صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

 

 

تحديات “داعش”/ عبدالسلام الوايل
2/1
الطور الجديد الذي دخلته السلفية الجهادية، طور «داعش» والخلافة، يفرض على الدولة العربية الوطنية تحديات غير مسبوقة. تحديات تختلف عن تلك التي مثلتها الظاهرة الجهادية في طوريها السابقين، والذي سيجري تبيانهما. وأكثر دولة عربية معنية بهذا التحدي المملكة العربية السعودية، لظروف النشأة وأساس شرعية الدولة. في هذه المقالة، سأتبع بعض أعمال خبراء الظاهرة الجهادية في التفريق بين طورين: الجهاد ضد العدو القريب، ثم الجهاد ضد العدو البعيد. وسأضيف طوراً ثالثاً هو طور جهاد تكوين الدولة. ثم سأستعرض التحديات الجديدة مع دخولنا هذا الطور للدولة العربية الحديثة، مطبقاً على السعودية كحالة، ومقدماً ما أرى أنه قد يساهم في الاستجابة لهذه التحديات.
طور العدو القريب: بدأت الظاهرة الجهادية المعاصرة بتنظيمات مصرية من قبيل «تنظيم الكلية الفنية العسكرية» و«الجماعة الإسلامية» و«جماعة الجهاد». قامت هذه التنظيمات في ستينات القرن الماضي، كرد فعل من طلاب ثانوية عامة على ما اعتبروه القصور في الرؤية لدى تنظيم «الإخوان» الذين اضطهدتهم الأنظمة الحاكمة في مصر، وبدأت ممارسة أجنداتها في العقود اللاحقة. تمثل رؤية هذه التنظيمات طابع الطور الأول من الظاهرة الجهادية، والتي يمكن التعبير عنها، أي الرؤية، بالتالي: سبب محن المسلمين وتقهقرهم هو تسلط أنظمة حاكمة كفرية على رقابهم وخلل عام في عقائد الناس. وأن حل هذه المعضلة يكمن في الجهاد ضد هذه الأنظمة وإسقاطها وإقامة نظم إسلامية بديلة، أو مقارعة «العدو القريب». و«العدو القريب» هو الأنظمة الحاكمة في البلدان الإسلامية فيما «العدو البعيد» هو الغرب.
طور العدو البعيد: مع الجهاد الأفغاني نشأت ظاهرة الجهاد العابر لحدود الدولة الوطنية، بتجمع مجاهدين من مجتمعات مختلفة في مكان واحد من أجل الجهاد، وهو ما تكرر في البوسنة والشيشان. تمخض عن هذا التطور في المسيرة الجهادية الانتقال إلى طور الجهاد العولمي، الذي توّج بإعلان «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» العام 1998، والتي تطورت بعد عامين من جبهة لتصبح جماعة واحدة باسم «جماعة قاعدة الجهاد»، والتي صارت تعرف بـ «القاعدة». تختلف رؤية هذا الطور عما قبله بتحويل المقارعة من «العدو القريب» إلى «العدو البعيد». المحاججة التي شيّد على أساسها هذا الطور سهلة: لا يمكن هزيمة «العدو القريب» بسبب دعم «العدو البعيد» له. لا يمكن التغلب على العدو القريب إلا بتخلي العدو البعيد عنه. ولن يتخلى العدو البعيد إلا عبر إيصاله إلى نتيجة أن تدخله في بلاد المسلمين مضر له وأن من الأسلم لهذا الغرب ترك المسلمين وشأنهم. للوصول إلى هذه النتيجة لا بد من هزيمة الغرب نفسه، وليس المقصود بهزيمته هنا السيطرة عليه واحتلاله، بل حمله على التخلي عن السيطرة على المسلمين من خلال استنزافه في معارك وحروب وإلحاق خسائر به تجعله يترك المسلمين وشأنهم. ولأن قيادة الغرب في عالم اليوم بيد أميركا، فلا بد من التركيز عليها بالجهاد.
بسبب أن فارق القوة بين المسلمين وأميركا يميل بشكل واضح لمصلحة الأخيرة، فقد طور «القاعدة» استراتيجية شكّلت عالم «الحرب على الإرهاب» الذي صبغ الفترة من أيلول (سبتمبر) 2001 إلى اليوم. تقوم الاستراتيجية على استدراج أميركا عبر توجيه ضربات مدوية لها. ضربات لا تترك خياراً للأميركان إلا القدوم بقضّهم وقضيضهم لاحتلال بلاد إسلامية. سيؤدي احتلال الجيوش الغربية «الصليبية» لدار المسلمين إلى نتيجتين. أولاً: إحياء روح الجهاد لدى المسلمين، الذين سيستفزهم عودة الجيوش «الصليبية» لاحتلال بلاد المسلمين. ثانياً: توريط أميركا ومعها الغرب في وحول حروب العصابات. لذا، سيصل الأميركان في النهاية إلى النتيجة المتوخاة، وهي ترك المسلمين وشأنهم، ما يخلي بين المسلمين والأنظمة «المرتدة الكافرة»، أو العدو القريب، ليسهل إسقاطها وإقامة دولة الإسلام. وكما نعرف، فإن الرد على هجمات سبتمبر 2001 كان تماماً كما توخى «القاعدة»: احتلال بلدين إسلاميين أفغانستان والعراق. «القاعدة» طبعاً كان يأمل بأن يمضي الأميركان إلى أبعد من ذلك. مع الاحتلالين بدأت استراتيجية القاعدة تحقق بعض وعودها. وطبعاً ساهمت عولمة وسائل التواصل في تفعيل أكثر لهذه الاستراتيجية فكانت الجهادية العالمية أكثر نجاعة من قبل.
لكن الوضع العراقي، والثورة السورية لاحقاً، كانا بيدراً جاء بحصاد مختلف عن حسابات حقل «القاعدة». فبدلاً من التركيز على الجيوش الغازية، طوّر الزرقاوي في العراق استراتيجية تتقصّد قوى محلية في الأساس، وعلى رأسها الشيعة، موقعاً تفجيرات تقتل مواطنين عراقيين بالمئات في التفجير الواحد. استخدم الزرقاوي «القاعدة» لمصلحته. لم يكن منظور الزرقاوي وتنظيمه التركيز على الأميركان بل على إفشال نموذجهم الموعود للديموقراطية عبر تقصّد «عملاء» أميركا من «الروافض» والسنة.
مضى الزرقاوي في تنفيذ رؤيته غير عابئ بتحفظات قادة «القاعدة»، وكذا سار على دربه القادة من بعده خليفتاه أبو عمر وأبو بكر البغداديان. بتعبير آخر، الحال العراقية أنتجت «انحرافاً» عن استراتيجية «القاعدة» بتقصدها المفاصلة مع مكون محلي والاكتفاء برحيل «العدو البعيد» عن الأرض، عوض توريطه أكثر فأكثر حتى يترك المنطقة وشأنها. اتضح أن هدف «الجهاد» في العراق تحريره من الأميركان وإقامة دولة للسنة فيه، بدلاً من عده حلبة لاستدراج «العدو البعيد». هذا كسر كبير في استراتيجية «القاعدة». هذا هو الطور الثالث من الظاهرة الجهادية. أحد تمظهرات هذا الطور «عرقنة» الجهاد، بدلاً من الحفاظ على طابعه العولمي. وربما لهذا السبب، لجأ خليفة الزرقاوي، أبوحمزة المهاجر المصري الجنسية، في خطوة مفاجئة لتنصيب قائد عراقي للتنظيم الجهادي، الذي كان اسمه في ذاك الوقت «مجلس شورى المجاهدين»، هو أبو عمر البغدادي. سيطرة العناصر العراقية على مقاليد الظاهرة الجهادية في العراق وإعلان دولة العراق الإسلامية، والتي اضطر ابن لادن لمباركتها، كانا نكسة في استراتيجية «القاعدة». ومن الملاحظ أنه منذ نشوئه وخلال 10 أعوام من مسيرته، دخلت «داعش» عناصر عراقية مدفوعة بالحميّة وشعور الاضطهاد ومشاعر وطنية وغيرة. بعض هذه العناصر، نشأت على أيديولوجيا علمانية قومية شديدة الاعتزاز بالعراق، هي أيديولوجيا «البعث». هذا المزيج من العناصر البشرية والتطورات في ساحة العراق صار يطبخ «داعش» باتجاه مختلف تماماً عما خطط له «القاعدة» من استراتيجيات. إذ كان للعناصر العراقية الجهادية أجندة مختلفة عما للقاعدة: طرد المحتل والمفاصلة مع «المرتدين والمنافقين»، أي القوى السنية التي لا تقبل بالتبعية لهم والشيعة، وإقامة دولة سلفية. فمثلها مثل القاعدة، تشكل السلفية – الجهادية جوهر خطاب «داعش». أضفت الثورة السورية بعداً على هذا المنظور وأعادت بعث الحيوية في جسد «داعش»، إذ أحيت الجاذبية الجهادية العولمية لتنظيم دولة العراق، بإعلان نفسه دولة عابرة لحدود سايكس – بيكو بين العراق وسورية. يجدر ملاحظة أن حرص «داعش» على المفاصلة مع العدو القريب يختلف عن الطور الأول، بكون البعد العولمي أحد مكوناته، لكن هذه الاستمالة لم تترافق بتكرار النموذج الأفغاني والبوسني والشيشاني، إذ يتقاسم مسلمون من جنسيات مختلفة تصدر المشهد الجهادي.
في حال «داعش»، ترحيب بالمجاهدين لكن تحت قيادة أهل البلد، بل حتى رفاق الزرقاوي من غير العراقيين أبعدوا عن مواقع القيادة مع إعلان الدولة. إذاً، عودة من استراتيجية مفاصلة «العدو البعيد» إلى استراتيجية مفاصلة «العدو القريب»، لكن بمسحة عولمية هذه المرة تسمح باستقطاب مجاهدين من كل مكان.
2/2
يوماً بعد يوم يتبين أن «داعش» يركز بشكل جدي على إقامة دولة. إنه ليس معني باستدراج الغرب للقدوم إلى بلاد المسلمين أو البحث عن أميركا لمقاتلتها، فقد نشأ هذا النموذج وتكون أصلاً في ظل «لا دولة». أو نشأ في ظل كون الدولة محل تنازع مع عدو قريب. بمعنى أن «داعش» نشأ في ظل ضعف النظام السياسي المحلي، وهذا فارق عن الطور الأول. لذا، يكفي طرد العدو البعيد ومقاتلة قوى محلية لإقامة دولة جديدة، ربما بحدود جديدة. الطور الثالث طوّر منظوره في ظروف مختلفة عن تلك التي طور فيها الجهاديون قبلهم منظورهم، حين كانت الدولة الوطنية العربية قوية وأنظمتها السياسية منيعة. لذا يبدو على «داعش» براغماتية لم نعهدها على الجهاديين من قبل. هذه جهادية ليست بعبثية القاعدة، إنها تؤسس دولة بكل جدية. إعلان الخلافة، مثلاً، يطلب من أصحاب الكفاءات المدنية الهجرة إلى دار الخلافة للاستفادة من خدماتهم في إدارة مجتمع وليس في القتال فقط. إعلان بعض الحسابات المحسوبة على «داعش» أن مقاتلة «المرتدين والمنافقين» مقدمة على تحرير بيت المقدس، كرد على برود التنظيم حيال حرب إسرائيل على غزة، وتبرير التعاون مع بعثيين وعدم التسامح مع قاعديي «النصرة» بأن البعثيين يصلون ومجاهدي «النصرة» مرتدون، كل ذلك يبين أننا أمام تنظيم يفكر بحسابات براغماتية لم يكن يُتصور صدورها عن تنظيم جهادي. أحد أصحاب الحسابات الداعشية تمنى الذهاب إلى فلسطين لمقاتلة «حماس» المرتدة، في الوقت الذي كانت آلة القتل الإسرائيلية تصب حممها على سكان غزة. نغمة لم نعهدها من جهاديي الطورين السابقين. ليس من المستبعد، مع هذه المؤشرات، أن ينجح «داعش» في إقامة دولة. أرسل «داعش» إلى تركيا والغرب ما يكفي من الإشارات بأنه ليس مثل «القاعدة»، وأنه لن يتردد حتى في محاربة «القاعدة» والقضاء عليها. فـ«داعش» يعامل أسرى الغرب لديه بإنسانية، لكنه لا يتسامح مع أسرى محليين حتى ولو كانوا جهاديين من أتباع «القاعدة». وفيما يفجر أتباع «داعش» الأضرحة، مدفوعين بمنظورهم السلفي، فإنهم أحجموا عن تدمير ضريح سليمان شاه مؤسس الدولة العثمانية والرمز التركي المهم. كما يعامل «داعش» مسيحيي الموصل بتسامح مقارنة مع شيعتها. وكما قال مدير الاستخبارات البريطاني السابق ريتشارد ديرلوف الأسبوع الماضي إن الغرب لم يعد هدفاً للجهاديين، في زمن «داعش»، الذين استعاضوا الغرب بالعالم العربي كهدف لهم. وبينما تجسد أفعال «داعش» هذا الاستخلاص، فإن الغرب قد يتصرف مع الظاهرة الجهادية المرتبطة بـ«داعش» بطريقة مغايرة عما كان يفعل عندما كان الجهاديون يتقصدونه. أي قد يقبل التعامل معها ككيان سياسي أو على الأقل يتركها وشأنها. إذاً الطور الثالث من الظاهرة الجهادية طور إقامة دولة وحكم مجتمعات عربية. وعلى رغم أن هذا هدف الطور الثاني أو «القاعدة»، لكن الاختلاف عن طور «القاعدة» يكمن في الاستعجال في التنفيذ قبل المفاصلة النهائية مع العدو البعيد. إن هذا الطور لا يفترض انهياراً للدول وفراغاً في السلطة المنظمة للمجتمع قبل ظهور دولة الخلافة، كما هو الحال في منظور «القاعدة» والمعبر عنه في كتاب «إدارة التوحش» لقاعدي سعودي. بل يستبق الفوضى المتوقعة بإنشاء دولة قامت في العالم الافتراضي أولاً وأنشأت هياكلها قبل أن تسيطر فعلياً على الأرض. إن الخلافة بالنسبة لـ«داعش»، هي «الآن وهنا» عوضاً عن أن تنتظر دحر الغرب. كما أنه لا يبدو أن رؤية «داعش» تفرق بين عدو قريب أو بعيد. العدو هو من يقف في طريق إنشاء دولتها، وغيره يمكن التفاهم معه. وفي سعيها إلى إنشاء دولتها، أظهر «داعش» براعة في مخاطبة الأرواح المتعطشة لدولة سلفية صرفة تحاكي النماذج المخزونة في الكتب والصدور.
الطور الثالث للظاهرة الجهادية يفرض تحدياً غير مسبوق على الدولة الوطنية العربية. لسنا أمام ظاهرة إرهابية تستهدف استقرار الدولة وأمنها ورخاءها بل أمام ظاهرة تستهدف أخذ الدولة كغنيمة والاستيلاء عليها. انتهى زمن عبثية «القاعدة» وأقبل زمن براغماتية «داعش».
زيادة على أن هذا تهديد للدولة العربية بعامة، إنه تحدٍ مضاعف للسعودية بالذات، لماذا؟ لأن «داعش» تقول إنها تقيم دولة سلفية، لكنها ليست سلفية صديقة لنا بل سلفية تتهمنا بالتحريف.
بُعد الخلافة في «داعش» يؤشر لهاجسها التوسعي وبُعد السلفية يؤشر لجهودها في «التكويش» على التيار للسلفي. وبمزج البعدين نكون بإزاء تهديد للدول العربية، بخاصة المجاورة للعراق. وبما أن «داعش» يعتمد السلفية كمنظور شرعي، فإن من المحتمل، بخاصة مع نجاحاته التي لا يمكن استبعادها في إدارة المناطق التي يسيطر عليها وأذرعه الإعلامية الفعالة، أن تتصاعد شعبيته لدى شعب نشأ على رؤية أن السلفية التعبير الأكثر صحة عن الإسلام. وأفصحت نجاحات «داعش» في الموصل عن إعجاب مكنون في صدور الكثيرين. وإن لم يتحقق لـ«داعش» التمدد جغرافياً خارج أراضي العراق وسورية، فإن نموذجها قد يلهب خيال أجيال جديدة من الجهاديين، على الأقل لإقامة دويلات شبيهة. وفيما كان إرهاب القاعدة في السعودية يتمحور حول شعار «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، فإن شعار الجيل الجهادي الجديد سيكون إقامة الدولة مباشرة. كانت السعودية الغنيمة الموعودة التي يسيل لها لعاب الظاهرة السلفية الجهادية، بما يُظن من قابلية قطاعات واسعة من شعبها لتحبيذ تطبيق نسخة سلفية من الإسلام، ينقل جمال خاشقجي تقديرات «سوفان قروب» لعدد السعوديين في سورية بثلاثة آلاف، كثاني جنسية بعد تونس! لذا فإن نجاح «داعش» في التحول إلى كيان سياسي في الأراضي التي يسيطر عليها، يمثل تهديداً بمحاولة استنساخ نموذجه في السعودية. فكيف يمكن مواجهة هذا التحدي؟
أنطلق من رؤية مفادها أن تأسيس المجتمع على العقلانية والرشد أشد الحصون منعة ضد التطرف. وتأسيس مجتمع ما على العقلانية عملية تاريخية معقدة، لكن تستطيع الدولة بما تراكمه من قوة ونفوذ أن تعجّل من هذه العملية عبر حزمة من الإجراءات، قد تتضمن صياغة عقد اجتماعي جديد بين السلطة والمجتمع. من هذه الإجراءات، مثلاً، إفساح فضاء لروايات جديدة في الحكاية المؤسِسة للدولة السعودية، منذ نشأها الأول في منتصف القرن الـ18. ففضاء الحكاية مملوء برواية وحيدة هي أن هذه الدولة نشأت لدواعٍ عقدية بحتة، هي نفي الشرك عن الناس. وفيما أن تصحيح العقيدة كان في جوهر خطاب التأسيس وفهم المؤسسين لكيانهم الجديد، فإن للخلدونية، بما هي نظر عقلي في ظاهرة الدولة والعمران، أن تمدنا بروايات موازية أو معاضدة، ترى في نشوء الدولة في ذينك الزمان والمكان المحددين استجابة لحاجات سكان وسط الجزيرة لسلطة مركزية. أمامنا في هذا السياق، الرواية التي تمهد لها أعمال من قبيل رسالتي الدكتوراه لكل من عيضة الجهني وخالد الدخيل. فعيضة الجهني ينظر إلى التحول الديموغرافي من البداوة إلى الاستقرار في وسط الجزيرة عاملاً ألحَّ على متطلب السلطة المركزية، وخالد الدخيل يرى أن تساكن بشراً من أطياف قبلية مختلفة في مستوطنات بشرية واحدة، بدلاً من المستوطنات ذات التكوين القبلي الواحد أو القبيلة المرتحلة، أوجد الحاجة إلى سلطة مركزية عابرة لهذ المكونات المتساكنة. بكلام آخر، إن نشوء الدولة السعودية في منتصف القرن الـ18 ونجاحها جاء بسبب حاجة أهل المنطقة إلى سلطة مركزية تكون مرجعاً للوحدات البلدانية المتاكثرة. كانت الدعوة الدينية سبباً وآداة شرعية لتحقيق حاجات السكان في سلطان يظلهم. لذا فإن سكان المنتج السياسي النهائي لهذه الدعوة الدينية، أي المملكة العربية السعودية، ممتنون للدعوة الإصلاحية لا من حيث أنها نقّت عقائد أسلافهم من الشرك، فهم لم يكونوا مشركين أصلاً، بل من حيث أنها حققت لهم ولأسلافهم من قبلهم تلبية الدولة كحاجة للنمو والاستقرار والأمن. هذه الرواية، والتي هي نظر عقلي في أساس نشوء الدولة كما تقدم، إن مكّن لها في فضاء الحكاية المؤسِسة ستسهم في إغناء شرعية الكيان السياسي الحالي للدولة، من حيث أنه جاء أصلاً استجابة لحاجات ومتطلبات سكانية. كما أنها ستساعد في إعادة تشييد فهم المجتمع لذاته على أسس عقلانية رشيدة، بدلاً من ربط غاية هذا المجتمع بحماية رؤية معينة للإسلام، هي الرؤية السلفية، وهي الغاية التي يقول «داعش» إنه يقوم بها أفضل منا. لا يلزم أن تكون هذا الرواية بديلة عن تلك السائدة، يمكن أن تكون موازية لها.
إن إنشاء أجيال ترى في أن دولتهم قامت استجابة لحاجة السكان وبأن الدعوة الإصلاحية كانت وسيلة لا غنى عنها لتحقيق هذه الاستجابة سيخفف من التصورات العقائدية المبالغ فيها لكيان الدولة، وهي التصورات التي تخلق ولعاً بتصويب ما يبدو لشبابنا أنه انحراف في الممارسة السياسية عما ينبغي أن تكون عليه الدولة. بكلمات أخرى، إفساح المجال لرواية الدولة كحاجة للسكان يساعد في تخفيف القابلية للاستدعاش.
* أكاديمي وكاتب سعودي
الحياة
الحرب المفتوحة بين “الداعشيين” و “الحوثيين”/ جورج سمعان
تقدم «الداعشيون» في العراق. وتقدم «الحوثيون» في اليمن. يهدد هؤلاء صنعاء ويستعدون للزحف عليها. ويهدد أولئك بغداد والنجف وكربلاء. الحرب مفتوحة في البلدين وتنذر بالتفتيت والتقسيم. أو على الأقل بانهيار الدولة هنا وهناك، بعد موت السياسة وفشل النخب الحاكمة. البلدان بعيد أحدهما عن الآخر. لا حدود مشتركة بينهما. لكن خطوط النار والمواجهة تجعلهما أكثر ارتباطاً. تجعل مصيرهما واحداً. لأنهما باتا جبهتين في حرب واحدة واسعة متعددة الميادين المشتعلة. من سورية ولبنان إلى العراق والبحرين. أعاقت «الدولة الإسلامية» العملية السياسية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. ومثلها فعل «أنصار الله» الزاحفون من صعدة نحو العاصمة مهددين المرحلة الانتقالية والتوجه نحو وضع دستور جديد والاعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية العام المقبل. والسياسة معلقة في دمشق وبيروت.
للوهلة الأولى يبدو الربط بين جبهتي البلدين ضعيفاً. لكن قراءة في أحداثهما تعزز بل تؤكد مثل هذا الربط. ليس سراً أن الحركة الحوثية التي خاضت ست حروب مع الحكم في صنعاء على مر السنوات العشر الأخيرة، نالت دعماً واسعاً من إيران، سياسة وتسليحاً وتدريباً. وكان آخر ما كشفته مصادر حكومية يمنية اعتقال مجموعة لبنانية تقول إن أفرادها «عسكريون» بعث بهم «حزب الله» اللبناني لتدريب الحوثيين على القتال وأسلوب إدارة المعارك. وتلقت رسالة من قيادة الحزب تطالب بالافراج عنهم بذريعة أن مهمتهم تقتصر فقط على تدريب أهل الشمال على إدارة مدنية لمناطقهم. ويتهم خصوم الرئيس السابق علي عبدالله صالح حزبه المؤتمر الشعبي العام بأنه سعى لدى طهران الى التدخل لدى الحركة الشمالية من أجل التنسيق سياسياً وعسكرياً للحؤول دون تقدم مؤتمر الحوار إلى خواتيمه في كانون الثاني (يناير) الماضي. لكن القيادة الإيرانية أحالت ضيوفها اليمنيين على قيادة الحزب في بيروت للتنسيق والتقرير! كأنما أرادت أن ترفع عنها المسؤولية لتلقيها على طرف عربي… لبناني يتعامل في شأن عربي آخر!
هذان الحدثان لا يضيفان الكثير من أجل تأكيد دور إيران في ما جرى ويجري في شمال اليمن. الحوثيون الذين شاركوا في مؤتمر الحوار حتى إقرار الوثيقتين الأساسيتين: وثيقة حل قضية الجنوب، ووثيقة تحديد الأقاليم الستة، تحفظوا على الأخيرة. وتعتقد دوائر في صنعاء بأن مرد هذا التحفظ واضح لا لبس فيه. ما يريده الحوثيون هو تمديد «إقليمهم» شرقاً نحو الجوف ليشمل مناطق نفطية تعزز استقلالهم المادي. وغرباً حتى ساحل البحر الأحمر ليكون مفتوحاً بحرية على العالم الخارجي. وتنص مقررات المؤتمر على جمع السلاح وحل كل الميليشيات. لكن الحوثيين راكموا مزيداً من السلاح فيما كان الجيش يشن حملته الواسعة المستمرة ضد مواقع تنظيم «القاعدة». ولم يكن في وارد فتح جبهة جديدة شمال العاصمة. «الصبر الصبر» كان عنوان السياسة الحكومية في مواجهة «الدولة داخل الدولة». لكن الواقع أنه ليس بمقدور المؤسسة العسكرية أن تخوض حرباً ثانية بالتوازي مع الحملة على «الجهاديين» في شبوة وأبين والبيضاء. لكن «أنصار الله» الذين كانوا يتريثون في التقدم نحو العاصمة، في ظل أجواء إقليمية ودولية غير مواتية تحركوا فجأة ودخلوا مدينة عمران. وهم لن يترددوا قريباً في الزحف نحو صنعاء.
منذ اندلاع الحراك في اليمن لإسقاط النظام في عام 2011 لم يتردد الحوثيون في مد الساحات والميادين بالزخم الشعبي. كانت لهم ثارات مع الرئيس علي عبدالله صالح على رغم أنه لم يبخل عليهم بالدعم المطلوب عندما شعر وشعروا بتوسع الحركة السلفية في شمال البلاد. وسرعان ما تدخلت قوى كثيرة لمساندتهم بينها «جماهيرية القذافي» وإيران بالطبع. ولم تخف طهران غضبها على الرياض وانتقاداتها لها عندما كانت القوات السعودية تتدخل عسكرياً لمنع اختراق الحوثيين حدودها. كما أن هؤلاء الذين لم يتأخروا عن المشاركة في مؤتمر الحوار الذي رعته الأمم المتحدة لم يتوقفوا عن إعلان رفضهم مبادرة مجلس التعاون الخليجي متهمين المملكة والولايات المتحدة بالسعي إلى إجهاض الحراك ومنع اسقاط النظام السابق. وتعاونوا ولا يزالون مع قوى جنوبية تنادي علناً برفضها مقررات المؤتمر وتصر على استقلال الجنوب، وعلى رأسها مناصرو الرئيس السابق لدولة الجنوب علي سالم البيض المقيم وقناته الفضائية في «حمى بيروت»!
شارك الحوثيون في العملية السياسية، في مؤتمر الحوار، لكنهم لم يتوقفوا عن توسيع رقعة المناطق التي يسيطرون عليها. وهم في حملتهم الأخيرة على عمران لاقوا المساندة المطلوبة من قبائل وعشائر توالي حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس السابق، في مواجهة السلفيين وآل الأحمر و «تجمع الإصلاح». ولا يكمن الخطر في اقترابهم من صنعاء. هم موجودون فيها عملياً عبر أتباع مذهبهم ومناصريهم وحلفائهم. لذلك كان الجيش يتردد في دخول المواجهة بينهم وبين خصومهم عندما كان القتال بعيداً من أبواب العاصمة. لكن اليوم لم يعد في امكان الحكم أن يتجاهل تقدمهم وتهديدهم بإسقاط العملية السياسية برمتها وصيغة الحكم التي نتجت منها، وتقويض كل ما توصل إليه مؤتمر الحوار على مدى نحو عشرة أشهر. ويعني ذلك ببساطة فتح باب الحرب الأهلية على مصراعيها، وسقوط البلاد في فوضى لن تكون دول مجلس التعاون الخليجي بمنأى عن تداعياتها. وهو ما دفع بهذه الدول منذ اندلاع «الحراك» في اليمن إلى وضع ثقلها من أجل التغيير الهادئ لنظام الحكم وإجراء الإصلاحات الضرورية للحفاظ على وحدة اليمن. وساندها مجلس الأمن الذي تبنى «المبادرة الخليجية».
لا يعدم الحوثيون وسيلة لسوق الذرائع تبريراً لتحركهم ضد الحكم في صنعاء. مثلهم مثل أهل «الحراك الجنوبي». فكلا المكونين عانى التهميش والإهمال طوال سنوات. فلا مشاركة حقيقية في مواقع السلطة ولا فوائد من مشاريع التنمية، ولا نصيب في مداخيل الدولة. فضلاً عن التمييز الطائفي والجهوي والقبلي. أي أن حالهم تشبه حال أهل السنة في العراق الذين ثاروا على الحكومة المركزية بسبب العناوين نفسها. ولم يعد ممكناً إغراء المتصارعين هنا وهناك بحوار سياسي بناء مشفوعاً بضمانات بإشراك الجميع في مواقع السلطة ومفاصلها وحصولهم على نصيب من الثروة الوطنية. باتت قضية «الحوثيين» و «الداعشيين» جزءاً من الحرب الإقليمية التي تخوضها إيران مع خصومها القريبين والبعيدين. ويطرح هؤلاء جملة من الأسئلة عن توقيت التحرك الحوثي: وقف «أنصار الله» طويلاً على أبواب عمران ملتزمين وقف النار فماذا تغير ليعاودوا حربهم ويستدرجوا الجيش إلى المواجهة؟ وأيضاً: إذا كانت حكومة نوري المالكي والدوائر الإيرانية تتهم المملكة وبعض دول الخليج وأميركا بالوقوف وراء «الدولة الإسلامية» في العراق يصح عندها اتهام الجمهورية الإسلامية بتحريك الساحة اليمنية.
الحوثيون ليسوا مكوناً طارئاً في اليمن. يمثلون مذهباً من مذاهبه ومكوناً قبلياً من عشائره. وكان لهم تاريخ سياسي طويل. ومثلهم أهل السنة في العراق الذين تتصدر واجهتهم «داعش» فصيلاً من عشرات الفصائل والقوى. ولعل خطورة الأوضاع في هذين البلدين، كما هي الحال في سورية ولبنان، أن الصراع الداخلي تحول جزءاً من صراع إقليم ودولي أوسع. لذلك لم يعد اللاعبون المحليون يتحلون بالقدرة على اللقاء وإدارة خلافاتهم أو تسويتها. مفتاح الحلول بيد الخارج. ولا شيء يوحي حتى الآن بأن إيران وخصومها الكثر مقبلون على صفقة كبرى. وحتى تنضج الظروف لمثل هذه الصفقة لا بد من تضحيات هنا وهناك… وإن كان الانتظار سلاحاً فتاكاً في تسعير الحروب الأهلية والمذهبية والجهوية، وفي إعادة رسم خرائط جديدة بالدم في اليمن والعراق وسورية. وسيبقى «الحوثيون» على أبواب صنعاء ما دام «الداعشيون» خارج بغداد. ولا يملك اليمنيون سوى مراقبة ما سيحدث في بلاد الشام، من حلب والرقة إلى الموصل وشقيقاتها، ومن بيروت إلى كردستان. نجح الكبار من أهل الإقليم في الربط بين كل أزماته… فيما فلسطين على طريق الضياع النهائي.
الحياة

 

الغرب ورُهاب «الجهاد العالمي/ بشير هلال
من لندن إلى واشنطن مروراً بباريس وبروكسيل وأوسلو وباريس، ثمة إبراز لقلقٍ متعاظم من «الجهاد العالمي»، بخاصة بعد الإعلان المشهدي المنظم للخلافة بالطريقة الداعشية المُمسرحة التي شهدناها. أوروبا على لسان منسقها لشؤون مكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف تخشى ان تكون العطلة المدرسية الصيفية مناسبة لمغادرة مئات الشباب الى الجهاد. في باريس ستسن الحكومة قانوناً يسمح لأجهزتها المختصة بمنع سفر المظنون انهم ذاهبون لـ»الجهاد» في سورية او العراق وغيره و «متابعتهم» وفرض رقابة أكبر على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مع إعطاء اجهزة الأمن حق إقفال ما يستخدم منها في الترويج والدعاية للارهاب من دون حاجة إلى حكم قضائي. وفي واشنطن تزيد الإدارة إجراءاتها المعلنة والسرية بعدما راج ان عشرات الأميركيين يشاركون في سورية الى جانب «داعش» و «النصرة»، وأن احدهم قُتِل خلال تنفيذه عملية انتحارية. وحتى في سنغافورة الآسيوية البعيدة يسود القلق نفسه.
معادلات الخوف والتخويف هذه لا تنطلق بالطبع من مجرد فرضيات بل من وقائع اعتداءات ايلول (سبتمبر) الى العملية التي نفذها قبل اسابيع فرنسي من أصلٍ جزائري ضد المتحف اليهودي في بروكسيل مروراً بتفجيرات مدريد ولندن. لكن تناولها ومقاربتها يشيران إلى حزمتين من الملاحظات.
الأولى، تلك المتصلة بكيفية تقديمها من قوى وهيئات لها مصالح متقاطعة حيناً ومتعارضة حيناً آخر:
– في مقدمة أصحاب المصلحة في تعميم حالة ذعر جماعي من الجهاد تقف قوى اليمين المتطرف في اوروبا التي تريد اعادة هيكلة المشهد السياسي في بلدانها ومجمل القارة القديمة انطلاقاً من موضوعتَيْ الهجرة والأمن، بعدما أثبتتا فائدتهما في تغيير الأمزجة الانتخابية والضغط لتيمين اليمين والوسط التاريخييْن. وهي قوى تلجأ إلى تعظيم الوقائع المحدودة حتى الآن على رغم معرفتها بأنها تعود الى اسباب متعددة المستويات يلتقي فيها الديني بالاجتماعي بالجيلي بالسياسي، ولا يلعب فيها «الجهاد» إلا دور المستفيد الذي يعيد تدويرها إلى المستوى الهوياتي الثقافوي مستفيداً بدوره من تدعيم شعور بعض المسلمين بالتمييز الذي يغذيه اليمين المتطرف وآليات اشتغاله.
– الأجهزة الأمنية التي تحتاج الى ادوات تدخل قانونية اكبر لتنفيذ سياسات اكثر فعالية في مكافحة الإرهابين المنظم والفردي.
– القوى الحاكمة عموماً التي تجد لها مصلحة جزئية في إعطاء الارهاب موقعاً مركزياً في الاعلام، الأمر الذي يساهم من جهة في تفادي اتهامها بالتقصير في تنبيه الرأي العام إلى المخاطر غير المتوقعة من الارهاب، وهي مخاطر حقيقية، ومن جهة أخرى في تخفيف التركيز على الحراكات الاحتجاجية ضد السياسات التقشفية اللاحقة للأزمة الاقتصادية-المالية في اوروبا.
– تبرير سياسات الهجرة واللجوء التي تقودها مفوضية الاتحاد الاوروبي والتي تركز أكثر فأكثر على تقليصها، على رغم ان الدراسات تثبت حاجة القارة القديمة الى المزيد من المهاجرين للحفاظ على نسب النمو وتمويل مؤسسات الضمان الاجتماعي وتقديمات دولة الرعاية، حيث توقعت مؤسسة يوروستات أنه من دون المهاجرين سيتراجع عدد سكان الاتحاد الأوروبي بمقدار 48 مليون نسمة بحلول عام 2060. وهي سياسات احتجت عليها منظمة العفو الدولية في بيانٍ نُشر قبل أيام واتهمت فيه الاتحاد الاوروبي بأنه تحول إلى «حصن يعرّض للخطر حياة المهاجرين». وتظهِر إحصاءات حديثة أن دول الاتحاد صرفت حوالى ملياري يورو على مراقبة حدودها لمنع اللجوء والهجرة غير الشرعيين في حين لم تنفق إلا 700 مليون دولار على تحسين أوضاع اللاجئين.
– مجموعات الضغط السياسية والاقتصادية العاملة على اعادة هيكلة السياسات الخارجية باتجاه تحسين العلاقات الأميركية والغربية مع نظام الخميني وإعادة تأهيل النظام الأسدي، عبر صيغة التعاون في «الحرب على الإرهاب»، بالإفادة من التركيز على «الفوضى السنية» وإدغامها بظلامية وعدمية «داعش» و «القاعدة» والتنظيمات المشابهة في سورية والعراق وبلدان أخرى، ومحو تاريخ النظامين الحافل بتوليد ورعاية الارهاب المتعدد الانتماء المذهبي والإثني. وهي ضغوطٌ مآلها تشجيع المركز الايراني على السير بالحرب الاهلية السنية – الشيعية حتى نهاياتها التي يجب ان تسفر، وفق ساسة طهران، عن احتلالها موقع القوة الإقليمية الأعظم.
الحزمة الثانية من الملاحظات حول القلق الغربي تتصل بالتخوف من الأرضية التي يؤمنها لتوسع «الجهاد العالمي»، وتغلُب التفسير المحافظ للإسلام لدى شرائح واسعة من المهاجرين من أصولٍ إسلامية بوصفها أرضية قيمية متناقضة مع الدولة الحديثة، سواء تلك التي تتبنى العلمنة على المثال الفرنسي أو الدنْيَوة على المثال الأنكلوسكسوني، نظراً الى تمسك هذا التفسير بعدم قبول الفصل بين الدين والدنيا، ما ينجم عنه اصرار على تطبيق الشريعة وعدم الاعتراف بالمساواة بين الجنسين وبحق اختيار المُعتقد الديني أو عدمه. وجميعها تشكل موضوعياً عناصر احتكاك دائم مع الديموقراطيات الغربية.
ومن الجلي ان تعقيدات «الربيع العربي»، وبخاصة استنقاع الثورة السورية تحت تأثير وحشية القمع والمشاركة الإيرانية – الروسية فيه وعدم تدخل «المجتمع الدولي» والغرب لوقفه وبروز التصدعات الأهلية وترسيخ وتوسيع سيطرة تنظيم «داعش» على جزء من سورية ثم من العراق وإعلانه الخلافة…، عوامل تزيد صعوبة مقروئية «الربيع العربي» ومقاربته كعملية تاريخية كما تُفاقم الرهاب من «الجهاد العالمي». وبذلك يدخل الغرب مرحلة جديدة غير مسبوقة ومتمايزة عموماً عن تقديره لمعطيات السياسة الشرق اوسطية و «الإسلامية» خلال المرحلة المنصرمة والتي بدا انه واكب وقبِل خلالها الغلبة «الاخوانية» في البلدان التي تمكنت فيها المعارضات الشعبية من اسقاط انظمتها على امل تكرار التجربة التركية لـ «حزب العدالة والتنمية» قبل ان تتجه الى مساراتها التسلطية الحالية بتأثير رائدها نفسه أردوغان.
ثمة إذاً في ارتفاع المكانة الإعلامية والأمنية غرباً لموضوعة الإرهاب و «الجهاد العالمي» قدرٌ من واقعية النظر إلى المخاطر، ولكن أيضاً من الإحباط تجاه مآلات الربيع العربي يمكن المسلمين والعالم العربي أن يتلقفوه بوصفه، على رغم كل شيء، دعوة للخروج من الحلقة المفرغة للربط الحكمي بين الدين والدنيا والسياسة بتفسيرٍ لا زمني ولا تاريخي.
* كاتب لبناني
الحياة
واشنطن : الاستعانة بالجمهورية الإسلامية لهزيمة الدولة الإسلامية/ حسين عبد الحسين
“اشتدي يا أزمة تنفرجي” هو القول الذي اختاره سفير أميركا السابق في العراق، ريان كروكر، ليفتتح به مقالته التي حملت عنوان “كيف يمكن لاتفاقية أميركية – إيرانية ان تساعد في انقاذ العراق”. ومما كتبه كروكر في صحيفة “واشنطن بوست” أن “السؤال الذي يواجه الولايات المتحدة وإيران لم يعد حول إمكانية العمل سويا، بل كيفية فعل ذلك”، معتبراً أن من شأن “اتفاقية نووية شاملة” في فيينا ان تساهم في تعزيز الاتصال بين الدولتين، وان فشل المفاوضات النووية سيفرض “خيارات سيئة”.
وأضاف كروكر انه إذا كان الهدف “احتواء الدولة الإسلامية، فلا بد للولايات المتحدة والدول الأخرى (مثل إيران) ان تعيد النظر في سياساتها السابقة، وان تدير عداواتها… فبالنسبة لإيران، تفتت العراق وقيام دولة إسلامية سنية راديكالية بجوارها سيكون كارثياً”. لذا، يعتقد كروكر أنه لا بد من الاستعانة بالجمهورية الإسلامية في إيران لإلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية في العراق.
وفي السياق نفسه، يعتقد كروكر، الذي قلده الرئيس جورج بوش أرفع وسام مدني لخدمته في العراق، انه “من غير المنطقي للغرب ان يدعم حربا ضد (الرئيس السوري بشار) الأسد وكذلك حرباً ضد الدولة الإسلامية، فالأسد شر، ولكن في هذه الحالة، هو حتماً اقل الشرّين سوءاً”.
ولا شك ان مقالة كروكر هذه تطرب آذاناً كثيرة في طهران، فالرجل يدعو صراحة إلى تبني واشنطن لمعظم وجهات النظر والسياسات الإيرانية في منطقة الشرق الاوسط، مصوراً التبني بأنه يخدم مصالح الولايات المتحدة على أفضل حال.
ومن غير المعروف ما الذي أوصل الدبلوماسي السابق إلى هذا الموقف، الأقرب الى اليمين الأميركي والحزب الجمهوري والذي يعمل اليوم عميداً لإحدى الجامعات في ولاية تكساس الجنوبية، ذات الغالبية الجمهورية، لكن المعروف أن كروكر لم يعد منفرداً في رأيه داخل الولايات المتحدة، بل هو يتماهى مع تيار يتسع ويتطابق في مواقفه مع اللوبي الموالي للنظام الإيراني داخل العاصمة الأميركية.
وكدلالة على اقتراب كروكر من اللوبي الإيراني، يمكن مطالعة المؤلفين اللذين ضما اسميهما الى اسمه في توقيع المقالة، وهما السفيرين السابقين توماس بيكيرنغ ووليام لويرز.
بيكيرنغ معروف بالتصاقه باللوبي الموالي لطهران في واشنطن، والذي يتزعمه الإيراني – السويدي المقيم في أميركا تريتا بارسي. أما لويرز، فهو يعمل حالياً كمدير لجمعية “مشروع إيران”، التي تقدم نفسها على موقعها على أنها “تسعى لتحسين الاتصالات الرسمية بين حكومتي الولايات المتحدة وإيران”.
ومن بين أعضاء الجمعية وجوه في العاصمة الأميركية، معروفة بتأييدها لانفتاح أميركي فوري وغير مشروط على إيران، وابتعاد عن دول الخليج العربي، من أمثال رئيسة مركز أبحاث كارنيغي، جيسيكا ماثيوز، وخبير الشؤون النووية جيم والش، والسفير السابق في مصر فرانك ويزنر.
هكذا، لم يعد الحديث عن التقارب الأميركي مع إيران هامشياً، بل صار في صميم النقاش الأميركي الدائر حول الشرق الأوسط، وفي هذا السياق قدمت “خدمة أبحاث الكونغرس” تقريراً إلى أعضاء الكونغرس والعاملين فيه بعنوان “الأزمة العراقية وسياسة الولايات المتحدة”، ربطت فيه التعاون الأميركي – الإيراني بالتوصل الى حل في العراق وإلحاق الهزيمة بـ”الدولة الاسلامية”.
لكن على عكس كروكر وصحبه، لم يعتبر التقرير المذكور ان التوصل الى تسوية نووية شرطاً لقيام تنسيق بين واشنطن وطهران في العراق، بل رأى ان التنسيق في العراق قد ينعكس إيجاباً على المفاوضات النووية بين المجتمع الدولي وإيران.
وقال التقرير إن “جانبا من الرد الأميركي (على أزمة العراق) يمكن ان يتضمن العمل مع إيران لإصلاح البنية السياسية العراقية ومحاولة الانتزاع من (الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش مكتسباتها”. وتابع التقرير أن “فعل ذلك يرفع من إمكانية الربط بين تعاون أميركي – إيراني محتمل في العراق والديبلوماسية الدولية الجارية حول برنامج إيران النووي”.
ونقلت “خدمة أبحاث الكونغرس” عن مسؤولين في الإدارة الأميركية قولهم إن المسؤولين فيها “استبعدوا عموماً إمكانية تعاون عسكري مباشر مع إيران”. لكن المسؤولين أنفسهم لا يبدو انهم استبعدوا تعاوناً أميركياً – إيرانياً غير مباشر في العراق، ربما عن طريق رئيس حكومة العراق نوري المالكي، حليف الدولتين.
إذاً، لم يعد التعاون العسكري او الدبلوماسي بين اميركا وإيران أمراً مستبعداً في العاصمة الأميركية، بل صار النقاش يتمحور حول ماذا يأتي أولاً: التوصل الى اتفاقية نووية أولاً ثم تعاون في العراق، ام تنسيق في العراق يؤدي الى انفراجات في الحوار النووي.
أما معارضو التعاون الأميركي مع إيران، فيبدو أن نجمهم يخفت وحضورهم يتراجع، اللهم إلا إذا قدمت إيران لهم هدية بتصلبها في المفاوضات، ما يفرض على إدارة أوباما البقاء بعيداً عن طهران، في العراق وفي غير العراق، وما يفرض على واشنطن الاستمرار في سياسة مواجهة مع الإيرانيين هي في الأصل لا ترغب بها.
المدن

 

الحرس الثوري» يريد تطبيق النموذج السوري بحذافيره في العراق/ حسين عبدالحسين
تسعى الأوساط المعنية في العاصمة الأميركية الى فهم السياسة الإيرانية في العراق منذ سقوط الموصل وقيام «الدولة الإسلامية»، خصوصا موقف طهران من بقاء او رحيل رئيس الحكومة نوري المالكي. الا انه على غرار المرات الماضية، يتعذر ان يجد الاميركيون سياسة واحدة صادرة عن طهران، بل رأيان وسياستان: الأولى بقيادة «الحرس الثوري» وعلى رأسه مرشد الثورة علي خامنئي، والثانية برعاية الرئيس حسن روحاني ودعم ما يعرف بالإصلاحيين والمعتدلين.
وكتب الباحث مهرداد معروفيان من مركز أبحاث «اميريكان انتربرايز انستيتوت» اليميني المحافظ انه يبدو ان «قائد فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني هو القائد الميداني لإيران في العراق. ونقل عن مسؤولين اميركيين قولهم ان سليماني «أمضى وقتا مطولا في بغداد لتنسيق مجهود قوات الامن العراقية وتعبئة الميليشيات الشيعية والمتطوعين».
واضاف المسؤولون الاميركيون ان «استراتيجية سليماني في العراق تبدو وكأنها مبنية عل النموذج الذي استخدمه لمساعدة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في سورية، وهي مبنية على استقطاب كثيف لمقاتلين محليين من طوائف معينة، وتحريك القوى التابعة لإيران إقليميا مثل حزب الله اللبناني، الى جانب القوات المسلحة التقليدية للدولة المضيفة المهددة».
ويقول معروفيان ان في إيران اسما لهذه الميليشيات غير النظامية في سورية والعراق ولبنان: الباسيج.
ويعتقد الخبراء الاميركيون ان سليماني و«حزب الله» يقفان خلف تشكيل وتدريب وتمويل الميليشيا السورية التي تحمل اسم «قوات الدفاع الوطني»، والتي صارت تشارك في معظم المعارك الكبيرة في سورية، كان آخرها انخراطها الى جانب قوات النخبة لدى الأسد في معارك حي الشيخ نجار في حلب، في الأسبوعين الماضيين.
ويلفت معروفيان الى تصريحات مسؤولين إيرانيين يتبنون فيها مسؤولية إيران عن انشاء هذه الميليشيات التي يطلقون عليها تسمية «المقاومة».
وكان اللواء في الحرس الجمهوري الإيراني حسين حمداني قال، في تصريح له أخيراً، انه عبر «خلق الباسيج، يولد الطفل الثالث للثورة (الإيرانية) في العراق، بعد سورية ولبنان». واضاف حمداني: «نحن نؤمن كليا بالدفاع الشعبي والكامل، والوجود الشعبي في المشهد هو سر المقاومة… في سورية، عندما دخل الناس الى جانب الجيش، انقلب الوضع فجأة لمصلحة المقاومة». ويختم حمداني: «هذا يتكون في العراق اليوم».
ويعلق معروفيان بالقول ان في بال مسؤولي «الحرس الثوري الإيراني» امرا محددا جدا عندما يطلقون تسمية الباسيج على المقاتلين الشيعة العراقيين، اذ وصفهم هذا ليس مخصصا للعراق بل لصراع المنطقة ولاستراتيجيتهم لخوض هذا الصراع.
ويتهم معروفيان طهران بتعبئة شيعة العراق «كجزء من تعبئة إقليمية يعتقدون ان من شأنها ان تقلب الموازين لمصلحتهم في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها»، معتبرا ان تبني طهران لخطاب طائفي على صعيد المنطقة بأكملها، على الرغم من ادانة مسؤوليها لذلك، هو «أخطر على المصالح الأميركية» من «الدولة الإسلامية» وحدها. ويعتقد معروفيان ان من شأن التعبئة الإيرانية المتواصلة للشيعة ان تساهم بالمزيد من الزعزعة لاستقرار المنطقة، وان تدفع القاعدة الى تعبئة سنية مماثلة. ويختم: «لا يمكن للولايات المتحدة ان تدعم استراتيجية الباسيج».
بدوره، يعتقد كبير الباحثين في «معهد الشرق الأوسط» اليكس فاتانكا ان «لا اجماع» في طهران على ما يتوجب فعله في العراق، فالصقور في إيران يعتقدون انها مواجهة تتسع لمنتصر وحيد، وان عليهم الانتصار على «الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربي».
في الوقت نفسه، يقول فاتانكا، انه رصد بعض الأصوات في طهران، خصوصا في أوساط المعتدلين من جماعة روحاني، ممن لمحوا الى إمكانية قبول إيران تخليها عن المالكي، والتعاون مع الولايات المتحدة من اجل إقامة حكومة شراكة وطنية في العراق.
ويقول فاتانكا لـ «الراي» ان خامنئي مازال يعاني مما يراها تجربة إيران السيئة في التعامل مع الاميركيين في الماضي، كما ضد «طالبان» في بداية حرب أفغانستان في العام 2001، حتى يعود بعدها الاميركيون لوضع إيران في «محور الشر»، كما ورد في خطاب حال الاتحاد الذي ادلى به الرئيس السابق جورج بوش في العام 2002.
ويضيف فاتانكا ان خامنئي يخشى من ان تكون تكلفة أي تدخل أميركي الإطاحة بالمالكي، حليف إيران، او إعادة النظر في «اتفاقية القوات» بين العراق وأميركا، وهو ما قد يؤدي الى ابعاد بغداد عن طهران واقترابها من واشنطن.
في الوقت نفسه، يقول الخبير الأميركي من أصل إيراني ان إيران ترغب في القضاء على «الدولة الإسلامية»، وهي ربما تعتقد ان «قيام الاميركيين بذلك هو افضل بكثير من إمكانية ارسال طهران لجيوش إيرانية الى داخل الأراضي العراقية»، بسبب ما قد تثيره عملية التدخل الإيرانية من نقمة عربية ضدها.
ويلخص فاتانكا الموقف الإيراني على الشكل التالي: «رغم الآراء المتضاربة في طهران، يريد كل من الصقور والمعتدلين الحفاظ على النفوذ الإيراني في العراق، وهما اتفقا في الوقت الحالي على دعم سريع لقوات بغداد المسلحة التي يقودها المالكي، ضد داعش، ورغم تحفظات خامنئي على عودة أميركية الى العراق، الا ان قيام اميركا بتعطيل داعش أفضل لطهران من تدخل الجيش الإيراني مباشرة».
ويوضح: «اما مصير المالكي، فأمر ثانوي في الحسابات الاستراتيجية لدى الطرفين».
الرأي الكويتية

 

فتاوى المقدسي وأبو قتادة ضد “داعش”: رفض سلفي لـ”الخلافة”
عمان ــ محمد الفضيلات
أخذ أهم منظّرَين للتيار السلفي الجهادي على مستوى العالم، الأردنيَّين عصام البرقاوي الملقب بـ”أبو محمد المقدسي”، وعمر محمود عثمان الملقب بـ”أبو قتادة”، موقعاً متقدماً في الحرب على “الخلافة الاسلامية” التي أعلنها تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، وعلى مطالبته المسلمين بمبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي خليفة لهم.
فخلال أيام معدودة، أبطل المقدسي وأبو قتادة خلافة “داعش”، في تناغم واضح بينهما، رغم أن أحدهما حر، والآخر يقبع خلف قضبان زنزانته.
وكان المقدسي، الذي خرج من سجنه منتصف يونيو/حزيران الماضي بعد انتهاء عقوبته، السبّاق بإصدار فتوى إبطال خلافة “داعش” يوم السبت 14 يوليو/ تموز الجاري، محذراً فيها المسلمين من الاستجابة إلى دعوات تقديم البيعة للتنظيم، مبيناً في فتواه أن الدعوة التي أطلقها الناطق باسم “داعش”، أبو محمد العدناني، “مستكرهة وغير ملزمة”.
المقدسي حذر من مواجهة دامية في صفوف التيار السلفي الجهادي نتيجة لإعلان “داعش” بطلان شرعية الجماعات والتنظيمات السلفية المقاتلة
وحذر المقدسي من مواجهة دامية في صفوف التيار السلفي الجهادي نتيجة لإعلان الناطق باسم “داعش” بطلان شرعية الجماعات والتنظيمات السلفية المقاتلة، وضرورة مبايعتها للخليفة أبو بكر البغدادي، معتبراً أن ما أقدم عليه التنظيم من “مؤامرة إعلان الخلافة لفرض نفسه على التنظيمات السلفية المجاهدة، يقارب أخلاق أولاد الشوارع”.
وبعد يومين من صدور الفتوى، التي أحدثت جدلاً في صفوف التيار، رغم أنها كانت متوقعة، أصدر أبو قتادة، من خلف قضبان سجنه الأردني، يوم أمس الاثنين، رسالة مطوّلة عنونها بـ”ثياب الخليفة”، يبطل فيها خلافة “داعش”، ويعتبر أن ما أقدم عليه التنظيم “ضرب من ضروب الجهالة”.
رسالة أبو قتادة جاءت أكثر تفصيلاً من رسالة المقدسي، شكّك فيها بزعامة البغدادي لتنظيم “داعش”، حين قال إن “الكثير من الإشارات تدل أن الرجل حاله مع غيره، حال محمد بن عبد الله القحطاني (المهدي المزعوم) مع جهيمان، حيث الضعف النفسي الذي يحقق سلاسة القيادة لمثل العدناني”، في إشارة إلى الناطق باسم “داعش”.
وسرد في رسالته أن جماعة سعت قبل “داعش” إلى إعلان الخلافة، وأنها تواصلت معه مراراً ليزكي لهم ما أقدموا عليه، ورفض. ولفت الى أن تلك الجماعة دخلت في تنظيم “الدولة الاسلامية” وأثرت فيه.
وأرجع أبو قتادة إعلان تنظيم “داعش” للخلافة إلى رغبة البغدادي في قطع الطريق على الخلاف الشديد على أمرة “الجهاد في بلاد الشام”، الواقع بينه وبين “جبهة النصرة”، مشيراً الى رفض “داعش” التحكيم الذي سبق أن عرضه المقدسي على التنظيم و”النصرة” لإنهاء الخلاف الذي وصل بينهما حد الاقتتال.
فتاوى المنظرَين الأردنيين كانت منتظرة، وهما اللذان سبق لهما أن انتقدا تنظيم “داعش” حتى قبل إعلانه الخلافة، معتبرَين أن التنظيم “انحرف عن جادة الحق ينحو إلى الغلو”. ووصل النقد حدّ اتهام المسؤولين الشرعيين في “داعش” بـ”التدليس والكذب”.
العربي الجديد
مرجعيتان للحروب الأهلية/ أحمد جابر
تاريخان أخذا المنطقة العربية إلى مكان مختلف، توقيع اتفاقية كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ونجاح الثورة الإيرانية بقيادة الشيعية السياسية الجديدة.
الحدثان حملا إلى الدواخل العربية ارتدادات عاصفة، كان من نتائجها تصدّع الحصانات المحلية والبينية، وساهما في رسم مجرى آخر للتطورات. وعلى رغم أن عنوانَي الحدثين متعارضان، بل متناقضان، فإن الحصيلة كانت واحدة، على صعيد الإضعاف المتوالي الذي كان للبنية العربية الأصلية النصيب الوافر والأساسي في حصوله.
عنوان الخطر الإسرائيلي واضح، وتعقيدات شرحه شبه معدومة، وشعار بسيط يكفي للاستنهاض في مواجهته. لكن الحال مع التداعيات الإيرانية، التي بدأت بداية مختلفة مع الإطاحة بالشاه، عادت لتتبدل أثناء الحرب مع العراق، وبعد الحرب على هذا البلد العربي، التي خاضها التحالف الدولي، بإشاحة نظر ومضمرات إيرانية، وبقلة دراية سياسية مدهشة، وبتاريخ حافل للنظام الحاكم، وفّر لقوات الغزو أهم التبريرات.
في ميدان النتائج البعيدة، التي صارت حاضراً راهناً، نشأ في إيران «مركز» للشيعية السياسية، على غرار ما فعلت «الإيديولوجيات الكبرى، التي ناوشت التاريخ انطلاقاً من قاعدة نواة صلبة، ومن السعي إلى توسيع المدى، بحيث يطاول التأثير والنفوذ كل التراب الذي تصل إليه أقدام الجيش الخاص، أو الجيوش الحليفة، وبحيث يحتل «المقال المركزي»، المثقل بالوعود والشروح وتعداد الوسائل، أوسع النظرات والرؤى، وينزل عزيزاً محفوظاً فوق ما لا يحصى من صفحات.
لم ينجُ بناء المركز، الإيراني وسواه، من تنقية الداخل أولاً، وتصفية الأصوات النشاز فيه. هذا حصل تباعاً، ومازال مستمراً، بوتائر أقل حدّة، وبوسائل أقل كلفة، على صعيد السمعة والسياسة والموقع. هذا في المدى الوطني، لكن توسيع المدى الخارجي، لم تتوافر له نفس السلاسة في الأساليب، بل إن ممره الافتتاحي كان مدوياً في العراق، وما زال متفجراً في سورية والعراق، وفي عدد من بلدان الخليج، وعرف نسخته اللاهبة في لبنان، التي استعرت سياسياً، وخفّف من لفحها عنوان القتال مع إسرائيل، لكن آثار التبريد السياسي، عادت فتبدّدت في جنبات «الاجتماع اللبناني»، وبديلاً من ذلك، اشتقّ الاجتماع المذكور لذاته، وسائل تبريد النار، بنيران من جنسها!
لقد أعلن المركز الإيراني بلده مرجعية ثورية، ولقي الإعلان صدى غير قليل، بخاصة في المنطقة العربية التي تعيش صراعها المفتوح مع إسرائيل. ولقد حرص المركز عينه، على أن يعطي لمرجعيته الثورية صفة الإسلامية، وفي هذا المجال أيضاً، كانت الاستجابة ملموسة، بخاصة من قبل الذين توسموا في النسخة الإيرانية عناصر مشتركة، تخفّف من غلواء الانقسامات المذهبية التاريخية الموروثة، وتعيد التصويب على «العدو المشترك»، للأمتين: العربية والإسلامية. لم يستطع الطموح الإيراني الصمود، بعد العاصفة التي ضربت أرجاء الديار العربية، وكان للمركز أن يعيد ترتيب حساباته وفق أولوية المصالح أولاً، وبسياسة تستبعد كلام الإيديولوجيا، ما كان منه قناعة، وما كان منه رداء نفوذ. لقد بات واضحاً أن الاختيار السياسي لإيران، لم يكن انحيازاً لثوريتها… فانضمت إلى القديم الموروث، ولم يكن تغليباً لإسلاميتها، فوقعت في المذهبية الخطرة. هكذا فقدت المرجعية، التي كانت مقبولة ممن هم خارج تفسيراتها الاجتهادية، حظوتها لدى أولئك الحلفاء الذين قدّموا الاتفاق السياسي على الاختلاف الاجتهادي، وهكذا فُتح المجال أمام «مرجعيات» مذهبية أخرى، لا تشكل مراكز «دولتية». لكنها تكتسب بالتأكيد «شرعية» المركز الشعبي، أو الشعبوي، الذي يردّ على تجاوز المركز المختلف، بتجاوزات مشابهة من عندياته.
ميادين التجاوز كثيرة ومتعددة، تبدأ من الاسم: دولة خلافة في مقابل جمهورية إسلامية، وتنتقل إلى الوسائل: حشد وبث وتوجيه وتحريك، في موازاة ما يعادل هذه الحركات، الميداني منها والفقهي، وتعمد إلى توظيف الدين: لكم إسلامكم ولنا إسلامنا، وتحفر في مجهول ومعلوم التاريخ: لكم روايتكم ولنا روايتنا، وتعيّن القائد، فيكون خليفة للمسلمين في مواجهة الوليّ الفقيه، الذي تتراجع حدود ولايته إلى من يقول قوله فقط من هؤلاء المسلمين.
ما الحصيلة إذن؟ لا يستطيع الخيال المتفائل ما يتجاوز القول إننا أمام إحياء نزاع كان خافتاً، وحقنه بمادة استمرار تمدّه بقوة دفعٍ إلى أعوام مقبلة، ولا يقوى هذا الخيال على أكثر من طلب «الهدوء» في إدارة النزاع، في ظل وقائع تقول إن «المخرج» المطروح على المتنازعين لا اسم له، سوى اسم تناسل الحروب الأهلية.
هل من مجال لتسويات آنية؟ ربما، إذا عمد المركز الأساسي إلى تليين مصالحه، فبات التليين مدخلاً إلى تهوين المصالح المعترضة والمعارضة.
نقول مصالح، حتى لا يأخذنا أصحاب المرجعيات «بالسنَّة والحديث والتفسير»، أي بكل العدّة المعرفية، المقتصرة فقط، على حدود أذهانهم… وما أفقرها من أذهان.
* كاتب لبناني
الحياة

 

إذا خُيِّرت إيران بين سوريا والعراق…/ موناليزا فريحة
دولة الخلافة الناشئة في العراق وسوريا وخططها لتوسيع نفوذها من الجزائر الى باكستان بدلت حسابات طهران. وصول مقاتليها الى مشارف بغداد استنفرها. الانهيار المريب للجيش العراقي أربك مشاريعها. ليس العراق ولا جيشه غريبين عن ايران، الا أن تحمل مسؤولية الامن في بلد ذي تركيبة معقدة كبلاد الرافدين ليس نزهة. بعد ثلاث سنوات من حرب منهكة في سوريا، قد تجد الجمهورية الاسلامية الملتزمة منذ أكثر من ثلاث سنوات دعم نظام الاسد عديدا وعتاداً، نفسها مضطرة الى الاختيار.
بمعايير ايران، يشكل نظام الاسد حليفا أساسياً، وتمثل سورياه بوابة الى المتوسط و”حزب الله”. لكن دعمها له في السنوات الثلاث الاخيرة كلفها كثيرا، أموالا ومعدات وخصومات سياسية متفاقمة في المنطقة اضافة الى اتهامات داخلية متفاوتة باستخدام الاموال العامة لدعم النظام السوري. اما العراق الشيعي فهو الامتداد المذهبي الطبيعي للجمهورية الاسلامية وفناؤها الخلفي الطبيعي وشريكها التجاري الكبير، لكن أزمته خطيرة واذا تفاقمت فقد تتطلب التزاماً أكبر منه في سوريا. هنا وهناك تبدو مصالح طهران كبيرة واستثماراتها السياسية للمستقبل كذلك، ولكن خلافاً لسوريا، ينذر تفكك العراق وانزلاقه الى الفوضى بانعكاسات مباشرة داخل ايران. تسلل الازمة على الحدود المشتركة الطويلة التي يبدو العراق عاجزا عن الدفاع عنها يمثل تهديدا مباشرا للنظام الاسلامي.
حتى الآن، تتمسك ايران ببشار الاسد، وتقدم له كل المقومات العسكرية للبقاء، وقت تتكفل موسكو المقومات السياسية. وفي العراق، تحاول استيعاب الازمة. تتدخل لدى الفصائل التي تمون عليها لحضها على رص صفوفها ضد “الدولة الاسلامية”، وتدعم نوري المالكي عسكريا لوقف زحف الجهاديين. رجلها القوي قاسم سليماني نزل بنفسه الى الساحة. التقارير عن مقاتلات ايرانية تقصف الاسلاميين تنتشر في كل وسائل الاعلام ، وأول قتيل ايراني من “الحرس الثوري” في العراق كان أخيراً حديث الصحف.
فجأة، وجدت طهران نفسها تحارب على جبهتين: جبهة سورية استنزفت كثيرا من رصيدها المالي والسياسي ولا شيء في الافق يوحي بنهاية قريبة لها، وجبهة عراقية قد تنزلق الى حرب طائفية تستهلك مزيداً من قدراتها. التحديات كبيرة لايران في البلدين، وليس سهلاً عليها مواجهتها معاً، كما سيكون صعباً عليها التنازل عن اي منها، بعدما استثمرت في البلدين بصبر وتأن. ولعل اللعب بنار غزة ورفع السقف في المفاوضات النووية ليسا الا رداً على محاولة تخييرها بين سوريا والعراق ومحاولة لاستعادة المبادرة ممن تتهمه ضمنا بتسهيل المد الاسلامي في اتجاه مناطق نفوذها وصولا الى مشارف حدودها.
النهار

 

متى قيامة العراق؟/ عبد اللطيف السعدون
قلنا إن “غزوة الموصل” ستكون علامة فارقة بين مرحلتين، وسوف لن يكون ما بعدها كما كان ما قبلها، غضب منا بعضهم، وقالوا إننا ننقل ما يقوله أعداء العراق، ونروج خططهم السوداء!
قلنا إن “غزوة الموصل” مصيدة مركبة، تتشابك خيوطها، إلى درجة أنك لن تستطيع أن تفرز بين خيطيها الأبيض والأسود، ردّ علينا بعضهم بالقول إننا نأخذ بظاهر الحال، من دون التعمق في حقيقته، وإن الغزوة بيضاء نقية تسرّ الناظرين، فيما قال آخرون إنها موجة عابرة، لا تلبث أن تختفي، وإننا بقدر اهتمامنا بها نعطيها عمراً أطول! وقلنا إن ديكتاتور بغداد، البارع في صناعة الأزمات، يريد أن يهدم المعبد على ساكنيه، فقالوا إنك تغرق في التشاؤم والشكوك، قلنا إن الاستبداد يؤسس للفساد، والفساد يؤسس للظلم، والظلم يحول المظلومين إلى ثوار، قالوا إن الديموقراطية لا تُبنى دفعة واحدة، إنما تنمو وتتجذر، يوماً بعد يوم. قلنا إن “العملية السياسية” التي جاء بها الأميركيون عملية تمييزية إقصائية ظالمة،
“قلنا إن الاستبداد يؤسس للفساد، والفساد يؤسس للظلم، والظلم يحول المظلومين إلى ثوار، قالوا إن الديموقراطية لا تبنى دفعة واحدة، إنما تنمو وتتجذر، يوماً بعد يوم”
تقوّض وحدة البلاد، وتصنف الناس طائفياً إلى درجة تحويل الآخرين إلى خصوم سياسيين، مما يستحث مشاعر الظلم، ويحفز الردود الطائفية المضادة، قالوا إن العملية السياسية هي “قدس الأقداس” لا يجوز النيل منها، أو الاعتراض عليها!
ما حدث بعد ذلك أكد ما قلناه، وما لم يحدث بعد سيجعل كثيرين يعضون أصابع الندم، فقد جرت المياه تحت أكثر من سدّ، “داعش” أسست أول دولة خلافة في التاريخ الحديث، واستطاعت، في غفلة عن الآخرين، أو بتواطؤ معهم، أن تسيطر على مساحات كبيرة من أرض العراق، وأن تمتلك وفرة في المال والنفط والسلاح والبشر، تجعلها قادرة على الثبات والتقدم، والخليفة إبراهيم، عبر الحدود وتخطى المعابر حتى وصل إلى مسجد (الموصل) الكبير، لأخذ البيعة، وحسم الكرد أمرهم، لجهة الاستقلال “متمسكين بحق تقرير المصير الذي يختاره الشعب بإرادته الحرة”، و”المرجعية” دخلت المعترك السياسي على نحو صريح ومكشوف، معطية الفرمان الشرعي لدولة الطائفة الغالبة، كما الحال في دولة “ولاية الفقيه” في إيران، وتجذر الاستقطاب الطائفي على نحوٍ، لم يسبق له مثيل، وقد وصل إلى مدياته الأقصى، على النحو الذي ظهر في بيانات “الثوار” و”العلماء” و”جيش الطريقة”، وتحالف عزت الدوري مع القاعدة وداعش، و بدا أن الحرب الأهلية ليست قادمة فحسب، إنما هي قائمة بالفعل، وانهمك رجال المخابرات الغربيون، المعنيون بالعراق، بالحديث ليس عن تفكيك العراق فحسب، إنما عن زواله.. ويا للهول!
لم يعد أمامك من خيارٍ، إذن، فقد وضعوك بين حد السيف وحد السيف، وعليك أن تختار، دولة الخليفة إبراهيم وحكم العشيرة، أو دولة المرجعية وانتظار ظهور المهدي، ولا خيار ثالث لك، أما الديموقراطيون والعلمانيون ودعاة الدولة المدنية فقد تحولوا إلى “موضة” قديمة، وانكفأوا يندبون حظوظهم العاثرة، بعدما أضاعوا مائة عام من عمر الشعوب، مائة عام صدّعوا رؤوسنا فيها، بشعارات الحرية والديموقراطية والعروبة العاقلة. أين هم الآن؟ يقال إنهم يخرجون من كهوفهم كل ليلة، ليقرأوا على الناس مزاميرهم. لكن، على من تقرأ مزاميرك يا داود، فقد تحولت الحشود التي كانت تلتف حولك إلى قطيع يلهث وراء الراعي الذي وحده يقرر متى يعطيه علفه؟ ألم يقل الحاكم مرة “جوع كلبك يتبعك!”، وها هم يجوعون ملايين من البشر الفارين من ديارهم، بسبب من الظلم والقمع والقتل، إلى الخيام المنصوبة المشرعة لهم، منتظرين معونات الأمم المتحدة، وصدقات دول الغرب والجوار التي لن تصل إليهم، قبل أن يأخذ المرابون وتجار الحروب حصتهم منها. إنه “التيه” الذي يقول بعضهم إن العراقيين دخلوا فيه منذ التاسع من إبريل/نيسان 2003، فيما يقول آخرون إنهم دخلوه قبل ذلك، و”التيه”، كما قد لا يعرف كثيرون، قد يدوم أعواماً، أو عقوداً، حتى يقيض الله لهم من يدرك الحكمة، ويتمتع بالنزاهة، ويحترم عقول الناس.
أتراني متشائماً؟ خوزيه سارماغو البرتغالي الحائز على نوبل يقول “إذا كان ثمة وسيلة لتحويل العالم إلى أفضل، فهي التي يمكن القيام بها عبر التشاؤم فقط. المتفائلون لن يغيروا العالم نحو الأفضل أبداً”، وأجدادنا قالوا “اشتدي أزمة تنفرجي”، وإن بعد دهر!
مزيداً من التشاؤم، إذن، مزيداً من معاناة الإحباط والخيبة، مزيداً من اجترار الندم وجلد الذات، ومزيداً من الاقتتال والضحايا الأبرياء الذين لديهم ألف ناقة ضائعة وألف جمل!
“أما الأرض فسوف تظل غارقة بالدماء، حتى توشك أن تصبح مذبحاً ضخماً، يحول كل شيء أمامه إلى قربان، بلانهاية، حتى تستهلك كل الأشياء وتنقرض، وحتى يموت الموت، عند ذاك فقط، بحسب سلفادور دالي، تنبثق الحياة من جديد”.
عندئذ تبدأ قيامة العراق من رماده، ويبعث حياً من جديد، إنه طائر الفينيق الذي سارت به الركبان.
العربي الجديد
مصادر “داعش” الكثيرة/ حازم صاغية
من أين أتت حركة “داعش” التي صعقت، لا سيّما بعد استيلائها على مدينة الموصل العراقيّة، الوضع العربيّ برمّته كما فاجأت العالم؟
الإجابة التقنيّة معروفة طبعاً، وهي تدور حول نشأة “جبهة النصرة”، بوصفها فرعاً لمنظّمة “القاعدة” في سوريّا، ومن ثمّ الانشقاق عنها وولادة “داعش”. لكنّ الأمر الأبعد يتعلّق بالتاريخ العربيّ الحديث كلّه وبتهيئته المبكرة لما صار يُعرف بـ”داعش”، وبعد ذاك بـ”الدولة”.
فعلى امتداد نصف قرن أو أكثر، تقلّب البلدان المعنيّان مباشرة بأمر “داعش”، أي العراق وسوريّا، على جمر الانقلابات العسكريّة إلى أنّ “استقرّا”، أواخر الستينات وأوائل السبعينات، على نظامين بعثيّين بلغا شأواً بعيداً في الاستبداد والمصادرة.
ولم يقتصر الاستبداد الذي ارتبط خصوصاً باسمي حافظ الأسد وصدّام حسين بتعطيل السياسة. فقد عرفنا، مثلاً، في إسبانيا فرانكو أو في تشيلي بينوشيه، استبداداً يعطّل السياسة ويصادرها، إلاّ أنّه، في المقابل، يطلق عمليّة تنمية تؤدّي إلى توسيع الطبقة الوسطى كما يصار، في موازاتها، إلى تحسين التعليم. أمّا في العراق وسوريّا، فكان للاستبداد أن عطّل أو جمّد كلّ شيء حيّ.
لقد اختصر هذا الوضعَ عنوانُ كتاب عن سوريّا وضعه الباحث البريطانيّ آلان جورج قبل سنوات على اندلاع ثورتها في 2011. ذاك أنّ عنوان الكتاب الذي يقول “لا خبز ولا حريّة” لا يترك للأسرار والغموض مكاناً كبيراً: فالذين حُرموا الخبز والحرّيّة لم يبق لهم إلاّ الله.
لكنّ النظام السوريّ الذي طال به الزمن أكثر ممّا طال بزميله العراقيّ، لم يكتف بإنتاج إرهابيّي الدين، بل ذهب بعيداً في استعمالهم وتوظيفهم. وفي هذا المعنى، قدّمت سوريّا الأسديّة لإرهابيّي القاعدة وأخواتها، ممّن كانوا يتوجّهون إلى العراق لقتل العراقيّين، كلّ العون والتيسير. وقد فعلت الشيء نفسه، ولو على نطاق أصغر، في لبنان وداخل البيئة الفلسطينيّة.
في هذه الغضون كانت ثمّة عناصر ثلاثة تمضي في فعل فعلها وحفر آثارها العميقة. فمنذ الاستقلالات العربيّة لم تُبذل جهود فعليّة لإقامة أوطان ونشر وعي بالوطنيّة يُقنع السكّان بأنّ مصالحهم لا تضمنها إلاّ أوطانهم وتنمية هذه الأوطان ومواطنيها. لقد ساد عبث عنوانه الأعرض الهروب إلى خلطة من “القوميّة العربيّة” و”أمّة الإسلام” والصراع المفتوح مع إسرائيل.
أمّا ثانياً، وفي دواخل هذه البلدان، فنشأ تطابق بين الجماعات الحاكمة وبين هويّات ومصالح طائفيّة أو جهويّة بعينها. وبدل أن تعمل أنظمة ما بعد الاستقلالات على تضييق الفوارق بين “الملل والنحل”، وبين الأرياف والمدن، وهي الموروثة عن قرون، تمّ توسيع تلك الفوارق. هكذا ظلّت الروابط القرابيّة والدمويّة العابرة للحدود الوطنيّة أقوى من الروابط الوطنيّة داخل تلك الحدود. ولمّا كان القمع الشديد، المغطّى بإيديولوجيا قوميّة لا تقرّ بالفوارق، هو حارس التراكيب الطائفيّة القائمة، نمت الولاءات الأهليّة المقهورة، من دينيّة وطائفيّة وإثنيّة، في العتم والخفاء، منتظرةً لحظة الانقضاض الملائمة.
وأخيراً، وفي ظلّ تردّي التعليم وضعف الروابط الوطنيّة، فُتح الباب واسعاً لنوع بدائيّ من الثقافة الدينيّة ومن تأويل الإسلام. ولئن كان بعض هذه الثقافة الرديئة يُنتج في البلدان المعنيّة، فإنّ بعضها الأكبر كان يهبّ عليها من الخارج، مستفيداً من طباعة الكتب ثمّ من الطفرة التلفزيونيّة والتضخّم الكثيف للدعاة شبه الأميّين.
فـ”داعش”، في آخر المطاف، خلاصة زمن مديد لم يعرف التنمية ولا المواطنة ولا التعليم الجيّد، وطبعاً لم يعرف الحرّيّة أو الكرامة الإنسانيّة. وهذا كلّه إنّما انفجر دفعة واحدة في وجوهنا وبات علينا أن نتدبّره بالقليل جدّاً من الأدوات المتاحة.
موقع 24
“الصحوات” العراقية: إحياء الاقتتال السني/ حسان حيدر
تتجه الأمور في مفاوضات جنيف النووية نحو صفقة كاملة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإيران تتوج التعاون الإقليمي القائم بينهما على الأرض في ملفات العراق وسورية وأفغانستان، حيث تتلاقى مصالح الدولتين ورؤيتهما إلى الأدوار والتسويات والترتيبات المصاحبة لها. أما القوى الأخرى المشاركة، فلا تملك سوى المصادقة على ما يجيزه الأميركيون، بعدما حولت واشنطن المداولات إلى نقاش ثنائي يتركز أساساً على جدولة رفع العقوبات عن طهران والسيناريو المناسب لاحتفاظ الإيرانيين بقدراتهم النووية.
وبانتظار أن يحصل جون كيري على مباركة أوباما والكونغرس لتفاصيل الصفقة، تواصل الدولتان تنسيقهما المباشر وغير المباشر في المنطقة، وخصوصا في العراق، حيث قدم الإيرانيون أول من امس «بادرة حسن نية» تمثلت في تمكين البرلمان العراقي من انتخاب رئيس له، وقابلتها «بادرة إيجابية» أميركية شكلتها رعاية واشنطن مؤتمراً للعشائر السنية «المعتدلة» في الأردن يهدف إلى إحياء «الصحوات»، تمويلاً وتسليحاً، في استعادة للعبة المشتركة السابقة التي أثبتت نجاحها أثناء الاحتلال الأميركي للعراق.
فالأميركيون والإيرانيون الذين يديرون سوياً اللعبة السياسية والعسكرية في بلاد الرافدين، غير راغبين في دفع ثمن المواجهة مع تنظيم «داعش» وفلول البعثيين، ويفضلون أن «يطهّر» السنة صفوفهم بأنفسهم، وأن يتولوا مقاتلة «الدولة الإسلامية» وإبعاد البعثيين «على حسابهم»، مثلما فعلوا مع «القاعدة» قبل سنوات. ولهذا امتنعت واشنطن عن شن أي غارات على مواقع المتشددين أو ضربهم بالصواريخ، مثلما أوحت تصريحاتها بعد التقدم الذي أحرزه هؤلاء في العراق وسورية، وأرسلت في المقابل خبراء عسكريين إلى عمان للإشراف على إعادة بناء «الصحوات». أما الغارات التي شنها الطيران الإيراني، فكانت لتشجيع سنّة العراق على الإسراع في تنظيم صفوفهم كي لا يتحملوا المسؤولية السياسية عن تدخل إيراني بري محتمل.
عملياً، امتنع «الجيش الشيعي» التابع لنوري المالكي عن الدفاع عن المناطق السنّية، لكنه حشد قواه لحماية المناطق الشيعية من أي هجوم قد يشنه حلفاء «داعش»، وكان الهدف من ذلك تأليب السنّة على السلطة الجديدة التي وفرت بتطرفها وسوء معاملتها للسكان، الذرائع المطلوبة لانتفاضة «صحوية» جديدة. كذلك تهرب الأميركيون من التدخل كي يزيدوا الضغط على السنّة المعتدلين ويضطروهم إلى تخفيف مقاطعتهم لحكم المالكي في ضوء الخطر الأكبر للمتشددين.
وهكذا يحتفظ الشيعة بسيطرتهم الكاملة على الحكم المركزي في بغداد، سواء بقي المالكي أو استبدل بشخصية من الطراز نفسه، بينما السنّة منشغلون بقتال بعضهم بعضاً، بعدما اعتبرت إيران أن محاولة تعديل أسلوب الحكم في العراق هدفها الحد من نفوذها في هذا البلد. أما الأكراد، فتولى الأميركيون لجم تطلعاتهم، وأكملت إيران وتركيا المهمة، فأعلنتا معارضتهما الواضحة لإعلان دولة كردية مستقلة في شمال العراق.
وفي هذا السياق، يتبين أن الهدف المشترك بين واشنطن وطهران إشغال السنّة العراقيين وإلهاؤهم عن المطالبة بتصحيح المشاركة وشروطها، والتوزيع العادل لموارد الدولة، ورفع العزل عن المعارضة السياسية ووقف التجييش الطائفي والتبعية لإيران، وهو ما يلقي شكوكاً كبيرة حول هذه القوة المفاجئة التي ظهر بها «داعش» ومكّنته من احتلال مناطق واسعة من العراق، وحول الكم الهائل من الأسلحة الذي «أهداه» إياه جيش المالكي عند انسحابه، وجرى نقله بسرعة إلى سورية حيث يساعده في معاركه ضد معارضي نظام الأسد.
الحياة

 

داعش.. وأبعاد الصراع فى المشرق العربى/ مصطفى اللباد
افتتح استيلاء تنظيم «داعش» على مدينة الموصل العراقية فصلا داميا جديدا من تاريخ المشرق العربى الحديث
لأن فراغ القوة الناشيء فيه منذ سنوات فتح الطريق أمام واحدة من أكثر القوى غير الدولتيه بشاعة لتمديد نفوذها على أجزاء واسعة من سورية والعراق وإعلان «الخلافة» فى استغلال رخيص للتراث الإسلامى .. وبالرغم من تصدر «داعش» وتهديداتها لنشرات الأخبار الدولية .. إلا أن الصراع الدائر فى المشرق العربى لا يمكن اختصار أبعاده فى ذلك التنظيم الدموى فقط.
ومرد ذلك أنه لا يمكن لبضع مئات أو حتى آلاف من مقاتلى «داعش» السيطرة على مساحة قدرها مائة ألف كيلو متر مربع ممتدة فى الأراضى العراقية والسورية .. بدون تأييد عشائرى وسياسى واضح من سكان هذه المناطق. تشكل سبعة عوامل متباينة الأبعاد الصراعية فى المشرق العربى راهنا وهي: الجهوية والتاريخية والنفطية والطائفية والقومية والإقليمية والدولية .. يبدو البعد الجهوى بالصراع واضحا فى الرقعة الشاسعة التى يسيطر علها تنظيم »داعش« الآن والممتدة من الرقعة فى سوريا وحتى الموصل فى العراق .. أو ما يعرف تاريخيا ببادية الشام. تقسمت الأخيرة تاريخيا عقب ظهور الدولة العربية الحديثة فى المشرق العربى التى أهملت ادماج بادية الشام بشكل فعلى وعادل فى هياكل ومؤسسات الدولتين العراقية والسورية .. فكانت النتيجة فراغ القوة الذى يسير يدا بيد مع مظالم اجتماعية ما يشكل أرضية خصبة لأية قوة راديكالية طامحة لتغيير الأوضاع والخرائط.
لا يمكن إغفال البعد التاريخى للصراع .. لأن حدود دول المشرق العربى التى رسمتها موظفة الاستخبارات البريطانية جرترودبل على هدى من اتفاق سايكس ـ بيكو 6191 ومؤتمر سان ريمو 0291 ـ كانت تحمل بذور الصراع فى داخلها لأغراض مقصودة .. ومن المثير للدهشة ربما أن الدولة الزنكية التى أسسها نور الدين زنكى قبل تسعمائة عام قامت على ذات الرقعة التاريخية التى يسيطر عليها «داعش» الآن .. أى على بادية الشام بالتوازى مع ذلك فهناك البعد النفطى للصراع .. إذ أن الخصوصية الاجتماعية ـ العشائرية لبادية الشام مضافا إليها النفط الذى لم تتمكن قبائل البادية يوما من وضع يدها عليه أصبح الآن تحت سيطرة «داعش» بالإضافة إلى مبلغ أربعمائة مليون دولار تم السطو عليها من البنك المركزى فى الموصل .. ومن شأن ذلك تلك الحقيقة أن ترفد «داعش» بموارد مالية تدعم مجهودها العسكرى فى الفترة المقبلة.
يتصدر البعد الطائفى الصراع فى المشرق العربى .. بالرغم من أنه يشكل بعدا واحدا فقط من أبعاده بسبب الشحن الطائفى المتزايد الذى ترعاه قوى دولية وإقليمية لأسباب مختلفة .. فشل النظام العراقى الجديد ونورى المالكى فى اقناع العرب السنَّة بالدخول فى العملية السياسية .. نظرا لإهمال مناطقهم وتجاهل مطالبهم وإبعادهم عن الادارات الحكومية .. فظهرت «مظلومية سنية» فى العراق بعد احلاله عام 3002 ـ وبدوره يعود الشطر الأعظم من التأييد العشائرى لتنظيم «داعش» إلى تلك المظلومية على قاعدة عدو عدوى صديقى .. وليس اقتناعا بأفكارها أو ممارساتها .. الدليل الأبرز على ذلك أن تكريت ـ مسقط رأس الرئيس العراقى السابق صدام حسين ـ ترفع صوره وتدعم «داعش» التى تراها عدوا لإيران والمالكى .. على قاعدة عدو عدوى صديقى حتى ولو كانت أيديولوجيا صدام بعثية و«داعش» تكفيرية .. لذلك يجب أن يمر الحل السياسى فى العراق من خلال طريق اجبارى مفاده ادماج كل المكونات والأطياف العراقية فى العملية السياسية .. على قاعدة المواطنة وإلا فالشرخ الطائفى الحاصل والمستفحل سيستحيل ترميمه .. وسيستغله »داعش« .. أو غيره مستقبلا.
البعد الخامس للصراع قومى كردى .. بالرغم من عدم تقاتل »داعش« مع الأكراد حتى الآن .. ومفاده أن الأخيرين يستغلون خلط الأوراق الراهن لتأسيس دولتهم فى شمال العراق .. خصوصا بعد أن دخلوا مدينة كركوك الغنية بالنفط وسيطروا عليها بعد انسحاب الجيش العراقى منها .. ناور الأكراد ببراعة على الصراع السنى الشيعى فى العراق .. فانتزعوا مكاسب سياسية كبرى فى الدستور العراقى وأبرموا تفاهمات مع طرفى الصراع لتكريس سلطة إقليمهم ذى الحكم الذاتى فى شمال العراق .. بدوره سيؤدى تعاظم المكاسب الكردية إلى رفع درجة التوتر فى الإقليم خصوصا فى إيران وتركيا ما يزيد أزمات المنطقة تعقيدا.
ومن هنا إلى البعد الإقليمى الذى يشمل تصارع مصالح تركيا وإيران والسعودية فى المشرق العربى وكل من هذه المصالح له وحساباته ونقاط قوة وضعف.
تنسج تركيا علاقات ممتازة مع مسعود البارزانى .. الطامح فى تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر الأراضى التركية إلى العالم الخارجى .. حتى تسيطر تركيا على الطموحات الكردية بوسائل يتمثل لب المصلحة الإيرانية فى العراق فى منع أى حكومة عراقية جديدة من مواجهة إيران عسكريا كما فعل صدام حسين سابقا .. هنا ثلاثة مكونات تمثل جرس انذار لطهران: الطابع العسكرى للنظام والهيمنة السنية عليه والدعم الغربى له .. لذلك عملت إيران على منع العراق من امتلاك قوة عسكرية ضاربة بعد 3002 وثبتت تحالفاتها الشيعية فى سلطة بغداد المركزية .. ومنعت أمريكا من الهيمنة عليه بعد احلاله .. بعد انسحاب أمريكا تحكمت طهران فى سلطة بغداد المركزية .. فربحت نفوذا لا يضاهى لأول مرة منذ تأسيس العراق .. يمثل مأزق طهران فى مسألتين .. الأولي: أن سيطرة »داعش« على بادية الشام قطعت الطريق البرى بين طهران ودمشق .. وهى نتيجة ذات أهمية كبرى فى الحسابات الإيرانية ـ والثانية: أن قوات المالكى لم تصمد أمام التمرد المسلح .. ما استلزم رفدها بالميليشيات الشيعية.
تحاول الرياض بالمقابل عرقلة المصالح ـ الإيرانية فى العراق عبر علاقاتها العشائرية فى غرب البلاد والموصل .. ما يمكنها من تحقيق ثلاث أهداف .. أولا اصابة إيران فى منطقة حساسة ـ ثانيا: الاستفادة من سعر النفط المرتفع جراء الأحداث فى العراق للمزيد من العرقلة الإقليمية مقابل ايران المحاصرة نفطيا واقتصاديا بفعل العقوبات الاقتصادية ـ ثالثا: استقطاب روسيا إلى جانبها للتعويض عن الفتور فى علاقاتها بإدارة أوباما .. وروسيا بدورها لها مصلحة فى ارتفاع سعر النفط وفى زيادة الانخراط الأمريكى فى العراق .. لأن ذلك سيمنع واشنطن من اللعب فى ما تعتبره موسكو حديقتها الخلفية .. أى أوكرانيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق .. وهى مصلحة روسية واضحة.
خطب إبراهيم البغدادى فى مسجد الموصل لمدة تزيد عن عشرين دقيقة ليعلن أنه «الخليفة» فى شريط مصور كافة العالم .. مع أن الأقمار الصناعية الأمريكية تصور على مدى الساعة كل شبر من مدينة الموصل وما حولها .. ويمكنها بالطبع تحديد مكانه بدقة واستهدافه بسهولة إذا أرادت .. كما أن الرسائل البصرية والجرافيكية للشريط .. فضلا عن رمزية مكان الخطبة (جامع الموصل الكبير الذى بناه نور الدين بن زنكى مؤسس الدولة الزنكية على بادية الشام قبل (تسعمائة سنة) .. تتجاوز بكثير القدرات التخيلية والمستوى الثقافى لتنظيم «داعش» الذى أدمن سابقا قطع الرءوس وتصويرها .. ما يعنى أن «المصالح الكونية» التى تتحكم فى السياسات الأمريكية تروم تثبيت صورة «داعش» و «خليفتها» فى الأذهان وتغييب عوامل الصراع الحقيقية وصولا إلى تهيئة شعوب المنطقة لخرائط جديدة للمشرق العربى تكون أكثر تناغما مع هذه المصالح!
الاهرام

 

دولة حلب- الموصل/ حسام عيتاني
ينافي التقليل من جسامة ما يحصل في سوريا والعراق وتداعي بنى الدولة الوطنية في البلدين، مع النظر الموضوعي إلى منطقة المشرق العربي. ويفضي التغاضي عن الخطر الجدي الذي يحمل اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، إلى توقعات عن زواله من تلقاء ذاته.
المتوافر من القراءات للبيئة التي ينشط فيها “داعش” ولمشاريعه المستقبلية ولنظرته إلى قوته وقدراته و”شرعيته” في إعلان الخلافة، ينقض التوقعات المتفائلة ويحيلها رماداً. ومسألة “الدولة” كما يطلق عليها أنصارها، تضرب جذورها عميقاً ليس في “الوعي” الأيديولوجي لحفنة من المتعصبين المستقدمين من أصقاع الأرض المختلفة ليعيثوا فساداً وخراباً في مناطق غير مرحبة بهم، بل إن الأقرب إلى الصواب هو عكس الصورة هذه. وصور عبور عربات “داعش” الحدود بين العراق وسوريا بعد سيطرة التنظيم على الموصل وأجزاء من محافظة نينوى ينبغي أن تُرى عبر منظار أوسع كثيراً من مجرد حدث إضافي من أحداث الفوضى في الحربين الدائرتين في البلدين.
تتعين هنا العودة قليلاً إلى الوراء. ليس إلى اتفاقية “سايكس- بيكو” التي نظمت تقاسم القوتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية للهلال الخصيب ونشأت بمقتضاها دول سوريا والعراق والأردن وفلسطين (الانتدابية)، بل إلى معاهدة سيفر التي فرضت على تركيا العثمانية المهزومة في 1920 قبل أن يلغيها مصطفى كمال أتاتورك بعد سنتين ونيف. والواقع أن التعديلات الكبيرة التي أدخلت على اتفاقية “سايكس- بيكو” في سيفر ثم في الأحداث المعقدة التي أعقبت إلغاء المعاهدة والمناورات الصعبة التي شاركت فيها الدولتان المستعمرتان وتركيا وإيران وغيرها للتوصل إلى رسم الحدود بين سوريا والعراق وتركيا وإسقاط الاقتراح بقيام كيان كردي وضم الموصل إلى العراق وسوى ذلك من أحداث أطنب المؤرخون في الحديث عنها، تقول كلها إن الحدود العراقية- السورية- التركية، رسمت وفق موازين القوى الاقليمية في لحظة بعينها.
بكلمات ثانية، لم تأخذ عملية رسم الحدود تلك الحقائق الراسخة عن العلاقات بين حلب والموصل على سبيل المثال ولا الامتداد السكاني في بادية الشام وحواضرها. بل ألغت كل ذلك متجاهلة أن الدولة العثمانية تعاملت على امتداد قرون مع هذه الوقائع كما هي واكتفت بمراقبتها وتسييرها من دون قسر كبير، باستثناء فترات الحروب مع إيران في العراق والتي قلصت كثيراً من خطرها معاهدة قصر شيرين.
انتهاك النسيج الاجتماعي والاقتصادي في منطقة الموصل-حلب، تكرس مع قيام دولتي الاستقلال في البلدين وخصوصا بعد وصول البعث إلى السلطة في دمشق وبغداد ونشوب الصراعات بين جناحيه. وشهدت المنطقة هذه محاولات كثيرة لاختراق كل طرف للآخر واستنزافه أمنياً وسياسياً. في غضون ذلك كانت تجري عمليات تعريب كثيفة لتطويق المناطق الكردية ومنعها من التخطيط لدولة مستقلة.
باختصار شديد، يمكن القول إن تضافر هذه العوامل وغيرها كحرمان منطقة الجزيرة السورية من كل تنمية واستفادة من النفط الذي كان يستخرج من أراضيها وسياسة حكومة بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين، ساهمت في إلقاء ضوء على عمق الاعتراض الذي تختزنه تلك المنطقة المهمشة على تعامل “المركزين” العراقي والسوري، من جهة، وعلى المستقبل الذي يبدو أنه لن يختلف عن ماضي الإقصاء في البلدين، في رأي قسم وازن من السكان، من جهة ثانية. وعند ظهور “داعش” كان من السهل عليها التأسيس على عوامل الحرمان والخوف على جانبي الحدود.
عليه، اعتبرت “داعش” نفسها دولة ناجزة السيادة تتعامل مع الدول الأخرى من منطلق الندية بل التفوق “الشرعي” بصفتها “الخلافة” التي حلم بعودتها قسم لا يستهان به من المسلمين على مدى قرن من الزمن. من هنا، يمكن فهم التقاطعات التي ظهرت بين “داعش” وبين كل من إيران ونظام بشار الأسد وحالة عدم الاعتداء التي سادت بين مقاتلي “الدولة” وبين الجيش السوري في المناطق التي التصق فيها الجانبان ببعضهما، مقابل القتال المرير الذي كان الطرفان يخوضانه ضد قوات الجيش الحر. جلي أن الحال تبدل بعد سقوط الموصل وظهور فوائد محاربة الإرهاب المتمثل في “داعش”، في عين النظام في دمشق.
يتعين أن يؤخذ هذا الكلام، بدوره، كمساهمة محدود وجزئية، في محاولات فهم ورسم الصورة الاعرض لما يدور في المنطقة والتعرف إلى بعض خلفياته. لكن، في المقابل، ينبغي رفض الاستنتاجات السريعة سواء بنسختها التآمرية أو بنسختها المستمدة من كتب الفقه والشريعة.
موقع 24
“داعش” قنابل موقوتة في الأوطان والمهاجر/ عادل مالك
إذا كانت ثورة الزلازل المتفجرة في جوف الأرض يجري تحديدها على مقياس «ريختر» فالثورة والزلازل فوق الأرض أصبحت على مقياس «داعش».
ومع تنامي نفوذ هذا التيار لا بد من تسليط المزيد من الأضواء عليه سواء في العالم العربي أو خارجه.
تفيد المعلومات بأن تنظيم «داعش» أصبح «كونياً» وعابراً الحدودَ والقارات، حيث كشف النقاب عن وجود مقاتلين في صفوفه ممن ينتمون إلى جنسيات أجنبية مختلفة من الشرق والغرب. وأدركت بعض الدول الغربية ولو في وقت متأخر مدى تورط عدد من رعاياها في النشاطات العملانية والميدانية لتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ومنها فرنسا وبريطانيا مثلاً لا حصراً.
ففي باريس كشف الرئيس فرنسوا هولاند عن مشاركة عدد من الشبان الفرنسيين في القتال في سورية وبعض دول الجوار وفي طليعتها العراق. ورصدت الدوائر الأمنية الفرنسية عودة عدد منهم إلى فرنسا في الآونة الأخيرة بعدما «استقالوا» من مهامهم القتالية لأسباب مختلفة منها ضيق ذات اليد وتوقف بعض التنظيمات عن الدفع للمقاتلين.
ويشكل هؤلاء قنابل موقوتة في الدول الغربية التي عادوا إليها.
وهنا الحديث عن فرنسا وعما كشفه رئيسها، وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا حيث عاد إليها «بعض رعاياها» من الذين قاتلوا في صفوف «داعش» أو غيره من التنظيمات «الجهادية» كما يسميها البعض، أو «الإرهابية» كما يسميها البعض الآخر.
أما التدابير الفورية بحق هؤلاء العائدين فاعتقال هذه العناصر، وسحب الجنسية منهم ومنعهم من السفر مجدداً إلى سورية أو العراق أو أي مكان تشتعل فيه «جبهات التكفير والإرهاب».
إذاً، نحن نتحدث عن «داعش» في الأوطان وفي المهاجر القريبة منها والبعيدة. وفي هذا السياق كشف وزير داخلية المغرب محمد حصاد أن عدد المغاربة الذين ذهبوا للقتال في سورية والعراق بلغ 1122 شخصاً، تُضاف إليهم أعداد أخرى مغربية سافرت من دول أوروبية ويقدر عددها بألفي مقاتل. ويشير إلى مقتل أكثر من مئتي مغربي.
ولاحظ الوزير «أن عدداً كبيراً من المقاتلين المغاربة يتولى مراكز قيادية في هذه التنظيمات المتطرفة»، فيما تخشى السلطات وقوع عمليات انتحارية في الداخل المغربي.
وإذا كانت السلطات المغربية أو غيرها تملك مثل هذه المعلومات الدقيقة عن «إرهابييها» فلماذا لا تتم مكافحة ظاهرة تحول الشبان للانتساب إليها؟
وفي ســــياق مسلسل المفاجآت ما حدث في العراق قبل أيام و «انبعاث» القيادي البعثي عزة الدوري بعد عشر سنوات على إعدام صدام حسين ليتضح وجود التحالف الوثيق بين «داعش» وبقايا البعث.
وهذه التطورات من شأنها أن تضيف إلى المأزق العراقي المزيد من التعقيدات والأخطار وفي طليعتها عملية «تسريع» تقسيم العراق ثلاث دويلات: كردستان العراق شمالاً، والجيب الشيعي جنوباً، مع بقاء «الجيب السنّي» خاضعاً للمساومات مع الرجل الممسك بالوضع العراقي، على رغم كل الضغوط التي تمارس عليه، ألا وهو رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يستقوي بالحاضنة الإيرانية وبأطراف إقليمية يهمها بقاء الوضع على ما هو عليه.
ولا بد من التوقف عند التوتر العالي الذي قفزت درجاته إلى أعلى في الأسابيع الماضية بين دولة الكرد بقيادة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، والحكم المركزي في بغداد المتمثل بالمالكي نفسه. لكن سحب الوزراء الأكراد من الحكومة من شأنه أن يكرس خطوات انفصال إقليم كردستان عن بغداد. كذلك يحتل الوضع في مدينة كركوك واشتداد حدة التنازع عليها أزمة كبرى تضاف إلى التوتر الشديد بين المالكي وكردستان، من دون أن ننسى الصراع القائم على أشده لاختيار رئيس جديد للجمهورية، وهو من حصة الأكراد. وترشح أربيل لهذا المنصب برهم صالح الشخصية الكردية المعروفة، فيما يصر حاكم الأمر الواقع في بغداد نوري المالكي على اختيار شخصية تؤمن بعراق موحد وليس بتكريس التقسيم.
ولوحظ في هذا المجال تحسن علاقات كردستان وتركيا، والزيارة المفاجئة التي قام بها بارزاني ولقاءاته المطولة مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وما جرى الحديث عنه من بناء شبكة تربط بين البلدين لتأمين نقل النفط. كذلك تكمن المفاجأة في ما ذُكر عن تعاون وثيق بين زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي وكردستان العراق، وما ذُكر عن دور لتركيا في «نشأة» «داعش» من منطلق مذهبي.
وبقطع النظر عن الطموحات التي يرمي إلى تحقيقها «داعش» أو غيره من «التنظيمات الجهادية»، فالملاحظ أن الكلام عن فلسطين وقضيتها لم يرد مطلقاً في أي تصريح لهذه الجماعات، ما يضع القضية الفلسطينية في موقع متأخر في سلم أولويات المنطقة.
إلا أن حرب إسرائيل على غزة، أعادت هذه القضية إلى موقع متقدم، مع دفع الأثمان الباهظة من الغزاويين من الأطفال والنساء والشيوخ في الهجمة الإسرائيلية الشرسة.
نكتب هذه السطور وجحيم القصف الإسرائيلي المدمر على أشده، ودخلت مصر على خط التهدئة وطرحت مبادرة تدعو إلى وقف إطلاق النار. إسرائيل قبلت و «حماس» رفضت في البداية، لكنها أرغمت لاحقاً على هدنة موقتة لأسباب إنسانية. ولهذا الرفض علاقة وثيقة بالعلاقات المتوترة بين «حماس» ومصر السيسي.
وثمة أسئلة طرحت حول الحرب في غزة ومنها: من الذي أشعلها؟ واستطراداً: من الذي يقف وراء خطف المستوطنين الإسرائيلين الثلاثة والعثور عليهم مقتولين، الأمر الذي دفع بنيامين نتانياهو إلى قصف غزة بعنف شديد.
ومن التطورات اللافتة امتلاك كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكري لـ «حماس» – بعض أنواع جديدة من الصواريخ التي أطلقت باتجاه مناطق مختلفة، وسقط بعضها في تل أبيب وحيفا، لكن ميزان الخسائر في اختلال كبير، فمقابل سقوط ما يزيد على أكثر من مئتي ضحية وآلاف الجرحى، والكثير من الدمار في غزة، سقط جندي إسرائيلي واحد.
أما التوقيت العام للحرب فيتلاقى مع قيام حكومة اتحاد وطني بين مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة ورام الله، الأمر الذي «عوقب» عليه الفلسطينيون وفق قاموس التعامل بالنسبة لنتانياهو.
ووسط هذه الأجواء البركانية الملتهبة في المنطقة كيف تبدو المشهدية العامة؟
أولاً: على رغم استمرار وجود عناصر من «داعش» و «النصرة» وتنظيمات أخرى مسلحة في مناطق من الجغرافيا السورية، أقسم الرئيس بشار الأسد اليمين الدستورية للبقاء في الحكم سبع سنوات جديدة، وظهر في خطاب القسم الذي اتخذ في مظاهره طابع القياصرة الروس القدماء وكأنه في موقع المنتصر الذي يملي شروط السلام… أو الاستسلام على مقاتليه.
وباسم التحليل الموضوعي والنظرة المجردة البعيدة عن المشاعر الشخصية، خرج الأسد بعد أربع سنوات من حرب مدمرة ليقول «أنا هنا»، ولا ينفع كثيراً قول الأطراف الآخرين أنْ لا أهمية للانتخابات التي أجريت ومنحته الأكثرية، فالرجل موجود وباق في السلطة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً مهما بلغت التضحيات.
ثانياً: ما جرى الحديث عنه من لقاءات عقدت بين السيدة بثينة شعبان، والسيد جيفري فيلتمان في عاصمة دولة أوروبية، يعكس تبدلاً كبيراً في النظرة الأميـــركية ونظرة الأسرة الدولية إلى الأسد، باعتبار أن فيلتمان يمثل الوجهين الأميركي «والأممي» كمساعد سياسي أول لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.
إن ما شهدته سورية منذ اندلاع الشرارات الأولى للحرب فيها وعليــــها، أدت إلى «صمود النظام» على رغم كل الخراب والــــدمار. ومع بقاء مناطق أخرى خارجة عن السيـــطرة كالرقة وحلب، كما ورد في خطاب الأسد، والذي أشـــار فيه إلى مشاركة مقاتلــــين من ثــــلاث وثمانين جنسية في المعارك الــــدائرة، فشلت المعارضات السورية في حسم الأمور، والخلافات التي تعــــــصف في صفوفها أدت إلى فقدان صدقيتها لدى الـــدول الغــــربية. كـــذلك، فالمأزق يحتاج أسلوباً جديداً من التعاطي في المواجهة المستمرة.
ثالثاً: علـــى رغم الوضوح الذي كشفته ممارسات «داعش»، ما زال بعض الغموض حول من يقف خلف هذه الأسطورة وعلى العالم أن يقرر الآتي:
هل «داعش» فيروس يجب الحذر من انتقال عدواه، أم «صحوة» ولو مدمرة باسم الدين والمذاهب، و «حرب المئة عام» التي سقطت فيها المنطقة من حرب الإرهاب على الأنظمة، ورد الأنظمة على «كيانات» وتجمعات ساهمت في تشكيلها وبنائها لتتحول خطراً عاماً على الجميع، أو السقوط ضحايا من نوع انقلاب السحر على الساحر.
المنطقة بكاملها تعيش على مقياس «داعش» قتلاً ودماراً شوّها وجه «الخلافة» و «الأمارة» وأي صيغة أخرى من بدع الزمن العربي الخارج عن كل تصنيف.
* إعلامي لبناني
الحياة

 

المالكي انتهى… هل يبقى العراق؟/ راجح الخوري
كل ما قاله علي الخضيري عن مساوئ نوري المالكي وسياساته المذهبية العمياء التي دمّرت العراق وأيقظت شياطين الفتنة السنيّة – الشيعية، التي تهب في المنطقة كلها، لا يلغي حقيقة الجريمة الأميركية – الصهيونية التي خططت اصلاً لتمزيق المنطقة وإغراقها في سلسلة من الحروب!
علي الخضيري كان المساعد الخاص للأميركيين في العراق منذ البداية، وكان نافذاً وصاحب كلمة في واشنطن. اول من امس قال لمحطة “سي ان ان”: “كنا نؤمن بأننا في حاجة الى رئيس وزراء شيعي لتحطيم الميليشيات الشيعية و”القاعدة” وهذا بالضبط ما قام به بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٨”.
لكن المالكي اختير بعناية، على ما يبدو، لأنه سيتولى تدمير العراق عبر إيقاظه الفتنة المذهبية. هنا يكمل الخضيري: “كانت لدينا في واشنطن مؤشرات واضحة على ان المالكي يحاول بناء دولة دينية شيعية حول حزبه (“الدعوة”) تماماً كما فعل صدام حسين. حاولت الشرح انه تقسيمي وطائفي بشكل كبير، وكانت هناك دلالات واضحة على انه رجل ايران، كل هذا كنا نعرفه ولم يكن مفاجئاً لنا”!
هذا الكلام يؤكّد ان واشنطن أرادت المالكي تحديداً رئيساً للحكومة مرتين لأنه طائفي وتقسيمي وكانت تريده ان يبقى، وهذا ما أرضى ايران التي كانت تدير العراق من خلاله على أسس مذهبية لم تكن تحسب أنها ستخلق بركاناً من الغضب سيسحبها في نهاية الأمر الى مستنقع الصراع المذهبي!
واشنطن، التي حلّت الجيش العراقي فور إسقاط صدام حسين، كانت تريد رجلاً انتقامياً حيال السنّة بما يؤسس لإيقاظ الفتنة المذهبية، وكانت طهران سعيدة بسيطرة المالكي الذي يرسّخ العراق قاعدة جسر لنفوذها الممتد الى لبنان وغزة عبر سوريا، ولم تحسب واشنطن ولا طهران ان المذابح المتمادية في سوريا وسياسات القمع والإقصاء في العراق ستشعل البركان الذي انفجر!
يقول الخضيري إن المالكي ليس اكثر من رئيس وزراء للمنطقة الخضراء. لقد فقد السيطرة، فالشمال في يد الأكراد والجنوب في يد ايران عبر قاسم سليماني، اما الوسط السنّي فمشتعل في ثورة 5٪ منها “داعشية”، ٢٠٪ بعثية و٧٠٪ من العشائر السنيّة التي نكّل المالكي بها!
بالنسبة الى واشنطن المالكي انتهى، “خدم عسكريته” بعدما أشعل شرارة تقسيم العراق ثم المنطقة. وبالنسبة الى طهران المالكي انتهى، فقد وصلته نصائح بالتنحي، لكن بعد الحصول على تعويض الحد الأدنى، اي نيابة رئاسة البرلمان لحزب “الدعوة” وعدد من الوزارات السيادية المهمة لزملاء المالكي.
والسؤال: هل يعود العراق كما كان؟
لا الشمال الكردي يوافق ولا الوسط السنّي يرضى، لكن الملحّ وقف توسّع “داعش” التي ولدت من رحم أنهر الدم السوري وحماقة الطغيان المالكي!
النهار

 

إقليم كردستان العراق… هل هي سياسة فرض الأمر الواقع؟
وحدة تحليل السياسات في المركز
بعد سقوط الموصل وانهيار الجيش العراقي شبه الكامل في المحافظات السنّية شمال العراق وغربه، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني أنّ واقعًا جديدًا على الأرض قد طرأ وفرض نفسه، وأنّ مسألة استقلال إقليم كردستان بـ “كامل حدوده التاريخية” متوقّفة على بعض الإجراءات الخاصة بالإعداد لإجراء استفتاء عامّ في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، على أساس أنّ مفاعيل المادة 140 من الدستور العراقي الدائم قد انتهت بالنسبة إلى الأكراد، وأنّه لن يستأنفوا الحديث عنها في المستقبل.
أثارت هذه التصريحات ردود أفعال عراقية وإقليمية ودولية تمحورت حول اتّجاه الأحزاب القومية الكردية إلى استغلال الأزمة السياسية والأمنيّة التي تعصف بالعراق، والسعي إلى تحقيق الحلم الذي طالما راودها بخصوص إنشاء دولة قومية كردية على حساب العراقيين والدول الإقليمية المجاورة التي تضمّ أجزاء ممّا يسمّونه “كردستان الكبرى”. ويبدو إقليم كردستان العراق الرابح الوحيد في الأزمة العراقية الحالية؛ فمن جهة، دفعت انتفاضة المحافظات التي أصبح يطلق عليها تسمية “المحافظات السنّية” على حكومة المالكي وسياساتها الطائفية داخل العراق وخارجه، بما فيها تورّطها في دعم نظام الأسد، إقليمَ كردستان إلى تبنّي سياسات اقتصادية وأمنيّة “كردية محض” خارج الصراع الطائفي الدائر في العراق والمنطقة، ما أسهم في ظهور خطاب سياسي كردي موحّد تجاه العملية السياسية ومستقبل العلاقة مع العراق والحكومة المركزية في بغداد؛ ومن جهةٍ أخرى، استغلّت حكومة إقليم كردستان انهيار الجيش العراقي لإحكام سيطرتها على المناطق المختلف عليها بخاصة في كركوك، وإبعاد الجيش العراقي عن تخوم الإقليم، حيث اتّسمت علاقته بالتوتّر مع البيشمركة في مناطق التماسّ. إضافةً إلى ذلك استمرّت حكومة الإقليم في بيع النفط المنتج فيه بمعزل عن الحكومة الاتحادية، بما يتيح لها إدارة الإقليم بصورةٍ مستقلّة بالكامل قبل أن يبدأ الحديث عن استفتاء سكّانه بشأن مصير الإقليم.
علاقة الأكراد بأطراف الأزمة
مثّلت المسألة الأمنيّة في المناطق المتاخمة لإقليم كردستان التحدّي الأبرز الذي واجه صانع القرار الكردي قبل ضمّ كركوك، بخاصة بعد فشل كلّ الخطط الأمنيّة لحكومة بغداد في تحقيق الاستقرار في المحافظات السنّية، ومنع تمدّد الجماعات المسلّحة وانتشارها؛ وذلك بسبب سياسات التهميش والإقصاء التي مارسها رئيس الوزراء نوري المالكي بحقّ هذه المحافظات، واستهدافه رموز العرب السنّة، وتغليبه لغة السلاح على لغة الحوار والمصالحة الوطنية. في الوقت نفسه، ظلّ التوتر يتصاعد بين أربيل وبغداد بسبب الخلاف بخصوص العديد من القضايا؛ مثل قيام حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط والغاز بصورة مستقلة، ووضع المناطق المتنازَع عليها، ومحاولة الحكومة الاتحادية إرغام قوّات البيشمركة على الانسحاب من المناطق التي أحكمت سيطرتها عليها بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، مثل الجزيرة الفراتية، وجبل سنجار، وعقره، وخانقين.
لم تتّسم علاقة العرب السنّة في العراق بإقليم كردستان بكثير من الودّ في المراحل الأولى من العملية السياسية التي بدأت عقب الغزو الأميركي؛ وذلك بسبب تأييد القوى الكرديّة التدخّل الأميركي وعملية تغيير النظام السياسي في العراق، وحرص بعض قادتهم على الحفاظ على التحالف الشيعي الكردي الذي نشأ بعد الغزو الأميركي، ومشاركة الكرد الواسعة في الاستفتاء على الدستور العراقي الجديد لعام 2005، والذي قاطعه العرب السنّة، وكذلك بسبب الخلاف حول المناطق المتنازع عليها في كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى. والواقع أنّ النزاع على هذه المناطق كان من أبرز نقاط الخلاف بين العرب السنّة والكرد.
وقد حاولت حكومة نوري المالكي استغلال النزاع في الأزمة الراهنة لتصوير أنّ ما يجري في العراق هو حرب على الإرهاب المتجسّد في التطرّف السنّي، لكنّه من جهة أخرى صراع قومي بين العرب والكرد. إلا أنّ تأييد إقليم كردستان المطالب المشروعة لساحات الاعتصام في الأنبار والرمادي وغيرها من مدن المحافظات السنّية، أفشل محاولات رئيس الوزراء المنتهية ولايته في إثارة النعرات القومية، عِلماً أنه كان لقادة الإقليم مآربهم أيضًا في تأييد مطالب ساحات الاعتصام.
ومع تفاقم السياسات الطائفية الإقصائية لحكومة المالكي، واستهداف خصومها السياسيين عبر استخدام القضاء أداة لملاحقة خصومها تارةً وعبر التصفية الجسدية تارةً أخرى، تحوّل إقليم كردستان إلى ملجإ للعديد من القيادات السنّية المطارَدة، ما زاد من منسوب التوتر بين الإقليم والمركز، بخاصة بعد مطالبة الحكومة الاتحادية بتسليم العديد من الشخصيات المطلوبة قضائيًّا.
فرض سقوط الموصل بيد العشائر السنّية المتحالفة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وانسحاب الجيش العراقي من محافظات الغرب والشمال، واقعًا جديدًا؛ إذ تحوّلت المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة إلى مقصد لحالة النزوح الجماعي للمدنيين من المناطق التي استهدفها القصف العشوائي للجيش العراقي، أو الخائفين من سيطرة قوى إسلامية متطرّفة. وقد فرض هذا الأمر واقعًا إنسانيًّا تطلّب من سلطات إقليم كردستان استقبالَ النازحين وإيواءَهم والتنسيق مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدات العاجلة لهم لدرء خطر وقوع كارثة إنسانية، فضلًا عن تحمّل التبعات الاقتصادية والمعيشية والسكانية التي برزت من خلال ظهور أزمة الوقود، وارتفاع أسعار الموادّ الغذائية، والضغط السكاني وما يحمله من تحدّيات أمنيّة.
كردستان الرابح “الوحيد” في الأزمة العراقيّة
جعلت عملية السيطرة على الموصل وانهيار الجيش العراقي، إقليم كردستان الرابح الأكبر في المعادلة الميدانية والسياسية الجديدة التي نشأت في العراق. وكان الإقليم قد نجح قبل ذلك في بيع نفطه وتصديره إلى الأسواق العالمية بمساعدة تركيّة، ما أحدث نوعًا من الاستقلال الاقتصادي عن بغداد. وجاء إحكام السيطرة الكاملة على المناطق المتنازَع عليها وإنهاء العمل بالمادة 140 من الدستور العراقي بصورة كلّية، ليستكمل الاستعدادات لتحويل الاستقلال الفعلي إلى استقلال أو شبه استقلال قانوني. ومن الجدير بالذكر أنّ السياسة التركية لحزب العدالة والتنمية تبدي تفهّمًا، بل موافقة مبطنة على خطوات حكومة الإقليم. ومع أنّها لا توافق على فكرة الدولة، فهي تدعم تصرّف الإقليم بوصفه دولة أمر واقع. وفيما عدا رغبة الحكومة التركيّة في التأثير عبر ذلك في تليين مواقف الأكراد الأتراك، فإنّه من غير المستبعد أن ترى في الإقليم متنفّسًا للمشاعر القومية الكردية، فلا مانع لديها أن يجري ذلك في العراق، وعلى حساب وحدته الإقليمية؛ فالسياسة التركيّة هنا تبدو مساقة بالبراغماتية التي تخدم مصالحها أوّلًا.
ولم يكن تلويح إقليم كردستان بالانفصال قبل أحداث الموصل، يؤخذ على محمل الجدّ إقليميًّا ودوليًّا. ونتيجة معرفتها بالتعقيدات السياسية الإقليمية والمحلّية، لم تكن حتى الأطراف الكرديّة جادّة في تنفيذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقلال. لكن، خلقت أحداث الموصل وظهور شبح الحرب الأهلية، وخطر التقسيم الذي أصبح يتهدّد العراق على أثرها، واقعًا جديدًا؛ إذ بدأت بعض الأطراف الدولية تبدي تفهّمًا لإمكانية انفصال الإقليم ونشوء دولة مستقلّة، وإن ظلّت تدعو إلى أفضلية الحفاظ على وحدة الأراضي العراقيّة وسلامتها. أمّا إسرائيل فأعلنت رسميًّا دعمها إعلان دولة مستقلّة في إقليم كردستان، في حين جاء الموقف الأميركي مواربًا؛ فألمح الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى ذلك بحديثه عن استحالة إبقاء مكوّنات الشعب العراقي في ظلّ دولة موحّدة عن طريق القوّة فقط، مع ازدياد الفجوة بين الساسة العراقيين وعدم التوصّل إلى تفاهمات مشتركة بخصوص إدارة شؤون الدولة.
تحدّيات تواجه الإقليم
مهما كانت مكاسب إقليم كردستان من أحداث الموصل كبيرة من ناحية الاستقلال عن بغداد، وتسهيل الرغبة في الانفصال، إلا أنّ قيام دولة إسلامية تحت قيادة تنظيم مسلّح لا يعترف بالحدود “المصطنعة” بما فيها تلك التي تشترك فيها مع إقليم كردستان ويصل طولها إلى 1035 كيلومترًا، يمثّل التحدّي الأكبر لأحلام الاستقلال الكرديّة في المرحلة المقبلة، وذلك مع استمرار التبدّل والتغيّر في المعادلات الإقليمية والدولية، والتي قد تهدّد وجود الإقليم والدولة الحلم معًا.
لقد أربك تنامي دور تنظيم “داعش” (دولة الخلافة الآن) وركوبه موجة الانتفاضة السنّية ضدّ سياسات بغداد عامّةً، المشهد السياسي العراقي، بما فيه موقف إقليم كردستان الذي أعلن تأييده المطالب المشروعة للعرب السنّة في العراق وانتفاضتهم ضدّ حكومة المالكي، مع التأكيد على ضرورة تسليم شؤون المحافظة على الأمن في المحافظات السنّية إلى أبنائها. وقد بلغ الأمر حدَّ دعم الأكراد إنشاء إقليم أو أقاليم سنّية على غرار إقليم كردستان لتحجيم دور السلطات الاتحادية، وإبقائها في إطار الصلاحيات الحصرية المنصوص عليها في الدستور العراقي الدائم، غير أنّ المشهد العسكري الميداني تحت قيادة الدولة الإسلامية بدأ يلقي بظلاله على المشهد السياسي ويزيد من تعقيده.
لقد برز في أعقاب أحداث الموصل وإحكام قوّات البيشمركة سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، وبروز تهديد الدولة الإسلامية، نوعٌ من الإجماع بين القوى والأحزاب السياسية الكردية المختلفة من جهة، والرأي العام الكردي من جهةٍ أخرى؛ فقبل أحداث الموصل كانت مواقف مسعود البارزاني بخصوص تقرير المصير تأتي في إطار الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي الكردستاني، وتبدو محاولة للهروب من مواجهة المشاكل الداخلية، في ظلّ وجود خلافات وتناقض في الرؤى بشأن كيفية التعامل مع العملية السياسية في العراق، بل وحتى التردّد والانقسام بخصوص دعم السياسة النفطية المستقلة التي ينتهجها نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان.
وكان التردّد في تأييد موضوع الاستفتاء على تقرير المصير يأتي تحديدًا من قبل بعض قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني القريب من إيران. إلا أنّ الأيام الأخيرة شهدت تحوّلًا في موقف الحزب بعد سجال داخلي انتهى إلى ضرورة تأييد الموقف الرسمي لرئاسة الإقليم؛ حتى لا يتخلّف الحزب عن مواكبة الرغبة الجماهيرية في تقرير مصير الإقليم، بحسب تعبير آزاد جندياني عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني.
لكن في العموم، تبقى مواقف القوى السياسية الكردية في تركيا وسورية وإيران من سياسات إقليم كردستان في التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته أحداث الموصل، إشكالية بحدّ ذاتها؛ فالأحزاب الكرديّة في إيران تدعم بصورة واضحة سياسات إقليم كردستان في تقرير المصير، بل وتبدي استعدادًا للمشاركة في الدفاع عن الإقليم إذا ما تعرّض لهجوم الجماعات المسلّحة في المناطق المحاذية، وهذا أيضًا موقف حزب العمال الكردستاني في تركيا، و”مجلس شعب غرب كردستان” السوري بقيادة PYD. إلا أنّ الأحزاب الكرديّة الأخرى في كلٍّ من تركيا وسورية لديها وجهات نظر مختلفة لأسبابٍ تتعلّق بالأوضاع الخاصة في هذه البلدان إضافةً إلى خلفيتها الأيديولوجية التي ترفض فكرة الدولة القومية الكردية، وتوقيت إعلان الدولة، فضلاً عن التأثير الإيراني في مواقف هذه الأحزاب بخاصة لناحية رفض فكرة الدولة المستقلّة، أضف إلى ذلك التنافس الحزبي مع البارزاني. بل إنّ المؤسسات الإعلامية القريبة من هذه الأحزاب بدأت حملة إعلامية ضدّ سياسات مسعود البارزاني، كما زعمت وجود وثائق تؤكّد أنّ أحداث الموصل كانت خطة مدبّرة جرى الإعداد لها في الأردن بحضور البارزاني وممثّلي الفصائل المسلّحة العراقية وبعض الدول الإقليمية، الأمر الذي استوجب ردًّا رسميًّا على لسان قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي أشارت إلى دور إيران في تسويق نظرية تورّط إقليم كردستان في الأحداث الأخيرة.
خطّة العمل الكرديّة في المرحلة الراهنة
بصورة عامة، يبدو موقف القوى السياسية الكرديّة في العراق بشأن الاستمرار في العملية السياسية أو اللجوء إلى خيار الاستفتاء على تقرير المصير، مرهونًا بالتطورات التي ستشهدها الساحة السياسية العراقيّة والإستراتيجية الأميركية للتعامل مع الواقع الجديد. ويمكن تلخيص الموقف الكردي في عدة نقاط:
إعطاء الدور المركزي لبرلمان إقليم كردستان لتحديد السياسات الواجب اتّخاذها في المرحلة المقبلة، وعدّه المرجعية في اتّخاذ القرارات المصيرية للشعب الكردي.
المشاركة الفعّالة لقيادات الأحزاب الكردستانية واطّلاعها على السياسات التي يجري تبنّيها للتعامل مع الواقع الجديد في العراق.
استمرار الإقليم في دعم القوى السنّية المعتدلة بمعزلٍ عن الجماعات المسلّحة المتطرفة على أمل استلام هذه القوى زمام الأمور على الأرض، وربّما الدخول في عملية وساطة بين هذه القوى والأطراف السياسية الشيعية للوصول إلى تفاهمات مشتركة بخصوص تغليب الحوار السياسي على الحلول العسكرية، ودخول الحكومة العراقية في مفاوضات مباشرة مع الجماعات المسلّحة السنّية.
الحيلولة دون حصول رئيس الوزراء نوري المالكي المنتهية ولايته على الولاية الثالثة بوصفه جزءًا من المشكلة، وبناء إستراتيجية للتعامل مع مرحلة ما بعد المالكي.
التأكيد على الحفاظ على سياسة الأمر الواقع في المناطق المتنازع عليها وطيّ صفحة المادة 140 من الدستور العراقي وإعداد برلمان كردستان استفتاء لسكّان هذه المناطق.
إبقاء خيار الاستفتاء على تقرير المصير من أولويات المرحلة المقبلة في إقليم كردستان، حتى إذا جرى التوصّل إلى حلول سياسية مع الأطراف السياسية الأخرى.
تكثيف العمل الدبلوماسي لحشد التأييد الدولي لاستقلال كردستان، وبخاصة الدول الأوروبية والإقليمية والولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة، والاستفادة من القرارات الدولية السابقة بخصوص الإقليم؛ ومنها قرار مجلس الأمن الدولي 688 عام 1991 القاضي بتوفير ملاذٍ آمن للشعب الكردي، إضافةً إلى ملفّ الإبادة الجماعية التي أقرّتها المحكمة الجنائية ومجلس النوّاب العراقي.
خلاصة
تمثّل سياسة الأمر الواقع بعد أحداث الموصل العلامة البارزة لإستراتيجية إقليم كردستان في التعامل مع العملية السياسية في العراق، وهذه هي السياسة الوحيدة التي خلقت إجماعًا داخل البيت الكردي على الرغم من الاختلاف في التوجهات والتوقيت وآليات الحفاظ على المكاسب الكردية من الأحداث الأخيرة. غير أنّ التحدّي الأمني سيكون من أبرز التحدّيات التي تواجه إقليم كردستان في المستقبل إذا ما استمرّ الوضع العراقي كما هو عليه، ما قد يدفع الإقليم إلى انتهاز الفرصة تحت هذه الذريعة لإعلان دولته المستقلة، أو التهديد به على الأقلّ بواسطة الاستفتاء، بخاصة مع استمرار تمسّك المالكي بموقفه الرافض أيّ حلّ يستبعده من المشهد السياسي، حتى لو كان الثمن هو تفتيت العراق.

وحدة تحليل السياسات في المركز
تتكوّن وحدة تحليل السّياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات من مجموعة من الباحثين الذين يعملون بشكلٍ جماعيّ، ويلتقون دوريًّا، لتدارس المواضيع السياسيّة والإستراتيجيّة الرّاهنة ذات الأهميّة العالية، ومناقشتها، ورصدها، ومتابعة تطوّراتها، وتوقّع تأثيراتها المحتملة. ويقوم باحث بتنسيق الاجتماعات والمواضيع والموادّ المقترحة للنّقاش. يكلّف باحث أو أكثر بصياغة ورقة، ويقدمها لتخضع للمناقشة في جلسة، ثمّ يعاد تحريرها في ضوء الملاحظات التي يبديها أعضاء فريق الوحدة. وتخضع قبل نشرها على الموقع الإلكتروني كورقة “تقدير موقف” أو ورقة “تحليل سياسات” لمراجعةٍ أخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى