي للتمسك بالسلطة، وحتى كتابة هذا المقال، فإن الأكيد هو أن المالكي قد انتهى، وكل ما يفعله الآن لا يعدو أن يكون إلا محاولات لتحسين شروط نهاية الخدمة بعد أن طردته كل المكونات العراقية من السلطة، وتخلى عنه أقرب الحلفاء، وفي هذا الأمر درس لبشار الأسد، وللمؤثرين في المنطقة.
اللافت في العراق هو تسارع القوى الإقليمية، السعودية وإيران، إلى تهنئة القيادة العراقية الجديدة، الرئيس ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء، ورغم وجود المالكي بالسلطة، مما يعني إقرار الرياض وطهران أن اللعبة قد انتهت مع المالكي، وحان وقت التغيير. هنأت السعودية بالتغيير من باب الذكاء السياسي، وفتح صفحة جديدة مع عراق ما بعد المالكي، بينما هنأت إيران، من باب تجرع السم، واستدراك ما يمكن استدراكه، خصوصا أن المالكي رجلها في العراق، وتحت تخطيط وتدبير الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ورأينا كيف هاجم المالكي واشنطن بسبب مباركتها لخلفه، بينما لم ينطق بكلمة حيال الموقف الإيراني الذي بارك استبداله، والأرجح أن المالكي سيغادر السلطة بعد مباركة المرشد الأعلى الإيراني لتعيين رئيس وزراء عراقي جديد بالأمس.
والسؤال الآن: كيف اتفقتا السعودية وإيران على أهمية التغيير في العراق؟ وما هو الدرس من ذلك؟ الإجابة بكل بساطة هي أن الوقائع على الأرض، التي أدت إلى تنافر، وتناحر، المكونات العراقية، ثم إجماعها على رفض المالكي الذي هدد وجود الكيان العراقي بسياساته الفاشلة، كل ذلك أدى إلى أن تتجرع إيران كأس السم مرة أخرى في العراق، وتتنازل عن حليفها المالكي. بالنسبة للسعوديين فإن همهم الرئيس هو عودة العراق إلى حاضنته العربية، ويكون دولة مستقلة تحمي كل مكوناتها، وكل ما فعله السعوديون تجاه العراق هو أنهم انتظروا على ضفاف النهر ورأوا جثث أعدائهم تمر من أمامهم، كما يقول المثل، وها هي إيران تتخلى عن المالكي، وبعد أن استثمرت فيه مطولا!
حسنا، ما علاقة الأسد بذلك؟ الوحيد الذي عليه أن يقلق اليوم في المنطقة هو الأسد فمثلما تخلت إيران عن المالكي فقد تتخلى عنه، فالمصالح الإيرانية أهم من الأشخاص، وقد تفعلها إيران ولو ببديل «مقبول» عن الأسد، لكن هذا يعني أن على المؤثرين في المنطقة، وأولهم السعودية، أن يدركوا حقيقة مهمة وهي ضرورة إحداث فارق على الأرض في سوريا.. صحيح أن «داعش» سرعت بالتدخل الأميركي الحالي في العراق، لكن القصة ليست كلها «داعش»، بل هناك العشائر السنية، والأكراد، وحتى الشيعة، وهذا يعني أنه لا بد من جولة جديدة في المشهد السوري سياسيا، وعسكريا، لإحداث فارق، ولا يهم تدخل حزب الله أو إيران هناك حيث لم تستطع إيران، وميليشياتها الشيعية بقيادة قاسم سليماني حماية المالكي.
هذا هو الدرس، ومن المهم استيعابه، والتحرك لإسقاط الأسد الذي حاول المالكي مرارا حمايته، وها هو يغادر قبله، وبمباركة إيرانية.
الشرق الأوسط
الجنرال قاسم سليماني/ حـازم الأميـن
تخلّى الإيرانيون في خطوة “حكيمة” عن نوري المالكي في العراق، وقبل ذلك كانوا تخلّوا عن حكومة نجيب ميقاتي في لبنان.
قضية عرسال تمّت معالجتها على نحو مختلف عمّا عولجت به قضية مسجد عبرا. عاد سعد الحريري إلى بيروت. جميعها مؤشرات حاسمة إلى أن طهران بصدد إجراء تعديل جوهري على شكل إدارتها الملفات الإقليمية التي بيدها.
ثمة فشل كبير في هذه الإدارة. الموصل كانت ذروته، لكن لبنان أيضاً كان مسرحاً لهذا الفشل. فقد أُرسلت القوات إلى القلمون لإنشاء حزام أمان حول دمشق، فتهجر أهل القلمون إلى لبنان، وأضيفوا إلى كتلة ديموغرافية معادية لـ”حزب الله”. النصر في القلمون لم يكتمل ذاك أن حرب عصابات باشرتها فصائل تكفيرية وأخرى سورية هناك، كشفت هشاشة “الإنجاز”، ومما ضاعف من الانهيار انتقال المقاتلين السوريين إلى لبنان بعد أن طُردوا من قصبات القلمون، خصوصاً القصير ويبرود.
ويبدو أن الجنرال قاسم سليماني يقف وراء الفشلين الإيرانيين في العراق وفي لبنان. فالرجل هو من كان وراء سياسة المالكي الإقصائية.
الجميع في العراق، سنّة وشيعة كان يقول، إن سياسات إقصاء واستهداف السنّة هي خدمة مجانية لـ”القاعدة”، وحده قاسم سليماني كان يدفع بالمالكي إلى مزيد الإقصاء. طُرد الزعماء السنّة واستهدفت المدن ولم يتعظ المالكي. فسقط الجيش العراقي في يوم واحد، و”داعش” التي لم تولد في ذلك اليوم، تحولت دولة تفوق مساحة الأرض التي تسيطر عليها في العراق وفي سورية مساحة بريطانيا.
في لبنان لطالما نُصح “حزب الله” ومن ورائه الجنرال سليماني بأن سعد الحريري هو خير شريك في ظل صعود الراديكالية السنّية في المنطقة كلها. ومنذ عام 2006 لم يفوّت “حزب الله” فرصة إلا واستهدف بها الحريري. بدءاً بـ7 أيار ومروراً بالقمصان السود ووصولاً إلى مسجد عبرا. أطيح الحريري وجيء بحكومة “حزب الله” وحلفائه. فكانت النتيجة صفراً من المكاسب، ومزيداً من الراديكالية السنّية.
ومثلما جرى في العراق عبر إطاحة المالكي، كان جرى في بيروت أن تم التراجع عن الميل الإقصائي، فشكلت حكومة برئاسة ومشاركة “المستقبل”، وها هو سعد الحريري قد عاد إلى بيروت.
ثمة من يقول إننا نشهد بداية تراجع في النفوذ الايراني في المنطقة كلها. قد يكون هذا استنتاج سابق لأوانه، لا سيما أن لا قوة إقليمية مؤهلة للاستثمار في الانتكاسة الإيرانية، وأن الأميركيين مستمرون في انكفاءتهم، لكن الأكيد أن طهران تُجري مراجعة قد تفضي إلى التضحية بسليماني بعد الفشل الحاسم في العراق، والنسبي في لبنان، والمتوقع في سورية.
الاعتقاد أنه في إمكان أحد القفز فوق العامل الديموغرافي في ظل الانقسام المذهبي الحاد هو ضرب من الانتحار. في لبنان اليوم نحو ثلاثة ملايين سنّي (لبناني وسوري وفلسطيني). هؤلاء سنّة قبل أن يكونوا أي شيء آخر في ظل ارتفاع منسوب الاحتقان المذهبي. لا أحد إلا السنّة يمكنه أن ينتصر على “داعش”. قفز “حزب الله” في السنوات الأخيرة فوق هذا الاعتبار الواقعي. المالكي أيضاً هو اليوم ضحية قفزة من هذا النوع. فهل نحن أمام مُراجعة؟
موقع لبنان ناو
“داعش» تحوّل إلى محرّك لإنعاش الاعتدال السني/ راغدة درغام
قد يشكّل حدث العراق هذا الأسبوع مدخلاً إلى مقاربة جديدة في العلاقة السعودية الإيرانية بعد إزالة عقدة نوري المالكي والتوافق على تسلم حيدر العبادي رئاسة الحكومة لتشكيل حكومة وفاق غير إقصائية في العراق. هذه خطوة مهمة مبشّرة باحتمال أن يكون حدث العراق بوابة التفاهمات الأوسع عراقياً، وأن تكون الساحة العراقية بوابة التفاهمات الإقليمية، السعودية- الإيرانية تحديداً. هذه خطوة وليست استراتيجية متكاملة لقلب موازين العلاقة الثنائية، فالطريق طويل، والثقة لم تولد فجأة من بطن العراق بمجرد إزالة عقدة المالكي أو الالتقاء على مكافحة «داعش» وإرهابه. الأمل بألا يكون الحدث العراقي خلال الأسابيع القليلة الماضية، من «داعشه» إلى «مالكيته»، جزءاً من خطوات تكتيكية لطرف ما أو لمجموعة أطراف، ذلك أن التكتيك ليس أبداً استراتيجية، وهو أحياناً يتعمد التضليل بمفاجأة موقتة فيما تمضي الاستعدادات لإحياء الاستراتيجية الأصلية. الأمل بأن يوصل الحدث العراقي إلى عتبة جديدة للعراق نفسه كي يخرج من عهدة هذا وقبضة ذاك ويسير نحو الفيديرالية الصحية، وليس بالضرورة نحو الكونفيديرالية بمفهومها التقسيمي. هناك مؤشرات على احتمال تمكّن الحدث العراقي من إحداث تغيير إيجابي في التفاهمات الإقليمية والدولية لأسباب متنوعة ومتعددة. وحتى الآن، موقتاً كان أو مبشّراً على ديمومته، يتسلق الاعتدال إلى مكانة جديدة بعدما كانت داسته التيارات والتنظيمات والأنظمة المتطرفة بعونٍ خارجي، لا سيما من الولايات المتحدة، باحتضان بعض قطاعاتها لكل من الثيوقراطية الشيعية في إيران و «الإخوان المسلمين» بمشروعهم الثيوقراطي للسنّة انطلاقاً من مصر.
كَثُرَ الانبهار بـ «داعش» والانصباب عليه منذ بضعة أشهر، لا سيما عندما ظهر «داعش» بزخم المفاجأة وتقهقر الجيش العراقي أمامه بمفاجأة مدهشة ما زالت مجهولة المعالِم والخلفية والمنطق. النظريات عديدة ومتضاربة حول هوية «داعش» ومَن وراءه. إحدى النظريات تعتبره خليطاً جهنمياً لمجموعة من الاستخبارات في دول متعددة، شرق أوسطية وغربية وشرقية. نظرية أخرى تراه أداة إيرانية لتعميم الفوضى كجزء من استراتيجية الاحتياج إلى سيطرة إيرانية على العراق لضبط الوضع فيه وردع التطرف الإرهابي عنه. وهناك بالتأكيد النظرية التي تعتبر «داعش» من صنع السلفية السنّية بهدف المواجهة مع إيران وحلفائها بلغة «النار بالنار» في العراق وفي سورية وفي لبنان.
«داعش» في رأي البعض يشبه «راجح» في مسرحية فيروز، أي الشخصية الوهمية التي تنتجها مخيّلة كل من يُرتعب بها لتصبح واقعه، لكن الواقع الذي يخلّفه «داعش» وراءه بفظائعه وعنفه القاطع وإرهابه الصريح يجعل منه حقيقة وليس وهماً.
النقاش يحتد حول ما إذا كان «داعش» ظاهرة عابرة، بمعنى أنه ببطشه الفظيع لن يتمكن من الدوام والبقاء لأنه يفتقد البيئة الحاضنة على المدى البعيد. أو أنه حصيلة بيئة حاضنة له أساساً في العراق وسورية ولبنان في إطار مواجهة البطش بالبطش، القتل بالقتل، التطرف بالتطرف، والاستقواء باستقواء مماثل وأكثر.
«داعش» مزيج من الاثنين من ناحية البيئة الحاضنة التي ساهمت في إطلاقه وجعلت منه المحرك المرعب catalyst ومن ناحية عدم تمكنه من الديمومة لأنه لن يلاقي البيئة الحاضنة له ما بعد إحداثه الهزة الكهربائية.
لعل التاريخ يسجّل لاحقاً ما يهمس به البعض بأن «داعش» شرّ لا بد منه كحركة تصحيحية للإفراط الإيراني في الهيمنة على العراق والسيطرة على مصير سورية ورسم مصير لبنان. ولعل التاريخ يسجل أيضاً أن «داعش» أحبط المشروع الإيراني الذي دعمه المحافظون الجدد في إدارة بوش وسُمي «الهلال الشيعي» وذلك من خلال إعادة تعريف الحدود العراقية- السورية سنيّاً بدلاً من تواصلها شيعياً. لكن التاريخ لن يغفر لـ «داعش» ومن يدعمه أو يتفهمه ارتكابه الفظائع ضد المسيحيين والأيزيديين والكرد والشيعة وغيرهم من الأقليات أينما كان. وبالتأكيد، لن يسود ذلك «الاعتدال» الذي أطلقته وحشية تطرف «داعش» إذا فشلت بيئته بإبلاغه بصرامة أنها ليست بيئة حاضنة له.
جرائم «داعش» حقّرت إرهاب الآخرين وطمست جرائم الآخرين وبات «داعش» العنوان الجديد لمكافحة الإرهاب لكنه في الوقت ذاته تحوّل، كأمر واقع، إلى المحرّك الرئيس في إنعاش الاعتدال السني ولمّ شمل السنّة في العراق إلى لبنان بقرار سعودي.
عراقياً، نجح كل من «داعش» ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي في جمع الأعداء والاتفاق على إزالتهم عن المشهد العراقي. توافقت القيادة الأميركية والسعودية والإيرانية والأوروبية على التخلص من الخطرين وبرزت مواقف عراقية مهمة ضد الاثنين معاً. ولعلهما معاً ساهما من دون قصد في تقوية كفّة الاعتدال ضد التطرف ليس فقط في العراق وإنما أيضاً في المعركة الدائرة إيرانياً بين قوى التطرف التي يقودها قاسم سليماني و «الحرس الثوري» وقوى الاعتدال بقيادة الرئيس حسن روحاني.
حالياً، واضح انحسار سليماني وصعود روحاني عبر مواقف مرشد الجمهورية آية الله خامنئي الذي دعم توّلي حيدر العبادي رئاسة حكومة العراق وأوضح لنوري المالكي أن عليه الرحيل. كانت تلك صفعة لسليماني الذي تمسّك بالمالكي وأراد الاستفادة من الفوضى التي أطلقها «داعش» في العراق ليفرض حاجة العراق للمالكي. إنما ليس من الواضح إذا كان هذا تكتيكاً ضمن توزيع الأدوار كما شاء آية الله خامنئي، أو تقهقهراً جدياً لقوى التطرف الذي يسيطر عليها تيار سليماني بإيعاز من آية الله خامنئي، كما يُقال.
فإذا كان صعود حظوظ الاعتدال داخل إيران تطوراً جديّاً بقرار من مرشد الجمهورية وليس ضمن تكتيك توزيع الأدوار، فإن حدث العراق سيكون فائق الأهمية لأنه سيُطلق توجهاً إيرانياً جديداً وكذلك حديثاً إيرانياً- سعودياً مختلفاً عن السابق.
القيادة السعودية تبنّت الاعتدال عنواناً لزخم في سياساتها الجديدة الممتدة من هبات لمكافحة الإرهاب إلى معونات لتقوية صفوف الاعتدال بين السُنّة. وهي أكثر استعداداً للتحاور مع القيادة الإيرانية في إطار تقوية الاعتدال، لا سيما إذا تصرّفت ايران كدولة وليس كثورة.
«داعش»، كما «القاعدة» وأخواتها، تشكل خطراً ليس فقط على المملكة العربية السعودية وإنما أيضاً على السُنّة ككل. ويبدو اليوم أن هناك استطلاعاً لدور سعودي مختلف عن الدور السعودي المتحالف مع باكستان والولايات المتحدة لدعم «الجهاديين» في أفغانستان قبل ثلاثين سنة بهدف إسقاط الشيوعية السوفياتية. فتشبيع المقاتلين من أينما أتوا بالجهاد، بغسل دماغ على أيدي الاستخبارات الأميركية، أسفر عن إنمائهم لدرجة نمو الوحش فوق العادة وفوق السيطرة عليه.
قد يقال انه لولا نمو وحش «داعش» إلى درجة دب الرعب في القلوب لما كان إنعاش الاعتدال السني ممكناً كما لم كان إيقاف التطرف الشيعي ممكناً، وبالتالي هذا يشفع للذين أصرّوا على أسلوب «النار بالنار» ويصرّون على إبقائه متأهباً في حال فشل أسلوب الاعتدال.
القرار السعودي الرسمي اليوم هو رفع راية مكافحة الإرهاب والتطرف عالية بإجراءات ومواقف مدروسة سياسياً أيضاً، فالهبة بمئة مليون دولار للأمم المتحدة للحشد العالمي لمكافحة الإرهاب مهمة ليس فقط من ناحية دلالتها المالية والإعلامية وإنما من ناحية الدلالة السياسية، لا سيما في إطار سورية.
الرئيس السوري بشار الأسد نصب نفسه واجهةً لمكافحة الإرهاب السنّي وحماية الأقليات من «داعش» وأمثالها، مع أن عناصر «داعش» أخرجهم الرئيس السوري من السجون السورية لتلويث المعارضة السورية وسمعتها ولنصب نفسه العنوان الأساسي للولايات المتحدة وروسيا والدول الغربية لمكافحة الإرهاب.
الهبة السعودية للأمم المتحدة أتت برسالة سياسية لسحب البساط من تحت أقدام النظام في دمشق كي لا تترك له الساحة خالية لمزاعم دحض الإرهاب السنّي. كما أن قيام الحكومة السعودية بتقديم الأموال لمكافحة الإرهاب للأمم المتحدة بالإضافة إلى هبات أخرى لدعم جهودها في العراق تأتي جزءاً من استراتيجيتها الأشمل، القائمة على انفتاح جديد على المنظمة الدولية وعلى التعاون العالمي في مكافحة الإرهاب وفي مساعدة العراق على التعافي شرط التوقف عن إقصاء السُنّة وهضم حقوقهم بقرار من طهران.
لبنانياً، أسرعت القيادة السعودية إلى الوقوف ضد «داعش» إبرازاً للاعتدال السنّي وأرفقته بمبلغ بليون دولار حملها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عائداً إلى لبنان زعيماً للاعتدال السني، جاهزاً للتفاهمات.
بقدوم الحريري إلى لبنان واستعادته الزعامة السنّية بعنوان الاعتدال، وبرحيل المالكي عن العراق متأبطاً عنوان الإقصاء والطائفية والتطرف، هناك مساحة للتفاؤل بتوجه جديد للبلدين وبهامش تفاهمات ممكنة بين القيادتين السعودية والإيرانية على وتر الاعتدال لمكافحة التطرف.
سورية تبقى الآن الشوكة في خاصرة التفاهمات لأنها ما زالت حصراً في عهدة «الحرس الثوري» الإيراني، لا غير. وهذا بالطبع سيؤثر على لبنان على رغم أن «حزب الله» يستمع إلى مرشد الجمهورية وله حساباته اللبنانية وهو ليس مجرد ملحق في «الحرس الثوري» الإيراني على رغم علاقتهما الوثيقة.
وسورية ليست حصراً مسألة إيرانية- سعودية، بل هي أيضاً مسألة روسية وقطرية وأوروبية باختلاف الأبعاد.
روسياً، من اللافت قيام الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوثيق العلاقات بصفقات الأسلحة بأموال سعودية وإماراتية إلى جانب فتح قناة السويس أمام روسيا. فمصر تشكّل إحدى وسائل التفاهم السعودي مع روسيا، كما يشكل العراق إحدى وسائل التفاهم السعودي مع إيران.
يبقى أميركياً، بدا الرئيس باراك أوباما جاهزاً للتحرك بخطوات صغيرة ظهرت وكأنها حصراً دعم للأكراد إن كان عبر قصف مواقع «داعش» أو عبر النظر في احتمال توسيع الدور الأميركي في العراق عن طريق الطائرات بلا طيار drones. هكذا بدا أوباما جاهزاً للتحرك ضد التطرف الإرهابي على نسق جرائم «داعش»، بالتزامن مع التوافق على إزاحة نوري المالكي عن السلطة كي لا يبدو أنه يقف مع إيران في العراق لو لم يضغط لإزالة المالكي.
أوباما لن يجر أميركا إلى المعركة المباشرة مع «داعش» أو غيرها لأنه عقد العزم على عدم التورط في حروب الآخرين تلبية للمطالب الشعبية الأميركية، بحسب تقويمه.
حدث العراق يشكّل فرصة للرئيس الأميركي لإعادة فرز العلاقات الأميركية بكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية نحو رعاية التفاهمات ودعم الاعتدال حقاً. فهكذا ينفض باراك أوباما عن نفسه صيت دعم التطرف بشق «الإخوان المسلمين» في مصر وبشق شغفه لإرضاء إيران لتكون له تركته التاريخية إذا أنجز الاتفاق النووي معها.
المفاوضات النووية مع إيران متعثرة وقد لا تؤدي إلى ما يشتهيه باراك أوباما بسبب اتساع الفجوة بين ما تريده طهران وما تستطيع أن تقبل به إدارة أوباما وتسوّقه مع الكونغرس في واشنطن.
لذلك، قد يفيد الرئيس الأميركي أن يرسم مساراً متوازياً مع انصبابه على إرضاء طهران ويأخذ من حدث العراق موقع قدم لإطلاق صورة جديدة عنه تبيّنه داعماً جدياً وصارماً لقوى الاعتدال.
الحياة
إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي/ وليد شقير
مع تعدد القراءات للتطورات الإقليمية، لا سيما في العراق بعد صعود «داعش» وسيطرته على أجزاء منه وعبثه بتركيبته الاجتماعية والديموغرافية التاريخية، فإن مفاعيل مواجهة كل ذلك تستدعي المراقبة الدقيقة للتغييرات الحاصلة في المنطقة إزاء الخطر الداعشي.
الحاجة الملحة لمحاربة هذه الظاهرة فرضت على القيادة الإيرانية التراجع عن تشبثها بالمعادلة الحاكمة التي أرستها لسنوات بحكم نفوذها في بغداد، فوحش التطرف والإرهاب الذي كان برز في سورية قبل العراق، والذي كان النظام في دمشق سهّل بروزه بهدف شيطنة المعارضة المعتدلة ووصمها بالإرهاب، بتأييد من إيران نفسها، أفلت من عقاله الى درجة بات يهدد بالتوسع إلى الحدود الإيرانية نفسها، فضلاً عن أنه أخذ يتسبب بتداعيات تمس المصالح الاستراتيجية لطهران طالما أنه أنشأ أمراً واقعاً من مخاطره احتمال استقلال إقليم كردستان وضمه أراضي عراقية، الأمر الذي يشكل خطراً مباشراً على مستقبل وحدة الأراضي الإيرانية لاحقاً بوجود ملايين الأكراد فيها.
اضطرت طهران للتضحية بنوري المالكي بعدما أبلغها من استنجدت بهم من دول الغرب والإقليم، أن المساعدة في محاربة «داعش» مشروطة بقيام حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها المكونات السياسية والطائفية العراقية كلها، بدلاً من معادلة التفرد التي رعتها القيادة الإيرانية لمصلحة مقياس وحيد هو الولاء لها ولسياساتها، الى درجة أن «الحرس الثوري» الإيراني بات يعتمد بغداد متنفساً للاقتصاد الإيراني، يقاسمها ثروتها النفطية في موازنات الدفاع عن نظام بشار الأسد، فضلاً عن استخدام العراقيين للقتال إلى جانبه.
وإذا كان كثر يتريثون في اعتبار تراجع القيادة الإيرانية في بغداد تمهيداً لسياسة جديدة لها في المنطقة تسهل انفتاحها على الخصوم وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية، نتيجة لقائهما على الترحيب بتكليف رئيس الحكومة الجديد في العراق، فإن الذي يحتاج الى مراقبة أكثر، هو مدى استعادة محور الاعتدال العربي شيئاً من الحيوية تحت عنوان مواجهة التطرف والإرهاب. والواضح أن القمة السعودية – المصرية جاءت مطلع الأسبوع في صلب هذه التطورات وفي سياق عمل بدأ يتبلور لإعادة تكوين نظام الاعتدال (السنّي) عربياً، خصوصاً أن التطرف ينمو على حدود الدولتين: في العراق واليمن بالنسبة الى السعودية، وفي ليبيا بالنسبة الى مصر، فضلاً عما تشهده الأراضي المصرية من أعمال إرهابية، فإعلان «دولة الخلافة الإسلامية» من قبل «داعش» هو بمثابة إعلان حرب على نظام الاعتدال هذا الذي تشكل تاريخياً مصر والسعودية قاعدته الأساسية. وليست صدفة أن تكون سبقت القمة مواقف غير مسبوقة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 4 رسائل صدرت منذ خطوة «داعش» في العراق، الأولى حين أمر بحماية المملكة من الإرهاب، والثانية في عيد الفطر حين خاطب المسلمين معتبراً «الطغيان والإرهاب أشد خطراً من أعداء الأمة المعلنين»، ملتزماً مواجهة «الفئة الباغية»، ثم في 2 آب (أغسطس) حين طالب علماء الأمة الإسلامية بأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه على أنه دين التطرف والإرهاب، ثم إعلانه تقديمه بليون دولار لدحر الإرهاب في لبنان إثر هجوم «النصرة» و «داعش» على بلدة عرسال اللبنانية، وأخيراً في تبرعه بمئة مليون دولار الى الأمم المتحدة من أجل محاربة الإرهاب. ولعلّ عودة زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت في 8 آب (أغسطس) هي التقاط للحظة التي يسعى فيها «محور الاعتدال» لاستعادة المبادرة في وجه تنامي مظاهر التطرف، لكن كل هذه الأحداث، من العراق الى لبنان، تمت بمعزل من سياسة إيران في المنطقة، وهي ليست بالاتفاق معها ولم تكن في سياق المواجهة الدائرة بينها وبين عدد من الدول العربية، بل لإحداث توازن سياسي يضع حداً للتطرف، وهو أمر قد يقود الى شيء من الانفراج لا التصعيد.
لكن طهران بدلت موقفها في بغداد، ليس استناداً الى خيارات استراتيجية تعيد النظر بسياسات تسببت بما شهدته المنطقة، بل لاضطرارها الى اللحاق بالمرجعية الدينية العراقية التي أصرّت على تغيير نوري المالكي وعلى التفاهم مع المكون السنّي الشريك…
الحياة
ماذا تعني العودة الأميركية إلى العراق؟ إنهاء الحصرية الإيرانية وسوريا الاختبار الأصعب/ روزانا بومنصف
فجأة لم يعد العراق متروكا لايران وحدها. عادت اليه الولايات المتحدة من باب المساعدة على وقف تمدد تنظيم الدولة الاسلامية بعد سيطرته على الموصل ومدن عدة واقترابه من اربيل عاصمة كردستان العراق. فبات خبراؤها العسكريون يتزايدون دعما للاكراد وحماية للاقليات ودعما لعملية سياسية خرج بموجبها رئيس الوزراء نوري المالكي من المعادلة. ليس سهلا ولا بسيطا ان تعود الولايات المتحدة الى العراق ومعها دول الاتحاد الاوروبي التي سارعت الى ابداء الاستعداد لتسليح الاكراد انفراديا حتى ومن دون قرار جماعي اوروبي، فيما عمدت واشنطن الى تأمين توسيع التحالف الدولي الداعم لعودتها الى كل من كندا واوستراليا. واذا كان ثمة ما يمكن استخلاصه من كلام الرئيس الاميركي الى توماس فريدمان في الـ”نيويورك تايمز” الاسبوع الماضي لجهة “ان اكثر شيء يندم عليه في سياسته الخارجية” قوله “إن التدخل في ليبيا لمنع حدوث مجازر كان الشيء الصحيح الذي وجب القيام به. ولكن تنفيذه من دون متابعة كافية على الارض لادارة المرحلة الانتقالية نحو سياسات اكثر ديموقراطية هو على الارجح اكثر شيء يندم عليه في اطار سياسته الخارجية”، فان هذه الادارة لن تترك العراق مجددا من دون متابعة.
يفترض ذلك على الاقل من حيث المبدأ ضمان عدم وقوف العملية السياسية في العراق عند حدود تغيير الاسماء او استبدالها من دون تغيير السياسات التي تعيد للسنّة والاكراد اعتبارهم. يقول اوباما في الحديث نفسه عن العراق: “اذا كنا في طريقنا للتواصل مع القبائل السنية ومع الحكام والقادة المحليين، فعليهم ان يشعروا انهم يقاتلون من اجل شيء ما. لن نتمكن من دحر داعش الا لفترة محددة من الوقت ولكن بمجرد ان تنصرف طائراتنا سيعودون على الفور مرة اخرى”. وكانت الادارة الاميركية واجهت انتقادات واسعة حول تركها العراق نهائيا بحيث لم تترك بضعة آلاف من الجنود على رغم ما دفعته من اثمان مادية وبشرية من اجل التأثير الضاغط على الحكومات التي تعاقبت برئاسة نوري المالكي مما اتاح المجال لايران لنشر نفوذها كليا وادارة العراق على نحو ادى به الى شفير الانقسام. باتت دول غربية عدة على استعداد راهنا من اجل مساعدة العراق وتقديم الاسلحة من اجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية وتمددها واعادة بسط سلطة الدولة الذي سيكون صعبا اذا لم تحترم كل المكونات العراقية. ينهي هذا الواقع الجديد حصرية تحكّم ايران بالسياسة العراقية وان كان لا يضع نهاية له، وذلك نتيجة العوامل الجديدة التي دخلت على الخط. لكن ايران لا يمكنها انقاذ العراق وتدخلها فاقم ويفاقم اشتعال الحرب المذهبية بعدما ساهمت في الوصول الى ما اوصل حكم المالكي العراق اليه، ورهانها على المالكي كاد يطيح ليس بانجازاتها في العراق فحسب بل يهددها ضمن حدودها الداخلية ايضا. اميركا والمجموعة الدولية هما اللتان يمكنهما انقاذ العراق، وهما حضرتا بقوة في حين تبقيان مشتتتين في موضوع سوريا لجهة مد معارضيها بالاسلحة على غير ما سارعت اميركا والدول الغربية الى ابداء الاستعداد له في العراق. المسألة كأنما هناك قوات دولية لرعاية اخراج العراق من المأزق من دون قرار رسمي لا من مجلس الامن ولا من اي هيئة دولية.
يستغرق اعادة وضع العراق على السكة الصحيحة وقتا طويلا اذا سلمنا جدلا بان لا عقبات ستعترض هذا المسار، يقول مطلعون معنيون. لكن اللافت بالنسبة اليهم في استخلاصات اولية جملة امور، من بينها: اولا ان ما يحصل مع العراق سيكون له تداعياته في المنطقة على اكثر من مستوى. والبعض يتطلع من جانب الى امكانات التسوية الاقليمية بعدما بات العراق يهدد المنطقة ككل من دون استثناء والبعض الآخر يتطلع الى تداعيات للتسوية الاقليمية الدولية في العراق على سوريا في مرحلة لاحقة. ثانيا ان تنظيم الدولة الاسلامية الذي سيطر على المدن العراقية ذات الاغلبية السنية يمكن ان يعزز حضوره بقوة اكبر في سوريا. واذا كان العراق لم يقلع مع اهمال نسبة الثلث السني من المكونات العراقية فإن ما يجب التطلع اليه هو كيف يمكن ان تقلع سوريا مجددا اذا لم تؤخذ في الاعتبار نسبة 70 في المئة من السنة السوريين يرفضون النظام ولا يجري انصافهم سياسيا، خصوصا في ضوء تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا كما في العراق. ثم انه مع تخلي ايران عن نوري المالكي سقطت نظرية ان من يفوز بغالبية في الانتخابات هو وحده من يحق له تسلم السلطة على نحو ما تذرع به المالكي في كل الوساطات الدولية الاميركية والايرانية وسواها التي اجريت معه من انه يرأس الكتلة النيابية الاكبر. في ظل مسؤوليته عن خراب العراق وعدم قدرته على رأب وحدته، جرى استبعاد المالكي. وهي نظرية يجب ان يتحسس منها الرئيس السوري بشار الاسد الذي اختبأ وراء ما سمي اعادة انتخابه للبقاء، في حين انه يستحيل عليه اعادة شمل بلاده. كما يجب ان يتحسس من هذه النظرية زعماء لبنانيون يقولون انهم الأحقّ برئاسة الجمهورية لامتلاكهم الكتلة النيابية الاكبر فيما لا يرى زعماء آخرون فيهم القدرة على توحيد البلاد وراءهم علما ان هؤلاء اسقطوا هذا المنطق بانفسهم في استبعاد الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة قبل ثلاثة اعوام، وهو رئيس اكبر كتلة نيابية.
النهار

 

وداعاً (مؤلماً) يا عراق/حازم صاغية
أحياناً تنبئ الحلول بالكوارث أكثر مما تنبئ المشكلات. فبالأمس لم يبقَ بلد مؤثر في منطقة الشرق الأوسط، أكان من هذه المنطقة أم من خارجها، إلا واضطلع بدور ما في الوصول إلى النهاية السعيدة، ممثلةً بإبعاد رئيس الحكومة نوري المالكي عن منصبه وإحلال محازبه حيدر العبادي محله. لقد أزيح المالكي واختير العبادي في واشنطن وطهران والرياض وعواصم أخرى، وذلك لأن بغداد لا تملك من القوة والعزم ما يتيح لها أن تزيح أحداً أو أن تفرض أحداً سواه. هكذا حل التدويل الصارخ والكامل لمسألة يُفترض أصلاً أن تكون عراقية.
لكن هذه لم تكن المرة الأولى من هذا القبيل. فقبل أربعة أعوام، وبعد فوز الكتلة النيابية التي يتزعمها إياد علاوي بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، خيضت معركة سياسية بين العواصم الإقليمية والدولية المذكورة، ومعها دمشق آنذاك التي كانت قبضتها لا تزال معافاة، وانتهت المعركة بتنصيب نوري المالكي الإيراني الهوى.
وهذه أيضاً لم تكن المرة الأولى في عراق ما بعد صدام. ففي 2006 تحولت إزاحة ابراهيم الجعفري عن رئاسة الحكومة، وهو المرفوض سنياً وكردياً، إلى اشتباك سياسي إقليمي ودولي، تأدى عنه إبعاد الجعفري وانتصار الإرادة الأميركية على الإرادة الإيرانية. فالأولى كانت لا تزال متمكنة في بلاد الرافدين، وكان ذلك قبل وصول باراك أوباما بسياسته الانكفائية إلى البيت الأبيض، فيما الثانية لم تكن استجمعت ما يكفي من أوراق القوة التي اجتمعت لها بعد ذاك.
بطبيعة الحال لا يستطيع أيٌ كان أن ينفي دور الإرادات الخارجية في رسم سياسات البلدان الأضعف والأصغر، خصوصاً «العالمثالثية» منها. لكن التجارب العراقية الثلاث المذكورة أعلاه تقطع بانهيار كل دور عراقي قياساً بما تستطيعه تلك الإرادات. ذاك أن العراقيين الذين أنقذهم التدخل العسكري الأميركي من استبداد صدام وحاشيته، ما لبثوا أن ظهروا مختلفين ومتناحرين على كل شيء، وعاجزين بالتالي عن تأسيس مركز سياسي فاعل ومقرر. وهي حالة تشبه، على نحو مضاعف، ما عرفه لبنان بعد سلام الطائف، حين انتفى كل مركز سياسي داخلي بتأثير النزاع بين أفراد «الترويكا» الرئاسية وإحالة القرار، كبيراً كان أم صغيراً، إلى دمشق. وكما نعرف جميعاً، ما لبثت تلك المعادلة أن انفجرت برمتها في 2005، مع اغتيال رفيق الحريري، وسط تأزم في التناقضين السني – الشيعي واللبناني – السوري.
وهذا الإفناء للداخل، الذي بدأ قبل المالكي وقبل «داعش»، يجد تتويجه في المالكي كما في «داعش» الذي استولى على ثلث مساحة البلد وضم إليه ربع مساحة سورية الذي استولى أيضاً عليه. كذلك يتوج الإفناءَ هذا إفراغُ العراق، على يد «داعش» إياه، من بعض مكوناته السكانية الأصلية، وضم كركوك إلى مناطق الحكم الذاتي الكردي في الشمال، والتي ما لبثت أن حلت الحرب المفتوحة بينها وبين «داعش» وسط عجز السلطة في بغداد عجزاً مطبقاً، هي التي سبق لجيشها أن انهار في الموصل.
لهذا فإزاحة المالكي، وهي دائماً تستحق الترحيب، لا تكفي لإعلان مسك الختام، أو للاستبشار ببدايات واعدة يطل بها علينا حيدر العبادي فوق حصان أبيض موزعاً بعض الأعطيات على السنة والأكراد. فالعراق، في آخر المطاف، استنزف ذاته ولم يبق منه، لا في بغداد ولا في الأطراف، ما يعول عليه أو ما ينبعث منه طائر فينيق!
الحياة

 

“داعش” إذ يتجاوز الحدود/ حسن شامي
يبدو أن تنظيم «داعش» وقع في المحظور الذي حذر منه قبل ستة قرون فقيه تاريخنا الاجتماعي وعصبياته ابن خلدون. إنه «إرهاف الحدّ» كما يقول صاحب المقدمة منبّهاً السلطان إلى عدم الغلو والإفراط في طريقة سوس الرعية، بما في ذلك الإفراط في الذكاء والكياسة. قد تكون العبارة البلاغية هذه مجرد وصفة وعظية وإرشادية أطلقها عالم متعدد الاهتمامات ومتشائم تاريخي بل حتى وجودي. ما دام التاريخ مسرح عصبيات ودول لا تتعدى أعمارها، وأطوارها، أعمار الأشخاص. كانت الوصفة تتوخى مقداراً من الحكمة والاعتدال ليس في زمن ابن خلدون فقط بل في كل زمن. ومن يلتفت إلى ظواهر التاريخ الطويلة الأمد والعصية على التغير، إلا ما شاء ربك، يدرك أن زمن التاريخ الخلدوني ليس خلفنا. فنحن ما زلنا في بعضه، وقد نختلف على تقدير حجم هذا البعض ومفاعيله.
وإذا كان ثمة وجه كشفته انتفاضات الربيع العربي في ما يخـــص علاقة السلطة الحاكمة بالمحكومين، فهو «إرهاف الحد» هـــذا، وإن كانت شروط عمله وإعماله شهدت تطويرات وتنقيحات مـــوصــــوفة بالتحديث والمعاصرة. والغريب أن الحكم على سلطة «داعش» بأنها بلغت درجة لا تطاق من إرهاف الحد، قد تأخر كثيــراً. والتأخر هذا اكتنفه غموض والتباس في مواقف كثيرين من اللاعبين الإقليميين والدوليين، الأمر الذي كان يطرح، ولا يزال، علامات استفهام حول رهانات التوظيف السياسي في ظاهرة «داعش» المتنامية والمرتدية طاقية إخفاء تجعلها لغزاً كبيراً. وهذا ما يجيز الظن في أن يكون تنظيم «داعش» عقدة ثعابين.
اللافت أن يكون صوت البلدان والهيئات الإسلامية الدولية خافتاً قياساً إلى حجم الفظاعات المرتكبة باسم الإسلام. وتهجير المسيحيين من الموصل ومن كل بلدة استولى عليها «داعش» والتنكيل بالإيزيديين التائهين والمحاصرين في جبال سنجار، سبقهما اضطهاد المسيحيين في الرقة وحرب ضروس مع فصائل سورية معارضة وإسلامية أودت بحياة حوالى ثمانية آلاف إنسان وفق تقديرات المرصد السوري المعارض. أليس غريباً أن تحرص بيانات البنتاغون على التشديد على أن عمليات القصف الجوي استهدفت بالتحديد أسلحة داعشية تتحرك في اتـــجاه أربيل الكردية؟ أليس غريباً أن يصرّح السيد راسموسن بأن قوات «الناتو» ستتخذ كل التدابير الضرورية للدفاع عن تركيا في حال تعرضها لتهديد من «داعش»، وكأننا أمام تهديد من العيار السوفياتي في زمن الحرب الباردة فيما الأمر يتعلق ببضعة آلاف من المقاتلين وبتركيا المتمتعة بقوة عسكرية ضخمة؟ أليس غريباً أن ينفتح سباق بين الدول الغربية على تزويد الأكراد أسلحة متطورة لمواجهة «داعش»، بعدما وعد وزير الخارجية الفرنسي بتسهيل استقبال المسيحيين المطرودين من بيوتهم وممتلكاتهم في الموصل، كما لو أن الأمر لا يستحق استنفاراً دولياً لتثبيت الحق في نصابه؟ أليس غريباً أن تلزم تركيا الصمت فيما يحتجز «داعش» حوالى أربعين تركياً كرهائن؟ وكيف نقرأ إعلان الأمم المتحدة أن مجلس الأمن يدرس إمكانات قطع التمويل عن «داعش»؟ وكان كثيرون استغربوا بحق أن ينهار الجيش العراقي في الموصل خلال ساعات وأمام بضع مئات، أو بضعة آلاف إذا شئتم، من المقاتلين الذين يتمتعون بالتأكيد بشراسة قتالية كبيرة إلى حد الافتراس، إلا أنهم يخلطون بطريقة هذيانية بين استعراض وتحصيل الأرجحية الأخلاقية؟
قد تكون النقطة الأخيرة المتعلقة بانهيار الجيش العراقي في الموصل أكثر إثارة للفضيحة والصدمة، منها إلى الاستهجان والاستغراب. فقد كشف هذا الانهيار قِصَر نظر حكومة نوري المالكي في كيفية بناء الإطار الوطني العراقي في الظروف المعروفة لما بعد صدام حسين والاحتلال الأميركي، ناهيك عن الفساد والمحسوبية وإطلاق العنان لشتى ضروب التعصب الفئوي. لكن هذا لا يمنع التساؤل عن وجود مداخل ومخارج لاستيلاء «داعش» على الموصل، تتعدى محدودية أفق المالكي ومسؤوليته عن بلوغ المشهد العراقي حداً كبيراً من العبثية والتذرر الطائفي والعرقي والمناطقي.
ثمة آخرون يتحملون قسطاً من المسؤولية. وقد تتضح الصورة بعض الشيء مع انسحاب المالكي من الترشح لولاية ثالثة، وقبوله تكليف حيدر العبادي تشكيل حكومة جديدة يفترض بها أن تضم أوسع أطياف الوطن العراقي المهدد بالتشظي على نحو يُعدُّ سابقة.
الغرائب التي نصوغها في صورة أسئلة وتساؤلات ترمي إلى إلقاء الضوء على ظاهرة «داعش» المحيّرة بمقدار ما هي خطيرة. فهناك ما يشبه الإجماع على أن القيمة الفكرية والعقائدية الإسلامية لـ «داعش» تقارب صفراً. هذا الفقر العقائدي معطوفاً على وعود بالتمكن والسؤدد والتنعم بمباهج الفردوس للراغبين في الخلاص من عذابات الدنيا، يخاطب بالتأكيد مخيلة شبابية مضطربة ومجروحة. أما القيمة الاستعمالية للظاهرة والتعويل عليها لتحقيق أهداف أخرى، فهما بالضبط ما ينبغي أن يسترعي الانتباه.
بات أمراً شائعاً استخدام فزاعة «داعش» لتمرير رسائل متعارضـــة ممـــا يجيز لكل طرف أن يزعم لنفسه الحق في كل شيء على حساب الطرف الآخر. وهذا يكفي ربما للتدليل على وظيفة الراية الداعشية في تثبيت انقسامات عمودية، وجعل الولاء المذهـــبي والطائفي وما يستدعيه من استحكام الأهواء الثأرية والانــكفاء على جروح الذاكرة الجماعية القريبة والبعيدة، مداراً وحــيداً وأخيراً للسياسة. ولا يقتصر استخدام الفزاعة الداعشية في مــشاريع وتصورات متعارضة ومتنازعة على السلطات الحاكمة والمتنافسة، بل بات يطاول الوسط الإعلامي واصطفافاته. لا ينبغي أن ندين «داعش» بطريقة يمكن أن يستفيد منها الخصم السياسي الكلي، أياً يكن هذا الخصم. هذا ما يتلجلج في كتابات وتعليقات كثيرين. ولا يتفطن معظم هؤلاء إلى أنهم يساهمون، لا شعورياً في الأقل، في توطين الظاهرة الداعشية وتطبيعها.
قيل وسيقال الكثير عن الأيدي الخفية التي تقف خلف «داعش». فهناك من يعتبره صناعة أميركية لمواصلة الفوضى الخلاّقة وتغيير خرائط الشرق الأوسط… أو صناعة إسرائيلية للغرض ذاته ولتبرير الصفة اليهودية الحصرية للدولة. وهناك من يعتبره صنيــعة النظام السوري، كما ردد الائتلاف الوطني المعارض زاعماً امتلاك أدلة قطعية على ذلك. والحال أن سيناريو «القاعدة» يعاد إنتاجه عبر «داعش» و «النصرة». الكل يلعب بالنار… ويحصل أن تصل النيران إلى اللاعبين. وحدهم الإطفائيون الكبار يربحون.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى