صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

حرب سوريا في العراق/ كريستوفر ر. هِل

إن كل من يشك في الارتباط الوثيق بين الحربين في العراق وسوريا ما عليه إلا أن ينظر إلى الدور الذي يلعبه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام التابع لتنظيم القاعدة، والذي يتدفق مقاتلوه عبر الحدود السورية إلى محافظة الأنبار في العراق.

وإذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بكل عناية فإن التطورات في العراق وسوريا قد تفضي إلى تحويل خريطة الشرق الأوسط، والحضّ على المزيد من الصراعات في السنوات المقبلة.

إن ما يحدث في الأنبار ليس أقل من كفاح من أجل وجود العراق في حدوده الحالية، وبقدر ما يشعر المسلمون السُّنّة في العراق بالخشية والقلق على مستقبلهم، فإن الأغلبية الشيعية التي تشرف الآن على الاقتراح غير المختبر لإقامة دولة عربية بقيادة حكومة شيعية، لديهم أيضا من الأسباب ما يدعوهم إلى الخشية والقلق.

الواقع أنه حتى المصابين بجنون الشك والعظمة لديهم أعداء، ففي حين كان من الواجب على رئيس الوزراء نوري المالكي أن يكرس المزيد من الجهد للتفاوض وبحث الحلول الوسط مع الطائفة السُّنّية بدلا من تضييق الخناق على قادتها وأنشطتها، فإنه رغم هذا يواجه مهمة شاقة تتمثل في توطيد الدولة العراقية التي يقودها الشيعة في غياب أي حليف طبيعي لها في بقية العالم العربي.

والواقع أن الطائفة السُّنّية التي تناضل الآن ضد تنظيم القاعدة من جانب والدولة الشيعية من الجانب الآخر، لم تبد أي اهتمام بمساعدة المالكي في توطيد النظام السياسي الجديد في العراق.

تتلخص إستراتيجية تنظيم القاعدة في العراق في التعامل بقسوة مع أولئك الذين يعتبرونه تنظيما سُنّيا متعاونا مع الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة في بغداد، ثم التعامل مع الحكومة ذاتها، وهي إستراتيجية وحشية ولكن يبدو أنها فعّالة.

وقد بدأت بالفعل نقاط التفتيش الشرطية والعسكرية تبدو وكأنها معابر حدودية، حيث تعمل في الأساس على قطع الأنبار التي يهيمن عليها السنّة عن بقية العراق.

وفي حين يجري تعزيز تلك الحواجز الداخلية، فإن عبور الحدود الفعلية مع الأجزاء التي يهيمن عليها السنّة في سوريا يصبح أكثر سهولة يوما بعد يوم.

لا شك أن الناخبين العراقيين بوسعهم أن يجدوا قائدا أفضل من المالكي لتوجيه البلاد عبر هذه الأوقات العصيبة، ولعلهم يفعلون مع اقتراب الانتخابات العامة في الثلاثين من أبريل/نيسان.

ولكنه ليس من الواضح على الإطلاق أن السُنّة العراقيين على استعداد لتقبل أي قيادة شيعية، فربما يمقتون المالكي، ولكن طائفتهم لم تعرب قط عن استعدادها لدعم قائد شيعي آخر يمثل القوة السياسية الشيعية بقدر من المصداقية.

وبالنسبة لغير المطلعين، فإن الجهود التي بُذِلَت عام 2010 لتوحيد السُنّة تحت راية تحالف الحركة الوطنية العراقية (عراقية) مع “الشيعة العلمانية” في القيادة، بدت وكأنها خطوة واعدة نحو سياسات ما بعد الطائفية، ولكن لم ينخدع بهذا من العراقيين سوى قِلة قليلة.

فلم يفكر قادة تحالف “عراقية” الشيعة قط في إدارة حملات انتخابية في جنوب العراق، حيث يعيش أغلب الشيعة، وباستثناء قِلة من المثقفين المنتمين إلى الشيعة العلمانية في بغداد، فإن تحالف عراقية لم ينجح قط في اكتساب دعم شيعي كبير.

بل على العكس من ذلك، استقبل العديد من الشيعة تحالف عراقية باعتباره جهدا مكشوفا لدحر مكاسب الشيعة واستعادة الحكم السُنّي. والسُنّة في نهاية المطاف ليسوا أكثر علمانية من الشيعة، ولكنهم ببساطة لديهم مصلحة في تقليص أهمية الهوية الطائفية التي تحكم عليهم بوضع الأقلية.

كثيرا ما يوصف الصراع الدموي في سوريا باعتباره حربا إيرانية، ومحاولة للإبقاء على الأغلبية السُنّية في سوريا تحت السيطرة وبناء القوة والمهابة في مختلف أنحاء بلاد الشام.

وعلى نحو مماثل، يندد العراقيون السُنّة بالنفوذ الإيراني على الحكومة العراقية، والذي أصبح الآن أعظم من أي وقت مضى في القرون الأخيرة.

ولكن الشيعة في العراق هم عراقيون وعرب أولا ثم شيعة ثانيا، وليس من المستغرب أنهم يريدون إقامة علاقة أفضل مع إيران مقارنة بعلاقة صدّام حسين بها.

والواقع أن الأمر برمته كان متوقعا، فقد تبدي الولايات المتحدة وغيرها الغضب إزاء العلاقات الوثيقة بين العراق وإيران، ولكن وقت التفكير في مثل هذا الأمر كان قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

ونظرا لقوة الشيعة العراقيين وتركزهم الإقليمي، فيتعين على السُنّة والمجتمعات الكردية وأي حكومة عراقية ناجحة أن تعمل على إيجاد السبل لحكم البلاد من خلال التوافق بين كل الطوائف، وهذه مهمة المالكي، وسوف تكون مهمة رئيس الوزراء المقبل أيضا.

ولكنه في ظل المناخ الحالي، من الصعوبة بمكان أن نتصور أن تعيين وزير سُنّي إضافي من شأنه أن يوقف تلك الموجة من التفجيرات الانتحارية التي ينفذها تنظيم القاعدة، وهي الجماعة التي لا يُعرَف عنها التفاوض على صفقات لتقاسم السلطة.

ومن غير المرجح أن تنجح سوريا أو العراق في حل مشاكلها بمفردها، فقد خلف رحيل القوات العسكرية الأميركية من العراق -خاصة تلك القوات التي ساعدت في تهدئة الأوضاع في الأنبار- مواجهة تحديات ثقيلة دائما. ولكن الولايات المتحدة لابد أن تشارك سياسيا بقوة في دعم الحكومة المركزية، وأن تحصر انتقاداتها للمالكي في القنوات الخاصة، وإنها لعلامة إيجابية أن يستمر نائب الرئيس جو بايدن في التواصل مع المالكي.

يحتاج العراق وسوريا -رغم هذا- إلى مساعدات خارجية أكثر من تلك التي يتلقاها البلدان، وكان الدبلوماسيون المصريون يلعبون الدور الأكثر أهمية في المنطقة في كثير من الأحيان، ولكن مصر الآن مشغولة بهمومها في الداخل وسوف تظل كذلك لسنوات قادمة.

وقد حاولت تركيا الاضطلاع بدور نشط ولكن جهودها لم تكن تستقبل دوما استقبالا حسنا بين العرب. ومن ناحية أخرى، لا يبدو أن المملكة العربية السعودية راغبة في التوسط بين الشيعة والسُنّة أو حتى بين الحركات السُنّية المتنافسة.

الواقع أن عملية جنيف بشأن سوريا هي النهج الصحيح، وينبغي للولايات المتحدة بشكل خاص أن تضع نصب عينيها أن النجاح في التوصل إلى ترتيب لتقاسم السلطة في سوريا قد يكون الوسيلة الأفضل لخلق الحيز اللازم للسماح للحكومة المركزية في العراق بتقديم الإشارات المناسبة للسُنّة بعد طول انتظار.

ومن المرجح أن يؤدي التقدم نحو نظام سياسي مستقل في أي من الدولتين إلى تقدم مماثل في الأخرى.

الكون يحارب «داعش»… ولا يهزمها/ رومان كاييه*

في 3 كانون الثاني ٢٠١٤، قامت مجموعتان من الجيش الحر، دُعمتا لاحقاً بتحالف من المتمردين «المعتدلين» وسلفيي الجبهة الإسلامية، بتنفيذ هجوم على الدولة الإسلامية في العراق والشام.

باء هذا الهجوم بالفشل، رغم التفوق العددي للمهاجمين. بدت الدولة الإسلامية بعد أكثر من شهر قادرة على المحافظة على عدد من مواقعها.

رغم التبعية المعلنة لجبهة النصرة لتنظيم القاعدة، فإنّ مختلف مكوّنات حركة التمرد العلمانية منها كما القومية _ الإسلامية أو حتى السلفية ركّزت انتقاداتها على الدولة الإسلامية في العراق والشام [1].

تتلخص هذه الاحتجاجات في ثلاث نقاط أساسية:

ــ الدولة الإسلامية في العراق والشام تقاتل الثوار حتى الساعة.

ــ الدولة الإسلامية في العراق والشام لا تواجه النظام السوري.

ــ النظام السوري يتجنب مواقع الدولة الإسلامية.

يجدر أن نفرّق بين معارك الجنود على الحواجز، والتي يمكن أن تتطور إلى الأسوأ، وبين تصفية الألوية «العلمانية» الموالية للغرب، وهي الاستراتيجية التي أصبح من الواضح أن الدولة الإسلامية في العراق والشام تتبناها.

وفي هذا السياق، قاتلت الدولة الإسلامية لواء «عاصفة الشمال» المنتمي الى الجيش السوري الحر والمتمركز في مدينة «أعزاز» في الشمال الغربي من حلب، وطردته من المدينة منذ مطلع شهر تشرين الأول ٢٠١٣ [2].

بالمقابل، ولغاية إطلاق الهجوم على الدولة الإسلامية في العراق والشام، أول كانون الثاني، لم يكن بادياً أنّ هناك إرادة باستهداف قادة التنظيمات المتمردة الأخرى، على العكس كشف عديد الروايات أن العلاقات بين مختلف الفصائل كانت طيبة [3].

أغلب عمليات جبهة النصرة، قبل الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية في نيسان ٢٠١٣، كانت موجهة من قبل قادة دولة العراق الإسلامية والذين التحقوا في ما بعد بجناحها في الشام. وبذلك يكون الدفاع عن الأحياء المتمردة في حلب، «تحرير» مطار تفتناز العسكري قرب إدلب ومدينة الرقة يحسب في قسم كبير منه لصالح الدولة الإسلامية في العراق والشام.

كذلك قام أغلب المقاتلين الأجانب في كتيبة المهاجرين الذين احتلوا اللواء ١١١ في محافظة حلب بإعلان بيعتهم للدولة الإسلامية في العراق والشام.

ويمكن إحصاء سيطرة جنود الدولة الإسلامية في العراق والشام على مطار مينغ العسكري قرب أعزاز في آب ٢٠١٣ وعلى اللواء ٦٦ في محافظة حماه في أيلول من العام ذاته، بالإضافة إلى قتال الدولة الإسلامية لقوات النظام في مقاطعة حلب، على جبهات شيخ سعيد، نبل والزهراء، كويرس، عين عرب، نقارين الحرارية، خان طومان، معارة الأرتيق، وعفرين وفي محافظة دير الزور حول اللواء ١٣٧ ومخازن الأسلحة في مقاطعة عياش.

تلاقي مصالح كل من النظام و«الدولة»

تبيّن مراجعة بسيطة لبرقيات وكالات الأخبار لشهر كانون الثاني ٢٠١٤ أنّ سلاح الجو قصف عديد المقار التابعة للفصيل «الجهادي»، ما تسبب بمقتل عشرات المقاتلين في ١٩ كانون الثاني في الرقة [4] ومقتل قيادي سعودي مطلوب لدى الأنتربول في ٢٤ كانون الثاني في مدينة الباب شمالي حلب. بالرغم من ذلك، فإن هناك تلاقياً حقيقياً للمصالح بين النظام وهذا التنظيم، حيث تعطي سيطرة الدولة الإسلامية على العديد من «المناطق المحررة» ورؤيتها حول التطبيق الصارم للشريعة، بالإضافة إلى استقرار آلاف الجهاديين القادمين من العالم أجمع (مع عائلاتهم أحياناً) حجة ذات وزن للنظام في مفاوضاته مع الغربيين الذين يخشون هذه الظاهرة. وبذلك لا يكون استئصال الجهاديين أولوية استراتيجية لدى النظام.

أما بالنسبة إلى أبي بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي تتمثل أولوياته في تأمين استمرارية «دولته» المؤقتة التي هي في طور البناء، فإنه واع تمام الوعي بأن انهيار نظام دمشق سيقود إلى تكوين حلف ضده بصفة فورية يضم أغلب المتمردين السنّة وبقايا النظام العلوي، وحتى تدخل الطائرات من دون طيار الأميركية.

هذا السيناريو يستند في جزء منه إلى تاريخ دولة العراق الإسلامية، التي حاربت منذ مطلع ٢٠٠٧ كلّاً من الجيش الأميركي والقوات الحكومية العراقية والميليشيات السنية المعروفة باسم «الصحوات».

نموذج «الصحوات» العراقي

سبّب إعلان قيام دولة العراق الإسلامية والبيعة السياسية التي أرادت أن تفرضها هذه الأخيرة على مقاتلي الاحتلال الأميركي رفضاً «للدولة»، حتى داخل الإسلاميين أنفسهم. وكنتيجة لذلك ظهرت «الصحوات» التي طورها ودعمها الأميركيون بقوة عام ٢٠٠٧.

بالرغم من أنّ عديد الثوار السوريين يرفضون أن يتم نعتهم بالصحوات الجديدة، فإن الشبه كبير بين الوضع السوري والعراقي.

العناصر التي أدت إلى ظهور الصحوات في العراق موجودة في سوريا: مقاومة قوية من «الثوار السوريين» للسياسة المتسلطة للدولة الإسلامية في العراق والشام؛ وجود لاعبين خارجيين يوفرون مصادر تمويل وترسانة لكل من يقاتل الدولة الإسلامية. في سوريا، كانت المملكة العربية السعودية وتركيا المساهمتين بصفة مباشرة في نشوء هذه الصحوات، حيث تقوم الرياض بتمويل وتأطير الجبهة الإسلامية، بينما تدعم تركيا على وجه الخصوص جبهة ثوار سوريا التابعة لجمال معروف.

وفي ٢٢ كانون الثاني الماضي، وخلال مؤتمر «جنيف ٢» في مونترو، أكد رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا أنّ الجيش الحر، وبالتنسيق مع بلدان صديقة عدة، قام بملاحقة إرهابيي الدولة الإسلامية في العراق والشام في محافظات: إدلب، حلب وحماه.

هذه الحرب تجد شرعيتها لدى الرأي العام السوري بسبب مقتل القائد في الجبهة الإسلامية أبي ريان، وذلك على يد عضو في الدولة الإسلامية أراد الانتقام لسقوط عديد المقاتلين الذين تمت تصفيتهم من قبل كتيبة أبي ريان في مسكنة [5]. ورغم ذلك، فإنّ تصريحات الجربا عن الانتصار في هذه الحملة على الدولة الإسلامية تبيّن أنها لا تعدو أن تكون إلا فشلاً.

 انتصارات «الدولة»: انسجام أيديولوجي وتحالفات مع القبائل

بعد إعلان بدء هجوم «الثوار» مطلع كانون الثاني، قامت الدولة الإسلامية بهجوم معاكس ناجح، رغم التفوق العددي للمهاجمين ورغم دعم قوى المنطقة لهم. علاوة على ميزات مقاتليها وكفاءة قادتها العسكريين [6]، فإن الانسجام الأيديولوجي الداخلي للدولة الإسلامية يفسّر قدرتها على المقاومة. إذ تمثل الدولة الإسلامية فعلياً إلى جانب حزب الله القوة العسكرية الوحيدة الموجودة في سوريا، والتي رغم الاختلافات الثقافية واللغوية بين مقاتليها فإنهم ينتسبون إلى أيديولوجية واحدة وإلى البرنامج السياسي نفسه. هذه الوحدة تؤمن تنظيماً وانضباطاً على الأرض حاسمين عند المواجهة مع الجيش السوري الحر الذي يضم عسكريين منشقين وعصابات مافيوية وحتى عند مواجهة كتائب الجبهة الإسلامية التي يتقاسمها الإسلاميون المعتدلون والسلفيون [7]، حتى جبهة النصرة نفسها، لا تتمتع بهكذا تجانس أيديولوجي.

إن تغلغل التنظيم الجهادي في القبائل السورية يفسّر أيضاً قدرته على المقاومة، ولا سيما في معاقله في الرقة وجرابلس:

ــ في الرقة، بعض العشائر الطامحة إلى الاستقرار والمقتنعة باستحالة عودة نظام بشار الأسد لجأت إلى الدولة الإسلامية. وهذا أحياناً دون أي اعتبار أيديولوجي. حيث قامت عشيرة العفادلة، والتي كانت تتبع النظام، ببيعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، بينما اختارت عشائر أخرى وضع أبنائها في كل الفصائل؛ من ضمنهم الدولة الإسلامية من أجل المحافظة على مصالحها. وعندما بدأ القتال في الرقة بين الدولة الإسلامية ومناهضيها، سحبت العشائر أبناءها من كلا الفريقين لتجنب الاقتتال في ما بينهم، وهو ما أجبر أعداء الدولة الإسلامية على الاستعانة بمقاتلين سلفيين من الجبهة الإسلامية من إدلب وحلب لدعم لواء ثوار الرقة المتحالف مع جبهة النصرة، التي لم تشارك بشكل مباشر في القتال ضد الدولة الإسلامية، رغم إعلان تصفية أميرها المحلي أبو سعد الحضرمي [8]. وقد استبق خسارة مواقع الجبهة الإسلامية انتصار الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ التاسع من كانون الثاني والذي أصبح نهائياً بعد الرابع عشر من كانون الثاني بعد سقوط الرميلة آخر منطقة يسيطر عليها لواء ثوار الرقة.

ـــ في جرابلس، المدينة الواقعة الى الشمال الشرقي من حلب، استلزم الأمر أكثر من ١٠ أيام للقتال حتى تسترجع الدولة الإسلامية في العراق والشام نفوذها الكامل على معقلها، معتمدة في ذلك على عداوات قديمة بين عشيرتي المدينة: الجيس والطيء. حيث كانت عشيرة الجيس _ المرتبطة قديماً بالنظام، ثم من بعده مع الجيش الحر والمعروف عنها بأنها قليلة الالتزام الديني _ تهيمن على عشيرة الطيء المشاع عنها بكونها محافظة والتي التحق أغلب أبنائها بجبهة النصرة، ثم بالدولة الإسلامية في العراق والشام [9]. وفي تموز ٢٠١٢، عندما غادرت قوات دمشق جرابلس، أضحت كل من العشيرتين تتمتع بمشروعية ثورية حيث تعتمد عشيرة الجيس على عائلة يوسف جادر الضابط المنشق، والذي التحق بالجيش السوري الحر، قبل أن يموت كـ«بطل» في معركة الأكاديمية العسكرية في حلب، بينما كان للشيخ أحمد مصطفى المنتمي إلى عشيرة الطيء، وأحد أكثر الأئمة شعبية في جرابلس، ٣ إخوة سقطوا «شهداء».

لم يبايع الشيخ أحمد مصطفى رسمياً الدولة الإسلامية، إلا أن العديد من أبناء عائلته ومن بينهم أخوان له التحقا بالتنظيم مدعمين بذلك أحقية الطيء بتسيير مدينة جرابلس. انتهى الأمر باندلاع القتال بين العشيرتين بعد مقتل مجاهد أجنبي من قبل رجل من عائلة جادر من عشيرة الجيس. وقام أبناء عشيرة الطيء الموالون للدولة الإسلامية بطرد أعدائهم من جرابلس، وانتهى الأمر بهم إلى السيطرة على المدينة بالكامل في نهاية صيف ٢٠١٣.

وعلى ضوء هذه الأحداث، يجب مقاربة معارك كانون الثاني ٢٠١٤، التي كانت بين مقاتلي الدولة الإسلامية، التي تجمع كلاً من المتطوعين الأجانب وأبناء عشيرة الطيء من جهة، وبين عائلة الجادر الراغبة في الانتقام والمدعومة بجزء من عشيرة الجيس، بالإضافة إلى الأكراد من جهة ثانية.

وبعدما فوجئوا بهجوم 5 يناير/ كانون الثاني الذي ترسخ في مركز جرابلس الثقافي، تمكّن مقاتلو الدولة الإسلامية من كسر الحصار الذي فرضه الثوار بفضل وصول التعزيزات من حلب واسترجع المقاتلون السيطرة على المدينة بالكامل.

وفي جرابلس، كما الرقة وعلى الأرجح في مدن أخرى، أضحى السكان الراغبون في عودة الاستقرار والنظام إلى مدنهم يتكيّفون بطريقة أو بأخرى مع وجود مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام.

«في البداية، كان أبواي ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن اليوم هما يحبذان مواقفها المتسلطة على الفوضى التي تهيمن على المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، صحيح أنه مع الجيش الحر كنا أحراراً في فعل ما نريد، لكن المدينة لم تكن مؤمنة ويمكن أن نختطف من العصابات بين عشية وضحاها» [10])

كما حصلت الدولة الإسلامية في العراق والشام أخيراً على بيعة عشيرة الحديدين الموجودة في شرق حلب وفي البادية (صحراء سوريا) وعشيرة بوعز الدين ذات الصلة بقبيلة العقيدات.

في محافظة دير الزور، ليس بعيداً عن الحدود العراقية، مكّنت السيطرة على هذه المحافظة الدولة الإسلامية من تأمين استمرارية ترابية تمتد من الفلوجة حتى ريف شمال حلب.

تجدر الإشارة إلى أنّ من المرجح أن يكون لتلك الولاءات القبلية أبعاد نفعية مادية، حيث تسبب استيلاء الدولة الإسلامية على حقل الغاز الطبيعي كونيكو في محافظة دير الزور بغضب قادة جبهة النصرة واندلاع المعارك بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بصفة مباشرة لأول مرة.

بعد أكثر من شهر على بدء الهجوم ضدها، بدت الدولة الإسلامية قادرة على المحافظة على مواقعها في الرقة، في وادي الفرات وربما كامل شمال محافظة حلب في حال تمكن الجهاديين من كسر حصار أعزاز. وقد دحضت القيادة العامة لتنظيم القاعدة في بيان نشر في ٣ شباط ٢٠١٤ كل علاقة لتنظيمه مع الدولة الإسلامية، مؤكداً أن جبهة النصرة هي الذراع الوحيدة للقاعدة في كل من سوريا ولبنان حيث قامت بعديد العمليات.

المراجع:

[1]  على عكس الفكرة السائدة، فإن الدولة الإسلامية في العراق والشام والقاعدة هما تنظيمان مختلفان لديهما استراتيجيات مستقلة وأجندات متباينة

اقرأ رومان كاييه»:

http://islamonline.net/armed/5000

[2] الأسباب الرئيسية للصراع بين الدولة الإسلامية في العراق والشام ولواء عاصفة الشمال تم شرحها في رومان كاييه

http://www.islamion.com/kotap.php?post=11129

[3] الاطلاع على مقابلة العقيد عبد الجبار العكيدي رئيس المجلس العسكري للجيش الحر في حلب والذي يكشف من خلالها عن علاقته الودية بالدولة الإسلامية في العراق والشام

http://www.youtube.com/watch?v=reUUvuPwgGM

[4] برقية نشرت على موقع قناة الميادين اللبنانية على موقع التواصل الاجتماعي  تويتر

[5] نشر مسؤول في الدولة الإسلامية في العراق و الشام نصاً طويلاً بخصوص حالة أبي ريان، إضافة إلى مسؤوليته في تصفية العديد من محاربي الدولة الإسلامية في العراق و الشام، اتهم القائد السلفي بأنه عميل للمخابرات التركية عندما كان يعمل في القرية الحدودية تل الأبيض في شمال الرقة.

http://sadaalsham.net/?p=16242

[6] عمر الشيشاني واسمه الحقيقي طرخان باتيرشفيلي كان رقيباً في الجيش الجورجي وشارك في الحرب الروسية الجورجية في أوسيتيا الجنوبية سنة 2008

[7] تعدّ حركة أحرار الشام الإسلامية، الفرع السلفي للجبهة الإسلامية، تياراً جهادياً أقلوياً ولكنه مؤثر يقوده أبو خالد السوري العضو السابق في تنظيم القاعدة والقريب من  أيمن الظواهري. اطلع على: «Syrian rebel leader was bin Laden’s courier, now Zawahiri’s representative ».

[8] راجع بيان فرقة الدولة الإسلامية في العراق والشام في الرقة الذي يعلن تصفيات أبي سعد الحضرمي لردّته، من دون أن يقدم تفاصيل أو مشاريع هذا الأخير للانقلاب على الدولة الإسلامية في الرقة.

[9] مقابلة أجريت في بيروت مع مهندس أصله من جرابلس ويقطن حالياً في لبنان، وقد غادر مسقط رأسه منذ شهر كانون الأول ٢٠١٣، بعد بضعة أسابيع من بداية المعارك.

[10] المصدر نفسه

* باحث فرنسي في شؤون الجماعات الإسلامية

(نشرت المادة بالتوافق مع الكاتب / المقال باللغة الفرنسية في جريدة Orient XXI)

الأخبار

أفضال “داعش” علينا؟/ حازم صاغية

مع تأسيس “الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”، أو “داعش”، بعد انفصالها عن “جبهة النصرة”، بدأت تتكاثر التحليلات حول مشروع إسلاميّ جديد يكون عابراً لحدود الدول الوطنيّة ويجمع الأنبار في العراق إلى حلب في سوريّا.

ولم تكن الطروحات العقائديّة الفقهيّة لـ”داعش”، ولا الانتصارات العسكريّة التي أحرزتها في أشهر ولادتها الأولى، السببين الوحيدين لانتعاش الحديث عن مشروع كهذا. فإلى ذلك، بدا واضحاً أنّ الحدود السوريّة كلّها متهاوية ومترنّحة، أكان مع العراق أم مع تركيا أم مع لبنان. أمّا التماسك النسبيّ، وهو نسبيّ جدّاً، للحدود مع الأردن، فليس مردّه إلى قوّة السلطة السوريّة، بل إلى قوّة السلطة الأردنيّة التي نجحت في اعتماد سياسة شبه حياديّة من النزاع السوريّ، كما في ضبط مجتمعها في حدود سياستها هذه.

بلغة أخرى، بدت، ولا تزال تبدو، الحدود السوريّة ذات طاقة كامنة لعبورها، أيّاً كان العابر وأيّةً ما كانت تسميته.

لكنْ ما دام أنّ الحدود تعني طرفين بالضرورة، فهذا ما لا يبعث على الاطمئنان في ما خصّ قدرات العراق ولبنان وتركيّا على ضبط حدودها. صحيح أنّ المشكلة تظهر في كلّ واحد من البلدان على نحو يخالف ظهورها في البلد الآخر، وبحدّة تزيد أو تنقص، إلاّ أنّ الصحيح أيضاً كونها قاسماً مشتركاً بين معظم أطراف المنطقة. وأهمّ ما في الأمر أنّ الأزمة الحدوديّة ترقى إلى انعكاس عن أزمة التعايش بين الجماعات في كلّ واحد من البلدان المذكورة.

ففي العراق ترتبط المشكلة الحدوديّة بأزمة العلاقة بين المكوّن الشيعيّ العربيّ مع المكوّنين الكرديّ والسنّيّ العربيّ، ما يعني أنّ حضور السلطة المركزيّة في الشمال والغرب إمّا مستحيل أو شكليّ (كردستان العراق) وإمّا نزاعيّ وإشكاليّ (الحرب الدائرة اليوم في الأنبار). أمّا في لبنان، فالحدود هي أيضاً صورة خارجيّة عن العلاقات الداخليّة البالغة التأزّم بين الطائفتين السنّيّة والشيعيّة، وهذا ما يتّضح راهناً في شريط يمتدّ من البقاع في شرق لبنان إلى عكّار في شماله. ومع اختلاف حالة تركيّا ذات الجيش الجبّار والسلطة المركزيّة الأقوى بلا قياس، فإنّ الحدود الشرقيّة والجنوبيّة الشرقيّة للبلاد ستبقى شديدة التأثّر بأطوار التعامل مع المشكلة الكرديّة هناك.

وغنيّ عن القول إنّ أزمة الحدود هذه تكفي لكي تكون إعلاناً صارخاً عن الكيفيّة التي نشأت بموجبها الدول الوطنيّة والروابط التي يُفترض أن تكون داخلها. فنحن، في كلّ بلد تقريباً، نقع على جماعة أو أكثر تنشدّ إلى “إخوتها” في الدين أو المذهب أو الإثنيّة أكثر ممّا تنشد إلى مواطنيها في الوطن ذاته. لا بل غالباً ما يكون الانشداد الأوّل مدفوعاً بتعزيز القوّة الذاتيّة في مواجهة شركاء الوطن المختلفين في الدين أو المذهب أو الإثنيّة.

والحال أنّ الجماعات التي وجدت وتجد نفسها مهمّشة في الدول الوطنيّة إنّما تعتمد “سياسة خارجيّة” خاصّة بها. وتكون السياسة هذه، في معظم الأحيان، متناقضة مع السياسة الخارجيّة التي تتّبعها الدولة المنظور إليها على أنّها تمثّل الجماعة الأخرى. فإذا صحّ أنّ العصبيّة الأهليّة لا تكتمل، في زمننا الراهن، من دون عقيدة إيديولوجيّة وقوّة عسكريّة، فإنّها أيضاً لا تكتمل من دون سياسة خارجيّة.

لقد استطاعت “داعش”، منذ نشأتها، أن تفتح صندوقاً مقفلاً من الأفكار والمراجعات التي لم تكن تحظى بكبير اهتمام في ظلّ طغيان مقولات “الشعب” و”الوطن” و”الأمّة”. وهو، بالتأكيد، صندوق باندورا لجهة الشرور والأخطار المجتمعة فيه، والتي كنّا نحن من ملأها فيه عن طريق الدول التي أقمناها، والعلاقات التي أنشأناها، والقيم السياسيّة التي عمّمناها. وقد انتهينا اليوم مساحات شاسعة متداخلة تتقاتل في داخلها من دون أن تملك لخارجها أيّة… حدود.

ونعرف، في لغتنا الاستعماليّة، أنّنا حين نصف أحدهم بأنّه يعرف حدّه، نكون ننسب إليه الاتّزان والمعقوليّة والتمدّن. أمّا دولنا ومجتمعاتنا فليست من النوع الذي يعرف حدّاً. وهذا الاكتشاف المتأخّر ربّما كان من أفضال “داعش” علينا!

“داعش والأسد واحد”…لا سلام مع الأسد والقاعدة/ كريستين هيلبرغ

ترى الخبيرة الألمانية في الشأن السوري كريستين هيلبرغ أن بشار الأسد ليس سداً منيعاً في وجه الإرهاب، بل إنه يستغل الصراع في سوريا. وطالما استمر الأسد في تدمير بلاده فسيثبت المتطرفون أقدامهم وسط الفوضى. وترى في تعليقها التالي لموقع قنطرة أن رحيله فقط هو ما سيساعد السوريين في حربهم ضد تنظيم القاعدة وسيعيد السلام إلى البلاد.

ما هذا الذي نقرأه عن سوريا هذه الأيام؟! “إسلاميون” يقاتلون “إسلاميين” والأسد تحول إلى “أخفّ الضررين” والأولوية باتت “محاربة الإرهاب” – إرهاب تنظيم القاعدة بالطبع وليس إرهاب بشار الأسد. لقد حان الوقت لتذكر حقيقة الصراع في سوريا وما يتم الحديث عنه في مونترو بسويسرا، ألا وهو الإطاحة بنظام قاتل، ليس لأننا في الغرب نريد ذلك، بل لأن السوريين طالبوا بذلك بشكل سلمي وتم تعذيبهم وقتلهم وتجويعهم بسببه.

الأمور، بالطبع، أكثر تعقيداً من ذلك. فالثورة تحولت إلى صراع إقليمي بالوكالة، والمتظاهرون تحولوا إلى مقاتلين، بينما بات الناشطون السياسيون عمال إغاثة. لذلك، لن يكون هناك سلام في نهاية مؤتمر السلام في مونترو وجنيف.

 انفصال عن الواقع

 المشكلة الرئيسية هي أن عملية التفاوض الحالية تجري بشكل منفصل تماماً عن الأحداث في سوريا. فبينما يطالب جانب بوضع حد للحرب، لا يستطيع الجانب الآخر وقفها. والنظام يتظاهر بأنه ما زال مصراً على محاربة “الإرهاب”، وهذا يعني أنه سيستمر في قصف الأحياء التي يتمركز فيها معارضوه وتعذيب منتقديه حتى الموت.

 أما الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، فهو لا يمتلك النفوذ الكافي لدى المقاومة المسلحة وهو ضعيف للغاية حتى بصحبة الثوار المتحالفين معه والمنضوين تحت لواء الجيش السوري الحر. هذا يعني أن ما يتم التوصل إليه في مونترو وجنيف – بغض النظر عن طبيعته – لن يؤثر على ما يحدث في البلاد.

عملت الصحفية كريستين هيلبرغ بين عامي 2001 و2009 مراسلة حرة في دمشق. وستصدر النسخة الثانية المنقحة والموسعة من كتابها بعنوان “سوريا البؤرة الساخنة – نظرة على بلاد مغلقة” في مطلع فبراير 2014 عن دار هيردر للنشر.

 يضاف إلى ذلك التباين الكبير في المواقف. فبشار الأسد لا يرى أي سبب للتخلي عن السلطة، خاصة أن إيران وروسيا وحزب الله يقفون إلى جانبه عسكرياً واقتصادياً. كما أنه تمكن من إعادة فرض نفسه كطرف مفاوض من خلال الموافقة على اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية. ومع زحف تنظيم القاعدة على سوريا، يبدو الأسد لعدد من ساسة الغرب بأنه “أخف الضررين”.

 لامبالاة قاتلة

المعارضة، من جهتها، تعتمد بشكل كلي على المفاوضات الرامية إلى تشكيل حكومة انتقالية بدون الأسد. أي حل آخر غير ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي، إذ كيف يمكن لمعارض سوري تبرير مفاوضات مع نظام يقوم في الوقت نفسه بإلقاء براميل من المتفجرات على المدنيين وتجويع الأطفال في عدد من أحياء المدن السورية، وسيستمر في ذلك أيضاً؟

 من يحذر من تنحّ عاجل للأسد بسبب الخوف من ملء الجهاديين لفراغ السلطة الناجم عن رحيله يجهل الواقع في سوريا. فالإطاحة بالنظام لن تكون سبب صعود القاعدة، وإنما استمرار القتل من قبل النظام والسكوت عليه من قبل الغرب وتجاهل العالم للموت في سوريا. كل هذا يساهم في تعاظم نفوذ القاعدة.

 كما أن الأسد نفسه ساعد على نشر نفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة، فقد دمّر سوريا لدرجة تمكن فيها الجهاديون من تثبيت أقدامهم وسط الفوضى. وهو يستفيد من وجودهم في البلاد أيضاً، لأنهم يؤكدون ادعاءاته بأنه يحارب الإرهاب وينشرون الفتنة بين معارضيه.

 من السخف النظر إلى الأسد على أنه حليف في الحرب ضد القاعدة، لأن “الإرهابيين” الذين يدعي محاربتهم ليسوا أعضاء فرع القاعدة في سوريا (الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”)، بل هم المواطنين السوريين الذين لا يلينون في ضواحي دمشق وحلب وحمص.

 حرب على جبهتين

النظام لا يحارب “داعش” في حقيقة الأمر، بل الثوار، الذين يواجهون الإرهابيين في المناطق “المحررة” وأعلنوا الحرب عليهم مؤخراً. وبدلاً من السعي سوياً لإسقاط النظام، يحارب الثوار على جبهتين – ضد الأسد وضد القاعدة.

 من لم يرغب في أن تصبح سوريا ملاذاً للإرهاب الدولي فعليه المساعدة في إنهاء الحرب ضد الأسد بأسرع وقت ممكن، فالحكومة الانتقالية المبنية على إجماع وطني هي الوحيدة القادرة على توحيد السوريين في الحرب على الإرهاب.

زحف المتطرفين الإسلامويين: ينحدر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” من مجموعة إرهابية نشأت سنة 2003 نتيجة زحف قوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة على العراق للإطاحة بنظام الدكتاتور صدام حسين. أول قائد معروف لهذه المجموعة، التي أطلقت على نفسها في البداية اسم “جماعة التوحيد والجهاد”، هو أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الجنسية، الذي اشتهر بقساوته.

صحيح أن الثوار السوريين عبارة عن مجموعة معقدة من الكتائب المختلفة ـ وبعضها لا يمكن تمييزه من حيث المظهر والخطاب كثيراً عن تنظيم القاعدة، لاسيما مقاتلي “الجبهة الإسلامية”، التي تعتبر التنظيم الإسلامي المحلي في سوريا، والذين يظهرون بنفس تشدد مقاتلي “داعش”، لكن هناك اختلاف حاسم بين الاثنين.

 فــ”داعش” تريد إقامة خلافة إسلامية في المنطقة وتسعى لفرض الإسلام في العالم كله. أما “الجبهة الإسلامية، فهي تريد تحرير سوريا من سيطرة الأسد ومن ثم السعي لإقامة دولة إسلامية في سوريا. إذاً، بينما تقف “داعش” وراء إرهاب عابر للحدود، يقاتل ثوار “الجبهة الإسلامية” من أجل حق تقرير المصير في بلادهم.

 أما عن لهجة “الجبهة الإسلامية” الشبيهة بلهجة السلفيين المتشددين، فهذا أمر مرتبط بمن يموّلونها. فالسعودية وقطر وتركيا ودول خليجية أخرى تدعم الإسلاميين السنة وتختار الكتائب التي تريد دعمها بناءاً على ذلك. وكلما زادت “إسلامية” المجموعة، زادت المبالغ والأسلحة التي تحصل عليها. هذه هي المعادلة بكل بساطة.

وبما أن الغرب لا يزال غير راغب في دعم الصراع المسلح حتى الآن، فإن اللحية الطويلة وعصابات الرأس السوداء التي تحمل الشهادتين ستظل أفضل من الوجوه الحليقة والزي العسكري الأخضر. كما أن استعراض الأيديولوجيات في الوقت الراهن ليس تعبيراً عن قناعات سياسية راسخة بقدر ما هو طريقة للحصول على المزيد من التمويل.

 “الأسد وداعش واحد”

لقد أثبت في مطلع يناير الثمانية عشر مليون سوري المتبقون أنهم لا يريدون الأسد أو القاعدة، وذلك حين جرت مظاهرات منسقة ضد “داعش” تحت شعار “الأسد وداعش واحد”، بالتزامن مع هجوم عسكري على “داعش” في عدد من المناطق في شمال البلاد. هذا الحشد يثبت أن المجتمع السوري قادر على تطوير وعي سياسي وشجاعة لاتخاذ قراره بنفسه، وهو أمر لم يكن بالإمكان تصديقه قبل ثلاث سنوات.

تجاهل غربي صادم حيال النزاع في سوريا: منذ بداية المعارك في سوريا قبل نحو عامين ونصف العام، قُتل أكثر من مئة ألف شخص، بحسب إحصاءات للأمم المتحدة. كما تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى نزوح حوالي مليوني سوري من البلاد، إضافة إلى أكثر من أربعة ملايين فرّوا من مناطق سكنهم.

لقد أصبح السوريون يرفضون أن يملي عليهم أحد كيف يعيشون، سواء كان “داعش” أو أي طاغية ديني وعلماني. وحتى في ظل أسوأ الظروف، سيصرّون على أن يكونوا طرفاً في الحوار واتخاذ القرار. لقد بقي المجتمع المدني السوري موجودا رغم الأسد و”داعش”، وهذا يجعله غير قابل للتدمير.

لذلك، لا يجب أن يكون الهدف هو منح السوريين حياة حرة وكريمة وحسب، بل وتمكينهم من تقرير مصيرهم سياسياً، دون أن تقف نخبة سياسية سلطوية في وجه ذلك أو يعطله جهاديون مسلحون. وستكون الخطوة الأولى على هذا الطريق، الذي سيكون وعراً ومليئاً بالعقبات، هي تنحي الأسد.

إن أي حل بوجود الأسد ليس حلاً، لأنه لن ينهي المعارك الدائرة. وبعد الفظائع التي يعيشها السوريون منذ ثلاثة أعوام، لن يرتاح لهم بال حتى رحيله.

 ومهما علا صوت الراغبين في بقاء الأسد بمن فيهم المجتمع الدولي، فإن ثوار سوريا – من المنشقين العلمانيين وحتى الجهاديين المتطرفين – لن يضعوا أسلحتهم حتى الإطاحة بالنظام. وما عدا ذلك أوهام يستخدمها الدبلوماسيون في واشنطن وموسكو وبروكسل ونيويورك لتضييع الوقت.

 آفاق سياسية

 ما الذي يجب فعله؟ الشرط الأول لإيجاد حل عن طريق المفاوضات هو أن يكون للمتفاوضين تأثير على المقاتلين في البلاد. وطالما شارك الأسد في المفاوضات بشكل مباشر أو غير مباشر، سيصرّ المتطرفون من بين الثوار على رفض المشاركة. لهذا يبقى فقط تقوية الائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى المتحالف معه.

وبمجرد حصول الجيش السوري الحر على أكثر الأسلحة فاعلية ميدانياً وبرهنة سيطرته على مجريات القتال، فإنه سيتمكن من كسب ألوية “الجبهة الإسلامية” لقضيته ودفعها للموافقة على وقف لإطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق سياسي.

مثل هذا الاتفاق يجب أن يشمل تسليماً تدريجياً للسلطات وتنازلات ملموسة، مثل حرية الحركة التامة لمنظمات الإغاثة الدولية والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

تنتقد كريستين هيلبرغ “الاستراتيجية الراهنة لمجموعة ’أصدقاء سوريا’، التي تعترف بالائتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري، إلا أنها تتركه عاجزاً ودون نفوذ، وتقوّي حجة الأسد بأن المعارضة عبارة عن ’أتباع للغرب’”.

إن الاستراتيجية الراهنة لمجموعة “أصدقاء سوريا”، التي تعترف بالائتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري وتتركه في الوقت نفسه عاجزاً ودون أي نفوذ، تقوّي حجة الأسد بأن المعارضين ما هم سوى “أتباع الغرب”. لذلك، يجب علينا تزويد كافة النشطاء والثوار، الذين يعملون مع الائتلاف الوطني ويعتبرون جزءاً من الحل السياسي، بكل ما يحتاجونه للانتصار على النظام وتنظيم القاعدة.

 الأمر لا يتعلق بقوات على الأرض أو مناورة عسكرية كبيرة لحلف شمال الأطلسي ولا يتعلق بإسقاط النظام بالطريقة التي حصلت في ليبيا. كما أن الأمر لا يتعلق أيضاً بخوض حرب مدفوعة بمصالح إمبريالية مثلما كان في العراق.

 مسؤولية الحماية في سوريا

 الأمر يتعلق بالمساعدة على إنهاء حرب فُرضت على السوريين من قبل النظام الحاكم وتهدد بإبادة الشعب بأكمله. هذا ما يسمى بمسؤولية الحماية، وهو مبدأ جديد في القانون الدولي، إن لم يطبق في سوريا فأي مكان آخر أحق بتطبيقه فيه منها يا ترى؟

 قد تساعد شحنات الأسلحة إلى الجهات “المناسبة” في صفوف المقاومة وفرض مناطق لحظر الطيران على قلب الأمور بشكل حاسم. لكن الأوروبيين والأمريكيين ليسوا مستعدين للتدخل عسكرياً دون تفويض من الأمم المتحدة.

هذا التحفظ صحيح للغاية بالمفهوم العام، إلا أنه بالنسبة للوضع في سوريا يدلّ على قصر نظر ويؤدي إلى نتائج معاكسة، وذلك لأن القوى المعتدلة، الذين نشكل نحن الحلفاء الطبيعيين لهم، تتلاشى، فيما تتجه المقاومة إلى التطرف أكثر وأكثر بسبب من يموّلونها ولأن القاعدة بدأت في التجذر داخل سوريا المنهارة.

إن الإشارة التي يرسلها الغرب إلى سوريا تقول: ما يقوم به الأسد فظيع وما تقوم به القاعدة فظيع. لكن عليكم تدبير أمركم معهم لوحدكم! وما الدرس الذي تعلمه السوريون بعد ثلاث سنوات؟ لا يمكن الاعتماد على أوروبا وأمريكا، الذين يدّعون نشر قيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

ترجمة: ياسر أبو معيلق

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014

“داعش”… وخلط الأوراق/ عبدالله العوضي

 بعد دخول «داعش» على خط الأزمة السورية، فإن الأوراق التي يتم التلاعب بها من قبل النظام والمعارضة الداخلية والجماعات المتطرفة التي ظهرت على الساحة، تسحب البساط من الحل السياسي الذي يراد التوصل إليه من قبل المفاوضين على المستوى الدولي.

فالطريق إلى دمشق لم يعد سهل المنال، لأنه يمر بمنعرجات خطيرة ومنعطفات لا يملك أي طرف التحكم فيها ووقف التدهور الذي يقع من خلاله المزيد من الضحايا في كل الاتجاهات.

فالاقتتال الداخلي بين الجيش الحر والمجموعات المسلحة من «داعش»، بدأ يذهب بالثورة إلى منحى آخر لا يصب في صالح أي طرف من الأطراف، وهذا يعني إطالة أمد الأزمة وإعطاء النظام المبرر للمضي في حربه ضد الجماعات «الإرهابية» بدل المعارضة التي جعلت من أهدافها في النهاية الوصول إلى الحكم، إلا أن حسابات الميدان لم تعد تساعد الفكر السياسي البديل الذي يراد أن يقود سوريا ما بعد الأسد.

الشعب يريد الخلاص بأسرع وقت من نظام أسرف في القتل بكل الوسائل المتاحة، إلا أن ما يحدث اليوم من اقتتال بين الفصائل المختلفة على أسلوب العمل وطريقة التفكير في الخروج من هذا المأزق الجديد من الناحية العملية وإن كان مطروحاً منذ البدايات التخوف من وقوع انحراف في مسار التغيير الذي رفعت من أجله شعارات الحرية والكرامة والعدالة، التي لا يمكن أن تتحقق عبر ما يحدث على الساحة السورية من الإغراق في حرب داخلية يستفيد منها النظام أكثر من غيره.

ومن ناحية أخرى العالم بكل ما يملك من إمكانات التدخل المباشر في الأزمة السورية حسم أمره في الحل السلمي أي السياسي والإصرار على جلوس جميع الأطراف المختلفة على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة وهذا في حد ذاته بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على الأزمة يشكل معضلة، لأن النظام لا يقبل الخروج من الساحة بالهزيمة، لأنه بانتظار استحقاقات الانتخابات القادمة، وخاصة بعد أن قبل بشرط التخلص من مخزون الأسلحة الكيماوية وهذه ورقة يريد من خلالها النظام إطالة بقائه بعد أن رفض ابتداء تسليم السلطة لأي جهة.

إن أي مؤتمر دولي يعقد لصالح سوريا الوطن الواحد والشعب الواحد عليه السعي لتقصير أمد الأزمة، وخاصة أن المشكلة خرجت من الإطار الإقليمي إلى الشأن الدولي، بعد وقوف «الفيتو» الروسي والصيني لصالح النظام السوري. ولابد من الوصول إلى نقطة لإخراج إيران و«حزب الله» والتنظيمات الأخرى التي تؤثر سلباً على زعزعة معادلة الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، حتى لا تتحول سوريا إلى بؤرة لتصدير «الإرهاب» إذا ما تولى المتطرفون زمام الأمور هناك، وخاصة من العناصر التي بدأت تخترق الحدود والحواجز باسم الجهاد من أجل إقامة دولة إسلامية في الشام وفق رؤية «القاعدة» وأنصارها والمروجين لأفكارها الانتحارية.

إن احتواء الأزمة السورية من قبل دول العالم، سواء في جنيف أو في غيرها أمر في غاية الأهمية، وخاصة أن آثارها طالت الدول المحيطة بسوريا ولم تقف عند حدودها المرسومة، فالحل السياسي ضروري هنا إذا كان بيده إطفاء نيران الفتنة والحرب الأهلية والعذاب عن الشعب برمته وهو الذي يدفع الثمن كله.

فإذا استطاع أهل الحل السياسي إيصال الشعب السوري إلى مبتغاه والاتفاق على نظام يحقق مطالب كل الأطراف دون إقصاء أحد، إلا ممن ولغت يداه في دماء السوريين وشردتهم في الأصقاع. فمن حق الشعب السوري بكل مكوناته بعد هذه المعاناة التي خاض غمارها طوال السنوات الماضية، أن يعيش تحت مظلة العدالة والكرامة الإنسانية ويحصد ثمار تضحياته أمناً واستقراراً وإعماراً.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى