صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

 

 

 

“معضلة داعش” وتناقضات الحرب الراهنة/ محمد أبو رمان

أظهرت أرقام وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن تنظيم الدولة الإسلامية، داعش، لم يخسر حتى الآن سوى 700 كلم مربع من الأراضي في العراق، أي 1% فقط من 55 ألف كلم مربع سيطر عليها عام 2014، وأقر المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، بـ”أنها نسبة ضئيلة”. وعلى الرغم من تفاؤل خبراء وسياسيين أميركيين وغربيين بأن تتمكن الولايات المتحدة، العام الحالي أو العام المقبل، من استئصال التنظيم من العراق، إلاّ أنّ المسار الراهن للحرب عليه لا يعزز هذه القناعات، بل يناقضها تماماً، في سورية والعراق، بل ربما على النقيض من ذلك ستشهد الأعوام المقبلة تمدداً وانتشاراً لهذا “النموذج” وشقيقاته من فروع القاعدة، تحديداً في المنطقة العربية.

هذا لا يعني أنّ الولايات المتحدة لا تملك القدرة العسكرية لإبادة أغلب قدرات التنظيم، فعليّاً، لكن هذا لا يعني، على المدى البعيد، أنّه غير قادر على الصعود، مرّة أخرى، وتجديد نفسه، كما فعل هو نفسه في عام 2011، بعدما تراجع وانحسر في الأعوام الثلاثة السابقة على ذلك، تحت وطأة الصحوات العشائرية وضرباتها، وهو ما يحدث اليوم، أيضاً، مع حركة طالبان الأفغانية التي قضت الولايات المتحدة على حكمها في حرب 2002، لكنها عادت، اليوم، لتصبح الرقم الأصعب في البلاد، مع حرص الولايات المتحدة على الخروج من هناك بأيّ وسيلةٍ كانت.

معضلة الحرب الأميركية الراهنة على “داعش” أنّها تقوم على جملة كبيرة من التناقضات والمعضلات، تتأسس، في جوهرها، على سؤال النفوذ الإيراني، والشراكة مع الأنظمة السلطوية العربية التي هي الأب الشرعي لصعود هذه الحركات! وإذا تجاوزنا داء السلطوية، بوصفه السبب الأول المنتج للإرهاب، ووقفنا عند حدود الهلال العراقي، السوري واللبناني، فإنّ المفارقة الجوهرية تتمثل في سياسات الرئيس، باراك أوباما نفسه، الذي ربط بين صعود التنظيم والأزمة السنية في العراق وسورية، وسياسات بشار الأسد ونوري المالكي، وأكّدت إدارته على أنّ السلاح الفتّاك لهزيمة داعش هم السنة أنفسهم؛ إلاّ أنّ هذه الرؤية المفتاحية والجوهرية في مواجهة داعش تبخّرت تماماً، ليحل محلها هاجس أساسي، هو هزيمة التنظيم عسكريّاً، مما قاد إدارة أوباما نفسها إلى الدخول في تحالف وشراكة ضمنية، غير مباشرة، مع الإيرانيين، فتغاضت تماماً عن الدور الإيراني المتغلغل في العراق وسورية، ولاحقاً اليمن، فضلاً عن لبنان.

تكمن المفارقة الرئيسة هنا؛ فالسبب الجوهري لأزمة السنة ومعاناتهم (في هذه المجتمعات) تتمثل في أنّهم يخوضون حرباً وجودية هوياتية مع النفوذ الإيراني المتلبس بالطابع الطائفي؛ فكيف يمكن فك الاشتباك بين السنة وداعش، بينما ترى المجتمعات السنية تحولاً كبيراً في الموقف الأميركي من إيران، يصل إلى درجة التعاون والتنسيق مع المليشيات الشيعية التي لا تقل تطرفاً ولا طائفية عن تنظيم داعش نفسه، فيما أصبحت القيادات العسكرية الإيرانية، مع قطاعات من الحرس الثوري الإيراني، تدير المعركة بصورة تكاد تكون معلنة في العراق وسورية.

في المحصلة، الطرف المستفيد من الحرب الراهنة هي إيران مع حلفائها، نظام بشار الأسد والقوى السياسية الشيعية في بغداد، ولحقهم “أنصار الله” في اليمن، بينما تقرّ صحف أميركية ومحللون وخبراء بأنّ التحول الأميركي لا يقف عند حدود محاولة ترسيم صفقة إقليمية مع إيران، بل حتى تجاه بشار الأسد الذي لم يعد إسقاطه وعزله شرطاً أميركياً لمستقبل سورية، ولا أولوية لدى إدارة أوباما في سورية.

ما أتت به المتغيرات الجديدة في الموقف الأميركي والحرب الراهنة، هو مزيد من التعقيد على المنطقة العربية، فالمسار الراهن يعيد ترسيم دور السنة في العراق وسورية، بوصفهم “صحوات عشائرية” لا أكثر، مع وعود أميركية غير مضمونة، ولا مكفولة، بتمكين سنة العراق من إيجاد قدر من الحكم الذاتي المحصّن بتأسيس حرس وطني في المحافظات المختلفة، الذي يُفترض، ضمنيّاً، أن يكون المعادل الموضوعي للجيش العراقي والمؤسسات الأمنية التي تقع تحت قبضة إيران والقوى الشيعية.

لا تقل فكرة الحرس الوطني سوءاً عن الصحوات، وهي ليست حلاًّ حقيقيّاً للأزمة العراقية، بقدر ما أنّها تجذّر الانقسام وتعززه، إذ تقوم على “تطييف” القوى العسكرية والأمنية، لكن حتى هذه الفكرة تواجه بتأخير ومماطلة من الحكومة العراقية الحالية، وتعذّرت بتأجيلها إلى العام المقبل، بدعوى عدم وجود مخصصات في الموازنة، بينما تصرف أموال هائلة على دعم القوات العراقية في مواجهة التنظيم.

حتى المعارضة السورية المعتدلة التي يجري الإعداد لدعمها وتدريبها في سورية، فكرة ضعيفة وهلامية، فضلاً أنّ المطلوب منها أن تكون جاهزة لقتال تنظيمي داعش والنصرة، وليس جيش الأسد، حتى لا تدخل الإدارة الأميركية في صدام مع إيران وحلفائها هناك.

وإذا كنا نرى بأنّ تنظيم داعش ليس “ابن عيشة” على المدى البعيد، فهو يحمل بذور نهايته في داخله، لما يحمله من أيديولوجيا متطرفة غير قابلة للحياة والتصالح مع المستقبل، فإنّ المفارقة المقابلة تبدو، اليوم، في أنّ السياسات الأميركية الراهنة في الحرب على الإرهاب هي التي تؤدي إلى تفريخ الإرهابيين والمتطرفين، تمثل سبباً إضافيّاً وعاملاً حيويّاً في تعزيز هذه المنظمات المتطرفة على كلا الجانبين، ومدّها بمادة التجنيد والتعبئة والدعاية.

العربي الجديد

 

 

 

 

هل ينتهي «داعش» بعد كوباني؟/ الياس حرفوش

إذا كانت هزيمة تنظيم «داعش» ممكنة في عين العرب، كوباني الكردية، فلماذا لا تكون ممكنة في الرقة السورية وفي الموصل العراقية؟ وإذا كانت الغارات الجوية قادرة على إخراج التنظيم الإرهابي من هذه البلدة الواقعة على حدود تركيا وسورية، فلماذا لا تستطيع أن تفعل الشيء نفسه في المناطق السورية الأخرى التي يسيطر عليها هذا التنظيم، والتي تشكل امتداداً لـ «دولته» التي نشأت في العراق؟

بعد خمسة أشهر من الحصار ومعارك ضارية خاضها المقاتلون الأكراد ودعمتهم خلالها غارات طائرات التحالف الدولي، التي شنت أكثر من 80 في المئة من غاراتها على كوباني منذ بدأت حملتها ضد «داعش»، ها هو هذا التنظيم يندحر ويبدأ أبناء هذه البلدة بالعودة فرحين إلى ما بقي من بيوتهم، رافعين رايات النصر، التي حلت محل أعلام «داعش» السوداء.

أسئلة كثيرة يطرحها هذا «الانتصار» على «داعش» في كوباني. أول الأسئلة يتعلق بمصير التنظيم الذي يقلق العرب والمجتمع الدولي، بعد أن فتح الباب واسعاً أمام استفحال النشاطات الإرهابية وأعمال الخطف والتصفيات الوحشية. هل تقدّم معركة كوباني الوصفة اللازمة لاستعادة سائر المناطق التي لا يزال يسيطر عليها أبو بكر البغدادي؟ أم أن كوباني هي حالة خاصة التقت فيها الأهداف الكردية مع المصالح الغربية التي سهّلت للمقاتلين الأكراد هذا الانتصار؟

يقود هذا إلى سؤال آخر يتعلق بمستقبل المناطق التي يستعيدها المقاتلون الأكراد، مدعومين بالغارات التي تشنها طائرات التحالف الدولي، سواء في سورية أو في العراق. قبل كوباني تمكن الأكراد، في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من استعادة السيطرة على جبل سنجار في شمال العراق، الذي ارتكب «داعش» فوق تلاله المجازر التي تعرض لها الايزيديون والمسحيون، فقتل العشرات منهم، وتمّ تهجير الباقين من بيوتهم والمتاجرة بنسائهم في أسواق الرق بأسعار كان يتم التفاوض عليها بحسب عمر السيدة أو الفتاة وصلاحيتها لمتعة عناصر «داعش». وشارك في معارك سنجار ما لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل كردي، سقط منهم العشرات قتلى. وكذلك كلفت استعادة كوباني مقتل ما لا يقل عن 600 من عناصر «البيشمركة» الذين قدموا من شمال العراق، ومن وحدات «حماية الشعب الكردي» التي تم تنظيمها من أبناء البلدة بهدف طرد قوات «داعش» منها.

هل سيكون الأكراد، في شمال العراق وسورية، مستعدين لاعادة هذه المناطق إلى الحكم المركزي في البلدين، وما هو هذا الحكم المركزي الذي يأمن الأكراد جانبه ليعيدوا إليه مناطقهم، التي دفعوا دماء وتضحيات في سبيل السيطرة عليها، بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة في معاملتهم كأفراد مواطنين متساوين في الحقوق مع سائر أبناء البلاد؟ أم أن كوباني، بعد كركوك واربيل والسليمانية، ستكون المدن التي سيحتمي فيها الأكراد من جور ذوي القربى؟

من هنا تبدو مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محلها. فهو عندما يحذر من قيام منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمالي سورية، شبيهة بتلك القائمة في شمال العراق، لا يقر فقط بأمر بات واقعاً، بل يؤكد خوفه على مستقبل المناطق الكردية في بلاده، حيث يتسع الشعور بالحرمان والإحباط، بعد أن أثارت سياسات أردوغان المترددة حيال دعم أكراد سورية والعراق قلقاً من صدق الانفتاح التركي على المناطق الكردية.

هزيمة «داعش» تحتاج إلى أكثر من استعادة كوباني. انها تحتاج إلى استعادة الدول المركزية مناعتها وقدرتها على حماية كل مواطنيها. عندما يفشل الجيش العراقي في الدفاع عن الموصل، بعد أن خرجت كركوك وسواها من يد بغداد، وعندما يخسر الجيش السوري معركة كوباني، مثلما خسر قبلها نفوذه ووجوده في المدن السورية الكبرى، تكون نهاية «داعش» بحاجة إلى أكثر من غارات التحالف الدولي.

الحياة

 

 

أفغنة الأزمة السورية/ جهاد الرنتيسي

يحتفظ فهم أطراف الأزمة السورية لأولوياتها بحمولة من “المخاتلة” و”الخداع” مع طغيان الحديث عن التسويات السلمية، وإعادة صياغة التحالفات، وبحث الفرقاء عن قواسم مشتركة، على اتساع مظاهر “الأفغنة” وإفرازها “وقائع جديدة” على الأرض، تبقي الاتفاقيات التي يمكن التوصل إليها قاصرة عن مجاراة ديناميكية المتغيرات المتلاحقة .

انتقال علاقة “جيش الإسلام” بقيادة زهران علوش و”جيش الأمة” الذي كان يقوده أبو صبحي طه من التحالف إلى المواجهة المسلحة والطريقة التي اتبعها الأول في تصفية الثاني لم يكن أول المؤشرات وإن كان إيقاعه الأكثر صخباً، في تكريس مفهوم ظاهرة “أمراء الحرب” على الطريقة الأفغانية .

قد تكمن أهمية هذه المواجهة في تسليطها الضوء على نمطية العلاقة التي تحكم هذه الجماعات، محدودية قدرتها على التعايش رغم تشابه أفكارها، الأساليب التي تتبعها في حسمها لصراعاتها، وبالتالي ذهنية قياداتها.

ما لم تكشفه تلك الواقعة رغم دلالاتها، ظهر لاحقاً، بشكل أكثر وضوحاً، في الصواريخ والقذائف التي أطلقها جيش زهران علوش على أحياء دمشق، دون أية اعتبارات، لإزهاق أرواح المدنيين في قصف عشوائي أقرب إلى عبث لا يقدم ولا يؤخر في مجريات الصراع .

ففي أحد جوانبه يظهر الصراع الداخلي بين أمراء الحرب السورية بعض أوجه الشبه مع صراعات “أبو محمد الجولاني” و”أبو بكر البغدادي” التي هدأتها الوساطات، ولم توقف احتمالات تصاعدها مرة أخرى .

كما يعيد قصف دمشق بالصواريخ إلى الأذهان البراميل المتفجرة التي تلقيها قوات النظام على الأحياء السكنية بشكل عشوائي يؤدي إلى سقوط وترويع الأبرياء .

بذلك يجمع “أمراء الحرب” السورية وهم يستعيدون أجواء صراعات الفصائل الأفغانية بين ظلامية ثنائي “داعش” و”النصرة” واستهانته بأرواح وحريات سكان المناطق التي يسيطر عليها، والنزعات العدوانية التي تظهرها قوات النظام تجاه سكان المناطق الخارجة عن سيطرتها.

الوصول إلى هذه المرحلة ، لم يكن ممكناً لولا الاستجابة الضمنية التي أظهرتها بعض قوى المعارضة لظروف عسكرة الحراك السوري وتديينه التي وفرها النظام .

منحى “الأفغنة” ببعده المذهبي نتيجة طبيعية للجهد الذي بذل لتهميش القوى المدنية التي أطلقت “الحراك منذ بداياته” وصمتت بعد عسكرته، عن ممارسات تشكيلات التطرف الديني، على أمل أن تكون عوناً لها في إسقاط النظام، وبالتالي تتطلب استعادة المبادرة اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً وجذرية تجاه ممارسات القتل العشوائي وممارسيها، ورفع الغطاء السياسي والأخلاقي عن اتساع هامش حركة “أمراء الحرب” التي باتت عبئاً ثقيلاً على السوريين، ولا ضير في أن يبدأ التحرك بعمل جدي للإفراج عن ناشطين حقوقيين في سجون هؤلاء الأمراء، وتجريم اختطافهم .

موقع 24

 

 

 

 

نساء «داعش» في الواجهة/ الياس حرفوش

مع أن قادة تنظيم «داعش» معروفون بقسوة قلوبهم وبغلاظة اللسان في تهديداتهم لضحاياهم وللأسرى الذين يقعون في أيديهم، كما أن السائد أن نظرتهم إلى النساء تتراوح بين اعتبارهن سبايا يصلحن للبيع إذا تم احتجازهن، أو أدوات للمتعة إذا حصل الزواج بهن، إلا أن سيدات «داعشيات» قفزن في الفترة الأخيرة إلى صدارة المشهد وظهر دورهنّ المساوي للرجل في نشاطات التنظيم الإرهابي، وأصبح الإفراج عنهنّ، من سجون الأردن ولبنان، على رأس قائمة مطالب التنظيم الإرهابي وصنوه الآخر «جبهة النصرة».

هكذا تحتلّ سجى الدليمي وساجدة الريشاوي وعلا العقيلي صدارة المشهد الإعلامي هذه الأيام، وربما كانت هناك غيرهنّ في قيادات التنظيم ممّن لا نعرف أسماءهن. ساجدة محكوم عليها بالإعدام في الأردن، بعد إدانتها بالمشاركة في تفجيرات فنادق عمان في عام 2005، التي سقط فيها أكثر من ستين قتيلاً، وكانت ساجدة واحدة من الانتحاريين الأربعة، لكن حزامها الناسف لم ينفجر وتم إلقاء القبض عليها بعد أن لجأت إلى منزل أحد أقاربها في مدينة السلط. أما سجى فهي موقوفة في لبنان من جانب السلطات الأمنية بتهمة تمويل أعمال إرهابية بعد أن اعتقلتها أجهزة الأمن اللبناني وفي حوزتها مبالغ من المال كانت تقوم بتهريبها إلى مقاتلي «داعش» و «جبهة النصرة»، الذين ما زالوا يحتجزون عسكريين لبنانيين وعدداً من أفراد الأمن الداخلي بعد خطفهم خلال المعارك مع الجيش اللبناني في بلدة عرسال في البقاع. وفي العملية ذاتها احتجزت الأجهزة اللبنانية علا العقيلي زوجة أبو أنس الشيشاني، أحد قادة «جبهة النصرة». وأدى توقيف سجى وعلا إلى إقدام «النصرة» على قتل الجندي اللبناني علي البزال الذي كان أحد المحتجزين لديها بعد معارك عرسال في الصيف الماضي.

لم يكن معروفاً حتى الأسبوع الماضي أن ساجدة الريشاوي لها أي قيمة تذكر بالنسبة إلى «داعش». كانت سجينة منسيّة، يسود الاعتقاد، حتى بين أهل ضحايا التفجيرات، أنها مجرد امرأة عادية ساذجة، إلى حد أنها فشلت في تفجير حزامها! حتى المسؤولون في «داعش» لم يعيروها أي اهتمام عندما وضعوا لائحة مطالبهم الأولى بإطلاق الرهينتين اليابانيين اللذين خطفوهما وطالبوا بمئة مليون دولار مقابل إطلاق كل منهما. لكن أهمية ساجدة ظهرت عندما أعلن التنظيم أنه يريد إطلاقها مقابل الرهينة الياباني الثاني، فأصبحت ورقة أساسية في التفاوض غير المباشر بين «داعش» والسلطات الأردنية، وصار إطلاقها مرتبطاً بالإفراج عن الطيار الأردني الذي أسقطت طائرته فوق سورية، عندما كان يشارك في إحدى الطلعات التي يقوم بها سلاح الجو الأردني ضمن مشاركته في عمليات التحالف الدولي ضد «داعش». وكما أن سلامة الطيار الكساسبة صارت مرتبطة بمصير ساجدة، هكذا الأمر بالنسبة إلى الجنود اللبنانيين الذين يرتبط بقاؤهم أحياء بمصير سجى الدليمي وعلا العقيلي.

اختار «داعش» الحلقات الناعمة في هياكله التنظيمية التي لا تثير الشبهات على الحدود ولا في المطارات، كما استغل التقاليد السائدة التي لا تسمح بالتفتيش الدقيق للنساء مثلما هي الحال مع الرجال. ساجدة دخلت بحزامها الناسف إلى عمان، وأوحت للمسؤولين الأمنيين بأنها كانت تستعد لحفل زفافها من زوجها علي الشمري الذي قتل في الانفجار. وأصبح إطلاقها مطلباً مهماً للتنظيم، وذلك تقديراً لدورها السابق ولأن شقيقها تامر كان «أميراً» لـ «القاعدة» في الأنبار أيام الاحتلال الأميركي ومساعداً كبيراً لأبو مصعب الزرقاوي.

أما سجى الدليمي فهي زوجة سابقة لأبو بكر البغدادي، ويقال أن زواجهما لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر لكن لها طفلة منه. ولم يمنعها انقطاع صلاتها الزوجية بزعيم «داعش» من متابعة نشاطها، فقد كانت تعتبر صلة الوصل الأساسية بين قيادات «داعش» في سورية والعراق، والمقاتلين على الجبهات في البلدين، وعند الحدود السورية – اللبنانية. كما كانت تتحكم بمبالغ مالية طائلة، تقدر بمئات آلاف الدولارات. وكانت سجى إحدى السجينات اللواتي أصرّت «جبهة النصرة» على إطلاق سراحهن مقابل الإفراج عن راهبات معلولا في شهر آذار (مارس) من العام الماضي.

الجنس اللطيف له دور وتقدير في صفوف «داعش» و «النصرة». وبعكس معاملتهم لأسيراتهم وغنائمهم النسائية، فإن سيداتهم ومن يحصلن على الحظوة لديهم يتمتّعن بمكانة كبيرة. وهو ما اكتشفته سلطات الأمن في عمّان وبيروت.

الحياة

 

 

 

 

ما بعد «عين العرب».. ليس ما قبله!/ محمد خروب

«باقية وتتمدّد» هذا هو شعار «داعش» الذي بدا في وقت ما، وكأنه قيد التنفيذ والنجاح، وانها مسألة وقت يحتاجه التنظيم الذي تضخّم فجأة وغدا لاعباً رئيساً في المنطقة وفي كتابة جدول اعمالها، فراح يضرب في كل الاتجاهات ويَحْتَّلُ ويُقيم دولته وينشر الرعب ويسفك الدماء ويهدم المساجد والجوامع ودور العبادة وينسف الاضرحة والمقامات ويهجّر المسيحيين ويسبي نساء الازيديين، وكانت ليلة سقوط الموصل فاجعة حقيقية، لكل الذين ارادوا تطهير المنطقة من شرور الارهاب والحدّ من اخطاره وملاحقته، على نحو تكشفت فيه هشاشة دولة كالعراق، لم تنجح في «إشفاء» نفسها من الامراض العضال التي تفتك بالمجتمعات كالطائفية والمذهبية والعرقية وينخر الفساد جذورها والعطالة والتسيّب وغياب القانون..

ما علينا..

اندفاعة داعش الهوجاء التي تلت سقوط الموصل في 10 حزيران الماضي، تجلّت في غزوة اقليم كردستان واقتراب التنظيم الارهابي من عاصمته اربيل، التي كادت تسقط بيد داعش لولا الدعم العاجل والسريع (والذكي سياسياً واستراتيجياً) ان شئنا الدقة، الذي سارعت ايران لتقديمه الى الاقليم، رغم كل التوتر الذي يُميّز علاقات طهران برئيس الاقليم مسعود برزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني (معروف ان علاقات جيدة تربط بين خصم او منافس برزاني، جلال طالباني رئيس الجمهورية السابق)، ما أسهم في لجم الاندفاعة وعجّل في قيام التحالف الدولي لمكافحة الارهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية بعد هجمة داعش الشرسة والخطيرة التي كانت ستقلب موازين القوى وستطيح بالكثير من المعادلات، باتجاه مدينة كوباني (عين العرب) السورية في السادس عشر من أيلول الماضي، تلك الغزوة التي اصابت نجاحاً ملحوظاً في البداية، «نجاح» لم يزد سوى في قلق وتوتر ورعب عواصم ودول عديدة في الجوار السوري والعراقي، وفي دول اقليمية ودولية، رأت في استمرار داعش بالتوسع والامتداد والسيطرة على المزيد من الأراضي، تهديداً خطيراً لمصالحها ونسفاً لكل الجهود التي بذلتها من اجل «ضبط» الاوضاع في المنطقة أو اعادة رسم خرائطها او التحكم بالمدى الذي يمكن للحرائق التي اشتعلتها ان تمتد اليه أو تُهدّد بتوسيعها..

الدور التركي المتواطئ والمشبوه، الذي التقى علانية دونما خشية من لوم أو تخوّف من عقوبات أو توبيخ, كان واضحاً في دعم توجهات وخطط داعش, حيث اكتفى بحشد قواته على الحدود، ليس لارسال رسالة الى داعش بأن تقدمها نحو الاراضي التركية هو مغامرة ستُقابل بالرد السريع, لأن داعش اصلاً لا تفكر بتجاوز الحدود السورية التركية, بقدر ما تسعى الى السيطرة على المراكز الحدودية, وتغدو «جارة» لانقرة تنسق وتتشاور وتلقى الدعم (والاوامر) دونما خطورة أو حاجة الى وسيط.. بل ارادت انقرة ان تغلق الحدود في وجه وصول امدادات وعناصر بشرية كردية (تركية), خصوصاً من مقاتلي حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان الى كوباني.

لم يطل الموقف التركي على عناده, بعد أن ازدادت الضغوط وراح الجميع يتحدث عن مشاركة تركية في نشاطات ومعارك ومعلومات داعش, الامر الذي التف عليه اردوغان واركان استخباراته، فاستدعوا «حليفهم» الاستراتيجي الكردي العراقي مسعود برزاني, كي يقطف ثمار اي تحوّل في المواقف أو التحالفات و»أَذِنوا» له بارسال بعض العتاد والعديد الى كوباني.. هروباً تركياً من الضغوط الدولية، واستباقاً لأي مكسب يمكن أن يحصل عليه كُرد سوريا الذين يتحالفون مع الـ PKK وزعيمه اوجلان الذي هو على خصومة وتنافس مع مسعود برزاني من اجل الفوز بزعامة الكرد في كردستان التاريخية.

تغيّر المشهد كثيراً وعميقاً منذ ذلك الحين، حيث صمدت وحدات حماية الشعب PYD التي شكّلها حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردستاني السوري) واستبسل من جاء من البشمركة العراقية وخصوصاً نساء كوباني ومقاتلاتها الباسلات, على نحو بدا وكأن المدينة قد تحوّلت الى ستالينغراد سورية كردية، وكانت بالفعل حرباً وجودية خاضها الكرد السوريون دفاعاً عن ارضهم وشعبهم وحقوقهم في وجه غزوة فاشية الطابع والاسلوب لم تتردد في مقارفة كل المحرمات، بدون أي وازع اخلاقي أو انساني أو ديني.

جملة القول: أنه وبصرف النظر عن الحذر الذي تُبْدِيه ادارة اوباما في وصف ما حدث مؤخراً بأنه انتصار أو تحرير كامل لكوباني, فإن اجبار داعش على سحب قواته (ولو تكتيكياً أو محسوباً.. كما يدّعي) سيشكل بداية مشوار الافول والتراجع لهذا التنظيم الارهابي, الذي قد لا يختفي بسهولة من المشهد السوري والعراقي (بل والاقليمي حيث تَمدّد أو برز من بايعه من منظمات الارهاب المنتشرة في اكثر من بلد عربي واسلامي) وليس اندحار داعش في محافظة ديالي سوى المؤشر على بداية هذا التراجع والأفول.

الرأي

 

 

 

 

المعطى المزمن: الملايين تحت “سيطرة” الحوثيين و”داعش”/ وسام سعادة

ثمّة تنظيمات جهادية تضافرت دوافع وقرارات وامكانات لتبديد سيطرتها، ولو الى حين، على مناطق استولت عليها، على ما رأيناه في الصومال، مع التدخل الاثيوبي، وفي مالي، مع التدخل الفرنسي، وحرب التدخل الأميركي والأطلسي على طالبان. طبعاً، النتيجة لم تكن حاسمة بشكل نهائي في أي من الحالات الثلاث، خصوصاً في حالة طالبان.

في المقابل، هناك تنظيمات كتنظيم «الدولة الاسلامية» وكحركة «أنصار الله» الحوثية، رغم الاختلافات الواسعة بين التشكيلين والساحتين، لكن يجمعهما بشكل أساسي أنّ سيطرة كل من تنظيم «الدولة» على الموصل، أو الحوثيين على صنعاء تحفر وقائع لن يتوفّر تبديلها رأساً على عقب في الأمد المنظور، في الوقت الذي يهوّن كثيرون سهولة ذلك.

فحتى لو ان الحوثيين لا أهلية لديهم لتشكيل نظام بديل وجهاز مركزي له، وحتى لو أن تشبّه «داعش» ببعض سمات الدولة الحديثة فيه نفحة كاريكاتورية، فليس معنى هذا اننا حتماً امام فقاعتين تتبدّدان بمجرّد توافق خارجي على إنهاء حالتيهما.

بأقل تقدير، لا يمكن ان ينطلق التحليل من تقدير مشابه لتدخل اثيوبيا ضد «حركة الشباب« في الصومال او فرنسا ضد «الجهاديين« في مالي. هذا مع ان السبب متباين: في حالة «داعش» هناك فائض من الحرب العالمية عليه، لكن غير مسندة بخطة جدية للمواجهة الترابية. في حالة الحوثيين هناك قلّة اكتراث عالمية، الا من جهة تداعيات سيطرة الحوثيين على صنعاء على احوال تنظيم «القاعدة« في الجنوب.

الاختلاف بين «داعش» والحوثيين اكثر من بديهي. لكن في الحالتين هناك من ترشحه اوضاعه لأن يفرض حالة مزمنة بصرف النظر عن هشاشة طموحاته لبناء «دولة» بالشكل الذي يبتغيها. نحن أمام حالتي سيطرة على ملايين السكان من قبل فصيلين، دون ان تكون هذه السيطرة بالضرورة تمهيداً لتشكيل نواة دولتين جديدتين جديتين، ودون ان تكون في الوقت نفسه فقاعة.

«داعش» والحوثيون الآن تجربتان في «السيطرة» على مساحات واسعة وملايين السكان، مع اختلاف بين مسعى الحوثيين لتطويع شكل الدولة الوطنية اليمنية لهم، وجذرية «داعش« في «كسر الحدود» وشطب الدول الوطنية. هذا النوع من «السيطرات» مرشّح لأن يتحول الى سمة عدد من البلدان العربية. وطبعاً، كان منطق الاستقواء بالسلاح لبنانياً، تمهيدياً لهذا النوع من السيطرات، لكنها عادت وسبقته بأشواط، وخصوصاً انها تتحرك في مدى جغرافي وديموغرافي اوسع بكثير.

ماذا يعني ان يعيش ملايين السكان تحت سيطرة – لا حكم – «داعش» وملايين آخرين تحت سيطرة الحوثيين؟ يعني خطراً جدياً بتعميم هذا النموذج، بل واعتبار هكذا نموذج بديلاً عن الفوضى الشاملة!

بالتوازي، فان تقويض مفهوم الدولة في هذه المنطقة من العالم يتخذ مناحي متعدّدة. منها مثلا ما حدث في سوريا: اندثار معالم الدولة في مقابل بقاء النظام، ثم تحول النظام أكثر فأكثر الى حالة «سيطرة» اكثر من كونه نظاماً، اي «سيطرة» من جملة سيطرات اخرى على الارض السورية، بعضها لحلفاء هذا النظام وبعضها لأخصامه. ومنها ما هو حادث في لبنان المتأرجح بين عدم قدرة مشروع الهيمنة الفئوي المسلح على احلال معادلته، وعدم القدرة على تفكيكه في الوقت نفسه. ومنها ما هو حادث في العراق: سيطرات بعدد الطوائف والاثنيات في أعقاب الانتقال، بقوة الاحتلال الاميركي اولاً، من هيمنة مذهبية ضمنية وملبّسة بحلّة تقدّمية بعثية، الى هيمنة مذهبية نافرة وموظفة للموروثات الاكثر احتقاناً، انما الجامعة بين «اجتثاث البعث» في العراق وبين نصرة تأبيده في سوريا.

في لبنان وسوريا والعراق واليمن والاراضي الفلسطينية المحتلة لم تعد ثنائية «سلم اهلي ام حرب اهلية» ولا ثنائية «دولة ونظام» تغطي كل مساحة التحليل. «السيطرات» تفرض نفسها اكثر فأكثر كمعطى مزمن.

المستقبل

 

 

 

 

استراتيجيات الغرب في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”: لماذا التحالف مع الأسد خطأ/ هيكو فيمن

السياسة الواقعية، وليس أخلاقيات السلوك، تُقدّم الحجج الأقوى لإسقاط الدعوات المتزايدة التي تطالب بإبرام صفقة بين الغرب والنظام السوري، كما يذكر الخبير السياسي هيكو فيمن في تحليله التالي، الذي يرى فيه أيضا أن من شأن إعادة تأهيل النظام السوري بصورة تدريجية -حتى لو حَكَم جزءا من البلاد فقط- أن تشكّل نجاحا استراتيجيا كبيرا لطهران.

مع تحقيق الدولة الإسلامية تقدّماً عسكرياً كبيراً في الأشهر القليلة الماضية، ازدادت التكهّنات بأن نظام بشار الأسد ربما يتّجه نحو إجراء إعادة تأهيل تدريجية. بما أن أياً من البلدان التي انضمت إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لن يرسل قوات برية، تكتسب الاندفاعة للتعاون مع كل من يرسل قوات برية من بين الأفرقاء المحليين والإقليميين، زخماً متنامياً.

إعادة التأهيل؟

وبما أن شركاء التحالف المفضّلين إما في حالة تشوّش تام (كما الجيش العراقي)، وإما محصورون في مناطق معينة (على غرار قوات البيشمركة الكردية) وإما يكادون لا يستطيعون الصمود في مواقعهم (مثل الجيش السوري الحر)، من شأن نجاح النظام السوري في مواجهة داعش أن يؤدّي إلى ارتفاع أسهم المطالِبين بالانخراط مع الأسد وإخراجه من عزلته.

ومن هؤلاء السير مالكوم ريفكيند، رئيس لجنة الاستخبارات والأمن في بريطانيا، فضلاً عن خبراء وأكاديميين متمرّسين في مجال مكافحة الإرهاب، والرئيس السابق والحالي لمجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، وراند بول الذي يسعى للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.

انسحبت قوات النظام السوري الأحد (24 آب/ أغسطس 2014) من آخر معاقلها في محافظة الرقة في شمال سوريا، لتصبح هذه المحافظة بكاملها تقريبا تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي انتشر على مساحات شاسعة مترابطة من العراق وسوريا.

رفض قاطع؟

لقد رفض صنّاع السياسات في باريس ولندن وواشنطن الفكرة رفضاً قاطعاً، مشيرين إلى سجل النظام السوري المشين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. مما لا شك فيه أن استناد القادة السياسيين إلى الاعتبارات الأخلاقية في خياراتهم في السياسة الخارجية أمر يستحق الثناء، لكن السؤال يبقى إذا كانت هذه المواقف المستندة إلى المبادئ ستصمد في حال فشلت المقاربة الحالية القائمة على شن هجمات جوية محدودة في تحقيق النتائج المرجوة.

ماذا لو استولت الدولة الإسلامية مثلاً على مدينة حلب في شمال سوريا أو تقدّمت باتجاه مدينة سلمية مهدّدةً بارتكاب مجزرة جماعية بحق سكّانها الإسماعيليين الذين يعتبرهم المتشدّدون هراطقة؟ إذا كان التعاون مع تنظيمات مصنّفة على لائحة الإرهاب مقبولاً للدفاع عن كوباني الكردية، فما الذي يمنع أن يكون التعاون مقبولاً مع النظام السوري؟

شكوك حول قدرة جيش الأسد

بيد أن تحليلاً معمّقاً يكشف أن التداعيات السلبية لأي تعاون محتمل مع الأسد تتخطّى بأشواط المنافع المزعومة. حتى إن هناك علامة استفهام كبيرة حول تمتُّع الأسد بالقدرة العسكرية لدحر داعش. فعلى الرغم من امتلاك الجيش السوري النظامي معدات أكثر تفوّقاً إلى حد كبير، فإن ماتبقّى منه لم يحقق سوى تقدّم بطيء جداً في مواجهة زمر الجيش السوري الحر المبعثرة التي تعاني من سوء التسليح وغياب التنسيق المناسب.

معظم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تقع الآن تحت إمرة ميليشيات تعتاش من النهب والابتزاز، وهي لاتجدي نفعاً في القتال الطويل الأمد. في الأشهر الأخيرة، نجحت مجموعات صغيرة من الثوار مجهّزة بصواريخ “تو” المضادة للدبابات في صدّ هجمات النظام مراراً وتكراراً، ماأثار شكوكاً جدّية حول قدرة جيش الأسد على شن عمليات هجومية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية المجهّزين جيداً والذين يأتمرون بقيادةٍ فعّالة.

“مع تحقيق الدولة الإسلامية تقدّماً عسكرياً كبيراً، ازدادت التكهّنات بأن نظام بشار الأسد ربما يتّجه نحو إجراء إعادة تأهيل تدريجية”، كما يرى هيكو فيمن.

ففي الماضي القريب، انتهت معظم المواجهات بين الدولة الإسلامية والجيش السوري بتعرّض هذا الأخير لهزيمة نكراء. وقد تراجعت معنويات الجيش السوري أكثر فأكثر بعدما بات معلوماً أن النظام يتخلّى عن جنوده ويتركهم في قبضة عدوٍّ لايعرف الرحمة. ليس صحيحاً على مايبدو أن الجيش السوري يمكن أن يشكّل “قوة برية مقبولة” في مواجهة داعش، كما يقترح رئيس مجلس الشؤون الخارجية سابقاً ليزلي غيلب.

تعميق البعد المذهبي للصراع

ربما يخفي هذا الواقع جانباً إيجابياً، لأن إحراز الجيش السوري تقدّماً مهماً في مواجهة داعش لن يؤدّي سوى إلى تعميق البعد المذهبي للنزاع. فالوحدات الأكثر فعالية التي لايزال بإمكان الأسد نشرها على الأرض تتألف في شكل أساسي من العلويين الذين يتولّون أيضاً الغالبية الساحقة من المناصب القيادية في تلك الوحدات، في حين أن الفريقَين الخارجيين اللذين يمدّان الأسد بالمؤازرة – حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني – يتألفان حصراً من الشيعة.

وإذا اجتاحت هذه القوات المناطق ذات الأكثرية السنّية التي تسيطر عليها الآن الدولة الإسلامية، فسوف يزداد الجهاديون تمسّكاً بروايتهم عن معركة تاريخية يخوضونها ضد “الهراطقة” الذين يخونون الإيمان الحقيقي. وسوف تكون هذه البروباغندا فعّالة جداً لاسيما وأن سجل النظام يُظهر أن أي اجتياح من هذا القبيل سيترافق مع فظائع وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين. علاوةً على ذلك، إذا بدأت هذه المجموعات تعتبر أن التحالف المناهض للدولة الإسلامية يسهّل حدوث هذه المجزرة، ولو عن غير قصد، فسوف يضع الجهاديون جميع أعدائهم – الشيعة والعلويين، والإمبرياليين، والغرب والأنظمة الملَكية العربية – في سلّة واحدة، مايمنح الدولة الإسلامية الأداة الأكثر فعالية لاستقطاب المجنّدين إلى صفوفها.

والأسوأ هو التأثيرات التي يمكن أن تمارسها هذه المعطيات على المسلمين السنّة الذين لايتبعون (حتى الآن) الأفكار المتشدّدة، لكنهم مستاؤون جداً من ازدواجية المعايير التي يعتبرون أن العواصم الغربية تتعاطى من خلالها مع المجزرة التي يتعرّض لها أبناء طائفتهم في سوريا. يتكوّن انطباعٌ كارثي بأن القوى الغربية لاتبادر إلى التحرّك إلا عندما تكون الأقليات الدينية أو الإثنية – الشيعة أو المسيحيون أو اليزيديون أو الأكراد – مهدّدة.

أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه وثق مقتل 76021 شخصاً خلال عام 2014. وقال المرصد في بيان تلقت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) نسخة منه الخميس (الأول من يناير/ كانون الثاني 2015) إن عدد المدنيين القتلى بلغ 33278 بينهم 3501 طفل و1987 أنثى فوق سن 18 عاماً و12302 رجل فوق 18 عاماً، و15488 من مقاتلي الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية.

تهديد للتعاون مع السنّة وللتماسك الإقليمي

التعاون مع الأسد لن يعزّز جاذبية المجموعات الجهادية في سوريا وحسب، بل يمكن أن يهدّد أيضاً التعاون مع السنّة المعتدلين، بما في ذلك أجزاء من الجيش السوري الحر. وسوف يؤدّي ذلك إلى ازدياد أعداد المنشقّين الذين سيلتحقون بالتنظيمات الجهادية، وقد يتحول عدد كبير من المجموعات الإسلامية التي توصَف بـ”المعتدلة” نحو التطرّف.

كما أنه من شأن التحالف مع الأسد أن يمارس تأثيراً عميقاً على التماسك الإقليمي. لقد أعلنت تركيا، الحليفة المتردّدة، بوضوح شديد أنها تعتبر أن الأسد، وليس داعش، هو المشكلة الأساسية. وإذا توصّلت القيادة التركية إلى الاستنتاج بأنه لدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الدولة الإسلامية سلم أولويات مختلف، فلن تنفع الجهود من أجل إقناع أنقرة بوقف تدفّق المجنّدين والإمدادات إلى “داعش” عبر الحدود التركية-السورية الطويلة.

وسوف تطال التداعيات أيضاً التحالف مع بلدان الخليج. فعلى الرغم مما يوحي به ظاهر الأمور، لا يستطيع ملوك الخليج فرض سياسات خارجية غير شعبية من دون أن تحظى بتأييد الأفرقاء المعنيين في صفوف النخبة، وأعضاء الأسر الحاكمة، والسلطات الدينية. تشهد هذه المجتمعات تململاً مذهبياً شديداً ودعماً أيديولوجياً كبيراً للإسلاميين (السنّة) المتشدّدين، وقد ساهمت الشبكات الخاصة من الأشخاص الأثرياء والنافذين، إلى حد كبير في صعود تنظيمات مثل “داعش” في المقام الأول.

وكانت للأجهزة الأمنية الخليجية، في البداية على الأقل، حصتها في هذا الإطار. إذا ولّد التحالف انطباعاً بأنه يتعاون مع الأسد، فسيصبح من الأصعب إبقاء هذه النزعات تحت السيطرة، وسوف يتعرَّض حكام الخليج لضغوط متزايدة في الداخل كي يخفّضوا مشاركتهم في التحالف أو ينسحبوا منه.

قد يكون الحكّام أنفسهم أشد قلقاً بشأن تأثير المتشدّدين على مجتمعاتهم وما يمكن أن ينجم عنه من زعزعة للاستقرار. بيد أن هذه الهواجس يحجبها الخوف الأعظم من الاندفاعة التي يمكن أن تحصل عليها أطماع الهيمنة الإيرانية في حال بقاء الأسد في السلطة.

من شأن إعادة تأهيل النظام السوري بصورة تدريجية، حتى لو حكَم جزءاً من البلاد فقط، أن تشكّل نجاحاً استراتيجياً كبيراً لطهران. ففي هذه الحالة، لن تتمكّن إيران فقط من تعزيز نفوذها على ثلاث دول عربية (لبنان وسورية والعراق) – التي يبلغ عدد سكانها مجتمعةً 60 مليون نسمة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد مواطني السعودية، والتي تمتدّ أراضيها معاً من نهر دجلة إلى ضفاف المتوسط – بل ستوجّه أيضاً رسالة واضحة عبر المنطقة بأن من يحصلون على دعمها يتمكّنون من الصمود والحفاظ على مواقعهم. إلى جانب دول الخليج، سوف تبذل إسرائيل أيضاً مساعي لدى واشنطن من أجل الحؤول دون التوصل إلى مثل هذه النتيجة، لأنها قد تعني إقراراً ضمنياً من الإدارة الأمريكية بدور إيران الإقليمي.

التفكير في التعاون مع الأسد يتغاضى عن نقاط ضعفه، ناهيك عن الدمار الذي يمكن أن يلحقه بالتحالف المناهض لتنظيم “داعش”. وقد يؤدّي بسهولة إلى انهيار هذا الائتلاف، كما أنه يتطلّب خيارات في السياسات ليست الولايات المتحدة جاهزة لاتّخاذها. وتبدو السياسة الواقعية هي الرادع الأقوى ضد إبرام صفقة مع الأسد.

حقوق النشر: صدى 2014

هيكو ويمن مساعد بحوث في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية Stiftung Wissenschaft und Politik – SWP في برلين.

االمحلل السياسي كريم الجوهري: عمل عسكري دولي من دون تخطيط سياسي في سوريامدير معهد الدراسات الاستراتيجية فولكر بيرتيس: “داعش”..مشروع شمولي جهادوي يهدف لبناء دولة هيمنوية توسعيةالخبير الألماني راينر هيرمان: من الحشاشين إلى القاعدة ومشتقاتها.. تعارُض الإسلام مع الحداثة أطروحة ساذجة الخبيرة الألمانية في الشؤون السورية كريستين هيلبيرغ: الأسد وداعش…وجها الإرهاب في سوريا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى