صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

الحرب على داعش: تحالف الضرورة أم باب للتسويات؟/ جورج سمعان
الحرب الكونية على «داعش» لا تكفي. والتفويض إلى أهل المنطقة الانخراط الميداني لدحره دونه عقبات. ليس أولها تبديل السياسات والتحالفات والعلاقات وليس آخرها تحديد الأحجام والأدوار. الحوار قائم بين جميع المعنيين بالنظام الإقليمي على صفيح لاهب. وكلما تقدم ازداد سعيره. وتشعبت عناصره وتداخلت فيه عناصر جديدة. نجحت «دولة أبي بكر البغدادي» في تحريك كل أزمات الشرق الأوسط دفعة واحدة. وبقدر ما أربكت جميع اللاعبين استدرجتهم إلى أرض الواقع. كأن كل ما كان قبلها أوهام أو أضغاث طموحات، وحسابات غير دقيقة في أقل تقدير. وكل ما سيكون بعدها صورة مختلفة تماماً إذا قيض لهذه الحرب أن تكون مختلفة عن الحروب السابقة على الإرهاب.
الرئيس باراك أوباما في آخر عهده يواجه ما واجه سلفه جورج بوش الإبن في مطلع ولايته الأولى. ضاق الرئيس الأميركي السابق ذرعاً بالمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية التي صرف عليها سلفه بيل كلينتون بلا جدوى الكثير من الوقت، وأهدر جل ديبلوماسيته لا أي عائد. قرر رفع يده والانعزال عن شؤون المنطقة. لم يطل مقامه في عزلته. أخرجته «غزوتا نيويورك وواشنطن» إلى الشرق الكبير. شن حروبه الاستباقية من أفغانستان إلى العراق وطارد جماعات «القاعدة» في بقاع واسعة. ودفعت الولايات المتحدة ما دفعت من عديد جيوشها واقتصادها. وعندما اختار الأميركيون أوباما عولوا عليه لإعادة أبنائهم من الخارج وإخراجهم من أزماتهم الاقتصادية. لكنه بالغ في الانعزال إلى حد الاستقالة من أي دور فاعل في إدارة شؤون العالم. اعتمد على ما يسميهم «الشركاء» والقوى الدولية والإقليمية الكبرى. تعامى عما يجري في العراق وسورية وليبيا. وها هو اليوم يواجه التحدي الذي واجه بوش الإبن. عادت جماعات الإرهاب أقوى مما كانت عليه في العقدين الماضيين. من أفغانستان وباكستان إلى العراق وسورية واليمن وليبيا ودول الصحراء ووسط أفريقيا. وهي تستدرجه إلى الميدان.
بدا انعزال أميركا ترفاً لا يليق بالقوة العظمى. غضت إدارة أوباما الطرف عن «داعش» طويلاً حتى أعلنت هذه الحرب على أميركا مباشرة. لم تجتح المحافظات السنية فحسب. تقدمت نحو عاصمة كردستان، الحليف الوثيق والموثوق به للولايات المتحدة. وعرض حياة أميركيين مقيمين في إربيل. ورفع التحدي بذبح الصحافي جيمس فولي، مهدداً بالمزيد من الوحشية. باتت المواجهة مفتوحة على شتى الاحتمالات. وستكون أكثر تعقيداً من الحروب الاستباقية. ولا نتائج مضمونة مهما استدعى مسرح العمليات من دول بعيدة وقريبة. سياسة الحرب الميدانية لم تفلح في العراق على رغم وجود أكثر من مئة ألف وخمسين ألف جندي أميركي. ولم تفلح في أفغانستان على رغم حشد من القوات الدولية. استطاع الإرهاب جر الجميع إلى حرب استنزاف. ولم تثمر الغارات الجوية وطلعات الطائرات بلا طيار في تغيير الواقع على الأرض. أما إخلاء الساحة للقوى المحلية فقاد إلى ما هو أسوأ. من شرق أفريقيا إلى كابول.
دروس التجارب الماضية الحاضرة اليوم لا تشي بأن الحرب الكونية على «الدولة الإسلامية» ستضع أوزارها سريعاً بالقضاء على هذه الدولة. العناصر والقوى التي تدفع إلى التحالف الدولي الذي يتشكل لمواجهة «داعش» لكل منها حسابات ومصالح وتطلعات وشبكة من العلاقات لا تلتقي بالضرورة بل تتقاطع هنا وتتصادم هناك. تعاونت أميركا مع إيران في الحرب على أفغانستان ثم في العراق لإطاحة نظام صدام حسين. لكنهما سرعان ما افترقتا وتصارعتا ولا تزالان. وإذا كانت الحرب على «دولة أبي بكر» في العراق وسورية تستدعي التعاون مع طهران ومع النظام في دمشق، فلا شيء يؤشر إلى أن هذا التعاون سينسحب على كثير من القضايا والأزمات والملفات. وإذا كانت تستدعي تلاقي الخصوم الإقليميين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى دول الخليج وغيرها، فإن هذا التلاقي ليس نهائياً. ثمة ملفات وقضايا أخرى تستدعي حوارات ليست باليسيرة.
الحرب على «داعش» لن تكون عسكرية فحسب. إنها سياسية بامتياز. ولن تنجح الحرب على الإرهاب ما لم تجد أزمات المنطقة تسويات وحلولاً مرضية لكل اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين. نجح «الخليفة أبو بكر» في تحريك أكثر من ساحة سياسية. والسباق واضح على استثمار تداعيات قيام «دولته». محلياً قوّض أحلام القوى الشيعية بالامساك بكل مفاصل السلطة ودفعهم إلى تغيير جذري في مقاربتهم حكم البلاد. وأعاد الأكرد النظر في خطواتهم المتسرعة بعد سقوط الموصل. لوحوا بالانفصال رغم معارضة حلفائهم الأميركيين وجيرانهم… ولكن سرعان ما عادوا إلى أرض الواقع، وباتت قواتهم تقاتل إلى جانب القوات الحكومية. كشفت الحركة «الداعشية» هشاشة مشاريع التفرد والاستئثار. خارجياً دفع أبو بكر الرئيس أوباما تحت ضغط الجمهوريين إلى الخروج من عزلته وإن متأنياً وضمن حسابات داخلية واعتبارات خارجية دقيقة. وأشعل الصراع بين الإصلاحيين والمتشددين في إيران حيث كرت سبحة تقويض حكومة الرئيس حسن روحاني. ولم يتردد الأخير في شن حملة عنيفة على خصومه. دفعت طهران ثمناً غالياً. كفت يدها القوية في المنطقة اللواء قاسم سليماني قائد «فيلق القدس». وأزاحت رجلها القوي في بغداد نوري المالكي. وحتى دول الخليج التي ارتاحت إلى تحرك أهل السنة وما أصاب المشروع الإيراني سرعان ما روعها زحف «الدولة الإسلامية» وما يحمل من استنهاض لحركات التطرف التي لا تزال تجاهد لاقتلاعها من شبه الجزيرة.
أيقظ أبو بكر مخاوف جميع اللاعبين في الشرق. أسقط سياسات وحدوداً وأحلاماً وأوهاماً. لكنه في المقابل ألّب كل هؤلاء عليه. فألف ما بين قلوب لم تأتلف منذ عقود. ولكن يجب ألا يستعجل المتفائلون. التحالف الدولي الذي يتشكل لمواجهة «داعش» فرضته الضرورة القصوى وليست القناعات والسياسات الواقعية. قام على صفيح ساخن وتداعي مواقع هنا وهناك. كأن ظروف الصفقة الكبرى لم تنضج بعد. فالقوى التي ترى إلى نفسها خسرت في العراق لن تستكين بسهولة. سياسة الثأر متجذرة في أرض المنطقة. ولن تكف هذه عن إيقاد جمر الحرب الأهلية. وبعض ما خسرته وقد تخسره إيران، مثلاً، في العراق لن تسمح بأن يخل كثيراً في ميزان القوى القائم. قد تستثمر في مكان آخر للحد من خسائرها في مكان آخر. حلفاؤها الحوثيون الذين ترددوا في دخول صنعاء عسكرياً بعد تطويقها دخلوها أخيراً بحشود غفيرة، مستنفرين الشارع اليمني بشعارات اجتماعية. ما قد يحصل عليه السنة في العراق على حساب القوى الحليفة لإيران قد يقابله ثمن للحوثيين حلفائها. وما قد يحصده خصومها الإقليميون في بغداد سيدفعون مقابله في صنعاء. وإذا كانت لا تشترط مقايضة في الملف النووي للإنخراط في الحرب على «داعش» التي هددت مواقعها في أرض الرافدين، فإن الحركة الحوثية قد تصرف المعنيين بالتسوية في اليمن وبالحرب على «القاعدة» إلى مقايضتها في ملفات شامية أخرى. فما يجري في العاصمة اليمنية بعد صعدة وكل الشمال يهدد المبادرة التي يرعاها أهل مجلس التعاون الخليجي، ويعرض نتائج مؤتمر الحوار، ويقوض الحرب الأميركية واليمنية الدائرة على «القاعدة» إياها في جنوت اليمن. وهذا ما يضاعف مخاوف أهل الخليج الذين يعيدون ترتيب مجلسهم، وتوسيع تعاونهم مع كل من مصر والأردن.
وأبعد من هاتين الساحتين تظل المنازلة الحاسمة في سورية. هي المحك لمدى جدية أهل المنطقة، ولعزيمة المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الذين يعدون العدة لضرب «داعش». يقرون باستحالة القضاء عليها ما لم يشمل مسرح العمليات الساحة الشامية بأكملها، أي سورية وحتى لبنان الذي ينجر بكامل وعيه إلى الأتون المشتعل. لكنهم يقسمون اليمين المعظمة بأنهم لن يتعاملوا مع النظام السوري. لأن ذلك سيقود حتماً إلى إعادة تأهيله والاعتراف بنظامه. وهو ما تريده إيران التي استثمرت الكثير من العديد والعتاد والمال للحفاظ عليه. لكنهم يعرفون استحالة تقويض دعائم «الدولة الإسلامية» ما لم تشمل الحرب الساحة السورية… إلا إذا عمدوا إلى تسليح فصائل «المعارضة المعتدلة» بما كانوا يعدّونه أسلحة هجومية فتاكة وفعالة. وهو ما كانوا عارضوه منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من ثلاث سنوات، فلو كانوا لجأوا إلى هذا الخيار باكراً لما كانوا ربما واجهوا ما يواجهون في كل بلاد الشام. أو لعلهم يفكرون في إعادة بعث التسوية السياسية التي توقفت في جنيف لتكون خطوة ثانية بعد العراق على الطريق الطويل. وهو أيضاً خيار صعب المنال بعد أنهر الدماء والمذابح وتصحير المدن والدساكر.
أياً كان شكل التحالفات والتفاهمات في الحرب على «داعش»، فإن القضاء على حركات الإرهاب سيظل رهن الصفقة الكبرى التي تعيد التوازن بين قوى الإقليم، وتحدد لكل منها حجمها ودورها الطبيعيين. غير ذلك يعني عبور المرحلة في الوقت الضائع بأقل الخسائر الممكنة لجميع هذه القوى، إلى أن تتضح معالم الخريطة وتنضج صورة الحدود الجديدة الممكن منها والمستحيل… ليس في بلاد الشام وحدها بل جنوب الجزيرة وشمال أفريقيا.
الحياة

 

 

 

قبل أن ننقرض/ غسان شربل
أنتِ أميركا. السياسات الخرقاء. اليد الثقيلة. القوة الغاشمة. مصاصة الدماء. حليفة المستبدين. حارسة الكيان الغاصب. سيدة البحار وسيدة الأجواء. انت القوة الفاحشة. والشركات العملاقة. والجامعات اللامعة. والانعطافات المؤذية. والهيمنة المخيفة.
أنتِ أميركا. صانعة الحروب. من خليج الخنازير إلى كوريا إلى فيتنام، وصولاً إلى غزو العراق. نعرفك من خيباتنا معك، وصلف سفرائك، وسذاجة مبعوثيك.
أنتِ أميركا. تظاهرنا ضدك هنا وهناك. وهجوناك دائماً، وحلمنا بطردك من منطقتنا. وقلنا أنك المرض الأول، وابتهجنا حين خاطبك مستبد بلهجة التحدي. وحاول آخر إضرام النار في ردائك. وحين أذلّك آخرون بتحويل مواطنيك رهائن.
أنتِ أميركا. نعرف تاريخك. وخطورة الاتكاء عليك. ومع ذلك نناشدك اليوم أن تشفقي قليلاً، على رغم تبرّمك منا، وخيبتك من الإبحار معنا. نناشدك. نتوسل إليك. افعلي شيئاً قبل أن ننقرض. خرائطنا تمزقت. عواصمنا مقابر واسعة. لا تغسلي يديكِ من مصيرنا. لا تتهربي من رائحة دمنا. من الرؤوس المقطوعة فوق ترابنا. من جيوش الظلام التي انخرط فيها الذبّاحون والمستبيحون.
لا تتركينا.
أفكر في الجندي العراقي الذي قطعت «داعش» رأسه في الموصل. أفكر في الجندي السوري الذي قطعت «داعش» رأسه في مطار الطبقة. أفكر في الجنود اللبنانيين الذين خطفهم الإرهابيون من عرسال… في الجنود اليمنيين يُعدَمون على أيدي «القاعدة»… في مطار طرابلس يحترق على أيدي مرتكبي عملية «فجر ليبيا». أفكر في الأطفال النائمين تحت ركام منازلهم وأمهاتهم في غزة.
لا تتركينا.
نحن شعوب فاشلة، وخرائط فاشلة، وحكومات عاجزة، وبرلمانات للتصفيق والتهريج. نحن جيوش تلتهم الوطن والمواطنين في زمن السلم وتفشل في الدفاع عن الخريطة في زمن الحرب. جيوش تمضي عمرها في تهديد العدو لكنها لا تنهال إلا على مواطنيها.
أشمُّ رائحة الفشل، في بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء، وطرابلس. فشل الجيوش الكبيرة والجيوش الرديفة. أشم رائحة الميليشيات والارتكابات. أسمع قرقعة عظام الدساتير والأحزاب الكرتونية الشرهة. أشمُّ رائحة التعصب، وسدود الكراهية التي تتحيَّن الفرص لتبوح بمكنوناتها.
نحن أيتام وعراة.
فشلنا في العراق، وفي سورية، وفي ليبيا، وفي كل مكان. الفشل العربي صارخ. ومثله فشل الدول الإقليمية الكبرى التي توهمت أن موسم القطاف قد حان. ليس لدينا من نلجأ إليه. قطع الفشل رأس الجامعة العربية. قطع رأس مجلس الأمن.
أسمعهم على الشاشات. يطلّون من المخيمات ويسألون أين أميركا؟ لم أسمعهم يستغيثون بجيمس بوند الكرملين. بالرجل الذي اصطاد في الدماء السورية حتى ارتوى. لم يكن مهتماً بغير غسل «الصفعة الليبية». لم يوظف علاقاته لتشجيع حل سياسي، فعلي وواقعي. بدا القيصر صغيراً وشرهاً وأقل قدرة على ممارسة المسؤولية الأخلاقية والدولية. إلتهم القرم وتسلّى بتفكيك أوكرانيا وتسميم العلاقات الدولية. لا أحد يستنجد بالقيصر. لا أحد يناديه. أسلوبه قد يساهم في ظهور «داعش» ذات يوم في الاتحاد الروسي نفسه.
أكتب غاضباً تحت وطأة ما سمعتُ من سياسي مقيم في قلب الزلزال الحالي. قال: «إذا لم يحسم باراك أوباما أمره سريعاً سيتمكن تنظيم «داعش» من ترسيخ وجوده. هذا يعني سنوات من المذابح ونهاية العراق وسورية وربما أماكن أخرى. نحن نطالب بتحرك دولي وإقليمي لكن عصب هذا التحرك لا يمكن أن يكون إلا أميركياً».
وأضاف:»نحتاج إلى مجموعة خطوات. إلحاق الهزيمة بـ «داعش»، ووقف النزاع الشيعي- السني، وفرض حل سلمي في سورية، ووقف سياسات زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإنشاء إطار إقليمي لاحتواء النزاعات تحت مظلة دولية».
لم تبدأ المأساة مع «داعش». بدأت قبله بفعل سياسات الاستبداد والإقصاء والتهميش والفساد. بدأت مع التزوير الممنهج للإرادات والمؤسسات. مع السياسات الفئوية والأحلام الانقلابية. مع انتصار نهج الشراهة على نهج الشراكة داخل الدول وعلى مستوى الإقليم. بدأت مع احتقار حقوق المواطن والإنسان والقوانين الدولية والحدود الدولية. مع إنكار حق الآخر في الاختلاف. مع تزوير الكتب والدراسات والانتخابات والإحصاءات.
ما أقسى أن يقول لك رجل يعرف، أن مصير المنطقة معلّق على قرار سيد البيت الأبيض. وأن الوقت يدهم. نبتهج بطرد الأميركيين ثم نتوسل تدخلهم. نعلّق عيوننا على برنامج أوباما ونناشده: تَدَخَّل قبل أن ننقرض.
الحياة

 

 
الشريعة أم الغاب؟/ علي بردى
توحشُن ذلك الذي تلثّم وفصل رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي هو صورة عن ثقافة مريضة. أمثاله – وما أكثرهم – لا ينتمون الى البشر ولا حتى الى ما يمكن تدجينه. يشكلون خلايا سرطانية تتفشى في جسد الإسلام في العالم العربي. يا ليت العرب يتقدمون بما هو عملي للمساهمة في الجهود الدولية، قريباً عبر مجلس الأمن للأمم المتحدة، لاستئصال الداء الأخطر على الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
قتل جيمس فولي جريمة موصوفة ترتكب كل يوم بحق الصحافيين والإعلاميين في ذلك الجزء المظلم من العالم. ترمز الى الوحشية المفرطة لمجاهدي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) و”جبهة النصرة” و”القاعدة” وغيرها من الجماعات الإسلامية التي تؤوي المفترسين والمتعطشين الى الدماء المقيمين في المنطقة والوافدين من كل أصقاع الأرض. تكفيريون يجمعهم الإيمان بالتطهير الديني والمذهبي. بذل صحافيون حياتهم ليخبروا الرأي العام بما يجري. حمل أكثرهم مظالم الناس وتطلعاتهم في مجتمعات فقيرة ومظلومة وجريحة وتداس الكرامات فيها. جاء بعضهم من قيم تحرم ليس فقط التمثيل بالقتلى، بل أيضاً نقل هذه الصور المقززة والمثيرة للإشمئزاز. فإذا بهؤلاء الإسلاميين الظلاميين يفتكون بالصحافيين أيضاً، تارة بتهمة أنهم “جواسيس” وطوراً لأنهم ينتمون الى جنسيات معينة أو لأن لديهم أفكاراً مختلفة. ما هي التهمة التي قتل من أجلها جيمس فولي؟ لماذا يقتل هذا العدد من الصحافيين في البلدان التي يتبختر فيها المجاهدون الإسلاميون؟ كيف يمكن العيش مع من يعتقدون أنهم أولياء الله والناطقون باسمه في هذه الدنيا؟ وحشية الإسلاميين لا تعطي شهادة “حسن سلوك” لأي من أنظمة الاستبداد في الشرق الأوسط. فعلامات الاضطهاد للناس وللصحافة – بوسائل مختلفة ومبتكرة أحياناً – لا تمحي كيفما التفت. لا تزال ظاهرة علامات القهر عبر السنين في كل الدول العربية.
تذكر الصور المأسوية لقتل جيمس فولي بالأخطار المتزايدة التي يواجهها الصحافيون كل يوم في سوريا وفي العراق. يدل الى وحشية “الدولة الإسلامية” المسؤولة عن آلاف الانتهاكات في حق الشعبين السوري والعراقي. تهدد هذه الأخطار اللبنانيين أيضاً. يمتد هذا الخطر الى مصر وليبيا واليمن. لذلك يبدو أن مجلس الأمن لن يكتفي على الأرجح بأن يطالب بمحاسبة المسؤولين عن قتل جيمس فولي وتقديم مرتكبي هذه الأفعال الإرهابية الى العدالة. بدأ العمل الجدي من أجل الزام كل الدول، وفقا للقانون الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة، بالتعاون الفعلي ليس فقط من أجل تحقيق هذا الهدف، بل أيضاً من أجل العمل الجدي على هزيمة الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الجماعات التي تشيع التعصب والكراهية. هذه المواجهة تتطلب خبرات وقدرات على المستويات المحلية والدولية، وقد تطول عشرات السنين.
الإسلاميون المتطرفون يحولون الشريعة الإسلامية شريعة غاب. هذا الخطر أكبر على العرب والمسلمين منه على أي مجتمعات ودول أخرى.
النهار

 

 

 

استراتيجية ضـد “داعش” في العراق وسوريا فما بال التسوية لا تتمدّد أيضاً؟/ روزانا بومنصف
لم تعد تطورات المنطقة تحتمل انتظار انتهاء المفاوضات بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي والتي مددت حتى تشرين الثاني المقبل من اجل ان يبدأ البحث في ملفات العراق وسوريا باعتبار ان كلا من الولايات المتحدة وايران جهدت في نفي وجود اي موضوع على طاولة البحث بينهما ما خلا الموضوع النووي وعدم استعدادهما لذلك قبل الانتهاء منه. كما لم يعد في امكان الرئيس الاميركي باراك اوباما الاكتفاء بان يحقق انتصارا يفترض حصوله من خلال ملف ايران الشائك ويتوج به ولايته الثانية في موازاة عدم رغبته في مقاربة الوضع السوري المتفجر.
هل خلطت تطورات المنطقة اوراق واشنطن في عز الاستعداد للانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي في الخامس من تشرين الثاني المقبل في ظل توقعات بخسارة مجلسي الشيوخ والنواب لمصلحة الجمهوريين وتحول الرئيس اوباما مبكرا الى “بطة عرجاء” في ظل قيود الكونغرس على قراراته؟ سؤال يثيره بعض المتابعين على خلفية الحركة الاميركية المستجدة في اتجاه المنطقة وان تكن الانظار مسلطة على ما استفز اليقظة الاميركية. فما حصل في العراق وامتداده من سوريا بات ملفا ملحا يثير جدلا داخل الادارة الاميركية على وقع العودة الاميركية القسرية الى الانخراط في الازمة العراقية وصولا الى انتقادات تحمل التقاعس عن مد اليد الاميركية الى سوريا خلال الاعوام الثلاثة الماضية تبعة نشوء داعش وصولا الى اعادة طرح او اقتراح امكان توجيه ضربات عسكرية الى تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا كما في العراق.
هل فتح باب ما في ملف البحث جديا في تسوية سياسية في المنطقة على وقع مواجهة خطر داعش في كل من العراق وسوريا ام ان ما يجري مجرد عوارض طارئة لحرب قد تطول؟
السؤال يحفزه بالنسبة الى مصادر سياسية الاقتناع الاميركي الذي يعبر عنه كبار المسؤولين العسكريين بمعادلة ان ضرب تنظيم داعش في العراق لن يكون كافيا ما لم ينسحب ذلك على سوريا لان ذلك سيكون من دون جدوى. استعد النظام السوري وهيأ نفسه لان يكون الشريك المنتظر للولايات المتحدة وربما لتحالف دولي محتمل من اجل توجيه ضربات عسكرية لداعش من خلال مواقف سياسية عبر عنها نائب وزير الخارجية السوري بان اي ضربات دولية فوق سوريا تحتاج الى موافقة النظام والتنسيق معه ما يعني تشريع التعاون معه او عبر استهدافه جويا لمواقع لداعش من اجل ان يضع نفسه مسبقا على هذه الطريق. ويخشى مراقبون كثر ان تكون مواجهة داعش في سوريا بابا لتسويات تعيد تلميع وجه النظام مرحليا في ظل المعادلة التي تطرح منذ بعض الوقت، وربما حتى منذ السنة الثانية للازمة، اي التعاون مع الشيطان الاقل سوءا اي النظام، في وقت يحذر مراقبون آخرون من ارتكاب خطأ الوقوع في الفخ الذي نصبه الاسد من خلال اطلاقه داعش في الاساس من اجل محاربة الاميركيين في العراق ابان الاحتلال الاميركي له، ثم اعادة اطلاقه من السجون السورية من اجل تدمير المعارضة السلمية ضده وتبرير منطقه بانه يحارب الارهاب.
يقول ديبلوماسيون متابعون ان السكوت على استمرار الاسد قد يشبه السكوت على صدام حسين بعد اجتياحه للكويت والاكتفاء بطرده منها في العام 1989 في حين ان الاميركيين لم يلبثوا ان عادوا من اجل اطاحته في 2003، وذلك في حال نجحت تسويات معينة في ابقائه راهنا. فيما تفاءل ديبلوماسيون بما صرح به الرئيس الاميركي للصحافي توماس فريدمان مطلع هذا الشهر وقوله “ان التغطية الاشمل التي نحن بحاجة الى الاستمرار في التركيز عليها، وهي ان لدينا اقلية سنية ساخطة في العراق واغلبية في حالة سوريا وتمتد بالاساس من بغداد الى دمشق. وما لم نستطع ان نقدم لهم صيغة تستجيب لتطلعات ذلك القطاع من السكان، فحتما سنواجه مشكلات. ولسوء الحظ اتيحت فترة من الوقت للاغلبية الشيعية في العراق لم يدركوا خلالها ذلك والان بداوا يستوعبون”. فهذا الموقف التفصيلي يعني ان الولايات المتحدة وعت ان رهانها على التحالف مع الشيعة على حساب التحالف مع السنة في المنطقة امر غير قابل للنجاح. وهي تعي ان ضرب داعش في العراق من دون ضربها في سوريا سيكون من دون جدوى، واستيعاب الوضع من اجل دحرها يحتاج الى تسوية سياسية تعطي السنة حقوقهم في العراق من اجل المساعدة على عدم عودة داعش. وهو ما حصل من خلال التخلي عن نوري المالكي واخراجه من السلطة لمصلحة حيدر العبادي الذي يفترض ان يرعى توزيعا عادلا ومطمئنا للسلطة والحقوق ما يساعد على نبذ داعش ومحاربتها في بيئتها . ما يعني ان المعادلة نفسها يفترض ان تطبق في سوريا ايضا والا بقيت المشكلة على حالها خصوصا مع 70 في المئة هم عدد السنة في سوريا . اضف الى ذلك ان الدول الغربية عاجزة وحدها عن وقف خطر داعش ولا تستطيع الانخراط عسكريا على الارض، ولا ان تسلم لايران في سوريا تماما كما سلمت في العراق مما يفاقم حاجتها الى الدول السنية في المنطقة التي تحتاج بدورها الى اثمان سياسية تقنع بها الشعوب من اجل التراجع عن السكوت على تقدم داعش وعدم مواجهة تمددها او سيطرتها.
النهار

 

 

 

ما بعد “داعش”/ دلال البزري
لن تقتصر آثار “داعش” في منطقتنا على حجم الدمار الذي سوف يخلفه، ولا درجة وحشيته الإستعراضية، أو الطوائف الدينية التي يحاول إبادتها، ولا الحدود الوطنية، التي دمرها في المشرق العربي. بل ان “داعش”، في غزوته المظفّرة هذه، خلق مجموعة من الوقائع الجديدة، إليك ابرزها:
أصبح هناك لاعبان اقليميان رئيسيان، ربما غير متساويين، ولكنهما أصحاب ديناميكية خاصة بها: “داعش”، أولا، بطبيعة الحال، وجيش البيشمركة الذي يقاتله على حدوده المباشرة. لم يدافع الجيش العراقي عن نفسه في غزوة الموصل، ولا تمكّن الجيش السوري من ردّ اقتحام الرهط الداعشي للحدود السورية من جهة العراق. الجيشان الأقوى في المنطقة، سابقاً، انهارا بسرعة وببطء، ولم يعد لهما دور يُذكر، بعدما كانا يرعدان بوجه أميركا وإسرائيل. وهذه فرصة لكردستان العراقية لكي تنتقل من عذابات “الحكم الذاتي”، التي لاقتها مع الحكومات العراقية المركزية، إلى وضعية الإستقلال الناجز، بصفتها دولة حرة تمكنت من دحر الإرهاب الداعشي. إسرائيل هي صاحبة الحظ الأقوى بنشأة كردستان. رعتها سراً، وليس واضحاً تماماً مستقبل ثمرات هذه الرعاية؛ ولكن “داعش” وهبت الدولتين حجة قيام الدول على أساس العرق والمذهب الديني.

إنتهت مقولة ممانعة “المحور” الإيراني لـ”لامبريالية الاميركية” و”مواجهة مشاريعها”، على الأقل من الناحية الميدانية، العملية؛ إذ قد يبقي “البسدران” خطابيته البلاغية هذه على قيد الحياة، وقد تظل تصدقها العقول المتغذية بالشعارات، المعتزة بـ”ثوابتها”؛ ولكن الوقائع على الأرض لن تقتصر، بعد “داعش”، على مفاوضات مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين حول حصة طهران في إدارة لعبة المنطقة، إنما أيضا، على تعاون وتنسيق تحاول إقامتهما مع أميركا تحت راية محاربة الارهاب. نعرف بعض أوجه هذا التعاون، ويفوتنا الأكثر منها، كما لو كان الاثنان واقعين في العشق السرّي… وهكذا، حثيثاً، ومن دون ضجة إعلامية تُذكر، سوف تنتقل البندقية “الممانِعة” للإمبريالية من الكتف الشيعي، الإيراني، الى الكتف السني الذي يواجه الآن هذه الامبريالية مباشرة، بالضربات الجوية الاميركية على أراضي “داعش”، صاحب خطاب “ثورة السنّة”.
انتهت أيضا، أو تلقت ضربة قوية على الأقل، كل كيمياء التحالف أو التناغم بين الأقليات الدينية، المسيحية خصوصاً، وبين الغرب. أوروبا، سليلة الضاربين بالعروق العثمانية من أجل فرض قوانين “التنظيمات”، حماية لأقليات الشرق، هي الآن منقسمة بشأن مسيحيي العراق. حتى أحزابها اليمينية المتطرفة، المفترض انها أكثر “مسيحية” من غيرها، صارت واضحة في رفضها لإستقبال النازحين المسيحيين أو الذهاب إلى حرب من أجل انقاذهم. صحيح ان ألمانيا خرجت عن سياسة “الحياد” و”عدم التدخل” التي اعتمدتها منذ نهاية الحرب العاليمة الثانية، فارسلت سلاحا الى البيشمركة، لكن المجموعة الأوروبية إنقسمت بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا المتحمّسات كلهن للتدّخل، وبين بقية بلدان أوروبا الأخرى. أما أميركا، فتمخضت وولدت، بعد خراب البصرة، مروحيات ترمي على الهاربين مساعدات مكسّرة، وطائرات بطيار أو من دونه تقصف مواقع “داعش”. إذ ان واشنطن، على الرغم من تجسسها على كل خلق الله، لم ترَ “داعش” مقبلا، ولا مسلطا سيف البربرية بوجه الجميع.
حطّم “داعش” كل البنيان القومي الذي ارتفعت فوقه الأيديولوجية البعثية. البعث العراقي، بقيادة عزت الدوري، الذي التحق بـ”داعش” وزوّده بكل الضباط البعثيين الصالحين لغزواته. فأنهى بذلك كذبة “علمانية” البعث؛ وكان الأجدر بنا ان ننتبه مبكراً الى تلك الكذبة، عندما “دخل” منظر البعث المسيحي ميشال عفلق الى الإسلام..البعث العراقي إذن دخل في معبد “داعش”، فيما الحرب ضد “داعش” وفروعه على الأراضي السورية وثقت وعمقت دخول البعث السوري في المعبد الإيراني.
أرغمنا “داعش” على إعادة قراءة نشأة الاسلام والشريعة والقرآن والسيرة النبوية. النقاش، أو السجال، الذي أطلقه هذا التنظيم، حامل راية الاسلام، لن ينتهي بمجرد إعلان مفتي الديار السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، بأن “داعش” و”القاعدة” هما “العدو الاول للاسلام”؛ أو بكثرة الحركة التي يقوم بها المهتمون بابراز الوجه “المعتدل”، المتسامح”، للإسلام دفاعا عن “صورته”. في ظل انتصارات “داعش”، أو بعد تقهقره بسنوات، سوف تنطلق أجيال بورشة عن الدعوة المحمدية، سوف تعيد قراءة الإسلام جذرياً، بناء على تجربة “داعش” التاريخية، المدمرة.
الحرب ضد إرهاب “داعش” سينضم إليها الجميع. والجميع سيعلن عن دوره الحاسم فيها، محاولا جني ثمرات تضحياته. ولكن في هذه الأثناء، وكما حصل، أو أكثر مما حصل مع 11 سبتمبر، ستكون الحرب على الإرهاب ذريعة للنيل من اكثر الحريات الممكنة، في الدول الديموقراطية كما في غيرها. ومعركة هذه الحريات سوف تكون أصعب من تلك التي سبقتها؛ ستبدو أمامها الحرب بعد 11 سبتمبر مجرّد بروفة.
لكن أسئلة كثيرة تبقى عالقة إلى حين: ما هي الحمية التي دبّت باوباما ليرسل طائراته تجميداً لإبادة عراقيين، مقابل لا مبالاته امام إبادة ما يقارب المئتين ألف سوري حتى الآن؟ ما هي حدود، أو آفاق التحالف الموضوعي القائم الآن بين بشار وأوباما ضد الارهاب؟ هل تكون الطائرات السورية التي تضرب قواعد “داعش” في الرقة، هي القناة التي يفتحها بشار ضد الذي اتهمه بأنه “يتآمر” لإسقاطه عبر ثورة شعبية سلمية؟
المدن

 
هل تهاجم أمريكا «داعش» في سوريا؟/ د. عصام نعمان
موقف الولايات المتحدة من تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» ما زال حائراً ومحيراً. ازداد غموضاً بعد ذبح الصحافي الامريكي جيمس فولي علناً على يد إرهـابي داعشي يتكـلم اللغـة الانكليزية بلكنة بريطانية. ردُّ اوباما على الجريمة الحدث كان قوياً وحذراً في آن. دعا «الحكومات والشعوب في الشرق الاوسط لاستئصال هذا السرطان لئلا يتفشّى». كيف؟ قال إن الولايات المتحدة تبحث في خيارات مختلفة للرد على هذه «الجريمة الهمجية».
وزير الدفاع تشاك هيغل اعطى، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية الجنرال مارتن ديمبسي، جواباً مغايراً. قال إن واشنطن تعمل على «رسم استراتيجية طويلة المدى لمواجهة «داعش»، وان هزيمته لن تحدث فقط عبر الضربات الجوية. جواب ديمبسي جاء مشروطاً ومباشراً: «ثمة امكانية لهزيمة «داعش» اذا تمّت مهاجمته في سوريا وليس فقط في العراق».
هل جواب ديمبسي يشكّل موقفاً امريكياً جديداً في التعامل مع سوريا، أم انه مجرد رأي؟
يبدو انه رأي… حتى إشعار آخر. ذلك ان مصدراً في الخارجية الامريكية فسر حديث هيغل وديمبسي عن «تعاون او تنسيق» بين الولايات المتحدة وايران في العراق ضد «داعش» بأنه غير وارد، كما انه غير وارد في سوريا بين واشنطن ودمشق، كون الرئيس بشار الاسد «جزءأً من المشكلة وليس جزءاً من الحل»، كما يقول اوباما.
التعاون والتنسيق بين امريكا وسوريا غير وارد لا بالنسبة لواشنطن ولا بالنسبة لدمشق. لكن ذلك لا يعني بالضرورة ان قيام الولايات المتحدة بمهاجمة «داعش» داخل سوريا غير وارد. اذا ورد، فذلك يعني ان تدخلها العسكري، بأي شكل يحدث، انما يتّم من دون موافقة سوريا. ولعل التبرير الذي ستقدمه واشنطن لتدخلها هو التذرع بضرب «داعش» بالاستناد الى قرار مجلس الأمن 2170 الصادر مؤخراً في ظل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. صحيح ان القرار المذكور لا يولي احداً حق استخدام القوة ضد «داعش» داخل سوريا، دونما اجازة صريحة من مجلس الامن، غير ان الولايات المتحدة لن تتوقف امام هذا الاعتبار. ألم تباشر في ضرب «داعش» داخل العراق دونما ترخيص من الامم المتحدة وحتى قبل صدور قرار مجلس الامن 2170؟
لا صعوبة في تفسير سياسة امريكا الراهنة في الشرق الاوسط عموماً وحيال سوريا والعراق وحرب «داعش» عليهما خصوصاً. فهي ما زالت ممعنة في تنفيذ سياستها المعتمدة في عهدي بوش الاب والابن، القائمة على اساس الهيمنة على دول المنطقة، ومنع غيرها من الحلول محلها اذا ما تعذّر عليها ذلك. هذه السياسة المعروفة باسم «الفوضى الخلاّقة» تنطوي في الواقع على اجراءات ميدانية لتفكيك دول المنطقة كما مجتمعاتها. لذا هي لا تعادي مخططات الحركات الإسلامية المتطرفة، شأن تنظيم «داعش»، التي ترمي الى الاغراض نفسها وإن لدوافع مغايرة، بل تتعاون معها احياناً لتحقيق اغراض ومصالح مشتركة. ألم تتعاون وكالة الاستخبارات المركزية مع «داعش» عبر تركيا لتوريد الرجال والسلاح الى كلٍ من سوريا والعراق، واستمر ذلك الى ان اعلن ابو بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين في شهر حزيران/يونيو الماضي وباشر «داعش» بعد ذلك توسعه في العراق وصولاً الى تهديد اربيل، عاصمة اقليم كردستان، والتلويح باجتياح بغداد العاصمة ايضاً؟
توسّع «داعش» هدد مصالح الولايات المتحدة، السياسية والنفطية، فكان لا بد من فسخ عقود تأجير الخدمات التي ابرمتها معه، ودعوة دول المنطقة الى الامتناع عن تمويله وتسليحه، بل قامت بمهاجمته بغارات جوية متلاحقة داخل العراق لمنعه من التوغل في اقليم كردستان وتهديد مصالح امريكا فيه.
من الواضح ان الولايـات المتحدة ما زالت متمسكة بترتيبات اتفاق سايكس- بيكو، لكنها لا تمانع في إجراء تغييرات داخل حدود خريطته السياسية القائمة. هي لا تمانع في تفكيك العراق الى ثلاثة اقاليم متمايزة، شريطة ان تبقى كلها داخل دولة عراقية لامركزية او كونفيدرالية، وان تبقى المصالح النفطية لامريكا واوروبا وغيرهما من دول الغرب مصونة ومزدهرة. هي لا تمانع في تطبيق المخطط نفسه في سوريا وللاغراض نفسها، خاصةً انه يتطابق مع مخطط «اسرائيل» الرامي الى تزنير نفسها بمجموعة من «جمهوريات الموز» القائمة على اسس قبلية او مذهبية او اثنية، فلا تستطيع بحكم تعدديتها وتشرذمها وعداء بعضها لبعضها الآخر ان تشكّل قوة قومية متجانسة في مواجهة الغير، ولاسيما الكيان الصهيوني.
«داعش» يخدم بسياسته وأنشطته العسكرية مخططات التفكيك والتقسيم والشرذمة في المنطقة، فلا مصلحة للولايات المتحدة في ان تستأصله، لأن المستفيد من ذلك سيكون بالتأكيد سوريا وايران. قد تتدخل ضده اذا ما شعرت بأنه تجاوز حدوده، بمعنى حدود مصالح امريكا واوروبا و»اسرائيل»، فتعمل على صده وحتى تحجيمه. لكنها لن تصل الى حد ضربه بغية تصفيته.
تختلف سياسة الولايات المتحدة مع ايران في العراق عنها في سوريا. فهي لا تمانع في التعاون مع طهران بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، ولا سيما في المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي. في هذا المجال، لا تمانع واشنطن في دعم طهران لبغداد في كل ما من شأنه اقامة حكومة وفاق وطني جامعة تراعي مصالح «مكوّنات» العراق السياسية والمذهبية من جهة وتساعد في رد هجمة «داعش» على اقليم كردستان من جهة اخرى.
يبقى التنبيه الى قاعدة ذهبية تراعيها الولايات المتحدة دائماً في سياستها الشرق اوسطية هي التزامها الثابت «أمن اسرائيل» ومصالحها تجاه اعدائها واصدقائها على السواء.
٭ كاتب لبناني
القدس العربي

 

 
يوم يُصافح أوباما الأسد/ إياد الجعفري
من غير المتوقع أن نشهد في يوم من الأيام، لقاءً حاراً يجمع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مع نظيره السوري بشار الأسد. أو أن نشاهد لقطات تصور مصافحةً بينهما. منطق التاريخ ينفي احتمال ذلك تماماً. لكن المنطق ذاته يؤكد أن ما يستحيل أمام الجمهور، يُرجّح بقوة وراء الكواليس. وكما أن تاريخ العلاقات بين نظام الأسد (الأب والابن) وبين الأمريكيين، حافلٌ بالتفاهمات السرية غير المعلنة، فإن التاريخ قد يكرر نفسه اليوم، خاصةً مع تفاقم “الخطر الداعشي”، وغياب البديل القادر على صدّه في الميدان، حتى الآن.
لذلك يُطرح اليوم، وبقوة، سيناريو التفاهم الأمريكي مع نظام الأسد، في ظل تسريبات إعلامية، بعضها من مصادر لبنانية مقربة من حلفاء الأسد، وبعضها من مصادر غربية، بريطانية بالتحديد، تتحدث عن تعاون أمني – عسكري أمريكي مع نظام الأسد لصدّ “داعش” عن آخر معاقل النظام في محافظة الرقة، وهو مطار الطبقة العسكري. وهو ما أيدته مصادر إعلامية سورية معارضة تحدثت عن مشاركة طائرات أمريكية في قصف مواقع “داعش” في محيط المطار المذكور.
لا توجد أدلة تثبت ذلك حتى الآن، لكن الفتور الأمريكي حيال دعم المعارضة السورية جدياً لإسقاط نظام الأسد، عزز لدى الكثير من المراقبين قناعةً مفادها أن الإدارة الأمريكية تفضّل نظام الأسد على كل الخيارات الأخرى البديلة له في سوريا، بدءاً من “داعش” بطبيعة الحال، انتهاءً بالمعارضة “المعتدلة” العاجزة عن حسم الميدان لصالحها في معظم المواقع السورية.
حتى الآن لا يبدو أن الأمريكيين في وارد الإقرار بأي تعاون مع الأسد، إذ يبدو أنهم يدركون معنى انقلاب كهذا في السياسة الأمريكية على علاقاتهم مع حلفائهم في دول الخليج وتركيا. والأخطر، أثر مثل هذا الانقلاب في تعزيز شعبية “داعش” في أوساط السُنّة المضطهدين في سوريا والعراق. فهذا الانقلاب سيُظهر الأمر وكأنه تحالف “صليبي – مجوسي” ضد السُنّة، يمكن لـ “داعش” أن تستثمره بقوة لجذب المزيد من المتحمسين لمشروعها.
لكن في حقيقة الأمر، فإن الإقرار الأمريكي العلني بالتعاون مع الأسد في مواجهة “داعش” غير ضروري لتعزيز شعبية الأخيرة في بعض الأوساط “السُنية” التي تشعر بالمظلومية من الجانب الطائفي. فالتسريبات الإعلامية الآتية من وسائل إعلام موالية للنظام، مترافقةً مع تسريبات آتية من وسائل إعلام غربية، مترافقةً هي الأخرى مع شهادات عيان تدعمها وسائل إعلام سورية مُعارضة، تتحدث جميعها عن تعاون أمريكي مع نظام الأسد، كفيلٌ بتحقيق أثر الإقرار الأمريكي بالتعاون مع الأسد، دون وقوع الإقرار نفسه.
خلاصة ما سبق، أن التعاون الغربي مع نظام الأسد، حتى لو لم يتم الإقرار به، كفيلٌ بمنح “قبلة الحياة” لـ شعبية “داعش” في أوساط شرائح واسعة من “السُنّة” المكلومين في سوريا والعراق، وخاصةً في الأولى، حيث ما تزال براميل النظام تفتك بهم بصورة يومية، فيما ينشغل العالم بأكمله بضحية أمريكية واحدة حتى الآن.
“داعش” الذي لقي رفضاً في أوساط واسعة من السوريين جراء تطرفه واستبداده، يبدو أنه سيستعيد القبول به في تلك الأوساط سريعاً، إذا سارت واشنطن على نهج “مصافحة الأسد” سراً. في الوقت الذي تبدو فيه اللعبة مكشوفة للجميع.
وفي الوقت الذي يظن فيه الأمريكيون أن رفضهم الإقرار بالتعاون مع الأسد كفيلٌ بنفي تهمة التعاون عنهم، ينتشر فيروس “داعش” بسرعة ليجتاح أوساطاً اجتماعية وقبلية في سوريا، سريعاً. وفي هذا السياق، يبدو أن خبر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بخصوص تجنيد “داعش” لـ 6 آلاف مقاتل سوري جديد في صفوفها خلال شهر، تأكيد لنظرية انتشار “الفيروس الداعشي” بقوة. فمشروع “الخلافة” وفق نظريات “داعش”، سيكون المشروع الوحيد المُتاح للسوريين الرافضين للمشروع الآخر، مشروع انتصار النظام المُطلق في البلاد، تحت ظلال إيرانية، وبضوء أخضر أمريكي.
يدرك الغرب ذلك على ما يبدو، وإلا، لماذا سارع المسؤولون البريطانيون إلى تفنيد دعوات النائب البريطاني مالكولم ريفكايند للتحالف مع الأسد في “دحر داعش”، مؤكدين أنهم ليسوا في وارد ذلك أبداً. وهو تفنيد سبقته تصريحات لمسؤولين أمريكيين أكدوا الأمر ذاته. الغرب يدرك أن تحالفه مع الأسد سيعزز “داعش” ويوسع من الهامش الاجتماعي الذي يمكن أن يتقبلها ويمدّها بالمقاتلين الجدد.
لكن في تفاصيل قصّة التحرك العسكري الأمريكي الأخير، خفي المعالم، ضد “داعش” في سوريا، سواء على صعيد التعاون مع نظام الأسد في قصف مواقعهم، أو على صعيد الإنزال العسكري الفاشل بحثاً عن الصحافيين الأمريكيين المأسورين في قبضة “داعش”، تندرج حيثية أخرى، تتعلق بما توارد من مصادر إعلامية سورية معارضة عن كميات من السلاح والذخيرة دخلت من تركيا لصالح فصائل المعارضة المسلحة التي تواجه “داعش” في معركة ريف حلب الشمالي، إلى جانب ما ذكرته مصادر إعلامية عربية عن قيام النظام بقصف مواقع لـ “داعش” دعماً لـ “جبهة النُصرة” التي تقاتلها شمال حلب. فهل يعني ذلك أن هناك تحالفاً غير معلنٍ، بين نظام الأسد، وبين فصائل في المعارضة المسلحة السورية، ومنها “جبهة النُصرة”، وبين الأمريكيين وتركيا، والغرب والخليج، عموماً، ضد “داعش”؟…من المبكر جداً الخروج بهذه الخلاصة الآن، أو تقييم تداعياتها، ذلك لأن القراءة السائدة بقوة اليوم، هي أن الأمريكيين يراهنون على التعاون مع نظام الأسد لمواجهة “داعش”، وإن صح ذلك، فإن “مصافحة” أوباما – الأسد، النظرية، ستمثّل “قبلة الحياة” لـ “داعش”، الذي سيستفيد منها بقوة لتعزيز صفه، وجذب المزيد من المتعاطفين مع مشروعه المناوئ للغرب وللمحور الإيراني في آن.
المدن

 

 

 

أوباما ليس «غاندي» القرن الواحد والعشرين!/ مطاع صفدي
واضح انه ليس في السياسة ثمة تيار طامح إلى الهيمنة إلا وتصحبه موجة إرعاب وإرهاب، هادفة إلى تعطيل عمل العقل بقدر معين، وإيقاد بدائل الغرائز والانفعالات المباشرة لدى الكتل الجماهيرية الكبيرة والصغيرة. ما يقال عن فنون الحرب النفسية، وفتوحاتها المجيدة، خاصة في العصر الراهن، قد تبلغ قمة براهينها على أطروحاتها التعبوية مع إعلان أمريكا (بوش) الحرب العالمية على الإرهاب. فهل هذا الإعلان لا زال ساري المفعول بعد رحيل بوش، وتولية أوباما لعرش الإمبراطورية الآفلة. كان هذه الحرب كانت لها بداية ولن تكون لها نهاية. فلم يخض أوباما معارك أساسية طيلة سنوات حكمه المديدة ضد نشاطات إرهابية، سوى بعض البيانات الدبلوماسية الموقوتة بظروف طارئة في ساحات المشرق تحديداً.
هل ظهور داعش سوف يشكل دافعاً أو تبريراً فاصلاً لكي يجدد أوباما الإعلان البوشي القديم لنوع «الحرب العالمية» ضد الإرهاب. فالتعبئة الدولية والإقليمية للحرب إعلامياً، تبلغ درجات متصاعدة. هذا التصعيد الصوتي واللفظوي هل سيحتّم فرضَ المقدمات الضرورية لتدابير حاسمة على الأرض، أم انه سيقوم بوظيفة التغطية على فراغ الواقع من أية أفعال جدية. هل سيعمد أوباما إلى مسرحة الحدث المنتظر تمثيلياً بدلاً من تحقيقه مادياً، كعادته القديمة إزاء كل تحد مفصلي كبير عانته كوارث المشرق مع ثوراته المجهضة، وخاصة منها كارثة الثورة السورية، التي مارس عبرها أوباما كل الجوانب الخفية المشبوهة من مذهبه في ثقافة اللاعنف كشعار دعاوي، قد يعني كل ما يضاده على الصعيد العملي. كما كشفه أحد الصحافيين النابهين في كتاب صادر منذ أشهر قليلة في أمريكا، مثيراً ضجة مكبوتة بتحقيقاته الموثقة حول أعمال القتل الفردية والجماعية التي يرتكبها جهاز سري تابع مباشرة للبيت الأبيض، وقد تكفل هذا الجهاز باغتيالات سرية في أفغانستان وباكستان. فهناك آلاف من أمثال هذه الضحايا ومن قضت عليهم الطائرات بدون طيار في هذين البلدين وفي اليمن. كل هذا العنف الدموي يناهض الفلسفة المعلنة عن تجنب الحروب، لكن ما تجنّب عنها حتى الان هي غزوات الجيوش المعلنة، وأما الإبادة السرية، فلها فلسفتُها الخاصة وطقوسُها، وأجهزتُها (الرئاسية) المعدّة والعاملة في الخفاء عن مؤسسات الدولة الدستورية؛ هذا إلى جانب أخطبوط الاستخبارات المتشعب بأذرعه ونشاطاته المتغلغلة خاصة في مجتمعاتنا العربية ومؤسساتها ليس السياسية فحسب، بل الإعلامية والثقافية والإقتصادية فان أوباما ليس من سلالة زعيم سياسة اللاعنف غاندي. وما تسميه وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، بالسياسة الذكية، تحققها الممارسة الأوبامية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، والشروع في تدمير الكيان التنظيمي والعقائدي للثورة السورية ما ان اتضح إمكان نجاحها السريع منذ أشهرها السلمية الأولى، والخوف من انقلاب ميزان القوى مع إسرائيل خاصة. فكان على أوباما ان يقدم شواهده المخزية من أساليب التلاعب بمصائر الثورة من وراء ظهرها، وفي كل منعطف من تطوراتها الواعدة.
أخيراً مع استنزاف العنف (الثوري) والمضاد لمعظم جولاته التي أمست شبه عادية وعقيمة بدون نتائج حاسمة، فاجأ داعش الجميع بمذهب الهمجية القروسطية المطلقة. فما حيلة أوباما إذن وهو يشاهد قطع رأس الصحافي الأمريكي المسكين، هل يمكنه ألا يفهم، مثلما فهم مجتمعه والعالم أجمع، ان ذلك المشهد الفظيع مُصمَّم أصلاً على استهداف صميم الكرامة الأمريكية، وانه يشكل قمة التحدي لشخص الرئيس بالذات ومذهبه المعلن عن اللاعنف. كان لسان حال المجتمع الدولي أمسى يتساءل: كيف يمكن التغلب على قُطّاع الرؤوس إلا بقطع رؤوسهم؟ فالعالم يكاد يدخل الحرب الكونية على الإرهاب دون ان ينتظر حتى الإعلان عنها من قِبل من سيكون قَائدها في البيت الأبيض، لكن أوباما لن يسير إلى ميادين هذه الحرب القادمة وحيداً، يريد ان يورط معظم العالم معه. بدءاً من الدول العربية نفسها، المتهمة في معظمها بالتنشئة التربوية والرعوية لكل حركات العنف السابقة والمواكبة لداعش وزملائه، وبدءاً من داعش نفسه.
أقطاب الغرب من قادة فرنسا وبريطانيا، ومن مجمل الطبقة السياسية الأمريكية، هؤلاء في معظمهم لم يعودوا يخفون آراءهم السلبية في السياسة الخارجية لأوباما. حتى ان الرئيس الفرنسي أعلنها في تصريحه الإعلامي المباشر محملاً مسؤولية الظاهرة الداعشية لترددات سياسة البيت الأبيض حيال منعطفات ثورة سورية. هؤلاء جميعاً يعتبرون ان دبلوماسية أوباما عملت بكل طاقتها في سورية على طرح العملة الزائفة من المعارضة لتطرد العملة الصحيحة؛ فلم تكن أفعال تلك الدبلوماسية تائهة أو مترددة، كما تتبدَّى مظاهُرها الإعلامية. هنالك خطة محكمة تتبع مبدأ ان تُظهر مالا تُبطن وان تبطن مالا تظهر. والخافي في الثورة السورية هو تحويلها إلى مقتلة كبرى لها ولشعبها. حتى إذا ما يئس الجمهور من أساليبها المتعثرة في الوقت الذي ينجو النظام، عدوّها من معظم الهاويات التي كانت بانتظاره، لم يتبق أمام شبابها الغاضبين والمفعمين حقداً وكراهية ضد استبداد السلطة وأفعالها المنكرة. سوى الالتحاق بأشد المحاور عنفاً وإيماناً أعمى بعقيدة الدم وحدها.
هؤلاء القادة الغربيون الذين مشوا وراء عصا الأوكسترا بيد قائدها الأسمر أوباما يعلمون في سرهم وعلنهم ان داعش لم تولد هكذا من فراغ ما إلا وكانت أشباح الأغراب، من أمريكيين وسواهم من بعض العرب، لاعبة أُولى في دهاليزه المظلمة. فالمسؤولية عن داعش وتطوراتها المحتملة القادمة من الأخطار الإقليمية والدولية اللامعقولة، لن يمكن بعد اليوم حصرها في نطاق الجغرافية العربية، وان نظرية البدائل بالإسلاميات المعتدلة كتغطية لإجهاض ثورات الربيع الديمقراطية، قد أثبتت تهافتها مع اندحار موجات «الأَخْوَنة. انطلاقاً من مصر، ومتابعةً في ليبيا واليمن وتونس، بل ان البديل شبه المحتوم عن ولادة الديمقراطية العربية الحقيقية، هو هذه الفوضى الهائلة من همجيات القرون الأولى التي أصابت حتى الان أقطاراً كثيرة، ولسوف يأتي الدور على البقية مهما تعددت وسائل المكافحة المصطنعة من مثل شعار الحرب العالمية على الإرهاب. فهذه الموجة المشؤومة التي كان فرضها بوش الصغير على المجتمع الدولي، والمنطقة العربية بصورة خاصة، لم تحصد كنتائج فعلية سوى تلك النقلة الرهيبة من نوع الإرهاب الفئوي المحدود، إلى هذا النوع الراهن من الإرهاب الجذري المزود بالجيوش الجرارة والأسلحة الميدانية، والقادرة كذلك على انشاء دولة خلافة إسلاموية.
فما هو التغيير القسري الذي سيصيب مفهوم الحرب العالمية على الإرهاب، ان لم يكن تعديلاً شمولياً في طبيعة هذا المفهوم وفي وسائله، هل سيكون عليه ان ينتقل من ذلك الطور الأمني في مكافحة حركات فئوية محدودة، إلى مرحلة مقاتلةِ جيوشٍ ضد جيوش. وهل سيكون على أوباما نفسه، وهو في نهايات رئاسته، ان يتبوأ منصب القائد الأعلى لما سيشبه حرباً عالمية ثالثة! أليست هذه النهاية لمذهب اللاعنف في السياسة الدولية، لتصبحَ الحرب الشاملة، هي النتيجة المحتمة لسياسة طمر الرؤوس في رمال الصحراء لكي لا ترى عيون القيادات عواصف الرمال الزاحفة نحوها بعزم وثبات منقطع النظير.
لكن قبل حلول هذه المصائر الكئيبة تعلو أصوات زعماء وقادة ومفكرين في ضفتيْ الأطلسي من أوروبا إلى أمريكا تطالب أوباما بالعودة السريعة إلى ساحة المفاصل الأساسية لكل هذه الكوارث الواقعة أو المتوقعة. لم يعد يجدي أوباما الدفاع أو حماية النظام السوري تحت شتى ألاعيب المسرحة الدبلوماسية المكشوفة. فمن أجل إبعاد نار الثورة عن وكر الأفاعي، تُرك لهذه الأفاعي ان تخرج من جحورها وان تسرح وتمرح في ساحات المشرق كله.
الجميع يشيرون إلى الوكر المظلم المفّرخ لمصائب المنطقة.. والكل هنا في الغرب، وليس في المشرق وحده، يعتقد ان الربيع العربي قد أُغلقت كل أبوابه منذ ان أُغلقت بوابتُه الرئيسية ما بين دمشق وبغداد. فإذا كان ثمة من وسيلة للخلاص من داعش، وكل داعش آتية، فلن تكون سوى إشادة تجربة واحدة ناجحة على الأقل لما يسمى بالديمقراطية العربية الحقيقية. فهي الدولة الموكول إليها وحدها ان تستعيد معاني دولة الخلافة الأصلية، حيثما كانت الحقيقة والعدالة تهلان دائماً من عيون الصحابة الراشدين، وتبنيان صروح المؤسسات العامة، وترعيان قوانين الحرية والمساواة الطبيعية بين الأفراد والشعوب. لكن أية ديمقراطية في هذا الليل المُدْلهمّ ان لم تنهدم قلاع الاستبداد على رؤوس طغاتها، من عمق هذا المشرق أولاً. تلك هي حقيقة بسيطة يعرفها أوباما منذ ان قرر الإجهاز على الثورة السورية. لكنه اليوم لن يعرف كيف سيتردد رأسه بين حقائقها الواضحة وظلالها الزائفة. أيامه، بل ساعاته القادمة هي الفاصلة.
٭ مفكر عربي مقيم في باريس
القدس العربي

 

 

 

أوباما وبشّار في خندق واحد!/ الياس حرفوش
كان العنوان في الجريدة البريطانية صادماً: الغرب على وشك المشاركة مع قوات بشار الأسد في وجه تنظيم «الدولة الإسلامية». بعده جاء إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في إطلالة أولى بعد غياب طويل، أن حكومته مستعدة للتنسيق «مع الجميع» لمكافحة إرهاب «داعش». وأن أي جهد دولي للتصدي لهذا التنظيم يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية.
لم يعد هناك مجال للاختباء خلف الأقنعة. ها هي دمشق على استعداد الآن لقطف ثمار الزرع الذي أشرفت على نموه طوال ثلاث سنوات. في آذار (مارس) 2011 نزل المعارضون السوريون بصدورهم العارية إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح. نظرية محاربة الإرهاب لم تكن سائدة يومها إلا على لسان حكام دمشق، وكان لا بد لتحويل النظرية إلى واقع من الإمعان في القتل لتعزيز التطرف في صفوف المعارضة على حساب المعتدلين في «الائتلاف الوطني» و»الجيش السوري الحر»، الذين كان يمكن أن يشكلوا بديلاً للنظام يكون مقبولاً إقليمياً ودولياً.
التقت أهداف الأسد مع السياسات التي اعتمدتها إدارة باراك أوباما ومعظم الحكومات الغربية تجاه أطراف المعارضة هذه، والتي تمثلت بالتخلي عنها وتركها وحيدة في مواجهة براميل الأسد وقذائف طائراته. واليوم نرى نتيجة سياسات التردد والتسويف والقراءات الخاطئة التي اعتمدها الغرب تجاه الثورة السورية وسواها من أزمات المنطقة. الورم يكبر وينتشر وأميركا ودول الغرب تتفرج. ولا تجد هذه الدول أن واجبها هو التدخل لإجراء الجراحة أو على الأقل لمساعدة وإسعاف الجرّاحين إلا عندما يصل الورم إلى الجسد الأميركي.
هكذا لم ينتبه باراك أوباما إلى نمو «داعش» ولا إلى تزايد موجات التطرف داخل قوى المعارضة السورية إلا عندما أخبروه عن الشريط الذي بثه «داعش» لقطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي. ماذا يمكن أن تسمى قرارات كهذه سوى أنها أنانية ومصلحية، لا يعني لها شيئاً قتل ما يقارب 200 ألف مواطن سوري، ولا تهتز إلا عندما يصل السكين إلى رقبة مواطن غربي؟ هل من يستغرب بعد ذلك أن يطالب «داعش» بمئة مليون دولار لإطلاق الرهينة الأميركي؟
تخلى باراك أوباما عن السوريين وعن ثورتهم بعد أن رسم «الخط الأحمر» وأخذ يحدد للرئيس السوري مواعيد الرحيل. وقبل ذلك كان قد تخلى عن الالتزامات الأميركية تجاه العملية السياسية في العراق، وعقد صفقة ملغومة مع إيران، سمحت بإعادة نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة سنة 2010، على رغم خسارته الأكثرية الضرورية لتولي المنصب. الأسد اعتبر أن السياسة الأميركية ضوء أخضر له لإخضاع السوريين وإجبارهم على القبول به رئيساً مدى العمر. والمالكي اعتبر الصفقة ضوءاً أخضر لتهميش السنّة في العراق واستعداء الأكراد وتحويل العراق إلى ولاية إيرانية يحكمها قاسم سليماني.
لم ينشأ تنظيم «داعش» من فراغ. نتحدث كثيراً عن ثقافة التطرف التي تسمح لأفكار إرهابية مجرمة مثل أفكار «داعش» وأمثاله بالنمو. ولكن، كيف السبيل لمحاربة تيارات كهذه سوى بدعم جماعات الاعتدال ومساعدة القوى القادرة والطامحة إلى تبني هذه القيم وبناء الدولة المدنية؟
لم يكن تنظيم «داعش» موجوداً في سورية عام 2011. وفي العراق، كان السنّة هم الذين قضوا على أسلاف أبي بكر البغدادي، مثل أبي مصعب الزرقاوي وصحبه، من خلال القرارات التي اعتمدها جورج بوش (أجل جورج بوش!) والجنرال ديفيد بترايوس، والتي أنشأت «الصحوات» التي تولت قتال المتطرفين والإرهابيين ودحرهم، قبل أن يتخلى المالكي عن «الصحوات»… ثم تنسحب قواته من وجه «داعش» الذي استولى على الأسلحة التي تركها الأميركيون في يد الجيش العراقي، فتحولت إلى أدوات للذبح والتهجير.
القرارات المتأخرة توازي في خطرها القرارات الخاطئة. وها هو تمدد «داعش» يفرض اليوم على الجميع إعادة حساباتهم، وربما عضّ أصابعهم أيضاً. الجنرال مارتن دمبسي رئيس أركان الجيش الأميركي يعترف أنه لن يكون ممكناً القضاء على «داعش» في العراق، من غير التصدي له في سورية أيضاً. ماذا سيعني هذا سوى أن يتحول قتال «داعش» إلى معركة يخوضها الجيش الأميركي إلى جانب جيش بشار الأسد، أو على الأقل لمصلحته، بعد أن سمح التخلي الأميركي عن المعارضين السوريين المعتدلين أن يصبح «داعش» و»جبهة النصرة» القوى الوحيدة الفاعلة اليوم في وجه قوات الأسد؟
الحياة

 

 

 

علاقة «داعش» بالنظرية النسبية لأينشتاين/ زياد العسلي
«داعش» لها بُعد علمي ايضاً. هذه الظاهرة تثبت صحة نظرية أينشتاين بإمكانية الانتقال عبر الزمن. فهؤلاء لا ينتمون الى القرن الـ21، كما قال الرئيس أوباما. والكثيرون وصفوهم بالمغول الجدد الذين ملأوا الارض قبل اكثر من 750 عاماً بجثث الأبرياء ولم تسلم منهم حتى الكتب والحيوانات. الإبادة الجماعية كانت سلاحهم في الماضي. وهي نفسها الآن تُشرع في وجوه الآلاف من العرب في العراق وسورية ولبنان وربما في دول وشعوب اخرى اذا لم يتم وقفها. هؤلاء احفاد أولئك. وقد انتقلوا الى زمننا هذا من خلال ثقب فضائي اسود.
لا بد من ان يكون هذا التفسير العلمي اقرب الى الواقعية، وإلا كيف تفسر المتعة التي تعتري عناصر «داعش» بنحر المئات من الشباب العراقيين والسوريين (مسلمين سنّة وشيعة وإيزيديين ومسيحيين)؟
إنها كائنات مغولية عابرة للأزمان كانت تقاتل في صفوف جيوش هولاكو خان فضلّت الطريق ودخلت بعدها في ثقب أسود أوصلها الى هذا العالم. فرقة مُغيرة أفلتت من فصول كتب تاريخ الحروب البشرية الكبرى ابتداءً من عام ٨٠٠٠ قبل الميلاد لتحط في مضارب العصر الحديث الذي يقول عنه عالم الاجتماع الاميركي المعروف ستيفن بينكر انه يشهد انخفاضاً مشهوداً في حدة العنف مقارنة بالماضي.
تبدو أخبار سبي نساء الإيزيديين في سنجار وكأنها اقتطعت من ملحمتي الالياذة والأوديسة، لواقع الاغريق قبل نحو 3200 عام بما فيها من تعامل وحشي مع النساء كغنائم بشرية وظيفتها إشباع الرغبة الجنسية للرجل وسد جوعه وغسل ملابس أمراء «داعش» وحاشيتهم بعد إجبارهن على اعتناق دين جديد مبني على الايمان والاقتناع الفكري.
هل إن واقع «داعش» هذا وانفصامها عن واقع العالم المعاصر يفسران صمت العرب والمسلمين إزاء هذا العنف الفاحش المقترف؟ «لا ينتمون إلينا، هؤلاء أغراب، ولا يعنينا فعلهم، ولا ندري من أين جاؤوا»، هكذا ربما كان لسان حال الكثيرين في الشرق الاوسط.
ولأولئك الذين يبحثون عن الفاعل في بيت الجيران كلما احترق قِدرُ عشائهم، ربما يُرضيهم ان نتخيل ان اميركا هي من خرم هذا الثقب الاسود الفضائي بتكنولوجيا سرية لا تعلم بها إلا نخبة ضئيلة من علمائهم. لكن قبل ان نذهب بعيداً بهذه التفسيرات النابعة من شطحات الخيال العلمي، فلننظر الى ما بين ايدينا لعلنا نرى جرحنا الدامي الذي لم يندمل منذ قرون، وهو ما سبقنا فيه اغلب دول العالم الاخرى.
ولا يعوزنا التشخيص، ففي هذه الصفحات نفسها كتب حازم صاغيّة، فضلاً عن آخرين كُثر، تحليلاً مركزاً للمشهد العربي والإسلامي الذي يسحق «الآخر» بالإبادة والغزو والسبي والاستلاب. إنه تزاوج بين أصالة الهمجية وحداثة الوسائل في ظل تواطؤ أنظمة وشعوب واختيارها «الصمت والانكار…» في التعامل مع هذا المشهد المريع.
فكم ملأنا الدنيا، ضجيجاً واستهجاناً وإدانةً لجرائم الاحتلال الاميركي للعراق وتلك التي تقترفها اسرائيل، وهي ادانة مبررة، ولكن الحقيقة المؤلمة اننا (العرب تحديداً) نركن إلى الهمس في ادانة جرائم الفاتكين منا بالمستضعَفين بيننا. نتقبل بإفراط من التفهم أفظع الجرائم إذا ما ارتكبت باسم السماء، وأحياناً اخرى بحجة حماية الوطن او المقاومة او الكرامة المهدرة، فنُجرد بذلك أنفسنا من المعايير الإنسانية كما نجرد منها ضحايا تلك الجرائم.
سبب «داعش» كامنٌ فينا. وإلا كيف اجمع الأزهر الشريف ومفتي السعودية ومفتي لبنان والمرجع السيستاني مع البابا فرانسيس الاول على الدعوة الى مقاتلة هذه الفرقة؟ احد التفسيرات انهم يدركون خطورة هدف «داعش» ومحاولتها إيقاظ الصراع الديني والطائفي في المنطقة والعالم.
هذا النوع من الصراعات الدينية غادر منصات المجتمعات المدنية في العالم منذ سنين طويلة. اصطلت ألمانيا ومعظم أوروبا بنار هذه الحروب في النصف الاول من القرن الـ17، في ما اصطلح عليه «حرب الـ30 عاماً» الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي تُعد من أعنف فصول الشر البشرية في هذا المضمار. القتل والسلب والتدمير الشامل للقرى والمدن أدت الى انخفاض حاد في نسبة الرجال في القارة، ما دفع ببعض الحكومات الى السماح بتعدد الزوجات لزيادة النسل.
لقد سعى قادة جهاديون ومنهم الزرقاوي الذي أخرج «داعش» من رحم القاعدة الى استدراج الجيوش الغربية لما رأوا انها معركة حاسمة وحتمية ستقع بين الجيوش «الصليبية» والإسلامية في المنطقة المحصورة بين الموصل وحلب، وتحديداً في مدينة دابق السورية التي سيطر عليها «داعش» أخيراً بعد اعلانه الخلافة.
فهل دفع الخوف من هذا السيناريو البابا فرانسيس الاول (فضلاً عن تهجير المسيحيين من الموصل وقتل الإيزيديين في سنجار والتركمان في تلعفر) الى دعوة قادة المسلمين الى استنكار جرائم «داعش»، قائلاً إن الصمت إزاء قطع الرؤوس والصلب والرجم وسبي النساء وبيعهن في سوق الرق يضر بصورة الدين الذي تدّعي «داعش» الدفاع عنه؟
الحقيقة ان المعركة ليست مع «داعش» وحدها، بل مع العسكرة المغلفة بإطارات إسلامية متطرفة والتي طاولت مجتمعاتنا، ومنها ما يفرزه «حزب الله» اللبناني وميليشيات طائفية من نعرات وشحنات عصبية تلتقي مع «داعش» في التعجيل بإيصال المنطقة الى المحرقة الجماعية.
ينبغي توظيف الفرصة التاريخية التي وفرتها الدينامية المنبثقة من أحداث الشرق الاوسط الأخيرة لتصويب المنحدر نحو التحزب الديني والطائفي والقبلي ولبدء النقد الذاتي والحوار حول المبادئ والأفكار والروابط الانسانية لبناء مجتمعات قابلة للبقاء وعلى التنافس مع مكونات العالم الحديث ومعاييره الانسانية. لذلك لا بد من موقف واضح وحاسم إزاء هذا المنعطف التاريخي في حياة هذه الشعوب. ولكن هذه ليست مواجهة اسلحة وعنف فقط بل عقول وثقافات ايضاً. ولن تُحسم هذه المواجهة من دون خلق واقع اقتصادي جديد في المنطقة يردم الهوة بين شرائح المجتمع المختلفة ويقلل الفارق الهائل بين الدول العربية والإسلامية والعالم المتقدم.
فاليوم آتٍ حين يقول الناس ناظرين الى الوراء: «كان هنا «داعش». لعله يأتي والناس على قمة التل، لا في قعر الوادي.
* رئيس فريق العمل الاميركي من أجل فلسطين، واشنطن
الحياة

 

 

 

مَن مع مَن ؟/ امين قمورية
دولة ابو بكر لم تنجح فقط باسقاط سياسات وحدود وطموحات، لم تكتف باستباحة بقاع واسعة من الاراضي تمتد من الموصل والانبار الى الرقة ودير الزور وصولا الى مشارف عرسال، لم تشبع من قطع رؤوس الجنود العراقيين والسوريين وسحل الايزيديين والشبك وتهجير المسيحيين، لم ترتو من دماء الشيعة ومعارضيها السنة ومن تدمير المقامات واقتلاع الحضارات وكبح المستقبل واعادة مجتمعات باكملها الى مجاهل التاريخ، لا بل نجحت ايضا في تظهبر مشهد اقليمي جديدا ان لم يكن دوليا كذلك.
أربكت دولة أبو بكر كل اللاعبين وأصحاب المشاريع كبارا وصغارا، وضعت الجميع على صفيح ساخن، أحرقت أقدامهم ولسعت أصابعهم. كشفت هشاشتهم وضعفهم. أفشلت الجيوش الكبرى والميليشيات الرديفة. أظهرت مكنونات التعصب والكراهية التي تسود مجتمعاتنا وحجم الامراض التي تنخرها وعقم السياسات وعجز الحكومات وغياب الدساتير بعد اعدامها في وضح النهار في ظل صمت الجميع. كشفت ان العراق وسوريا ليستا وحدهما دولتين منهارتين، بل ان جميع الدول في المنطقة ايضا فاشلة وشبه منهارة. الجامعة العربية مقطوعة الرأس. مجلس التعاون الخليجي مرعوب من مارد ما كاد يصفق لنهوضه ضد مناهضيه في العراق وسوريا حتى خاف من زحفه الكاسح نحوه. أما ايران حارسة أحلام الشيعة من باكستان الى اليمن، فتجد نفسها مطوقة في عقر دارها العراقي الذي ما انفكت تحاول الامساك بكل مفاصله تحت جناحها، فتعيد حساباتها بكف يدها الحديد في المنطقة قاسم سليماني وازاحة رجلها القوي في بغداد نوري المالكي وارسال مساعد وزير خارجيتها الى الرياض، وتحاول عبر حوثيي اليمن المساومة على ما فقدته في العراق.
مجلس الامن بلا حيل وأوروبا مرتبكة وروسيا مشتتة بين اوكرانيا وسوريا. وعيون الجميع على اميركا الحائرة التي عزلت نفسها بنفسها عن المنطقة. يهتفون ضدها وفي الوقت عينه يتلمسون ودها لتخليصهم من المصيبة التي حلت بهم. يتهمونها بايجاد هذا البعبع ثم يستنجدون بطائراتها لحماية كراسيهم من هجومه الكاسح. يرجمونها بكل الاوصاف ثم يناشدونها قيادة حرب جديدة على الارهاب.
من سيتحالف مع من في الحرب الكونية المعلنة على دولة أبو بكر؟ هل سنرى السعودية وايران في حلف واحد؟ وهل يكون الاسد شريكا وقائدا ميدانيا كون سوريا هي مسرحها الابرز؟ هل يعقد المتحالفون صفقة كبرى تعيد التوازن بين الدول الاقليمية بحسب حجم كل منها ودورها الطبيعي ام انهم اعجز من أن يقدموا تنازلات ملحة وضرورية لحل المشكلات الكثيرة والمعقدة؟
القضاء على دولة أبوبكر ومثيلاتها رهن بصفقة كهذه وبالحد من الرهانات الخاطئة واضعاث الاحلام الطموحة.. وإلا فان نماذج ابو بكر حاضرة على امتداد الخريطة من المحيط الى الخليج.
النهار

 

 

هل بدأ “الخليج” تقليص تمويل “داعش”؟/ سركيس نعوم
لم يعد “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف بـ”داعش” في حاجة إلى تمويل منظَّم كي يستمر في “حربه الجهادية”. ففي سوريا أمَّن لنفسه موارد مالية جراء سيطرته على حقول نفطية وغازية. وفي العراق زاد هذه الموارد بعد سيطرته العسكرية بمساعدة فعلية من غالبية السنّة هناك على ثلث البلاد والمرافق النفطية فيها. وهذا الأمر سيستمر على رغم قرار مجلس الأمن منع ذلك بالإجماع لأن هناك جهات دولية واقليمية وشركات ومنظمات “مافيوية” جاهزة دائماً لخرق القرارات الدولية وخصوصاً إذا كان يؤمن لها أرباحاً مالية فاحشة. ولأن المموِّلين لم يحققوا أهدافهم النهائية بعد على رغم نجاحهم في العراق أخيراً بسبب فشلهم في سوريا. وهم لا يزالون متمسكين بتحقيقها. ويفرض ذلك عليهم متابعة الدعم المالي الذي يمكِّن “داعش” من الاستمرار في العمل، ويبقيها في الوقت نفسه ملتزمة الخط الذي قرّره الداعمون. فضلاً عن أن نفقات الحرب كبيرة جداً وخصوصاً بعد اتساع الجغرافيا “الداعشية” في العراق وسوريا، وفي ظل الموقف الدولي الداعي إلى تجفيف منابع تمويل التنظيم المتطرِّف والإرهابي. إلا أن ذلك كله لا يلغي التساؤل الذي يطرحه يومياً المواطنون في سوريا والعراق ولبنان بل في العالم العربي والإسلامي والعالم الأوسع عن هوية المموِّلين. علماً أن هذا التساؤل يكون صادقاً وبريئاً عندما يطرحه المواطنون، ويصبح خبيثاً عندما تطرحه الجهات الدولية والإقليمية. ذلك أنها تمتلك بالملموس المعلومات والمعطيات التي تجعلها تعرف الجواب عن تساؤلها.
أما الجواب عن التساؤل المذكور أعلاه فيقدمه متابع أميركي مزمن للأوضاع في منطقة يعرف طبيعتها ومشكلاتها وأنظمتها، كما يعرف علاقات أنظمتها وارتباطاتها السرية والعلنية في آن واحد. وهو يفيد أن المملكة العربية السعودية والدول العربية في الخليج عموماً هي التي تموِّل المتطرفين من التنظيمات الإسلامية في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق وحتى لبنان، ولكن في صورة غير رسمية. ويعني ذلك أن الممولين قد يكونون أفراداً أثرياء ورجال أعمال ومال وجمعيات وهيئات. لكنه يعني في الوقت نفسه أن التمويل ما كان ليحصل لولا معرفة ملوكهم والشيوخ، بل لولا موافقتهم الضمنية. ويبرر المتابع الأميركي ذلك باقتناع القادة المذكورين أن المتطرفين الإسلاميين، كما الأشد تطرفاً بينهم، هم السلاح الأفضل الذي يستطيعون به محاربة الطموحات الإيرانية في المنطقة. وهذا الاقتناع لا يزال ثابتاً بدليل استمرار التمويل والدعم المتنوع وذلك على رغم بدء تغيُّر الموقف الدولي الرسمي (مجلس الأمن) منه. ويعني ذلك أن ارتباط استمراره بموافقة الملوك والشيوخ لم يعد ضرورياً. لكن بعد عودة الأميركيين عسكرياً إلى العراق، على رغم خجل هذه الخطوة حتى الآن على الأقل، واعتبار الكثيرين في المنطقة أن من أهدافهم دعم العشائر والحركات السنّية الدينية والسياسية التي شكَّلت بيئة حاضنة لـ”داعش” وحمايتها وفصلها عنه، وبعدما بدأ الإيرانيون يرون بأم العين الخطر الذي وضعوا أنفسهم فيه بسبب طموحاتهم المبالغ فيها جداً، بعد ذلك كله بدأ زعماء الخليج العرب وفي مقدمهم العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز التحرُّك لتطويق أي أخطار “داعشية” على المنطقة. علماً أن ذلك لا يعني أبداً حتى الآن تخلياً عن الأهداف التي تساهلوا مع “داعش” كي يحققها أو تفريطاً بالذي تحقَّق منها. وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن هذا التنظيم وأشقاءه وحلفاءه صاروا أقل اعتماداً على مالهم بعدما ملأوا خزائنهم من الأموال التي سطوا عليها في العراق ومن الضرائب التي يفرضونها على المواطنين ورجال الأعمال والمال ومؤسساتهم، ومن النفط الذي يبيعونه تهريباً طبعاً إلى الأتراك وآخرين. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه أنه يزيد من قدرة “داعش” ومقاتليه على التحلُّل من ارتباطات والتزامات أخذوها على أنفسهم أمامهم (قادة الخليج). كما يسمح له بمحاولة تنفيذ “أجندة” خاصة به تناقض سياساتهم وأهدافهم. ولذلك فإنهم وفي مقدمهم العاهل السعودي سيبقيه تحت عين المملكة كما يقال، وسيكون جاهزاً لممارسة الضغط عليه من خلال إقناع أشقائه في منطقته بالتوقف عن تمويله. ونجاحه في ذلك يعتمد على نجاحه في إقناع المؤسسة الدينية في بلاده، ولا سيما بعض مراجعها الكبيرة ذات التأثير الواسع، بتجنب التنظيمات الإسلامية المتطرِّفة والأشد تطرُّفاً باعتبارها عدوة للإيمان بل للإسلام. ومن شأن ذلك تقليص عدد مموِّليها إلى حد كبير بسبب الخوف من العقاب على الأرجح.
النهار

 
النظام السوري يندفع في حملة “التعويم” مكاسب بالنقاط على وقع “الرفض” الغربي/ روزانا بومنصف
برّر وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيطرة داعش على مطار الطبقة في الرقة بانه “عندما رأت القيادة ان هناك خطرا على الجنود افرغت القاعدة وتم سحبهم الى مكان آمن وهذه امور تحدث في كل الدول”. هل هذا الانسحاب من حيث توقيته وظروفه هو من اجل تشجيع الدول الغربية والاقليمية على التعاون مع النظام وتاليا تعويمه بالاستناد الى المؤتمر الصحافي الذي عقده المعلم مؤكدا استعداد بلاده للتعاون والتنسيق مع الدول الاقليمية والدولية لمحاربة تنظيم داعش؟ هذا لا يبدو مستبعدا بعد مواقف غربية اميركية واوروبية في عطلة الاسبوع استبعدت احتمال التعاون مع بشار الاسد من اجل محاربة داعش ردا على اقتراحات ومواقف تقول بان حتمية مواجهة داعش تفرض عدم اقتصار ذلك على العراق بل مده الى سوريا. فأتت اتاحة الفرصة امام داعش للسيطرة كليا على محافظة الرقة بمثابة الحافز الذي قد يشجع او يضغط على الدول الغربية من اجل تعديل موقفها بناء على ان تنظيم الدولة الاسلامية يتوسع في سوريا ويسيطر على مدنها كما سيطر على الموصل والمدن السنية العراقية.
وضع المعلم النظام السوري في خط واحد مع القرار الدولي الذي صدر اخيرا عن مجلس الامن تحت الرقم 2270. وهو باعتراف خصومه ومؤيديه يلتقط لحظة مهمة تصب في مصلحته من اجل تثميرها في ما قد يؤدي الى اعادة الاعتبار له والاقرار بشرعيته بعدما آلت الامور في العراق وسوريا الى المنطق الذي رسمه للحرب التي يقودها منذ ثلاثة اعوام ضد شعبه اي محاربة الارهاب بعدما ولد تنظيم الدولة الاسلامية وكبر حجمه وامتد في المنطقة. وقد ضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، جهوده الى جهد النظام في توجيه الدعوة الى الدول الغربية والعربية الى تجاوز موقفها من الاسد والتعاون معه من اجل محاربة داعش. فيما اعلنت الخارجية الالمانية في موازاة موقف روسيا وموقف النظام السوري انها لا تعتزم التعاون مع حكومة الاسد واحياء العلاقات بسبب التهديد الذي يمثله تنظيم داعش، في حين اعتبر كل من وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ورئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الخميس الماضي ان الامر غير وارد بين واشنطن والنظام السوري لانه “جزء من المشكلة” وليس جزءا من الحل. وضم المدير السابق لوكالة الاستخبارات الاميركية مايكل هايدن صوته الى الرافضين للتعاون مع الاسد بقوله ان خيار التعاون معه مدمر. وهو الموقف نفسه الذي انسحب على وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي رد على دعوات بريطانية من اجل تجاوز الموقف من الاسد والتعاون معه من اجل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بقوله ان هذا الامر لن يساعد حتى لو التقت الدول الغربية مع الاسد موضوعيا في محاربة عدو واحد.
يكسب الاسد بالنقاط من مجرد توسع المطالبة في بعض العواصم المؤثرة بتجاهل ما ارتكبه وما يستمر يرتكبه والتعاون معه من اجل مواجهة توسع الدولة الاسلامية وسيطرتها قياسا على المواقف المدينة له بالاجماع قبل بعض الوقت كما يكسب من الجدل حول الموضوع. ولعله يراهن على ان بعض الدفع نحو المزيد من انتصارات داعش في سوريا بعد العراق قد يجعل الدول الغربية تغير موقفها منه بعدما تطور موقف هذه الدول من مطالبته بالرحيل الى السكوت على استمراره وعرض تعاونه في هذا الاطار والذي لا بد منه للنجاح كما حرص المعلم على توضيح ذلك. كما يراهن على الحاجة الى التعاون مع طرف داخلي حدده وزير الخارجية الروسي بضرورة ان يكون التصدي لداعش بموافقة الحكومات الشرعية في الدول المعنية. وهو يقصد بذلك انه كما ان حكومة حيدر العبادي شرعية في العراق ويستعد الغرب للتعاون معها فان ثمة ضرورة للتعاون مع حكومة الاسد التي يعتبرها شرعية فيما التعاون الدولي معها يجعلها كذلك حكما ما يساهم في تعويم النظام علما ان هناك نظريات تميز بين التعاون مع الاسد شخصيا وبين التعاون مع نظامه. وفيما يروج هذا الاخير عبر مؤيديه السياسيين في لبنان ان دعوته الى التنسيق معه انما تصب في اخراج التعاون الاستخباري الذي ينقل عن مسؤوليه حصوله الى مستوى التعاون السياسي والديبلوماسي، فانه يحاول الاستفادة من سياق متناسب للامور من اجل اعادة خلط الاوراق الاقليمية والدولية ازاءه من خلال ضرب الحديد وهو حام اي في ظل مناقشة في العواصم المؤثرة عن كيفية توجيه ضربات لتنظيم داعش في سوريا كما في العراق والسعي الى اظهار جانب التزام القرارات الدولية والاستعداد للتعاون من اجل دعم وجهة النظر القائلة بالتعاون معه. فيما يسري ايضا من جانب هؤلاء المؤيدين للنظام ان الدول العربية قد تكون مستعدة ايضا من اجل التعاون لدحر داعش ومنع توسعها الى ابعد من العراق وسوريا.
ثمة مترتبات كبيرة وخطيرة اذا انتهت الامور الى تعويم النظام السوري في حسابات الصراع الاقليمي الجاري في المنطقة. هل المواقف المعلنة حقيقية ونهائية وليست سقوفا عالية للتفاوض استنادا الى ما جرى في العراق وساهم في دفع بتحالف دولي الى الواجهة؟ الكثير من الانتباه وجه الى تغييرات ومواقف ايرانية واستعدادات عبرت عنها زيارة مساعد وزير الخارجية الايراني الى المملكة السعودية واعلان وزير الخارجية محمد جواد ظريف من العراق مواقف تتلاقى مع المواقف الدولية من الوضع فيه.
النهار

 

 

 

هل يفك «داعش» عزلة الأسد ويصالح إيران والسعودية
رأي القدس
أعلن وزير الخارحية السوري وليد المعلم امس استعداد حكومته للتعاون إقليميا ودوليا لتطبيق القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن بشأن مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في محاولة واضحة لاستغلال المعطيات السياسية والأمنية الجديدة على الأرض لفك عزلة النظام وإعادة تأهيله سياسيا.
وشدد المعلم على ان التعاون الأمني سيكون مشروطا بـ «احترام السيادة السورية» (أو مابقي منها)، وان حكومته يجب ان تكون «مركز هذا الائتلاف الدولي لمحاربة إرهاب داعش»، ملمحا إلى استعداد دمشق إلى استقبال قوات دولية لمقاتلة التنظيم «لأن الغارات لا تكفي ولايمكن ان يحاربوه بالمناظير» حسب تعبيره.
ولاحظ مراقبون ان النظام صعد مواجهته لقوات داعش في الآونة الأخيرة داخل سورية والعراق، في محاولة للظهور أمام الغرب وكأنه يتزعم الحرب ضد الإرهاب، رغم خسارته للمعركة الهامة حول مطار الطبقة العسكري التي فقد بسببها آخر وجود له في محافظة الرقة.
وحسب محللين ظهروا في قناة «الإخبارية» السورية الحكومية فان «الغرب يدرك جيدا انه لا يستطيع ان يستغني عن التعاون مع دمشق عندما يتعلق الأمر بمكافحة داعش أو الإرهاب بشكل عام في المنطقة». إلا ان ما لم يذكره هؤلاء ان السبب يكمن في ثمة علاقات قديمة تربط المخابرات السورية بزعماء داعش، وهو ما كان دعا إلى توتر العلاقات مع حكومة نوري المالكي قبل ان ينقلب «السحر على الساحر» خلال السنوات الأخيرة.
وفي غضون ذلك تتصاعد الضغوط على الساسة في الولايات المتحدة وأوروبا لاتخاذ القرار الصعب بالتحالف العملي مع الأسد ضد داعش، خاصة مع إجماع المسؤولين العسكريين على ان الغارات الجوية وحدها لا تستطيع ان تلحق هزيمة مؤثرة في التنظيم.
ودعا مالكوم ريفكند، وهو وزير دفاع بريطاني أسبق، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى التحالف مع الأسد كما «تحالفت بريطانيا في الماضي مع ستالين لالحاق الهزيمة بالنازي».
إلا ان سؤالا بديهيا يبقى قائما وبلا إجابة بسيطة، ان كان باراك اوباما الضعيف المتردد سيتخذ القرار بالعودة إلى «المستنقع الشرق الأوسطي»، ووضع قوات أمريكية على الأرض في سورية والعراق لمواجهة داعش؟
وفي مواجهة بروز ملامح هذا التحالف «الغربي – الإيراني السوري» ضد داعش، استشعرت المجموعة العربية من «دول أصدقاء» سورية الحاجة إلى وضع خلافاتها جانبا، والبحث في مقاربة جديدة، تضمن تحييد خطر التنظيم مع التأكد من ان ذلك لن يعيد الشرعية إلى نظام الأسد، ومن هنا جاء الاجتماع المفاجئ لوزراء خارجية دول الخليج مع مصر في جدة قبل يومين.
ويبدو ان الدعوة للاجتماع التي جاءت من القاهرة تمهد لمقاربة سياسية جديدة للأزمة السورية، تقوم على التسليم بعدم إمكانية إسقاط النظام عسكريا، في مقابل تنازلات سياسية تتعلق باسلوب الحكم، وطبيعة النظام نفسه إلا ان هذه تبقى مجرد تكهنات يصعب تطبيقها على الأرض، في ظل حالة انسداد سياسي.
ويبدو ان طهران تتطلع إلى تعظيم المكسب السياسي من الغرب نتيجة تعاونها ضد داعش، بتوسيع ذلك التحالف إذ أرسلت نائب وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض امس، بعد فترة من التوتر السياسي تخللها رفض وزير خارجيتها جواد ظريف دعوة رسمية لزيارة السعودية.
وتمثل هذه الزيارة، وهي الأولى منذ تولي حسن روحاني الرئاسة في إيران، بداية تقارب مهم مع الرياض قد ينعكس على ملفات إقليمة ساخنة من اليمن إلى لبنان.
ولا يمكن إنكار ان التفاعلات السياسية تبدو وكأنها تدفع باتجاه فك عزلة نظام قتل نحو مئتي ألف، وشرد نحو نصف شعبه خلال السنوات الماضية. إلا انه من الصعب على المراقب ان يتصور ان ينجح هكذا نظام دموي في ان يغسل يديه من كل هذه الدماء، أو ان ينجح في ترميم شرعيته مهما أقام من تحالفات أو حظي بدعم على أسس طائفية.
وعلى أي حال، فانه لأمر مأساوي ان يجد الشعب السوري نفسه رهينة بين سندان «داعش» وأخواتها من جماعات إرهابية، ونظام لا يقل إجراما وإرهابا عنها.
وحتى إشعار آخر، يبدو ان سورية ستظل «ساحة حرب» ليس فقط لمكافحة الإرهاب، بل وتصفية حسابات دولية وإقليمية وداخلية.
القدس العربي

 

 
“داعش” صدّام حسين/ نذير رضا
يتشابه نظاما الرئيس العراقي صدّام حسين، و”دولة” ابي بكر البغدادي، بتقييد الإعلام. كلاهما يخاف الرأي الآخر. كلاهما يريد احتكار الخبر والصورة. الشمولية البعثية العلمانية، توازيها شمولية إسلامية دينية، بفارق 11 عاماً فقط، عاش خلالها العراقيون ثورة إعلامية بلا ضوابط. حرمانهم إنقلب فوضى تعويضية. حتى صدر القرار الذي إنقسم حوله قادة “داعش” أنفسهم اليوم، بمنع الساتلايت والموبايل.. وشبكة الإنترنت.
إنقطعت صحون “الدشّ” في سوريا ولبنان في ربيع العام 2003، بعد إسقاط القوات الأميركية نظام صدام حسين. الطلب فاق العرض بمئات المرات. كان العراقيون يتهافتون على “الساتلايت”، بعدما حرمهم منه نظام صدام لأكثر من ثماني سنوات. وأعقبت ذلك، فورة محطات فضائية، قاربت المئتي قناة دينية وسياسية وترفيهية، علمانية وقومية ومذهبية، في العام 2010.
التعويض عن الحرمان العراقي لمشاهدة التلفاز، والإعلان عن الرأي السياسي والطائفي، تمثّل في فورة غير منضبطة، إتسعت مع تطور الوسائط التقنية وبروز مواقع التواصل الإجتماعي. تزيد اليوم المواقع الإلكترونية العراقية عن 500 موقع. وتقدر بالآلاف الصفحات العراقية، على تنوعها، في مواقع التواصل الإجتماعي. حتى تنظيم “داعش” نفسه، إستثمر في المواقع، قبل أن ينقل ناشطون عراقيون اليوم أن “داعش” بصدد منعها بأكملها، من دون تعليل.
فقد أفاد العراقيون في محافظة نينوى العراقية، بحدوث خلاف حاد بين قادة “داعش” بسبب فتاوى حاول التنظيم الارهابي تشريعها، وتتضمن منع استخدام الإنترنت والساتلايت في المنازل والموبايلات الحديثة، ما أسفر حتى الآن عن سحب الأسلحة الخفيفة من بعض قادة التنظيم وحرق عجلة تابعة لقيادي.
الفتوى، لم تجد ترحيباً في محافظة نينوى، كما لم تجد فتاوى أخرى ترحيباً أيضاً. لكن ما الذي في وسعهم فعله؟ لا شيء. سيذعنون في النهاية.. وسيكررون الصمت الذي اختبروه إبان حكم صدّام. علماً أن التجربة الإعلامية بين النظام الأسبق، والظاهرة المستجدة، تتشابه في قواسم مشتركة كثيرة.
إحتكر نظام صدّام المادة الإعلامية. لم تخرج عن إطارها الرسمي. كل ما كان يصل، فتات غير موثق من ممارسات، نقلها مبعدون الى خارج البلاد. الموقف الرسمي، كان يُذاع كبيان رقم 1 و2 و3… عبر الشاشة المحلية الرسمية، وفي الإذاعات والصحف الثورية. عُزل الشعب عن العالم، بمنع الشاشات… ومُنعت أي محاولة لافتتاح صوت آخر.
واليوم، يريد “داعش” الإنطلاق من الإجراء الأخير، بموازاة إطلاقه حملة إرسال بيانات رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي في دولته، عبر الإيميل، الى صحافيين خارج العالم العربي. كل نشاط أو قرار، يُعلن عنه بالبريد الإلكتروني. وفي داخل “الدولة”، تتولى إذاعتا “داعش” في الموصل العراقية، والرقة السورية، إذاعة البيانات. كما سيتولى إذاعتها تلفزيون ينوي “داعش” إفتتاحه قريباً!. أتاح للصحافيين وسائل إعلام رسمية، توجه وتعالج وتقدم المادة “الخاضعة للرقابتين الدينية والسياسية”. وفي ظل الأنباء عن نيته حجب المواقع الإلكترونية والهواتف الذكية، فإن إصدار وسائل إعلام ورقية، بالإنكليزية والعربية (ولغات أخرى إذا اقتضى الأمر) بات مبرراً.
وحجب مواقع التواصل، يتزامن مع منع التنظيم من التواجد على شبكتين سبق أن إستخدمهما حتى الصميم. “فايسبوك” و”تويتر”، أعلنتا مكافحة حسابات التنظيم، فضلاً عن حجب موقع “يوتيوب” لمقاطع فيديو “تخالف سياسة الموقع”. وعليه، يُحيد “داعش” من الإستفادة من الإنترنت؟ بل على العكس. ينقلب عليه. وهو ما يبدو سياقاً لمنعه، كي لا يوظف في مكان غير مرغوب فيه.
وكان التنظيم أنشأ تطبيقاً يمكّن عناصره من التغريد عبر حسابات المستخدمين الذي يتسجلون للدخول إلى “تويتر”، إضافة إلى مقاطع الفيديو التي تصور بتقنية عالية الوضوح وتهدف إلى الدعوة للانضمام إلى التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً “تويتر”.
وبعد إبعاد “داعش” عن الموقع، سيجد العراقيون المقيمون في مواقع سيطرة التنظيم، أنفسهم، أمام نظام ديكتاتوري جديد، لا يماثله إلا نظام كوريا الشمالية، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يستخدم شعبها أجهزة الموبايل. وبين صدّام و”داعش”، 11 عاماً من الفوضى الإعلامية، ساهمت في إيصال التنظيم الى الأرض.. كما نفوس مؤيديه.
المدن

 

 

 

الأسد واستثمار «داعش».. مرة أخرى!/ طارق الحميد
كما هو متوقع، وكما كتبنا هنا الأسبوع الماضي، انتفض نظام الأسد لاستثمار الحرب على «داعش»، وهذه المرة على لسان وزير خارجية الأسد الذي أعلن استعداد النظام للتعاون مع المجتمع الدولي في ذلك، مع تهديده بأن توجيه ضربات ضد «داعش» دون تنسيق مع الأسد هي «عدوان»، وكأن الأسد و«داعش» شيء واحد.. والحقيقة هم كذلك!
اللافت في التصريحات الأسدية هذه أنها تأتي متزامنة مع تصريحات لوزير الخارجية الروسي تطالب بضرورة التنسيق مع الدول المعنية، مع قوله إن الغرب سيضطر للاختيار بين تغيير الأنظمة أو مكافحة الإرهاب، وهذه لعبة مكشوفة؛ فالغرب لم يتحرك ضد «داعش» عراقيا إلا بعد اشتراط رحيل نوري المالكي، وهو ما حدث، فلماذا يكافأ الأسد الأكثر إجراما! وعلى كل حال فقد سارعت ألمانيا لإعلان رفضها التعاون مع الأسد، وهو ما فعلته بريطانيا من قبل، ومثلها تصريحات أميركية متفاوتة بنفس الصدد، كما رفض اجتماع أصدقاء سوريا في السعودية التعاون مع الأسد.
وعليه، يبقى السؤال الأهم وهو: كيف تجب مقاتلة «داعش»؟ بالطبع لا بد من جملة أفكار، وأحدها هو ضرورة الإقرار بأن المعركة ضد «داعش» يجب أن تخاض متزامنة وعلى جبهتي العراق وسوريا. عراقيًا، بضرورة تسريع وتيرة الإصلاح السياسي، وتشكيل الحكومة، وبشكل متزامن مع إعادة إحياء مجالس الصحوات السنية وتسليحها، على غرار تسليح البيشمركة الآن، ليكون بمقدورهم جميعا، إضافة للجيش، مقاتلة «داعش» على الأرض، وتحت غطاء العمليات الجوية العسكرية، مع ضرورة أن يكون الهدف النهائي، وبعد سحق «داعش»، هو إعادة هيكلة الجيش العراقي، وتأسيس حرس وطني احترافي لاحتواء مجالس الصحوات السنية، والبيشمركة الكردية، وذلك لضمان عدم تسييس المؤسسات العسكرية، أو إدخالها بلعبة الطائفية، كما فعل المالكي.
أما سوريًا، فلا بد من الإسراع في تسليح الجيش الحر تسليحا نوعيا يضمن مقارعته لـ«داعش» وميليشيات الأسد على الأرض، وضرورة تزويد الجيش الحر بمضادات طائرات لتحييد طيران الأسد، وبالتالي توجيه ضربات جوية لـ«داعش»، على أن يتكفل الجيش الحر بمقاتلتها على الأرض، واستعادة المواقع التي تفقدها «داعش» في المعركة، وهذا الأفضل وليس التعاون مع المجرم الأسد. حسنا، ماذا عن إيران، وخصوصا بعد أن خصصت قاسم سليماني فقط لسوريا وأبعدته عن العراق؟ الواضح أن إيران تعتقد الآن بأن الأميركيين هم من سيتولى المعركة ضد «داعش» في العراق، ولذا قامت بنقل سليماني الخاسر إلى سوريا ليتفرغ لحماية الأسد، ولذا فإن التحرك ضد «داعش» عبر جبهتين متوازيتين، وكما أسلفنا أعلاه، من شأنه أن يجعل إيران أمام خيارين؛ إما التفاوض على رأس الأسد، أو التحالف مع «داعش»، وهذا انتحار سياسي بامتياز!
الشرق الأوسط

 

 
الداعشية وتبسيطيّات التعاطي بشأنها/ زيـاد مـاجد
ليس أسوأ من تقليل البعض من خطر “داعش” ومن انحطاط ممارساتها وإجرامها الظلامي سوى قول البعض الآخر إن “الداعشية موجودة في كل واحد منّا” أو إنها نتاج “طبيعي لثقافة مجتمعاتنا”. ذلك أن إخراج “داعش” من السياق الذي وُلدت فيه، في الزمان والمكان وأحوالهما، أو جعلها كائناً محتملة ولادتُه في أي لحظة وفي أي موضِع على امتداد ما يُسمّى “مجتمعاتنا” (هكذا ومن دون تردّد أو تمييز أو اعتبار أن ثمة اختلافات بين “مجتمعاتنا” تلك وداخل كل واحد منها قد يفوق الانسجام والتماثل فيها وفي ما بينها)، أو النظر الى “داعش” كمُنتج حتمي “لأنّنا هكذا” (ومرّة جديدة على اعتبار الـ”نحن” جماعة يتشابه أفرادها من إندونيسيا للمغرب ولا يتغيّرون على مدى العصور)، إنما هي سذاجة سياسية وثقافية إضافة الى كونها تهافتاً علمياً.
والأنكى أن هذه الأحكام التبسيطية والإطلاقية تُشبه ما يذهب إليه طرفان في شأن مجتمعات “منطقتنا”.
الطرف الأول هو “داعش” نفسها التي تحكم على المجتمعات حيث تعيش أكثريات مسلمة (سنّية) وِفق نفس الأحكام، كما أنها لا ترى للزمن فعلاً أو دوراً، محاولةً في العام 2014 اعتماد القرن السابع نموذجاً راهناً. والطرف الثاني هو عُتاة العنصرية في الغرب، من صغار كتّابٍ وسياسيين وأكاديميين، ممّن يُحيلون أيّ أمر يحدث في أي وقت وأي ظرف وفي أي مكان يقطنه مسلمون الى نفس التنميطات والأحكام والمشروطيّات.
هكذا، تجد من يعتبر حادثة صِدام بين شبّان في حيّ شعبي دليلاً على “أصالة الداعشية عندنا”، أو من يرى في همجية عددٍ من المشجّعين في مباراة كرة قدم تأكيداً على “واقعية داعشيتنا”، فيعدّون الأمرَين مشابِهين لمعارك سياسية ومذابح تُرتكب في العراق وسوريا. علماً أن العنف في بعض المباريات الأوروبية يمكن أن يفوق عنف بعض الجمهور “العربي” في مباريات فرقه، وعلماً أيضاً أن لحظات الاحتقان الاجتماعي والسياسي يمكن أن تولّد في أي مكان في العالم ينتفي فيه القانون وحضور الدولة ظواهرَ عنفٍ أو رِدّة فظيعة.
أما “الداعشية” فشأن آخر له آباؤه وظروف تقدّمه وانحساره. وهو سرطان فعلي ينمو حالياً في بعض الشرائح الاجتماعية في أكثر من بلد عربي لأسباب صريحة ولأمراض متفاقمة ليس الإسلام نفسه في فهم الكثير من المسلمين (وغير المسلمين) له بمنأى عنها. وهو مرتبط بلحظة تاريخية وبقدرة على الاستفادة من مقدّرات مالية وإعلامية وعسكرية وتكنولوجية تُتيحها أزمنتنا الراهنة التي يصعب على الـ”داعشية” أصلاً أن تعيش من دونها. وكل تحويل لـ”داعش” الى مجرّد امتداد بديهي لظواهر عنف متفرّقة ومتناثرة يُعفي الأنظمة الطاغية في المنطقة، كما بعض التيارات الدينية والأحداث الجسام وتطوّراتها في العراق وسوريا تحديداً، من مسؤولياتها في توفير الأوضاع التي تلدها وتعزّزها.
بهذا المعنى، تؤدّي المبالغة التي تعتبر أيّ ظاهرة عنف مقدّمةً أو سبباً لظهور “داعش” الى جعل الداعشية حالة عادية، في حين أنها نقيض ذلك. وادّعاء “النقد الذاتي” أو اكتشاف مكامن عنف في “المجتمعات” لا يقدّم ولا يؤخّر في تفسير ظاهرة خطيرة ومركّبة كالظاهرة الداعشية التي تلتهم اليوم ألوفاً من البشر، وسيرافق القضاء عليها يوماً ما التهام الألوف الآخرين…
موقع لبنان ناو

 

 

 

أمريكا تقصف داعش وروسيا تربح/ علي العائد
ظاهر الأمر أن السياسة الخارجية الأمريكية استعادت زمام المبادرة بعد توجيهها ضربات جوية لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق، لكن تصريحات كل من وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اليوم، تبطن أن الزمام لايزال في يد روسيا التي تدفع باتجاه صفقة ما تنتهي بفوز روسي بالنقاط.
هذا ممكن السياسة العالمية في الرقعة السياسية السورية – العراقية بعد صعود نجم “داعش” بهذا الشكل السافر وغير المفاجئ على المستوى السياسي إلا للؤمراقبين الذي يحللون، أما طباخو السياسة فلابد أنهم كانوا ينتظرون أن تنضج “داعش”، أو تكبر، ليكون إنجاز القضاء عليها خبراً يستحق المتابعة، ويمكن تسويقه أمام مواطني الدول الغربية، خاصة بعد نحر الصحفي الأمريكي جيمس فولي.
منطوق كلام المعلم في مؤتمره الصحفي الحاشد بحضور وسائل الإعلام المحلية، والمرضي عنها من وسائل الإعلام الأخرى، محبط لأنصار النظام، فمن عادة السياسة الخارجية السورية أن تبرم صفقات استسلامها في الأقبية، لكن المعلم رحب صراحة بالضربات الجوية القادمة لمواقع داعش والنصرة في سوريا، مشترطاً التنسيق مع السلطة السورية لتكون الضربات ناجحة. ما لم يقله المعلم قاله لافروف باشتراط موافقة السلطة القائمة في سوريا والعراق، والمحافظة على وحدة واستقلال هاتين الدولتين.
واضح أن التنسيق بين المؤتمرين جرى بدقة، ولا مجال للمصادفات هنا.
لافروف يبحث عن صفقة، لعل موظفيه يعملون عليها مع موظفي الخارجية الأمريكية، قبل أن تظهر على السطح، كلاماً، أو فعلاً، في قادم الساعات والأيام.
أمريكا حسمت ترددها حين وصلت سكاكين داعش إلى حلق الإقليم الكردي في العراق، وبريطانيا بدأت بتقديم الدعم اللوجستي لهذه الضربات الجوية، بينما لا تجد إسرائيل نفسها مشغولة كثيراً بحربها المستمرة على غزة، ووجدت الوقت لترسل طائرة تجسس تحوم فوق مفاعل ناتنز في إيران.
العمل العسكري الجوي الأمريكي بدأ حتى قبل أن تعلن الإدارة الأمريكية توجيه ضربات جوية لداعش في العراق، على عكس الضربة الجوية لداعش في منطقة العكيرشي في الرقة في 8 تموز (يوليو) الماضي، التي لم يعلن عن فشلها في تحرير صحفي أمريكي إلا قبل يومين.
أمريكا تضرب ثم تعلن، بينما روسيا تعلن وتتشدد وتشترط، وهذا ما فعلته حين أدارت عملية سلخ شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا في الشتاء الماضي. فعلت روسيا ذلك بهدوء أمام الصراخ الأوكراني والأوروبي والأمريكي، وتفعل الآن فعلها في شرق أوكرانيا بدعم الانفصاليين من وراء ستار.
روسيا ليست مضطرة تماماً حتى الآن للتنازل في الملف السوري، وملفها الأوكراني لايزال في يدها، لكن وضع الأسد بعد خسارته رابع أهم قاعدة جوية في سوريا (مطار الطبقة) قد يجعلها تتنازل، فليس وارداً أن تتدخل روسيا عسكرياً لحماية نظام الأسد، لكنها ستضغط ما أمكنها ذلك لتحصل على صفقة تخفف الضغط السياسي والاقتصادي عليها في الملف الأوكراني، ومقابل ذلك ستحصل أميركا على يد حرة لتنفيذ ضربات جوية ضد داعش في سوريا، وربما لضرب قوات الأسد مباشرة، أو بشكل غير مباشر عبر دعم الجيش الحر بسلاح فعال يقلب موازين القوى لصالح الثوار السوريين.
ما يشير إلى هذا التحليل بقوة هو استشعار الأمريكيين ضعف الموقف السوري، ومن أمامه الموقف الروسي، وربما لن يطول الأمر بإيران حتى تنضم إلى محور الضعف السوري – الروسي، بعد أن أبدت “تفهماً” و”تنسيقاً” مع أمريكا في ضرباتها الجوية لداعش في العراق.
أما داعش التي تتقدم في سوريا نحو الغرب في حماة وحمص لتصافح جبهة النصرة هناك، فإنها “تتمدد”، لكنها غير باقية بالتأكيد كقوة عسكرية، وبعد القضاء عليها كتنظيم عسكري على الأرض ستعود لتعمل خلاياها النائمة من تحت الأرض ربما. غير أن هذا لن يطول أيضاً، فالفكر الذي يحمله التنظيم مرفوض بنسبة كبيرة من السوريين عموماً، وممن اضطروا ليكونوا رعاياها في محافظة الرقة خاصة، وبريق المال الذي نثره “الدواعش” بالأمس في احتفالهم بطرد قوات النظام من مطار الطبقة سيذهب سريعاً.
موقع 24

 
إعادة توظيف الدعشنة!/ جهاد الرنتيسي
تراوح الخطوط “الحمراء” و”الخضراء” التي تضعها الإدارة الأمريكية لتحديد هوامش “داعش” بين “فوضى الأجندات” و”الانتقائية” التي تحكم آليات التعاطي الغربي مع ملفات المنطقة، ومن بينها ملف التطرف الديني، وإفرازاته.
تهجير المسيحيين في الموصل، بكل ما ينطوي عليه من عنصرية وانتهاك لإنسانية الإنسان، واستهانة بحق الأقليات في حياة كريمة، لم يكن دافعاً كافياً لاتخاذ مواقف بعيدة عن الإدانة اللفظية.
الحسابات الأمريكية اختلفت مع نكبة الإيزيديين الجديدة، التي تجاوزت بشاعتها ما حل بالمسيحيين من سلب ونهب واستخدام القوة في تغيير المعتقدات، لتعيد إلى الاذهان نغمة المعايير المزدوجة.
لكن الغارات الجوية التي شنها الطيران الأمريكي لمنع مقاتلي داعش من الوصول إلى مدن الإقليم الكردي، لا تعبر عن انحياز لأقلية دون أخرى، وإن كان ظاهرها، الدفاع عن استقرار الإقليم الذي تعيش فيه وتحكمه أقلية ثالثة.
كان واضحاً بعيد الغارات الأمريكية الأولى على مدفعية “داعش” ومواقعه القريبة من الإقليم الكردي، وإلقاء بعض المساعدات للاجئين في الجبال، أن صانع القرار الأمريكي يعمل على حماية العملية السياسية الكسيحة في العراق، التي يعد الإقليم الكردي واحداً من مرتكزاتها الأساسية.
تكاد الصورة أن تكتمل، مع محاولة سبر أغوار الموقف الأمريكي من زاوية تعامله مع تنظيم داعش، باعتباره “داعشين” أحدهما في سوريا والآخر في العراق ولا علاقة لأحدهما بالآخر، رغم دور المحطة السورية في تطور التنظيم ـ الذي تشكل في العراق ـ واتساع نفوذه.
ففي البداية تجاهلت الإدارة الأمريكية دعوات المعارضة السورية الحليفة للتدخل على غرار ما يحدث في العراق، والضربات التي وجهها النظام السوري للتنظيم في محاولة لركوب قطار مكافحة الإرهاب، وتخبطت في تبريرها لهذا التجاهل حين حملت نظام الأسد مسؤولية ظهور “داعش”، وأعفت السياسات الطائفية التي اتبعتها حكومة المالكي من مسؤولية توفير الحاضنة الاجتماعية والسياسية لتطرف السلفية الجهادية.
في الحالتين “الداعشيتين” السورية والعراقية ـ إن كان الفصل بينهما ممكناً ـ تعي الإدارة الأمريكية أن الغارات الجوية المدعومة بإسناد أوروبي لن تكون قادرة على حسم المعركة، بالشكل الذي يؤدي لكسر شوكة التشكيلات العسكرية للسلفية الجهادية، التي باتت لاعباً في المنطقة.
لكن إدراك الإدارة الأمريكية وتقديراتها للخطر الذي يهدد العواصم الغربية، لا يمنعها من الاكتفاء بضبط إيقاع لعبة الموت والدمار في المنطقة، والحيلولة دون خروجها عن القواعد المحددة، بدلاً من رفع سقف الحرب على الإرهاب والتطرف الأصولي، ودفع الأطراف الإقليمية المترددة للمشاركة في خطوات جدية لإنهاء الفوضى التي تتجاوز مدياتها استقرار المنطقة، وتركيبتها الديموغرافية.
فلم يزل الموقف الأمريكي دون الاعتراف بسلسلة الأخطاء، التي هيأت لـ “أفغنة” التناقضات في العراق وسوريا، ويسعى إلى حلول “ترقيعية” تقوم بشكل أساسي على عمليات عسكرية واستخبارية أثبتت فشلها من قبل في التعامل مع تنظيم القاعدة.
غياب احتمالات الحسم، وإظهار “داعش” أمام جمهوره بصورة الطرف الذي يتعرض لضربات أمريكية بسبب معتقداته، دون مشاركة إقليمية فاعلة في مواجهته، يعني بالدرجة الأولى كسب جمهور جديد للتنظيم، بقاء الصراعات على السلطة، واستمرار محاولات الأطراف المتصارعة في سوريا والعراق خلق واقع جديد على الأرض، أبرز ملامحه تكريس حالة الانقسام، غياب السلطة المركزية القادرة على إخراج هذه الدول، من حالة اللاستقرار، ومن ثم إعادة توظيف السلفية الجهادية في المنطقة، وشيطنة العرب والمسلمين أمام الآخر الغربي لسنوات مقبلة.
موقع 24

 

 

 

لعبة “الإطفائي السوري”…هل تنطلي على أوباما؟/ خير الله خير الله
هل يمكن التنسيق في القضاء على “داعش” مع من كان وراء قيام هذا التنظيم الإرهابي؟ هل من يريد الدخول في لعبة النظام السوري، وهي لعبة لا يتقن غيرها وتُختزل بتصديره الإرهاب والمساهمة في تغذيته بغية إظهار نفسه في مظهر من يشارك في الحرب عليه؟ ربّما كان أفضل وصف للإسلوب الذي يتبّعه النظام السوري هو وصف الإطفائي الذي يشعل النار كي يطلب منه بعد ذلك إطفاءها.
هناك لعبة اسمها لعبة “الإطفائي السوري”. في كلّ تاريخه، سعى النظام السوري، أيّام الأسد الأب ثمّ الإبن، إلى اشعال الحرائق في هذا البلد العربي أو ذاك، خصوصا في لبنان والعراق، كي يُطلب منه إطفاءها.
كان يطالب في كلّ مرّة بثمن لمساهمته في لعب دور الإطفائي. للأسف الشديد، استطاع في أحيان كثيرة تحقيق مبتغاه بوجود ادارات أميركية رفضت التعاطي مع لبّ المشكلة واعتبرت أنّ في استطاعة النظام السوري الموجود منذ العام ١٩٧٠ التصرف بالطريقة التي تخدم مصالحه شرط ضمان أمن اسرائيل وبقاء جبهة الجولان مغلقة بإحكام.
على الرغم من كلّ ما يصدر في هذه الأيّام من تصريحات متناقضة عن مسؤولين في واشنطن وفي دوائر القرار الأميركي، من الصعب، أقلّه من الناحية المنطقية، إقدام الإدارة الأميركية على خطوة تصبّ في إتجاه التعاون مع النظام السوري والتنسيق معه في مواجهة “داعش”. هذا عائد أساسا إلى أنّ النظام لعب دورا أساسيا في نشوء هذا التنظيم الإرهابي بهدف واضح كلّ الوضوح.
ولكن، مع ادارة مثل إدارة باراك أوباما لا وجود للمنطق. سبق لهذه الإدارة أن وضعت خطا أحمر للنظام السوري الذي استخدم السلاح الكيميائي في المواجهة بينه وبين الشعب السوري الثائر. استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي قبل سنة. قتل مئات السوريين بهذا السلاح في وقت أقترب فيه الثوّار من دمشق. لم يجد أوباما ما يردّ به سوى التراجع والإكتفاء بالإستجابة للنصائح الروسية، أي القبول بنزع السلاح الكيميائي بدل ضرب مواقع تابعة للنظام. سمح الرئيس الأميركي بكل بساطة للنظام السوري بمتابعة حربه على شعبه بواسطة البراميل المتفجرة. صار قتل السوريين مسموحا به شرط أن لا يكون بالسلاح الكيميائي، علما أن ليس ما يشير بشكل أكيد إلى أن النظام تخلّي نهائيا عن كلّ ما لديه من مخزون كيميائي.
كان الهدف من قيام “داعش” برعاية مباشرة من النظام السوري تصوير الثورة السورية بأنّها حركة “إرهابية”. منذ اللحظة الأولى لإندلاع الثورة السورية، تحدّث النظام السوري عن “إرهابيين مدعومين من الخارج”، مركّزا على دول خليجية معيّنة وعلى تركيا. رفض الأعتراف بأن الثورة السورية هي ثورة شعب يبحث عن حرّيته وكرامته لا أكثر. كلّ ما في الأمر أن الشاب السوري الذي شارك في الثورة وجرّ أهله إلى الشارع كان يريد القول أنّه يرفض العيش بعد الآن في ظلّ نظام ذي طبيعة طائفية، نظام عائلي يعتبر السوريين عبيدا لديه. لا مؤسسات حقيقية في سوريا سوى المؤسسات الأمنية التابعة للعائلة الحاكمة التي مهمّتها تركيع السوريين وتحويلهم إلى مجرّد تابعين للعائلة التي شكّلت ما يشبه مجلس إدارة يشرف على كلّ شيء في سوريا، بما في ذلك الإقتصاد.
كانت هذه العائلة قبل أن تستستلم نهائيا لإيران تعتقد أنّها قادرة على الذهاب بعيدا في ادارة “مزرعتين” اسمهما سوريا ولبنان. كانت تفكّر في كيفية العودة إلى لبنان الذي خرجت منه في ٢٠٠٥ أثر تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه عن طريق “داعش” آخر، هو تنظيم “فتح الإسلام” الذي صنعته وهدّدت به اللبنانيين والجيش اللبناني. من أين جاء تنظيم “فتح الإسلام” من كان على رأس هذا التظيم الذي اراد إقامة “إمارة اسلامية” في لبنان؟ هل من يتذكّر شاكر العبسي الذي أُرسله النظام السوري إلى مخيّم البداوي الفلسطيني فور اطلاقه من سجنه السوري؟
كان الهدف من “فتح الإسلام” تصوير شمال لبنان بأنّه مرتع للإرهابيين وأن هناك حاجة للإطفائي السوري كي لا تكون هناك “إمارة اسلامية” في لبنان. لم تنطل هذه الحيلة لا على اللبنانيين ولا على أهل الشمال.
في مواجهة الثورة السورية، كان مطلوبا الرهان على نسخة أخرى من “فتح الإسلام” كي يصدّق العالم أن النظام السوري يواجه “إرهابيين” على حدّ إدعائه. ليست “داعش” سوى ارتكاب آخر من ارتكابات النظام السوري. كانت هناك نواة للتنظيم في العراق نفسه أيّام “ابو مصعب الزرقاوي” الذي أتى التخلّص منه بدعم اردني قبل بضع سنوات.
لكنّ “داعش” لم تستطع تجديد شبابها والتوسّع سوريا إلّا بفضل الذين أطلقوا من السجون السورية والعراقية بغية السماح لها بمحاربة الثورة السورية من جهة وتصوير السوريين بأنّهم “إرهابيون” من جهة أخرى.
لا شكّ أنّ “داعش” مرّت بتحولات في الأشهر القليلة الماضية. استفادت خصوصا من الغاء “حزب الله”، بطلب ايراني، الحدود بين سوريا ولبنان من منطلق مذهبي بحت. ألغت بدورها الحدود بين السنّة في العراق والسنّة في سوريا. الأهمّ من ذلك، أن “داعش” في معاركها الأخيرة التي توجت بالسيطرة على الموصل وتهجير المسيحيين والفتك بالإيزيديين، وجدت في المحافظات العراقية السنّية بيئة حاضنة. لم تعد “داعش” الحالية “داعش” التي خلقها النظام السوري بمباركة ايرانية.
على الرغم من ذلك، لا تزال “داعش” في خدمة النظام السوري. إذا كانت الميليشيات المذهبية العراقية تقاتل من أجل بقائه بمشاركة من “حزب الله”، فإنّ “داعش” توفّر له ما يمكن أن يحتاجه لتبرير عملية التطهير العرقي التي يقوم بها بواسطة البراميل المتفجّرة وما شابهها. الأهمّ من ذلك، أنّها توفّر للنظام السوري فرصة للإدعاء أنّه في مواجهة “إرهابيين” وأنّ التعاون معه يظلّ أهون الشرور بالنسبة إلى الغرب والولايات المتّحدة تحديدا.
هل تنطلي لعبة الإطفائي الذي يشعل النار بغية الإستعانة به لإطفائها على باراك أوباما؟
الأمر ليس مستبعدا كلّيا، خصوصا أن الأميركيين يقصفون “داعش” في العراق ولا يفعلون شيئا معها في سوريا، بل يتركونها تدعم النظام في المواجهة مع المعارضة المعتدلة الممثلة بـ”الجيش الحر”. لماذا لا يذهب أوباما إلى جذور الإرهاب في داخل دمشق حيث يحتمي أركان النظام السوري من الشعب السوري؟ إنّه السؤال المحيّر الذي يعكس رغبة في الإنتهاء من سوريا عن طريق تفتيتها. تلك تبدو المهمّة الأخيرة للنظام السوري الذي يعجز عن استيعاب أنّه انتهى، لكنّه مصر على أن تنتهي سوريا معه. من قال أنّ الإدارة الأميركية، بمباركة اسرائيلية مكشوفة، تعترض على ذلك؟

 

 

 

هل يساعد الأسد أوباما؟ واحد من خمسة أسئلة عن الحرب مع “داعش”
داعش، أو ما تعرف “بالدولة الإسلامية” في العراق وسوريا، أصبحت وجهاً جديداً للإرهاب الدولي في نظر الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
والآن يتم التركيز في أمريكا والخارج على ما يمكن أن يقوم به الرئيس باراك أوباما وباقي القادة بخصوصها، وهذه أسئلة رئيسية في القضية.
1- من قتل جيمس فولي؟
السفير البريطاني في الولايات المتحدة بيتر ويستماكوت، قال لـ CNN، بأنهم أصبحوا قريبين جدا من تحديد عنصر داعش الذي قطع رأس فولي، الصحفي الأمريكي الذي قبضوا عليه في سوريا عام 2012.
هو لم يستطع أن يفصل أكثر بشأن هوية القاتل، الذي ظهر في تسجيل فيديو وهو يقطع رأس فولي الأسبوع الماضي، ونشر التسجيل على موقع “يوتيوب”. وقال “نحن نعول كثيراً على البحث.” مشيراً إلى التقنيات المتطورة المستخدمة في تحليل صوت الرجل.
في الفيديو يظهر فولي، البالغ من العمر 40 عاماً، يجثو على ركبتيه بجانب رجل يرتدي ملابس سوداء، ويتحدث بلهجة قال عنها الخبراء بأنها لهجة انجليزية واضحة.
خبراء اللغويات يقولون بأن ذلك يستند إلى صوته، فالصوت يبدو لرجل دون الثلاثين من العمر، ويبدو من الشباب المتعلمين في بريطانيا، وربما من جنوب إنجلترا أو لندن.
2 – هل ستوسع الولايات المتحدة غاراتها على “داعش” وتستهدفهم في سوريا؟
يتزايد الضغط على الرئيس باراك أوباما لملاحقة “داعش” في كل من العراق وسوريا، وتجاهل وجود حدود بين الدولتين.
وزير الدفاع تشاك هاغل، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، كلاهما قالا الأسبوع الماضي بأن الحملة على “داعش” في سوريا هي الطريق الوحيدة لهزيمة هذا التنظيم السني الجهادي.
ويوم الأحد، أطلق الجمهوريون نداءات عدة لتقوم الولايات المتحدة بذلك تحديداً.
وبالنسبة لأوباما، الخطوة تعمل عكس قراره السابق برفض التدخل العسكري في سوريا بالرغم من الضغوطات من مستشاريه، بمن فيهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. ويقول محلل CNN لشؤون الأمن القومي، بيتر بيرغن، بأنه سيكون من الصعب هزيمة “داعش” بدون قوات برية، وهو الشيء الذي يعارضه أوباما بوضوح.
ويقول بيرغن بأن “أكثر المقاتلين فاعلية في سوريا الآن هي القاعدة، أو جماعات منشقة عنها، أو جماعات مثل حزب الله المدعوم من إيران.” وعليه بحسب بيرغن “إذا تدخلنا، ربما تساعد إيران وحزب الله في سوريا، وبالتالي نظام الرئيس السوري بشار الأسد.”
أوباما أرسل بالفعل مستشارين عسكريين إلى العراق، وأطلق غارات جوية لحمايتهم، وحماية الأقليات من بطش مقاتلي داعش التي تتمدد في شمال البلاد، ويقول المسؤولون في البنتاغون بأنهم يأخذون بعين الاعتبار خيارات توسيع الغارات الجوية لتشمل سوريا، ولكن القرار لم يتخذ بعد.
البيت الأبيض قال على لسان المتحدث باسمه الأسبوع الماضي، بأن أوباما سيتشاور مع الكونغرس قبل أن يتخذ خطوة مماثلة، وسيبحث كذلك عن تشكيل تحالف يتضمن حلفاء من المنطقة، وكذلك دعم الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي بحسب ما أوضح المسؤولون.
3 – هل سيساعد النظام السوري الذي يعارضه أوباما في محاربة “داعش”؟
أوباما يريد أن يكون الأسد خارج السلطة، ولكن الرئيس السوري الآن منخرط في حرب مدنية في مواجهة قوات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة، للقضاء على داعش.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال الإثنين بأن حكومته ستقبل دعم الولايات المتحدة والآخرين تحت مظلة الأمم المتحدة لمحاربة “الإرهابيين” وهي كلمة التي يطلقها لنظام على الجماعة التي تسمي نفسها الدولة الإسلامية، وتسعى لإقامة الخلافة في المناطق التي يسيطر عليها السنة في الشرق الأوسط. وفي كل الأحوال حذر المعلم من أي عمل أحادي الجانب، أو غارات داخل الأراضي السورية بدون إذن مسبق قائلا “أي جهد لمكافحة الإرهاب يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية.”
عرض الحكومة السورية المساعدة في الحرب على “داعش” يأتي بعد أن مكنت حكومة الأسد التنظيم من التمدد في سوريا، ومهاجمة قوات المعارضة التي تقاتل القوات الحكومية، ولكنها الآن أصبحت تحاصر أراض تحت سيطرة الحكومة.
قوات الأسد شنت مؤخراً غاراتها الخاصة على مواقع “داعش”، وهو ما يشبه الحرب بين عصابتين على المال، وهو في هذه الحالة حقول النفط التي تحتلها داعش، بحسب وصف فيدريك هوف الخبير بالشؤون السورية.
4 – هل سيهاجم “داعش” الغرب؟
بالنسبة للبعض في الولايات المتحدة، وخاصة منتقدي أوباما، فإن مهاجمة “داعش” للمصالح الأمريكية، وحتى الأراضي الأمريكية هي مسألة وقت، وليس إمكانية.
“داعش منظمة محلية قوية جداً، وربما هي أقوى منظمة إرهابية إقليمية،” بحسب ما وصفها رئيس المخابرات المركزية السابق ميشيل هايدن لـ CNN، الأحد، “ولكن لديها مطامع عالمية.. ولديها الأدوات.”
وليس واضحاً داخل مجتمع الاستخبارات ما إذا كان “داعش” بإمكانه الآن شن هجمات في الغرب ولكنه “عبر عن عزمه” على ذلك بحسب هايدن “ليس هناك طريقة أقوى في التعبير عن مسارهم المعتمد بين مجتمع الجهاديين، من النجاح في شن هجمات ضد الغرب.”
السيناتور ليندسي غراهام، أحد صقور الجمهوريين عن كارولاينا الجنوبية، قال لـ CNN الأحد، “حان الوقت الآن لافتراض الأسوأ بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، أكثر من محاولة فهمهم.”
5- هل يمكن وقف المال عن داعش؟
السطو على البنوك، الخطف، التهريب، بيع النفط في السوق السوداء، يشكل ذلك كله مصدر تمويل لداعش، وتمدد التنظيم بجميع الطرق.
يقول مسؤولون بأن الجماعة يمكنها الحصول على 3 ملايين دولار يوميا، عن طريق بيع النفط بسعر رخيص من حقول النفط التي تسيطر عليها في العراق، وكذلك سرقة الملايين من البنوك بما فيها البنك المركزي العراقي في الموصل.
الحلفاء الغربيون يمكنه تقليص دخل الجماعة عن طريق رفض دفع الفدية لمواطنيهم المختطفين، والضغط على دول المنطقة لمنع إرسال المواطنين الأثرياء بالأموال إلى داعش.
الولايات المتحدة تعمل مع دول المنطقة، بما فيها الكويت، وقطر، والسعودية، مثل هذا التمويل من القطاع الخاص، بحسب ما ذكرت المتحدة باسم الخارجية ماري هارف الأسبوع الماضي.

 

 

 

“المنحبكجية”..داخل ادارة أوباما/ حسين عبد الحسين
“لا يعني (ضرب الدولة الإسلامية داخل سوريا) تحالفا مع الأسد، بل ما نحتاجه ببساطة هو محاربة عدو للولايات المتحدة من دون التورط في الحرب الأهلية السورية”، يكتب السفير السابق في سوريا والعراق ولبنان ريان كروكر في “صحيفة نيويورك تايمز” هذا الأسبوع، مكرراً مقولة يرددها كثيرون داخل الإدارة الأميركية وخارجها ان مصير الأسد لا يعنيهم، بل أن دعوتهم لتوسيع الحرب الأميركية في العراق لتشمل أجزاء من سوريا يهدف فقط للقضاء على “الدولة الإسلامية”. لكن كروكر يكذب.
ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، كتب كروكر في الصحيفة نفسها مقالة حملت عنوان “الأسد أقل الخيارات سوءا في سوريا”، وجاء “انه حان الوقت للتفكير بمستقبل لسوريا لا يتضمن الإطاحة بالأسد لأن هذا في الغالب ما سيكون عليه المستقبل”. في تلك المقالة، اعتبر كروكر ان الرئيس باراك أوباما تجاوز “مبدأ أساسياً في الشؤون الخارجية” مفاده “أنك ان قدمت سياسة، عليك ان تتأكد ان لديك الوسائل لتنفيذها، وفي سوريا، من الواضح اننا لم نفعل ذلك”.
وكتب كروكر في ديسمبر: “لقد اسأنا تقدير قدرة الأسد وعلينا ان نقبل انه لن يذهب، وان البديل هو وقوع بلد عربي أساسي في ايدي القاعدة”. لكن النجم الدبلوماسي السابق قلل في المقالة نفسها من إمكانيات التنظيمات الإسلامية، واعتبر ان قوات الأسد الاحسن تسليحا وتنظيما ستستعيد كل سوريا، “ربما تحافظ القاعدة على بعض الجيوب في الشمال، لكنه سيحافظ على دمشق”.
هذا السفير، الذي تعتقده واشنطن أبرز خبرائها في الشؤون الخارجية والذي عهدت اليه إدارة العراق، توقع قبل اقل من سنة ان تتقهقر التنظيمات الإسلامية امام الأسد. ثم في اليوم الذي تلى انتزاع “الدولة الإسلامية” مطار الطبقة العسكري في الرقة من قوات الأسد، بعد معركة دامية، كتب كروكر ان على أميركا ضرب الدولة بغض النظر عن مصير الأسد، وهذا ليس انقلابا في موقف كروكر فحسب، بل يشي بخوفه من نجاح الإسلاميين بالقضاء على الأسد، ويريد ضمنيا ان تشارك اميركا في منع انهياره، ولكنه هذه المرة لا يقول ذلك صراحة.
والانقلاب في الموقف من رافض للتدخل الى مطالب بضرب اهداف تابعة “للدولة الإسلامية” في سوريا، كما في العراق، ليس حكرا على كروكر وحده، بل يمثل موقف عاملين في فريق أوباما، وان كان هؤلاء يتفادون الادلاء بمواقفهم علنا.
في مقدمة هؤلاء يأتي مسؤول الشرق الأوسط داخل مجلس الامن القومي الأميركي روبرت مالي، الذي قدم تصورا للأزمة السورية، قبل أكثر من عام وقبل تعيينه في منصبه، شبيهاً بموقف كروكر السابق والقاضي بأن لا جدوى من أي تدخل عسكري أميركي، وأن الحرب في سوريا لا تتعلق بسوريا وحدها، بل هي جزء من مواجهة إقليمية أكبر وأوسع، وان لا مصلحة لواشنطن بالتدخل فيها.
ومالي مؤيد قديم للأسد، وهو زاره في دمشق مرارا قبل وصول أوباما الى الحكم، وكان من أكبر الداعين لتبني “سياسة الانخراط مع الأسد” قبل اندلاع الثورة في آذار 2011. وفي شباط الماضي، عين أوباما مالي في منصبه الحالي، ويقول عاملون في الإدارة الأميركية ان مالي اليوم يؤيد توسيع الضربات الأميركية في العراق لتشمل سوريا.
وتصوير الثورة السورية على أنها جزء من منظومة إقليمية سياسة بدأت مع الأسد نفسه، الذي حاول منذ اليوم الأول انتزاع وصف ثورة عن الانتفاضة المطالبة بإنهاء حكمه، وقام بفرض تسميات عليها تراوحت بين اعتبارها تدخلا إقليميا في الشؤون السورية او تصوير قمعه لها وكأنه جزء من الحرب العالمية ضد الإرهاب.
كروكر، مالي، وكثيرون غيرهم من المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين، كرروا موقف الأسد نفسه، وقالوا انها ليست ثورة بل أزمة إقليمية، وان لا مصلحة لأميركا الدخول فيها، قبل ان ينقلبوا الى مطالبين بتدخل واشنطن لضرب “الدولة الإسلامية” التي يبدو انها صارت تهدد الأسد ونظامه الى حد ما، اذ على الرغم من تفوق قوات الأسد، وخصوصاً في الجو، انتزعت الدولة منه كامل محافظة الرقة تقريباً.
والى كروكر ومالي، يبرز رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، الذي خاض معارك شرسة اثناء اجتماعات فريق الأمن القومي برئاسة أوباما مصرّاً على ضرورة بقاء أميركا خارج الحرب في سوريا، قبل ان ينقلب في ليلة وضحاها الى مطالب بتدخل أميركي فوري وسريع في العراق، وهو كان الشخص الذي لعب دورا محوريا في اقناع أوباما بضرورة التدخل جويا في شمال العراق الغربي.
بعد التدخل في العراق، قال ديمبسي ان قواته قد توسع ضرباتها لتشمل اهداف “الدولة الإسلامية” داخل سوريا، فلاقى هجوما من سياسيين كبار كان في طليعتهم السناتور الجمهوري جون ماكين، المؤيد للتدخل الأميركي العسكري في سوريا منذ الأشهر الأول للثورة، الذي اتهم ديمبسي بالتقلب، فما كان من الأخير إلا ان تراجع نوعا ما، معتبرا ان الإسلاميين في سوريا لا يشكلون خطرا على أميركا في الوقت الحالي، وان خطرهم إقليمي فقط، وانه سيقدم توصيات بضرب أهدافهم في سوريا اذا ما شكلوا خطرا على بلاده.
لكن موقف ديمبسي شكل تناقضاً مع موقف رئيسه وزير الدفاع تشاك هايغل، الذي قال الأسبوع الماضي ان لدى “الدولة الإسلامية” جهوزية تناهز مقدرات “تنظيم القاعدة” قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وان خطر الدولة على واشنطن داهم، وان على أميركا التدخل لدرء هذا الخطر.
مثل الفريق المتناسق، يقف مؤيدو الأسد في واشنطن داخل الإدارة وخارجها، يتبنون الموقف نفسه، وينقلبون الانقلاب نفسه، وغالبا ما تكون مواقفهم صدى لمواقف يقرأها كثيرون او يسمعونها من الأسد ونظامه، او أن ذلك من باب المصادفة فحسب.
المدن

 

 
دمشق وطهران… ضد الإرهاب؟!/ عبد الوهاب بدرخان
“جاهزون، لكن أحداً لم يتكلم معنا حتى الآن، لأنهم غير جادين في محاربة الارهاب”. هذا ملخّص مداخلة وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم. طبعاً، هو ورئيسه متشجّعان بالتطوّرات التي يعتقدان أنها أثبتت صحة الرواية التي قدّمها النظام لحقيقة الأزمة. غير أن القوى الاقليمية والدولية تعرف الكثير عمّا جرى في سوريا، وتعرف خصوصاً أن النظام وحليفه الايراني عملا على تصنيع الارهاب للقضاء على ثورة الشعب السوري، وحتى الآن لا يزال هذا الهدف أولوياً لديهما. وهما يريدان اليوم أن يكونا جزءاً من تحالف دولي لضرب تنظيم “داعش” والقضاء عليه، لكن “داعش” ليس الشعب السوري، والمشكلة الاساسية للنظامين السوري والايراني هي مع هذا الشعب.
تساءل المعلم: “من يتصدّى لداعش والنصرة، أليس أبطال جيشنا العربي السوري؟”، والجواب هو أن المواجهات منذ 2012 حتى منتصف 2014 كانت بين “داعش” والمعارضة التي تملك وثائق خطية وصوتية ومرئية عن تنسيق بين قوات النظام والتنظيم الارهابي. أما المعارك الأخيرة فأظهرت أن “داعش” استغلّ ذلك التنسيق للتمكين والتغلغل، ثم انقلب عليه بعدما انجز فرعه العراقي السيطرة على الموصل وألغى الحدود ليلتحم مع فرعه السوري ويعملا معاً على تحقيق مشروع “الدولة الاسلامية”. والغريب أن التنسيق بين الجانبين لم ينقطع نهائياً، اذ استمر في نواحٍ في ادلب وحلب وأطراف حماه، كما لو أن كلاً منهما يسعى الى تفاهم على “ترسيم الحدود” بين دويلتين.
لا شك في أن أولوية محاربة “داعش” تطرح الحاجة الدولية الى النظام، وبالتالي تمنحه فرصة لتلميع “شرعيته” وتأكيد أنه يمثّل “السيادة” التي أصبحت بين مزدوجين منذ أعلن النظام حرباً على الشعب. لا بدّ من أن يحصل تنسيق وتعاون مع دمشق وطهران، لكن بأي صيغة؟ هذا ما لا يعرفه النظامان بعد. الملاحظ أن حسن روحاني ووليد المعلم ركّزا قبل يومين على اللازمة ذاتها: لا يمكن محاربة الارهاب من دوننا… ما يعني أن النظامين غير مطمئنين الى سير المداولات لتشكيل التحالف الدولي. لذا أبدى المعلم استعداد النظام للعمل في “ائتلاف دولي أو اقليمي أو من خلال تعاون ثنائي مع من يرغب”، وأرسل اشارات الى تركيا والسعودية، كما طرح شروطاً. ولا أحد يرغب في التعاون على أساس غضّ النظر عن جرائم النظام التي أوصلت الوضع في سوريا والاقليم الى هذه الهاوية الارهابية.
مشكلة ايران أنها متورّطة في العراق الى حدّ أن مشاركتها في محاربة الارهاب تؤدي الى نتائج عكسية، كذلك مشاركة نظام بشار الاسد في سوريا، خصوصاً أن مناطق “داعش” ليست تحت سيطرته. ومشكلة النظامين أنهما يستطيعان لعب دور سلبي ضد الحرب على الارهاب لكنه سيرتدّ عليهما، لذا هما مضطران الى “التعاون” حتى بصيغة غير مرضية لهما.
النهار

 
تنسيق مع رئيس دولة… أم “أمير حرب”؟/ سركيس نعوم
يعتقد النظام السوري أنه نجح أخيراً في إقناع المجتمع الدولي، وتحديداً أعداؤه فيه، بأنه يخوض في بلاده حرباً ضد الإرهاب الإسلامي الأصولي التكفيري الذي يهدِّد الأقليات المتنوِّعة والمعتدلين السنّة في المنطقة. ما دفعه إلى هذا الإعتقاد إعتراف مسؤولين أميركيين كبار بأن النجاح في ضرب “داعش” في العراق لن يُنجز إذا لم يُضرَب في سوريا أيضاً. وقد ترافق ذلك مع تحليلات سياسية – إعلامية لفت كاتبوها إلى احتمال بحث الإدارة الأميركية جدياً في هذا الأمر ليس لأنها لم تعد تعتبر نظام الأسد سيئاً بل لإنها تأكَّدت أن “داعش” والتنظيمات المماثلة هم الأسوأ، ولأن مقولة عدو عدوي صديقي صارت قاعدة في التعامل الإنساني والسياسي والعسكري.
وقد عبّر عن هذا الاعتقاد أخيراً وزير الخارجية وليد المعلم، إذ أكدّ أن “بلاده جاهزة للتعاون والتنسيق مع الدول الاقليمية والمجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب”، سواء من خلال “إئتلاف دولي أو تعاون ثنائي”. لكنه أرفق موقفه بشرط هو “ضرورة التنسيق مع الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد”. كما عبّر عنه حلفاء له في لبنان ولكن بأسلوب متشدِّد وفج وفوقي يناقض التهذيب المعروف عن المعلم، إذ طالبوا أميركا بالتراجع عن سياستها السورية، وهدّدوا بالحليف الروسي ودوره في مجلس الأمن للضغط على المجتمع الدولي، بغية ربط قيام التحالف الدولي لضرب الإرهاب “الداعشي” وأي إرهاب مماثل له بالعودة عن سلبيته الثابتة حيال نظام الأسد.
هل الاعتقادات المذكورة أعلاه في محلها؟
لا مجال لذلك، إنهم يحلمون، يجيب متابع أميركي مزمن للوضع في المنطقة ولا سيما للعلاقة السورية – الأميركية. فالرئيس باراك أوباما لن يتعامل مع الرئيس بشار الأسد ونظامه في ظل أي ظرف. وأسباب موقفه السلبي هذا كثيرة، منها أولاً أن محيط الرئيس السوري بأعضائه كلهم أو بمعظمهم مدرجون على لائحة العقوبات الأميركية. ولو لم يكن هو رئيساً للدولة لكان اسمه موجوداً على اللائحة نفسها. ومنها ثانياً أن الرئيس الأميركي سيخسر، في حال عودته إلى التعامل والتنسيق مع الأسد، ثقة حليفته الأساسية في الخليج المملكة العربية السعودية وسائر دوله، وفي الوقت نفسه ثقة المسلمين السنّة في العالم العربي والمنطقة أو على الأقل غالبيتهم. ومنها ثالثاً انه سيعرّض نفسه وإدارته كلها إلى إنتقادات كثيرة وعنيفة من الكونغرس الأميركي بمجلسيه ومن الغالبية الساحقة من أعضائه. وهم ينتمون إلى الحزبين الرئيسيين في البلاد الجمهوري والديموقراطي. ومن شأن ذلك تعريته، وفي الوقت نفسه إيقاعه في أزمة جدية في الإنتخابات النصفية للكونغرس التي ستجرى في خريف العام الجاري، كما في الإنتخابات الرئاسية المقررة في العام 2016. وبوادر تأثير الموضوع السوري على “الرئاسية” بدأت في الظهور إعلامياً قبل أشهر أي قبل “النجاحات” التي حققها “داعش” في العراق، وقبل متابعة القتال “الناجح” في سوريا (القلمون) رغم زعم النظام أن معركته انتهت ولمصلحته قبل أشهر. فوزيرة الخارجية في الولاية الأولى لأوباما وضعت مسافة بينها وبينه في “مذكراتها” التي نشرتها بعد استقالتها من منصبها، كما من خلال تصريحاتها الإعلامية الأخيرة. إذ قالت في الأول أنها ومسؤولون كبار في الإدارة عسكريون ومدنيون لم يكونوا مرتاحين لموقفه العملي من الأسد ونظامه رغم سلبيته السياسية تجاههما إعلامياً فقط.
إلى ذلك يقول المتابع الأميركي المزمن نفسه، لن تربح أميركا شيئاً من مساعدة الأسد بضرب المتشددين والإرهابيين في بلاده الذين صاروا يمتلكون أسلحة قادرة على إسقاط الطوافات العسكرية. أما أنصاره المراهنون على تعاون أميركي معهم فينطلقون من اقتناع بقدرتهم على المساعدة في ضرب “داعش”. لكن هذا الأمر ليس ثابتا. فنظامه ما كان ليبقى لولا مساعدة إيران وروسيا وتنظيمات لبنانية وعراقية، ورغم ذلك فإنه لم يستعد سورياً كما وعد، الأمر الذي اضطره إلى القول أنه نجح في الصمود. فضلاً عن أنه يتجاهل، أو ربما لا يعرف أن نظاماً اقليمياً قد انهار وتنهار معه كيانات وأنظمة، وأنه لا يستطيع المحافظة على نظامه سواء تعاونت معه أميركا أو لا.
هل يمكن الركون إلى هذه التحليلات التأكيدية؟
مع الدول الكبرى لا أحد يعرف. فالمصالح وحدها تحرِّكها. لكن إذا حصل تعاون ما يوماً ما فإنه قد يكون تعاون بين أميركا و”أمير حرب” يسيطر على قسم من سوريا وليس مع نظام ودولة ورئيس لها.
النهار

 

 

 

 

حسابات أميركا “الداعشية”/ راجح الخوري
يحتاج المراقب الى درجة عالية من الغباء لكي يصدّق ما نسبته “الواشنطن بوست” الى مسؤولين في “البنتاغون” من ان الاستخبارات الاميركية “لا تملك ولم تجمع حتى الآن” الإمكانات اللازمة لاستهداف قادة “داعش”، ولم تحصل على احداثيات كافية تساعدها على شن مجموعة من الغارات على ما يجري في العراق!
وسيكون المراقب عبيطاً اذا لم يعتبر ان تصريح وليد المعلم عن ضرورة التنسيق مع النظام قبل توجيه ضربات جوية، دعوة صريحة الى الأميركيين الى التعاون على قاعدة منا الاحداثيات ومنكم الضربات وعفا الله عما مضى منذ ثلاثة اعوام، والدليل انه أبدى استعداد النظام للتعاون مع اي جهة اقليمية او دولية بما فيها اميركا وبريطانيا، وهذه دعوة متكررة!
وليس خافياً ان هذا التعاون سيؤدي الى تعويم النظام قبل اغراق “داعش” و”النصرة” في الهزيمة، التي باتت مطلباً عاجلاً وملحاً على المستويين الاقليمي والدولي، وهذا ما سرّ قلب سيرغي لافروف الذي غيّبته اوكرانيا فعاد امس ليدعو الى التعاون مع النظام السوري لمواجهة الارهابيين!
ويزداد المراقب عباطة إن لم يتذكر ان اجهزة الاستخبارات الاميركية وضعت منذ بداية عام ٢٠١٢ خطة للتدخل في سوريا اسمها “الاسد المتأهب” تشارك فيها ١٨ دولة، سبق لها ان أجرت مناورات في الاردن، وكانت قد أشرفت على تدريب عدد من مقاتلي المعارضة في قواعد سرّية في الاردن، وهذا يعني انها تملك عملاء ومراقبين داخل الاراضي السورية.
ومن الصعوبة بمكان ان يصدق المرء ان “السي آي اي” من الحماقة الى درجة التعامي عن الأزمة الدموية التي دمّرت سوريا وأودت بأكثر من مئتي ألف قتيل وتكاد تحرق المنطقة، وأنها استيقظت فجأة على جريمة قطع رأس جيمس فولي المروّعة فاعتبرتها اعتداءً ارهابياً على اميركا ثم بدأت بإنشاء شبكات للتجسس في سوريا بحثاً عن قادة تنظيم “داعش”، وان الأمر قد يستغرق شهوراً لجمع المعلومات!
هذا الكلام يعني واحداً من اثنين، إما ان واشنطن تجد ان “داعش” لم تستكمل مفاعيل الذعر والدم بما يضع قطار التقسيم على سكة العراق وسوريا، لتكرّ سبّحة المنطقة كلها ويتم استقطاع دولة بديلة للفلسطينيين في جنوب سوريا وجزء من الاردن، وإما انها تبحث عن ذريعة للتعاون مع النظام السوري، وخصوصاً ان الإستغباء دفع عسكريي “البنتاغون” الى الزعم انهم يخشون ان يتصدى الاسد لطائرات “الدرون”، وهو الذي يقصفه العدو الاسرائيلي ويمضي ولا من يدري!
المانيا ردّت على المعلم بما يفترض ان يعلّم اميركا درساً في السياسة والأخلاق: “ارتكب النظام ظلماً لا يصدّق، هناك ٢٠٠ ألف قتيل، ومن الصعب جداً تجاهل كل هذا والقول: لأن “داعش” اسوأ من الأسد علينا التعامل معه”!
النهار

 

 

 

لتحالف يطيح “داعش” ويزيح الأسد/ موناليزا فريحة
لعلها المرة الاولى في تاريخ النزاعات تبدو الحرب واجباً أخلاقياً وخدمة للانسانية. صار استخدام القوة لوقف الابادة التي تنفذها “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا أكثر من مبرر كاف للعمل العسكري. ففي زمن استخدمت فيه الطائرات المدنية صواريخ وتحول قطع الرؤوس المصوّر مفخرة، بات ضرباً من الجنون السماح لتنظيم جهادي بهذا المستوى من البربرية وبهذا التفكير الطائفي الكريه، السيطرة على مساحات شاسعة من بلدين واقامة دولة أمر واقع ذات ثروات كبيرة وطموحات لا حدود لجنونها.
على رغم الاخطاء الفظيعة لسياسات واشنطن في المنطقة، قد يكون ثمة اجماع حالياً بين خصومها قبل حلفائها على أنها الوحيدة القادرة على ضرب التنظيم. ثمة اقتناع بأنه اذا لم توسع واشنطن تحركها ضد “داعش” ، فما من دولة أخرى يمكنها القيام بالمهمة. ولكن هل تتحرك واشنطن لوقف الابادة التي ينفذها التنظيم في حق كل من يعصاها من العراقيين، سنة وشيعة ومسيحيين وأكراداً وايزيديين وتركمانا، والسوريين بكل أطيافهم، أم لاغاثة النظام السوري واعادة تعويمه؟
يبدو الوضع في العراق على تعقيداته، أوضح مما هو في سوريا بين الحليفين “الارضيين” المحتملين لواشنطن، بدأت أصوات في الغرب تدفع في اتجاه تحالف مع نظام الاسد. وفي تقدير هؤلاء أن الرئيس السوري يملك قوة قتالية موحدة وأشد فاعلية من المعارضة السورية المعتدلة. والتحالف معه يضمن عدم تعرض المقاتلات الاميركية لتهديد المضادات السورية. وعندهم أيضاً أن الاسد لا يشكل خطراً على أميركا بقدر “داعش”. وثمة من يعتبره أشد قبولاً أخلاقياً، حتى إنهم يذكرون الرئيس باراك أوباما بأن الزعيمين الراحلين فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل اضطرا الى التعاون مع ستالين للانتصار على هتلر في الحرب العالمية الثانية.
المشكلة الأساسية في الحروب التي تشنها واشنطن لم تكن غالباً في العدو الذي تقاتله، بل كانت أحياناً كثيرة في شرعية الحليف الذي تقاتل من أجله. ففي ليبيا، أطاح الغرب، بما فيه واشنطن، معمر القذافي ليترك البلاد لفصائل متناحرة حولت ليبيا ساحة للاقتتال والتحارب. وفي العراق، خلع تحالف غربي نظام صدام حسين وسلم البلاد ذات التركيبة الطائفية المتنوعة، الى حفنة من المتعصبين والفاسدين الذين دفعوها الى حربين طائفيتين دمويتين في أقل من عقد. وفي الظروف الراهنة، اذا ضربت واشنطن في سوريا ومهدت الطريق للأسد لاعادة السيطرة على معاقل “داعش”، فيخشى الا يبقى السيناريوان العراقي والليبي الا نموذجاً مصغراً لما ستشهده سوريا.
لم تثبت المعارضة السورية المعتدلة قدرة على التحول بديلاً من الأسد، الا أن عجزها هذا ليس مبرراً لتحويل الاسد “صانع سلام”. لعل الوقت حان لتحالف غربي يحظى بدعم عربي واسع ومشاركة ايرانية يقضي على “داعش” ويزيح الاسد رأفة بسوريا والمنطقة.
النهار

 
حرصاً على إنسانيتنا أولاً/ حسام عيتاني
شريط الفيديو الذي نشره تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش سابقاً) حول الاستيلاء على مطار الطبقة العسكري السوري، يستحق توقفاً وتدقيقاً لما يحمله من تكثيف للقيم والأفكار التي تستظل الجماعة هذه بظلها والتي ستنشرها كلما أتيح لها.
الفيديو الذي يحمل عنوان “فشرد بهم من خلفهم” يصور احتلال مسلحي “الدولة” للمطار ويركز على عمليات قتل الجنود الأسرى، بالرصاص وذبحاً ثم دحرجة رؤوسهم وسط الشتائم التي يكيلها المنتصرون للموتى. العنوان مأخوذ من سورة “الأنفال” التي يلجأ الجهاديون كثيراً إليها لأسباب معروفة.
ويظهر في الفيديو مسؤول عسكري يشرح بعربية محطمة خطة التقدم إلى مدخل المطار بعد أن يقتحمها جهاديان. ثم يظهر واحد من هذين في العربة المفخخة يتحدث عن الجنة التي تنتظر المجاهدين قبل أن تظهر صورة انفجار ضخم تبعه تقدم عربات المسلحين الذين يبادرون إلى إطلاق النار على رتل من الجنود الفارين الذين يقعون أرضاً واحداً بعد الآخر.
ويُشاهد جنود سوريون موثوقي الأيدي يقول واحد منهم إنهم سيمحون دولة الإسلام فيعالجه المسلح الداعشي بطلقات عدة. ثم يتنقل المصور بين جثث بعضها مقطوع الرأس ويصل إلى مجموعة تجز عنق أحد الأسرى، فيما يتابع المصور إطلاق الشتائم على “النصيريين”. ويوضح مسلح أن بعض الجنود اختبأ بين أكوام من التبن فجرى “دعسهم” بالعربات المدرعة. ويمضي الشريط على هذا المنوال من عرض الفظائع على خلفية من الأناشيد التي تحفز المجاهدين على طلب الشهادة.
للمشاهد المسلم العادي أن يقول إن قتل الاسرى والتمثيل بالجثث على هذا النحو يخالف مخالفة صريحة أبسط التعاليم الاسلامية ومنها الخطبة الشهيرة للخليفة الأول أبي بكر الصديق التي خاطب فيها الجنود المتوجهين إلى الفتوحات. وله أن يرى في الشريط ما يتجاوز في فظاعته بعض مقاطع الفيديو التي نشرها النظام السوري وحليفه “حزب الله” وخصوصاً الشريط الذي يُنزل فيه مسلحو الحزب جرحى المعارضة السورية من سيارة إسعاف ويقتلونهم رمياً بالرصاص أثناء معركة القصير في صيف العام الماضي، إضافة طبعاً إلى عشرات المقاطع عن قتل الجنود السوريين لأسراهم ولمدنيين لا ناقة لهم ولا جمل. وللمشاهد، سواء كان مسلماً أم غير مسلم أن يرى فيه انتهاكاً فظاً لكل المواثيق والأعراف الدولية ومنها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وخصوصاً الرابعة.
لا كبير معنى للقول إننا أمام همجيتين تتقاتلان بذات الأساليب التي تستبيح كل شيء وخصوصاً الكرامة الانسانية ومعنى الحياة البشرية ذاته. وبتنا أمام درجة من “العادية” في استعراض الوحشية وتعميمها وجعلها من ضمن الممارسات “السياسية” اليومية التي يفترض أن نسلّم بها وبحق مجاهدي كافة الأطراف بارتكابها من دون محاسبة ولا حتى مجرد استنكار.
وغني عن البيان أن الصدمة التي أحدثها الفيديو الذي يجري فيه ذبح الصحافي الأمريكي جيمس فولي في الغرب، لم تشهد المنطقة مثلها حيال أشرطة ذبح الأسرى والتنكيل بالجثث وصور المذابح الرهيبة في داريا والغوطة والحولا والبيضا ودير الزور وغيرها وقتلهم في سوريا من قوات النظام أتباعه وعلى أيدي مسلحي “داعش” و”جبهة النصرة”.
في هذه الجولة من التناحر، يصعب الجزم في أول من عمم مشاهد القتل وعرض الرؤوس وتجميعها ودحرجتها بالأقدام، رغم أنها ممارسة شائعة في كل الحروب منذ فجر التاريخ. لكن المشكلة هو تراجع الحساسية العامة في بلداننا بإزاء هذه المشاهد بل توسل البعض لتبريرات تقوم على إلقاء اللوم على الطرف المقابل في بدء هذه الأعمال واستغلالها إعلامياً لبث الرعب في صفوف الخصوم، من جهة وللتأكيد على لامبالاته بحياة عسكريي ومدنيي الطرف المقابل.
وقد لا يسمح عنف المواجهات التي تدور في المنطقة والتناقضات العميقة التي انفجرت بترف المطالبة بالالتزام بأخلاقيات الحرب واحترام حياة المدنيين والأسرى من العسكريين. فقد خرجت أسوأ الوحوش من أقفاصها وباتت هي سيدة الساحة ولعلها ستظل كذلك ردحاً طويلاً من الزمن.
لكن، في المقابل، يتعين اعتبار الحفاظ على إنسانية الإنسان العربي قيمة عليا ومهمة رئيسة، والتذكير دائما أن الثورات العربية انما بدأت كثورات لاسترجاع الكرامة الإنسانية من أيدي الطغاة وأنظمة الاستبداد، وليس لاستبدال مجرمين بآخرين من صنفهم، سيان رفعوا راية الدين أو العلمانية أو التحرير أو المقاومة وكل ما بين هذه الشعارات التي فقدت مضامينها.
الحياة

 
عن انضمام الأسد الى الحرب على “داعش”/ وليد شقير
كعادتها، بدت القيادة السورية في حال انكار كامل للوقائع، حين حلقت طائرات الاستطلاع الأميركية فوق رأس وزير الخارجية وليد المعلم، بينما كان يعقد مؤتمره الصحافي الاثنين الماضي، ليعلن استعداد حكومته للتنسيق مع الدول التي تحارب الإرهاب، معتبراً أن أي عمليات اميركية أو غربية جوية ضد «داعش» في سورية من دون التنسيق مع حكومته عدوان على سورية.
لم يعتبر المعلم تحليق طائرات الاستكشاف لجمع معلومات عن مواقع «داعش» عدواناً على السيادة التي قال انها شرط للتنسيق مع التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، تماماً كما تفعل طهران التي دعت الى التعاون مع واشنطن في مواجهة «داعش»، ثم دانت قصف طائراتها مواقع التنظيم في بلاد الرافدين.
تسعى قيادة النظام السوري منذ حصول ما سمّاه الغرب الانتخابات الرئاسية «المهزلة» الى استعادة الاعتراف بها، فوق جثث أكثر من 200 ألف قتيل من الشعب السوري، أكثريتهم من المدنيين سقطوا بالغازات السامة والبراميل المتفجرة التي يرميها والمجازر المتنقلة التي يرتكبها، وبفضل التسهيلات التي قدمها منذ بداية عام 2013 لانتشار «داعش» وأمثالها على الأراضي السورية، ثم في العراق.
وتلهث قيادة النظام وراء هذا الاعتراف بعد اعتقادها انها نجحت في ارساء معادلة الخيار بين بشار الأسد والإرهاب، بدعم من روسيا وإيران، بدلاً من الخيار بينه وبين المعارضة السورية المعتدلة و «الجيش السوري الحر»، التي ساهمت ادارة الرئيس باراك أوباما في إضعافها على مدى 3 سنوات، نتيجة لجوئها الى استراتيجية استنزاف أطراف القتال على بلاد الشام، بمن فيهم الأطراف الاقليميون.
يشمل اللهاث السوري وراء الاعتراف، الضغط على لبنان كي يتخلى عن سياسة النأي بالنفس وينفتح على الحكومة السورية، بحجة التنسيق بين جيشي البلدين لمواجهة المسلحين الذين دفعهم النظام الى بلدة عرسال، آملاً بأن يفتح هذا التنسيق خطوطاً على الدول الغربية التي تدعم الجيش اللبناني.
في المقابل، لا يبدو أن انتقال واشنطن ودول العالم الى أولوية محاربة «داعش»، أفضى الى تغيير الموقف من نظام دمشق، وهذا ما ظهر في المواقف العلنية على الأقل الأوروبية والأميركية التي تستبعد شراكة الأسد في هذه الحرب، بل إن واشنطن اعتبرت ان النظام سمح لـ «داعش» بأن يكبر.
أما في الدوائر الضيقة للقرار في دول الغرب والدول العربية المعنية، لا سيما الخليجية منها، فإن النقاش يدور بين وجهتي نظر:
– الأولى تردد الموقف المعلن الرافض التعاون مع الأسد والاعتراف به، لاعتقادها بأنه مثلما أُبعد نوري المالكي في العراق نتيجة سياساته الإقصائية والمذهبية وارتكاباته، فمن باب أولى إبعاد الأسد الذي يشكل مصدراً رئيساً للإرهاب وتتهمه الهيئات الدولية بجرائم ضد الإنسانية لا تتيح التعاون معه، فضلاً عن ان التعاون الدولي مع الحكومة العراقية حيث هناك امكانية لقيام سلطة تجمع مكونات المجتمع، يجعل الوضع في بلاد الرافدين مختلفاً تماماً عن الوضع في سورية. ويراهن أصحاب هذا الرأي على أن يأتي الوقت كي تتخلى طهران عن الأسد.
– الثانية، أن إلحاح القضاء على «داعش» والإرهاب، والحاجة المفترضة للتعاون مع النظام في هذه الحرب التي تأخذ وقتاً، قد يفرضان التعامل معه والاعتراف بشرعيته، لكن على قاعدة صيغة تقوم على: 1 – اعلانه وقف القتال مع «الجيش السوري الحر» وفصائل المعارضة المعتدلة التي وقفت ضد تنظيم «داعش» وقاتلته. 2 – أن يعلن العودة الى الحل السياسي للأزمة السورية وفق قرار جنيف-1 في 30 حزيران (يونيو) 2012. 3 – ان يقبل قيام حكومة انتقالية تضم أطياف المعارضة فيكون جزءاً من مرحلة انتقالية تحتم في هذه الحالة وجوده على رأس السلطة مع تقليص صلاحياته، وتكون مهمة هذه الحكومة محاربة «داعش» بموازاة التحضير للحلول السياسية في سورية.
دون هذا الخيار ان الأسد وإيران اعتبرا، بعد التقدم الذي أحرزته قواته مع «حزب الله» ميدانياً في حمص والقلمون ومحيط حلب، أن جنيف-1 سقط، فكيف يعود اليه بعد أن أفشله في محادثات جنيف-2 مطلع العام؟
بين لهاث النظام وراء اعتراف يشرّع بقاءه كجزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب، وبين احتمال مساومات دولية تشرّع ملاحقة الإرهاب في الدول التي انتشر فيها، سيبقى الغموض الذي يسعى كل فريق للإفادة منه على طريقته.
الحياة

 
إطاحة «داعش» أولوية والتعاون مع نظام الأسد إشكالية/ عبدالوهاب بدرخان
بدا مشهد وزير الدفاع ورئيس الاركان الاميركيين، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي، كأنه نسخة من مشاهد في أفلام خيالية لمسؤولين كبار وهم يعلنون عن خطر شديد غير مسبوق دهم الأمة والعالم، لكنهم عازمون على التصدّي له وإنهائه. ويذكّر تشخيصهما بأوصاف وردت في أشرطة يكون فيها الخطر وحشاً ضخماً تكوّن في أعماق المغاور أو آلة هائلة جاءت من كوكب آخر لتبيد سكان الأرض. قال تشاك هاغل ان تنظيم «داعش» تخطّى «كل ما كنا نعرفه». وقال الجنرال مارتن ديمبسي ان الولايات المتحدة «لا يمكن أن تهزمه وحدها»، ثم أضاف لإكمال الصورة أن لدى «داعش» رؤية استراتيجية أقرب الى «نهاية العالم».
انقضى أكثر من شهرين على «الفتوحات الداعشية» في العراق وسورية قبل أن يتلقّى التنظيم أولى الضربات الاميركية، وقد تُستهلك بضعة أسابيع أو شهور قبل أن تكتمل الاستعدادات للحملة عليه في البلدين. اذ ينبغي انتظار التشكيل السلحفاتي لحكومة حيدر العبادي في العراق و «الاتفاق» الإشكالي على صيغة تنسيق مع نظام بشار الأسد، وقبل ذلك على صيغة مع روسيا على رغم تغلغلها في اوكرانيا ضماناً لتعاونها في مجلس الأمن… وفي هذه الأثناء يواصل «داعش» الذبح والإعدام ومحق الأرواح وأنتج فيديوات الرعب الأسود، حريصاً على ألا تشرق الشمس يوماً إلا مسبوقة بأخبار القتل، ممعناً في تغيير الحقائق والمعالم، وفي كسر كرامة الناس الرازحين تحت حكم «خلافته» الشريرة.
كان قرار مجلس الأمن الرقم 2170 رسم أساساً قانونياً لحرب جديدة على الارهاب ظهرب بوادرها في الغارات الجوية الاميركية التي ساهمت في صدّ «الداعشيين» عن السيطرة على سدّ الموصل. ومن ثمَّ أعلنت واشنطن أن الإطاحة بهذا التنظيم «ممكنة» لكن شرط: 1) أن ترفضه الجماعات السنّية الواقعة تحت احتلاله، 2) أن تتحد القوى الاقليمية لمحاربته، و3) ألا تقتصر الحرب على العراق بل أن تمتد أيضاً الى سورية.
لوهلة تبدو هذه الشروط صعبة لكنها غير تعجيزية، فالقبول السنّي لـ «داعش» كان اضطرارياً في العراق ويُسأل نظام نوري المالكي عنه، أما في سورية فقاتلت المعارضة هذا التنظيم لكنه فرض نفسه بالقوة ويُسأل نظام الأسد عن التنسيق معه، بل يُسأل خصوصاً عن المقايضات التي يستعد لإجرائها معه في حلب وحمص وتحديداً في حماة. وسواء كان القبول آنياً مصلحياً أو قسرياً، فإن الرفض العلني والعملي سيكون مكلفاً بشرياً، لذلك فمن الضروري أن يرى هؤلاء السنّة ضوءاً في آخر النفق، فهم مدّوا أيديهم الى الشيطان («داعش») في العراق بعدما سدّ المالكي الآفاق أمامهم، وهم لا يميّزون بين وحشَين (النظام و «داعش») في سورية. وإذا كان الجميع يعوّل الآن على حل سياسي من خلال المؤسسات في العراق، فإن ايران المستاءة جداً من التطوّرات المعاكسة لهيمنتها قد تعمد الى لعبة المماطلة قبل أن تسهّل مهمة العبادي. أما في سورية، فإن الجانب السياسي يتوقف على تنازلات لا يبدو النظام مستعدّاً لها، ولن يضغط عليه حليفاه الروسي والايراني بلا مقابل.
قد يُظَن أن أجواء التهويل السائدة ستسهّل تحالف القوى الاقليمية، فالكل يخشى استشراء «الداعشية» وتداعياته. غير أن تحالفاً كهذا لن يكون فقط من أجل محاربة كـ «عمل اخلاقي»، بل سيكون بالأحرى تكالباً على القطع العراقية والسورية المتناثرة، اذ يندر أن يوجد حالياً من يعتقد بإمكان منع تفكك البلدين. لذلك يغلب الشك والاستياء على العواصم العربية المعنية سواء حيال باراك اوباما وأهدافه أو حيال التفاهمات التي ستعقدها واشنطن مع الأطراف الاخرى ولا سيما تركيا وايران. وفيما تبدو اميركا كأنها حسمت أمرها لقيادة الحرب المقبلة، إلا أن حلفاءها الاوروبيين، المشككين بدورهم بأوباما وتقلّباته، لا يتكلمون على الموجة نفسها لأنهم يريدون أن يعرفوا ماذا بعد هذه الحرب. فهناك المتعجّلون للتعاون مع دمشق، أو طهران، أو العكس، وهناك أيضاً الرافضون. ففيما يعتبر وزير الدفاع البريطاني أن التعاون مع نظام الاسد ليس «عملياً ولا معقولاً ولا مجدياً»، يؤكد رئيس الاركان الاميركي حتمية خوض الحرب في سورية والعراق في آن. وفي أي حال لم يحل هذا الجدل دون أن يدخل وليد المعلم على الخط ليقول ان التنسيق يجب أن يتم مع دمشق. وهكذا، فإن أنظمة سورية وإيران والعراق، فضلاً عن سياستَي اميركا وروسيا، المسؤولة عن اجتذاب الارهاب وزرعه ترى أن لحظة الحصاد تقترب. ومع ذلك يستمر التساؤل، بحيرة كبيرة وكثير من البراءة وحتى السذاجة: ولكن من يأتي هذا الارهاب؟
عندما تتكدّس الجثث على النحو الذي نراه، عندما يُنحر أي انسان أياً يكن دينه واسمه وهويته على النحو المريع الذي تعرّض له الصحافي جيمس فولي، لا يمكن أن يكون القتلة من البشر، ناهيك عن أن يكونوا عرباً أو مسلمين، عراقيين أو سوريين، أعماهم الغضب وسلبتهم النقمة اليائسة ما تبقّى من وجدان. وفي غمرة الصدمة والألم وانخلاع القلوب يظل التساؤل ملحّاً: من أي أدغال أتوا بهذه الوحشية، وفي أي قاع تجرّعوا سموم الظلام؟ كأن التساؤل يقترح أنهم جاؤوا من فراغ، من كوكب ضالٍ، أو من «مؤامرة» اخرى.
لا، إنهم افرازات مجتمعاتهم، مجتمعاتنا، التي انتظرت خلاياها المتسرطنة طويلاً قبل أن تنفتح. لم يعد مجدياً إغفال الوقائع، فهذه مجتمعات أُخضعت طوال عقود لكل أنواع الضغوط، من الداخل والخارج، واذا كانت غالبيتها الساحقة جهدت لتحافظ على سويّتها واعتدالها، فلا عجب أن بعضاً منها أخفق وراح يمسخ قيم الدين والأخلاق والعدل لتناسب انحرافه. هذا ليس تبريراً للإرهاب، فلا شيء يقضي على هذه الظاهرة مثل معالجة أسبابها. فالسفير البابوي في دمشق قال قبل أيام ان الشبان لا يلتحقون بـ «داعش» بدافع «اقتناع ايديولوجي» وإنما بسبب انسداد الآفاق وضياع الحلول واشتداد الضغوط المعيشية. وخلال العقدين الأخيرين أنكبّ كثيرون على درس الظاهرة، فعزوها الى نقص التنمية وقصور التعليم والفقر وعدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة الاجتماعية والاستغلال السياسي للدين، وكان كل ذلك يشير الى فشل أنظمة الحكم وسياساتها. وحين قصّر الاستبداد الداخلي في القسوة رفده الاستبداد الخارجي حتى شوّها كل شيء وبدّلا المقاييس، وكان على المجتمعات أن تكبت القهر وتتوارث أمراضه وسمومه.
لذلك فمن من شأن العرب والغربيين، الباحثين عمّا (وعمَّن) صنع «داعش» وما سبقها وما قد يليها، أن يطرحوا أيضاً تساؤلات زعزعت توازن العقول وحاولوا دائماً تجنبها. ومنها على سبيل المثال: أي قتل أكثر «شرعيةً»، بقنابل تزن أطناناً في بغداد وغزّة أم بالغازات السامة في غوطة دمشق وحلبجة، وهل هما أقل وحشيةً من القتل بسيارات مفخخة أو ببراميل متفجّرة أو بالرجم حتى الموت أو بالاعدامات الميدانية أو بالذبح بالسكين أو بجلسات التعذيب، وهل مجازر اسرائيل في فلسطين أقل انتهاكاً للإنسانية من مجازر تنظيم «داعش» ونظامَي صدّام والأسد، وهل تدمير الأبنية فوق سكانها في غزّة أقل اجراماً من تدمير حلب وحمص ودير الزور والفلوجة والرمادي، وهل تغطية اميركا لجرائم الحرب الاسرائيلية أقلّ تهوّراً من تغطية روسيا وإيران لجرائم نظامَي الاسد والمالكي، وأخيراً هل ان اشتراط اميركا وجود حلول سياسية لمواكبة الحرب على «داعش» أكثر حكمةً أم أن الرضوخ لـ «دواعش» الحكومة الاسرائيلية ورفضهم الحلول السلمية التفاوضية هما الأكثر حكمةً؟
هذه الحرب مطلوبة للقضاء على «داعش» وإرهابه، لكنها ستدمّر ما لم يتح لنظامي الاسد والمالكي تدميره، وسيقف «الحلفاء» فوق الركام لتقاسم الدويلات والنفوذ، وسيكافئ صانعو الارهاب بعضهم بعضاً. لكن، هل سيُقضى على الارهاب؟
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة

 
نكتة أوباما لا تُضحِك “داعش”/ زهير قصيباتي
لا تُفهَم رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى نظام الرئيس بشار الأسد برفض التنسيق معه في الحرب على «داعش»، ثم إبلاغه معلومات عبر بغداد وموسكو حول مواقع لهذا التنظيم، إلا بمثابة نكتة سمجة سوداء، فيما معلومات الأمم المتحدة تصفع أوباما وكل أركان إدارته. إذ لم تمضِ أيام معدودة على إعلان المنظمة الدولية استكمال تدمير الترسانة الكيماوية السورية، حتى كشفت الأمم المتحدة استخدام النظام السوري مواد كيماوية في نيسان (ابريل) الماضي. فمَنْ يثق بمَنْ، ومَنْ يمكنه طي هذا الملف، وقبل ذلك، إنقاذ الشعب السوري من ويلات «كيماوية» تبدو محتملة؟
وإذ يسرد آخر تقرير للمنظمة الدولية معطيات عن ممارسات النظام، والتصفية المنهجية للمعتقلين، والإبادة بالتقسيط للمدنيين بواسطة البراميل المتفجّرة، يعطي نظرياً مزيداً من المبررات الأخلاقية لأوباما في رفض التنسيق مع النظام السوري الذي ما زال يرتكب فظائع، لمواجهة «داعش» وفظائعه ووحشيته.
أما أن تسارع واشنطن إلى إيهام نفسها بالتشاطر وباستخدام النظام ذاته كأداة في الحرب على «الدولة الإسلامية» بتزويده لوائح بمواقعها في سورية، عبر بغداد وموسكو، ففي ذلك بدعة النكتة السوداء… وفيه ايضاً جهل مطبق بطبيعة النظام في دمشق الذي لا يعمل إلا لحسابه. فلنذكر ببساطة كم هو الفاصل الزمني بين عرض وزير الخارجية السوري وليد المعلم التعاون مع كل الدول، بما فيها الولايات المتحدة، لمكافحة إرهاب «داعش»، وبين نبأ تمرير الأميركيين معلومات جمعتها طائرات لهم حلّقت فوق مناطق لـ «الدولة الإسلامية».
لا تحتاج النتائج التي استخلصها محققو الأمم المتحدة إلى عناء في المفاضلة بين جرائم سوداء وأخرى لا تقل عنها بشاعة، تُرتكب باسم «تطويع» الناس في سورية أو تأهيلهم لـ «تطبيق الشريعة». في «الدولة الإسلامية» تجنيد أطفال لممارسة القتل، في ما تبقى من دولة «البعث» التي ترعاها جمهورية المرشد خامنئي، لا تفرّق البراميل المتفجّرة بين مسلحين ومدنيين، بين كبار وأطفال «إرهابيين».
بكل بساطة، ما يريد أوباما إبلاغنا إياه، أن تنظيم «داعش» يهدد المصالح الأميركية وأما نظام الأسد فلا. لذلك يجوز تفويضه بالواسطة (عبر العراق وروسيا) الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية لخوض حرب على «داعش» يراهن عليها النظام لاستعادة اعترافٍ غربي به. وبالطبع، لم يتأخر الروس في التطوّع لنقل رسالة الأسد إلى الولايات المتحدة، أليس الجميع أمام «عدو مشترك» هو «الدولة الإسلامية»؟
صحيح أن كثيرين، وربما مئات الآلاف من السوريين فقدوا حياتهم في المعتقلات وسجون التعذيب، ولكن فلنتوهّم أن الفارق كبير بين مأساتهم ومآسي المدنيين والعسكريين الذين جزّ «داعش» رؤوسهم علناً، في ساحات الرقة وشوارعها.
كل ما يعني الرئيس الأميركي اليوم هو «سرطان داعش» وكيفية استئصاله، أما الوحشية التي أُبيد بها حوالى 190 ألف سوري، فمرشحة حتماً إلى الاستمرار إلى أن يتحقق ذكاء البيت الأبيض من هوية أي فصيل معارض يستحق الدعم والتسليح، لئلا يقع السلاح في الأيدي الخطأ. والبرهان على ذكاء هذه الاستراتيجية أن ترسانة أسلحة أميركية سقطت في أيدي «داعش» خلال غزوها الموصل وتكريت، كان العراقيون دفعوا ثمنها البلايين من الدولارات، وأنهاراً من الدم.
ولكن، أليس من الإنصاف الاعتراف بتعلّم الإدارة الأميركية من الدروس الإيرانية؟ ألا تقاتل طهران حتى الآن على جبهات واسعة في المنطقة بدماء «وطنية»… عراقية ولبنانية وسورية ويمنية، وإلى وقت قريب فلسطينية؟ هكذا تفرض «الحكمة» استخدام نظام بشار رأس حربة في استئصال «سرطان داعش»… مطاردة الإرهاب بالإرهاب، واستئجار آلة القتل الأعمى لتصفية الطغاة الجدد.
فلنتعلم إذاً من «حكمة» أوباما، وقبله دهاء إيران وتشبّث الروس بتوازن العالم على مقياس الكرملين وطموحات سليل الـ «كي جي بي». رغم كل القتل على امتداد مساحات عربية شاسعة، سكت الأميركي عن وحشية الطاغي وإرهاب القتلة، إلى أن أقضّ مضجعه «السرطان». واليوم لا يشكو إلا من قلة جواسيسه في سورية.
الحياة

 

 
عربة أوباما وحصان “داعش”/ الياس حرفوش
إذا كان الأوكرانيون ينتظرون المساعدة من باراك أوباما ليمنع فلاديمير بوتين من توغل قواته داخل بلادهم، فالأرجح أنهم سينتظرون طويلاً، مثلما انتظر السوريون أن يهبّ أوباما لنجدتهم بعد أن وعدهم بأن لا مكان في هذا العصر لحاكم يقتل شعبه كما يفعل بشار الأسد.
أوباما يفضل أن لا يضع العربة قبل الحصان، كما قال في آخر «حكمة» أطلقها في مؤتمره الصحافي الأخير. أي أنه يفضل التريث على التسرع عند اتخاذ القرار. لكن المشكلة أنه بانتظار القرار الذي لا يأتي تتقدم كل الأحصنة وتسبق عربة الرئيس، من الحصان الروسي إلى الحصان «الداعشي». وإذا استمرت الأمور على هذه الحال بانتظار نهاية ولاية أوباما بعد سنتين فمن الصعب تقدير مدى الضرر الذي سيلحق بالتوازن في العلاقات الدولية، ولا بالخراب الذي سيحل بالمنطقة العربية مع تقدم قوى التطرف على حساب استقرار الأنظمة وأمن الشعوب.
لعلّي أسمع من يقول: ولماذا يجب أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن حل مشكلات العالم وعن تسوية أزماته؟ وهو اعتراض نسمعه تكراراً من مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين يقولون: لا تتوقف شعوبكم عن انتقاد سياسات أميركا والاحتجاج على دورها كشرطي للعالم، ثم نجدكم تبحثون عن نجدة أميركا عند أول أزمة تواجهها بلدانكم!
صحيح أنه ليس مطلوباً من الولايات المتحدة أن تحل مشكلات العالم، كما أن تسوية الأزمتين السورية والعراقية، والأزمة الأوكرانية، هي من مسؤولية هذه الدول، وبالتالي فان عليها البحث عن حلول لمشاكلها الداخلية. لكن الضروري أيضاً، وقبل ذلك، أن تنطبق هذه المعادلة على كل تدخل خارجي في أية أزمة دولية، وليس على التدخل الأميركي وحده. ذلك أن مسؤولية الولايات المتحدة تصبح مضاعفة عندما يكون التدخل الروسي مثلاً هو الذي يلعب الدور الحاسم في الأزمة الأوكرانية، كما أن هذا التدخل، مضافاً إليه تدخل إيران، هما اللذان لعبا وما زالا، دوراً حاسماً في إطالة أمد الأزمة السورية وفي إغراق العراق في الحرب الطائفية. وفي الحالتين انتهى الأمر بهزيمة أصوات الاعتدال بين كل الطوائف وارتفاع حدة الصراع المذهبي، وصولاً إلى الحالة الإرهابية التي يفرضها «داعش» اليوم في مناطق نفوذه.
وعلى رغم تفاقم هذا الخطر الإرهابي، الذي بات مقلقاً للدول الغربية نفسها، كما ظهر من خلال رفع مستوى التأهب الأمني في بريطانيا بالأمس، فلا شيء يشير إلى أن هناك خطة بديلة لدى إدارة أوباما للتعامل مع هذا الوضع. صحيح أنه أمر بغارات جوية على مواقع «داعش» في العراق، وبعملية واحدة، على الأقل ضد التنظيم في سورية، سجلها نظام الأسد في خانة مصلحته، لكن أوباما اعترف أنه لا توجد لديه استراتيجية حتى الآن لمواجهة «داعش»، وأنه طلب من وزير الدفاع تشاك هاغل إعداد خيارات عسكرية لبحثها واتخاذ قرار في شأنها.
في سورية، كما في العراق وأوكرانيا، لا يساهم الفراغ الناشئ عن تردد أوباما وعجزه، سوى في تفاقم الوضع. وهو ما يدفع حلفاء الولايات المتحدة إلى التردد في التعامل معها. في أوروبا، لا توجد ثقة كبيرة في قدرة الإدارة الأميركية على مواجهة الروس في الأزمة الأوكرانية. وبينما يرى مسؤولون في هذه الإدارة الخطر الناجم عن المغامرة الأخيرة للقوات الروسية داخل أوكرانيا، يعتبر أوباما أن «ما شاهدناه هذا الأسبوع لا يختلف عما حصل خلال الأشهر الماضية». ولكن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامانثا باور، وعلى عكس رئيسها، اتهمت موسكو بالكذب عندما نفت تقدم قواتها في أوكرانيا، وقالت إن تصرف روسيا «يشكل تهديداً لنا جميعاً في سلامنا وأمننا».
أما في الشرق الأوسط، وعلى رغم قرار أوباما إرسال وزير الخارجية جون كيري إلى المنطقة لتنسيق المواقف مع الحلفاء الراغبين في مواجهة «داعش»، فليس هناك ما يشير إلى أن هناك ثقة كبيرة لدى هذه الدول في أي سياسة أميركية حكيمة وفاعلة تسمح بدفع خطر هذا التنظيم الإرهابي، وذلك بناء على الخيبات من سياسات أوباما الفاشلة في سورية والعراق. على العكس تشعر هذه الدول أن التوعية السياسية والدينية لشعوبها والتعاون بين أجهزتها الأمنية سوف يكونان أكثر فاعلية في مواجهة المد «الداعشي» من الاعتماد على العربة الأميركية بقيادة أوباما، التي أثبتت أنها عربة معطلة، فيما الأحصنة تصل إلى نهاية السباق بلا حواجز.
الحياة

 

 

 

أوباما.. وإجتهاده السوري الجديد/ ساطع نور الدين
عندما أطلق الرئيس الاميركي باراك اوباما في 18 آب العام 2011 ، أول دعوة الى الرئيس السوري بشار الاسد للتنحي، كان يبدي رأياً او يقدم وجهة نظر تجاه الثورة السورية التي كانت تقدم يومها ضحاياه الاوائل، اكثر مما كان يعلن موقفاً او يحدد برنامج عمل للسياسة الاميركية..التي التزمت منذ اللحظة الاولى بالخط الاحمر الاسرائيلي الذي يحظر اسقاط النظام في دمشق.
هذا الالتزام الاميركي بالموقف الاسرائيلي ما زال ساري المفعول حتى الان،على الرغم من ان ما اعلنه أوباما في مؤتمره الصحافي مساء الخميس في البيت الابيض، ينبىء بان ثمة اجتهاداً اميركياً جديداً، يتناقض في جوهره مع ما سبق أن أوصى به عدد من كبار المسؤولين والمستشارين الاميركيين، لاسيما مسؤول قسم الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي بوب مالي، لجهة عدم المساهمة او حتى الموافقة على اي جهد سوري داخلي او عربي او اقليمي يهدف الى الاطاحة بالاسد.
صحيح ان اوباما بدا أمس مثل أي معلق صحافي عندما كرر القول ان الاسد فقد شرعيته لانه يقتل السوريين الابرياء، لكنه أجاب بشكل دقيق ومحدد على سؤال يشغل العالم كله، ويؤرق دمشق خاصة، منذ ان حقق تنظيم داعش اختراقاته العراقية والسورية الاخيرة: لن يكون الاسد شريكاً في الحرب على ذلك التنظيم، ولن تكون واشنطن مضطرة الى الاختيار بينهما، لانها ستقوم بدعم المعارضة السورية المعتدلة.. التي سبق للرئيس الاميركي نفسه ان أنكر وجودها في حديثه مع صحيفة نيويورك تايمز قبل أسابيع بالتحديد.
العبارات القليلة التي تناول بها اوباما الشأن السوري كانت كافية للملاحظة بان ادارته توصلت أخيرا الى سلسلة من الاكتشافات الطارئة، والتي هي مسلمات ثابتة بالنسبة الى غير الاميركيين، لكن واشنطن واحدة أختارت غض النظر عنها طوال الاعوام الاربعة الماضية.. للاسباب الاسرائيلية المعروفة والتي لا يمكن الجزم حتى الان انها تبدلت، لاسيما في ضوء ما جرى في اليومين الماضيين تحديدا في الجولان، حيث حققت المعارضة السورية تقدما مهما، توقف بسرعة جراء السماح للنظام بتحريك قواه الجوية والصاروخية على مقربة من خط وقف النار!
في مؤتمره الصحافي الاخير لم يكتشف أوباما وجود معارضة سورية معتدلة فحسب، بل انه أعاد اكتشاف الحاجة الملحة الى دعم هذه المعارضة التي كان ولا يزال يمنع دولا عربية واوروبية من تسليحها على الاقل للدفاع عن جمهورها الذي يتعرض لواحدة من ابشع الحملات العسكرية على المدنيين والتي تشمل استخدام الطيران الحربي والصواريخ الاستراتيجية وطبعا البراميل المتفجرة التي أتى على ذكرها.
لكن الاكتشاف الاهم الذي توصل اليه اوباما، بخلاف مع ميول مستشاريه لا سيما منهم بوب مالي، هو ان وحشية تلك الحملة التي يشنها النظام على المدنيين السوريين هي التي ساهمت في ظهور داعش وسواه من التنظيمات الدموية، كما ان استبعاد الغالبية السنية في العراق وفي سوريا أدى الى تعزيز شعبية داعش وتوسعها في مناطق لم يعد الاسد قادرا على استعادتها. وهو موقف اميركي استثنائي يحدد للمرة الاولى بمثل هذا الوضوح قدرات جيش الاسد، وربما دوره المستقبلي!
جزم اوباما بأن الاسد لن يكون شريكاً لاميركا في الحرب على الارهاب: وهو ما ليس أمراً عابراً او تفصيلياً في العلاقات السورية الاميركية التي بنيت طوال العقود الاربعة الماضية على مثل هذه الشراكة في خوض مثل الحروب وعلى اكثر من جبهة. وفي هذه الحالة لا بد من ترقب عاملين حاسمين: هل ستعمد اسرائيل الى زجر الرئيس الاميركي مرة اخرى واجباره على التعاون مع الاسد؟ وهل ستتمكن واشنطن من تأهيل معارضة سورية معتدلة قادرة على قتال النظام وداعش في آن معا؟
المدن

 

 

 

لن يسلم العراق من التقسيم!/ راجح الخوري
يتركز الإهتمام على التحالف الذي تسعى واشنطن الى إنشائه تمهيداً لضرب “داعش”، لكن وراء الكواليس العراقية تتقاطع سياسات اقليمية ودولية حول ما كان مسعود البارزاني قد اعلنه بعد انهيار الجيش من “ان العراق لن يعود الى ما كان عليه”.
جو بايدن أثار زوبعة قبل ايام عندما عاد الى الحديث عن تقسيم العراق الى دولة شيعية في الجنوب ودولة سنيّة في الوسط ودولة كردية في الشمال، وهو اقتراح يقترب من اتفاق “دايتون” الذي أبرم عام ١٩٩٥ في البوسنة والهرسك، لأنه يطلب الحكم الذاتي الموسع لكل من الدول الثلاث، ويترك للحكومة المركزية في بغداد مسؤوليات الأمن والشؤون الخارجية وتوزيع العائدات النفطية
بايدن ليس اول من تحدث عن التقسيم، إذ سبقه الحجاج بن يوسف الثقفي بقوله “يا اهل العراق، يا اهل الشقاق والنفاق”، ثم ان هنري كيسينجر وضع مشروعاً لتقسيمه في السبعينات بما يشكل دومينو تقسيمياً يصيب دولاً اخرى في المنطقة.
قبل بايدن كانت كوندوليزا رايس قد كتبت مقالاً في “الفورين بوليسي”، عندما كانت في مجلس الأمن القومي وقبل ان تصبح وزيرة للخارجية، يدعو الى تقسيم العراق الى ثلاث دول بما يساعد في اعادة ترتيب اوضاع المنطقة، وعندما شن جورج بوش الحرب على صدام حسين عام ٢٠٠٣ برز هذا المقال كعنصر رجّح قرار الغزو.
أول قرار اتخذه بول بريمر الذي تولى ادارة العراق بعد اسقاط صدّام حسين كان حلّ الجيش العراقي ورعاية حملة اجتثاث البعث، بما سيشعل فتيل الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة، ثم جاء التفاهم الاميركي – الايراني على إبعاد اياد علاوي وترئيس نوري المالكي الحكومة العراقية ليعمّق الخلاف، وخصوصاً في ظل سياسة الاقصاء والتهميش والتنكيل التي شكلت بيئة من الكراهية استغلّتها “داعش”، التي أُخرجت نواتها من السجون السورية ثم العراقية بهدف تشويه صورة المعارضة السورية .
لسنا في حاجة الى تذكّر القرار الذي قدمه بايدن وتبنّاه الكونغرس في ايلول من عام ٢٠٠٧، والذي يدعو الى تقسيم العراق الى ثلاث فيديراليات، فما هو أهم ليس تصريحات البارزاني والقادة الأكراد الذين يدعون صراحة الى قيام الدولة الكردية، بل الإجماع على تسليح البشمركة لمواجهة “داعش” في الموصل وعند تخوم اربيل، بما يرسّخ قدرات الأكراد على ادارة دولة قوية .
الدولة الكردية لا تضير ايران التي ستحصل على امتداد في عمق الخليج عبر الدولة الشيعية في الجنوب، وقد كان من المثير ان يصل محمد جواد ظريف الى اربيل واعداً بتسليح البشمركة، في حين كان سايمون مايال يرسخ وجوده لدى الأكراد كمبعوث أمني لبريطانيا الى جانب العسكريين الاميركيين، بينما بدت بغداد غارقة في عقد تشكيل الحكومة الجديدة !
النهار

 

 

 

مواجهة “داعش” تتطلب تحوّلاً أميركيا/ سميح صعب
المشكلة الكبرى التي تواجه الدعوة الاميركية الى انشاء تحالف ضد الجهاديين في سوريا والعراق، تكمن في ان واشنطن تطلب من الدول “المعتدلة” التي كانت وراء دعم الجهاديين مدى السنوات الاربع الأخيرة، أن تنضوي تحت لواء هذا التحالف. ولئلا تغضب أميركا هذه الدول، فإنها تصر على اقصاء سوريا عن هذا التحالف ويكرر المسؤولون الاميركيون ليل نهار ان لا عودة بأي شكل من الاشكال الى التعامل مع الرئيس السوري بشار الاسد وان التحالف المزمع ستلقى على عاتقه مهمتان: قتال الجهاديين ولا سيما منهم تنظيم “داعش” وقتال الاسد.
مثل هذه الرؤية الاميركية للتحالف المناهض لـ”داعش” لا تستقيم لأن ايران لا يمكن ان تدخل في تحالف يراد منه ان يكون وسيلة لاسقاط النظام السوري بقدر ما هو مطلوب منه القضاء على الجهاديين. واذا استثنيت ايران من هذا التحالف سيبقى تحالفاً منقوصاً نظراً الى المكانة الاقليمية لطهران في الوقت الحاضر، في حين ان الدول الاقليمية الاخرى مثل دول الخليج العربية وتركيا غير مستعدة لدخول ائتلاف يقاتل الجهاديين وحدهم دون الاسد.
ثم ماذا عن الدور الروسي وكيف ستقبل واشنطن بدور روسي في التحالف ضد “داعش” بينما العلاقات الاميركية – الروسية في ادنى مستوياتها نتيجة الازمة الاوكرانية؟ ومعلوم ان طائرات “السوخوي” الروسية وصلت الى العراق قبل وصول اية مساعدات اميركية عقب سقوط الموصل في أيدي الجهاديين في 9 حزيران، وربما لولا تهديد “داعش” لاربيل عاصمة اقليم كردستان لكانت الولايات المتحدة لا تزال في مرحلة تقويم الوضع وممارسة أقصى درجات الابتزاز السياسي للطبقة الحاكمة في العراق قبل ان تباشر توجيه ضربات جوية الى مواقع الجهاديين.
وعلى غرار ايران، لا يمكن ان تسير روسيا بتحالف يساوي بين الاسد و”داعش” . وهي رفضت منذ بداية الازمة في سوريا محاولات قلب النظام ورفض المسؤولون الروس مراراً مقولة ان رحيل الاسد هو المفتاح لحل الازمة وأكدوا أيضاً ان المشكلة تكمن في الارهاب الذي نما في ظل تفتت مؤسسات الدولة السورية والفوضى الناجمة عن الحرب. وخلال انعقاد جولتي الحوار في جنيف بين ممثلي النظام والمعارضة، كانت وجهة النظر الروسية مطابقة لوجهة نظر وفد النظام من حيث ان الاولوية يجب ان تعطى لمكافحة الارهاب وليس لنقل السلطة.
مما لا شك فيه ان واشنطن غير مستعدة حتى الآن على رغم الخطر الاستثنائي الذي يشكله “داعش” وسائر التنظيمات الجهادية على سوريا والعراق والاقليم والعالم، ان تحدث استدارة في سياستها في المنطقة، الامر الذي يعوق عملياً مواجهة الجهاديين وينذر تالياً باستفحال خطرهم.
النهار

 
المنقذ الأميركي!/ سليمان تقي الدين
ينتظر العالم الخطة الأميركية لترجمة قرار الحرب على الإرهاب ممثلاً بـ«داعش» و«النصرة». فهذه الحرب التي أطلقها سلف الرئيس أوباما وامتدّت لسنوات ضد «القاعدة» وحاول الرئيس الأميركي أوباما الابتعاد عنها فرضت نفسها مجدداً مع انتشار غير مسبوق للإرهاب في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. تجذّرت «القاعدة» في اليمن وفي ريف الشمال الافريقي وأنشأت كياناً واسعاً تسعى إلى تركيزه في العراق وسوريا وتهدّد في المدى المنظور دول الخليج. الفوضى التي تعيشها المنطقة هي المناخ المساعد الأول على تنامي هذه الظاهرة ولم يكن ممكناً القضاء عليها بالعمليات العسكرية خاصة الجوية بوجود الأميركيين المباشر أو من دون وجودهم.
الحديث الآن عن «جبهة دولية لمكافحة الإرهاب» لن يضيف الكثير طالما بقيت مشكلات المنطقة من دون حلول سياسية. بين المشكلات الداخلية الأصلية والمداخلات الإقليمية يتفكك اليمن وتتفكك ليبيا ويتجذّر التقسيم في العراق وتتمزّق سوريا على جبهات حربية جوالة من منطقة إلى أخرى. وأمام هول المآسي والكوارث والمخاطر يقف مسؤول في هذا النظام أو ذاك ليعرض علينا «طرفة تمسك بلاده بالسيادة» التي صارت خرقة تتناقلها أيدي الدول الكبرى والإقليمية. ويفاخر أن التاريخ يأتي إلى وجهته فكل ما حدث وصار ليس إلا «الإرهاب»، ويغازل الأميركيين مذكراً إياهم بوحدة الخطاب والموقف.
يبدو واضحاً من التريث الأميركي أنهم يتهيّبون الخوض في هذه الحرب بوسائل تقليدية أو غير تقليدية بخاصة أن الإرهاب والتطرف ليسا محصورين بتنظيم مسلح واحد أصبحت له جغرافيا مستقلة وأنه ليس من جهة أمنية أو سياسية قادرة على استيعاب نتائج العمليات العسكرية، حتى لو استفادت منها، من أجل إعادة الأمن والاستقرار.
والسؤال الذي أصبح ملحاً الآن ما إذا كان الغرب وعلى رأسه أميركا يرغب في معالجة الإرهاب بجميع أشكاله، وما إذا كان يرغب في قيام دول مركزية في حدود الكيانات الحالية، وما إذا كان يريد نظاماً إقليمياً متوازناً للعرب دور فيه بحجم وجودهم ومقدراتهم؟
ما فعله الغرب في ليبيا وفي اليمن وفي العراق وفي سوريا يدفع إلى الاستنتاج أن الأمر هو إدارة فوضى لا بد أن تنتهي باضمحلال الهوية العربية والهويات الوطنية وحكماً الهوية الإسلامية لمصلحة محميات طائفية وقبلية. لا شك في أن ظاهرة كـ«داعش» تقلق الغرب لاحتمالات خروجها عن السيطرة وارتباطها بمشروع دولي أو تنظيم دولي وتصور لكيان إسلامي تصادمي مع كل ما يحيط به. لكننا لم نلمس أي ردة فعل غربية على مسلسلات القتل والتفجير والتدمير والقمع والإبادة التي شهدها العالم العربي وشهدتها غزة من آلة الحرب في الدولة العبرية. ونكاد نجزم ان الإعلان عن «جبهة دولية لمكافحة إرهاب داعش» ليس إلا إطاراً لاحتواء المتضررين وابتزازهم إذا جاز التعبير للاعتراف الصريح بالقيادة الأميركية والمرجعية الأميركية لحل مشكلات شعوب ودول قاصرة وعاجزة عن حكم نفسها وإدارة علاقاتها الدولية وعلاقاتها بالجوار، وهي دول مصابة بالانتفاخ الأيدولوجي ولا تعرف التعامل مع المعطيات الدولية المعاصرة.
تحولت أميركا من «شيطان أكبر» إلى طرف حوار على المصالح وهي الآن قائدة ورائدة في «الحرب على الإرهاب». كانت هي دائماً في أساس «المؤامرة» وهي الآن «الطرف المنقذ» الذي تناشده دول المشاغبة لكي يتولى مهمة تخليصها من حالة الفوضى والتخبط ومن نتائج سياساتها البهلوانية ومن حصيلة ما زرعته في هذه المنطقة على مدى عقود طويلة. حين تصير «أميركا منقذاً» فالأولى بهذا العالم العربي ان يكمل انحداره؛ وهو سيفعل ذلك حتى تسقط كل الهياكل الخربة.
السفير

 
سيطرة “النصرة” على معبر القنيطرة في الجولان هل يدخل أمن إسرائيل معادلة الحرب السورية؟/ روزانا بومنصف
دقت الازمة السورية ابواب الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي بقوة مجدداً لكن من باب آخر غير ما عهدته حتى الآن. ولا تحتاج الامم المتحدة بالذات الى احتجاز او اختطاف جبهة النصرة اكثر من اربعين جنديا من جنود قوة حفظ السلام الدولية في الجولان من اجل ان تدرك خطورة الاوضاع في سوريا وسرعة تدهورها بعدما كانت غزة والعراق واوكرانيا سرقت بعض الاهتمام منها. فالتقارير الدولية المتعددة حول الوضع في سوريا تشهد على ذلك وآخرها كان الاعلان من جانبها ان عدد القتلى في سوريا تجاوز 190 ألف قتيل وتوجيهها اتهامات موازية الى كل من الحكومة السورية وتنظيم الدولة الاسلامية بارتكاب جرائم حرب توجب احالتهما بموجبها الى المحكمة الجنائية الدولية. وهو موقف معبر كونه اعقب مؤتمرا صحافيا عقده وزير الخارجية السوري وليد المعلم مطالبا المجتمع الدولي بالتعاون والتنسيق معه من اجل مواجهة تنظيم داعش على سبيل محاولة رد الاعتبار للنظام واتاحة الفرصة لاعادة شرعنته اقليميا ودوليا. ويواجه مجلس الامن هذا التحدي المباشر له بتعرض الجنود الدوليين للمخاطر غير المرتقبة فيما يتعثر في جهوده واجتماعاته المتواصلة متنقلا بين ازمة العراق والحرب بين روسيا واوكرانيا والحرب في سوريا والتي يعقد في شأنها جميعها اجتماعات مغلقة مستمرة من دون نتائج تذكر نتيجة التوتر المتصاعد مع روسيا على خلفية الاتهامات الغربية لهذه الاخيرة بتسعير الحرب في اوكرانيا والمشاركة فيها.
تتسارع التطورات وتتفاعل على نحو خطير في المنطقة. فهل هي فصل اخر من فصول الحرب الجارية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات ام هي مقدمة لامر آخر؟
يعتبر بعض المراقبين ان الوضع يكتسب بعدا اخر جديدا في ضوء التطورات اللافتة التي طالت احتجاز جنود الاوندوف من جهة وتسلم عناصر جبهة النصرة للمرة الاولى الوضع في معبر القنيطرة الحدودي في منطقة هضبة الجولان بدلا من قوات النظام من جهة اخرى، في خطوة غير مسبوقة على رغم استيلاء المعارضة على المعبر في وقت سابق لكن لوقت قصير حيث استعاد النظام السيطرة على المعبر. وهما عنصران جديدان في مسار الحرب الجارية في سوريا وتثير تساؤلات عما اذا كان اقتراب عناصر من النصرة الى الحدود مع اسرئيل يمكن ان يثير رد فعل اسرائيليا في ضوء الاعتقاد الواسع ان اسرائيل لعبت دورا بارزا في الدفاع عن بقاء الاسد لحمايته مع نظام البعث السوري الذي حافظ خلال اربعة عقود من السلطة في سوريا على جبهة الجولان وعدم تعريضها للخطر او ان يحفز تحركاً دولياً اسرع في اتجاه عمل عسكري ضد تنظيم الدولة الاسلامية ومواقعها في سوريا أيضاً بعد العراق. اذ ان امن اسرائيل الذي يعتبر خطاً أحمر حقيقيا بالنسبة الى الولايات المتحدة يمكن ان يشكل حافزا من الحوافز او الاعتبارات التي تساعد في اتخاذ القرار الاميركي حول توجيه ضربات لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا في حال اعتبرت اسرائيل ان الامر يشكل تهديدا لاستقرارها وتالياً المزيد من تهديد استقرار المنطقة ولو ان عناصر جبهة النصرة التزموا حتى الان في السيطرة على المواقع في القنيطرة جانب الصراع مع جيش النظام وليس فتح جبهة مع اسرائيل. ومن المؤكد ان اسرائيل ستراقب بدقة ما الذي يجري في الجولان على ضوء التطورات الاخيرة. ولكن ليس واضحاً ما اذا كانت ستتصرف على أساس شعورها بخطر يتهددها على الحدود معها من التنظيمات الاصولية الاسلامية ام انها ستعتبر انها لا تزال غير معنية بالحرب الداخلية الجارية في سوريا والتي تشكل السيطرة على معبر القنيطرة جزءاً من هذه الحرب التي تشهد مداً وجزراً متواصلين.
وهناك أسئلة كثيرة أخرى قفزت الى الواجهة باستيلاء جبهة النصرة على معبر القنيطرة بعد أيام معدودة من انسحاب قوات النظام كلياً من محافظة الرقة. وهذه الاسئلة تتصل بما اذا كان ذلك يعبر عن وهن النظام وقواته العسكرية بعد ايام على الانسحاب من مطار الطبقة وتركه لعناصر تنظيم داعش على نحو أكبر بكثير مما هو معروف عن وهنه والذي ادى الى استعانته بتنظيمات من لبنان والعراق لدعمه او انه يدخل من ضمن سيناريو لتظهير المخاطر المتزايدة لسيطرة الاسلاميين من المعارضة الاسلامية المتطرفة على مناطق استراتيجية اوسع في سوريا بما فيها في شكل اساسي الحدود مع اسرائيل وذلك في سياق استدعاء تدخل غربي لضرب ما يعزز قوة النظام واوراقه. وهذه النظرية غير مستبعدة بعد اشاعة النظام في الاونة الاخيرة ارتياحه للتقدم المهم الذي يحرزه على الارض ضد معارضيه بالاجمال وتعبيره عن ثقة بممارسته السيادة المفترضة على بلاده عبر مواقف تشترط التنسيق معه من اجل ضرب ارهاب تنظيم داعش في سوريا. كما يعززها اعادة الاعلان عن حكومة جديدة هي الاولى من حيث المبدأ بعد تنظيم اعادة انتخابه ولاية ثالثة اعاد فيها تثبيت المراكز الاساسية كما في الحكومة السابقة. يضاف الى ذلك ان مراقبين لا يسقطون هذه النظرية في معرض الاعتقاد بسعي النظام الى استدراج التعاون الغربي والاقليمي معه من اجل حفظ امن اسرائيل وتفضيله هو على التنظيمات الاصولية خصوصا بعد ردود فعل رافضة كلياً لأي تعاون في هذا الاطار.
النهار

 

 
الخوف من خطر “داعش” جمع ما لا يُجمع لماذا لا يجمع اللبنانيين فينتخبوا رئيساً؟/ اميل خوري
إذا كان التفاهم قد تمّ بين السعودية وإيران وأميركا على تسوية الوضع في العراق بإبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة والمجيء بحيدر العبادي خلفاً له، فهل يساعد هذا التفاهم على تشكيل حكومة جديدة تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد لتصبح قادرة على التصدي لـ”داعش” وأخواتها بمساندة إيرانية وأميركية وسعودية مالية وعسكرية، وقادرة أيضاً على إعادة بناء جيش عراقي قوي يستطيع أن يسطير على المناطق التي تسيطر عليها حالياً “داعش” بعد إخراجها منها، وأن يلغي كل الميليشيات وينزع أسلحتها، وأن يطبق في العراق نظام الأقاليم الذي صار الاتفاق عليه في الدستور لقطع الطريق على إقامة دولة كردية مستقلة تفتح الباب لإقامة دولة سنّية ودولة شيعية تتقاسم الثروة النفطية حتى إذا ما نجح التقسيم في العراق فإنه يمتد عندئذ إلى دول أخرى في المنطقة فيتحقق إذ ذاك المخطط الاسرائيلي الموضوع من زمن للمنطقة لأنه يجعل اسرائيل الدولة الأقوى فيها عسكرياً واقتصادياً. وهذا المخطط يصبح تنفيذه محتوماً إذا لم يحقق التفاهم الايراني – السعودي – الأميركي حلاً جذرياً للوضع الكارثي في العراق وفي سوريا.
والسؤال المطروح هو: هل يصير تفاهم سعودي – إيراني – أميركي على معالجة الوضع الكارثي في سوريا كما تحقق في العراق، أم ينبغي انتظار نجاحه في العراق أولاً ومن ثم يأتي دور سوريا؟
ثمة من يقول إن الوضع في العراق قد يكون مختلفاً عنه في سوريا. ففي العراق تمّ التفاهم على إزاحة نوري المالكي عن رئاسة الحكومة وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تستطيع التصدي لهجمات “داعش” بتضامن بين كل مكونات الشعب العراقي مذاهب وعشائر. فهل يصير تفاهم على إزاحة الرئيس بشار الأسد ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تنتقل اليها كل صلاحياته تطبيقاً لاتفاق جنيف بحيث تعمل على بناء جيش قوي يستطيع التصدي لـ”داعش” ولغيره من التنظيمات الأصولية والدينية المتطرفة كي يحلّ في المناطق التي يتمّ إخراج “داعش” منها لأن سوريا في وضعها الراهن لا يُعرف مَنْ من الجيوش ينبغي أن تحلّ في المناطق التي تنسحب منها التنظيمات الأصولية، أهو جيش النظام أم “الجيش السوري الحر” أم جيش مختلط… وهل يكون الخلاف على تنحي الأسد سبباً لعدم التفاهم الاقليمي والدولي على معالجة الوضع في سوريا فتستمر الحرب ويستمر خطر تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات لتبقى ليس سوريا وحدها في دائرة الخطر إنما العراق ودول أخرى في المنطقة ولا يعود ثمة سبيل لإزالة هذا الخطر إلا بتحالف اقليمي ودولي يوجه ضربة عسكرية تنفيذاً للقرار 2170 الذي وضع تنفيذه تحت الفصل السابع كي يزال منه ليس دول المنطقة وحدها إنما كل دول العالم، أم إن قيام هذا التحالف قد يثير خلافاً على تنفيذ هذا القرار ولا سيما من جانب رسويا إذا لم يتم التفاهم على تقاسم النفوذ.
ومن جهة أخرى، ماذا في استطاعة لبنان أن يجني من التقارب السعودي – الإيراني إذا تحقق، خصوصاً ان الوضع فيه هو أقل تعقيدا بكثير منه في سوريا والعراق إذ إنه لا يحتاج إلا للاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولاً من الجميع، وهذا الرئيس غير موجود في 8 آذار ولا في 14 آذار إنما خارجهما. وهذا الاتفاق يمكن التوصل إليه من دون انتظار تشكيل حكومة في العراق واختبار مدى قدرتها على وقف أعمال العنف، ومن دون انتظار حل للوضع المعقد في سوريا، وعلى حساب من سيكون هذا الحل، أعلى حساب المعارضة أم على حساب الموالاة أم على حساب الجميع ليكون حلاً لا غالب فيه ولا مغلوب؟
الواقع أن المسؤول عن جعل رئيس الجمهورية يُصنع في الخارج هو من يعرقل انتخابه بتعمّد تعطيل نصاب الجلسات على رغم كل الجهود المبذولة لجعله يصنع في لبنان، وعلى رغم أن من يتمسك بترشحه للرئاسة الأولى يعلم كما يعلم مؤيدوه أن لا حظوظ له بالفوز، وإن اختيار الرئيس بتوافق داخلي يظل أفضل بمواصفاته وصفاته من رئيس يختاره الخارج أو يتوافق عليه. فهل لا تزال الفرصة متاحة للتوصل إلى اتفاق وتوافق بين الزعماء اللبنانيين على صنع الرئيس في لبنان ليتم عندئذ فصل أزمة انتخابه عن أزمات المنطقة؟
لقد جمع الخوف من خطر “داعش” من لم يكن في الإمكان جمعهم عربياً وإقليمياً ودولياً، فلماذا لا يجمع الخوف منه الزعماء اللبنانيين إنقاذاً للبنان؟
النهار

 

 

 

 

الأسد الوجه الآخر لـ«داعش»
رأي القدس
يقدم استيلاء أطراف سورية معارضة على الشريط الحدودي السوري مع إسرائيل مناسبة وامتحاناً جديداً للقضيّة السورية المتشظية بكل الاتجاهات، فالنظام السوري الذي استخدم ما كان يزعمه لنفسه من دور استراتيجي فيما يسمى بحلف الممانعة والمقاومة، كحاجز مقدّس يمنع جماهيره من الثورة عليه، وصلت به الحال إلى الاستجداء المهين للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، زعيمة «حلف الاستعمار» الداعم ل»الكيان الصهيوني»، طارحا نفسه، بين مجموعة كبيرة من «الزبائن» العرب المتدافعين، لأخذ وكالة Franchise أمريكية ضد «الإرهاب».
قصف الطائرات السورية للمواقع التي احتلتها المعارضة والمحاذية تماماً لحدود الجولان المحتلة إسرائيليا (إلى حدّ إصابة مدني وعسكري إسرائيليين بشظايا) هو أمر غير مسموح به حسب شروط اتفاق الهدنة السوري الإسرائيلي التي حافظ عليها الأسدان الأب والإبن بالحميّة نفسها لمحافظتهما على كرسيّ السلطة.
الخبر يقول إن إسرائيل ردّت على جرح الإسرائيليين بقصف مدفعي لبعض مواقع النظام السوري، ولكن السؤال هو كيف سمحت تل أبيب للطائرات السورية بالاقتراب الشديد من الحدود المحتلّة من دون إطلاق حتى صفارات إنذار لو لم تكن على علم مسبق من القيادة السورية بهدف الهجوم وهو ضرب مواقع المعارضة السورية؟
غير أن الحدود السورية المغلقة نظرياً باتجاه إسرائيل لا يمكن أن تعدّ خسارة كبرى للنظام كما هو الحال مع معابره الرسمية التي سقطت كلها مع تركيا، والأمر ينسحب أيضاً على الميل المتسارع لسقوط منافذ النظام كلها على العراق، فبعد سقوط مطار الطبقة العسكري الذي كلّف النظام مئات القتلى وسجّل سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على محافظة سورية كاملة، تتجه الأحداث سريعاً لسقوط مريع وكبير آخر لمطار دير الزور، بحيث تكاد الحدود العراقية السورية تخرج تماماً من يد النظام.
وتتعرض حدود النظام السوري مع لبنان الى توتر كبير، فرغم الهزائم التي تلقتها المعارضة السورية على طول حدود منطقة القلمون، فإن المنطقة صارت مجالا لاشتباكات وكرّ وفرّ بين المعارضة و»حزب الله» خصوصاً، كما أن الطريق الدوليّ الى لبنان ما زال عرضة للخطر في نقاط عديدة منه.
أما الحدود مع الأردن فهي باقية بقوّة القرار الأردني الذي لا يريد أن يقطع شعرة معاوية مع النظام السوري ما دام المجتمع الدولي متردداً في حسم أمره من بقاء الأسد من عدمه، ولولا ذلك لكان من الممكن للمعارضة السورية القوية والمنظمة في محافظة درعا من الاستيلاء على معابر النظام الى الأردن وقطع الطريق الدولي إليه.
يتوازى تآكل الحدود الرسمية للنظام السوري، والتي تشكل منافذه البرية على المنطقة والإقليم، مع الاهتزاز الجيولوجي السياسي الكبير في المنطقة والذي يكاد يعصف بالحدود كلّها التي تفصل دولها عن بعضها، والذي يمثّله الاجتياح السريع لما يسمى بـ «الدولة الإسلامية» لأجزاء كبيرة من العراق وسوريا، والذي أدى الى تغيّر كبير في الأولويات والأجندات العربية والعالمية.
كانت ورقة «التطرّف السنّي» لعبة النظام السوريّ التي اشتغل عليها بوحشية هائلة ولكنّه، بضيق الأفق الفظيع الذي يميز الطغاة، لم ينتبه أن رأسه قد يصبح الثمن المطلوب لبدء معالجة الطبخة التي نفخ أوارها، لانه لم يدرك أنها صارت أكبر من سوريا بكثير، لأنها جمعت حصالة وحشيات واستبداديات هائلة عبر العالم وأيقظت آلام المظلومية السنّية، التي فشلت كل الطرق العادية في جذب انتباه العالم إليها، فتحوّلت بدورها الى وحش يتواجه مع وحوش.
وكما استخدم الأسد «القاعدة» ضد الأمريكيين فأرّق نوم زميله نوري المالكي المنشغل بترتيبات آنذاك مع واشنطن، يستخدم الأمريكيون الآن الورقة نفسها ضدّه، كما فعلوا في العراق فأزاحوا المالكي، في مشهد يذكّر بمكر التاريخ بالمستبدين.
رد أمريكا وأوروبا على عرض الأسد تنفيذ «طلبية القتل» كانت أن الرئيس السوري هو الوجه الآخر لـ «داعش»، ولا يمكن القضاء على الإرهاب دون القضاء على أهم أسبابه، وهكذا يصبح رأس الأسد، وليس «داعش» فحسب، على قائمة الطلبات!
القدس العربي

 

 
داعش: فرقة من عصر الجاهلية في إقتحام مؤقت للقرن الواحد والعشرين/ عبد الحميد صيام
نيويورك – «القدس العربي»: الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) جماعة لا تنتمي إلى عصر الحضارة ولا علاقة لها بالإسلام ولا بالإنسانية ولا بالقانون ولا بالأعراف أو التقاليد بل تنتمي إلى عصر الجاهلية والوحشية وحرب البسوس وداحس والغبراء وأقرب إلى بيئة عمرو بن كلثوم، فما إن ينقلوا إلى قوم رحاهم يتركونهم بعد اللقاء طحينا وسيوفهم «يدهدهن الرؤوس كما يدهدي حزاورة بأبطحها الكرينا» وأما في الجهالة فيجهلون فوق جهل الجاهلين. يجزون الرؤوس ويبيعيون فائض النساء لديهم في سوق عكاظ جديد. ليس لهم من رحمة الإسلام وتسامحه واحترامه للآخرين نصيب. أيديولجيتهم تقوم على الترهيب والإرهاب وجني الغنائم من نساء وأموال وتكفير الآخر والتطهير العرقي للأقليات. لا تأخذهم شفقة أو رحمة أو عقلانية ولديهم قناعة بأنهم صفوة هذه الأمة ورصاصتها الصائبة التي ستقيم دولة الخلافة الراشدة، حتى ولو على أكوام من جماجم وتلال من قتلى. فمن أين جاؤوا وكيف نموا وكيف تقدموا وكيف سيطروا وكيف سينهارون؟

البداية من أفغانستان- عندما
بارك ريغان الجهاد

في لقاء في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض عام 1985 بين زعماء المجاهدين الأفغان، كما كانوا يسمون، والرئيس الأمريكي رونالد ريغان قال مخاطبا الوفد الرفيع الذي شمل شاه مسعود وحكمتيار وصبغة الله مجددي وعبد الله عبد الله قال لهم ريغان «إنكم تذكورني بآبائنا المؤسسين للجمهورية الأمريكية». يومها كان الجهاد ضد السوفييت حلالا زلالا وبعد طردهم من أفغانستان بعد عشر سنوات من «الجهاد» المحلل بفتوى أمريكية تخلى الجميع عنهم وأصبحوا مطاردين ملعونين في كل مكان حتى دولهم التي سهلت تطوعهم إرضاء للسيد الأمريكي لم تسمح لهم بعودتهم فتفرقوا في الأصقاع فاستقر بعضهم في كشمير والبوسنة وكوسوفو واليمن والصومال والسودان والجزائر والشيشان. أعادت حركة طالبان بين عامي 1996 و 2001 لملمة بعضهم في كهوف وشعاب ووديان أفغانستان بعد أن أعلنوها إمارة إسلامية بقيادة شكلية لرجل شبه أمي إسمه الملا عمر وقيادة فعلية لرجل آخر إسمه أسامة بن لادن. في كهوف تورا بورا صنعت أيديولوجية التطرف الدموي الذي تغذى على المال والفكر الوهابي والتدريب والرعاية الباكستانية والتسليح الأمريكي. إنتشروا في الأرض بعد سقوط كابل في أيدي الجيش الأمريكي فتقطعت بهم السبل وبدأوا يبحثون عن تربة مناسبة ومأوى آمن فاستقر بهم الأمر في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي وهناك أعلن مصعب الزرقاوي دولته العتيدة «الدولة الإسلامية في العراق». تراجع زخم الحركة في العراق بعد مقتل قائدهم الزرقاوي في 7 حزيران/يونيو 2006 وقيام القائد الأمريكي الجديد ديفد بتريوس الذي وصل العراق بداية 2007 بعقد صفقة مع رؤساء القبائل فيما عرف بالصحوات حيث بدلوا ولاءهم وقاموا بطرد عناصر القاعدة من مناطقهم وخاصة الأنبار.
ومن هناك إندلقت هذه الجموع إلى بلاد الشام ثم عادوا إلى العراق وهم الآن يطرقون أبواب لبنان وعيونهم على الأردن كذلك.
إن ممارسات المالكي الطائفية خلال دورتي رئاسته للوزارة العراقية هي التي أججت القهر والغضب لدى نفس تلك الطوائف. فقد شاهدوا براميل المالكي المتفجرة تطلق فوق الفلوجة كما فعل المحتل الأمريكي. وكذلك الأمر في سوريا. فالتهميش واستهداف طائفة بعينها في كلا البلدين قد عززا من الشعور بالغبن والقهر وأصبحت هناك فئات في كلا البلدين لا تميز بين تدخل وآخر بل أصبحت هناك فئات تدعو علنا إلى التدخل في العراق لإنهاء سنوات الظلم الكبير الذي ألحق الأذى في البلاد والعباد والشجر والحجر. ومن هنا جاءت سرعة إنتشار هذا التنظيم في مناطق شاسعة في سوريا أولا ثم في العراق ثانيا.
في 10 حزيران/يونيو سقطت الموصل بدون أية مقاومة. لقد تبدلت الأيدي في لمحة عين في منطقة غنية بالنفط ووسط إنتشار لجيش رسمي مدرب ومسلح بأسلحة أمريكية ذاب في لحظات. فكيف تم ذلك؟ حسب مقال مطول لـ «نيويورك تايمز» لقد تم الإتصال بين شيوخ عشائر السنة وقيادات داعش وبترتيب من القائد البعثي المختفي عن الأنظار عزت الدوري فوافق رؤساء العشائر على السماح للتنظيم بالعودة إلى مناطقهم نكاية في المالكي. وحسب مصادر صحافية عراقية تقتبسها الجريدة، فإن شيوخ السنة فضلوا التحالف مع داعش ضد نوري المالكي العنصري الذي مارس عليهم كل أنواع التمييز والتهميش والعنف.

التمويل والتدريب

لقد كان تمويل هذه الجماعة في البداية وقبل أن تستقل ماليا من دول الخليج وخاصة من السعودية كما يقول الكاتب الأمريكي وليم إنغدال صاحب الكتاب المشهور «قرن من الحروب : السياسة البريطانية الأمريكية والنظام العالمي الجديد» (2011). يقول الكاتب إن الجماعة قد تم تدريبها في معسكر صفوي شمال شرق الأردن والذي تشرف عليه وكالة المخابرات الأمريكية بمشاركة مخابراتية أردنية وتركية.
وقد تم الإعلان عن المعسكر على أنه مركز تدريب للمجاهدين من غير المتطرفين المعارضين لنظام بشار الأسد. وقد شمل التدريــب الذي شارك فيه الآلاف تقنيات الحرب غير التقليدية والتفجيرات والإرهاب بشكل عام.
وقد بدأ بعض المسؤولين الأردنيين يكشفون عن بعض تفاصيل معسكر التدريب خوفا من وصول إرهابيي داعش الذين يجزون الرؤوس في الموصل بالمئات إلى حدود الأردن وتوجيه بنادقهم وسيوفهم إلى النظام الأردني لضم الأردن إلى دولة الخلافة التي أعلنوها يوم 29 حزيران/يوينو 2014. وقد أكد أندرو دوران، وهو موظف سابق في الخارجية الأمريكية، أن بعض هؤلاء العناصر يحمل الجنسية الأمريكية. وذهب الصحافي الإيراني صباح زانغانة الى أن من غير المعقول أن داعش تملك القدرة على إحتلال الموصل بهذه السهولة لولا أن قوى إقليمية قدمت مساعدات لها مخابراتية ولوجستية من داخل العراق ومن خارجه.

القائد الشيشاني

يعود الفضل في انتصارات داعش الأخيرة إلى القائد الكارزماتي الأميرعمر الشيشاني واسمه الحقيقي (تارخان باتيراشفيلي) الذي أتى من الأقلية الشيشانية في جورجيا وخدم في الجيش الجورجي ثم غادر المنطقة متوجها إلى تركيا عام 2010. وحسب تقرير لـ «وول ستريت جورنال» (1تشرين الثاني/نوفمبر 2013) إستطاع عمر أن يحول الصراع في سوريا والعراق إلى نزاع جيوسياسي بين روسيا والولايات المتحدة وهو ما يريده المحافظون الجدد ووكالة المخابرات الأمريكية والبنتاغون. وعمر لديه خبرة قتالية عالية وقد تبوأ منصب قيادة القوات في سوريا بعد مقتل أبو عبد الرحمن الأنباري. وقد ظهر في شريط فيديو عند إعلان الدولة وإزالة الحدود بين سوريا والعراق. وجذب عمر أكثر من ألف مقاتل شيشاني من بين 8.000 مقاتل أجنبي في سوريا.
يقول جيفري سيلفيرمان مدير مكتب جورجيا لموقع شبكي مهم إسمه «المحاربون القدماء اليوم» إن هناك برنامجا مشتركا للمخابرات الأمريكية والجورجية تحت غطاء منظمة غير حكومية تدعى «جفاري» تقوم بتهريب بعض المجاهدين القدماء من أيام الاحتلال السوفييتي لأفغانستان والمتطوعين الآخرين إلى سوريا والعراق بمساعدة جورجية وموافقة أمريكية. ويرى سيلفيرمان أن أحداث العراق لها علاقة برغبة الأكراد أن يستقلوا في مناطقهم ويشكلوا دولتهم بعيدا عن الحكومة المركزية. وقد تكون هذه الحلقة جزءا من اللعبة الكبرى التي تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة وخاصة في تركيا وسوريا والعراق. وهذا ما يفسر رد الفعل البارد والبطيء والمحدود للولايات المتحدة الأمريكية والتي تشاهد الآن أن «جماعة جهادية» مصنفة كتنظيم إرهابي تسيطر على حقول واسعة للنفط.

هل للتنظيم من
مستقبل في المنطقة؟

نعتقد أن المجموعة قد وصلت أقصى درجات تمددها ولم يبق أمامها إلا التراجع أو الانهيار. لقد تمددت كثيرا في سوريا أولا منذ نيسان/أبريل 2013 وقامت بالتخلص من كل التنظيمات المعارضة لها حتى ولو كانت إسلامية مثل «جبهة النصرة» و»أحرار الشام» و»الجبهة الإسلامية» كما تجنبت في البداية الاصطدام مع قوات النظام ثم إرتدت شرقا إلى العراق ونقلت كثيرا من المقاتلين إلى هناك. لقد أستعدت الحركة كل الأطراف وكل الدول وكل الفصائل ولم يبق أحد يمكن أن يؤيد مثل هذه الجماعة الدموية. صحيح أنها سيطرت على أموال طائلة من الموصل خاصة، تقدر بأكثر من نصف مليار دولار كما أنها تسيطر على عدد من حقول النفط في سوريا والعراق وقد قامت فعلا ببيع شحنات من النفط السوري، إلا أن الحركة ليس لها مستقبل كما أسلفنا. لقد إرتدت على السنة وأعملت فيهم السيف كما فعلت مع الشيعة والأقليات المسيحية واليزيدية ثم تقدمت نحو الأكراد والذين يعتبرون بالنسبة للولايات المتحدة خطا أحمر. وقد تدخلت الولايات المتحدة فعلا عندما تقدمت داعش نحو مناطق الأكراد. وبدأ الأكراد يحاربون التنظيم بجد ويخرجونه من مناطقهم كما فعلوا قرب سد الموصل بدعم أمريكي وسيتبنى الأكراد في المستقبل أي أنتصار على داعش على أمل تعزيز دورهم والإقتراب من إعلان الاستقلال.
الأوضاع في العراق تتجه إلى شيء من الاستقرار البطيء بعد سقوط المالكي. وأوضاع داعش في سوريا مرشحة للتفكك بسبب غياب الحاضنة الشعبية ومعاداة كافة فصائل المعارضة لها بالإضافة إلى النظام. فلا يمكن لهذا التنظيم أن ينمو نموا طبيعيا في موئل طبيعي لأن شعوب المنطقة تعتبره غريبا عليها وعلى البيئة العربية والإسلامية ويفرض وجوده عن طريق الرعب والإيغال في العنف وارتكاب المزيد من الحماقات التي لا تمت إلى الإنسانية بصلة كذبح السجناء بالسيف والإعدامات الجماعية والتهجير وسبي النساء وبيعهن كغنائم حرب وهدم المعابد والمزارات وخطف الأجانب كالصحافيين وخطف خمسة أطباء من منظمة «أطباء بلا حدود» الإنسانية وقتل وتشريد الأقليات الأصيلة التي تعتبر جزءا أصيلا من مكونات المنطقة الحضارية والتاريخية والثقافية. فهل بقي هناك أحد في هذا الكون لا يعتبر هذا التنظيم الإرهابي عدوا مباشرا له؟ وقد جاء قرار مجلس الأمن الأخير (2170) الذي إعتمد بالإجماع تحت الفصل السابع إعلانا لمرحلة العد العكسي لنهاية مأساوية لهذا التنظيم. الشيء المؤسف أنه سيأخذ معه الآلاف من الأبرياء أثناء تدحرجه نحو الهاوية.

 

 
اكثر من ألف فرنسي في صفوف «داعش» و 15 ٪ من الفرنسيين يحملون رأيا إيجابيا عنهم/ محمد واموسي
باريس – «القدس العربي»: كشفت أرقام وزارة الداخلية الفرنسية أن عدد «الجهاديين» الفرنسيبين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروف اختصارا باسم «داعش» تجاوز الألف مقاتل، ما يعني أن العدد في ارتفاع متواصل رغم الإجراءات الأمنية والقضائية المشددة التي اتخذتها الحكومة الفرنسية لإنهاء الظاهرة بلغت حد التهديد بسحب الجنسية.
وقال برنار كازنوف وزير الداخلية الفرنسي إن المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها وزارته أظهرت وجود نحو 900 من «الجهاديين» الفرنسيين الذين يقاتلون في صفوف «داعش» في العراق وسوريا بينما يقتل 100 آخرين في ليبيا، مؤكدا أن الرقم مرشح للإرتفاع أكثر لوجود أعداد أخرى منهم في تركيا أو بلدان مجاورة وحتى في فرنسا، لا تزال تتحين الفرصة للالتحاق بساحة القتال، هؤلاء لم تنجح السلطات الفرنسية بعد في تحديد هويتهم.
وقال «جان بيير فيليو» أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والمتخصص في شؤون الجماعات المتشددة إن «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لا يشكل تهديدا لأمن فرنسا وحدها بل لكل أوروبا والعالم، وهو أخطر بكثير من تنظيم القاعدة باعتبار أن داعش تضم بين صفوفها اليوم آلاف المقاتلين المتطرفين والمتعصبين كلهم يعملون تحت سلطة زعيم واحد ويمتلكون خبرة واسعة في القتال وممارسة العنف الشديد والتماسك التنظيمي ما يؤهلهم لتقديم أداء أسوأ مما يتصور».
وأضاف «مواجهة هذا الخطر تقتضي إرادة مشتركة وقرار دولي تشارك فيه الولايات المتحدة وروسيا وجميع دول المنطقة، نحن الآىن ما زلنا بعيدين عن هذا والتنظيم يتمدد ويتوسع يوما بعد يوم».
وعن قوة تنظيم داعش قال الباحث الفرنسي: «الأمريكيون ارتكبوا في العراق نفس خطأ روسيا في سوريا، أي أنهما اتكلا على الجيش النظامي في هذين البلدين واستهانا بكل ما يسمى «قوات غير تابعة للدولة» والنتيجة ان عدد المنتسبين إلى «داعش» في سوريا والعراق تجاوز الـ30 ألف مقاتل، واستطاعوا طرد مليون جندي عراقي من جزء مهم من العراق».
وذكر الباحث الفرنسي بقضية «الجهادي» الفرنسي من أصل جزائري مهدي نموش الذي نفذ اعتداء على متحف يهودي في بروكسل في بلجيكا قبل أن تعتقله فرنسا في مدينة مارسيليا وتسلمه إلى السلطات البلجيكية لمحاكمته، مؤكدا أنه « قاتل في سوريا في صفوف داعش وهناك تلقى التدريب على حمل واستخدام الأسلحة وتنفيذ اعتداءات، ما يثير الجدل مجددا بشأن خطر هؤلاء على الأمن في فرنسا وأوروبا بعد عودتهم، أيضا حول مسألة مراقبة الفرنسيين الذين يتوجهون إلى سوريا للقتال».
وأضاف :»شخصيا أخشى أن تكون قضية «مهدي نموش» بداية لسلسلة اعتداءات قد تشهدها أوروبا وينفذها جهاديون أوروبيون عائدون من سوريا، لأني على يقين أن تنظيم داعش قادر اليوم على إرسال مقاتلين لتنفيذ اعتداءات في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة».
من ناحية أخرى أثار استطلاع للرأي أجراه في فرنسا ودول أوروبية مركز متخصص لفائدة قناة تلفزيونية أجنبية وأظهر حمل 15 في المئة من الفرنسيين رأيا إيجابيا عن «الجهاديين» الذين يقاتلون في صفوف داعش جدلا كبيرا في وسائل الإعلام الفرنسية.
ويظهر الإستطلاع الذي أجري على عينة عشوائية من 1000 شخص في ثلاث دول أوروبية أن 15 في المئة من الفرنسيين لديهم رأي إيجابي عن «مجاهدي» الدولة الإسلامية في العراق والشام، مقابل 7 في المئة في بريطانيا و 2 في المئة في ألمانيا.
وشكلت الفئة العمرية المتراوحة بين 18 و 24 سنة نسبة 27 في المئة من المستطلعة آراءهم، ما يعني برأي الخبراء الذين جرت استشارتهم في إطار الدراسة وجود علاقة مباشرة بين هذه النتيجة وعدد المهاجرين من البلدان العربية والشرق الأوسط إلى البلدان الثلاثة التي جرى فيها الإستفتاء.
غير أن يوري روبينسكي الباحث الفرنسي في المعهد الأوروبي يقلل من أهمية ذلك حين يقول: «يلاحظ بوضوح وجود عدد هام من المهاجرين الذين ينحدرون من البلدان المسلمة في فرنسا، حيث ان عددهم هو الأكبر في البلدان الأوروبية، منذ وقت طويل، قطع العديد من أبناء الجيل الصاعد علاقاتهم مع البلد الذي ينحدر منه أهلهم، لكنهم اختاروا التعبير عن تضامنهم مع الإسلاميين المتطرفين كمظهر احتجاج»
ويضيف: «نتيجة هذا الاستفتاء تشير أيضاً إلى معدل السخط المتنامي بين الفرنسيين، هذا يشكل ببساطة تعبيراً عن رفض النظام الموجود في فرنسا برمته إنها طريقة احتجاج ورفض للنخب ليس إلا».
وحرصت الحكومة الفرنسية على تشديد الإطار التشريعي الذي لا بد منه لتوفير الأساس القانوني لتحرك القوى الأمنية، بهدف مساعدتها على تفكيك الخلايا التي تجند الجهاديين وتمولهم وتسهل خروجهم من فرنسا وقبل ذلك تخضعهم لعملية غسل دماغ، جيث تعتقد الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية أن عمليات «التجنيد» تجري داخل السجون وعبر الإنترنت وأيضا داخل المساجد في ربوع التراب الفرنسي، كما تتطلع الحكومة الفرنسية إلى توثيق التعاون الأمني وتبادل المعلومات مع البلدان الأوروبية والعربية ومع دول أخرى مثل تركيا لمنع وصول الجهاديين واعتقالتهم وتسليمهم إليها.
ووضعت الحكومة ترسانة من القوانين ضمن خطة خاصة اتخذت بموجبها عدة اجراءات ترمي من ورائها إلى القضاء على ظاهرة تجنيد مقاتلين في صفوف داعش والتنظيمات المتطرفة من فرنسا، كما عمدت إلى تخصيص رقم هاتف للعائلات للتبليغ عن ابنائهم الراغبين في مغادرة فرنسا من أجل الانضمام للتنظيمات المتطرفة للاتصال بالسلطات طلبا للمساعدة ومنعا لخروج أبنائها.
كما وأعادت العمل بقانون يمنع القاصرين من الخروج من الأراضي الفرنسية دون إذن من أهلهم قبل ان تتراجع عنه لقلة فاعليته، غير أنها تركت الباب مواربا أمام منع الخروج بناء على طلب مباشر من الأهل ما يستدعي آليا وضع أسماء الأشخاص المعنيين على لائحة «شنغن» وبالتالي منع الخروج ليس من الأراضي الفرنسية بل من الدول الموقعة على اتفاقية شنغن.
وتقول المعلومات إن السلطات الفرنسية تفكر في إجراء مماثل يهم هذه المرة البالغين، خاصة وأن بعض الأسر أعلنت مرارا انها فشلت في إقناع أقرباء لها بالعدول عن قرارهم السفر للإنضمام إلى جماعات متشددة بينها تنظيم «داعش» كما تريد الحكومة الفرنسية تشديد الرقابة على المواقع «الجهادية» الإلكترونية بهدف إغلاقها ومتابعة القائمين عليها في خطوة تهدف إلى منعها من مواصلة الدور الخطير الذي تلعبه في «غسل دماغ» القاصرين. وتقول الأرقام إن 68 حالة تحقيق أو ملاحقة يعالجها القضاء في الظرف الراهن يتابع فيها نحو 300 شخص.
غير أن نوابا في البرلمان الفرنسي يشككون في فاعلية الاجراءات الاحترازية بينها سحب الجنسية وجدواها ويشككون قي قدرتها على احتواء ظاهرة تزايد أعداد «الجهاديين» في ظل بقاء الأزمة السورية عالقة، ما يعني بقاء التربة التي تغذي توسع الظاهرة خصبة.

 

 

 

 

حفنة صغيرة من المقاتلين الأمريكان في سوريا والعراق تثير رعب واشنطن/ رائد صالحة
واشنطن – «القدس العربي»: بلغ عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق رقما يصل الى مستويات الأزمة. ورغم تضارب المعلومات حول العدد الحقيقي لهولاء الا ان التقدير هو انهم يتراوحون بين 12 ألف مقاتل وفقا لأكثر التقديرات تحفظا الى أكثر من 50 الفا، من بينهم أكثر من 3 آلاف يحملوان جوازات سفر أوروبية و300 أمريكي على أبعد تقدير. ويكمن خطرهم من وجهة النظر الغربية في انهم يحملون جوازات غربية مما يجعل سفرهم من والى الدول المختلفة أسهل بكثير. وقد أعرب عدد كبير من المسؤولين عن مخاوفهم من ان المقاتلين الأجانب سيقومون بتنفيذ هجمات في أوطانهم بايعاز من التنظيمات الجهادية أو أنهم ببساطة سيقومون بهجمات فردية باستخدام المهارات والتدريبات التي إكتسبوها في القتال.
المعلومات التي استقتها الأجهزة الأمنية الأمريكية من التحليلات العميقة وسلسلة الاعتقالات والتحقيقات مع المواطنين الأمريكيين الذين سعوا مؤخرا للإنضمام الى المجموعات تفيد بان الأمريكيين الذين يقاتلون في سوريا أو العراق ليسوا أكثر من «حفنة صغيرة». وقد أكد أكثر من مسؤول أمريكي هذه التوقعات بل صدرت في الآونة الأخيرة تصريحات تشير الى انخفاض مناقشة مخاوف إمكانية انضمام العشرات من الامريكيين الى «المعمعة» في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول استخباري أمريكي كبير انه من المنطقي ربط حملة الجنسيات الأمريكية الذين ذهبوا الى سوريا مع تنظيم «الدولة الاسلامية» لانه التنظيم الأقوى حاليا في المنطقة وهو الذي يدير «اللعبة» ولكنه أكد ان الولايات المتحدة ليست لديها معلومات استخبارية محددة تكشف هوية أي أمريكي يحارب مع «داعش». وقال مسؤولون أمريكيون ان عددا صغيرا من الأمريكيين يقاتلون في سوريا وان عشرة منهم على الأقل عبروا الحدود الى العراق.
وقدر مسؤولون في المخابرات الأمريكية ومكافحة الإرهاب في وقت سابق ان حوالي مئة أمريكي حاولوا الإنضمام الى مجموعات القتال في سوريا لاسقاط نظام بشار الأسد وان 70 شخصا منهم تمكنوا من تحقيق هدفهم ولكنهم أوضحوا ان صعوبة تقدير الاعداد تتضاعف بمجرد عبور الحدود السورية والعراقية، وتشكل هذه المعضلة تحديا بالنسبة للمجتمع الاستخباري في واشنطن، حيث قال مسؤول استخباري انه بمجرد وصول المواطن الأمريكي الى «الأرض التي لا يحكمها أحد» فان قدرة الأجهزة الأمنية على التعقب تتضائل بشكل واضح، ولهذا السبب تحاول الأجهزة الأمنية وقف المحاولات من مهدها قبل تلاشي القدرة على تحديد الأماكن التي يذهبون اليها أو البحث عن اسم التنظيم الذي يقاتلون من خلاله. وقال جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الاسبوع الماضي ان الوكالة غير متأكدة حتى الآن من أي رقم معين حول الأمريكان الذين ذهبوا الى سوريا مضيفا انه «من الصعب جدا القول بثقة اذا كان هنالك 100 أو 200 أو 500 أمريكي هناك لاننا ببساطة لا نعرف».
وأكد المحلل الاستخباري ايفان كولمان ان هنالك ثلاث حالات حديثة على الأقل من الأمريكيين الذين يتعرضون حاليا لمحاكمات بتهمة محاولة الانضمام الى المجموعات الجهادية منهم آدم «فادي فادي» داناج الذي اعتقلته السلطات الفيدرالية في مطار لوس انجليس الدولي في مطلع تموز/يوليو الماضي واعترف فيما بعد بانه حاول السفر الى سوريا للانضمام الى «داعش» ودونالد راي مورغان ( 44 عاما) من ولاية كارولينا الشمالية الذي اعتقلته «التحقيقات الفيدرالية» بتهمة انتهاكات الأسلحة النارية قبل ان يتم إكتشاف نشره للعديد من الرسائل المؤيدة لداعش على وسائل الاعلام الاجتماعية ومن المعتقد انه نشر صورة على «تويتر» وهو يؤدي قسم الولاء لرئيس تنظيم «الدولة الاسلامية» ابو بكر البغدادي. كما ظهرت حالة الممرضة شانون مورين كونلي (19 عاما) من ولاية كولورادو التي تتعرض حاليا لاتهامات فيدرالية بانها حاولت السفر الى تركيا كمحطة أولى في رحلة انضمام لتنظيم جهادي في سوريا.
ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالية حاليا مع أمريكي عاد مؤخرا من سوريا كما يتم التحقيق في قضية أمريكي آخر ما زال موجودا في سوريا. وقال عدد من المحققين ان سرد الغاية من الذهاب الى سوريا قد تغير أيضا حيث كان السرد السابق يشير بوضوح الى القتال ضد نظام الأسد أما الآن فهو «انا ذاهب للانضمام الى داعش».
وقال وزير العدل الأمريكي اريك هولدر ان قضية المقاتلين الأجانب هي الأكثر إثارة للخوف من أي شيء آخر رآه في حياته. وقد وضع هولدر الخطوط العريضة لسياسات الدول الأوروبية والولايات المتحدة من أجل تخفيف التهديدات التي يشكلها «المقاتلون الأجانب» عند العودة الى ديارهم.
وتشير بيانات وشهادات الى ان العديد من المقاتلين لا يرغبون في العودة الى ديارهم أصلا بعد ان وجدوا انفسهم في الجهاد ووجدوا ما يبحثون عنه في تنظيم «الدولة الإسلامية» وقد احرق العديد منهم جوازات سفرهم لاظهار الولاء للتنظيم. ونقلت تقارير إعلامية أمريكية عن مقاتل أجنبي في سوريا قوله ان فكرة العودة والقيام بهجمات ارهابية في ديارهم هي مجرد هراء مطلق مضيفا ان لا أحد من زملائه ينوي العودة لانهم جميعا يعيشون حياة جيدة. وعلاوة على ذلك نشر مركز «ويست بوينت» لمكافحة الإرهاب تقريرا يتضمن مقابلات مع عدد من المقاتلين الأجانب لديهم شعور مماثل،وخلال تلك المقابلات ترددت عبارات تقول بان المقاتلين الأجانب ليس لديهم خطط للعودة الى ديارهم بعد انتهاء الصراع السوري لانهم حضروا الى سوريا لكي يموتوا شهداء. فيما قال مقاتل أجنبي آخر:»العودة مستحيلة .. كيف يمكن ترك هذه الحياة المجيدة للعودة الى حياة الحيوانات».
ولكن الادارة الأمريكية لا تلتفت الى هذه الشهادات وهي تتهيأ بشكل جدي للمخاطر الأمنية العالية التي يشكلها المقاتلون الأمريكيون حال عودتهم الى ديارهم. وفي جلسة استماع لمجلس الأمن القومي في مجلس الشيوخ قال السناتور توماس كاربر بان واشنطن تعلم بان هنالك عددا من المواطنين الأمريكيين قد حملوا السلاح في سوريا والعراق واليمن والصومال وان التهديد الذي يحمله هولاء الأفراد حال عودتهم بتنفيذ هجمات هو تهديد حقيقي ومثير للقلق.
وكثفت الحكومة الأمريكية جهودها لجمع معلومات استخبارية عن الأمريكيين العائدين من مخيمات التدريب السورية. وقال جون كارلن مساعد المدعي العام ان مكتب التحقيقات الفيدرالية وغيره من أعضاء المجتمع الاستخباري يضعون أولوية قصوى ويأخذون كل الخطوات اللازمة لمنع هؤلاء من تعريض الأراضي والمصالح الأمريكية للأذى. وقال عدد من المسؤولين ان قائمة حظر الطيران لا تضم جميع المشتبه فيهم مما يجعل من الصعب على المحققين تتبع آثارهم.
ولا تقف المخاوف عند حد عودة حملة الجوازات الأمريكية حيث تخشى واشنطن من تمكن العديد من حملة الجوازات الاوروبية من دخول الأراضي الأمريكية بسهولة حيث لا تتشارك جميع الدول الاوروبية مع الولايات المتحدة في قوائم المشتبه فيهم .

 

 

 
النظام السوري يكرر استخدام السلاح الكيميائي ويقصف مواقع لداعش في الرقة/ محمد اقبال بلو
انطاكية – «القدس العربي»: في أجواء من الحزن والغضب استعاد السوريون ذكرى المجزرة التي وصفت بأنها مجـــزرة بلا دماء والتي راح ضحيتها حوالي ألفي سوري بسلاح النظام الكيميائي في غوطة دمشق، بينما النظام السوري قام وقبل يوم واحد من ذكرى المجزرة بقصف حي جوبر في ريف دمشق بالسلاح الكيميائي نفسه ليسقط خمسة شهداء وعشرات المصابين بحالات اختناق.
وأكد أطباء من المشفى الميداني في عربين أن عشرات حالات الإختناق قد وصلتهم لأشخاص تعرضوا لغاز السارين، تم التعامل مع إصابات معظمهم في حين فقد البعض حياتهم إثر ذلك، وأكد الأطباء أن بعض الحالات كانت أشد مما شهدوه في العام الماضي.
بينما خرجت مظاهرة في مدن وبلدات سورية تندد بهذه الجريمة وتدعو المجتمع الدولي بوضع حد لما وصفته بجرائم النظام السوري ومجازره، كان أبرزها في حي بستان القصر بحلب، واللافت في هذه المظاهرة أن المتظاهرين حملوا صورة لبشار الأسد ومعه علي حسن المجيد منفذ مجزرة حلبجة في العراق، وبينهما إشارة مرور توضح أن الضوء الأخضر لبشار الأسد فقط في هذا الموضوع.
كما أصدرت الحكومة السورية المؤقتة بياناً أدانت فيه صمت المجتمع الدولي حيال مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري منذ عام كامــــل دون أن يعاقب ما أتاح للإرهاب أن يتمدد بالصورة التي هو عليها الآن، حسب بيان الحكومة.
من جهة أخرى أعلن تنظيم داعش سيطرته على مطار الطبقة في محافظة الرقة بعد معارك عنيفة راح خلالها عشرات القتلى، وقال إعلاميو التنظيم أن الهجوم بدأ بتفجير مفخختين واستمر بشكل ضارٍ إلى أن تمت السيطرة على المطار، بينما أكد إعلام النظام عبر وكالته «سانا» أن هذه المعلومات لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وأنه ما زال يسيطر على المطار والتنظيم يسيطر فقط على بعض القرى المحيطة به.
في الوقت نفسه قصفت مقاتلات النظام السوري العديد من المواقع في الرقة كان أهمها المشفى الوطني ودوار العلم ومبنى الإذاعة ومحيط الأمن العسكري والمركز الثقافي، وأوقع العديد من القتلى من المدنيين ومن القتلى بعض مقاتلي داعش، كما أغار طيران النظام على حي الاسكندرية وبلدة هنيدة والكرين، ومحيط مطار الطبقة العسكري ما أدى لمقتل ستة من عناصر تنظيم داعش.
وفي سهل الغاب في بلدة شطحة الموالية للنظام السوري اندلع اشتباك عنيف بين عناصر الشبيحة وعناصر من قوات الدفاع الوطني، أدى إلى سقوط أكثر من عشرين شخصاً بين قتيل وجريح فيما لم تعرف أسباب الخلاف الذي حدث، وأفاد ناشطون أن قوات النظام قامت بفض النزاع بعد أن طالب أهالي البلدة بالتدخل لوقف الاشتباكات تلك والتي تتكرر بين الحين والآخر.
في ريف إدلب يتسع الشرخ بين جبهة النصرة وجبهة ثوار سوريا التي يقودها جمال معروف والذي تبادل الاتهامات مع قيادات النصـــرة، واعتبر ان ما حدث مؤخراً في ريف إدلب من معارك بين بعـــض الكتائب وجبـــهة النصرة كانت معارك مفتعـــلة من الجبهة، لبناء إمارتها الإسلامية التي تهـــدف لها، كما أكد أنه على استعداد للمحاسبة والخضوع للقضاء إن أتت الجبهة بأدلة على اتهاماتها التي توجهها له ولعناصره.
وفي سياق آخر، أصدرت مجموعة من الفصائل العسكرية المقاتلة ضد النظام السوري بياناً أدانت فيه قيام تنظيم داعش بقتل الصحافي الأمريكي «جيمس فولي» واعتبر البيان أن التنظيم من التنظــــيمات الباغية التي قتلت واستحلت دماء كل شخص خالف فكرهم، وخاصة الصحافيين والإعلاميين والنشطاء، حيث قتل التنظيم العشرات منهم في سوريا.

 

 
الجهاديون البريطانيون: عندما تصبح المغامرة مسألة أمن قومي/ إبراهيم درويش
لندن – «القدس العربي»: في شباط/فبراير 2014 قاد جهادي بريطاني شاحنة محملة بأطنان من المتفجرات وفجرها في سجن حلب العسكري، وكان عبد الواحد مجيد (43 عاما) أول بريطاني يقوم بعمل انتحاري، وأكدت مشاركته مخاوف المسؤولين الأمنيين في بريطانيا من أن رحلة الجهاديين الشباب من بريطانيا للدفاع عن المسلمين في سوريا ضد النظام الطائفي هناك ليست مجرد «نزهة» كما صورتها مواقع التواصل الإجتماعي وصورها المتطوعون البريطانيون الذين وضعوها على «تويتر» و»فيسبوك» و»انستغرام» وغيرها من الميديا الجديدة.
وظل المتطوعون مصدر قلق للسلطات الأمنية التي لم تخف من موتهم في ساحات القتال قدر خوفها من عودتهم وقد تمرسوا عسكريا وأيديولوجيا لتخطيط ولتنفيذ عمليات داخل البلاد. فالغالبية العظمى من المتطوعين البريطانيين انضمت للفصائل الجهادية المقاتلة السورية. واللافت للنظر أن الدراسات التي صدرت في بداية الإنتفاضة السورية ومنها تلك الصادرة عن مركز دراسات الحرب في واشنطن «الجهاد في سوريا» ومركز الأزمات الدولية في بروكسل «جهاد مؤقت» وهي دراسات أولية رصدت الظاهرة الجهادية- السلفية بشكل عام في سوريا، لاحظت كيف يتم التفريق بين «ثوار» و «مجاهدين».
فالأول يوصف به المقاتلون السوريون والثاني المتطوعون الأجانب. وقللت الدراسات من أهمية الدور الذي يلعبه هؤلاء، فلم تكن ظاهرة المتطوعين الأجانب مهمة حتى للسوريين، حيث نظــــروا إليــها في بداية الثورة كعامل مكمل وطالما حث الناطقون باسم الجيش الحر الغرب على إرسال أسلحة وليس متطوعين.
لكن المشهد تغير مع صعود «جبهة النصرة لأهل الشام» وبعدها «تنظيم الدولة الإسلامية في العــــراق والشام» (داعش) والذي أثبت قدرات جيدة على جذب المقاتلين الأجانب. مع أن هؤلاء لم يكونوا جزءا من فصيل بعينه وكانوا ينضوون تحت لواء «كتائب المهاجرون والأنصار» أو «الكتيبة الشيشانية» التي اشتهرت بشراستها.
هناك أكثر من 12 ألف مقاتل أجنبي في سوريا من 50 دولة، حسب التقديرات الأمريكية، من بين هؤلاء تظل أعداد المتطوعين من الدول الأوروبية قليلة لا تتجاوز المئات. ويعتبر البريطانيون من أكثر الجماعات الأوروبية المقاتلة في سوريا، وتقدر المؤسسات الأمنية عددهم بين 500- 600 وبعض التقديرات المبالغة تقدر عددهم بحوالي 1300. ومعظم هؤلاء من فئة الشباب في بداية العشرين من أعمارهم ومن طلاب الجامعات أو المدارس الثانوية وكلهم من الذكور باستثناء مجموعة قليلة من الإناث اللاتي ذهبن إلى هناك مدفوعات بدافع مساعدة الجهاديين والزواج منهم ان اقتضى الأمر، حيث انتشرت فكرة الزواج هذه إما بفعل وسائل التواصل الإجتماعي أو بطرق أخرى.
وعلى خلاف المتطوعين في حروب سابقة، يمثل المتطوعون في الحرب السورية مشكلة للحكومة البريطانية وترى فيهم تهديدا للأمن القومي، كما اتضح أخيرا في سياسة ديفيد كاميرون الذي أعلن عن معركة مع جهاديي سوريا والعراق. وقامت وزارة الداخلية بسحب جنسيات عدد من المتطوعين في سوريا وهددت بسجن من يعود، ويراقب رجال الأمن في المطارات حركة الشباب المسافرين خاصة لتركيا ويحققون مع بعضهم حول دواعي سفرهم إلى هناك، وأصبح الإنخراط في نشاطات إنسانية وإغاثية مدعاة للشك. وكما وأعلن كاميرون عن حذف 47.000 مادة جهادية على الإنترنت، وهدد بسجن من يرفع علم الدولة الإسلامية في أي مكان في بريطانيا.
يرتبط الجدل حول دور المتطوعين المسلمين في سوريا بموقف الإعلام من المسلمين أنفسهم (1.8 مليون) وبمرحلة ما بعد 9/11 و 7/7 في لندن حيث يتم التعامل مع المسلمين كخطر، وتعمم الصحافة اليمينية بل وسياسات الحكومة لمواجهة التشدد والإرهاب «بريفنت» مثلا في تعاملها مع المسلمين وتخلط بين العمل معهم لمكافحة الإرهاب واتهامهم بارتكابه، مما أدى لآثار سلبية وفقدان ثقة بالحكومة. فنسبة الجهاديين لا تتجاوز 0.4٪ من جالية لا تتجاوز نسبتها 4.3٪ من مجمل عدد السكان. وقد ظل المسلمون آباء وقيادات يتعرضون لضغوط شديدة لشجب أفعال أبنائهم التي لم يعرفوها، وتتعرض مساجد ومراكز إسلامية مثل ما حــدث مع «مركز المنار» في كارديف لاتهامات بغرس الأفكار الجهادية لا لسبب إلا لأن متطوعين صلوا فيه قبل سفرهم لسوريا. كما ودعت الشرطة البريطانية العائلات الإبلاغ عن أبنائهم وتسليمهم حال اكتشفت نواياهم للتطوع والجهاد. والمشكلة أن العائلة لا تعرف ما يدبر ابنها، ولا تكتشف غيابهم إلا بعد إعلان المواقع الجهادية عن استشهاد أحدهم في سوريا.
من الصعب فهم وتحديد دوافع المتطوعين للجهاد في سوريا، فالنزاع كغيره من النزاعات التاريخية التي شارك فيها متطوعون كما في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1937 والثورة الفلسطينية وحرب البوسنة وغيرها تعبيرا عن التضامن وتأكيدا للهوية، وبالنسبة للمسلمين حماية لإخوانهم المسلمين. ويظل التضامن مع المستضعفين هو الدافع الأكبر، وقد يكون الدافع إنسانيا ويتطور فيما بعد للتطوع في القتال. وربما ذهب المجاهد بحثا عن رحلة رومانسية ومغامرة في الصحراء تطورت للدخول في الحرب واكتشاف ويلاتها، وقد يكون التأثر بصور شاهدها على التلفزيون أو الإنترنت دافعا للسفر إلى سوريا. وفي مقابلات أجرتها «بي بي سي» مع جهادي لقبه أبو مهاجر قال إنه ينتمي لعائلة متعلمة وجيدة الحال وإن والديه يعرفان بقراره الذهاب لسوريا، وبالنسبة لأمير دغاييس فقد قرر السفر مع أخويه عبدالله وجعفر لسوريا رغم نصيحة والدهم لهم أن بأمكانهم مساعدة السوريين بطرق أخرى (حسب شهادات لأمير في فيلم «صعود الجهاد البريطاني في سوريا»). وحسب دراسة أجراها «المركز الدولي لدراسات التشدد والعنف السياسي» في جامعة كينغز- لندن تحت عنوان «هاشتاغ- الطيور الخضراء» والتي قام بها باحثو المركز بالتواصل مع جهاديين بريطانيين في سوريا للتعرف على دوافعهم وحكاياتهم. وكشفت الدراسة أن الحرب الأهلية السورية تعتبر أول نزاع يشارك فيه المقاتلون من الدول الغربية وبأعداد كبيرة. وكشفت عن أهمية وسائط التواصل الإجتماعي في التعرف على العوامل التي الهمتهم ودفعتهم للمشاركة. وأظهرت الدراسة ان معلومات المقاتلين عن النزاع لم تأت من المصادر الرئيسية التي توفرها الفصائل المقاتلة عن نشاطاتها بل ومن مصادر فردية متعاطفة مع القضية وبعض هؤلاء لم تطأ قدماه سوريا.
وعلى خلاف النزاعات الأخرى لم يعد المسجد أو الخطيب المصدر الرئيسي لما يجري في محاور الحرب ولا المقاتلون الذين ذهبوا ثم عادوا فغالبية هؤلاء يحصلون على معلوماتهم مباشرة من متطوعيـــن سافــروا إلى هناك ونشــــروا نشاطاتهم على الإنتـــرنت أو من شخصيات «نجـــــوم» مثل افتكار جامان الذي قـتل نهاية العام الماضي قرب دير الزور، وهو من مدينة بورتسموث، وظهـــر الشاب على «بي بي سي» ودافع عن نفسه وأكد ان لا خوف من عودته لأنه لن يعود لبريطانيا من سوريا.
وكشفت دراسة جامعة كينغز عن ظهور شخصيات ملهمة توفــــرت موادهم على الإنترنت ومنهم احمد موسى جبريل، وهــــو فلسطيني أمريكي من شيكاغو وموسى سيرناتيو- أسترالي من أصول أيرلندية وإيطالية. ومع أنه لا توجد أدلة عن انخراط هذه الشخصيات في التجنيد أو لقاء المقـــاتلين إلا أنهم يلعبون دور «المشجع» للحرب في سوريا. وقام بعض المتطوعين بالبحث في الإنترنت وسافر لتركيا ومن هناك التقطه أشخاص متخصصون ونقلوه إلى الجماعة المعينة.
وتظل قصص وصور المقاتلين وطريقة حياتهم دافعا للمغامرة في سوريا. ولعل سهولة السفر لسوريا كانت عاملا في ارتفاع المقاتلين البريطانيين فكل ما يحتاجه هو تذكرة طيران بأسعار مخفضة وجواز سفر حيث يصل مطار اسطنبول ومنها إلى غازي عينتاب في رحلة داخلية. سهولة السفر وقرب المسافة دفع بديفيد كاميرون الى التأكيد في مقالته الإسبوع الماضي التي نشرتها «صاندي تلغراف» على كون ما يجري في العراق مشكلة محلية. وبالقطع فحادث مقتل جيمس فولي، وكون المنفذ بريطانيا بحسب معظم التقديرات، اسمه الأول «جون» يضع ضغوطا على الحكومة البريطانية لاتخاذ اجراءات غير التي أعلن عنها كاميرون قبل أيام واصدار تشريعات متشددة.
ونحن مقبلون بالتأكيد على مرحلة صعبة بالنسبة للمسلمين في بريطانيا. فتحول الشباب للعنف والقتل في العراق، وهي ظاهرة جديدة لم ترصد إلا في العام الماضي ستضع المسلمين مرة أخرى في دائرة الضوء، وسيتم التشكيك بولائهم. فهم يندفعون للتطوع في المنظمات الإرهابية ولكنهم يبتعدون عن الإنضمام للجيش البريطاني حسب صحيفة «التايمز».
وفي مرحلة ما بعد فولي ستتخذ الحكومة من مقتله ذريعة للتدخل أكثر في العراق ولمراقبة شديدة على المسلمين وتفعيل قوانين باسم مكافحة التشدد والإرهاب. والمشكلة تظل قائمة كيف سنوقف تدفق الجهاديين لسوريا، فمثلا كلما حذفت الحكومة مواد على الإنترنت تحرض على الجهاد ظهرت أخرى، ففي كل دقيقة يتم تنزيل 100 مادة جهادية.

 

 

 

الجهاديون الالمان .. عندما يكون التطرف هو الحل
برلين – «القدس العربي»: من علاء جمعة – تواجه المانيا مشكلة جديدة قديمة من نوعها الا وهي مشكلة التطرف الإسلامي التي أخذت تنحى منحا جديدا، خاصة بعد توافد العشرات بل المئات من الشباب، للإلتحاق في صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق، وليشكل الشباب الالمان جزءا من كتلة أكبر، وهي الشباب الاوروبي المتطرف، والذين قدرت دراسة حديثة نشرتها وسائل الاعلام الالمانية عددهم بـ12 الف مقاتل أوروبي، وهم متواجدون حاليا في العراق وسوريا بينهم بضعة مئات من أصول إسلامية.
وتبدو المشكلة أكثر وضوحا بعد قراءة الصحف الالمانية ونشرها للتحذيرات المتكررة لأجهزة الأمن الالمانية وجهاز «حماية الدستور» وهو المسمى الالماني لجهاز المخابرات، والذي يحذر فيه من أن ظاهرة الجهاديين قد تنعكس سلبا على المانيا، خاصة بعد عودة الشباب المقاتل الى الأراضي الالمانية، واحتمالية تهديده للأمن باستهدافه لحياة المواطنين الالمان. وتعزز هذا الاتجاه أسبقيات حصلت، كاستهداف المتحف اليهودي في بروكسل والذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص، حيث قادت التحقيقات الى وجود رابط بين المهاجم وبين وجوده مسبقا في سوريا، وأيضا جماعة زاورلاند الالمانية المتطرفة والتي أقرت بعد القبض عليهم بتخطيطها لتنفيذ عمليات تفجيرية تشمل الملاهي ومحطات القطارات والحافلات .
الا أن العديد من الإعلاميين الالمان والخبراء في مجال الإسلام السياسي يعتقدون ان أجهزة الأمن والإعلام الالماني يعتمدون أسلوب المبالغة والتهويل من خطر إسلامي مقبل. وهو ما يذهب اليه الصحافي الالماني والباحث في شؤون الإسلام البريشت ميتسجر والذي أكد في تصريح لـ «القدس العربي» أنه لم يثبت فعليا وجود خطر حقيقي من الجهاديين الالمان على المجتمع الالماني، كما ان العشرات من الالمان الذين كانوا في ساحات القتال عادوا، ولم يثبت تورطهم في أعمال عدائية ضد المانيا والشعب الالماني، بالإضافة الى أنه لا توجد مبررات فعلية قوية تدفعهم لذلك، اذ انه في حالات سابقة كان الإنتقام هو الدافع الرئيسي للقيام بعمليات تفجيرية مثل رسومات الكاريكاتور المسيئة، أو التدخل العسكري في أفغانستان. ويؤكد ميتسجر ان المسلمين الالمان والجاليات الإسلامية تعيش نوعا من الإنسجام المجتمعي مقارنة بحال المسلمين في العديد من البلاد الاوروبية الأخرى، كما أن معظم المسلمين في المانيا غير مسيسين إلا قلة قليلة وهنالك جهود حكومية واضحة للاعتراف بهم وهو ما يؤدي الى نوع من التعايش السلمي كما انه يعتبر مسوغا للمسلمين بعد الإنخراط في دهاليز التطرف.
ويكافح المسلمون في المانيا من أجل الاعتراف بهم دينا رسميا من الدولة، الأمر الذي لم يحدث لحد الآن، ويحمل العديد منهم الدولة الالمانية مسؤولية انتشار التطرف لدى بعض الشباب المسلمين، ويقولون ان عدم تدريس الدين الإسلامي الصحيح للجيل الصاعد وما يحمله الإسلام من تسامح، يجعله عرضة للمتطرفين. وكان الرئيس الألماني يواخيم جاوك قد أشاد مسبقا بخطوة تدريس علوم الإسلام في المدارس والجامعات خلال زيارته لمركز متخصص في تدريب علماء الدين الإسلامي.ا لمركز المدعوم من الحكومة لـ»ابتعاده عن التفسيرات الأصولية» وذلك بعد نقاش استغرق سنوات، لإدخال تدريس الدين الإسلامي في المدارس الالمانية. اذ أنه وفقاً للمادة 7 (الفقرة 3) من الدستور الألماني فإن لجميع الأديان الحق في التدريس وهذا ينطبق أيضا على حوالي 700 ألف تلميذ وتلميذة يدينون بالدين الإسلامي في ألمانيا، ولأن الإسلام غير معترف به كـ»طائفة دينية» رسمياً في المجتمع، فإن الولايات الألمانية تلج مجالاً جديداً عليها قانونيا وسياسيا بإدخالها تدريس الدين الإسلامي في المدارس.
ويحذر خبراء مكافحة الارهاب من خطر تنامي وجود المجموعات المتشددة في أوروبا، اذ أن تقارير استخباراتية ألمانية أكدت أن عدد المتشددين الإسلاميين الذين يسافرون إلى أفغانستان وباكستان تراجع بشدة وهم يتوجهون الآن بشكل خاص إلى سوريا لان السفر اليها سهل ولا توجد معوقات وذلك من خلال التسلل عبر المناطق التركية الحدودية.
وعن الأسباب والدوافع التي تجعل الشباب الالماني متحمسا لفكرة الانخراط في جماعات مقاتلة متطرفة رصد خبراء الإرهاب العديد منها وأهمها التجنيد المنظم عبر الانترنت كما حدث بعد أكتشاف الشرطة الالمانية لـ 20 مراهقة المانية توجهن الى سوريا للزواج من المقاتلين.
وكانت الشرطة الالمانية قد تلقت بلاغا من عائلة فتاة تدعى سونيا وهي من أب جزائري وأم المانية وتبلغ 16 عاما بان ابنتهم اختفت ولم تعد للمنزل وبانهم يشكون في أن تكون اختطفت، وبعد التحقيقات التي اجرتها الشرطة في مدينة كوستانز في محافظة بادن فورتيم بيرغ جنو ب المانيا والتعقب الأمني تم القبض على الفتاة وبحوزتها أوراق مزورة لمغادرة البلاد وبعد التحقيق معها تبين انها كانت في طريقها الى سوريا للحاق بفتيات أخريات سبقنها الى هناك.
وأقرت سونيا بأنها وزميلاتها جرى تنظيمهن عن طريق الانترنت بواسطة مدونة خاصة بالجهاد وأنهن لم يتواصلن مطلقا مع أي من المشرفين بشكل مباشر. وعند سؤالها عن علمها عن حالات تبادل الزوجات وجهاد النكاح ما بين المتحاربين قالت بان هذا محض افتراء وان هذه الأمور غير صحيحة وقالت انها وجميع زميلاتها أصبحت لديهن معرفة واسعة بامور دينهن وبانهن تلقين دروسا عديدة تهيئة للذهاب وهن يعرفن الحلال والحرام .
وغالبا ما يكون هؤلاء الشباب ممن فشلوا في حياتهم ولم يستطيعوا الحصول على تعليم أو فرص عمل كما أن شعور بعض المهاجرين من اصول إسلامية بالتهميش خاصة بسبب الاجرءات التي تتخذها المانيا والدول الاوروبية التي تعيش هواجس ومشاعر الاسلاموفوبيا يدفع الكثير من العوائل المسلمة والأفراد لأن يعيشوا حالة من العزلة، وهو ما يؤكده الصحافي ميتسجر بقوله انه وبحكم عمله التقى العديد من الشباب الذين توجهوا الى سوريا والعراق للمشاركة في القتال وان حالات عديدة أكدت أنهم كانوا يعيشون حياة فاسقة ليست إسلامية، وبعضهم كان مدمنا على الكحول ولهم علاقات نسائية متعددة، قبل أن يشعروا بانهم أخطأوا في حياتهم ويدفعهم هذا للتعمق في الدين وللتكفير عن سيئاتهم مما يجعلهم
عرضة لاستقطاب جماعات متطرفة تخبرهم بان هذا الأمر هو الطريق الصحيح.

 
بلجيكا وهولندا أرضا الرباط والجهاد وأزمة أوروبا مع أبنائها «الجهاديين/ مالك العثامنة
بروكسل – «القدس العربي»: يطل من فيديو مرفوع على قناة مفتوحة في موقع اليوتيوب، والفيديو منشور بصفحة مفتوحة على مصراعيها على الفيسبوك، وتحت ظلال شجرة وارفة في ريف حماة، يتحدث «أبوعبد الرحمن» كواعظ ومحاضر عن ثواب الجهاد في سبيل الله، وتبث صفحة خاصة بجبهة النصرة في بلجيكا وهولندا الفيديو مع تقديم بأنه من سلسلة محاضرات الشيخ أبوعبدالرحمن.
أبوعبد الرحمن، وبلسان عربي فصيح غير ذي عوج، يقرأ الآيات والأحاديث المدعمة لكلامه الناطق باللغة الهولندية. وهو شخصيا من بين ما يقارب الـ330 شخصا ممن تركوا بلدهم «بلجيكا» مهاجرين جهاديين إلى الشرق الأوسط حيث مناطق النزاع التي تفجرت هناك، بعد الربيع العربي عام 2011.
الصفحة «الفيسبوكية» واحدة من صفحات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تكشف مجتمعا «إفتراضيا» كاملا يبدو أنه بعيد عن الإفتراض على أرض الواقع بالمعنى الحقيقي، فصفحة جبهة النصرة مثلا، مكثفة بالأخبار الواردة من أرض المعارك في سوريا وأسماء قتلاها والتعريف عنهم، والتعليقات الواردة تكشف حجما كبيرا من جمهور متعاطف وأنصار لفكرة الجهاد والقتال في سبيل الله، ولعل مثالا من أمثلة ما تنشره تلك الصفحة يكشف الكثير عن عالم متحرك باستمرار يتفاعل مع ذاته ويتحرك بنشاط في محيطه. فقد ورد على الصفحة مثلا بتاريخ الرابع عشر من تموز/يوليو الماضي تحت عنوان خبر، وباللغة الهولندية تقديما لفيديو مفاده (..جبهة النصرة في بلجيكا وهولندا تنظم حملة دعوية في القرى السورية لكسب قلوب السكان المحليين). والفيديو نفسه لمجموعة من المقاتلين المهاجرين في سبيل الله في المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة فعليا.
بلجيكا وهولندا، دولتان من دول الرفاه الاجتماعي في العالم، ومن الدول التي تعتبر جنة الأحلام للجميع في أوروبا، فلماذا يتوجه شباب من هذين البلدين إلى القتال باسم الجهاد في الشرق الأوسط، والذي يدفعهم لترك الحياة في بلاد توفر أفضل شبكات الأمان الاجتماعي بالمقاييس الدولية؟
«القدس العربي» توجهت بالسؤال للدكتور منتصر الدعمة، وهو باحث متخصص وأستاذ في جامعة أنتويرب في بلجيكا، والذي أوضح «أن عموم هؤلاء الشباب بالأصل غير مرتاحين نفسيا، وهم منذ البداية غرباء عن منظومتهم الاجتماعية، خصوصا إذا عرفنا أن أغلب من ينخرط في التيارات السلفية منهم هم من الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين العرب، وتحديدا من مناطق الريف في المغرب العربي».
الباحث الدعمة والذي أعلمنا أنه سافر في وقت سابق إلى حلب أثناء سيطرة الإسلاميين عليها، والتقى بهم هناك، أضاف «أن هؤلاء الشباب القادمين من بلجيكا وهولندا يشعرون أنهم مرفوضون إجتماعيا في تلك المجتمعات الغربية، وهم رغم عدم تحدثهم اللغة العربية بشكل جيد، إلا أنهم وفي حالة ضعف نفسي تواقون للبحث عن يوتوبيا فاضلة في مخيلتهم، يجدون صداها في أدبيات الفكر السلفي الجهادي، والذي بحكم تركيبه رسم الخطوط العامة لرفع الظلم وإزالة الحدود التي اصطنعتها سايكس بيكو وأدبياته زاخرة بيوتوبيا المدينة الفاضلة في دولة الخلافة التي ينادي بها».
وفي معرض رده على كيفية شيوع النهج السلفي في بلجيكا وهولندا، حمل الحكومات والدول مسؤولية ذلك، عبر قوله أن برامج «الإندماج» التي اعتمدتها تلك الدول أثبتت فشلها، فالشاب المسلم هناك يواجه عنصرية مبطنة تؤثر على حياته. وهناك أمثلة على ذلك مثل منع الحجاب والنقاب والذي يزيد من إغتراب هؤلاء الشباب ويشعرهم أنهم مستهدفون في مجتمعات ترفضهم، مما يجعلهم يبحثون عن مجتمعات بديلة تتواءم معهم.
الدعمة أكد أن هؤلاء الشباب غالبا لا يذهبون للقتال، لكنهم يذهبون كمهاجرين إلى «دولة إسلامية» كما يتصورونها. ومن ثم يلتحقون في دورات تعبئة نفسية بعد أن يتلقفهم رجال الفكر السلفي.
وهو يلفت الإنتباه إلى أن تلك الرغبة الشديدة في العيش في مجتمع إسلامي ينصهرون فيه، يجعل هؤلاء في حالة عمى في التمييز، يفضي في النهاية إلى إلغاء الآخر، منوها إلى أن هذا يحصل في الطرف الآخر كذلك حين يتغاضى الأوروبي مثلا عن رؤية مقتل الأطفال في غزة أو العراق أو سوريا ويسكت عن جرائم أمريكا وإسرائيل في حق أناس أبرياء.
وعن دور الجوامع والمؤسسات الدينية في بلجيكا وهولندا، يؤكد الدعمة شدة التقصير في التواصل بين الأئمة وهؤلاء الشباب الذين لا يتقنون العربية، ولا يجدون أدنى محاولة من الأئمة والشيوخ للتواصل معهم، مما يجعلهم مضطرين لاستقاء معلوماتهم الدينية من عالم الانترنت فيحدث التضليل وغسيل الدماغ.
الدعمة، ختم حديثه بقوله أن الحل العسكري والأمني ليس جذريا مع هؤلاء بقدر ما أن سياسة الإحتواء ولكل حالة على حدة هي الأمثل، مع تطبيق مبادئ العدالة مع الجميع وعلى قدم المساواة، وأن السياسات العدوانية للدول على الشرق الأوسط هي دافع مهم في تغذية الحركات السلفية. «فكل قنبلة تسقط على العراق أو سوريا أو فلسطين تعمل على توليد مجاهد جديد».
وفي بحث سريع على صفحات هؤلاء الجهاديين على شبكة الانترنت، وجدنا إعلانا عن كتاب مطبوع بشكل أنيق وباللغة الهولندية عن الجهاد في بلاد الشام، يعطي فكرة عن مدى التنظيم الذي يتمتع به التيار السلفي في شكله الجديد.
الكتاب الذي كتبه «مجاهدون في سوريا» حسب نص الإعلان الانترنتي المفتوح، يوضح لماذا يقاتل هؤلاء وما هي رؤيتهم «العالمية»!! وهو يقع في 151 صفحة ويمكن تحميله عبر شبكة الانترنت لمن يرغب من الناطقين باللغة الهولندية.
«القدس العربي» عبر وسطاء من ناشطين في مجال حقوق الإنسان ومختصين في الجماعات الإسلامية استطاعت التقاء أحد هؤلاء العائدين إلى بلجيكا، عبر أسئلة وجهناها من خلال الوسيط الموثوق، فالتقينا – بشكل غير مباشر – مع أبوطاهر، الذي لم يكشف لنا أصوله العربية، لكنه أكد أنه من مواليد بلجيكا، لأبوين عربيين! أبوطاهر، وهو في الثلاثينات كما يقول، عاد من سوريا بعد خيبة أمل من القتال هناك، وهو يؤكد عبر الوسيط أنه لم يذهب إلا للهجرة في سبيل الله ورسوله، إلى بلاد الإسلام.
وفي رده على سؤالنا عن المزايا التي يتمتع بها في بلجيكا قال أن المسلمين في بلجيكا مضطهدون في حقوقهم، وأن الشريعة قانون الله الذي يجب أن يسري على الجميع، والدولة لا تسمح لهم بذلك، مؤكدا ان الشريعة الإسلامية يجب أن تأخذ حقها، لا أن تتعرض لهذا الاستهزاء بالإعلام.
أبو طاهر، قال أن نقطة التحول لديه كانت قبل سنوات مع حادثة الرسوم المسيئة للرسول والتي اعتبرها إساءة متعمدة للدين والعقيدة، وجزءا من سياق حملة صليبية إعلامية لكسر نفوذ المسلمين.
وعن تجربته القصيرة التي استمرت شهورا فقط في سوريا، قال أنه أعجب بفكرة الذهاب إلى دولة إسلامية قيد التأسيس وأنه مع إسقاط الطواغيت -حسب قوله- الذين يقفون عائقا أمام تأسيس الدولة الإسلامية، مؤكدا أن أغلب المجاهدين هناك يحاربون من أجل تلك الدولة وفي سبيل الله.
وعن سر عودته، ختم أبوطاهر حديثه المقتضب بقوله أن القتال في رأيه خرج عن الهدف الأساسي وأنه لا يزال مؤمنا في القتال في سبيل الله لكن الفتنة أشد من القتل واصفا ما يجري بالفتنة.
وقد رفض الحديث عن تفاصيل التدريب على القتال وأين يتم ذلك، وهو ما تحدث به ديديه رايندس وزير الخارجية البلجيكي في مؤتمر صحافي قبل شهر حين قال أن « الكثير من «الجهاديين» الأوروبيين يتلقون تدريبات عسكرية في ليبيا حاليا بعد سوريا والعراق ما يمثل تطورا جديدا».
وكانت دول أوروبا قد عقدت إجتماعا في شهر أيار/مايو الماضي في بروكسل شاركت فيه دول إقليمية في الشرق الأوسط لتباحث تداعيات خطر الجهاديين على أوروبا، سواء من خلال الهجرة غير الشرعية أو من خلال المقاتلين المغادرين من أوروبا والعائدين إليها وهم مدربون على أعتى فنون القتال.
وأصدر «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» تقريرا خاصا عن ظاهرة الجهاديين المتصاعدة مطلع صيف هذا العام، يتحدث عن وجود 11 ألف مقاتل من 74 بلدا مختلفا في صفوف المعارضة السورية. وأشار التقرير إلى أن عدد الجهاديين القادمين من أوروبا الغربية ارتفع خلال الإثني عشر شهرا الأخيرة من 600 إلى 1900 مقاتل.
وكان تقرير استخباري هولندي تم نشره على وسائل الإعلام أواخر حزيران/يونيو الماضي، قد حذر من أن الجماعات الإسلامية المتشددة في البلاد أصبحت «سربا» لا مركزيا ومراوغا!.
والتقرير الهولندي يكشف عن قلق واسع الإنتشار في أوروبا من الخطر الذي يمثله المواطنون الأوروبيون من المعتنقين لعقيدة الجهاد والسلفية الإسلامية والذين يغادرون بلادهم»الأوروبية» للقتال في صراعات الشرق الأوسط ، ويشكلون خطرا أمنيا بعد عودتهم خصوصا بعد اكتسابهم خبرة قتالية واسعة وخطيرة.
وتقدر السلطات الهولندية أن حوالي 120 مواطنا هولنديا غادروا حتى الآن للقتال في الحرب الأهلية السورية. وأشارت إلى وجود مجموعات أكبر للمتشددين في هولندا يصل أتباعها إلى عدة مئات والمتعاطفين معها إلى الآلاف.
وكانت «الوكالة العامة للأمن والاستخبارات» الهولندية في تقييمها الأخير الصادر مؤخرا أفادت عن الخطر الذي تمثله الجماعات الجهادية السرية كونها باتت أكثر قوة وثقة بالنفس.
وأضافت أن تعقب ظاهرة التشدد الإسلامي بات أكثر صعوبة، خصوصا أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنت الجماعات المتشددة- التي تزداد حرفيتها في هذا المجال- من تنسيق جهودها بدون الحاجة إلى سلطة مركزية.
السفير الهولندي الأسبق في العراق ومصر وتركيا والأكاديمي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط حاليا الدكتور نيكولاس فاندام، وفي رده على سؤال «القدس العربي» عن مسؤولية التيار اليميني المتطرف في هولندا بصياغة موقف مضاد يوجه بعض الشباب المسلم للتيارات السلفية، يقول «أن جانبا من هذا الأمر صحيح، وأن سياسيين هولنديين يمينيين من خلال خطابتهم المستفزة يعملون على استفزاز هؤلاء مما يساهم في توجيههم للإتجاه المضاد» وينفي الدكتور نيكولاس أن تكون برامج الإندماج قد فشلت.
وعن المجاهدين من أصول هولندية ممن ينضمون إلى تلك الجماعات المقاتلة، فيرى الدبلوماسي السابق «أن هؤلاء وإن شكلوا نسبة ضئيلة جدا لكنهم أكثر خطرا لأنه من المعروف والدارج أن المتحول للإسلام حديثا سيكون أكثر تطرفا من المولود مسلما، وذلك لحاجته النفسية لإثبات نفسه في مجتمعه الجديد».
وحول التعامل مع العائدين يقول فاندام أن «هؤلاء يشبهون الجنود الأمريكيين الذين عادوا من حرب فيتنام في الستينيات من القرن الماضي، وكانوا يعانون من اختلالات نفسية خطيرة شكلت خطرا على الأمن الأمريكي، وهنا فالحالة مشابهة وهؤلاء خطر وشيك ومحتمل والتعامل معهم يجب أن يكون مدروسا لإعادة تأهيلهم في المجتمع من جديد».
وبين حلول أمنية قاسية يطالب باتباعها تيار اليمين في أغلب الدول الأوروبية ومن بينها بلجيكا وهولندا، وبين احتواء ناعم قائم على حل المشكلة جذريا في البلدان الأوروبية نفسها للتخلص من مظاهر التطرف جميعها، تبقى أوروبا غير بعيدة عن خطر أمني محتمل يتمثل في قنابل غضب موقوتة مسلحة بعقيدة قتالية إنتحارية وخبرة في التدريب العسكري يرى فيها مراقبون، الجيل الثالث من القاعدة، وهو جيل قادر على التمويه والاختباء، بالقدرة ذاتها على التدمير والقتل.
القدس العربي

 

 
أوباما على خطى بوش؟/ راجح الخوري
حرص باراك أوباما دائماً على الرد على منتقدي سياسته الخارجية بالقول “انني لا أستهدف الاثارة والإعجاب وانما تجنب الاخطاء”، وكان جون كيري قد انضمّ الى منتقديه على خلفية موقفه من الازمة السورية الدموية والمتمادية، فقال لصحيفة “الفايننشال تايمس” في أيار الماضي: “لا ينبغي ان ننتقل من سياسة التدخل المفرط التي اتّبعها جورج بوش الى سياسة الإفراط في العزلة التي يتّبعها اوباما”.
الآن اخترق السكين الذي قطع عنق جيمس فولي هذه العزلة التي تنهال الإتهامات عليها وابرزها كتاب هيلاري كلينتون، الذي اعتبر ان اوباما ترك في سوريا فراغاً ملأه الارهابيون، واذا كان اوباما تلطى وراء الكونغرس ورفْضِ الشعب الاميركي توجيه ضربة الى سوريا بعد جريمة الكيميائي في آب من العام الماضي، فانه يحظى الآن بتأييد واسع للقيام بعمل عسكري كبير ضد”داعش”، كما يؤكد السناتور ميتش ماكونيل.
واضح ان واشنطن تعكف على أمرين، بناء تحالف اقليمي دولي يقوم بالعمليات الميدانية لضرب “الدولة الاسلامية” في سوريا والعراق، وبناء بنك للأهداف التي سيدمرها سلاح الطيران الاميركي، الذي باشر طلعاته فوق الأراضي السورية، وتردد انه قصف أرتالاً لـ”داعش” في الحسكة وتخوم دير الزور.
هل قرّر اوباما الخروج من شرنقة التعامي والانسحاب من العالم؟
المسؤولون في واشنطن تحدثوا امس عن ان اميركا قد تتحرك بمفردها اذا دعت الضرورة ولم تتمكن من بناء تحالف اقليمي دولي لضرب الإرهابيين، وهو ما لوّح به جورج بوش بعد “غزوة نيويورك” عام ٢٠٠١، لكن الناطقة باسم وزارة الخارجية أوضحت ان العمل يجري مع شركائنا ونستطلع كيف سيكون في مقدورهم المساعدة!
من الواضح ان واشنطن تعوّل على ان هناك اكثر من ١٤ ألفاً من رعايا الدول الغربية إنخرطوا في القتال مع “داعش” وسيعودون كقنابل تتفجر في بلادهم، وهذا كاف ليشكّل أساساً متيناً لقيام تحالف واسع ضد “الدولة الاسلامية”.
النظام السوري يريد تعويم نفسه باعلان استعداده للتعاون حتى مع الشيطان لمواجهة “داعش”، لكن المعروف ان بطشه هو الذي وفّر البيئة التي أدّت الى تجمّع الارهابيين الذين استجلبتهم رائحة دماء اكثر من ٢٠٠ ألف قتيل سقطوا في سوريا، لهذا ردت واشنطن سريعاً انه ليس هناك خطط للتعاون مع دمشق، وليس خافياً ان اي تعاون مع الديكتاتورية ضد الارهاب سيفضي في النهاية الى تعميق الارهاب وتوسعته!
بعد مقتل فولي لن يكون من الصعب ان يبدأ اوباما حملة قوية ضد “الدولة الاسلامية”، يقترح الجنرال المتقاعد ديفيد ديتبولا الذي حارب في افغانستان، ان تكون حملة قصف مكثّف أشبه بعاصفة وليس برذاذ مطر. عاصفة نارية متواصلة تمهد الطريق لسحق “داعش”. فهل يخرج “أوماما” من سياسة الشرنقة؟
النهار

 

 

 

مواجهة «داعش» بين التحالف الدولي والغياب العربي
رأي القدس
بعد اجتماعه مع كبار المسؤولين عن الامن القومي، قال الرئيس الامريكي في مؤتمر صحافي مساء الخميس انه لا يريد ان يضع «العربة امام الحصان»، واعترف بعدم امتلاكه استراتيجية جاهزة لمواجهة التنظيم المعروف اعلاميا بـ «الدولة الاسلامية» او «داعش»، الا انه طلب من وزير دفاعه تحضير «خيارات عسكرية» لدراستها، بينما تحدثت مصادر متطابقة عن جهود حثيثة تبذلها واشنطن حاليا لبناء «تحالف دولي» وهو ما قد يتطلب وقتا.
ومن المفارقة ان تتحدث الولايات المتحدة اليوم عن اهمية وجود «تحالف دولي»، بينما كان قرارها الاحادي بغزو العراق في 2003 السبب الرئيسي في دخول التنظيمات التكفيرية والارهابية الى العراق، وهو ما أدى في النهاية الى وجود «داعش» وتحولها الى «اكبر تهديد للامن والاستقرار» كما وصفها البنتاغون مؤخرا.
ولم يسأل احد اوباما عن عدم انتظاره «التحالف الدولي» لدى قيامه مؤخرا بشن غارات في شمال العراق لانقاذ اربيل من السقوط، وهو ما كان يهدد بضياع احد اهم محطات التجسس الامريكية في العالم.
وبالطبع فقد شهدت المعطيات الاستراتيجية والاقليمية تغييرا كبيرا منذ غزو العراق، فقد دفعت واشنطن ثمنا باهظا للغزو على كافة المستويات، وتعلمت الدرس جيدا، ما يثير الشكوك حول امكانية ارسالها قوات عسكرية ضخمة لخوض معارك برية مع داعش، وان كان من غير المستبعد اللجوء الى قصف جوي مركز متزامن مع عمليات لقوات خاصة، يكون اساسها الجهد الاستخباراتي، وهو ما يفسر قيام طائرات استطلاع بدون طيار برحلات مكثفة فوق سوريا حاليا.
الا ان التوجه الامريكي هذه المرة يشير الى ضرورة قيام الدول العربية بدور يتجاوز التمويل، وهو ما اكدته ضمنيا الدعوة الفرنسية لعدد من الدول العربية لحضور اجتماع غربي موسع الشهر المقبل للاتفاق على استراتيجية لمواجهة داعش، فيما اشار مسؤولون امريكيون الى انهم حصلوا بالفعل على تعهدات من نحو ثلاثين دولة بدعم التحالف المقترح بالمساعدات المالية والعسكرية والانسانية.
الا ان هذا التحالف المقترح سيحتاج الى غطاء شرعي من مجلس الامن للقيام باي تدخل عسكري واسع، وهو ما لا يوفره حاليا القرار رقم 1270 بشأن «داعش».
كما ان اوباما نفسه قد يحتاج الى تفويض من الكونغرس لاعلان الحرب، وهو موضوع لا يشعر نواب كثيرون بحماس كاف لمناقشته اصلا.
واذا كان عند اوباما ما يكفي من الاسباب للتردد في ارسال قوات على الارض فانه ليس وحيدا في هذا الموقف، خاصة مع تهديدات «داعش» بشن هجمات انتقامية، بل وظهور رايتها السوداء فعلا في عواصم اوروبية.
ومن الانصاف الاقرار بأن اوباما يواجه خيارات صعبة، بل انه يسير في حقل الغام، خاصة ان رئيس اركانه الجنرال ديمبسي نفسه قال في تصريحات الاسبوع الماضي ان الغارات الجوية وحدها لن تكفي للقضاء على داعش.
واذا شنت واشنطن غارات واسعة في سوريا دون تنسيق مسبق مع نظام الاسد فانها قد تغامر بمواجهة الدفاعات الجوية السورية، وهي مازالت فاعلة رغم ضعف امكانياتها. وربما تخاطر ايضا بفقدان دعم روسيا وايران وجهودهما الحاسمة بالنسبة لنجاح التحالف. اما اذا وافقت على التنسيق الامني مع نظام الاسد، فستخاطر بفقدان دعم بعض حلفائها الاوروبيين والخليجيين ايضا الذين اعلنوا رفضهم اي محاولة لاعادة ترميم شرعية النظام السوري.
اما الحاضر الغائب عن هذا المشهد المعقد فهم العرب الذين يواجهون الخطر الاكبر، ويدفعون يوميا ثمنا باهظا من امنهم القومي، فيما تواصل قوات داعش تقدمها على جبهات عدة، ضمن مخطط للسيطرة على نهر الفرات ودير الزور والحدود مع تركيا، لتوسيع «خارطتها» بما يضمن التواصل الجغرافي بين ما احتلته من اراض في سوريا والعراق، ويعزز «الرقة» كـ «عاصمة» لدولتها المزعومة.
بل ان الاجتماع العربي الوحيد الذي ناقش هذه القضية، لم ينعقد في مقر الجامعة العربية التي تحولت الى «شاهد زور» فيما تواجه دول عربية خطرا وجوديا غير مسبوق.
فهل يستفيد داعش من هذا المشهد البائس؟ وهل سينجح التحالف المزعوم في «استئصال السرطان» حسب تعبير اوباما؟ ام ان التدخل «الجراحي» سيؤدي الى تفاقم الخطر، وقتل المريض بدلا من انقاذه؟
القدس العربي

 
ماذا ستفعل أمريكا لمواجهة «داعش»؟/ وائل عصام
الجواب هو في ما قاله القادة الامريكيون انفسهم.. مارتن ديمبسي رئيس الاركان الامريكي، صرح قبل ايام بان السبيل لمواجهة داعش يبدأ بتفهم ومعالجة الاضطهاد الذي يشعر به 20 مليون سنيا بين بغداد ودمشق. وقبله قال الرئيس الامريكي اوباما ان سياسات حكومتي بغداد ودمشق المعادية للسنة تجعلهم يتماهون مع خطاب داعش المتطرف. يعرف الامريكيون ان «القاعدة» و»داعش» مشكلة سنية.. وحلها لا يكون الا سنيا.. ويدركون من تجربتهم في افغانستان والعراق ان سنة العراق وسوريا لم يكونوا ليزجوا بابنائهم في هذه الحركات بالغة التطرف، لولا شراسة الهجمة وحرب الابادة من نظامي سوريا والعراق، التي واجهها السنة من دون اي ظهير اقليمي عربي يعادل قوة ايران.
وبقدر ظلامية نموذج «القاعدة» في الحكم فانه يبقى خيرا من نور لهب حارق يهدد الوجود، فهو خيار حرب تستدعيه براغماتية سنية فائقة توظفه لخدمتها في مواجهة الآخر، وتنحيه جانبا بعد زوال الخطر الخارجي. فالمستجير بالرمضاء بالنار، لا يترك الرمضاء الا بعد اكتفاء شر النار. تعلم الامريكيون من تجربتهم في العراق ان «القاعدة» لم تهزم من جيش يبلغ قوامه 140 الف جندي لاقوى مؤسسة عسكرية في العالم، ولم تهزم من مئات الالاف من جنود القوات الحكومية التي وصفها الاخضر الابراهيمي يومها بانها ميليشيات شيعية ترتدي زيا رسميا، ولا من قوات البيشمركة الكردية، من استطاع هزيمة «القاعدة» في العراق هم حاضنتها السنية، عندما قررت مواجهتها لاسباب تتعلق بالصراع الداخلي على السلطة، حيث بدأ الحكم القاعدي يفرض نموذجه المتشدد وممارساته القمعية، التي كادت تساوي ممارسات الميليشيات الطائفية بشاعة وهمجية، فانقسم ابناء العشائر بين مؤيد لـ»القاعدة» ومعارض لها، ولم تنته هذه الحرب الاهلية السنية الا بانحلال تنظيم «القاعدة»، لكن في المقابل انهك السنة وخرجوا طرفا خاسرا في معادلة الصراع لصالح الشيعة والاكراد، الذين تقاسموا السلطة في العراق برعاية ايران الرابح الاكبر.. اما الامريكيون فقد خرج جيشهم بماء وجهه، بعد ان انقذهم قائد جيشهم ورئيس استخباراتهم في ما بعد، ديفيد بترايوس المحنك بخطته الجهنمية، التي وافقت افكار السفير زلماي خليل زادة، وهي تستند الى ان علاج ظاهرة «القاعدة» لا يأتي الا من السنة وحدهم.. لعلهم يعرفون تاريخ القبائل العربية جيدا.. بأسهم بينهم اشد واقسى، اما من سبقه من القادة الامريكيين كسانشيز ومارك كيميت فلم يمتلكوا فهما عميقا لهذه المعادلة، فاعتمدوا في مواجهة «القاعدة» والفصائل الجهادية العراقية فقط على الميليشيات الشيعية والجيش الامريكي.
وكان من الواضح لي خلال لقاءاتي الصحافية المتعددة مع مارك كيميت عام 2003، انه كان ينظر للسنة في العراق ككتلة صلدة معادية، اما بترايوس فمنذ اليوم الاول الذي جاء فيه للموصل كان ناجحا في فهم الحالة السنية، وكنت خلال وجودي في الموصل اتابع عددا من الاجتماعات التي كان يعقدها بكثافة بين مشعان الجبوري واحمد الحمداني، اللذين كانا يسيطران على شطري الموصل الايمن والايسر، ونجح في اجراء اول انتخابات مجلس
محافظة عراقي في الموصل بعد شهرين من الاحتلال، وتحقيق توافق صعب في نينوى باختيار اللواء غانم البصو أول محافظ للمدينة التي عادت وقادت التمرد اليوم ضد قوات المالكي، لذلك لا يستطيع الامريكيون، وكما يقولون هم انفسهم، مواجهة داعش الا بحلفاء الداخل، ثم من قال ان الامريكيين قادرون على هزيمة اي قوة عسكرية او سياسية اذا لم يكن هناك طرف داخلي يستقوي بهم ويستقوون به؟ لم يسقط الامريكيون وحدهم طالبان، بل اسقطها تحالف الشمال الافغاني، المكون من فصائل شيعية واوزبكية معادية للبشتون الطالبان تحالف الامريكيون معها، ولم يسقط الامريكيون صدام وحدهم، بل تحالفوا مع احزاب شيعية وكردية استقوت بهم لاسقاط عدوهم صدام، ولم يكن الجيش الامريكي ليبقى في العراق يوما واحدا، لولا تحالف ميليشيات الشيعة والاكراد وقواهم السياسية والدينية وقتالها ضد الفصائل المعارضة السنية، ليحصدوا العراق في النهاية كما ارادوه هم وليس كما ارادته امريكا، عراقا تحكمه احزاب شيعية دينية وقومية كردية، وفشلت امريكا بجيشها الجرار في فرض واقع حكومة علمانية معتدلة بقيادة حليفها علاوي، لذلك تبقى العوامل الداخلية هي المؤثر الاول في تحديد المنتصر وليس العامل الخارجي.
ولا نبالغ حين نقول ان الصراع بين المكونات الداخلية في الشرق الاوسط هو صراع اصيل، ويمتد لمئات السنين، بين السنة والشيعة والعلويين والاقليات، والعرب والاكراد، اما التدخل الخارجي فهو عابر يأتي في مرحلة عابرة لمصلحة طرف ما فيتوافق معه ويسانده، ثم يذهب العامل الخارجي ليبقى الصراع كما هو، بل لعله يشتد، كما حصل في العراق عندما خرج الامريكيون ليزداد الصراع دموية بين الميليشيات الشيعية والفصائل السنية. اليوم عادت «القاعدة» بنسختيها «داعش» و»النصرة» كميليشيا حرب مقاتلة تضم الافا من ابناء القرى والارياف السنية في سوريا والعراق، مدعومة بقوى دينية وعشائرية في تلك المناطق، مشكلة ما يشبه حلف حرب، وبدأ الامريكيون بقصفها جويا لكنهم يعرفون ان القضاء عليها يكون من خلال توفير الامن الاجتماعي للعرب السنة امام نظامي بغداد ودمشق، توفير حماية بديلة لهم تجعلهم يستغنون عن «داعش» والتنظيمات المتطرفة، المفارقة هو ان ما يفعله الامريكان الان هو تعويض عن عجز الانظمة العربية «المعتدلة» التي لو نجحت في مواجهة المد الايراني لما لجأ السنة لتنظيمات متطرفة في مواجهة ايران وحلفائها، بل يبدو الامريكيون اكثر عمقا في حل ظاهرة «داعش» من الانظمة العربية.
فبينما تسعى الادارة الامريكية لتوفير مناخات لحل جذري للمسببات الاجتماعية لظاهرة «داعش»، وتبادر لحلول كالاقليم، فان كل ما يهم انظمة «الاعتدال» العربي هو حماية سلطاتها المتداعية امام خطر «داعش» والتنظيمات المتطرفة المتنامي في مجتمعاتها، في ظل فشل تلك الانظمة اقتصاديا وسياسيا. الامريكيون وحلفاؤهم من الدول العربية وتركيا يميلون اليوم للقبول بمطالب تشكيل الاقاليم كحل للسنة، لكن المقابل سيكون كالتالي: حاربوا «داعش» ندعمكم في تشكيل الاقاليم. المفارقة ان «داعش» هي من وضعت حدود الاقليم السني بالقوة وفرضته امرا واقعا في العراق بهجوم الموصل الشهي، وهي تريد اقليما يحكم بنموذجها المشدد، وان واصلت عقد تحالفات محلية، فسيصبح ثمن تنحيتها بالقوة اغلى يوما بعد يوم على المجتمع السني، وقد تنحل الفصائل المنافسة لها شيئا فشيئا، كما يحصل اليوم في جبهة النصرة، وكما فعلت كثير من الفصائل الجهادية في العراق بمبايعتها «بيعة قتال»، فهي باتت تملك قرارا مستقلا، وتمويلا ذاتيا، لا يرتبط بتلك الدول العربية التي دعمت فصائل اكثر اعتدالا في سوريا، ككتائب الحر والجبهة الاسلامية.. وفي مرحلة سابقة في العراق كالجيش الاسلامي، فلا تستطيع تلك الدول التاثير مجددا عليها، كما كانت تفعل قطر والسعودية وتركيا بتأثيرها على سياسيات التمويل والدعم لفصائل الثورة السورية المسلحة، لذلك فان «القاعدة» بنسختيها «داعش» و»النصرة»، حافظت على قوتها المسلحة بعيدا عن الانخراط في التسويات السياسية التي رعتها تلك الدول قبل سنوات في العراق عام 2007، لتعود وتستجمع قوتها المخبأة وتنطلق في الساحة السورية عندما انطلقت الثورة، ثم لتعود مجددا بقوة اكبر للعراق في هجوم الموصل الذي علق عليه السفير الامريكي السابق زلماي خليل زادة بالقول «ان العراق بعد تاريخ الحادي عشر من يونيو/حزيران قد تغير».
٭ كاتب فلسطيني
القدس العربي

 

 

 

الأسد يعرض خدماته.. هل ينقذه أوباما؟/ سعد كيوان
ماذا يجري بين نظام بشار الأسد والإدارة الأميركية، وهل سنشهد انتقالاً من “على الأسد أن يرحل”، الذي طالما ردده باراك أوباما منذ الأشهر الأولى من اندلاع انتفاضة الشعب السوري ضد الأسد، إلى “التعاون ضد “دولة الإسلام في العراق وبلاد الشام – داعش”، بذريعة مكافحة الإرهاب، بعد أن كانت المنطقة على مسافة ساعات، في صيف العام الماضي، من بدء الهجوم الأميركي الكاسح على جيش النظام وترسانته العسكرية، إثر استعمال الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين؟
خرج وزير خارجية الأسد، وليد المعلم، وهو لا يظهر عادة على الإعلام إلا في المناسبات “المهمة”، عارضاً على الولايات المتحدة، بوضوح وصراحة، خدمات نظامه، للتعاون في مجال “مكافحة منابع الإرهاب وتجفيفها”، ومؤكداً أن لا مانع من أن تقصف واشنطن مواقع “داعش” في سورية، كما تفعل ضده في العراق، ولكن عليها أن “تتعاون وتنسق معنا لكي تنجح العملية”. وقد بدا المؤتمر الصحافي مبرمجاً، وكل أسئلة الصحافيين، ومعظمهم من وسائل إعلامية تابعة للنظام، موجهة في اتجاه إظهار استعداد النظام السوري لـ”التعاون” (كررها المعلم أكثر من عشرين مرة!) “في مواجهة خطر الإرهاب” الذي يمثله “داعش” و”النصرة”، مستندا إلى قرار مجلس الأمن 2170 الذي أقر بإجماع الأعضاء.
وأظهر وليد المعلم كل إيجابية، واستعمل أكثر التعابير دبلوماسية ولطافة تجاه الولايات المتحدة، ولم ينطق أي كلمة انتقاد أو ملامة ضد السياسة الأميركية، غير أنه حمل بشدة على دول الجوار، وتحديداً تركيا التي تدعم برأيه وتُؤوي الإرهاب وتسلح الإرهابيين، وكذلك على دولة قطر. ولا شك في أنها خطوة ذكية من النظام الذي يحاول استغلال فرصةٍ، تشكُل إجماعاً إقليمياً ودولياً لمواجهة زحف “داعش” في العراق وسورية، والمجازر الوحشية التي يرتكبها، والمدن التي يسيطر عليها في البلدين وما بينهما.
إنها محاولة من النظام لإعادة تعويم نفسه، والانخراط في هذه المعركة، بهدف تبرئة ساحته من الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها كل يوم ضد شعبه، جرياً على عادته، كما يفعل منذ نحو خمسين سنة، أي منذ أن سيطر حزب البعث على السلطة في سورية، بدءاً من تدخله في لبنان، ثم بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين، ومحاولة فرض وصايته على منظمة التحرير، وانتهاءً بالعراق عبر تصدير الإرهاب والإرهابيين الذين يدّعي اليوم محاربتهم!
وإذا كانت هذه نوايا بشار الأسد وخططه، فما هي نوايا أوباما الذي جعل من قضية حقوق الإنسان شعاراً لولايتيه، الأولى والثانية، وعن حق الشعوب بالحرية وحقوق الأقليات، وهل مكافحة “داعش” والإرهاب في وسعها أن تنسي أوباما (أو تبرر؟)، ومعه الغرب، المجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، والبراميل المتفجرة التي يلقيها بالأطنان على المدن السورية؟ وهل نسي أوباما كم مرة طالب الأسد بالتنحي، خلال عامي 2011 و2012، واتهمه بارتكاب المجازر ضد السوريين؟ وهل يعتقد أوباما أن في وسعه أن ينسي العالم أنه كان قد أعلن في نهاية أغسطس/آب 2013 عن بدء الهجوم على سورية، بعدما أكدت المعلومات وتقارير الخبراء أن الأسد استعمل فعلاً السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية، وأوقع مئات وربما آلاف الضحايا. ثم عاد وتراجع عن قراره إثر وساطة روسية، مستعيضاً عنه بتسليم السلاح الكيماوي وتدميره؟
وكيف يمكن للأسد أن يكون حليفاً لأوباما في معركة التصدي للإرهاب، وهو من صنّاعه بامتياز، بدءا بمعركة مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان، بعد أن أطلق سراح المدعو شاكر العبسي (فلسطيني) وأرسله إلى شمال لبنان، تحت اسم تنظيم “فتح الإسلام” (الإسلام جاهز دائماً للاستعمال!)، في يونيو/حزيران 2007، ليخوض معركته ضد الجيش اللبناني؟
وهل يجهل الرئيس أوباما أن معظم قياديي تنظيم “داعش” ومنظريه المؤسسين كانوا معتقلين في السجون السورية، بتهمة التطرف وإنشاء تنظيمات إسلامية وأصولية؟ وكيف نما “داعش” وترعرع، تحت جناح النظام الذي لم يتعرض له جيشه طوال السنتين الماضيتين، تاركا له إمكانية السيطرة على أكثر من منطقة سورية، بدءا بالرقة التي انسحبت منها كتائب الأسد فور تقدم “داعش” نحوها؟ ولو أن التجارب تثبت أن “الوحش” الذي تصنعه غالباً ما ينقلب عليك.
وأمام كل هذه الحقائق والمعطيات، يصبح، بالتالي، مشروعاً التساؤل: لماذا كل هذا التراجع من الإدارة الأميركية تجاه النظام السوري، والتردد في اتخاذ أي قرار حاسم، من أجل وضع حد لمعاناة الشعب السوري؟ وهل تعني الحرب المزمعة، أو المفترضة، ضد الإرهاب تبرئة الجلاد وإشراكه في مكافحة ما صنعته يداه
العربي الجديد

 

 

 

عاصفة تدفن الإرهاب والديكتاتورية في حفرة واحدة!/ راجح الخوري
انهمرت دماء الصحافي الأميركي جيمس فولي على البيت الأبيض مثل صاعقة، بعدما كانت إدارة باراك أوباما قد تعامت ثلاثة أعوام ونيفا عن المذابح والفظاعات الدموية، التي لم تشكّل بيئة حاضنة للإرهاب فحسب، بل استقطبت آلاف الإرهابيين من العالم للقتال في سوريا، ولم يكن هذا خافيا على أجهزة الاستخبارات الغربية التي تعرف بالتحديد عدد رعاياها الذين استجلبتهم رائحة الدماء!
لقد بدا التعامي عن سقوط مائتي ألف قتيل وعن استعمال الأسلحة الكيماوية، وكأنه نوع من الرضا ما دامت سوريا قد تحوّلت مصيدة جيدة تساعد الأميركيين والروس وغيرهم للخلاص من الإرهابيين، الذين أعلنت وزارة الخارجية الأميركية قبل ثلاثة أشهر أن عددهم 12 ألفا بينهم 100 أميركي.
فجأة استيقظت واشنطن والعواصم الغربية على كابوس «داعش» الأبوكاليبسي، التي كانت قاتلت المعارضة إلى جانب النظام وذبحت وقطعت الأعناق في أمكنة كثيرة كالرقة والحسكة ودير الزور، بعد الانهيار المفاجئ والملتبس للجيش العراقي الذي وضع نقاط الداعشية على حروف الاستكانة الأميركية والغربية.
قبل أن يكتب ديفيد كاميرون: «كافحوا الآيديولوجيات السامة الآن أو واجهوا الإرهاب في شوارع بريطانيا». كانت المقاتلات الأميركية قد بدأت قصف مواقع «داعش» عند تخوم أربيل حيث المصالح والاستثمارات الأميركية الكبيرة، ومع سيطرة الإرهابيين على سد الموصل تصاعدت العمليات خوفا من تدمير السد الذي يمكن أن يغرق المدن وصولا إلى بغداد.
رغم سيطرة «داعش» على مساحة مائة ألف كيلومتر من الموصل إلى الرقة، بما فيها آبار للنفط وأسلحة أميركية حديثة كانت مع الجيش العراقي، لم يكن الحديث يتجاوز الدعوة إلى تسليح الأكراد والاعتماد على البيشمركة في شمال العراق، والقبائل السنّية في الأنبار، في معزل عن التنسيق مع بغداد، ثم جاء جو بايدن يدعو صراحة إلى كونفدرالية عراقية، ليؤكد أن واشنطن تراهن على دومينو لتقسيم المنطقة يبدأ من العراق!
وعشية جريمة ذبح فولي أجمعت التحليلات على أن الرهان الأميركي الصهيوني يقوم على إشعال الفتنة المذهبية بين المسلمين بما يفتح سوقا مزدهرة للسلاح والنفط، ولم يكن هناك تصوّر أن وحش الإرهاب يمكن أن يكون عابرا للقارات رغم ارتفاع المخاوف في العواصم الغربية من عودة رعاياها من سوريا لتنفيذ عمليات في بلادهم.
أكثر من هذا، كانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نقلت عن رئيس موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونو المقرّب من باراك أوباما في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تساؤله عن مصلحة أميركا في وقف العنف في سوريا لأنه «يمكن أن يبقي إيران منشغلة لسنوات، ثم إن القتال بين (حزب الله) و(القاعدة) قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة».
ذبح فولي قطع حبل التعامي في البيت الأبيض، الذي ابتلع كل الاتهامات التي ساقتها هيلاري كلينتون وجون ماكين إلى أوباما لأنه ترك فراغا في سوريا ملأه الإرهابيون، وأن عدم المساعدة في بناء جيش معتمد من الذين كانوا وراء المظاهرات المعارضة للنظام السوري، حيث كان هناك علمانيون وإسلاميون وكل ما بين الاثنين خلق فراغا سارع الإرهابيون إلى ملئه.
صاعقة دماء فولي ضربت جميع المتعامين عن 200 ألف قتيل في سوريا، وفجأة أصبحت «داعش» التي تتغول منذ عام ونيف في سوريا ثم العراق، تمثّل في نظر أوباما «سرطان الدولة الإسلامية التي يجب القضاء عليها، ونحن سنذهب بعيدا، فأميركا لا تنسى ونحن صبورون والعدالة ستأخذ مجراها»، واستيقظ الجنرال مارتن ديمبسي الذي طالما عارض التدخل في سوريا على أن القضاء على «داعش» يفرض ضربها في سوريا أيضا.
الآن تعمل أميركا على خطين؛ خط جوي يتمثّل بقصف مواقع «داعش» في العراق وتحضير بنك للأهداف الداعشية في سوريا. وخط ميداني يتمثّل بالسعي إلى ترتيب تحالف يقوم بمهاجمة «داعش» على الأرض كما تفعل البيشمركة، وأمام هذا سارع النظام السوري إلى محاولة تعويم نفسه، فأعلن وليد المعلم عن الاستعداد للتعاون مع أميركا وبريطانيا وحتى مع الشيطان لمحاربة «داعش» رغم أنها ولدت نتيجة المذابح التي ارتكبها!
المقاتلات الأميركية بدأت منذ أسبوع طلعاتها فوق الأجواء السورية، وقيل إنها قصفت أرتال «داعش» في دير الزور والرقة والحسكة، وهكذا أثار كلام المعلم السخرية بقوله إن دمشق ستعتبر أي هجوم غير منسق معها عدوانا، ورغم كل هذا حاول النظام يوم الثلاثاء الإيحاء بأن أميركا بدأت التنسيق معه من خلال تزويده بلوائح أهداف مراكز «داعش» على الأراضي السورية، وأن الغارات المكثّفة التي شنّها على محافظة دير الزور اعتمدت على خريطة الأهداف التي تسلمتها دمشق من الأميركيين عبر روسيا والعراق، لكن الإدارة الأميركية ردّت بسرعة، فأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أنه ليس هناك أي خطط للتنسيق أو التعاون مع النظام السوري في محاربة «داعش».
ردا على محاولة النظام السوري تعويم نفسه والإعلان عن استعداده للتعاون مع أميركا، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لصحيفة «الفيغارو» إنه «من غير الأخلاقي أن نعرض على الشعوب الخيار بين الديكتاتورية والإرهاب، أي المفاضلة بين نظام بشار الأسد ودولة أبو بكر البغدادي»، وأوضح أنه عندما دعونا إلى مؤتمر جنيف لم يكن في سوريا وجود لا لـ«حزب الله» ولا للإرهابيين، وقد دعمنا المعارضة المعتدلة كما أوضحت هيلاري كلينتون في مذكراتها، ولكن بعد ستة أشهر انتشر الإرهابيون، وعندما كنا في أغسطس (آب) 2013 جاهزين للتحرك بعدما استعمل النظام السلاح الكيماوي لم يحصل التدخل، لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء، ويجب أن نتذكر أن بشار الأسد ساهم في انتشار الإرهابيين عندما أخرجهم من السجون.
إن لم يكن أوباما قرأ تصريح فابيوس فعليه على الأقل أن يقرأ تقرير لجنة التحقيق الدولية، التي كلّفها مجلس حقوق الإنسان منذ آب 2011 كشف الجرائم في سوريا، وفيه أن «داعش» ترتكب إعدامات تساوي جرائم حرب، لكن النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومنها مثلا استعماله السلاح الكيماوي ثماني مرات في عشرة أيام خلال أبريل (نيسان) الماضي.
ومن الضروري أن يعمل أوباما بنصيحة الجنرال المتقاعد ديفيد ديتبولا، الذي شارك في اجتياح أفغانستان عام 2001 والتي تقول: «يجب القيام بحملة قصف مكثّفة، فاستخدام القوة الجوية يجب أن يكون أشبه بعاصفة وليس برذاذ مطر، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة طيلة أيام الأسبوع» عندها يسقط الإرهاب والديكتاتورية في حفرة واحدة!
كاتب لبناني
الشرق الأوسط

 

 

 

عودةٌ إلى سؤال.. من يقف وراء داعش؟/ نواف القديمي
لن تتوقف الظاهرة التي شكّلها تنظيم الدولة الإسلامية، بغموضه وتوحشه وامتداده السريع، عن إثارة تساؤلاتٍ سياسية واجتماعيةٍ وفقهيةٍ كثيرة. حاولتُ في مقالٍ من جزئين، نُشرا في “العربي الجديد”، البحث في الظروف الموضوعية التي تُفسر “كيف تشكّلت داعش؟”. وأحاول، في هذا المقال، الإجابة على سؤالين، استتبعهما طرح السؤال الأول، هما: هل ثمة دول هي من أنشأت، أو ساهمت في نشأة، تنظيم الدولة الإسلامية؟ والآخر: ما السيناريو المستقبلي المتوقع لهذا التنظيم؟ مع التأكيد أن ما سأورده هو وجهة نظر شخصية، مبنيّة على متابعة واهتمام لهذا الملف.
وبعيداً عن التراشق الذي يسود المشهد السياسي، يمكن التأكيد، وبوضوح، أنه ليس هناك أي دليل ولا مُعطى موضوعي، ولا إمكانية عملية “فكرياً وسياسياً” تُشير إلى دور أي دولة من التي تتناولها الاتهامات الإعلامية (أميركا، سورية، إيران، العراق، السعودية، قطر، تركيا) في تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية، فهو ليس سوى ابن صميم لمتوالية الحالة الجهادية في الرؤى والتصورات والأفكار، ونتاج ظروفه السياسية والاجتماعية المحتقنة، في مشهدٍ عربي غابت عنه طويلاً شمس الاستقرار والعدالة.
بل حتى الحديث عن وجود اختراق استخباري كبير لهذا التنظيم، يؤثر في اتخاذ قراراته ورسم استراتيجياته، هو أمرٌ لا يخلو من تعسف. وأقصى ما يمكن توقعه هو حصول اختراق يتمثل بوجود عناصر داخل التنظيم، لها صلة بأجهزة استخبارات، وترصد تحركات التنظيم وخططه لصالح تلك الأجهزة.
لكن، ثمة سؤال آخر يبدو أكثر تركيباً ومعقولية في الفضاء السياسي، يتلخص بـ: هل هناك دول “استفادت” من وجود تنظيم الدولة الإسلامية، وقدمت “تسهيلات” لهذا التنظيم، وساعدت في تمدده وانتصاراته؟
الإجابة، ومن دون شك، “نعم”، وفي مقدمتها سورية وإيران، ولذلك أسباب وظروف موضوعية، يمكن فهمها حال استقراء الاستراتيجيات التي انتهجتها الأطراف الإقليمية الثلاثة الأكثر تأثيراً في المعادلة اليوم (إيران وسورية وداعش) في تحركاتها وأولوياتها في المنطقة، وتلخيص ذلك بالإجابة عن الأسئلة الثلاثة التالية:
“كانت إيران دوماً حريصةً على وجود تنظيم القاعدة في العراق، وامتلاكه عناصر من القوة والتأثير”
كيف يُفكر النظام الإيراني؟
1-الإسلام السياسي الشيعي بتنوعاته، إمّا منضو تحت لافتة ولاية الفقيه، أو ناشط خارجه، إضافة إلى المرجعيات الدينية الفاعلة سياسياً، وما بين كل هذه الدوائر ثمة انقسامات واسعة، يغذّيها التنافس السياسي والخلاف الفكري والصراعات التاريخية، وهي تتفاوت في موقفها من النظام الإيراني، بين الموالي له، والمستقل عنه، ومن هو في خصومةٍ معه. وتُدرك إيران أن هذا الانقسام يشكل العائق الأكبر أمام تمدد الحالة الشيعية في العراق، وهيمنتها على مفاصل الدولة، لذا ارتأت أن أفضل مسارٍ يُسهم في التقليل من هذا الانقسام، ويدعو كل الفصائل السياسية الشيعية إلى التقارب والتحالف، هو “ظهور خطر وجودي” يُهدّد كل الطائفة، ويُعلن عليها الحرب، ويُسهم في تهييج العصبيات المذهبية، ما سيدفع كل الطيف الشيعي إلى التماسك والتوحد، والالتجاء إلى ظهيره الإقليمي الوحيد إيران. وليس ثمة خطر أكثر تجسيداً للحالة المطلوبة إيرانياً من وجود تنظيم القاعدة في العراق، والذي تحول، بعد ذلك، إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بخطابه الذي يُعادي ويُكفّر كل الشيعة، ويُعلن الحرب عليهم، ويُرسل الانتحاريين للقيام بتفجيرات في مناطق تجمعاتهم.
لذا، كانت إيران دوماً حريصةً على وجود تنظيم القاعدة في العراق، وامتلاكه عناصر من القوة والتأثير، بالقدر الذي يُحقق الهدف المطلوب بتحالف الفصائل الشيعية واستعانتها بإيران، ولا يتجاوزه إلى تشكيل خطر حقيقي على الوجود الشيعي.
2-وبسبب ما ذُكر في الفقرة الأولى، كانت إيران هي الممر الآمن لمعظم قيادات وكوادر تنظيم القاعدة التي انتقلت، بعد الضربة الأميركية لمواقعهم عقب 11 سبتمبر 2011، من أفغانستان إلى العراق. ومع توافد مئات المنتمين إلى تنظيم القاعدة (الذين هربوا من أفغانستان إلى باكستان، ثم لجأوا إلى إقليم بلوشستان السنيّ، في الأراضي الإيرانية)، تعاملت الاستخبارات الإيرانية معهم على ثلاثة أقسام:
*بعض كبار قادة التنظيم، مثل أبي مصعب الزرقاوي وبعض مساعديه، سهّلت لهم الاستخبارات الإيرانية المرور من أفغانستان إلى العراق، بالتغاضي عن عبورهم نحو 1500 كيلومتراً داخل الأراضي الإيرانية (من الحدود مع أفغانستان شرقاً، وحتى الحدود مع العراق غرباً)، من دون أن تمسّهم أو تعتقلهم.
*واعتقلت بعضاً من قادة التنظيم أو الشخصيات الاعتبارية المهمة فيه، وأبقتهم رهائناً لديها، تحت الإقامة الجبرية، للضغط على تنظيم القاعدة، لكي لا يقوم بأي عمليات داخل إيران، وكانت أحياناً تتخلص من أي شخصيات لم تعد بحاجة إلى وجودها، بالإفراج عنها (في إيران ما يزيد عن عشرة أشخاص من عائلة أسامة بن لادن، في مقدمتهم إحدى زوجاته، وولداه سعد وعمر، وعدد من بناته (ما زالوا محتجزين)، والقائد العسكري للقاعدة محمد صلاح زيدان الملقب بسيف العدل “ما زال محتجزاً”، ومصطفى حامد، المكنى بأبي الوليد المصري، وأسرته، ومحفوظ ولد الوالد المكنى بأبي حفص الموريتاني، وأسرته (أطلق سراحهما في العام 2011)، وسليمان أبو غيث “أفرج عنه في 2013، وغادر إلى تركيا ثم الأردن، وهو الآن معتقل في الولايات المتحدة”، وسواهم كثيرون)، وهؤلاء بقوا بما يشبه الإقامة الجبرية في إيران منذ نهاية 2001.
*قسمٌ ثالث، وهم مئات المقاتلين والكوادر غير القيادية في تنظيم القاعدة، فمعظم هؤلاء تم اعتقالهم بضعة أشهر، وبعد اكتمال التحقيقات معهم، تم تخييرهم وفقاً للتالي: من هم مطلوبون أمنياً في بلدانهم، فيمكن تسهيل مرورهم إلى العراق، أما غير المطلوبين في بلدانهم “وهم غالباً من الشباب صغار السن الذين لا سوابق لهم”، فيمكن تسهيل رجوعهم إلى بلدانهم، أو تسهيل مرورهم إلى العراق إن أرادوا، أي إن إيران كانت المعبر شبه الوحيد لأهم قادة تنظيم القاعدة، ولمئات من مقاتليها الذين انتقلوا من أفغانستان إلى العراق.
3-سعت إيران، في العقد الماضي، إلى بقاء العراق ضعيفاً ومفككاً، رغبة منها في بقاء تفردها بالهيمنة على المنطقة، إضافة إلى الانتقام من تاريخٍ دموي لها مع العراق. وكانت كذلك معنيةً، عبر وجود تنظيم القاعدة، بضرب القوات الأميركية ورفع كلفة احتلالها العراق، حتى لا تجرؤ على التفكير، مرة أخرى، بالقيام بعمليات عسكرية تجاه دولٍ تعتبرها الولايات المتحدة راعية للإرهاب، وفي مقدمتها إيران.
وفي مسارٍ موازٍ، سعت إيران إلى استمرار عمليات التغيير الديمغرافي الطائفي في العراق، الذي تتكفل به الميليشيات الشيعية المدعومة من حكومة بغداد، بتهجير السنة من المناطق المهمة جيوسياسياً بالنسبة إليها، كالعاصمة بغداد، ومحافظة ديالى المتاخمة لحدودها (الأغلبية العظمى من اللاجئين العراقيين في سورية والأردن هم من السنّة، وكثيرٌ منهم من بغداد التي أوشكت أن تُصبح، بفعل التهجير المنظم، مدينة شيعية)، وفي الوقت
نفسه، تسعى إيران إلى تعزيز الهيمنة الشيعية على كل مفاصل الدولة العراقية، وخصوصاً الجيش والأمن.
كيف يُفكر النظام السوري؟
لأن النظام السوري يعلم بطبيعة تكوين أجهزته العسكرية والأمنية ومؤسساته السياسية، ومدى ارتباطها العضوي بالنظام، واختلاف ما سيجري في سورية عن ذلك الذي جرى في مصر وتونس، وأنه لا يمكن إسقاط النظام بالاحتجاج السلمي، ولا بالعمل المسلح من دون تدخل دولي، كما في الحالة الليبية. وعلى الرغم من تعويله على الموقف الروسي، ومعرفته الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها سورية عند الدول الكبرى، لكونها مجاورة لإسرائيل، كان حريصاً على بث القلق لدى هذه الدول من أن البديل الوحيد للنظام السوري، حال سقوطه سيكون تنظيم القاعدة.
“أفرج النظام السوري، بعد بدء الثورة، عن مئات المعتقلين الجهاديين في سجن صيدنايا، كان من بينهم مجموعة أصبحوا من أهم قادة الفصائل الجهادية”
لذلك، وبعد شهور من سلمية الثورة، وفور بدء تشكل مجموعات ثوريةٍ مسلحةٍ كان معظم أفرادها منشقين عن الجيش السوري، وقبل أن تتشكل أي مجموعة سلفية مقاتلة، لم يتوقف الخطاب السياسي للنظام السوري والماكنة الإعلامية الموالية له، عن تكرار أن كل هؤلاء المقاتلين المحسوبين على الثوار ليسوا سوى مجموعات سلفية جهادية وهابية إرهابية، تنتمي إلى تنظيم القاعدة. وبالتوازي مع هذا الخطاب، كان مشروعه على الأرض يسعى إلى أن تلتهم المجموعات الجهادية الأكثر تطرفاً تمثلت، بعد ذلك، في تنظيم الدولة الإسلامية، كل المناطق التي يسيطر عليها الثوار، حتى يضع النظام السوري المجتمع الدولي أمام خيارين لا ثالث لهما: التفاهم مع النظام القائم والقبول بوجوده، حتى مع وجود اشتراطات وإصلاحات شكلية، وإلا فستكون سوريةـ المُتاخمة لإسرائيل، تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
ولهذا السبب، أفرج النظام السوري، بعد بدء الثورة، عن مئات المعتقلين الجهاديين في سجن صيدنايا، كان من بينهم مجموعة أصبحوا من أهم قادة الفصائل الجهادية المقاتلة للنظام، كما في جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم أحرار الشام وسواهم. بل ثمة تحليلٌ يميل إلى أن العملية الشهيرة لتنظيم الدولة الإسلامية التي جرت في شهر يوليو/تموز 2013، واستطاع عبرها تحرير مئات المعتقلين الجهاديين من سجن أبو غريب العراقي، تمت بتسهيلٍ وتغاضٍ من الحكومة العراقية الحليفة للنظام السوري. وكان الهدف شبه المُعلن لكل هذه الأفعال والتحركات، أَلا يبقى في سورية سوى نظام الأسد، وتنظيم الدولة الإسلامية، وعلى العالم أن يختار بينهما.
وهذا ما يُفسر عدم دخول النظام السوري في معارك واسعة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وتجنب قصف مواقعه، عدا استثناءات محدودة، بل والسعي، أحياناً، لترجيح كفّته عبر ضرب الفصائل الثورية، في أثناء اشتداد معاركها مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وبالإضافة إلى النظامين الإيراني والسوري، ثمة دول، أو أجهزة داخل دول، حاولت الاستفادة من بروز الحالة الجهادية في سورية، وسهلت خروج المقاتلين من أراضيها لكي يلتحقوا بالفصائل الجهادية. وهي، فيما يبدو، تودّ لو قامت بعض هذه العناصر مستقبلاً، بعد عودتها، بعمليات تفجيرية في بلدانها، حتى تستفيد من ذلك في التنافس السياسي الداخلي بين الأجهزة أو الأجنحة، وإعادة هيمنة الأجهزة الأمنية على القرار السياسي، تحت لافتة مواجهة الإرهاب.
كيف تُفكر داعش؟
لا تبدو غامضة تلك الاستراتيجية التي انتهجها تنظيم الدولة الإسلامية، منذ إعلانه عن وجوده رسمياً داخل سورية في إبريل/نيسان 2013، كانت داعش تفكر، وبمستوى متقدم من البراغماتية، بأولوياتها كـ “دولة”، لا كفصيل جهادي يقاتل النظام السوري. لذلك، لم يكن “إسقاط النظام السوري” ضمن أولوياتها المرحلية، بل كانت أولوياتها تتركز في اتجاهين:
الأول: الحصول على مزيدٍ من الجغرافيا. وهنا، كان أمام التنظيم لتحقيق ذلك خياران، مقاتلة النظام السوري، أو مقاتلة الفصائل الثورية. وبالطبع، وجد التنظيم أن السيطرة على المناطق الخاضعة لفصائل ثورية محدودة التسليح، ومترددة في قتال الدولة الإسلامية، بسبب ما اعتبرته “حرجاً شرعياً” من قتال “إخوة المنهج”، أسهل بكثير من السيطرة على مناطق خاضعة لنظامٍ يمتلك سلاح طيران، وأسلحة ثقيلة، وكثافة نيران، ومخزون ذخيرة لا يكاد ينفد، إضافة إلى وجود ميليشياتٍ عقائديةٍ تقاتل معه. وهذا ما يُفسر أن كل المدن والقرى والمساحات الواسعة التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في سورية كانت مُنتزعة من الفصائل الثورية، لا من النظام.
الثاني: الحصول على “التمويل والسلاح”، عبر السيطرة على أي مواقع، تُسهم في عملية التمويل، كآبار البترول في الشرق السوري، والاستيلاء على مقرات بعض البنوك “كالبنك المركزي في الموصل”، إضافة إلى فرض أتاوات على التجار وعلى حركة السِلع في المناطق الخاضعة له.
أما السلاح، فقد أدرك تنظيم الدولة أن “السلاح النوعي”، وبكميات كبيرة، لن يكون متوفراً سوى في قواعد النظامين السوري والعراقي ومخازنهما، وهذا ما يُفسر أن معارك تنظيم الدولة الإسلامية مع النظام السوري لا تكاد تخرج، حصراً، عن السعي إلى السيطرة على مواقع القواعد والمطارات العسكرية التي تحتوي على كميات هائلة من السلاح، ابتداءً بالمعركة التي خاضها التنظيم، للسيطرة على مطار منغ العسكري في ريف حلب، وليس انتهاءً بسيطرته على مقر الفرقة 17 ومقر اللواء 93 ومطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة.
مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية
مع هذا القدر من التحول الدراماتيكي السريع في المشهد السياسي العربي، لا تخلو محاولات استشراف المستقبل من مجازفة. ومع ذلك، يمكن من استقراء السلوك السياسي للدول الكبرى، ومدى التغيّر في المشهد الإقليمي وفي موازين القوى العسكرية، أن نحاول استشراف المرحلة المقبلة، لكي نعرف من أي الجهات الأربع ستهب رياح التغيير.
وتبدو الساحة العراقية أكثر وضوحاً فيما يخص مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية. فبمجرد أن تنجح الضغوط الدولية والإقليمية، المتزامنة مع شعور القوى السياسية المحلية باقتراب الخطر، في تكوين نظام سياسي، تُشارك فيها جميع المكونات العراقية، ولا يشعر فيه السنّة بالتهميش، ويعيد التحالف مع العشائر السنية، وهو ما تنتظر الولايات المتحدة إنجازه، تبدأ بعده بتنفيذ ضربات جوية مكثفة لمواقع ومعسكرات تنظيم الدولة الإسلامية، بالتوازي مع تحرك قوات الحكومة العراقية ومقاتلي العشائر على الأرض. وذلك في مشهدٍ ربما لا يختلف كثيراً عما جرى في العراق عام 2006. عندها، سيضطر تنظيم الدولة الإسلامية إلى التراجع، وسيخرج من المدن الكبرى، عائداً إلى الهوامش والصحاري الخارجة عن السيطرة.
في المقابل، يبدو مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية في سورية أكثر تعقيداً، ومحاطاً بهالة من الغموض الكثيف، بسبب تشابك الحالة السورية، وعدم وجود طرف سياسي “لا النظام ولا الفصائل الجهادية” يمكن للقوى الدولية تسليحه والتحالف معه، من ثم توجيه ضربات جوية مكثفة، متزامنة مع التقدم الميداني للقوات المحلية (بطريقة تُشبه ما حصل في مواجهة النظام الليبي ونظام طالبان بأفغانستان)، لذا، يبدو أن عمر تنظيم الدولة الإسلامية في سورية سيكون أكثر طولاً مما هو في العراق، وتقلص جغرافيته مرهونٌ بوجود قوات عسكرية كبيرة على الأرض، يمكن التحالف معها دولياً.
وحتى ذلك الحين، لا يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يحسب خطواته جيداً، سيُقدم على مغامرة اجتياح الحدود السعودية أو الأردنية، وإن فعل، لن يعدو الأمر مجرد مناوشاتٍ تحمل رسائل سياسية، ولا تهدف إلى السيطرة على مناطق داخل حدود هاتين الدولتين.
لكن، يبدو أن القضاء الكامل على تنظيم الدولة الإسلامية سيكون أمراً متعذراً في المدى المنظور، فكل ما تستطيعه القوى الإقليمية والدولية، في حال توفرت الظروف المناسبة، هو الحد من تمدده، ودفعه إلى التراجع، ونزع سيطرته على المدن الكبرى.
وقبل كل ما سبق، إن “داعش” ظاهرةٌ تكونت وفق شروط التاريخ، لا خارجها، وستبقى، وسيتكرر خروج تنظيمات مشابهة، ما دامت الظروف الموضوعية، الفكرية والسياسية، تملك كل الخصوبة اللازمة لولادة مزيدٍ من الكوارث والأزمات.
العربي الجديد

 

 

 

“داعش” إذ يحتلّ همومنا واهتماماتنا/ حازم صاغية
لا كلمة تُسمع اليوم في أيّ من العواصم العربيّة كما تُسمع كلمة “داعش”. ولا كلمة تُكتب في الصحافة العربيّة اليوم كما تُكتب كلمة “داعش”. وما من موضوع يُناقَش ويُعلّق عليه ويخضع للأخذ والردّ كموضوع “داعش”.
والراهن أنّ ثمّة بالتأكيد ما هو خاصّ واستثنائيّ في هذه الظاهرة المعروفة أيضاً بتنظيم “الدولة الإسلاميّة”، وإن انطوت أيضاً على الكثير ممّا هو استئنافٌ لما سبقها من ظاهرات. فهي تذكّر بصفحات من تاريخ القسوة والاستبداد كان آخرها ما أنتجته أنظمة كالنظام السوريّ وباقي الأنظمة التي لم تتورّع عن قهر شعوبها عقداً بعد عقد. إلاّ أنّها تذكّر أيضاً بالحالات التي جمعت بين أقصى البدائيّة وممارساتها، كالذبح والصلب والحرق، وبين فعاليّة وتنظيم حديثين تستند إليهما عقيدة هي، بالتعريف، من منتجات الحداثة.
فإذا كان هذا الاتّساع التمثيليّ واحداً من الأسباب الكثيرة التي تؤدّي إلى هذا التمركز الكلاميّ والاهتماميّ على “داعش”، فإنّ ثمّة سبباً آخر يتّصل باتّساع الظاهرة ذاتها. فهي ظاهرة سياسيّة بالطبع، حيث دول العالم المؤثّرة كلّها تتناولها، وبعضها يتدخّل ضدّها أو يخطّط لمثل هذا التدخّل. وهي ظاهرة عسكريّة يُعنى بها من يهتمّ بالحروب والأسلحة، لا سيّما بعد انتصارها في انتزاع مدينة الموصل، ثانية مدن العراق، من جيش كلاسيكيّ ضخم كلّفت إعادة ترميمه بلايين الدولارات.. إلاّ أنّ “داعش” أيضاً تثير نقاشاً في التاريخ الإسلاميّ وفي الدين والإصلاح الدينيّ، كما تثير نقاشاً آخر يتعلّق بالحداثة ومدى استدخال العرب والمسلمين في العصر الحديث لهذه الحداثة، أو مدى فشلها في التغلغل العميق إلى صلبهم. ولم يعد نقاش “داعش”، وتماماً كما حصل بعد جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، بعيداً عن تناول مسائل التربية وبرامج التعليم في العالم الإسلاميّ، أو قنوات اندماج المهاجرين المسلمين، لا سيّما شبّانهم، في المجتمعات الغربيّة التي هاجروا إليها وأقاموا فيها. ولئن فتحت “داعش” باباً للمقارنة مع التاريخ الأوروبيّ والمسيحيّ، فهي كذلك تحضّ البعض على إرسال تكهّنات وتأمّلات تتّصل بـ”الطبيعة الإنسانيّة” ومعاني القسوة والتوحّش، مثلما تحضّ على إجراء المقارنات بين أشكال القسوة والعنف، القديم “التراثيّ” منها وذاك “الحديث”.
ولا يفوت متابعي “داعش” ما يحفّ بها وبحركتها من قياميّة ومن استحضار لأفكار النهايات وأساطيرها. فالحدود الوطنيّة تتغيّر والدول تزول، كذلك تعود إلى واجهة الاهتمام أقلّيّات كالإيزيديّين والأشوريّين في العراق ممّن يرقى وجودهم هناك إلى آلاف السنين، بينما يتهدّد بعضَ الأقوام والجماعات خوفٌ من الإبادة الثقافيّة، إن لم يكن الجسديّة أيضاً.
وهذا كلّه ممّا يمزج الواقع بالتخييل اللامعقول مؤسّساً لعالم ملحميّ قد يتلقّفه الأدب والإبداع في أوقات لاحقة.
فوق هذا فإنّ مناخ الحرّيّة – وقد انقلب الكثير منه إلى فوضى – يشكّل سبباً آخر للتركيز على “داعش”. ذاك أنّ أشكال العنف والقمع والقسوة، وهي عديدة، ممّا عرفته المنطقة كانت محاطة بأجواء من السرّيّة والتكتّم اللذين يحولان دون الشيوع والانتشار. لقد كان، مثلاً لا حصراً، صدور كتاب كنعان مكّيّة (سمير الخليل) “جمهوريّة الصمت”، في أوائل التسعينات، بمثابة اكتشاف باهر للطريقة الوحشيّة التي يحكم بها صدّام حسين العراق، علماً بأنّ العراقيّين كانوا قد بدأوا يعانون هذا النمط من الطغيان منذ 1968. والشيء نفسه يمكن قوله عن ذيوع كتب عن ليبيا معمّر القذّافي أو عن سوريّا حافظ وبشّار الأسد مع بدايات الثورتين الليبيّة والسوريّة.
والحال أنّ مناخ “الربيع العربيّ”، وإن انقلب كثيره إلى “شتاء”، هو ما سمح بهذا التحوّل، وقد ساعده في ذلك، على ما أشار غير مراقب ومعلّق، عالم المشهديّة الصارخة الداعشيّ في زمن بات يوصف بالصورة والتواصل الإعلاميّ المتعدّد الوسائط.
فليس غريباً، بالتالي، أن تتربّع “داعش” على عرش ألسنتنا ورؤوسنا وفي كلّ مكان تقع العين عليه.

 

 

 

جيفري كمب “داعش” في سوريا.. مأزق آخر لأوباما/
زاد قتل الصحافي الأميركي «جيمس فولي» بدم بارد في نهاية أغسطس الماضي على يد أحد مسلحي تنظيم «داعش»، وطأة المخاطر التي تخيم من جراء المواجهة التي تزداد عنفاً في العراق وسوريا. وقد أعادت طبيعة مقتل «فولي» وحقيقة أن التقارير تشير إلى أن من قام بذبحه مواطن بريطاني، إلى الأذهان التساؤل بشأن نفوذ «داعش» وإمكانية شنّ الإرهابيين العائدين من مناطق الصراع هجمات إرهابية جديدة ضد أهداف حيوية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. ويكمن الخطر في أن هؤلاء المتطرفين لديهم جوازات سفر غربية، إما أميركية أو أوروبية، ومن ثم فهم يمتلكون إعفاءً من شروط التأشيرة على نحو يمكنهم من العودة إلى دول أوروبا كافة أو الذهاب إلى الولايات المتحدة دون مراقبة كبيرة من قبل المسؤولين في نقاط تفتيش الهجرة.
وسلّطت هذه المخاوف الانتباه العالمي على الصراعات داخل سوريا والعراق، وزادت من احتمالية أن تضطر الجيوش الغربية، عاجلاً أم آجلاً، إلى استغلال أصولها العسكرية في مجابهة «داعش» بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتعاون مع القوات المحلية المناهضة للتنظيم الإرهابي. ومثل هذه التحركات تحدث الآن بالفعل في العراق، وثمة خطط يجري العمل عليها لتنفيذ هجمات ضد قوات التنظيم في سوريا شريطة أن توجد طريقة لتفادي المواجهة مع الدفاعات الجوية السورية.
ولا يزال عدد الجهاديين الأميركيين والأوروبيين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش» غير معروف على وجه الدقة. غير أن التقديرات تتراوح بين ألف وما يربو على عشرة آلاف مقاتل. والرقم الأقل هو الأقرب إلى الصواب، في نظري، لكنه لا يزال كبيراً أيضاً. ومثلما أظهرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، فإن الأمر لا يحتاج لكثير من الإرهابيين «المخلصين» الذين كرسوا حياتهم لأفكارهم الجهادية كي يلحقوا أضراراً كبيرة بالمجتمعات الحديثة.
وبقدر أهمية أعداد الجهاديين الأميركيين والأوروبيين، فإن ثمة سؤالاً ملحاً حول السبب الذي يجعلهم يتطوعون للعيش في مثل هذا النمط من الحياة؟ وما نعرفه هو أن الغالبية العظمى منهم في ريعان شبابهم، وربما تجذبهم الإثارة ومخاطر الحرب هرباً من الملل وتحرراً من وهم حياة الرفاهية في الغرب! لكن في بعض الحالات، يكون السبب هو البواعث الأيديولوجية والخصومة التاريخية، نتيجةً للجرائم التي ارتكبها الغرب في الماضي والحاضر ضد الشعوب المسلمة.
والمفارقة هي أن معظم من قتلهم متطرفو «داعش» مسلمون، وكثير منهم نساء وأطفال. وهنا تكمن نقطة ضعف مقاتلي «داعش» الكبرى؛ ألا وهي أن أساليبهم تتصف بالبربرية إلى درجة تجعلهم مكروهين ومرهوبين من جانب كل من يتعامل معهم أو يتصل بهم. لذلك فإنه في مرحلة ما سيتم القضاء عليهم، ليس بالقوات الجوية الأميركية، ولكن على أيدي القوات المحلية التي واجهت ما يكفي من الإرهاب على أيدى هؤلاء المتطرفين. بيد أنه في غضون ذلك، سيتواصل القتل والتمثيل بالجثث من جانب «داعش».
وقد أسفرت الأزمة عن أصعب تحدٍ أمني حتى الآن يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تعهد عند تقلده مهام منصبه بتجنيب الولايات المتحدة المزيد من الالتزامات العسكرية حيال دول منطقة الشرق الأوسط. ويعتقد قادة الجيش الأميركي وكثير من الجمهوريين أنه من الضروري التحرك ضد تنظيم «داعش» في سوريا من أجل إضعافه بشكل كبير. لكن ذلك لا يمكن أن يحدث ما لم يتم التوصل إلى قدر من التفاهم مع نظام بشار الأسد، وهو الزعيم الذي تعهد أوباما سابقاً بالمساعدة على إطاحته.
وإذا استخدمت الولايات المتحدة قواتها الجوية في ضرب «داعش» داخل سوريا، فإنها بذلك تكون قد أضحت في تحالف ليس فقط مع الأسد، ولكن أيضاً مع «حزب الله» اللبناني والإيرانيين الذين يرغبون في اجتثاث واقتلاع جذور «داعش». كما سيساعد القوات الموالية للغرب والمناهضة للأسد التي عجزت عن احتواء تنظيم «داعش» وتقليل جاذبيته في سوريا.
وعندما يعود الكونجرس الأميركي للانعقاد في بداية شهر سبتمبر المقبل، بعد انتهاء العطلة الصيفية، ستكون هناك أصوات قوية من كلا الحزبين السياسيين تطالب إدارة أوباما بصياغة استراتيجية متماسكة طويلة الأمد للتعامل مع كثير من الصراعات المتواصلة في الشرق الأوسط التي تؤثر بصورة مباشرة على مصالح الأمن القومي الأميركي.
وأي اقتراح بشأن انخراط عسكري جديد على المدى الطويل، سواء في سوريا أو في العراق، سيواجه مطالبات قوية للرئيس بعرض الخطط على الكونجرس بموجب قانون «صلاحيات الحرب» الذي طالما أشير إليه وقلما تم تفعيله، بعد حرب فيتنام، بهدف منع الرؤساء الأميركيين من الالتزام بتوجيه القوات الأميركية إلى مناطق حرب كبيرة من دون نيل موافقة صريحة من الكونجرس.
وسيكون الجدل المحتدم بشأن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حتمياً، وسيتعين التعامل مع قضايا أخرى عالقة مثل الأوضاع في غزة، وما ينبغي فعله حيال البرنامج النووي الإيراني في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين مجموعة «5+1» وطهران بشأن مستقبل برنامجها النووي. وفي الخلفية، تخيم مخاطر سحب التصعيد في أوكرانيا واحتمال خوض أسوأ مواجهة مع موسكو منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962. ولا عجب أن الرئيس أوباما قد انهمك في لعب الجولف قدر استطاعته؛ ذلك أن أجندته تبدو حافلة بالمهام الشاقّة على مدار الأشهر المقبلة.

 

 

 

“صدمة داعش” وسؤال كيف وصلنا إلى هنا؟/ خالد الحروب
كيف جاءت هذه الـ «داعش» ونمت وترعرعت على ضفاف ازماتنا وتخلفنا وقمعنا لبعضنا وقمع الآخر لنا؟ كيف تطورت حالة «داعش» عبر مراحل مديدة وأوصلتنا الى هنا؟ كيف تفاقم الهوس بمسألة «الحاكمية» وفرض الدين على السياسة، وتسلل من الهوامش لينقض على القلب ويمسخ الاجتماع الوطني والسياسي، ويعري كل من خلط الدين بالسياسة، او لا يزال يدور في فلك تلك الفكرة؟ سؤال «صدمة داعش» سيؤرقنا طويلاً ويعيش معنا كالكابوس المريع لعقود مقبلة. وسيُراق حبر لا ينقطع ونحن نبحث عن الاجابات، ونداور يميناً ويساراً حتى ننفي الوقع المُترجم لصورة خيالية حالمة لشكل «الدولة الاسلامية» كما نظرت اليها طوابير من الاسلامويين. «صدمة داعش» سؤال أليم ينتمي الى فصيلة الاسئلة الطاحنة التي رافقتنا بغلاظة تاريخية منذ قرنين من الزمن، ونغصت ولا تزال تنغص وجودنا كله. اسئلة الوزن الثقيل: لماذا لم نتقدم؟ لماذا هزمنا؟ لماذا لم نتوحد؟ لماذا لم نتدمقرط؟ لماذا لم نصبح مواطنين في دول وبقينا رعايا طوائف وقبائل؟ ولماذا اقامت الديكتاتورية بين ظهرانينا ولم تبرحها؟
ليست ثمة اجابات ناجزة عن سؤال «داعش» بعد، على رغم ان كثيراً منها يقدم جانباً او اكثر من القصة. سنحتاج الى وقت كاف للملمة جوانب الصدمة وتفهّم ما حدث. الاجابة التي تحيل تطور الحالة الداعشية الى تحالف الظروف القاهرة والقادمة من الخارج طوال عقود ماضية تحمل وجاهة على وجه التأكيد. والاجابة التي تحفر في بنيتا الداخلية وثقافتنا التي تكلست واستعصت على التغيير والانتفاح الحقيقي، فيها وجاهة ايضاً. والاجابة الاخرى التي فيها قدر كبير من الوجاهة هي تلك التي تنظر الى الداعشية كنتيجة تاريخية حتمية لغياب اي حركة لوثرية اصلاحية في الاسلام والتدين، تعيد تفسير وتركيب النص بناء على الواقع، وليس حشر الواقع في النص. وغير ذلك كثير من الاجابات والسجالات التي تحوم حول اولوية النص على السياق او العكس في فهم الحالة الانحطاطية القصوى التي تمثلت في الانحدار الداعشي.
بيد ان كثيراً، وكثيراً جداً، يبقى هناك في الفضاء الاجتماعي والاهلي العام بعيداً عن التنظير وبعيداً عن الحالة الداعشية، ويقاومها ليس بالفكر ولا بالتنظير، بل بزخم التجربة التاريخية، وزخم الحياة العادية وغنى خبرتها التعايشية. من قلب تلك الحياة الزاخرة والتي ما زالت تتشبث بتجربتها التعايشية تطلع علينا قصص مشرقة تناقض الإظلامة الداعشية التي سيطرت ايضاً على الأخبار والإعلام والصور وقادت الى التغريب الانتحاري للذات الجماعية، وعدم تعرفها إلى نفسها. في ما تبقى من سطور ستخرج المقالة عن محاولة الانخراط في الاجابة عن الحالة الداعشية، لأنها تحتاج الى مساحات اوسع، وتطل على تجربة او اثنتين من الحالة النقيضة للداعشية والطائفية.
التجربة الاولى والاهم التي نشير اليها هنا، والمنتصبة على الضد الكلي من المناخ الطائفي والإبادي الداعشي القاتل، تأتي من شمال فلسطين وسهل مرج ابن عامر فيها وسفوحه. فهنا تعيد قرى الناصرة، منارة فلسطين التاريخية وبلد المسيح، تقديم نموذجها الانسانوني البديع في العيش المشترك. هنا وعلى بعد عتبتين من السماء عاش مسيحيون ومسلمون بمحبة وإخاء في المدينة التي شهدت معجزات المسيح وطفولته وقيامته، وشهدت قدوم الفتح الاسلامي وانتصاراته وجاورت حطين وشملها صلاح الدين بعباءته.
في قرية كفر كنا، والتي تُعرف بـ «قانا الجليل» والتي شهدت معجزة المسيح الاولى وفق الرواية الانجيلية حيث حوّل الماء خمراً، اعلن رئيس البلدية مُجاهد عواودة، منذ اسبوعين، بناء عمارة ستحتوي على مسجد وكنيسة ومتنزه لتعبر عن الإخاء والعيش المشترك في القرية وجوارها الناصري. يقول رئيس البلدية: ان انجاز هذا الصرح الرمزي الاسلامي – المسيحي سيبدأ في شهر ايلول (سبتمبر) المقبل بعد ان رُصدت موازنة له، وخصصت قطعة ارض بمساحة ثمانية دونمات. ويوضح عواودة ان فكرة المشروع انطلقت من «المتاهة» التي تجتاح منطقة الشرق الاوسط ككل، وتتجلى بأبشع صورها الآن بتنظيم «داعش» الذي يهدد الحضارة الاسلامية اكثر من كل أعدائها عبر التاريخ… والمشروع المشحون برمزية كبيرة (يبعث) رسالة امل مفادها ان هناك حكماء على هذه الارض يستطيعون تصحيح المسار والانطلاق معاً نحو فجر عربي جديد مسلمين ومسيحيين نابع من مبدأ راسخ «لكم دينكم ولي دين» وكل الاديان لله… في كفر كنا تقاسم المسلمون والمسيحيون الرغيف والهم الواحد والامل الواحد وجمعتهم التجربة الحلوة المرّة وهم على هذه الدرب سائرون.
يعيد لنا عواودة في فكرته المبدعة والجميلة بعضاً من ذاتنا المهدورة يومياً على شاشات التلفزة والممزقة في الصراعات الطائفية التي لم يعد بإمكان احد ان يستوعبها. ما تستوعبه الفكرة الناصرية والجليلية الجليلة وتنادي به بالفم الملآن ان ليس ثمة بديل من العيش المشترك سوى الإراقة المتبادلة للدماء… وإلى الابد! هذا هو درس التاريخ في كل مكان وزمان. حيثما تتواجد جماعات تنتمي الى إثنيات وأديان وأصول مختلفة تتواجد الصراعات والحروب وسفك الدم. والنتيجة الواحدة واليتيمة بعد كل صراع هي ان على الجميع ان يجد معادلة ما مقبولة تضمن العيش للجميع. بعد المرور بكل التجارب التي دفع البشر اكلافاً باهظة لتعلم دروسها، انتقل الفهم البشري من نزعة الابادة والإقصاء الى نزعة قبول الآخر والتعايش معه، وإزاحة الفروقات والاختلافات الى الهوامش مع احترامها، والتركيز على ما هو يومي وحياتي ومشترك.
في منطقتنا العربية اليوم نحن نقف على مفترق طرق مخيف: إما الانجرار الى الخلف نحو نزعة الابادة والاقصاء وبالتالي الانخراط في «حرب الكل ضد الكل» والتي سوف لن تبقي ولا تذر ويخرج منها الجميع، بعد سنوات ان لم يكن عقود، خاسرين ومدميين ومدمرين، وإما التيقظ من المآل الرهيب للحروب الدينية والتمسك بخيار العيش المشترك والتنازلات المتبادلة. ويتفرع مفترق الطرق ذاك الى صراعات دينية وإثنية لا يمكن حصرها: ابادة مسيحية على يد الداعشيين، صراع سنّي ـ شيعي طاحن ومدمر، صراع عربي ـ كردي، صراع سنّي ـ علوي، صراع درزي ـ سنّي ـ مسيحي. هذا كله من دون ان نشير الى العنصرية الابادية الصهيونية التي سعّرت في قلب المنطقة صراعاً اسلامياً ـ يهودياً نقض قرون التعايش التي عرفتها المنطقة بين اليهود والمسلمين، من المغرب الى البحرين مروراً بفلسطين والعراق والشام.
في الجانب المشرق ايضاً وفي الرد على الجرائم الداعشية ضد مسيحيي العراق ومسلميه، وانتقالاً الى شاهد آخر وإن كان ابسط حجماً، قرأت مقالة جميلة تم تداولها في بعض وسائل الإعلام الاجتماعي من كاتب فلسطيني مسيحي رأيت ان اقتبس منه، ولو مطولاً، بعض الفقرات التي تعبر اروع تعبير عن جوهر العيش المشترك الذي شهدته المنطقة عندما كان الجميع يتعامل مع الدين والطقوس بصفتها مسلكيات تعزز الإخاء والحياة العفوية، وليس بصفتها سيوفاً تقطع رؤوس المخالفين.
يتساءل الدكتور جمال سلسع في مقالته او بالاحرى ندائه الحار والمرير: «هل احمل جذوري العربية على كتفي وأرحل عن دياري، لأن مسيحيتي ثقافتها عربية اسلامية؟ لن ارحل كمسيحي من بلدي لأن مسيحيتي ثقافتها اسلامية وأين «العهدة العمرية» يا اشقائي المسلمين؟ اين احكل دمع المثنى بن حرثة الشيباني النصراني قائد جيوش النصارى في دولة الغساسنة الذي تخلى عن الرومان النصارى، وسار مع سعد بن ابي وقاص بجيشه، وشارك في الفتوحات الاسلامية؟ كيف الملم معلقاتي الشعرية العربية الابداعية عن حائط عروبتي الثقافية وما زال عمرو بن كلثوم يردد بحضارته وجيشه الكبير… كيف انزع عن جلدي ميراث اجدادي وارتك هوائي الذي لا هواء غيره؟ ومدينتي التي في حاراتها طفولتي، وفي شوارعها رفاق مدرستي، ولما كبرنا نسجنا معاً مواقفنا القومية العربية، ضد كل محتل ومستعمر، وعلى اعواد المشانق علّق اجدادي في بلاد الشام على يد جمال باشا السفاح من اجل حرية الارض العربية؟… لماذا لم يقرأ الآخرون حضوري الوطني عندما كانت راية الاسلام التي رفعها الاتراك تدوس لواء الاسكندرون العربي، في حين كانت شوارع الشام بمسلميها ومسيحييها تخرج بتظاهرات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ومن كنائس الشام وأجراس المشرق، بعد ان اقفل الاتراك كل جوامع الشام لمنع التظاهرات ضد استلاب لواء الاسكندرون، حيث تحولت كل الكنائس الى جوامع، ووقف خطيب المسلمين في محراب المسيح يلقي خطبة الجمعة، وصعد المؤذن الى قبة الناقوس يرفع الأذان. فلماذا تغلق العيون امام هذا التاريخ؟ ولماذا تصم الآذان عن صوت عروبة آتٍ من اعماق التاريخ؟».
* كاتب وأكاديمي عربي
الحياة

 
رأس الجندي اللبناني علي السيد وقد فُصِل عن جسدنام/ حازم الامين
ذبحت «داعش» الجندي اللبناني علي السيد وأرسلت صورة رأسه مفصولاً عن جسمه. المشهد افتراضي على رغم ما يحمله من احتمالات واقعية. الخبر غير أكيد لكن الصورة وصلت، وعلينا أن نتعامل معها بصفتها واقعاً، ذاك أن الصورة أقوى من الحقيقة في زمن «داعش». فقد تم ذبح علي رمزياً، وبقي أن ننتظر الخبر. تبعات فعل الذبح تمت واكتملت. الصورة، والهلع، والصمت. الخبر لم يعد مهماً والحقيقة صارت نسبية.
ذبيحتنا الأولى في مشهد الذبح العام الذي يعصف في الإقليم. صحيح أنه جندي واحد، بينما شهد اليوم الذي سبقه ذبح مئات من الجنود السوريين في الرقة، ولكن لصورة رأس الجندي اللبناني وظيفة ينوي المجرم إيصالها لنا. فهو قال «أنتم جزء من المشهد… أنتم جزء من وليمتنا».
والحال أن لبنان انضم فعلاً إلى المشهد، وصار يشكل مع سورية والعراق مثلثاً لإراقة الرقاب. فقبل يومين من ذبح الجندي كانت «داعش» «زفت» لبنانياً نفذ عملية انتحارية في بغداد، هو الثاني في غضون شهرين، وهو كما سلفه من الضواحي الفقيرة لمدينة طرابلس. وفي هذا الوقت أيضاً التحق عشرات من اللبنانيين بصفوف «داعش»، وها هم يقاتلون الآن في جرود عرسال.
لكن الرسالة الأخيرة جاءت أوضح: رأس جندي لبناني. لا شيء أبلغ من هذه الرسالة. ولا بد أن صدمة غير مسبوقة أحدثتها الصورة. وعلي الذي ربما ما زال حياً وربما لا، تمت الاستعاضة عنه بصورته. صحيح أن لبنان شهد عنفاً أشد، وأن أجساداً فيه تحولت أشلاء، لكن صورة رأسٍ فصلته سكين عن جسم الجندي، تنقل وعي اللبنانيين بحالهم إلى مستوى لم تتمكن كل جولات العنف من إحداثه. فالصورة لا تشوبها أوهام أخرى. إنهم قتلة، ولا شيء غير ذلك. لا أوهام يمكن أن ترافق هذا القتل، ولا يطمح القتلة إلى غير صورتهم هذه.
إنه جندي واحد حتى الآن، لكن الفعلة، إذ لم تأتِ على الجنود الآخرين، إنما تم ذلك بهدف تحميل الرسالة مزيداً من السمّ البصري. يريدون للمشهد المرسل إلينا أن يكون جلياً. صورة رأس واحد تكفي. رأس واحد أوضح وأبلغ. يُفصل عن الجسم ويوضع في وسطه، وتُلتقط الصورة، وتُرسل. جملة مشهدية بسيطة وغير ملتبسة.
مَنْ هم هؤلاء القتلة؟ هل هم أولئك الذين نُشاهد صورهم على «يوتيوب» و«فايسبوك»؟ مَنْ الذي أقدم على فصل رأس جندينا عن جسمه؟ فالقاتل اختار ضحية تُضاعف الحيرة به. الجندي من بلدة فنيدق، وهو ليس شيعياً ولا مسيحياً. اختار جندياً سنياً، ليقول أن طقس الذبح يشملكم كلكم، وأن لا أبرياء بينكم. وأن الذبح تم لأننا نذبح، ولأننا نذبح فقط. لا قيمة لانقساماتكم السخيفة، ولحروبكم البطيئة. نحن «داعش» الكائن الذي خرج من تفاهتكم واستقل عن جوركم وها هو زاحف اليوم ليأكل أمه وأباه.
هل رأيتم صُوَر القتلة على «فايسبوك»؟… أولئك الرجال البدناء والملتحين وكثيفي الوجوه والملامح. علينا أن نُصدق أن ما مس هذه الكائنات، ليس أنظمةً ولا أدياناً ولا طوائف ولا سجوناً. مسهم شيء من روح وحش قديم. وهل علينا أن نُصدق أنهم ظهروا فجأة؟ لقد كانوا يحكمون الموصل منذ أكثر من سنتين، وسيطروا على الفلوجة قبل أن يسيطروا على الموصل بسنة. وفي سورية كانت فُتحت لهم السجون والحدود والمُدن منذ سنتين أيضاً. كانوا «جبهة النصرة» ثم صاروا «داعش»، وكان السكان يعاينون نموهم وينتظرون.
الوحش كان ينمو ويكبر تحت أنظار الجميع، والدهشة الكاذبة التي أصابتنا عندما وثب على بلادنا ومدننا وجنودنا، ليست سوى رياءً لطالما خبّأنا خلفه حقيقتنا. في طرابلس كان المذهولون يعاينون الفتنة في وجوه من أفقروهم ومن سلّحوهم، وفي بعلبك كان «حزب الله» يُدرك أن حربه سائرة نحو ولادة وحش خرافي.
لقد أرسلنا الجنود إلى الحدود، بعدما ألغينا الحدود. أقمنا لهم مهاجع للنوم لا للقتال. كنا، جميعنا، نعرف أن هؤلاء سيموتون هناك، وكنا أيضاً نعرف أن وحشاً وُلد، وأنه بصدد أكل جنودنا. إنهم الضحية الرمزية التي قدمناها لوحشنا. هذا الكلام لا ينطوي على استعارات لغوية. هذا ما جرى بالفعل. فلنتخيل الجندي اللبناني الذبيح، ابن بلدة فنيدق. التحق الشاب بالجيش لسبب بسيط، هو أنه فقير، ولأن لا أفق للعكاريين إلا الجيش منذ عشرات السنين. كان الوحش ينمو قرب فنيدق أيضاً، وكان مَنْ توسط لعلي لكي يدخل السلك العسكري يعرف حكاية هذا الوحش، ويعرف أيضاً أن علي سيُرسل إلى عرسال، وأن الدولة أعدت لجيشها على الحدود مهاجع للنوم لا للقتال.
أُرسل علي إلى فم الوحش تحت أنظارنا جميعاً. بعضنا توسط له لكي يُصبح جندياً ومنع عنه أي طموح آخر، وبعضنا ألغى الحدود وذهب للقتال في سورية، وبعضنا أنكر على الجيش حقه في التسلح، وبعضنا ضرب صمتاً على نمو الوحش في داخله.
استيقـــظ اللبــنانيون في ذلك الصباح على صورة رأس علي السيد، الجندي من بلدة فنيدق في عكار. كان صباحاً اختبرنا فيه نوعاً جديداً من الرسائل. كان الأمر مختلفاً عن تلك الصباحات التي شهدت اغتيالات وتفجيرات. رأس واحد كان كافياً لصمت أطول من ذلك الصمت الذي لطالما رافق تفجيرات كبرى شهدناها. لم نسمع صوت انفجار، ولم تتعطل شبكة الهاتف الخليوي، ومــشهد الذبح حصل بعيداً من منازلنا خلافاً لتفجيرات داخل أحيائنا ومنازلنا، وعلى رغم ذلك كان رأس علي الــسيد المفصول عن جـــسمه أقرب إلى وجوهنا من جثث قتلى سقطوا تحت شُرفات منازلنا. في ذلك الصباح شعر كل منا بأن رأسه انفصل عن جسمه لثوانٍ قبل أن يعيده هو بيديه هلِعاً.

ولكي لا يُصيبنا الذهول الكاذب الذي أصاب العالم بعد سقوط الموصل، حين نستيقظ في الصباح ونرى «داعش» بين ظهرانينا: علينا ألا نتفادى مواجهة أنفسنا بحقائق لم يعد إنكارها مجدياً. علينا ألاّ ننسى أن فتية لبنانيين باشروا عمليات انتحارية في العراق، وأن «حزب الله» يُقاتل في سورية وألغى الحدود، وأن دولتنا ضعيفة ومنهكة، وأننا بلا رئيس… ولا رأس.
الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى