صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

الحرب على الإرهاب جزء رئيس من استراتيجية النظام السوري للبقاء/ راغدة درغام

تتوجه الأنظار في الأيام المقبلة الى مونترو وجنيف ودافوس ولاهاي التي ستشهد أحداثاً تاريخية تقع ايران وسورية وحلفاؤهما في صلبها – بالذات روسيا و «حزب الله»، لأسباب مختلفة. معارك تسويق المواقف في حملات العلاقات العامة لافتة ومثيرة للسخرية أحياناً، لا سيما عندما يقنّن محور روسيا/ سورية/ ايران: «حزب الله»/ الصين حملته في الحرب على الإرهاب لفرضها كأولوية قاطعة في مؤتمر جنيف – 2 حول مستقبل سورية الذي يُفترض أن ينطلق في 22 الشهر الجاري من مونترو. ففي لاهاي، عاصمة العدالة الدولية، يقف «حزب الله» وحليفاه السوري – الإيراني في قفص الاتهام عبر قرار ظنّي صدر في حق أربعة أشخاص لهم علاقات وثيقة بـ «حزب الله» وسورية وإيران بتهمة التورط في العملية الإرهابية التي أودت بحياة رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري و22 من رفاقه. موسكو قررت ان الإرهاب الذي يعنيها هو حصراً الإرهاب السنّي المتمثل في «القاعدة» ومشتقاتها لأنه عدوها المباشر في الشيشان والآن في عُقر الدار الروسي. طهران قررت توزيع الأدوار بين ديبلوماسية الانفتاح على المملكة العربية السعودية التي توحي هي بها وبين مهمة إلصاق تهمة دعم المجموعات الإرهابية بالسعودية التي أوكلتها الى دمشق و «حزب الله» بلا تمييز بين الموقف الحكومي للرياض وبين ما يقوم به أفراد وعائلات سعودية. الرئيس الإيراني حسن روحاني سيتوجه بديبلوماسية «الابتسامة العريضة» الى دافوس في جبال الألب بغض النظر عما إذا كان وزير خارجيته جواد ظريف سيشارك في المحفل الدولي على شاطئ بحيرة مونترو للبحث في مستقبل سورية الذي قد يهم طهران بمقدار ما تهمها المفاوضات النووية. ففي دافوس، حيث يعقد «المنتدى الاقتصادي العالمي» للسنة الـ44 مفاتيح مهمة لتحقيق أولوية تخفيف العقوبات عن ايران. وأهم سلاح في هذا هو سحر «الابتسامة العريضة» في الديبلوماسية الإيرانية الجديدة. أما في مونترو ثم جنيف – حيث يُفترض بدء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة السورية على تنفيذ بيان جنيف – 1 لتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة –، فإن التحدي الأكبر هو كيفية لجم دمشق وحلفائها عن تمزيق بيان جنيف – 1 وحرقه في طيات الحرب المزعومة على الإرهاب.

الإرهاب، بالتأكيد، موجود في سورية بقرار من أكثر من فاعل ومموّل ومتطوّع. وقد أتى نمو هذا الإرهاب على أيدي أكثر من مساهم محلي وإقليمي ودولي. مكافحته باتت ركيزة شراكة أميركية – روسية – أوروبية – صينية. الحكومة السورية وجدت في الإرهاب على أراضيها وسيلة لتكون جزءاً من تلك الشراكة، لا بل ايقونة لها ولخلاصها من المحاسبة.

الإرهابيون الجدد الآتون الى سورية من أوروبا وروسيا والولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا والدول العربية هم أعداء للشعب السوري ولمستقبل سورية مهما بدا للبعض أن في أيدي هؤلاء الإرهابيين وسائل الرد على بطش الحكومة السورية. معركة هؤلاء ليست المعركة من أجل سورية. انها حربهم الأيديولوجية على حساب أطفال سورية وأجيالها. فبالتأكيد، يجب ان تتكاتف الدول ضدهم.

إلا أن ما يحصل في سورية اليوم، تحت شعار الحرب على الإرهاب، يشكل تخاذلاً أميركياً – أوروبياً وارتماءً في أحضان ما رسمته دمشق وحلفاؤها من خطوات تسير فيها واشنطن ولندن وعواصم أوروبية أخرى.

فهرولة الاستخبارات الأميركية والأوروبية الى دمشق – كما جاء في هذه الزاوية قبل أسبوعين – بدأت تطفو الى الملأ بقرار من النظام في دمشق الذي ينوي الاستفادة من الهرولة لصوغ شراكة فعلية تجعله غير قابل للاستغناء عنه في حربه على الإرهاب. فهو نصّب نفسه الواجهة والأداة لهذه الحرب. وهو جاهز لاستخدام الإرهابيين الجدد لترويع من يتلكأ عن تلك الشراكة. فالحرب على الإرهاب باتت جزءاً رئيساً من استراتيجية البقاء في السلطة. الخطوة الأولى في مسيرة الشراكة اتت عبر الموافقة على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية. الخطوة الثانية هي الحرب على الإرهاب، وفق الاستراتيجية السورية المدعومة روسياً وإيرانياً.

لا توجد استراتيجية مضادة لدى من يعارضون بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة – لا الأطراف المحلية ولا الاقليمية. الأطراف الدولية الأميركية والغربية تتظاهر بأنها تمتلك استراتيجية قوامها الانتظار الى حين الإنهاك المتبادل في حرب الاستنزاف بين قوى النظام ومن يدعمه من «حرس ثوري» ايراني أو «حزب الله» وبين قوى المجاهدين الجدد أو التكفيريين كما يسمّون الآن. أما روسيا، فإنها راهنت على الانتصار على التطرف الإسلامي في سورية لإبعاده من مدنها ثم وجدته يلاحقها ويتوعدها بالانتقام من استثماراتها في سورية. وقد لا تكون وحدها في هذا المأزق مستقبلاً.

فالجهاديون الجدد يتوعدون كل من لا يبصم على ايديولوجيتهم التدميرية – بمن في ذلك مَن يدعمهم اليوم. لذلك، فهم ليسوا الجواب مهما وصلت درجة الإحباط في سورية. انهم في الواقع أداة ضد الشعب السوري بأكمله وأداة نجحت في إلحاق الأذى بالثورة السورية وبصفوف المعارضة.

فإذا كانت استراتيجية النظام في دمشق استخدام المجاهدين الجدد لمصلحة بقائه في السلطة، فالحاجة ماسة لاستراتيجية مضادة – خالية من الاعتباطية لأولئك الذين لا يوافقون على بقاء بشار الأسد في السلطة.

محطة مونترو ثم جنيف مفيدة للتفكير مجدداً في أكثر من أنماط الغضب واللوم والتذمر من هذا وذاك. انها نافذة على اعادة النظر في ما أدى الى الفشل أو الهزيمة لإطلاق استراتيجيات بديلة.

أولاً، ان الحؤول دون اسقاط جنيف – 2 في دائرة الحرب على الإرهاب للتملص من تنفيذ أهداف بيان جنيف 1 لشهر حزيران (يونيو) 2012 وقرار مجلس الأمن 2118 يتطلب مد الدعم للممثل الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي الذي يتمسك بمرجعية مؤتمر جنيف – 2 على انها تنفيذ لجنيف – 1.

فمهما كانت لدى أية أطراف خليجية مآخذ على الإبراهيمي، فإن الإبراهيمي ليس حليفاً لدمشق ولا هو جاهز لإعطائها فرصة اختطاف جنيف – 2 لأهداف غير التي حددها – وهي الاتفاق على هيئة حكم انتقالي في سورية بصلاحيات كاملة.

الإبراهيمي يؤمن بالتأكيد بضرورة ايقاف المجاهدين الجدد عن اقتناص سورية وتحويلها ساحة حرب بالنيابة لأهدافهم المريضة. لكن الإبراهيمي أوعى من اختزال الأمر الى حرب على الإرهاب. ثم انه يدرك تماماً مَن هم اللاعبون الآخرون على الساحة السورية ومن بينهم «حزب الله» و «الحرس الثوري» – وهذا جزء أساس من رغبته المعلنة بأن تكون ايران على طاولة المفاوضات.

ثانياً، هناك أصوات خليجية وسعودية بالذات تطالب بمقعد لمجلس التعاون الخليجي على طاولة المفاوضات النووية بين ايران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً المانيا. هناك آخرون يتحدثون تكراراً عن مفاوضات سرية بين بعض هذه الدول وإيران حول الدور الإقليمي لإيران. سورية والعراق ولبنان ساحة مفتوحة للطموحات الإيرانية الإقليمية. لذلك، ان أية فرصة لوجود ايران على طاولة البحث سوية مع الدول الخليجية المعنية يجب ان تكون الآن مطلباً خليجياً ليس فقط للتأثير في المواقف الإيرانية بزخم دولي وبضغوط دولية وإنما أيضاً لأن المأساة السورية تتطلب وقف النزيف كما الآن العراق ولبنان في بالغ الخطر من الانهيار.

ثالثاً، من المفيد للدول الخليجية ان تدخل طرفاً مباشراً في الحرب على الإرهاب كي تُحبط الاستراتيجية السورية التي تتعمد تصويرها طرفاً في الإرهاب. فلقد حان وقت قلب الطاولة على تلك المعادلة كما على الأهداف من ورائها.

رابعاً، بدلاً من التشكيك الدائم في صدق ديبلوماسية الاعتدال الآتية من طهران عبر الرئيس حسن روحاني، ان الاستثمار في ذلك الاعتدال زاوية مهمة في استراتيجية جديدة للدول الخليجية. فإذا صَدَق الاعتدال، كانت له شريكاً. وإذا انتصر الاعتدال في وجه أركان التشدد والتطرف في طهران، تكون الدول الخليجية في خانة التفاهم مع القيادة الجديدة. أما إذا غُلِبَ الاعتدال على أمره، فإن الدول الخليجية تكون قد أثبتت حسن النية والعزم على فتح صفحة جديدة مع ايران المعتدلة وتكون أيضاً في صفوف الدول الغربية الداعمة للاعتدال.

خامساً، تتطلب القراءة المعمّقة للمواقف الأميركية الاستنتاج ان الرئيس باراك أوباما لن يتخلى عن إقباله على ايران مهما كان. هذه سياسة أميركية ثابتة الآن وهي تتطلب استراتيجية خليجية جدية وعملية لا تتوعّد بلا استخدام جدي لأدوات المواجهة – إذا اختارت المواجهة مع الولايات المتحدة. وبالتالي، وكما يقول المثل: ان لم تستطِع الانتصار عليهم، فالتحق بهم.

سادساً، لا داعي للغياب الخليجي المذهل عن معركة العلاقات العامة التي تسجل فيها دمشق وطهران وموسكو ربحاً هائلاً. حان الوقت لاستراتيجية علاقات عامة جديدة ترافق الاستراتيجية الجديدة الضرورية للدول الخليجية. فلا يكفي التذمر من انجازات دمشق ولا من إقبال الغرب بشغف على سحر ديبلوماسية الابتسامة العريضة لطهران مهما بقيت طهران تلتزم الغموض المتعمد وسياسة المواربة.

فعندما يصل الرئيس حسن روحاني الى دافوس سيسترق الأضواء وستكون أمامه فرصة ثمينة وساحة مفتوحة ليفتن مَن لم يفتنه عندما قام بزيارته الى الأمم المتحدة في نيويورك. ليست هناك استراتيجية خليجية مماثلة.

المنتدى الاقتصادي العالمي لا يقفل أبوابه أمام القيادات الخليجية لو شاءت المشاركة فيه على مستوى الملوك والأمراء. انه تجمع لأكثر من 40 رئيس حكومة ودولة. وبين المنتدى الاقتصادي العالمي ودول في مجلس التعاون الخليجي علاقات منتظمة ومؤتمرات تُعقَد في هذه الدول. لكن قياداتها تتغيب تكراراً عن المحفل المهم في دافوس. وحانت اعادة النظر في هذا أيضاً.

في دافوس ستحضر التجربة التونسية كنموذج لما يمكن تحقيقه عندما يُعقد العزم على إنجاح مسيرة التغيير في المنطقة العربية. سيتم التركيز على المسؤولية الدولية إزاء مأساة اللاجئين السوريين كما على ما سينتج من مؤتمر جنيف – 2 في مونترو في اليوم ذاته من عقد مؤتمر دافوس لأربعة أيام تالية. وهذا يتطلب وجوداً عربياً وخليجياً خصوصاً بشكل مختلف عن العادة، لا سيما ان ايران جاهزة لتوظيف المناسبة حصراً لمصلحتها.

الدول الخليجية يجب أن تعي ان تغيبها يُلاحَظ وأن العالم ينظر الى مساهماتها في سورية والعراق ولبنان طبقاً لما يسمعه من غيرها. الكويت، مشكورة، استضافت مؤتمر المانحين الذي تعهد بمبلغ 2,4 بليون دولار للسوريين المتضررين من هذه الكارثة التي حلّت بهم. هذا لا يكفي لرفع العتب عن الدول الخليجية.

مؤتمر جنيف – 2 قد يصبح مجرد عملية على نسق عملية السلام للشرق الأوسط. وهذه ستكون نتيجة مؤلمة إذ انها ستعني استمرار القتال والمفاوضات معاً. الاسرة الدولية قد ترفع العتب عن نفسها من خلال مواقف إنسانية لا تصل الى مرتبة فتح ممرات انسانية لتقديم المساعدة.

أولى محطات الاستراتيجية الجديدة المطلوبة هي في المشاركة الجدية لإنجاح مؤتمر جنيف – 2 لينفّذ أهدافه المعلنة وليس للقفز عليها عبر الحرب على الإرهاب أو من خلال اجراءات رفع العتب الإنسانية.

انها فرصة يجب ألا تفوّتها الدول الخليجية. انها مناسبة لمفاجأة استراتيجية متكاملة وعملية.

الحياة

“داعش” وأخواتها/ عائشة المري

يعيش السوريون حالة صدمة إزاء التطورات الأخيرة التي تشهدها الحرب، فمن يقتل من؟ ومن يقاتل من؟ سلسلة من التصفيات والتحالفات المؤقتة، فإذا سألت عن القتال الجاري في سوريا بين التنظيمات المعارضة التي كانت في جبهة واحدة في حربها ضد النظام، تحتار في تفسير تطورات الأحداث الأخيرة طالما بقي «العدو» المشترك ولم تحن حتى فرصة ظهور الخلافات بين الرفقاء في ساعات الانتصار، فما هو مستقبل التنظيمات المسلحة التي تحمل لواء المعارضة على الأرض السورية في ظل التحالفات الهشة والأجندات الخاصة التي تحملها، وإذا صبت تحالفات المعارضة السورية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المسمى «داعش» اليوم فعلى من ستدور الدوائر غداً في لعبة التحالفات والمصالح على الأرض السورية، والسؤال الأدعى للطرح لمصلحة من تتعارك المعارضة، أليس المستفيد الأول هو النظام السوري؟

أصبحت سوريا ساحة لمواجهات متعددة، فبعد أن انحصر القتال في الفترة الأولى بين جيش النظام السوري وفصائل المعارضة انتقلت المواجهات وتطورت إلى حرب بين فصائل المعارضة المسلحة وبعضها البعض، إضافة إلى الحرب الدائرة بين الحكومة والمعارضة المسلحة. وكانت الحرب في سوريا قد أصبحت أحدث جبهات المجموعات الإسلامية، ففيما انبثق بعضها من المجتمع السوري نفسه، كان البعض الآخر وافداً على أرض سوريا لأسباب عقائدية وطائفية. ولكن العديد من مقاتلي الجيش الحر ذوو توجهات علمانية إلا أنهم تحالفوا مع الجماعات الإسلامية المسلحة بهدف محاربة نظام الأسد لعدة أسباب إن لم يكن توحد الخصم أبرزها فلأن الجماعات الإسلامية المسلحة تتلقى دعماً مالياً ولوجستياً من شبكات دولية تمدها بالسلاح والمال والمقاتلين. ولكن اليوم يبدو أن الدوائر قد دارت على تنظيم «داعش» الذي كان قد تأسس في سوريا قبل نحو ثمانية أشهر بعد تحالف فرعي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وفي سوريا، وتمكن من السيطرة على عدد من المناطق الاستراتيجية وقد أقام التنظيم عدة «إمارات» تابعة له في ريفي حلب وإدلب، فارضاً نظرته الدينية المتشددة، مما أثار استياء شرائح عديدة من سكان تلك المناطق. كما وسع تنظيم «داعش» المواجهة لتمتد إلى فصائل المعارضة الأخرى. وتحدثت بعض التقارير عن قتل «داعش» لعدد من قادة المعارضة الميدانيين. وشكل عدد الفصائل الإسلامية والكتائب العاملة تحت مظلة «الجيش الحر» تجمعاً جديداً أطلقوا عليه اسم «جيش المجاهدين». معلنين أن الهدف الأساسي من تشكيل «جيش المجاهدين» هو مواجهة «داعش»، داعين جميع الفصائل للانضمام إليه في قتالها، وهي الدعوة التي سرعان ما لاقت استجابة سريعة من قبل «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية».

قتال شرس جارٍ بين رفاق الأمس على الأرض السورية، صراع أفكار وصراع مسلح تغذيه تحالفات خارجية وأجندات متعارضة، فالغرب يمتنع عن تقديم الدعم للمعارضة السورية بحجة الجماعات «الجهادية» الإسلامية المنبثقة من تنظيم «القاعدة»، وهي الحجة التي تتبناها الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للنظام السوري كروسيا والعراق وإيران، لتبرير مواقفها السياسية. ولكن الغرب أيضاً يميل إلى تبرير تحفظه بوجود المجاهدين الإسلاميين في سوريا، فقد انعكس تطور الحرب إلى حرب طائفية، وقد شجع المجتمع الدولي المجموعات المسلحة المعارِضة على تصعيد الوضع وقد بدرت إشارات تعبر عن الدعم الأوروبي والأميركي للمعارضة السورية المسلحة، ولكن كل ذلك لم تتبعه الأفعال وبدأ المجتمع الدولي بالحديث عن تحريك العملية السياسية بالصيغة الروسية، فيما لا تزال الحالة السورية على أرض الواقع تسير من سيئ إلى أسوأ.

لقد أصبحت العملية السياسية المستندة للتفاوض والوساطة شبه مستحيلة، وحتى لو نجح الغرب في تجميع الفرقاء وحلفائهم على طاولة مفاوضات جنيف 2، فإن أسباب التخاصم والكراهية كبيرة، فالمعارضة السورية مجزأة وتزداد تجزؤاً بشكل دموي، فكل مجموعة مسلحة لها جهة دعم مختلفة عن الأخرى، وبرنامج مختلف. اليوم «داعش» وغداً فصيل آخر والمشهد السوري يتجه للمزيد من التطرف الكارثي.

الاتحاد

داعش من ورائكم.. وامراء الطوائف من امامكم/علي حسين

وانا اقرأ الحوار المثير الذي أجرته صحيفة الحياة اللندنية مع احد الناجين من سجون “داعش”.. انتابتني حالة من اليأس والحزن..يقول سيف الإدلبي، وهو طالب في جامعة حلب “شاركت في تظاهرة ضد النظام (السوري)، وتم اعتقالي. وبعد خروجي من المعتقل بعد شهر، بدأت في الحراك السلمي. وخططت مع شباب لتحريك التظاهرات في الجامعة”. ويضيف: “بقيت مطلوباً على حواجز النظام وطردت من الجامعة. كما أن والدي، وهو مهندس يعمل في معمل أسمنت، انشق عن النظام. وواصلت نشاطي الإعلامي في حلب وتنقلت مع والدي على الجبهات”. ولم يدربخلد هذا الشاب أن ثورته ستسرق من قبل متطرفين تحولوا في لحظات إلى وكلاء باسم الله يمتحنون أناسا مساكين بعقيدتهم، سيقول البعض إن عمليات القتل والذبح هي طبيعية للصمت الخبيث إزاء ما يحدث من مجازر للشعب السوري الذي قـُتل منه حتى هذه اللحظة أكثر من 120 ألف إنسان.

منذ نصف قرن وفي لحظة إعلان “الجمهوريات العربية المناضلة” وشعوب هذه المنطقة تحولت إلى آلات حاسبة تعد كل يوم عدد القتلى والمغيبين.. ومنذ نصف قرن أيضاً وقادة هذه المنطقة أدمنوا أخبار الدماء ورائحة الجثث في الطرقات.. وأدمنوا معها مشاهد التعذيب وتعليق الخصوم في سجون المخابرات.. الجميع ينظر إلى شعبه على أنه جرذان وفقاعات!

حكاية الشاب الادلبي “ربما كانت جوابا على سؤال ظلت الناس تردده: إلى أين قادتنا جمهوريات الخوف؟ يكتب ألبير كامو منددا بوحشية المنتصرين: “يجب ألا نخلط بين آمال الحرية، والأمل النهائي في الانتصار على الظلم والكراهية والعنف.. فالحرية ليست القتل.. وأيضا ليست السلام الذي يفرض ثمنا دمويا”.

كل ما نراه من على شاشات الفضائيات من انهيار لقيم الحياة، هو صناعة حكومية خالصة. فبأيدي قادتنا الأشاوس كتبنا أسوأ صفحات في تاريخ الإنسانية، كلهم حفظوا عن ظهر قلب خطبة موسوليني الشهيرة “لا مكان للعظام العفنة بعد اليوم”..، كلهم ظلوا مشغولين بابتكار وسائل جديدة للقتل، لكن لغة الوحوش واحدة: لا مكان لأنفاس الناس.. هناك طريقان لبناء الجمهوريات الحديثة، إما القبر أو السجن. ليضيف لها دعاة تكفير المجتمع طريقة ثالثة وهي قطع الرؤوس وتعليقها. سيف في حواره مع الحياة يقول “وضعوا رأساً مقطوعاً في وسط الغرفة، وطلبوا من كل واحد منا حمله من أذنيه وتقدير وزنه. أما السياف المصري، فوضع سيفه على رقبة السجين الأرمني، وقال: إنها طرية ولن تعذبني كثيراً” طريقة نادرة من الهمجية تخصص بها القدر السياسي في بلاد العرب والمسلمين، حيث أخرجنا للبشرية خير أمة في فنون القتل والتنكيل وإنشاء مزارع لتربية هذه النوعية من الوحوش المنقرضة.. وربما لا يدري الادلبي ان سجانيه ارادوا احياء تقاليد تراثية حاول المؤرخ البغدادي عبود الشالجي ان يجمع بعضا منها في موسوعة العذاب، حيث نقرأ كيف رمى هشام بن عبد الملك، زيد بن علي في حِجر والدته؟ ورمى رأس مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، في حِجر ابنته، ورمى أبو جعفر المنصور رأس إبراهيم أخي محمد النفس الزكية في حجر والده عبد الله بن الحسن، ورمى رأس المعتز بالله في حِجر جاريته، ورمى رأس ابن الفرات في حِجر والده

تنمو القسوة وتزدهر في الظلمة، واليوم الظلمة هي الصمت الذي أصبحت فيه مشاهد قطع الرؤوس، واستخدام المنشار والدريل في تجميل أجساد البشر أمرا عاديا، و”كلبيات” الدماء التي تتفنن في بثها قناة الجزيرة واخواتها.

تكتب هيفاء البيطار في السفير وصفا لجمهورية الخوف في عهد بشار الأسد:”ككل سكان اللاذقية لا نتحدث في سهراتنا إلا عن انتهاكات المسؤولين الذين لا يحاسبهم أحد والذين جمعوا ثروات طائلة، وكنا نراقب فجور السلطة التي تدفع بأحد هؤلاء أن يأمر مواطناً يمشي في الشارع أن يتكوم في صندوق سيارته ويغلقه تماماً ثم يقود سيارته الهامر أو المرسيدس المُجنحة بأقصى سرعة ويعود إلى النقطة ذاتها ليخرج المواطن من القفص وهو يقهقه متأملاً وجوه الناس الذاهلة وشفاههم التي ألصقها صمغ الخوف”.

انظمة القمع وجماعات جز الرؤوس، لا تعمل إلا في ظل مجتمع الطوائف، أو صراع المظلوميات على اعتبار أن الإسلام غريب في هذه البلاد، وأن المسلمين مظلومون.. يتعرضون للمؤامرات.. ذلك التفسير المزيف للأزمات الذي لا يرى الواقع، لكنه يحوله إلى مبرر للحشد خلف حكومات طائفية، او جماعات إرهابية ترى في قطع رؤوس معارضيها انتصارا للدين والطائفة.

 المدى

سعوديون يتقاتلون في سورية/ عبدالله بن بخيت

كتب الأستاذ جميل الذيابي في جريدة الحياة مقالاً أعتقد أن قراءته مهمة. نحن على موعد مع صراع داخلي يتم تأسيسه في الخارج وبأدوات محلية. شبيه بما يسمى أطفال الأنابيب. يصار إلى زراعة مادة التلاقح في حاضن خارجي وإذا بلغت النضج تنقل إلى الرحم المطلوب. هذا ما يحدث في سورية. وهذا ما سينتهي إليه الأمر في المستقبل القريب على أرض كثير من الدول.

يتساءل الأستاذ جميل في نهاية المقال من هو المستفيد. من المستفيد من ترحيل صغار السن السعوديين للقتال في قضية لا تخصهم ولا علاقة لهم بها، في الوقت الذي لا أحد يجهل أن سورية أصبحت ساحة لصراع المخابرات الدولية. روسيا، إيران، إسرائيل، أمريكا فرنسا، بريطانيا، العراق، وبعض الدول العربية وبالطبع مخابرات بشار الأسد. إذا نحن نظرنا إلى ما يخصنا من هذا الصراع الدولي سنسأل من يستقبل مراهقي المملكة في سورية ويوجههم للالتحاق بهذه المنظمة أو تلك لينتهي الأمر أن يقتل بعضهم البعض كما جاء في مقال الأستاذ جميل الذيابي؟ الجواب على هذا السؤال في غاية التعقيد. سنضطر إلى الخوض في أعمق أسرار الدول وهذا مستحيل. لكن هناك طريقة أخرى للإجابة على هكذا سؤال تتلخص في النظر إلى الداخل. أن نضع قائمة مستوفية بالدعاة المهتمين بشكل مباشر (وغير مباشر) بالتشجيع على الجهاد في سورية أو على جمع التبرعات، وخاصة هؤلاء الذين بدأوا يزخرفون خطبهم وتغريداتهم بالحديث عن الفساد داخل المملكة. هؤلاء الذي بدأوا يخلطون التحريض الداخلي مع الخارجي. لا أظن أن بين هؤلاء عدد كبير يعملون تحت إدارات أجنبية. هؤلاء في ظني في غاية الإخلاص. يعملون وفقاً لمبادئ يظنون أنها إلهية. لكن علينا ألا ننخدع بكلمة إخلاص. فالمخابرات الأجنبية لا تحتاج إلى توظيفهم لأن هذا الإخلاص الغبي يجعلهم موظفين عندها بالفطرة ويقومون بواجبهم على أكمل وجه. المخابرات الدولية لا تحتاج إلى الاتصال بالعملاء في كل الأحوال. مجرد أن تبني من الأحقاد التاريخية مناخاً يتفق مع أهدافها، فيأتي العنصريون أو الطائفيون وأصحاب الأطماع من الفئات المستهدفة بتنفيذ الأهداف دون تدخل مباشر. هذا ما حدث في أفغانستان وهذ ما يحدث اليوم في سورية.

المشكلة في أساسها أننا لم نعمل بشكل استراتيجي على استئصال الأمراض التي تركتها الصحوة. لا أرى برنامجاً يتصدى للتطرف الديني سوى برنامج المناصحة. مع الأسف برنامج المناصحة علاجي وليس وقائياً. يعمل على تنقية المياه بعد أن تتلوث ولكنه لا يمنع وصول التلوث للمياه. أتوقع أن يصبح برنامجاً أبدياً إذا لم نتصدّ لمصدر التلوث. لم تعد أعمال هؤلاء المحرضين في الخفاء أو بطرق مواربة. نقرأ في كل مكان خطابات رسمية بينهم وبين زعماء الإرهاب في سورية وبيانات نصرة موقعة من قوائم يطلقون على أنفسهم مشايخ وتأييد ونصح وانقسامات حسب المنظمات الإرهابية. صار العمل على المكشوف.

قد لا يكون لهؤلاء أي علاقة مباشرة بعملية التجنيد ولكن التجنيد لن يتم لولا أن هؤلاء هيأوا نفوس الشباب، الكارثة لا تتوقف عند التهيئة للقتال في سورية والموت هناك. ولكنهم بدأوا يدخلون ضمن برامجهم الدعوية قضايا إدارية داخلية. صاروا يركزون في خطبهم وتغريداتهم على كلمة فساد وعن طفلة مريضة لم تعالجها مستشفيات الحكومة وعائلة سعودية مشردة تسكن في سيارة خربة وعن وصورة لامرأة سعودية تبحث عن طعام في القمامة والتوقيع على سيداو وهكذا لتكوين صورة سلبية مدمجة مع التشجيع على الجهاد لبناء أهداف مستقبلية.

في أفضل درجات إحسان الظن بهم يمكن القول إن هؤلاء من الذين فقدوا امتيازات كانوا يتمتعون بها في الصحوة. كانوا سلطة كاملة على المجتمع. يعملون الآن على استرداد هذه السلطة. عملية الاسترداد (بأي ثمن) تسمح للقوى الأجنبية الاستفادة من خدماتهم مجاناً.

الرياض

الثورة السورية بين “داعش” و”النصرة”/ حسن بن سالم

ها هو «داعش» الذي أعلن تشكله وقيام دولته في نيسان (أبريل) 2013، يسعى إلى إعادة واستنساخ تجربة النظام الأسدي، وأن يفرض إرادته ورؤيته على الشعب السوري، وأن يستفرد بالحكم من دون الآخرين، فهو منذ تشكله ودخوله ساحة الصراع، وفرض سيطرته على بعض المناطق المحررة، رفع راية تطبيق الشريعة بالقوة وتكفير المخالفين له في الرأي، واستباحة دماء من لا ينصاع لأوامره، وقتل واختطاف واغتيال الصحافيين والناشطين، وكل من يختلف معه، وينتمي إلى الفصائل المنافسة له، فشرع في إيقاد حرب مفتوحة منذ أيلول (سبتمبر) الماضي مع «الجيش الحر» وفصائل إسلامية أخرى، منها: «جبهة النصرة»، فكانت النتيجة ثورة داخل الثورة، لاستعادة البلاد لأصحابها، ووقف عملية السلب المادية والسياسية، ووضع حد للاستبداد والانتهاكات، فتحول إلى عدو مشترك لمعظم الفصائل المسلحة في سورية، فظهرت على إثر ذلك في الساحة فصائل تم تشكلها والتنسيق بينها لمواجهة «داعش»، وكانت أهم الفصائل التي تخوض القتال ضده حالياً في ريف دمشق وحلب بالتنسيق مع «الجيش الحر»، «الجبهة الإسلامية» وهو أهم وأكبر تجمع للقوى الإسلامية المسلحة في سورية الذي انسحب منذ فترة من هيئة الأركان العامة «للجيش الحر»، لخلاف في الرؤى السياسية وجيش المجاهدين.

وتغلب الصفة «الإسلامية المعتدلة» على معظم الفصائل المنضوية تحت هذا التشكل الجديد الذي أصبح القوة العسكرية الأكبر في حلب بعد «الجبهة الإسلامية»، إضافة إلى مشاركة أبرز التنظيمات المتشددة، وهو «جبهة النصرة» الذي قال للمرة الأولى في شكل علني على لسان زعيمه إنه يقاتل تنظيم «داعش» في سورية، وأسفرت تلك المواجهات حتى الآن عن قرابة 500 قتيل بين الطرفين، المشهد قد يزداد تعقيداً في المرحلة المقبلة، بينما قد تسفر عنه تلك المعارك من تبعات وتطورات في حجم النفوذ والسيطرة على المناطق المحررة، ولكن ليس من النظام السوري هذه المرة! ثمة تساؤل يطرحه أو قد يخطر ببال الكثيرين في ظل هذا التصعيد والتحالفات العسكرية ضد «داعش»، لأجل طرده والتخلص منه، أليس بعض تلك التنظيمات، وتحديداً «جبهة النصرة»، اعترف صراحة بمرجعيته الآيدلوجية إلى تنظيم القاعدة؟ وحدث منه العديد من التجاوزات والمخالفات في حق سكان بعض المناطق التي سيطر عليها، وهذا حق قد لا يتنازع فيه الكثيرون، وليست القضية هنا، في ظل الظروف الحالية، تلميع جماعة متطرفة وشيطنة جماعة مجرمة أخرى، لمجرد موقفها وانحيازها أو أن تتخذ المعارضة ذات الموقف من «النصرة»، فالمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري في أكثر من مناسبة إعلامية، أوضحت أنها تدرك من خلال الواقع والتجربة وجود تمايز نظري وتطبيقي بين «النصرة» و«داعش» في النهج والتصور والأسلوب الميداني والعلاقة والتنسيق مع بقية فصائل الثورة في قتال النظام، وكذلك وجود الاختلاف أحياناً بين ذات قياداتهما، وهو ما يُصعّب إطلاق حكم عام، بل حتى بعض الآراء الغربية المتخصصة في شؤون القاعدة باتت تدرك ذلك، فبرايان فيشمان الأكاديمي المتخصص والخبير المعروف بمركز مكافحة الإرهاب، يرى أن «النصرة» يمثل النموذج الأحدث لفروع «القاعدة» الذي يميل إلى المزج بين الأهداف الدينية والدعوات الوطنية، بينما يمثل «داعش» الوريث التقليدي لما كان يمثله «قياديون»، مثل: أبومصعب الزرقاوي في إقامة وفرض الدولة الإسلامية بالقوة والقتل، وأن «النصرة» تحالف مع تشكيلات أخرى لتقوية نفسه بمواجهة «داعش»، لأنه يريد تحقيق تقدم في سورية، بينما تبحث دولة العراق والشام الإسلامية «داعش» عن تحقيق «انتصار عالمي»، وأشرت مسبقاً في مقالة بعنوان: «جبهة النصرة رؤية للحاضر والمستقبل» منتصف العام الماضي، إلى أن «جبهة النصرة» يمثل أو يعتبر خصماً من الثورة كقيم وتطلع إلى سورية جديدة ديموقراطية، وهي حقيقة واضحة للعيان، لكنه في الوقت نفسه سند للثورة بما يملكه من تأثير قدرات وكفاءة قتالية ضد النظام السوري. ما الموقف والأسلوب الأنسب في التعامل معها في ظل ظروف الثورة الراهنة؟ إذ لا يوجد غير واحدة من ثلاث سياسات ممكنة حيال «جبهة النصرة»: (1) اعتبار الصراع في الوقت الراهن مع النظام أساسياً ووجودياً ومع «النصرة» ثانوياً، ويعالج بالسياسة معه، طالما أنه لم ينقلب على مجموعات المقاومة المسلحة للنظام بالقتال ضدها والاحتلال للمناطق المحررة. (2) اعتبار الصراع مع «النصرة» أساسياً، مثل الصراع مع النظام، وخوض صراعين في آن معاً. (3) اعتبار الصراع مع «النصرة» هو الأساس، وكان رأي بعض المنظرين للثورة السورية، ومن ذلك الحين ومن قبل ذلك، أنه من خلال الميدان والتجربة، فإن الخيار الأول هو ما يبدو متوافقاً مع الثورة، وهو ما يسير عليه وفقاً له إلى يومنا. والخيار الثاني، غير عقلاني من وجهة نظر الهدف المتمثل في إسقاط النظام، والاستعداء من المعارضة السياسية «للنصرة»، سيعني تحويله المباشر والتلقائي إلى حركة مسلحة مضادة للدولة السورية المستقبلية، والمثقلة بالهموم والأعباء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. أما الخيار الثالث، فهو بكل بساطة تخلٍّ عن هدف إسقاط النظام وإعلان نهاية الثورة، وهو بالطبع المفضل من النظام والمعادين للثورة، ليس هناك غير هذه الخيارات، وإذا كان الأخير «مرفوضاً»، والثاني «غير عقلاني»، فلا يبقى غير الخيار الأول، أما حين تختلف الظروف، كأن يسقط النظام أو ينقلب «النصرة» إلى مواجهة مجموعات المقاومة المسلحة الأخرى، هنا يتغير التقييم والتقدير للموقف، وهذه نقطة مهمة جداً، مع تأكيد ضرورة الوقوف والرفض والإدانة لكل ما يصدر عنه من تجاوزات تلحق الضرر بمستقبل الثورة والشعب السوري، وهذه الرؤية أثبتت مع الوقت صوابها في التعاطي مع «النصرة» ومثيلاته من الجماعات الجهادية المسلحة حتــى الـــوقت الراهن.

*نقلاً عن “الحياة” السعودية

أميركا وطالبان والأسد المسكوت عنه/ آيلين كوجامان

ما هي الدولة التي كانت لها السبق في دعم طالبان أفغانستان ضد التهديد الشيوعي؟ وما هي الدولة التي دخلت العراق بحجة إسقاط نظام ديكتاتوري وخلفت وراءها الدمار وزرعت بذور التعصب الطائفي؟ إنها الولايات المتحدة من دون شك. فهل التاريخ يكرر نفسه في سوريا؟ دعونا نلق نظرة فاحصة على الأمر.

كي نتأكد من ذلك، ينبغي في البداية الاطلاع على بعض تفاصيل الموقف في سوريا. فلم يعد الصراع في سوريا صراعا بين النظام والمعارضة، فالمعارضة تعاني صراعا داخليا وتكون جبهات مختلفة ومتعددة التوجهات يصل تعدادها إلى 1000 جماعة تقريبا، وغفل الجميع عن سبب الحرب الأهلية السورية في غمرة هذا الصراع. فلم تعد الغالبية تكترث للعملية الديمقراطية، التي كانت الهدف الأساسي للأطفال الذين عذبهم زبانية النظام بسبب كتاباتهم المطالبة بالديمقراطية على جدران مدارسهم، والذين كانوا سببا في اندلاع شرارة حرب أهلية، ويبدو أن أحدا لا يكترث لمستقبل الشعب السوري.

لقد تحولت سوريا إلى مستنقع للجماعات المتطرفة الراغبة في الاستفادة من مناخ الفوضى الحالية. أهم هذه المنظمات الإرهابية جبهة النصرة، امتداد «القاعدة»، التي لا تقاتل النظام السوري وحده، بل الجيش السوري الحر منذ نشأتها. والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي انفصلت عن هذه المجموعة، وأعلنت الحرب على جبهة النصرة، وتحاول كلتا الجبهتين التفوق على بعضهما بعضا في صراع على «من هو الأكثر وحشية؟».. في هذه المرحلة تأتي الجبهة الإسلامية التي تتألف من متطرفين دخلوا المعادلة. ووقعت الضربة الأولى ضد الجيش السوري الحر، حيث جرى الاستيلاء على مقر الجيش السوري الحر في هينالي، وفجأة عززت الجبهة الإسلامية من موقفها بانضمام منشقين من الجيش السوري الحر إلى صفوفها. وتستهدف الجبهة الإسلامية «داعش»، حيث جرى الاستيلاء على مواقعها (داعش) على الحدود التركية، وهذا النجاح جعل جيش المجاهدين الذي تشكل حديثا حول حلب حليفا للجبهة الإسلامية.

في الوقت الراهن بدأت كل الأنظار تتطلع إلى أميركا «أين أميركا في هذا الجو المضطرب؟». النظرة عن كثب تظهر أن كل اللاعبين في مناخ العنف الذي لخصناه آنفا هم المجموعات المتطرفة، التي لا تدعم أي منها الديمقراطية، واختفى التسامح بين الأديان أو الآراء، وكرهوا حتى وجهات نظر بعضهم بعضا. هؤلاء يهدفون فقط إلى تطبيق نظام صارم وقاس ينسجم مع معتقداتهم المنحرفة، كما تحمل جميعها عداء للغرب. على أي حال، فالجانب الذي تعتقد أميركا أنها قد تتمكن من منحه دعما إيجابيا يبدو أنه الجبهة الإسلامية، لأن أميركا تعتقد أنها البديل الوحيد الذي يمكن التعامل معه عوضا عن الجيش الحر الذي جرى إضعافه بشكل كبير في مؤتمر جنيف الثاني.

إحدى التفاصيل التي نسيناها في هذه الصورة المخيفة هي بشار الأسد المبتهج، المسؤول عن مقتل 130 ألف شخص، فالقتال الداخلي بين المتطرفين يخدم هدفه بصورة مثالية، فالمتطرفون فقط هم من يدور حولهم الحديث عندما تذكر سوريا. والقوى العظمى تناقش من دون مبالاة المشهد المرعب للتوصل إلى «حل مع الأسد»، وكأن الأسد بريء من كل هذه الوحشية! أليس هو المسؤول عن الهجوم الكيماوي على الغوطة، والمدن التي دمرت والأطفال الذين يتساءلون «ما الذي ارتكبناه بحق الأسد؟.. وكيف نُسينا بهذه السرعة؟». كم كان من السهل والسرعة شرعنة ديكتاتور دموي.

ينبغي على العالم أن يعي جيدا بيان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، بشأن القضية، الذي أصدره قبل عدة أيام، والذي قال فيه «إن بعض الدوائر تحاول تصوير الأسد على أنه أقل شرا من «القاعدة». لكن نظام الأسد لم يقاتل «القاعدة»، ووجود «القاعدة» يعطي جوا من الشرعية للنظام، وبالمثل تمنح الضغوط على النظام شرعية مماثلة لـ«القاعدة»، ومن ثم فإنهم يستفيدون ويدعمون بعضهم بعضا.

هذه القوة ستسفر عن زيادة عمليات القتل التي يمارسها نظام الأسد. ولذا ينبغي على الولايات المتحدة صياغة استراتيجيتها بدقة كي لا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها في أفغانستان.

ولن تتمكن أميركا، التي تحاول الحفاظ على مسافة مع الشرق الأوسط في ظل إدارة أوباما، من النجاح في ذلك والمؤكد أنها لن تفعل ذلك، لأن عنف المتطرفين الذي أطلقته حرب العراق لن يترك أميركا في حال سبيلها. فالعراق الذي دمرته أميركا «ليس أقل عنفا أو أكثر ديمقراطية أو أكثر رفاهية»، كما زعم أنتوني بلينكن، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما عام 2012، فالعنف لا يزال ماثلا في العراق بصورة لم تشهدها البلاد من قبل، فقد ارتفع عدد التفجيرات إلى 40 تفجيرا انتحاريا شهريا. كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى مصرع 8000 عراقي في عام 2013 وحده، والذي يشكل أكبر معدل لسنة من السنوات منذ عام 2008.

لذلك ينبغي على أميركا أن تشارك بما هو أكثر من بعض كلمات للتهدئة. ينبغي أن تجرب سياسة مختلفة، بدلا من مجرد الاختيار بين متطرف أو ديكتاتور من بين كثيرين، وعوضا عن ذلك ينبغي عليها تشكيل تحالف مع مسلمين معتدلين لا بالأسلحة بل عبر الاستثمار في التعليم. ينبغي عليها دعم نظام تعليمي يعمل على تحييد التعصب الذي يجعل المتطرفين أكثر تطرفا. وقد أكد قادة مسلمون على هذه الحقيقة المهمة.

لكن، هل ينبغي على أميركا أن توجد في الشرق الأوسط؟ نعم، ينبغي عليها ذلك، لكن من دون دبابات أو أسلحة أو طائرات من دون طيار، بل بمفهومها عن الحرية والإخاء والحب والديمقراطية. تستطيع أميركا والشرق الأوسط أن يستفيدا من بعضهما بعضا، إلا أننا لم نتبادل هذه المنافع بعد، لأننا محصورون بين الأسلحة والقنابل والطائرات من دون طيار. هذا لا يتوافق وطبيعة الشرق الأوسط. فالشرق ليس عصيا، لكننا بحاجة إلى وضع نهاية للمفاهيم التي عفى عليها الزمن بالتفوق والبدائية والأساليب الفاشلة التي تنتهجها الولايات المتحدة في كثير من الأحيان، واستهداف شيئين مهمين لم نجربهما من قبل، عوضا عن ذلك: التعليم والتحالف.

الشرق الأوسط

معارك «داعش»… وصراعات “القاعدة”/ د. وحيد عبد المجيد

سيبقى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف باسم «داعش» رقماً مهماً في المشهد المضطرب في المنطقة، رغم الخسائر التي لحقت به نتيجة اتجاهه إلى توسيع نطاق المعارك التي انخرط فيها خلال الأسابيع الأخيرة. فقد حاول «داعش» السيطرة على مناطق حيوية لجماعات وقوى مسلحة أخرى في شمال سوريا وشرقها، ومازال منخرطا في عدة معارك ضارية لهذا الغرض في وقت واحد. وتزامن ذلك مع شن قوات الأمن العراقية حملات كبيرة على معاقل أساسية لهذا التنظيم في محافظة الأنبار في ظل الاضطراب الذي أعقب فض مخيم اعتصام الرمادي بالقوة.

غير أن الخسائر التي تكبدها في هذه المعارك وتلك لا تصل إلى المستوى الذي يهدد حضوره المؤثر بعد أن تنامت قوته خلال السنوات الأخيرة وتمدد إقليمياً على نحو رفع سقف طموحاته إلى الحد الذي جعل أميره أبو بكر البغدادي أول قائد لأحد فروع «القاعدة» يتحدى علناً زعيمها أيمن الظواهري. وقد فتح هذا التحدي الباب أمام صراعات غير مسبوقة داخل «القاعدة». فما «داعش» إلا امتداد لجماعة «التوحيد والجهاد» التي أُنشئت في العراق عام 2003 بُعيد الغزو الأميركي، ثم أعلن مؤسسها أبو مصعب الزرقاوي ولاءها رسمياً لزعيم «القاعدة» السابق بن لادن عام 2004 وتغيير اسمها إلى «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». وسرعان ما تنامى هذا التنظيم حتى أصبح أكبر فروع «القاعدة» وأكثرها عُنفاً.

وقاد أبو بكر البغدادي، الذي خلف الزرقاوي عقب مقتله على أيدي القوات الأميركية عام 2006، التنظيم في اتجاه أكثر عنفاً ترتب عليه ازدياد حدة التناقض مع العشائر السُنية في المناطق التي سيطر عليها وأعلنها «دولة إسلامية»، بينما غيّر اسم تنظيمه إلى «الدولة الإسلامية في العراق». ونجح إلى حد كبير في استغلال تجاوزات القوات الأميركية قبل انسحابها واستثمار السياسات الطائفية للحكومة العراقية. وما أن بدأت الانتفاضة السورية في التحول إلى ما يشبه حرباً أهلية، حتى تدخل فيها. وكانت الحدود العراقية السورية الطويلة نقطة ارتكاز قوية انطلق منها للانخراط في هذه الحرب، متجاهلا وجود فرع آخر لتنظيم «القاعدة» في سوريا وهو «جبهة النصرة لأهل الشام». وعندما فوجئ البغدادي بأن لهذا الفرع وجوداً يُعتد به، سعى إلى دمجه. لكنه وجد الطريق إلى هذا الدمج صعباً، فحاول القفز على الواقع في أبريل الماضي عبر تنصيب نفسه مسؤولاً عن «القاعدة» في سوريا إلى جانب العراق وتغيير اسم تنظيمه ليصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، رغم اعتراض الظواهري علناً وإصراره على الفصل بين فرعي «القاعدة» في العراق وسوريا.

غير أن سلوك «داعش» في الأسابيع الأخيرة أظهر أن تمرده على القيادة العامة لتنظيم «القاعدة» لا يعود إلى طموح البغدادي والمحيطين به فقط، بل يرتبط أيضاً بمنهج يقوم على المفاضلة وضرورة تمايز الصفوف بأية وسيلة حتى إذا لم يكن من سبيل إلى ذلك إلا مقاتلة من يُفترض أنهم في المعسكر نفسه. لذلك لم يتردد «داعش» في مواجهة تنظيمات سورية ترتبط مثله بـ«القاعدة» ضمن المعارك التي خاضها ضد القوى الأخرى. فقد امتدت معاركه الأخيرة إلى تنظيمات «قاعدية» محلية صغيرة مثل «جند الأقصى» و«كتيبة صقور الغد» و«فرسان الصحابة»، رغم أنه لم يدخل في حرب مباشرة ضد «جبهة النصرة» حتى الآن. وقد لخص المتحدث الإعلامي باسم «داعش»، أبو محمد العدناني، منهج تنظيمه في خوض هذه المعارك عبر تسجيل صوتي تحت عنوان «لك الله أيتها الدولة المظلومة»، بقوله إن «الصفوف لابد أن تتمايز، وهي لن تتمايز إلا بالفتن»، مبرراً ذلك بأن كل من يختلف مع تنظيمه «لا يخرج في سبيل الله أو لنصرة المستضعفين، بل عميل للأميركيين أو من شبيحة النظام وأنصاره، أو من ضعاف النفوس والجهلة والمنحرفين ممن يسهل التغرير بهم». وينبئ هذا المنهج بتصاعد متوقع للصراعات التي أطلقها «داعش» بين قوى تنتمي لـ«القاعدة» أو ترتبط بها.

ولم تعد هذه الحرب مستبعدة بعد أن صار سلوك «داعش» مستفزاً لبعض قادة «جبهة النصرة» الذين جهروا باستيائهم منه حين اشتدت المعارك التي أشعلها أخيراً ضد «الجيش الحر» و«الجبهة الإسلامية».

ويُعد عطية الله العكيدي (نائب المفتي العام) وأبو حسن الكويتي وسلطان العطوي، أبرز قادة «جبهة النصرة» الذين حملّوا «داعش» المسؤولية عن هذه المعارك وأعلنوا رفضهم تقديم أي دعم له على خلفية الانتماء المشترك لـ«القاعدة». كما يتهم هؤلاء «داعش» بالوقوف وراء خطف أمير «جبهة النصرة» في بلدة الرقة أبو سعد الحضرمي.

غير أنه نظراً لوجود تيار آخر داخل هذه الجبهة يرى أن التضامن مع «داعش» واجب يفرضه الانتماء المشترك، تحرص قيادتها على اتخاذ موقف حذر ينحو إلى التوازن سعياً إلى تجنب حدوث انقسام على الأرجح وليس اقتناعاً بالحياد. فهناك ما يدل على أن استياء زعيمها الجولاني من قفز «داعش» على الوضع في سوريا يزداد. فعندما طرح مبادرته لوقف القتال بين «داعش» والقوى الأخرى، ضمن التسجيل الصوتي الذي بثه في 7 يناير الجاري تحت عنوان «الله الله في ساحة الشام»، قال إن سياسة «داعش» الخاطئة هي التي أجّجت الصراع وقادت إلى ذلك القتال. كما يلفت الانتباه تأكيد الجولاني أن هذا القتال يعتبر فتنة، وكأنه يحث أعضاء جبهته الذين يدعمون «داعش» على التراجع لأن الموقف الشرعي تجاه أية فتنة هو اعتزالها وليس الانخراط فيها.

وهكذا تتوسع الفجوة يوماً بعد يوم بين اثنين من أكبر فروع «القاعدة» على نحو يفرض التساؤل عن إمكان وقوع صدام مسلح بينهما في ضوء إصرار قيادة «داعش» على منهجها الذي ترفضه قيادة «النصرة» وازدياد الخلافات التي لم يكن آخرها الخلاف بشأن تنفيذ عمليات ضد «حزب الله» في لبنان. فقد رفضت قيادة «جبهة النصرة» موقف قيادة «داعش» الذي اتجه إلى نقل الصراع على سوريا إلى لبنان.

وإذا كانت قيادتا «داعش» و «النصرة» تجنبتا الصدام المسلح حتى الآن، فربما يصعب تفادي هذا الصدام إذا وصل الصراع بينهما إلى المساحة التي تمثل خطاً أحمر وهي تلك المتعلقة بالمقاتلين الأجانب في صفوف كل منهما.

وإذا صح أن الرسالة التي وجهها الجولاني إلى هؤلاء المهاجرين مؤخراً حين قال لهم إن «مضافات الجبهة بيوت آمنة لهم»، تهدف إلى جذب المنتمين منهم إلى «داعش»، فستصبح الحرب بين فرعي «القاعدة» مرجحة وربما مؤكدة. وحينئذ سيكون السؤال عن مستقبل تنظيم «القاعدة» مطروحاً في سياق جديد لا سابق له منذ تأسيسه.

الاتحاد

ما بين «داعش» و«النصرة/ حسن بن سالم *

ها هو «داعش» الذي أعلن تشكله وقيام دولته في نيسان (أبريل) 2013، يسعى إلى إعادة واستنساخ تجربة النظام الأسدي، وأن يفرض إرادته ورؤيته على الشعب السوري، ويستفرد بالحكم من دون الآخرين. فهو منذ تشكله ودخوله ساحة الصراع، وفرض سيطرته على بعض المناطق المحررة، رفع راية تطبيق الشريعة بالقوة وتكفير المخالفين له في الرأي، واستباحة دماء من لا ينصاع لأوامره، وقتل واختطاف واغتيال الصحافيين والناشطين، وكل من يختلف معه، وينتمي إلى الفصائل المنافسة له، فشرع في إيقاد حرب مفتوحة منذ أيلول (سبتمبر) الماضي مع «الجيش الحر» وفصائل إسلامية أخرى، منها: «جبهة النصرة»، فكانت النتيجة ثورة داخل الثورة، لاستعادة البلاد لأصحابها، ووقف عملية السلب المادية والسياسية، ووضع حد للاستبداد والانتهاكات، فتحول إلى عدو مشترك لمعظم الفصائل المسلحة في سورية، فظهرت إثر ذلك في الساحة فصائل تم تشكلها والتنسيق بينها لمواجهة «داعش»، وكانت أهم الفصائل التي تخوض القتال ضده حالياً في ريف دمشق وحلب بالتنسيق مع «الجيش الحر»، «الجبهة الإسلامية» وهو أهم وأكبر تجمع للقوى الإسلامية المسلحة في سورية الذي انسحب منذ فترة من هيئة الأركان العامة «للجيش الحر»، لخلاف في الرؤى السياسية وجيش المجاهدين.

وتغلب الصفة «الإسلامية المعتدلة» على معظم الفصائل المنضوية تحت هذا التشكل الجديد الذي أصبح القوة العسكرية الأكبر في حلب بعد «الجبهة الإسلامية»، إضافة إلى مشاركة أبرز التنظيمات المتشددة، وهو «جبهة النصرة» الذي قال للمرة الأولى في شكل علني على لسان زعيمه إنه يقاتل تنظيم «داعش» في سورية، وأسفرت تلك المواجهات حتى الآن عن قرابة 500 قتيل بين الطرفين. المشهد قد يزداد تعقيداً في المرحلة المقبلة، بينما قد تسفر عنه تلك المعارك من تبعات وتطورات في حجم النفوذ والسيطرة على المناطق المحررة، ولكن ليس من النظام السوري هذه المرة! ثمة تساؤل يطرحه أو قد يخطر ببال الكثيرين في ظل هذا التصعيد والتحالفات العسكرية ضد «داعش»، لأجل طرده والتخلص منه، أليس بعض تلك التنظيمات، وتحديداً «جبهة النصرة»، اعترف صراحة بمرجعيته الآيديولوجية إلى تنظيم القاعدة؟ وحدث منه العديد من التجاوزات والمخالفات في حق سكان بعض المناطق التـــي سيطر عليها، وهذا حق قد لا يتنازع فيه الكـــثيرون، وليست القضية هنا، في ظل الظروف الحالية، تلميع جماعة متطرفة وشيطنة جماعة مجرمة أخرى، لمجرد موقفها وانحيازها أو أن تتخذ المعارضة ذات الموقف من «النصرة».

فالمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري في أكثر من مناسبة إعلامية، أوضحت أنها تدرك من خلال الواقع والتجربة وجود تمايز نظري وتطبيقي بين «النصرة» و«داعش» في النهج والتصور والأسلوب الميداني والعلاقة والتنسيق مع بقية فصائل الثورة في قتال النظام، وكذلك وجود الاختلاف أحياناً بين ذات قياداتهما، وهو ما يُصعّب إطلاق حكم عام، بل حتى بعض الآراء الغربية المتخصصة في شؤون القاعدة باتت تدرك ذلك، فبرايان فيشمان الأكاديمي المتخصص والخبير المعروف بمركز مكافحة الإرهاب، يرى أن «النصرة» يمثل النموذج الأحدث لفروع «القاعدة» الذي يميل إلى المزج بين الأهداف الدينية والدعوات الوطنية، بينما يمثل «داعش» الوريث التقليدي لما كان يمثله «قياديون»، مثل: أبومصعب الزرقاوي في إقامة وفرض الدولة الإسلامية بالقوة والقتل، وأن «النصرة» تحالف مع تشكيلات أخرى لتقوية نفسه بمواجهة «داعش»، لأنه يريد تحقيق تقدم في سورية، بينما تبحث دولة العراق والشام الإسلامية «داعش» عن تحقيق «انتصار عالمي»، وأشرت مسبقاً في مقالة بعنوان: «جبهة النصرة رؤية للحاضر والمستقبل» منتصف العام الماضي، إلى أن «النصرة» يمثل أو يعتبر خصماً من الثورة كقيم وتطلع إلى سورية جديدة ديموقراطية. وهي حقيقة واضحة للعيان، لكنه في الوقت نفسه سند للثورة بما يملكه من تأثير قدرات وكفاءة قتالية ضد النظام السوري.

ما الموقف والأسلوب الأنسب في التعامل مع «جبهة النصرة» في ظل ظروف الثورة الراهنة؟ إذ لا يوجد غير واحدة من ثلاث سياسات ممكنة حيالها: (1) اعتبار الصراع في الوقت الراهن مع النظام أساسياً ووجودياً ومع «النصرة» ثانوياً، ويعالج بالسياسة معه، طالما أنه لم ينقلب على مجموعات المقاومة المسلحة للنظام بالقتال ضدها والاحتلال للمناطق المحررة. (2) اعتبار الصراع مع «النصرة» أساسياً، مثل الصراع مع النظام، وخوض صراعين في آن معاً. (3) اعتبار الصراع مع «النصرة» هو الأساس، وكان رأي بعض المنظرين للثورة السورية، ومن ذلك الحين ومن قبل ذلك، أنه من خلال الميدان والتجربة، فإن الخيار الأول هو ما يبدو متوافقاً مع الثورة، وهو ما يسير عليه وفقاً له إلى يومنا. والخيار الثاني، غير عقلاني من وجهة نظر الهدف المتمثل في إسقاط النظام، والاستعداء من المعارضة السياسية لـ «النصرة»، سيعني تحويله المباشر والتلقائي إلى حركة مسلحة مضادة للدولة السورية المستقبلية، والمثقلة بالهموم والأعباء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. أما الخيار الثالث، فهو بكل بساطة تخلٍّ عن هدف إسقاط النظام وإعلان نهاية الثورة، وهو بالطبع المفضل من النظام والمعادين للثورة، ليس هناك غير هذه الخيارات، وإذا كان الأخير «مرفوضاً»، والثاني «غير عقلاني»، فلا يبقى غير الخيار الأول. أما حين تختلف الظروف، كأن يسقط النظام أو ينقلب «النصرة» إلى مواجهة مجموعات المقاومة المسلحة الأخرى. هنا يتغير التقييم والتقدير للموقف، وهذه نقطة مهمة جداً، مع تأكيد ضرورة الوقوف والرفض والإدانة لكل ما يصدر عنه من تجاوزات تلحق الضرر بمستقبل الثورة والشعب السوري، وهذه الرؤية أثبتت مع الوقت صوابها في التعاطي مع «النصرة» ومثيلاته من الجماعات الجهادية المسلحة حتى الوقت الراهن.

* كاتب سعودي

الرياض

مدّوا الأيادي لبيعة البغدادي!/ جمال خاشقجي *

لماذا لم يبادر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الشهير بـ «داعش» إلى الاتحاد مع الفصائل الإسلامية الأخرى مثل أحرار الشام وحركة المجاهدين، بل حتى «شقيقته» جبهة النصرة، على رغم أنه يتفق معها في الخلفية السلفية، وهي مثله ترفض الديموقراطية وتنادي بدولة إسلامية؟ الإجابة بسيطة جداً. لأنه هو «الدولة»، فكيف تنضم الدولة إلى تنظيمات؟ بل إنه يرى أن على هذه التنظيمات الدخول تحت مظلة «الدولة»، ومبايعة «أمير المؤمنين» أبو بكر البغدادي على السمع والطاعة في المنشط والمكره.

هذه الحقيقة البسيطة مكلفة جداً، فهي تفسر الحرب الأهلية الصغرى في داخل حرب أهلية أكبر، والدائرة رحاها الآن في شمال سورية بين تحالف من كل القوى الإسلامية وبين «داعش»، ذلك أنها بمنطق الدولة علَت وتجبرت، فاعتقلت هذا وأعدمت ذاك في المناطق التي كانت تحت سيطرتها، ويكشف سجل للمعتقلين في سجونها حصل عليه أحد المقاتلين، أن «سبّ الدولة» كان من أسباب الاعتقال، فمن الواضح أنها وإن كانت «إسلامية» فإنها لا تقبل بالرأي الآخر، وسيجد أنصارها تبريراً لذلك بـ «لما له من تفريق لصف المسلمين».

فكرتا «الدولة» و «أمير المؤمنين» قديمتان اختصت بهما الحركات السلفية الجهادية، وأحسب أنها تبلورت ما بين أحراش الجزائر وضواحي لندن، فبعدما أوقف انقلاب عسكري المسار الانتخابي في الجزائر في كانون الثاني (يناير) 1992، واعتقل الآلاف من قادة وأنصار «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي فازت في الانتخابات، تردت الأمور هناك حثيثاً، وتدافع التيار السلفي والغاضبون من الإنقاذ للصعود «إلى الجبل» هرباً من الاعتقال، وللّحاق بحركات جهادية عدة تشكلت، قادها مهمّشون حتى من الحركة الإسلامية الجزائرية، وكانوا بالفعل بسطاء من العامة، بحظ قليل من العلم الشرعي، وإذا بهم بعد أعوام يتحولون إلى «أمراء» يفتون في رقاب الناس بما في ذلك رفاقهم في «الجهاد».

أساس هذه الجماعات كان سلفياً، رافضاً وكافراً بفكرة الديموقراطية، كان كامناً في أحياء الجزائر البائسة خلال أعوام ربيعها القصير العمر، ولكن لم يكن لهم مكان وسط قادة الحراك على السطح الذين ارتضوا التدافع بالديموقراطية، ولكنهم انفجروا بأفكارهم المتطرفة وهم أحرار في الجبال، وقد تمنطق أحدهم بسلاح والتف حوله الأتباع، فانتقل بخياله إلى عالم الفتوحات والقائد البطل الذي يقيم دولة الإسلام والعدل بعدد بسيط من الرجال، فيتفتح الله عليه القُطر تلو الآخر حتى تدين له الأرض بمن عليها.

ربما كانت البداية في أوائل عام 1994 عندما اتحدت فصائل عدة تحت راية «الجماعة الإسلامية المسلحة»، واتخذ قادتها ألقاباً مفخمة مثل أبو عبدالرحمن الأمين، وأبو عبدالله أحمد، وأصبح المقاتل الثائر مفتياً وفقيهاً، ولقلة علمهم وتأسيسهم المتطرف، مضوا من تطرف إلى تطرف، ولكنهم كانوا دوماً يسبغون على تطرفهم وقسوتهم تعليلات شرعية، وتخريجات من أقوال السلف، حتى أعدموا بها رفاقهم وبعضاً من أهلهم، وقصصهم في ذلك متواترة حتى في دائرة أنصارهم، وقد جمعها الناشط أبو مصعب السوري، الذي اتهم يوماً بأنه كان يغذي هذا التيار من لندن في كتاب عنونه «شهادتي على الجهاد في الجزائر»، التي يروي فيها كيف ضاق هو بتطرف الجماعات فابتعد عنها، ولكن استمر ناشط آخر في دعمها وهو أبو قتادة الفلسطيني، الذي سلمته الحكومة البريطانية للأردن أخيراً.

الرغبة في الهيمنة على الآخرين كانت وراء فكرة إعلان «الدولة» وإمارة المسلمين، فأحد ما – لا نعرفه – كان في لندن أو الجزائر أو بيشاور، اكتشف من بين السطور الغزيرة لمؤسس الفكر السلفي ابن تيمية (1263- 1328) مسألة «الطائفة الممتنعة» و «الطائفة المنصورة»، ففهم منها أن إعلان جمع من المسلمين وإن قلّوا اجتماعهم حول أمير واحد يجعلهم طائفة منصورة على الحق لا يضرها من عادها، وغير ذلك ممن علم بأمرها، ومن لم يدخل في طاعتها فهو حلال الدم والمال حتى ولو كان مصلياً ومجاهداً. فاستباحوا بذلك حرمات من حولهم من قرويين وجماعات مقاتلة مثلهم. استمر التطرف في هذه الجماعة حتى بلغ يوماً أن أصدر أحد أمرائها فتوى عشية مناسبة انتخابية في الجزائر سماها: «ضرب الرقاب لمن خرج يوم الانتخاب… والأمن لمن لزم بيته وأناب».

تلك الأجواء الغامضة التي سبقت تأسيس «القاعدة»، هي ما تعيشه «داعش» حالياً، فهي تنظيم حقيقي نتج من اتحاد جماعات جهادية في العراق، واندثار أخرى، مع تداخل مع بقايا البعث ومخابرات صدام حسين، صنعت تاريخها وخبرتها خلال أعوام الحرب ضد الأميركيين، ثم فجأة يظهر تنظيم يقول إنه هو «الدولة» لا يحارب المحتل فقط، ولا الدولة «المرتدة» بحسب قناعاته، وإنما يحارب أهله وعشيرته الذين ضاقوا به، ويلزمهم ببيعته وطاعته، فظهرت «الصحوات» التي يكن لها كراهية شديدة، ويتهمها بأنها صنيعة الأميركيين، واستدعى المصطلح نفسه عندما امتدت «الدولة» التي لا تعترف بحدود إلى الشام، فأطلقت على التنظيمات التي تناوئها «الصحوات» وعلى أفرادها لقب «صحوجي».

إنهم مثل أسلافهم الذين حَلِموا بالدولة الإسلامية في جبال الجزائر، يعيشون في عالم ماضوي تماماً بأحكامه ومسمياته، فأفغانستان هي خراسان، وباكستان بلاد السند، وينقلون من كتب التراث والسيرة والفقه نصوصاً يحشرونها كما هي في واقع لا يمت لها بصلة، ومنعزلون عن الواقع، فلا دول قائمة أو حكومات، ولا أنظمة أو قوانين دولية، ولا يحسبون حساباً لموازين القوى، وبالتالي لا يرون بأساً في أن يبايعوا أحدهم أميراً للمؤمنين، ليس أميراً للتنظيم، وإنما يرونه بالفعل أميراً لكل المؤمنين، بل حتى فكر البغدادي في إعلان الخلافة وهو يعيش متخفياً، في بيت حديدي مسبق الصنع على الحدود التركية، فيرسل نقباءه لجمع البيعة له، فيقف النقيب فيهم خطيباً يحمد الله ويثني عليه، يبين فضل جمع الصف ويستعرض الآيات والأحاديث التي تحض عليه، ثم يعدد مزايا الأمير ومناقبه، ويبلغهم بأصول دعوته، ويرد على شبهة من يقول كيف نبايع من لا نعرفه؟ أو هل تصح بيعة من لم يبايعه عامة الناس؟ الفرق بينهم وبين رسل أبي العباس عبدالله السفاح وهم يدعون الناس لدعوتهم، أن أصحابنا يصورون البيعات بين رجال ملثمين وينشرونها على «آنستغرام» و «تويتر»!

أترككم مع هذا النص من كتاب «مدّوا الأيادي لبيعة البغدادي» لأبي همام بكر بن عبدالعزيز الأثري – يقال إنه شاب بحريني – والذي يوضح بعضاً من تجلياتهم…

«إلى الأبطال الميامين، فرسان الميادين، من باعوا الدنيا للدين، إلى أسود الساحات، رافعي أفضل الرايات، والماضين رغم الشبهات، إلى مجلس الشورى في الدولة، وإلى وزرائها وقاداتها وجنودها، إليهم جميعاً: نصيحتي لكم، وليس مثلي ينصح مثلكم، عليكم بطاعة الأمير في المعروف، مهما اشتدت الأمور وتعسرت الظروف، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً».

* كاتب واعلامي سعودي

الحياة

على حدود “دولة الخلافة في سوريا”/ سميح صعب

على المقلب الآخر من “دولة الخلافة في سوريا” يدعو الرئيس التركي عبدالله غول الى “تغيير” السياسة التي تنتهجها أنقرة حيال سوريا منذ ثلاثة أعوام. كما يتوجه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الى ايران لطي صفحة التوتر التي كان عنوانها الازمة السورية. واذا كان من المبكر القول ان ثمة تغييراً قريباً في الموقف التركي من سوريا، فلا يمكن انكار العبء الثقيل الذي خلفته الازمة السورية على تركيا. من نشوء دولة للجهاديين على الحدود الجنوبية للبلاد، الى الشرخ في العلاقات مع ايران والعراق، الى الجدل الداخلي.

وعلى أبواب انعقاد مؤتمر جنيف 2، ليست تركيا وحدها من يسعى الى اعادة تقويم سياستها حيال سوريا. فهناك حديث متزايد في الصحافة الاجنبية عن اتصال اجهزة استخبارات غربية بالحكومة السورية للاستعلام عن جهاديين غربيين يقاتلون في صفوف “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) و”جبهة النصرة” المواليتين لتنظيم “القاعدة” وفي صفوف تنظيمات جهادية اخرى لا تقل تطرفاً عن هذين التنظيمين. وينعكس قلق الغرب من الجهاديين الاوروبيين في تصريحات رؤساء الدول التي كانت من أكثر المتحمسين لاسقاط النظام السوري وكان آخرهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أعلن عن وجود 700 مقاتل فرنسي في سوريا.

وبعد ثلاثة اعوام على الحرب السورية، هل بدأ العالم يعيد النظر في مواقفه وهل بدأ نوع من الاستدراك التركي والغربي لما يمكن ان تشكله الارض السورية من خزان جهادي يفوق بكثير ذلك الذي شكلته افغانستان في الثمانينات من القرن الماضي واوصل الى افراز “طالبان” و”القاعدة”؟ ولا يبدو ان العالم على موعد مع افراز حركات وتنظيمات اقل تطرفاً، اذا تسنى لـ”داعش” و”جبهة النصرة” اكتساب مزيد من النفوذ في سوريا او في العراق.

هذا هو التحدي الذي يواجه العالم اليوم والذي بدأت شظاياه تمتد الى لبنان والى فولغوغراد في روسيا وغداً من يدري الى أين، اذا تمكن الجهاديون من تثبيت اقدامهم اكثر في سوريا والعراق. ويزداد الاحراج الغربي بعدما ثبت له ان رهانه على قيام معارضة سورية متماسكة وقوية قادرة على ان تشكل بديلاً من النظام، بدأ يتلاشى مع فقدان الائتلاف السوري تأثيره الميداني وابتلائه بالانقسامات قبل ان يصل الى الحكم، فأتى الجهاديون ليستفيدوا من حال الفوضى التي نجمت عن الازمة السورية، تماماً مثلما تسللوا الى العراق مستفيدين من حال الفوضى التي خلفها الغزو الاميركي عام 2003.

ربما كان جنيف 2 مناسبة لتغيير المواقف واعادة النظر والتأمل في كلام عبدالله غول.

الحياة

“النصرة” تضلّل الثورة السورية بعد التحقيق مكاسب النظام من المتطرفين تربك الدول/ روزانا بومنصف

لم ينجح فيديو ابو عدس الذي كشف الادعاء في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي انطلقت المحاكمة في اغتياله واغتيال الشهداء الذين سقطوا معه قبل يومين في لاهاي، انه أعد بحدود 7 شباط 2005 اي قبل اسبوع من عملية الاغتيال في تضليل التحقيق الدولي في هذه الجريمة. الفيديو نسب التفجير الى ابو عدس بالنيابة عن جماعة ظهرت اعلاميا للمرة الاولى على اثر اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه في 14 شباط تحت اسم “جماعة النصرة والجهاد لبلاد الشام” واختفت كليا بعد ذلك لتظهر مجددا وتتخذ وجودا حقيقيا وليس وهميا وتحظى بدرع التثبيت لها في السنة الثانية من الثورة السورية ليس من اجل اعادة تأكيد الاتهامات في جريمة اغتيال الحريري والتشكيك بصدقية المحكمة الدولية واظهار صلة للتنظيمات الاصولية بعملية الاغتيال فحسب انما ايضا من اجل عنصر جديد هو تضليل الثورة في سوريا وكذلك تضليل المجتمع الدولي في شأن هذه الثورة وبنجاح منقطع النظير. فهذه الجماعة، ومن يدور في فلكها، اعادوا تأهيل النظام السوري الذي يستعد للجلوس على طاولة واحدة مع المعارضة السورية من اجل التفاوض مبدئيا على هيئة لسلطة انتقالية في سوريا في مؤتمر جنيف 2 الاسبوع المقبل في حين تقر مصادر ديبلوماسية ان جبهة النصرة ومن لف لفها انهكوا المعارضة السورية وقدموا خدمات جلى للنظام. وتكشف هذه المصادر قبل ايام من انعقاد مؤتمر جنيف 2 ان ثمة معلومات استخباراتية عدة تثبت وجود تناغم بين النظام والتنظيمات الاسلامية الاصولية المتصفة بالارهاب وكذلك وجود خدمات متبادلة، الا ان ذلك لا ينفي وجود اتجاهين متناقضين عشية مؤتمر جنيف 2 :

الاول ان هناك اقتناعا متزايدا لدى الدول الغربية المؤيدة منها للثورة السورية حول تحول سوريا ارض جهاد وحتى ارهاب وتنطلق منها العمليات ليس في سوريا وحدها بل في العراق ولبنان ودول اخرى مما يشكل نجاحا كبيرا ومدروسا للنظام الذي جهد منذ اليوم الاول للثورة لاشاعة هذه النظرية وعمل بقوة من اجلها مدعوما من كل من ايران وروسيا في شكل خاص. ومع ان ثمة اراء كثيرة سياسية وخبيرة بسوريا تدرك وتجاهر بمدى مسؤولية النظام في تحويل سوريا ملاذا للارهاب من خلال استفزازه اعمال العنف والقتل او من خلال خلق جماعات اصولية باساليب مختلفة نظرا لخبرته الطويلة في فبركة تنظيمات مماثلة ورعايتها ومحاربة الاخرين بها، فانه يخشى في ظل عدم امتلاك الدول الغربية الخيارات الكثيرة للتحرك او البحث عن حلول قادرة على فرضها ودفع النظام الى التسليم بواقع وجود ثورة شعبية ضده من اجل تغييره واستبدال حكمه المستمر منذ اربعين عاما الى التسليم في المقابل بواقع استمرار امتلاك النظام القدرة والادوات على مواجهة هذه التنظيمات.

اما الاتجاه الثاني، وعلى رغم اعتبار دول غربية عدة ان نظاما مسؤولا عن مقتل ما يزيد على 150 الف سوري خلال ثلاث سنوات وتهجير الملايين داخل سوريا وخارجها لا يمكن ان يبقى في السلطة او ان يكون له مكان في مستقبل سوريا، فان المصادر المعنية تقر بانه، وعلى رغم التوافق المبدئي على ان مؤتمر جنيف 2 هو، ووفق الدعوة التي وجهها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى الدول الغربية والاقليمية المعنية بالازمة السورية من اجل الاتفاق على سلطة انتقالية مشتركة بموافقة النظام والمعارضة، لا يزال هناك بون شاسع بين وجهة النظر الروسية ووجهة النظر الغربية من موضوع الازمة السورية. وينقل عن ديبلوماسيين غربيين التقوا نظراءهم الروس في الاسابيع الاخيرة استمرار هؤلاء في المنطق نفسه الذي يدعم النظام السوري وعدم المساومة عليه اي المنطق المتخوف من انتشار الارهاب وتحول سوريا ارضا للفوضى في المنطقة وابعد منها مع سيطرة هذه التنظيمات بدلا من النظام او حتى نجاح هذه التنظيمات في سلب المعارضة الثورة السورية والانتصارات الميدانية التي حققها الجيش السوري الحر بعد انطلاق الثورة. ومن غير المستبعد في حال رغبت روسيا في الضغط على النظام واقناعه بقبول المشاركة بسلطة انتقالية مع المعارضة ان تتذرع بعدم قبول النظام الذي تدعمه بتغييرات جوهرية في صلاحيات السلطة البديلة او انتقالها او تفاوض في احسن الاحوال وبالتنسيق مع ايران على ان يبقى صاحب السلطة المؤثرة علما ان المصادر الديبلوماسية المعنية تعتقد ان هذا سيكون كفيلا باستمرار الازمة وليس حلها مع احتمالات بالغة المخاطر قد تؤدي الى تقسيم سوريا وفق سيناريوات لم ينزعها احد من حساباته بعد.

وفي مكان ما بين الاتجاهين، ثمة افادة لا تقدر للنظام بما يستمر يحصل في مصر ان لجهة التجربة الفاشلة للاخوان المسلمين في الحكم او لجهة نبذهم من الشعب نفسه وتفضيل هذا الاخير وفق الاستفتاء على الدستور الذي جرى بالامس ان يعود العسكر الى الامساك بالسلطة وان على طموح بان يختلف ذلك عما كان في السابق زمن حكم الرئيس حسني مبارك او ايضا لجهة اقناع الدول الغربية بان تدخلها لدعم التحول في الانظمة العربية في هذا الاتجاه او ذاك لم يظهر ادراكا عميقا للشعوب العربية وما يجري فعلا على الارض. فالتجربة المصرية حيث وصلت اخيرا مدت نظام الاسد بمصل الافضلية على البدائل تبعا لملاحقة السلطة الانتقالية المصرية الاخوان المسلمين بعد تصنيفهم ارهابا.

النهار

الدولة والإرهاب/ خالد الدخيل *

منذ 2001 والحديث عن ظاهرة الإرهاب لا يتوقف. أدرجت الولايات المتحدة الأميركية -منذ ذلك التاريخ- محاربة هذه الظاهرة ضمن قائمة أولويات سياستها الخارجية.

عانت وتعاني دول كثيرة من هذه الظاهرة، وبعد أكثر من عقدين من الزمن على بدايات تصاعدها، لا يبدو أنها تتراجع. السؤال: هل أن الصراعات والحروب هي التي تغذي الإرهاب، أم أن الإرهاب هو الذي يفجر هذه الحروب والصراعات؟ ما علاقة ظاهرة الإرهاب بالدولة التي يستهدفها، والتي تستهدفه أيضاً؟ في الإطار نفسه ما علاقة الإرهاب بالطائفية؟

هذه أسئلة تفرض نفسها بإلحاح، لكنها لم تحظَ بما تستحقه من اهتمام. من السهل وصم الإرهاب بكل ما في المعاجم من مفردات الهجاء، وهو الآن هجاء باذخ في حماسته وفي بلاغته وفقير في مضمونه، بل قد يكون مضللاً في أهدافه وتوجهاته، وليس أدل على ذلك من أن آخر من انضم إلى جوقة هجاء التكفير والإرهاب هو الرئيس السوري بشار الأسد، وحليفه الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

ما معنى التساؤل عن إن كان للدولة علاقة سببية بتفشي الإرهاب؟ هناك أكثر من معنى. من ذلك أن تفشي هذه الظاهرة ونجاحها في استقطاب أعداد ليست بالقليلة من الشبان على مدى زمني ليس بالقصير يؤشر إلى فشل ما للدولة، والمسؤول عن هذا الفشل في هذه الحال هي الدولة نفسها، ومَعْلم هذا الفشل قدرة الإرهاب على تحدي المنطق الفكري والسياسي للدولة، على رغم الإجماع على الحاجة إليها وعلى أولويتها الأخلاقية. هذا لا يعني بالطبع أن الدولة هي الطرف الوحيد المسؤول هنا، لكنه يعني أنها الطرف الأول في مسؤوليته قبل أي طرف آخر. من نتائج ذلك في منطقتنا أن التنظيمات الإرهابية باتت تتحدى أكثر من دولة، وهذا واضح الآن في لبنان والعراق وسورية واليمن.

في لبنان -مثلاً- تجد الدولة نفسها مجبرة على الخضوع لهيمنة «حزب الله»، لأنه تنظيم يمتلك ميليشيا مدججة بكل أنواع الأسلحة، تأتي من خارج الحدود تحت ذريعة «المقاومة». لاحظ أن الدولة التي يفترض هنا أن لها سيادة حصرية على أراضيها لا تتجرأ حتى على الاعتراض على تجاوزها من دولة خارجية (إيران)، وإقامة علاقة جانب منها سري وآخر علني، مع تنظيم محلي وتزويده من خلال دولة أخرى (سورية) بكل ما يحتاج إليه من أموال وأسلحة ومعلومات استخباراتية، بمعزل كامل عن الدولة اللبنانية.

ربما تساءل البعض أمام شعار «المقاومة» الذي يرفعه الحزب: هل «حزب الله» تنظيم إرهابي؟ إبان نشأته، وفي معمعة الحرب الأهلية اللبنانية، قام هذا الحزب بتصفية أبرز رموز الفكر اليساري اللبناني، وهو متهم بتفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983، كما أنه متهم الآن من محكمة دولية بالتورط في اغتيال عدد من القيادات السياسية اللبنانية. إلى جانب ذلك، يخضع الحزب عملياً لسلطة دولة أجنبية (إيران)، انطلاقاً من أن ارتباطه السياسي والأيديولوجي معها يتقدم على ارتباطه بالدولة اللبنانية التي ينتمي إليها رسمياً. وفي إطار هذا الارتباط يشارك مقاتلو الحزب في الحرب الأهلية التي تدور رحاها في سورية إلى جانب النظام. وإذا عرفنا أن الحزب يقدم خدماته العسكرية والتدريبية لأطراف معارضة تشترك معه في الانتماء المذهبي، في دول مثل البحرين واليمن والعراق، وأنه متهم بعمليات عسكرية خارج منطقة الشرق الأوسط، نكون أمام تنظيم إرهابي شيعي عابر للحدود، وهو في ذلك لا يختلف كثيراً عن تنظيم «القاعدة» السني إلا في شيء واحد، هو ارتباطه بإيران، وأنه ذراع لها يعمل تحت مظلتها ورعايتها.

تنظيم «القاعدة» لا يرتبط بدولة بعينها، هو في حال عداء مع كل دول المنطقة تقريباً، السنية منها قبل الشيعية. واللافت في هذا السياق أن الدولة الوحيدة التي لم تصطدم «القاعدة» معها منذ إنشائها في ثمانينات القرن الماضي حتى الآن هي إيران. هذا الفرق يعطي «حزب الله» ميزة واضحة على «القاعدة»، وهي أن تبعيته لإيران والتزامه بمشروعها السياسي يجعل منه تنظيماً تحت مظلة دولة يفترض أن تبعد عنه شبهة الإرهاب بما توفره له بتحالفاتها الإقليمية والدولية من حماية يفتقر إليها تنظيم «القاعدة».

دور الدولة في نشر ظاهرة الإرهاب في هذه الحال مزدوج. فضعف الدولة اللبنانية، بسبب من تركيبتها الطائفية، يوفر الغطاء الشرعي المحلي لتنظيم يأخذ في الظاهر شكل حزب سياسي يمثل حقوق طائفة محلية، وبالتالي ينبغي أن يكون له من الحقوق السياسية ومن الشرعية والحماية ما لغيره من الأحزاب السياسية الأخرى. ومع أن أجهزة الدولة تعرف تورط الحزب في عمليات إرهابية في الداخل، وأنه يقاتل في سورية، بما يتناقض مع سياسة «النأي بالنفس» التي تأخذ الدولة اللبنانية بها، إلا أنها لا تستطيع تجاوز حدود الشكوى من ذلك، لأن الحزب بقدراته العسكرية وحسب لا يسمح بمثل هذا التجاوز.

من ناحيتها، توظف إيران، باعتبارها دولة إقليمية كبيرة، قدراتها وتحالفها مع النظام السوري لتوفير الغطاء الإقليمي لمشروعية الحزب وحماية دوره في الداخل والخارج، وفي كلا الحالين يتم ضرب منطق الدولة وإضعافه لمصلحة منطق القوة المعتمِد على تلاقي المصالح الطائفية وتحالفاتها، بما يولد مشاعر الكراهية والأحقاد ويجعل منها المرجعية الأولى للفعل ورد الفعل خارج منطق القانون.

هناك معنى آخر للتساؤل عن إن كان للدولة دور في تفشي الإرهاب. وهو أن فشل هذه الدولة في القيام بوظيفتها في حماية الحقوق في الداخل، وفي مواجهة تحديات الخارج يخلق فراغاً سياسياً يجعل من الممكن ملأه بقوى خارجة على منطق القانون وحدود الشرعية، وكل فعل يقع خارج هذه الأطر والمحددات أقرب لطبيعة الإرهاب منه لفعل الدولة المستند إلى مقتضى القانون ومتطلبات الشرعية، وهذا تحديداً ما يحصل في العراق وسورية واليمن.

تفشي ظاهرة «القاعدة» و «داعش» و «جبهة النصرة» وأخواتها تعبير عن هذه الحال، فهي من ناحية تعبّر عن فشل الدولة المحلية، لأنها تحتكم إلى الاصطفاف الطائفي لإدارة الصراع، ما أضعف ادعاءها حق احتكار مشروعية استخدام العنف أو التهديد به لفرض هيبة القانون، وفتح الباب على مصراعيه لكل أنواع الصراع، وتعبّر من ناحية ثانية عن فشل الدول العربية في مواجهة الصراع الإقليمي المتصاعد وضبطه ضمن حدود منطقها ومصالحها. فهي لا تستطيع، أو لا تملك الإرادة للتدخل في مناطق الصراع في إطار شرعية إقليمية أو دولية، وفي الوقت نفسه لا تستطيع التفرج على ما يحدث من دون أن تفعل شيئاً. بدلاً من ذلك تحتاج الدولة إلى مشايخ ووعاظ ومؤسسات دينية لإقناع من قد يكون لديه ميول للالتحاق بـ «ساحات الجهاد»، وفي المقابل، لا تقدم بديلاً لذلك، كأن لسان حالها يقول: «وداوني بالتي كانت هي الداء»، وهذا تحديداً ما أوجد الفراغ للتدخلات الإيرانية وتناسل التنظيمات الإرهابية، والمنطقة حالياً ضحية لهذه الحالة الجهنمية.

الغريب أن أميركا التي تريد محاربة الإرهاب تغذي بسياساتها تجاه المنطقة الظاهرة نفسها، سواء بقصد أم من دون قصد، وهذا معنى ثالث للتساؤل نفسه.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

“داعش”، تنظيم قاعدي، في حالة متواصلة من التشكّل

تنظيم “داعش”، هو ملخص “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، ظهر على المسرح السوري في ربيع العام الماضي. وقد فرض نفسه على الأرض بالقوة، بصفته أقوى مجموعة مسلحة في مناطق التمرّد الواقعة شمالي سوريا. هذا الصعود السريع لـ”داعش” أعاد خلط الأوراق وسط المجموعات المتمردة، وخيّب طموحات “الجيش السوري الحر” وحلفائه الغربيين. فمشروع “داعش” هو إقامة دولة إسلامية تغطي لبنان وسوريا والعراق؛ وقد جذب جيشاً من المجاهدين الأجانب، أعطوا للإنتفاضة السورية وجهاً فئوياً مذهبياً، وبعداً دولياً في آن واحد.

إن حلول “داعش” على سوريا، هو بمثابة توقيع على الظهور الثاني لتنظيم “القاعدة” في بلاد ما بين النهرين. وكان ظهوره الأول في سياق الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ومن يومها، إنضم الى الشبكات الإسلامية الجهادية مئات المقاتلين الأجانب، من سعوديين ويمنيين وليبيين وأردنيين.

ولكن في العام 2006، تنكّر “القاعدة” للزرقاوي، “أسد ما بين النهرين”، بعدما ذاعت دمويته وكراهيته للشيعة. تقول دومينيك توماس، المتخصصة بالحركات الجهادية، انه على اثر إخفاقات الزرقاوي: “بادر أيمن الظواهري، الرجل الثاني في “القاعدة” إلى إعادة النظر باستراتيجية الفوضى التي غرسها الزرقاوي”. وبعد مقتله عام 2006، أعيد تسمية التنظيم “الدولة الاسلامية في العراق”، في محاولة لإعادة التموضع حول قواعد وقيادة عراقية؛ فكان تعيين أبو عمر البغدادي، “أميراً” لهذه “الدولة”.

حتى العام 2009، كان نشاط “الدولة…” يقتصر على تنظيم تفجير السيارات المفخخة بوتيرة عالية، وصلت إلى قلب بغداد. إلا أن القوات الأميركية، وبمؤازرة من الميليشيات السنية المعادية للجهاديين، تمكنت من طرد عناصر “الدولة” الى المناطق الريفية والصحراوية، في محافظتي الأنبار ونينوى. وعندما قتل ابو عمر البغدادي عام 2010، خلفه أبو بكر البغدادي، فأصيبت “الدولة” بحالة من الضعف والعزلة. ولكن قواها كانت ما تزال قادرة على العمل على الأرض. لذلك، ما ان انسحب الأميركيون عام 2011، حتى بدأت العلميات الإنتحارية الجهادية تنال من المسؤولين العراقيين أنفسهم.

من جهة أخرى، فان صعود الإحتجاج السني عام 2013 على سياسة رئيس الوزراء، نوري المالكي، الطائفية، أعاد “الدولة” الى الواجهة، حيث أكثرت في تلك السنة من عملياتها الإنتحارية، وسهّلت عملية فرار سجنائها.

الإنتفاضة في الجارة سوريا منحت “الدولة” قوة وديناميكية جديدة. مقاتلوها عبروا الحدود العراقية السورية، التي كان يسيطر عليها المتمردون. وذلك من أجل تعزيز صفوف “جبهة النصرة”، التي تأسست عام 2012 على يد جهاديين سوريين أطلق سراحهم بشار الأسد عام 2011. تقول توماس بهذا الصدد: “المجموعتان حينها، تكاملتا من حيث العناصر البشرية واللوجيستية والخبرة العراقية”.

لكن القطيعة بين “النصرة” و”الدولة” تحدث في ربيع 2013، عندما يقرر البغدادي أن يوحّد المجموعتين ضمن تنظيم واحد، المعروف الآن بـ”داعش”. لكن أبو محمد الجولاني، قائد “النصرة”، يرفض الإنضمام الى “داعش”، ولا ينسى في الآن عينه أن يعلن ولاءه للـ”قاعدة”. بالنسبة لتوماس، خلف هذه القطيعة، “هناك صراع شخصي، صراع سلطة وأجندة. “النصرة” تريد الإحتفاظ بأجندة سورية واضحة، وتريد ان تخفي استراتيجيتها الهادفة الى إقامة دولة اسلامية”.

البغدادي لا يتخلى عن طموحاته الاقليمية. لذلك، فهو يضع العراقي أبو محمد العداناني على رأس الفرع السوري لـ”داعش”. وتشير توماس: “ان هذا الرسو لـ”داعش” على الأراضي السورية يمنحها القدرة على الوصول الى الحدود التركية. وهذه الحدود مهمة للتزوّد بالوقود، والسيطرة عليها تسمح لها بوضع يدها على الموارد النفطية التي تزخر بها هذه المنطقة”. والمردود الإقتصادي لهكذا سيطرة يمكنه ان يحرّك جيشاً من خمسة إلى ستة آلاف المقاتلين الجهاديين من مختلف الجنسيات، وهو يسمح لها أيضا بالسيطرة على توزيع الغذاء، وعلى النظام المدرسي في المناطق المتمردة؛ فضلا عن نسجها تحالفات مع قبائل الشرق السوري، منطقة الرقة ومدينتها، التي صارت معقلها.

إلا ان “داعش” تكرر الأخطاء التي ارتكبتها في العراق. فهي تطرد كل القوات المتمردة الأخرى، تعدم علناً جنوداً علويين، تمارس التجاوزات ضد المسيحيين، تخطف وتقتل القادة والأنفار المعارضين، تصادر الموارد المحلية، وتفرض ممنوعاتها الدينية. الإشتباكات تكثر بين قواتها وبين الأهالي والمجموعات المتمردة الاخرى؛ الذين يتهمونها بالقيام بلعبة النظام السوري، المتهم بأنه هو الذي سرب قواته داخل المعارضة، بلعبة أخرى كانت تتمحور منذ سنوات حول العراق.

في شهر كانون الأول الماضي، دخلت “داعش” في اللعبة اللبنانية، بارتكابها جرائم السيارات المفخخة في ضاحية بيروت الجنوبية، الحصن الحصين لـ”حزب الله”.وهي في العراق نالت من معاقل قديمة في محافظة الأنبار. لكن مشاريع “داعش” سرعان ما خابت. في سوريا، تتعرض “داعش” الآن لهجوم من قبل القوات المتمردة الأخرى. أما في العراق، فإن الجيش، بالتحالف مع العشائر السنية، يحاول طردها من الفلوجة ومن احياء تحتلها في الرمادي. لكن هذه التحالفات معرضة كلها للتبدّل السريع. تقول توماس بهذا الصدد: “مقاتلو “داعش” والقبائل لا يشتركون في الرؤى نفسها حول الدولة والمجتمع. وتحالفهم مع الجيش العراقي قائم على كون عدوها واحد، هي والجيش”.

[هيلين سالون صحيفة “لوموند” الفرنسية

(10 كانون الثاني 2013)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى