صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

 

“قنابل نووية” لإيران… والعرب في التحالف بلا شروط!/ جورج سمعان

إيران لن تسلّم بتعليق برنامجها النووي بلا مقابل. ولن تقبل بتقييد قدراتها على امتلاك قنبلتها الذرية غداً أو بعده بلا ثمن. ويدفعها استعجال المفاوضات بينها وبين الدول الست الكبرى إلى استعجال امتلاك أكبر عدد من القنابل في الإقليم تكون بديلاً من القنبلة النووية. فهي تعرف أنها لا تحتاج إلى هذه، لأنها لن تكون مبدئياً قيد الاستخدام في أي مواجهة. ليست من باب لزوم ما لا يلزم بالطبع. لكنها لزوم الحصول على بطاقة انتماء إلى نادي الكبار. تريدها قوة ردع وتوازن مع قوى تناصبها العداء، قريبة وبعيدة. إدارة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لم تخفِ تطلعها إلى يوم يقوم فيه تكتل يوازي مجلس الأمن قوة وتأثيراً يضمها وروسيا والصين ودول «البريكس». لذلك، دفعت حلفاءها وأذرعها في المنطقة إلى كسب مزيد من المواقع. وهذا ما أخرج الصراع السياسي والمذهبي من دائرة الحرب الباردة ليشعل عدداً من الجبهات، ويهدد بتغيير الخرائط.

لم تسلّم إيران بعودة الولايات المتحدة إلى العراق ومعها ركب من الحلفاء في التحالف، غربيين وعرباً. أوقفت التغيير العراقي في وسط الطـــريق. فلا حيدر العبادي قادر على إكمال عملـــية التغيير السياسي. ولا الأرض المستعـــادة من «داعش» تعود إلى خصـومها. تعـود إلى الميليشيات المرتبطة بها سياسياً وعسكرياً، والتي اتهمتها منظمة العفو الدولية قبل أيام بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين السنّة. تريد الجمهورية الإسلامية أن يقاتل الأميركيون وحلفاؤهم تنظيم «داعش» مجاناً، أو على الأقل في مقابل القليل الذي لا يبدل الكثير في الصورة السياسية في بغداد. وتحض الحكومة العراقية على رفض أي تدخل بري على الأرض. وحتى رفض مشاركة الطائرات العربية في ضرب جماعة «أبو بكر البغدادي». باختصار تريد أهل التحالف في العراق ولا ترغب في تمدد عملياتهم في سورية، مخافة أن يطرأ تعديل على موازين القوى يدفعها إلى تقديم ما لا تريد من تنازلات. وهذا ما أعاق ويعيق انخراط أهل السنّة في الحرب المفتوحة على «دولة الخلافة». وهذا ما يوقظ مخاوف الأكراد وهم يرون إلى حكومة العبادي تكاد تتحول نسخة عن سابقتها في عهدة نوري المالكي. ويدفعهم إلى معاودة طرح الاستفتاء على الحق في تقرير المصير، أملاً باستقلال لن يولد من دون حروب داخل الإقليم وعلى حدوده المتنازع عليها مع الشيعة والسنّة على السواء، بل قد يفتح انفصال كردستان الباب واسعاً أمام تقسيم العراق في إطار خريطة جديدة لكل بلاد الشام.

تريد إيران أن تحتفظ بما لها في العراق وسورية، وإن تعرض البلدان لخطر التقسيم والتفتيت، بل تريد أن يكون لها المزيد من «القنابل». لم تسكت حتى الآن على ما جرى في البحرين. تصر على بقاء الوضع السياسي معلقاً عبر مقاطعة المعارضة في هذا البلد، الانتخابات النيابية. لن تسلّم بحضور مجلس التعاون الخليجي في المنامة. لن تعترف للآخرين بحقهم في حماية أمنهم الوطني والخليجي عموماً. ودفعت الحوثيين، في المقلب الآخر، إلى ما بعد صنعاء. إلى السيطرة على شمال اليمن وغربه، والاندفاع جنوباً إذا قدر لحليفها المقيم في ضاحية بيروت السيد علي سالم البيض، الرئيس السابق لما كان دولة اليمن الجنوبي، أن يلاقي عبدالملك الحوثي في وضع اليد على عدن وباب المندب. لم تراعِ مخاوف أهل الجنوب وحساسيتهم المذهبية. وحرّكهم تغولُ الحوثيين إلى استعجال استقلالهم عن الشمال. ولا يعني ذلك أن ولادة هذا الاستقلال ستكون سهلة. عليهم أن يستعدوا لخوض حروب وحروب تبدأ مع الحوثي وأنصاره في الجنوب، ثم بينهم وبين «القاعدة» الذي بات «حزب التجمع اليمني للإصلاح» وإخوانه يستعدون للوقوف وراء شياطينه لقتال أهل الشمال.

يجري كل هذا التمدد الإيراني، وسط شكوك في فعالية الحرب على «داعش». فالتنظيم يواصل هو الآخر حربه في العراق وسورية، ويستعد للتمدد أيضاً غرباً، وفتح جبهة جديدة في لبنان تحت شعار قتال حلفاء طهران. ووسط حرص أميركي واضح على تحقيق إنجاز في المفاوضات النووية. وهو حرص يلتقي مع رغبة مماثلة لحكومة الرئيس حسن روحاني. لذلك، يبدو كل حسم مطلوب حيال هذا التمدد وذاك مؤجلاً، ما دامت لا رغبة في تأجيل الاتفاق المحتمل بين إيران والدول الست إلى ما بعد الرابع والعشرين من الشهر المقبل. كل شيء يهون أمام حكومة روحاني والإدارة الأميركية في سبيل بقاء المفاوضات النووية نشطة وإنجاحها بأي ثمن. وثمة من يتوقع أن تثمر قبل الموعد المحدد. يجب أن يتحقق الإنجاز سريعاً.

إيران لم تعد ترغب في مهلة جديدة. تستعجل إعادة تحريك عجلة اقتصادها المكبل بالعقوبات والمهدد بمزيد من التدهور مع تدهور أسعار النفط الذي يرى إليه بعضهم حرباً أخرى لحشر الجمهورية الإسلامية وحليفها الروسي، ما دام الأخير لا يكف عن التلويح بورقة الغاز في وجه أوروبا. والرئيس أوباما هو الآخر لا يرغب في تمديد المفاوضات. يخشى وصول أكثرية جمهورية إلى مجلس الشيوخ الشهر المقبل لا تحبذ اتفاقاً مع طهران وتشكك في جدواه. يخشى ضياع رهانه الطويل على إنجاز تاريخي مع الجمهورية الإسلامية يعوض فشل سياسته الخارجية في أكثر من ملف، خصوصاً في «الشرق الأوسط الكبير». فهل يتحقق هذا الإنجاز ليكون أيضاً هدية إلى مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون التي ستغادر هي الأخرى منصبها؟

كل الجبهات باتت مفتوحة في طول الإقليم وعرضه: الحرب على «الدولة الإسلامية» والحرب على تمدد الجمهورية الإسلامية، وحرب إيران عبر «قنابلها» هنا وهناك. كلها ترسم حجم التحول التاريخي المنتظر في الشرق الأوسط. وحجم التداعيات السياسية والعسكرية للاتفاق النووي المتوقع… إلا إذا فات الموعد المحدد الشهر المقبل، وحالت المواقف والظروف دون أي تقدم. عندها قد تنجر المنطقة إلى حرب واسعة. هذا ما يشي به تاريخ أزماتها. قد لا يضير الولايات المتحدة أن تتغير الأوضاع في المنطقة العربية، إذا كان الثمن إعادة بعث العلاقة التي كانت بينها وبين إيران أيام الشاه. وثمة رغبة دفينة في هذا الاتجاه. والاتهامات التي وجهها نائب الرئيس جو بايدن إلى تركيا والإمارات والسعودية بتسليح المتشددين في سورية تخفي استياء أميركياً واضحاً من هؤلاء الحلفاء التقليديين لا تبدده الاعتذارات التي قدمها لاحقاً. في حين تحاشى أن يشير إلى الدور الذي لعبته وتلعبه إيران في كل من العراق وسورية، والذي أدى بلا شك إلى اتساع رقعة المتعاطفين مع شياطين «داعش» وغيرها لوقف الزحف الإيراني على المنطقة.

لغة المصالح بعد ثلاثة عقود ونيف من الحرب الباردة، والجبهات النازفة في أكثر من ناحية وساحة، وخطابات التهديد والوعيد، لا بد من أن تتغلب على الأيديولوجيا، في الساحتين الأميركية والإيرانية. لم تعترف الولايات المتحدة بالاتحاد السوفياتي، على رغم كل الحروب البديلة بينهما، لكنها تعايشت معه وأبرمت معاهدات واتفاقات. وهي تفعل الشيء نفسه مع الصين التي لا تستسيغ سياساتها الداخلية وتخشى أطماعها في المحيط الهادئ، وتتواجه معها من آسيا الوسطى إلى أفريقيا. وما يسهل على إدارة أوباما مثل هذه الانعطافة نحو إيران أن الطقس العربي بات ملائماً، والأوضاع العربية لا توحي برؤية واحدة للأخطار وسبل مواجهتها. يكفي النظر إلى ما حل بالنظام العربي من ليبيا إلى مصر وجنوب شبه الجزيرة، وحدّث ولا حرج عما يحدث في بلاد الشام من شاطئ المتوسط إلى الحدود مع إيران.

ولعل أخطر ما في هذا التحول أن إيران تحقق نجاحات لم تتوافر لها من زمن طويل. فالقوى التي ستعوضها ربما خسارة قنبلتها النووية مرحلياً، قادرة على جعلها رقماً كبيراً وصعباً بين اللاعبين الكبار في المنطقة. هذه القوى الطوائف والمذاهب، من العراق إلى سورية ولبنان واليمن، مكونات أساسية في بلدانها أياً كان حجمها وتعدادها. ولا يمكن أن يساوم خصوم الجمهورية الإسلامية على مصيرها ووجودها التاريخي. هي «قنابل» ثابتة بخلاف «قنابل داعش» التي يرى إليها هؤلاء الخصوم تهديداً لهم ولمستقبلهم. يبقى أن إدارة أوباما التي تتمهل في حربها على «دولة الخلافة» وتغض الطرف عن حروب إيران، من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية، هل يمكنها أن تقيم توازناً بين ثوابت سياساتها السابقة والانعطافة المتوقعة؟ أي هل تتخلى عن «مبدأ كارتر» وحلفائها التقليديين في مقابل تخلي طهران عن برنامجها النووي العسكري بمثل هذه السهولة؟ جل الجواب في جعبة الدول العربية، ودول مجلس التعاون، خصوصاً التي تقاتل «دولة الخلافة» إلى جانب الولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى… فهل تغير طائراتها الحربية مجاناً وبلا شروط على هؤلاء الحلفاء، أقله في ما يخص ما تزرعه طهران من «قنابل» في المنطقة؟

الحياة

 

 

زمن الجيوش الصغيرة/ غسان شربل

يتابع العربي التطورات في اليمن كما يتابع مسلسلاً تلفزيونياً سلساً. جيش صغير تضيق به معاقله في صعدة فيتقدم إلى صنعاء. كانت الرحلة ممتعة. لم يعثر على الجيش النظامي الذي حاربه سابقاً. لم يصطدم بدورية للأمن الداخلي. لم يسأله شرطي بلدي عن أوراقه. في البلد المدجج بالسلاح والقبائل والتارات لم يعثر «أنصار الله» على من يحاربهم.

سقوط صنعاء كثمرة ناضجة ضاعف شهيات الحوثيين. في الحلقة الثانية من المسلسل الحديدة والميناء وطريق باب المندب. جيش صغير يتقدم. وجيش كبير يتوارى. وفي الرحلة يغتني الجيش الصغير بموجودات ثكن الجيش الكبير. دبابات ومدافع وذخائر.

تصرف الرئيس عبد ربه منصور هادي كمراقب نمسوي. وتصرف جمال بن عمر كمراسل صحافي. الدبابات أصدق من حبر الاتفاقات. صار على الرئيس أن يطيع مرشد الجمهورية اليمنية. رأى الجنوبيون جيش الحوثيين الصغير يستولي على الوليمة الشمالية فرفعوا راية الاستقلال. انفجر اليمن.

ولم تكن القصة سرية. في آذار (مارس) الماضي سمعت من الرئيس هادي أن الحوثيين يريدون الوصول إلى البحر الأحمر. وقال إن من يملك مفاتيح باب المندب ومضيق هرمز لن يحتاج إلى قنبلة نووية. وهو كان يلمح إلى أن إيران تقف وراء تحركات الحوثيين. القصة غريبة فعلاً. بعد سبعة أشهر من كلام الرئيس حقق الحوثيون برنامجهم بانسيابية منقطعة النظير. تسأل عن السبب فيأتيك الجواب: «فتش عن علي عبد الله صالح». لا أعرف إن كان هذا الجواب يكفي للتفسير. الأكيد أننا في بدايات دورة يمنية شديدة الخطورة على اليمن ومحيطه. أخطر ما يمكن أن يحدث أن تصبح «القاعدة» رمزاً للمقاومة السنية للمشروع الحوثي.

إننا في زمن الجيوش الصغيرة. جيش صغير اسمه «داعش» نفذ انقلاباً كبيراً ودفع العراق إلى الانفجار مجدداً. تهاوت فرق من الجيش العراقي الكبير أمام هجماته. سقطت الأسلحة الأميركية في يد الجيش الصغير الذي ألغى الحدود العراقية – السورية. ولولا مسارعة جيش صغير آخر إلى التماسك وهو البيشمركة لكان «داعش» ينعم الآن بنفط كركوك ولتعرض الأكراد لما هو أدهى من أنفال صدام. نجح الجيش الصغير في تنفيذ انقلاب كبير والدليل أن الذعر الإقليمي والدولي أسفر عن ولادة التحالف وغاراته. قبلها خاف الجيش العراقي على بغداد فاستجار بالحشد الشعبي أي بالجيوش الصغيرة.

لا يمكن تشبيه الجيش السوري بالجيش العراقي. أظهر في الحرب الطويلة تماسكاً رهيباً. لكنه يرابط على جزء من أرض سورية. وثمة من يقول إن هذا الجيش الكبير ما كان ليستطيع الاحتفاظ بدمشق لو لم تنقذه الجيوش الصغيرة الوافدة بمباركة إيرانية من العراق ولبنان. والمقصود هنا «حزب الله» و»عصائب أهل الحق». ليس بسيطاً أن ينقذ جيش «حزب الله» الجيش السوري في مواجهة «الجيش الحر» وجيش «النصرة» وجيش «داعش». غير «حزب الله» مسار الأزمة السورية وإن كان فتح الباب لأزمات مديدة في علاقات طائفته بالكتلتين السنيتين في لبنان وسورية.

لبنان ليس غريباً عن قصة الجيوش الصغيرة. عاشها إبان الحرب الأهلية. بعد 7 أيار (مايو) 2008 انتزع «حزب الله» لنفسه حق النقض على قرارات السلطة اللبنانية. لا تتشكل حكومة من دون موافقته. ولا ينتخب رئيس للجمهورية إلا بمباركته. مشاركته في الحكومة لا تعني أبداً أنه يسلم لها بأنها المسؤولة الأولى والأخيرة عن قرار السلم والحرب. عملياته في جنوب لبنان تؤكد ذلك والأمر نفسه بالنسبة إلى تدخله في سورية.

كانت «حماس» مع «الجهاد الإسلامي» جزءاً من برنامج الجيوش الصغيرة. خاضت «كتائب عز الدين القسام» أكثر من حرب وطورت ترسانتها الصاروخية. لـ»حماس» خصوصية. كانت الحلقة السنية الوحيدة في محور الممانعة. اشتداد النزاع المذهبي على الأرض السورية دفعها إلى المغادرة. هذا لا يلغي أن الانقلاب الذي نفذه جيشها الصغير في غزة غير مسار الملف الفلسطيني.

إنها جيوش صغيرة عقائدية. حروبها أوسع من الخرائط الموروثة. ومرجعياتها لا تعترف بالحدود الدولية. جيوش جيدة التدريب والتجهيز. متراصة الصفوف والطاعة فيها كاملة. قادرة على الإمساك بقرار العواصم. وقادرة على اختراق الحدود الدولية. مشكلتها أنها لا تمثل سوى قسم من المواطنين. وأن بأسها يدفع الآخرين إلى الذعر أو الإرهاب. الجيوش الكبيرة نفسها تتحول جيوشاً صغيرة إذا رابطت على بعض الأرض أو اتكأت على بعض الشعب. يصعب على الجيش الصغير الاستيلاء على كامل الخريطة في بلد متعدد. قوة الجيوش الصغيرة تمزق الخرائط.

للمرة الأولى نرى هذا العدد من الجيوش الصغيرة على خرائط المنطقة. ثمة جيوش جديدة تتشكل حالياً. التربة الليبية حبلى بجيوش صغيرة تشرب من نبع آخر. كان العيش في ظل الجيوش الكبيرة متعباً. يبدو العيش في ظل الجيوش الصغيرة مفتوحاً على الخرائط الممزقة أو «الأوطان» الصغيرة.

الحياة

 

 

 

 

زلزال المنطقة… والجنرال وقت!/ عرفان نظام الدين

كل من يتابع عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وأخواته في سورية والعراق يدرك جيداً ان «القصة طويلة» جداً وأن لها ما لها وما عليها من ذيول وتبعات ونتائج وردود فعل وانعكاسات كثيرة تدعو إلى القلق والدهشة والاستغراب، إن لم نقل في بعض الأحيان، الى السخرية من أسلوب المواجهة والعقلية التي تدار بها الأمور وكيفية معالجة قضية خطيرة مثل هذه القضية الحساسة والدقيقة والمكشوفة أمام أعين العالم كله.

ففي مثل هذه الحال هناك نظريات مختلفة ومتناقضة حول أسلوب المواجهة العسكرية، فمنها ما يعتبر ان الوقت هو العامل الأساس في حسم المعركة باستخدام عنصر المفاجأة والضربات السريعة الموجعة والمكثفة كمّاً ونوعاً، كما فعلت إسرائيل في حرب 5 حزيران (يونيو) ١٩٦٧، وما قامت به مصر وسورية في حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٧٣، في مقابل نظرية تقوم على التدرج في العمليات مهما استغرق وقتها والتأني في توجيه الضربات مهما طال الزمن!

وبكل أسف، فإن من الواضح ان قيادة العمليات في التحالف اختارت النظرية الثانية، إن في الأحاديث المسهبة عن الحرب وتفاصيلها المملة وتحديد أماكن الضربات التي ستستهدف، وكأنها تقول لـ «الداعشيين»: إننا قادمون وسنضرب هنا وهناك، فابحثوا عن مخابئ لكم ولأسلحتكم وانتشروا خارج أماكن تجمعاتكم؟ كما ان غالبية التصريحات تؤكد ان العملية ستستغرق سنوات عدة، وبعضها حدد ١٠ سنوات وآخر ذهب بعيداً ليتحدث عن 40 سنة، وكأنه يقول: «أبشروا بطول سلامة يا إرهابيين، وتحملوا يا عرب ما سيحلّ بكم طوال هذه السنوات العجاف، إن لم تفنوا قبلها».

ومع الاعتراف بعدم جواز الجزم بصوابية الخيارات العسكرية من جانب من لا اختصاص له، وأنا منهم، فإن من البديهي القول إن أهل المنطقة أدرى بشعابها وقضاياها وحساسياتها، وإنهم هم الذين يدفعون الثمن من أمنهم واستقرارهم وثرواتهم وأرواحهم ويحملون الأوزار مهما كانت النتائج، كما ان الأوضاع لا تحتمل الإطالة والاستمرار في الحرب على المدى الطويل. فالمنطقة تعيش الآن في سباق مع الزمن ولا تحتمل سير السلحفاة التي تصل متأخرة أو قد لا تصل أبداً في الوقت المناسب.

فأهل المنطقة يريدون الحسم السريع لأنهم أكثر إدراكاً لأوضاعها المعقدة والحساسيات والحسابات المتعلقة بها… وأكثر تفهماً لنبض الرأي العام وأسلوب مجابهة جماعات متطرفة باتت تملك السلاح المتطور والمال الوفير والخبرة العسكرية، بعدما انضم إليها مئات الضباط والجنود المدربين والمنشقين عن الجيشين العراقي والسوري، إضافة الى مئات المتطوعين من أنحاء العالم. وعلينا ألا نتجاهل أيضاً قدرة هؤلاء في التفنن باستخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الحديث التي تصل الى كل بيت والتركيز على أساليب التجييش العاطفي والديني والإرهاب والتخويف و «البروباغندا» بشتى أنواعها وأشكالها.

ولا يختلف اثنان على ان «الجنرال وقت» هو عامل أساس في حسم المعركة، أي معركة، مع احترام نظريات جنرالات التحالف. هذا ما تعلمناه من دروس التاريخ وتجارب الآخرين، علماً ان هذه الحرب الجديدة تتطلب اعتباراً أكثر له ودقة في التعامل معه لأسباب متعددة أهمها انها حرب غير تقليدية، بل هي مزيج من حرب العصابات وعمليات الكر والفر والقدرة على التخفي والانتشار بين السكان واتخاذهم دروعاً بشرية لا بد من ان تتسبب بالإحراج في وقوع ضحايا من المدنيين والنساء والأطفال، وهو ما سيسعى إليه الإرهابيون لتأليب الرأي العام.

يضاف الى ذلك ان «داعش» وأخواته تحارب في أرض غير أرضها، بل هي أرض محتلة، ولا تبالي بالدمار ولا بهدم مدن وقرى لا تخصها، ولا تهتم بمصير أهلها الذين أُجبروا على النزوح أو الرضوخ لأوامرها، كما انها استولت على أسلحة ومعدّات حديثة لم تدفع ثمنها ولا تجد صعوبة في الحصول على غيرها من مستودعات الجيشين العراقي والسوري، إن لم تأتها من مصادر أخرى.

ومن هنا يأتي استغراب التصريحات التي تتحدث عن سنوات، والاستهزاء بطلعات جوية متفرقة وبأوقات متباعدة لتقصف مركزاً أو مركزين للإرهابيين، أو تطاول رتلاً من مسلحيهم لتعود الى قواعدها سالمة من «نزهتها» وتنتظر الأوامر للقيام بمهمات أخرى في اليوم التالي أو بعده. ومع الاعتراف مرة أخرى بعدم الاختصاص العسكري والاستراتيجي، فإن من المنطقي القول إن مثل هذه الحروب تتطلب شن ضربات متتالية ومركزة ودقيقة من دون انقطاع لتشل حركة الإرهابيين وتمنعهم من التمدد والتقدم، إضافة الى استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحديد أماكن تمركز القيادات ومراكز الإدارة والتحكم لضربها وإجبارها على التنقل وكشف تحركاتها.

أما ما جرى حتى هذه اللحظة، فمن المؤكد انه لن يؤدي الى حسم الأمور، بل ربما زادها تعقيداً، فالحوادث الراهنة تشبه الى حد بعيد زلزالاً يهز المنطقة بأسرها، ما يتطلب مجابهة على مستوى أخطاره وتهديداته، إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها أو أن أصحاب الحل والربط لديهم تصور آخر لحسم الأمور لم يرد الإعلان عنه لو كشف تفاصيله.

هذا الزلزال هو ارتداد طبيعي لزلزال ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١ الذي تبنت فيه «القاعدة» تفجيرات نيويورك وواشنطن، وكان من نتائجه ضرب القضايا العربية، وفي مقدمها قضية فلسطين وإقدام الولايات المتحدة على احتلال أفغانستان والعراق وتدمير ركائز الدولتين وإعادتهما عشرات السنين الى الوراء وهز الكيانات العربية والإسلامية.

فهل المقصود من قيام «داعش» وخلافته المزعومة استكمال سيناريو الهدم وتفتيت الدول العربية وتدمير البنى التحتية وإشعال نار فتن وحروب قد تستمر عشرات السنين؟ الرد المنطقي على هذا السؤال يتركز على حقائق أرض الواقع. فماذا جنى العرب والمسلمون من الزلزال الأول غير الدمار وضرب الأمن والاستقرار وهدر الثروات العربية؟ والى ماذا يمكن ان يؤدي الزلزال الجديد، الأكثر خطورة وتأثيراً، وماذا يفيد ما يسمى بالجهاد المزعوم قطع رأس أميركي أو بريطاني أو فرنسي، أو حتى عربي مسلم أو مسيحي، غير تشويه صورة الإسلام وتهديد حياة ملايين المسلمين؟ وماذا ستجر علينا هذه الظاهرة غير الدمار والمذابح وهيمنة الدول الأجنبية على المنطقة وخيراتها وقراراتها وإطلاق يد القوى الإقليمية، أي تركيا وإيران وإسرائيل في فرض إرادتها ونفوذها على العرب أصحاب الأرض والتاريخ والمصير وأسياد المنطقة عبر العصور؟

أليس هذا ما نشهد فصوله اليوم وتتكشف خفاياه يوماً بعد يوم، بعدما سقط القناع؟ وأي مكسب يمكن ان يحصل عليه العرب والمسلمون من هذه الخلافة المزعومة وغيرها؟ بل أي ثمن سيدفعون لاحقاً من حروب وفتن ودمار وضياع وتفتيت؟ الأمر واضح لكل عاقل، لكن هناك من يراهن على مجهول لن يأتي، أو على مفاجأة لن تحصل وسط شكوك وعلامات استفهام حول الوحش «فرانكنشتاين» ومن اخترعه ومن أوجده ولماذا وكيف انقلب على أصحابه؟

وهل يمكن ان نصدق ان النيات صادقة أو ان القصد شريف من كل ما حدث؟ أو ان من يتحرك باسم الإسلام صادق في دعواه؟ وحتى لو صدقنا جدلاً أنه صادق، هل اختار السبيل الصحيح والصراط المستقيم وامتثل لمبادئ الإسلام السمح واختار العمل بهدوء وحكمة وتعقل لنشر دعوته، بدلاً من لجوئه إلى الذبح والإرهاب والقتل وقمع الحريات والتكفير وإجبار الآمنين على النزوح من ديارهم وإرهاب أتباع دينهم قبل غيرهم من أتباع الديانات والطوائف الأخرى وخوض غمار حروب عبثية، يعرف دعاتها ونعرف جميعاً انها خاسرة وستجر عليهم وعلينا الويلات؟

إنّها أسئلة مشروعة تتطلب دراسة أوسع والبحث بعمق في الخفايا والأبعاد والأسرار والنوايا والغايات والمآرب والخلفيات والممارسات وأهدافها، لكن الأمر المؤكد ان الإطالة ستنجم عنها نتائج عكسية قد تؤدي إلى انتشار الارهاب واتساع رقعة المواجهة وازدياد التعاطف معه. ولهذه الأسباب وغيرها لا بد من معالجة الداء من أعماقه واجتثاث جذور المِحنة ومسبباتها ووضع خطط سياسية واقتصادية واجتماعية لإعادة تأهيل المجتمعات والقضاء على الفساد والالتفات إلى إعادة الإعمار لتحيي الآمال وتوفر فرص عمل شريف لملايين الشباب العاطلين الذين تُستغَل محنتهم لغسل أدمغتهم وتوريطهم في الإرهاب.

ولا بد من إيجاد حلول عاجلة لأزمة انتشار اللاجئين والنازحين نتيجة الحروب، وهي أيضاً تشكل التربة الصالحة للاستغلال ونشر التطرّف والأحقاد. ولا بد أيضاً من إزالة أسباب النزوح بإيجاد حلول عادلة وسريعة للحروب والأزمات التي تنخر في جسد الأمة على امتداد العالم العربي، مع وجوب إحلال السلام في المنطقة وفرض الحل العادل لقضية فلسطين على أساس منح الشعب الفلسطيني جميع حقوقه المشروعة وأولها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ووقف الإجرام الاسرائيلي ومنع أي تعرض للمسجد الأقصى الذي بارك الله من حوله، لأن أي تهديد يتعرض له (الأقصى) سيشعل نار حرب لا حدود لها وتضاعف من حدة التوتر وتنشر نيران التطرّف.

فالحل لا يمكن ان يكون عسكرياً فقط ومواجهة الارهاب الجديد بالحلول الأمنية وحدها والمعالجة لا يمكن ان تكون تقليدية وبطيئة ولا تصل الى الجذور ويشارك فيها الجميع، من القمة الى القاعدة ومن البيت الى المدرسة والجامع ومن الدولة الى الأفراد وأصحاب الرأي، وفي مقدمهم رجال الفكر والإعلام.

نعم لا مجال للعمليات التجميلية والتكبير والتصغير وحشو الـ «بوتوكس» واستخدام المسكنات والمهدئات، بل لا بد من عملية جراحية عاجلة تستأصل السرطان المنتشر في الجسد العربي وتجتث معه جذوره ومسبباته، وأي تباطؤ أو تأخر، أو تأخير متعمد، سيؤدي الى ما لا تحمد عقباه ولا نملك بعدها إلا رحمة الله، وهو الرحيم العليم.

* كاتب عربي

الحياة

 

 

 

حدود الدول وطموحات الخلافة/ علي بردى

الخرائط التي يتداولها باحثون أميركيون وغير أميركيين لطموحات “دولة الخلافة” تنذر بإشعال حروب كثيرة. ليست “الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش” إلا إمارة – نواة لمشروع توسعي كبير لا نظير له منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى. يسعى إسلاميو الألفية الثالثة الى استعادة أرض دولة مترامية الأطراف نشأت نتيجة الفتوحات الإسلامية في النصف الثاني من الألفية الأولى.

تتماثل الى حد بعيد مع النازية والفاشية عقيدة التنظيمات الإسلامية التي تعتنق مذهب الإرهاب الخاص بـ”القاعدة”. يؤمن أتباعها بالفرادة والصفاء والقوة… وبالحل النهائي لمشاكل العالم.

يقدم هذا التقديم تصوراً أوضح لنقاش جار في الغرب حول التسمية التي ينبغي اعتمادها للتنظيم الإسلامي الذي يسيطر حالياً على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وعلى بعض البؤر في لبنان. ينطلق هذا النقاش ليس فقط من اسم يريده هذا التنظيم لنفسه، بل أيضاً من طموحاته المعلنة في شأن الأرض التي يسعى الى السيطرة عليها. أثبت أنه عابر للحدود التي رسمت تفاهمات سايكس – بيكو قبل قرن وتكرست بموجب مؤتمر سان ريمو لعام ١٩٢٠. حطم في أيام قليلة حدوداً عجزت عنها القوميات البائدة، ومنها حزب البعث في العراق وسوريا، طوال عقود على رغم البطش والإستعباد.

طبقاً لخرائط أعدها معهد دراسات الحرب وغيره من مراكز الدراسات في الولايات المتحدة في شأن طموحات “الخلافة الإسلامية”، تبدو “الدولة الإسلامية في العراق والشام” مجرد إمارة عاصمتها الأولى الرقّة، وربما الثانية بغداد. لذلك يطمع الإسلاميون بخلافة تمتد عبر المشرق العربي لتصل الى بلاد العجم. يمكن الإمارات الأخرى أن تشمل شمالاً كردستان وبلاد القوقاز، وجنوباً الحجاز واليمن، وغرباً أرض الكنانة والحبشة امتداداً الى المغرب والأندلس وبعض أوروبا، وشرقاً خراسان.

ليست هذه الخرائط المستعادة من بدايات القرن الماضي سوى تعبير آخر عن قدرة الإسلاميين على تدمير حدود الدول الحديثة في المشرق، لا في العراق والشام فحسب.

بصرف النظر عن الجدل الذي يتعلق بالاسم، يصير مشروعاً الخوف المتزايد على لبنان من عشرات الخلايا الإرهابية النائمة. ترى ايران نفسها في حلبة غير تلك التي شاءتها لمصالحها الحيوية. على رغم السيطرة الآنية للحوثيين الموالين للجمهورية الإسلامية والساعين الى استعادة الإمامة الزيدية في اليمن، ينذر بامتداد الصراع مع المكونات السنيّة في اليمن ومحيطه الى الذروة. ليست ايران بمعزل عن هذه الحرب التي تحتدم في جوارها. لديها مكونان خطران: عرب وأكراد وخليط من السنّة.

تضرب تركيا أخماساً لأسداس في طريقة التعامل مع الوقائع الجديدة التي يخطها المجاهدون على حدودها مع كل من العراق وسوريا. كوباني (عين العرب) عقب أخيل فحسب.

طموحات الخلافة أوسع من حدود الدول.

النهار

 

 

“داعش” أم “حالة إسلامية”؟/ محمد ابرهيم

عندما اندلع “الربيع العربي” عام 2011 كانت النظرية الأميركية أنه تعبير عن استهلاك الأنظمة العسكرية العربية، التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، كل وظائفها، وأنّ استمرارها بات مولّدا لأكثر أشكال الإسلام السياسي تطرفا.

لم تكن لدى هذه النظرية أوهام حول النظام الديموقراطي الذي سيولد في أعقاب تحطيم الأنظمة، وإنما كان لديها اقتناع بأن “الإفراج” عن الاسلام السياسي، والسماح له باستلام السلطة سيوّلد تلقائيا فرزا في صفوفه. وهنا كانت المراهنة كبيرة على “الاخوان المسلمين” الذين سيكرس وصولهم إلى السلطة اعتدالهم، ويسحب من الصيغ الاسلامية المتطرفة مبرر وجودها.

لم يكن “الإخوان” على مستوى الآمال الغربية المعلقة عليهم. ولم تثبت ممارساتهم في السلطة، وحولها، انهم قادرون على إحداث الفرز المأمول داخل الإسلام السياسي. وكان ذلك العامل الأساس الذي أعاد إحياء خيار الأنظمة العسكرية العربية، برمزها الأبرز في مصر، وأعطاه عمقا شعبيا، ولمّا يمضِ على “الربيع” اكثر من سنتين. ومذذاك وردُّ فروع “الإخوان” على الانتكاسة المصرية، باستثناء “النهضة” في تونس، هو الإمعان في تضييع الحدود بين مكوّنات الإسلام السياسي لمصلحة الهوامش الأكثر تطرّفا.

وبينما كانت تونس في بداية “الربيع العربي” نموذجا ينقل “عدواه” إلى المحيط العربي الأوسع اصبحت اليوم استثناء إخوانيا، جلّ طموحه المحافظة على الذات، ولو على حساب تنازلات لم يكن “ربعها” مطلوبا من “إخوان” مصر دعما للأنظمة البديلة من أنظمة العسكر.

ما الذي يجمع الحالة الإسلامية اليوم في مواقعها المحلية، أي في ليبيا ومصر واليمن، وفي مواقعها العالمية، أي في سوريا والعراق؟ إنه عدم قدرة الخارج، الدولي، على الفرز بين اتجاهاتها. وعدم رغبة الداخل، الإسلامي، في احداث هذا الفرز، بعدما سادت هذه الحالة ردود الفعل الغريزية التي ترافق الخوف على البقاء.

الحرب العالمية على “داعش” تحاول تعويض غياب البدائل المقبولة، دوليا، والقادرة على مواجهة الحالة الإسلامية الموحّدة الصفوف. فلا النظام العسكري الصرف، ولا النظام العسكري – الشيعي، بديلان شرعيان دوليا. أما البديل الديموقراطي، فينتظر أسطورة التخطيط لتدريب المعارضة السورية المعتدلة، وصيغة حكم عراقية غير فئوية، خَفَتَ الحديث عنها في الفترة الأخيرة على كل حال.

بين بدائل غير مقبولة، وبدائل غير واقعية، يصبح واقعيا التقدير الأميركي بأن المعركة ضد “داعش” تتطلب سنوات. ولكنها سنوات من أجل أن تتغير معطيات الوضع الدولي، فيصبح ممكنا وضع المنطقة بأكملها تحت وصاية دولية مشتركة، لا انتظارا لبدائل عربية متعسرة منذ زمن بعيد، ولمستقبل غير منظور.

النهار

 

والآن «داعش» تطير!/ طارق الحميد

يبدو أن الإعلام، ومن دون أن يشعر، بات يخدم أهداف «داعش» الدعائية، وآخر هذه الخدمات كان التركيز على خبر تدرب مقاتلي التنظيم على قيادة «3 طائرات» مقاتلة! والحقيقة أن خبر طائرات «داعش» هذا لا يمكن أن يتجاوز حيّز موجز إخباري في صحيفة، أو سطرين في خبر.

وأهم ما في خبر طائرات «داعش»، إذا أردنا العمق، هو تحقيق صحافي يتساءل عن دور جيش صدام حسين في «داعش»، أما المبالغة في تصوير أن «داعش» تطير فإنه أمر يصب بخدمة التنظيم الإرهابي دعائيا. ولا شك أن «داعش» نجحت في تسخير الإعلام، الغربي والعربي، لخدمة دعايتها، والرقص على إيقاعها الدموي، من أشرطة جز الأعناق، ودحرجة الرؤوس بشكل وحشي مقيت، وصور لشعارات تكتب على جدران، إلى فيديوهات إحراق بعض جوازات سفر المنتمين للتنظيم الإرهابي، الذي بات يشعر الآن بقسوة ضربات التحالف الدولي ضده، مما دعا «داعش» إلى إعادة النظر بخطتها الدعائية، حيث باتت الآن أكثر حذرا بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي التي استخدمتها جيدا، وبإهمال أيضا من تلك المواقع نفسها، وخصوصا إدارة «تويتر» التي تساهلت مع خطاب «داعش» المتطرف والتحريضي.

ويتجلى حذر «داعش» الآن في حملاتها الدعائية من خلال توزيع كتيب على مقاتليها يشرح كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، والحذر في تحميل تلك المواد الدعائية، وعليه وطالما أن «داعش» باتت حذرة بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، فمن باب أولى أن يكون الإعلام نفسه حذرا بالتعامل مع «داعش»، التي من الواضح أنها تؤمن بمقولة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الشهيرة بأن «نصف المعركة في الإعلام»! فخبر طائرات «داعش»، مثلا، مبالغ فيه، وهو خبر دعائي، ونفته القيادة المركزية الأميركية، هذا عدا عن صعوبة أن تقوم «داعش» بالطيران دون توافر مجال جوي، وخلافه، وهو أمر لا يمكن أن يتم دون ترتيب مع دولة ما، وهذه وحدها قصة أخرى، ولها تبعات!

ولذا فإن خبر طيران «داعش» هذا يعني أنه من الضروري أن يعيد الإعلام الآن، وتحديدا العربي، تقييم طريقة تعامله مع «داعش» وضرورة عدم خدمة أهدافها الدعائية، خصوصا أن الإعلام الغربي قد قرر عدم الاندفاع خلف دعاية «داعش»، وذلك بعد أشرطة قطع رؤوس الغربيين، حيث أدرك الإعلام الغربي أن هدف التنظيم الإرهابي من كل ذلك هو الدعاية. وعليه فإن الإعلام العربي هو الأولى الآن بعدم الوقوع بفخ دعاية «داعش» التي تهدف إلى بث الرعب في قلوب الناس في العراق وسوريا، واستمرار عملية استقطاب صغار السن للانضمام للتنظيم المتطرف، وهذا هو الخطر بعينه.

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

التحالف ضد “تنظيم الدولة”: معطيات وشروط تركيا/ محمود سمير الرنتيسي

ملخص

يكتسب الموقف التركي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “تنظيم الدولة” زخمًا كبيرًا, ويتركز الاهتمام بهذا الخصوص على الموقف النهائي لتركيا نظرًا لما تمتلكه من أهمية كبيرة ووضع خاص في المنطقة الحافلة بالأزمات، وتباين الرؤى السياسية تجاه الأحداث خاصة بعد تراجع الربيع العربي.

لم تقم القيادة التركية باتخاذ موقفها مباشرة بل تدرجت في ذلك، وما زالت مستمرة في تقييم طبيعة مشاركتها لاعتبارات مبدئية مثل طلبها بإيجاد حلول شاملة وغير جزئية, وكذلك اعتبارات أخرى مؤقتة مثل ما تعلَّق بحياة مواطنيها الذين كانوا قيد الاحتجاز لدى مقاتلي تنظيم الدولة في الموصل.

تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الموقف التركي من المشاركة في التحالف والوقوف على معطياته ومخاوفه ومكاسبه, كما تناقش الورقة اتهامات بعض وسائل الإعلام الغربية لأنقرة بعدم الجدية في مواجهة تنظيم الدولة.

وتتناول الورقة أيضًا موقف الرأي العام التركي وقواعد حزب العدالة والتنمية من السياسة الحكومية تجاه المشاركة في التحالف ومن الأحداث والتطورات الجارية خاصة بعد تقدم قوات تنظيم الدولة إلى مدينة عين العرب “كوباني”.

وتخلص الورقة إلى أن تركيا تسعى لتحقيق الموازنة بين الانسجام مع الجهود الدولية ضد تنظيم الدولة وتعمل في نفس الوقت على تحقيق مصالحها، والحفاظ على استقرارها وأمنها من الآثار والارتدادات العكسية لعمليات التحالف في الوقت الحالي وفي مستقبل السنوات القادمة.

شرعت الولايات المتحدة في قيادة تحالف دولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد تعاظم قوة التنظيم في كل من سوريا والعراق وتوسع نطاق سيطرته في يونيو/حزيران 2014, فيما حاولت الإدارة الأميركية تجميع أكبر قدر ممكن من الحلفاء المشاركين والداعمين للتحالف بمختلف الأشكال.

ويكمن جزء كبير من خلفيات بلورة الموقف التركي في أن أنقرة لا تشارك واشنطن في جميع توجهاتها وأولوياتها في التحالف حيث إن واشنطن تهدف إلى القضاء على تنظيم الدولة ولا تعطي تصورًا واضحًا لمرحلة ما بعد “تنظيم الدولة”, فيما تنظر أنقرة لنفسها على أنها واحدة من أهم المتأثرين مباشرة من تداعيات الأمور سواء على ساحتها الداخلية أو في التغيرات السياسية والأمنية لدى جيرانها؛ لذا فهي تحاول أن تصل إلى صيغة وقائية على أقل تقدير.

ومن جهة أخرى فإن واشنطن تتطلع إلى مشاركة فعالة من أنقرة تقوم الأخيرة من خلالها بالمشاركة في الغارات الجوية مع فتح القواعد العسكرية على الأراضي التركية لقوات التحالف وكذلك إرسال قوات برية عبر الحدود للقتال ضد قوات تنظيم الدولة.

تتمتع تركيا في هذا السياق بخصائص جيوبولوتيكية مهمة, يمكن إدراجها في الآتي:

امتلاك تركيا لحدود بمسافة 1200 كم تقريبًا مع كل من سوريا والعراق, كما تعتبر تركيا أهم وأقرب دولة جغرافيًّا إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة.

وجود قواعد عسكرية مهيأة لانطلاق العمليات من تركيا, كما أن سلاح الجو التركي مزود بأحدث تكنولوجيات الجيش الأميركي, فيما تحتضن تركيا قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي, تعد أكثرها شهرة قاعدة إنجرليك الجوية بجانب مدينة أضنة الواقعة في جنوب شرق تركيا(1).

يعني تنفيذ العمليات من تركيا إحكام الخناق على تسلل مقاتلين أجانب من تركيا إلى كل من سوريا والعراق, وكذلك القضاء على كل ادعاءات تصدير النفط عبر تركيا والذي يعد أكبر مصدر تمويل لتنظيم الدولة.

تعتبر مشاركة تركيا بقيادة الحكومة الحالية ذات الخلفية الإسلامية السنيّة إضفاء لمزيد من الشرعية على عمليات التحالف.

توفر مشاركة تركيا وفتح أراضيها للقوات المشاركة كثيرًا من أعباء نفقات التحالف في حال تمت من دول أخرى.

سياسيًّا تعتبر مشاركة تركيا بالنسبة للغرب إما سحب لتركيا نحو الفلك الغربي من جديد بعد تبنيها توجهات نحو الشرق, أو زجّ بها في مستنقع الأزمات بعدما استطاعت أن تحافظ على إدارة دورها عن بُعد مما قد يسبِّب زعزعة في الاستقرار السياسي لحكومة العدالة والتنمية إذا اختارت الانسجام التام مع التوجهات الأميركية.

وقد برز هذا التطلع الأميركي والغربي في عدة مناسبات منذ مطلع شهر سبتمبر/أيلول يأتي في مقدمتها:

تحدث فريق الأمن القومي التابع لأوباما، أكثر من مرة مع أردوغان ومع مسؤولين أتراك مع بداية سبتمبر/أيلول، حول إمكانيات تركيا للإسهام في مواجهة تنظيم الدولة.

دعوة تركيا للمشاركة في التحالف ضمن خطة حلف الناتو في 5 سبتمبر/أيلول 2014.

زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل لأنقرة في 8 سبتمبر/أيلول 2014، لاستطلاع حجم الاستعداد التركي للمشاركة في التحالف.

دعوة تركيا للمشاركة في اجتماع التحالف في مؤتمر جدة في 11 سبتمبر/أيلول 2014.

زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لأنقرة في 12 سبتمبر/أيلول 2014.

لقاءات الرئيس التركي مع الرئيس الأميركي ونائبه على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية سبتمبر/أيلول 2014(2).

اعتذار جو بايدن نائب أوباما للرئيس التركي عن تصريحات اتهم فيها أنقرة بدعم الإرهاب.

الموقف التركي من التحالف

جاء توقيت مطالبة تركيا بتوضيح موقفها من المشاركة في التحالف في ظل وجود 49 رهينة من الدبلوماسيين الأتراك لدى تنظيم الدولة, وعلى الرغم من أن تركيا كان لديها أسبابها وتحفظاتها الجوهرية من المشاركة في التحالف بغض النظر عن موضوع الرهائن إلا أنها أعطت لحياة الرهائن أولوية خاصة فيما يتعلق بعملية إعلان موقفها من المشاركة, ويمكننا انطلاقًا من هذا أن نطَّلع على تطورات الموقف التركي باعتماد عودة الرهائن كفاصل زمني فحسب.

أولاً: الموقف قبل عودة الرهائن

تزايدت الضغوط الغربية لاتخاذ موقف تركي إيجابي وفعال من التحالف, غير أن أنقرة أعلنت موقفها المتحفظ بأشكال غير مباشرة وتدريجية من خلال الخطوات التالية:

التأكيد على تضامن أنقرة مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب, وشراكتها الاستراتيجية معها.

عدم التوقيع على بيان مؤتمر جدة؛ حيث كانت 11 دولة من الشرق الأوسط (دول الخليج الست وتركيا ومصر والأردن والعراق ولبنان)، بمشاركة واشنطن قد اجتمعت في مدينة جدة السعودية في 11 سبتمبر/أيلول 2014، لبحث مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وقد قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، موضحًا سبب عدم توقيع تركيا على المشاركة في الحلف الذي سيواجه تنظيم الدولة الإسلامية: “ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من الحلف واضح، والسبب من عدم توقيع تركيا على بيان قمة جدة واضح أيضًا، أتمنى أن يعي الجميع ما أقول، لا أريد الدخول في تحليل ذلك، لأنني سأضر بالسبب وراء عدم توقيعنا على المشاركة في الحلف”(3).

إعلان التزامها بدعم الحلف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة, مع تأجيل تحديد شكل الدعم.

الإعلان بعد ذلك عن أن الدعم هو عبارة عن تعاون لوجستي ومعلوماتي وسياسي, والقيام بإجراءات عملية لمنع انتقال عدد من المشتبهين من الأجانب الذين جاؤوا للقتال مع تنظيم الدولة في سوريا.

التأكيد على عدم مشاركة جنود أو أسلحة تركية مع التحالف وعدم فتح أراضيها أو مجالها الجوي لقوات التحالف.

وقد أدى عدم توقيع تركيا على البيان الختامي لمؤتمر جدة على وجه الخصوص إلى إثارة تساؤلات كثيرة حول طبيعة الموقف التركي من التحالف. وكان البيان الختامي للاجتماع في جدة قد أعلن اتفاق الدول المشاركة فيه، عدا تركيا، على “الانضمام” لحملة عسكرية منسقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “إذا اقتضت الحاجة”، و”المشاركة في القيام بدور في الحرب الشاملة ضده.

وقد تضمن ما سبق: وقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر دول الجوار، ومكافحة تمويل تنظيم الدولة والمتشددين الذين يمارسون العنف، والتبرؤ من الأيديولوجيات الخاصة به، وتقديم الجناة للعدالة، والإسهام في جهود الإغاثة الإنسانية، والمساعدة في إعادة إعمار المجتمعات التي تعرضت لوحشية تنظيم الدولة، ودعم الدول التي تواجه التهديد الأكثر حدة من هذا التنظيم”(4).

وبالرغم من عدم توقيع تركيا على البيان الختامي لمؤتمر جدة إلا أنها أوْلَت أهمية كبيرة لآليات التنسيق الإقليمي، فيما يتعلق بأعمال التحالف, على حد قول نائب رئيس الوزراء التركي “بولنت آرنتش” الذي صرَّح أيضًا بأن تركيا تساند الحلفاء في تحركهم ضد تنظيم الدولة، لكنها تتحرك أيضًا وفق معطيات مختلفة عن الدول الأخرى، مشيرًا إلى أن تركيا جزء مهم من المجتمع الدولي وتتحرك وفق مصالحها، بالتعاون مع حلفائها وأصدقائها(5).

المعطيات الخاصة

تحاول تركيا أن توضح للمجتمع الدولي خلفيات موقفها وطريقة تفكيرها تجاه حل الأزمة في العراق وسوريا، وتستند في ذلك على عدة نقاط وتحفظات رئيسية، منها:

أن تركيا ترى أن المواجهة العسكرية مع تنظيم الدولة دون معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت لظهوره أمر يفاقم المشكلات بالنسبة للمنطقة, وقد تظهر حركات أكثر خطورة من تنظيم الدولة نفسه.

وقد أفاد رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو” في هذا السياق بأن الاستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وحل الأزمة في المنطقة ضرورية، لكنها ليست كافية لتحقيق الاستقرار.

وفي هذا يظهر هنا أيضًا التخوف التركي من النوايا الخفية لواشنطن فيما يمكن أن تؤدي له الحرب من تداعيات وتحديدًا تلك التي تتعلق بشكل وطبيعة الدور التركي(6).

تعتقد أنقرة أن استمرار النظام السوري بممارساته الحالية واقتصار عمل التحالف ضد تنظيم الدولة دون وجود أي توجهات للقيام بنشاطات ضد نظام الأسد بل على العكس من ذلك وجود تسريبات حول تعاون استخباري غربي مع أجهزة الأسد الأمنية “تم نفيه لاحقًا”, كلها عوامل تجعل أنقرة تقترب من توجه أنها غير مضطرة للدخول في تحالف من شأنه أن يقوِّي خصومها.

يصب التحالف ضد تنظيم الدولة في مصلحة الحكومة العراقية الوريثة لحكومة المالكي التي ما زالت تركيا تحمِّلها المسؤولية عن كل ما أصاب العراق من تدهور أمني وصراع طائفي, كما لا تزال تختلف معها في ملفات سياسية واقتصادية. وفي ذات السياق، فإن تكريس قوة الحكومة العراقية بقيادة حيدر العبادي يفيد تنامي النفوذ الإيراني في العراق وهو أمر لا تفضله الحكومة التركية.

تسيطر على تركيا مخاوف من احتمالية وصول السلاح المقدم للحرب على تنظيم الدولة إلى أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني وهو ما يعتبر مهدِّدًا خطيرًا للأمن القومي التركي, كما أن أنقرة تحفظت على تكوين تحالف من أجل مواجهة تنظيم الدولة فيما لم يتم فعل الأمر نفسه مع حزب العمال الكردستاني.

التخوف الذي كان يراود الحكومة التركية من تصفية تنظيم الدولة للرهائن الأتراك البالغ عددهم 49 رهينة منذ أن تم اعتقالهم من القنصلية التركية في الموصل في يونيو/حزيران 2014 وحتى يوم عودتهم في 20 سبتمبر/أيلول 2014. وقد شكَّلت النقطة سببًا مهمًّا لتفهم الأوساط الغربية إعلان تركيا عدم إمكانية المشاركة المباشرة في التحالف, ويتبع هذا تخوف أنقرة من قيام تنظيم الدولة بتنفيذ أعمال انتقامية داخل الأراضي التركية تكون موجهة ضد السياح الأجانب في حدها الأدنى.

يُعتقد أن أنقرة تدرك أن دخولها في سوريا سيضعها في مواجهة مع المصالح الروسية والإيرانية مما سيجعل موقفها أكثر تعقيدًا خاصة أن تركيا تعتمد في جزء كبير من وارداتها في قطاع الغاز على روسيا وإيران.

تصر أنقرة على عدم المساواة بين الجماعات الإسلامية كلها تحت عباءة الإرهاب, وترى أن هناك حركات معتدلة لا ينبغي وصفها بذلك في حين أن هناك دولاً منضوية في التحالف ضد تنظيم الدولة وتريد توسيع الحملة إلى ما هو أبعد من العراق وسوريا، مثل مصر التي تطالب بإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية(7).

تحمل القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية حسًّا دينيًّا تجاه قضايا العالم الإسلامي، وكذلك كراهية كبيرة لسياسات أميركا تجاه المنطقة ولا تعتقد بسلامة نوايا واشنطن ولا ترغب في انخراط حكومتها في كل ما من شأنه أن يحقق الأهداف الأميركية.

حملة إعلامية

تعرضت تركيا لحملة إعلامية من وسائل إعلام غربية وأميركية بعد ظهور عدم حماسة أنقرة للمشاركة في التحالف وركزت هذه الحملة على وجود دعم وعلاقات سرية بين الاستخبارات التركية وتنظيم الدولة, وتسهيل تركي لمرور المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق, إضافة للسماح لتنظيم الدولة بتسويق نفط الأراضي التي يسيطر عليها في السوق السوداء بمدن جنوب تركيا, إضافة للحديث عن علاج بعض مصابي تنظيم الدولة في المستشفيات التركية الحكومية؛ وكل هذا قد تم نفيه من الحكومة التركية(8).

ومن أمثلة ذلك ما نشرته وكالة رويترز في 16 سبتمبر/أيلول 2014، تحت عنوان “العزوف التركي يعوق الخطط الأميركية لبناء تحالف ضد الدولة الإسلامية”(9), وكذلك ما نشرته صحيفة “الوول ستريت جورنال” في 15 سبتمبر/أيلول 2014؛ حيث قالت: “إن أنقرة بالرغم من كونها عضوًا في الناتو فإنها لم تعد منذ فترة تتصرف كحليف للولايات المتحدة والدول الغربية”(10), فيما نشرت “النيويورك تايمز” خبرًا ادّعت فيه أن تركيا هي أكبر مصدر للمقاتلين المتجهين للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية(11).

تركيا ونفط تنظيم الدولة

لم يقتصر الأمر على تسليط الإعلام الغربي على موضوع تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق عبر الحدود التركية فحسب؛ حيث تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن عدم رغبة المسؤولين الأتراك، المستفيدين من السعر الزهيد للنفط المهرَّب، في مساعدة الولايات المتحدة في القضاء على شبكة مبيعات النفط التي يبيعها تنظيم الدولة في السوق السوداء مما يجعلها من أغنى المنظمات الإرهابية في التاريخ، وهذا يشكِّل تحديًا أمام التحالف في تجفيف منابع تمويل تنظيم الدولة.

وأشارت الصحيفة أيضًا إلى أن الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة تنتج من 25000 إلى 40000 برميل نفط يوميًّا، ما يؤمِّن، على الأقل، نحو 1.2 مليون دولار في السوق السوداء الذي يوجد في مدن الجنوب التركي على حد ذكر الصحيفة(12).

وقد نفى مسؤولون أتراك بشدة هذه الاتهامات وكان من بينهم وزير الطاقة التركي “طانر يلدز”، الذي نفى أن تكون بلاده قد اشترت أي نفط من تنظيم الدولة مشيرًا إلى أن تركيا استوردت نفطًا من 13 دولة مختلفة بشكل قانوني، مؤكدًا أن تركيا لا يمكن أن تتعامل مع تنظيمات كتنظيم الدولة, لافتًا إلى أن تركيا تشدِّد على ضرورة حيازة شهادة منشأ مع ذكر اسم الحقل عند استيرادها لشحنات النفط، مرجحًا احتمالية قيام نظام الأسد -الذي وصفه بفاقد الشرعية على المستوى العالمي- بشراء المنتجات النفطية التي تستخرج من المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة(13).

ونخلص من هذا إلى أنه من الصعب التحكم في منع عمليات تهريب على حدود طولها 1200 كم مما يجعل احتمال وقوعها ممكنًا, علمًا بأن عمليات التهريب موجودة منذ فرض الحصار على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, غير أنه حتى الآن لا توجد أدلة ثابتة توضح علاقة مسؤولين أتراك بهذا غير التقارير الصحفية التي تارة تتحدث عن علاقة تركيا وتارة عن إيران بل حتى النظام السوري, بل إن بعض التقارير أشارت إلى شركات أميركية وإسرائيلية.

الدعم السري للتحالف ضد تنظيم الدولة

بالرغم من الانتقادات والاتهامات التي تعرضت لها أنقرة إلا أن هناك جهات رسمية غربية أعلنت تفهمها للموقف التركي من المشاركة المباشرة في التحالف مركزة على اعتبار واحد من الاعتبارات السابقة وهو الخوف على مصير الرهائن خاصة بعد قيام تنظيم الدولة بذبح صحفيين أميركيين في أغسطس/آب 2014.

وقد فُهم من بعض التصريحات الغربية أن هناك اتفاقًا سريًّا بين تركيا والولايات المتحدة؛ حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض “جوش إرنست”: إن تركيا محقة في شعورها بالقلق حيال العنف وعدم الاستقرار الذي يخلقه تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، مضيفًا أن مشاورات مكثفة تجري مع المسؤولين المعنيين في تركيا، لبحث الطريقة التي يمكن أن تسهم بها. كما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي: “إنه لا يعتقد أن عدم مشاركة تركيا في التحالف سيمثِّل مشكلة، مضيفًا: “أعتقد أن تركيا ستشارك، فقد أرسلت إشارات بهذا الخصوص، إلا أنها ستشارك بطريقتها الخاصة وفي إطار الصلاحيات التي سيمنحها الشعب التركي”(14). كما صرَّح وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان بأن تركيا لم ترفض المشاركة في التحالف إنما لها وضع خاص يفرض عليها الحذر منوهًا إلى أولوية الحفاظ على سلامة الرهائن الأتراك(15).

وتشير هذه الإشارات وهذا التفهم إلى عدة أمور منها ما يتوافق مع ما تحدثت عنه صحيفة “طرف” التركية المعارضة، حول اجتماع للإعلاميين مع الرئيس التركي لبلورة خطة إعلاميّة للتعامل مع “التحالف الدولي” هدفها إظهار رفض تركيا الاشتراك في أي عمل عسكري للتحالف، برغم أنها ستقدم له المساعدات سرًّا(16).

إنه من المؤكد أن أنقرة قامت بتأييد أوليّ لواشنطن في تحالفها ضد تنظيم الدولة, ولم تعلن أي موقف حول طبيعة مشاركتها حفاظًا على حياة مواطنيها المحتجزين, لكن المشاورات المستمرة مع الإدارة الأميركية وهي أقرب إلى المفاوضات الصعبة والاستمرار التركي في نفي استخدام الأراضي التركية يعد مؤشرًا على عدم وجود اتفاق سري.

وبرغم الحديث عن مزاعم الاتفاق السري ألا أن الاتهامات لتركيا بوجود علاقات لها مع تنظيم الدولة وكذلك الضغوط الغربية عليها لم تتوقف.

وفي سياق آخر، فإن الفترة ما بين دعوة تركيا للمشاركة في التحالف وعودة الرهائن، أي: ما بين بداية سبتمبر/أيلول وحتى تحرير الرهائن، تعتبر كافية نسبيًّا للحكومة من أجل تهيئة الرأي العام التركي لتقبل قرار المشاركة في حال اتخذت قرارها بذلك.

اتجاهات الرأي العام التركي

وفيما تحتل اتجاهات الرأي العام حيزًا مهمًّا في عملية صناعة القرار, فإنه من المهم أن نتعرف على اتجاهات الشارع التركي, خاصة أن المزاج التركي العام معروف بعدم تفضيله مشاركة الولايات المتحدة في أية أعمال عسكرية, ويمكننا الاستفادة في هذا الإطار من الاستطلاع الذي أجرته شركة متروبول للأبحاث الاستراتيجية والاجتماعية في الفترة ما بين 16 و18 من شهر سبتمبر/أيلول 2014، من خلال المحاور التالية:

1- هل تشعرون بالتعاطف مع تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

 

الشعب التركي

1.3

93.6

5.1

 

مؤيدو حزب العدالة

2.2

91.2

2.4

 

2- هل ترى أنه من اللازم أن تنضم تركيا للتحالف الدولي والإقليمي في مواجهة تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

 

الشعب التركي

61.2

22.7

16.1

 

مؤيدو حزب العدالة

55.4

24.8

19.7

 

ملاحظة: يشار هنا إلى أن هذا الاستبيان نُفِّذ قبل يوم من عودة الرهائن الأتراك من الموصل.

3- هل تؤيد عملية عسكرية دولية ضد تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

 

الشعب التركي

67.3

16

16.7

 

مؤيدو حزب العدالة

61.5

20.6

17.9

 

 

4- هل ترى أنه يجب على تركيا أن تأخذ مكانًا في العملية العسكرية الدولية ضد تنظيم الدولة؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

 

الشعب التركي

52

29.9

18.1

 

مؤيدو حزب العدالة

47

32.8

20.1

 

5- نظرًا للأعمال التي فعلتها بالعراق وسوريا، هل ترى في تنظيم الدولة منظمة إرهابية؟

الفئة

نعم

لا

لا أعرف

 

الشعب التركي

79.8

8.9

11.3

 

مؤيدو حزب العدالة

73.5

12

14.5

 

 

يلاحَظ هنا أن نسبة من قالوا: نعم، من الفئة الأولى كانت 70.8 % في شهر يونيو/حزيران 2014, فيما أظهر استطلاع للرأي أُجري في أوساط مؤيدي حزب العدالة أن 65.5% منهم يرون أن تنظيم الدولة منظمة إرهابية.

والأمر المثير في هذه الدراسة هو أنه على الرغم من استهداف تنظيم الدولة للأكراد في المنطقة، فإن نسبة الذين اعتبروه تنظيمًا إرهابيًا بين أنصار حزبي السلام والديمقراطية والشعوب الديمقراطية في أغسطس/آب الماضي تبلغ 59% فقط(17).

ومن خلال ما سبق نجد أن 60% من الشعب التركي يؤيدون مشاركة تركيا في التحالف, فيما تنخفض النسبة إلى قرابة 50% عند الحديث عن مشاركة عسكرية لتركيا, وربما تنخفض هذه النسبة بعد تركيز تنظيم الدولة على المواجهة مع الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني.

ويمكن القول: إن الشعب التركي عمومًا والقاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية لا تؤيد تنظيم الدولة إلا أن هناك مزاجًا عامًّا غير ودي تجاه الغرب عمومًا والولايات المتحدة وخاصة إذا ما تعلَّق الأمر بضرب دولة مسلمة أو كيان في دولة مسلمة بغضِّ النظر عن علاقة تركيا بها(18). كما أن تأكيد واشنطن على عدم إرسالها قوات برية إلى المنطقة يزيد من رفض الشعب التركي لأن يُقتل أبناؤه في حرب لا يعتبرونها حربهم, كما أن هناك عددًا من الكتَّاب التركيين يرون أن تركيا مستهدفة من خلال دورها في التحالف.

ثانيًا: مرحلة ما بعد تحرير الرهائن

جاءت عملية تحرير الرهائن في 20 سبتمبر/أيلول 2014 بعد جهود قامت بها الاستخبارات التركية, وقد اتضح أن وجود الرهائن كان له دور مؤقت في عدم الموافقة على بعض طلبات التحالف ويختلف في جوهره عن الأسباب المكونة للموقف التركي.

وفي هذا السياق قال الرئيس التركي: “كان بإمكاننا القول بأننا مستعدون للمشاركة إزاء بعض طلبات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة سيما وأن الدول العظمى في العالم مجتمعة، لكن لم يكن بوسعنا أن نقول: نعم، لهذا الأمر مباشرة، لأننا نهتم بأرواح (49) شخصًا”(19).

ويمكننا الوقوف هنا على عبارة “بعض طلبات التحالف” على أنها إشارة واضحة على عدم التناغم وعدم القبول بكافة الطلبات الأميركية مما يعني عدم المشاركة الفاعلة من قبل أنقرة, كما أن حديث أردوغان عن أن تركيا “مضطرة” لمحاربة التنظيمات الإرهابية يشير إلى عدم وجود الرغبة والقناعة.

استخدام الأراضي التركية: نفي وغموض

استمر الموقف التركي في إعلان معاداته للإرهاب وتأييده للتحالف من دون الإفصاح عن طبيعة دوره والاستمرار في استعراض تحفظاته ومطالباته بحلول جذرية, كما حرصت تركيا أيضًا على نفي أن تكون أجواؤها أو القاعدة الأميركية على أراضيها قد استُخدمت في العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

وبدا الغموض يلف الموقف التركي تمامًا عندما تحدث أردوغان للصحافيين في مدينة نيويورك الأميركية التي زارها لحضور أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال: إن “تركيا ستتخذ إجراءات بالشكل الذي يقتضيه ما يترتب عليها، في إطار مكافحة الإرهاب في المنطقة”.

كما ارتبط تحديد الموقف التركي النهائي باجتماع أركان الدولة التركية مع الإشارة إلى أن المعلومات التي حصلت عليها أنقرة بشأن ضرب تنظيم الدولة والمناطق التي استُهدفت، وكيفية ضربه، لم تتضح بصورة كبيرة بعد(20).

الموقف التركي يعتمد على طبيعة الحلول الدولية

تعتقد تركيا أنها تعيش حالة من الاستقرار النسبي في ظل اشتعال المحيط العربي حولها وتريد أن تحافظ ما استطاعت على هذا الإنجاز مما يجعلها أكثر تحفظًا وحذرًا من المشاركة في التحالف؛ لذا فإن الموقف التركي سيكون معتمدًا على طبيعة الحلول الدولية.

وبناء على ما سبق، فقد أكد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: “إن من شروط بقاء تركيا جزيرة استقرار في المنطقة، تأمين الهدوء والاستقرار في محيطها”، مضيفًا: “إذا كان أي عمل عسكري، أو حل، يحمل تصورًا لجلب الهدوء والاستقرار إلى المنطقة في نهاية المطاف، فإننا نؤيد ذلك، لكن في حال تبني مقاربة تستند إلى حلول مؤقتة، بهدف إرضاء الرأي العام، حاليًا، فإننا نعلن بكل صراحة قناعتنا حيال ذلك”، كما أفاد: “إن الاستراتيجية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة وحل الأزمة في المنطقة ضرورية، لكنها ليست كافية لتحقيق الاستقرار”(21).

واستخدمت تركيا التي تستشعر الضغوط الغربية عليها سلاح التقييد عندما أعلن “أحمد داود أوغلو”: “إنه إذا كانت هناك استراتيجية واضحة تضمن لنا حماية حدودنا بعد ظهور تنظيم الدولة، فنحن مستعدون لفعل كل ما في وسعنا من أجل ذلك”. في خطوة تفرض قيودًا على طلبات التحالف.

الشروط الثلاثية لدخول التحالف

نظرًا لارتفاع عدد الدول المنضمة للتحالف في اجتماع مجلس الأمن فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد لفت إلى أن تركيا مرشحة أن تكون طرفًا في التحالف, لكنه ربط ذلك بأمرين عامين، هما: الاستقرار الإقليمي والمقتضيات الإنسانية، ثم خصص ذلك بتحديد بثلاث نقاط مهمة، وهي:

اعتماد حل شامل للوضع الأمني في العراق وسوريا.

تأسيس منطقة عازلة آمنة في الطرف السوري وإعلان حظر طيران فيها.

تحديد كل تفاصيل التعاون والتنسيق لدخول تركيا في التحالف ويندرج تحت هذا تدريب قوات المقاومة السورية “المعتدلة”.

كما أرجأ موضوع قيام الجيش التركي بعمليات عبر الحدود إلى أخذه تفويضًا من البرلمان التركي بذلك وهو ما حصل بالفعل في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري(22)؛ حيث صادق البرلمان التركي على مذكرة تفوض الحكومة في إرسال القوات المسلحة خارج البلاد، للقيام بعمليات عسكرية وراء الحدود لمدة عام، إذا اقتضت الضرورة ذلك، من أجل التصدي لأية هجمات محتملة قد تتعرض لها تركيا من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق.

وورد في حيثيات المذكرة “أن التهديدات، والمخاطر زادت بشكل كبير بطول الحدود البرية الجنوبية للبلاد، وأن منظمة “بي كا كا” ما زالت موجودة في شمال العراق، وأن عدد التنظيمات الإرهابية ازداد بشكل كبير، وبالتالي فمن حق تركيا الدفاع عن أمنها القومي”(23).

ويمكن لهذه الشروط الثلاث التي أعلن عنها الرئيس التركي أن ترسم معالم الموقف التركي بشكل أكثر وضوحًا. وفيما يستمر الأتراك في تأكيدهم أن القصف الجوي وحده لا يمكن أن يُنهي عمل تنظيم الدولة, فإن المباحثات مع الجانب الأميركي لا تزال جارية على أعلى المستويات، ويُعتقد أن المباحثات ستتقدم أكثر كلما كانت التفاهمات ملبية للاشتراطات التركية.

الهجوم على “كوباني” لم يغير الموقف

بعد وقت قليل من قرار تفويض الجيش التركي بالعمل خارج الحدود اقتحمت قوات تنظيم الدولة مدينة عين العرب “كوباني” السورية المحاذية للحدود التركية بعد أن بدأت هجومها على المدينة منذ 16 سبتمبر/أيلول 2014.

وبالرغم من ذلك لا تزال تركيا تمتنع عن أي تدخل عسكري, وما زالت تضع شروطها للانضمام إلى التحالف العسكري.

لكن الهجوم على كوباني لم يؤدِّ إلى تدفق اللاجئين الأكراد إلى تركيا فحسب بل شهدت عدة مدن تركية تظاهرات ومواجهات عنيفة احتجاجًا على سياسات القيادة التركية إزاء المعركة الدائرة في عين العرب “كوباني”؛ ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين الأتراك وإعلان حالة الطوارئ في عدة مدن تركية.

وفي هذا السياق، فقد هدد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة إمرلي بنسف عملية السلام بين حزبه وأنقرة، في حال حصول مجزرة في كوباني, وأمهل أوجلان الحكومة حتى 15 من الشهر الجاري لاتخاذ موقف واضح وصريح ضد تنظيم الدولة وحربه على الشعب الكردي(24).

ويفتح هذا الأمر على الحكومة التركية باب المسألة الكردية مجددًا وهو ما ستحاول الحكومة تسويته بأسرع شكل ممكن.

من جهة أخرى، يُعتقد أن أنقرة تستفيد بشكل غير مباشر من عدم تدخلها في عين العرب من خلال كسر شوكة المقاتلين الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني الذين يحاربون تنظيم الدولة حاليًا, كما أنها تجنِّب نفسها المواجهة المباشرة مع تنظيم الدولة, وتبقى على موقفها القاضي بوجود منطقة عازلة.

ومع إصرار أنقرة على موقفها واقتراب التوتر كثيرًا من حدودها تقول أنقرة إنها ستبذل كل ما في وسعها كي لا تسقط كوباني لكن أنقرة أيضًا تبرر موقفها بعدم إمكانها التدخل في مكان وترك أماكن أخرى مماثلة, فكما يطلب منها الأكراد إنقاذهم من تنظيم الدولة فإن التركمان والسنة في سوريا يطلبون هذا أيضًا.

من الواضح أن أنقرة لن تقوم بعملية في كوباني بمفردها, وما زال خيارها هو تعزيز المساعدات الإنسانية للمدن السورية المحاصرة التي تجعل الحديث عنها مدخلاً لتأسيس منطقة عازلة ذات أهمية إنسانية وعسكرية.

وفيما لا تزال المباحثات جارية بين الطرفين التركي والأميركي خاصة فيما يتعلق باستخدام القواعد العسكرية في تركيا, فإن الطرفين قد اتفقا على قيام جهاز الاستخبارت التركية “إم آي تي”، باختيار 2000 مقاتل من المعارضة السورية وتوفير معسكر خاص وآمن داخل تركيا لتدريبهم على أن يتم تشكيل هيئة مشتركة من الخبراء العسكريين الأتراك والأميركيين لتشرف على تدريب هؤلاء المقاتلين، على أن تتكفل أميركا بتوفير كل الأسلحة والتجهيزات التي يحتاجونها(25).

ويعد هذا الاتفاق مؤشرًا إضافيًّا على عدم مشاركة تركيا في عمليات برية اللهم إلا في أجزاء محدودة خاصة مع تأكيد واشنطن على عدم مشاركتها بريًّا, كما يعد هذا الاتفاق مقدمة لمزيد من التفاهم خاصة في فتح قاعدة إنجرليك العسكرية أمام طائرات التحالف, ولكن التعقيد يتمثل فيما يبدو في التوافق على المنطقة العازلة.

ويعني ما سبق أن تركيا قررت المشاركة في التحالف ضد تنظيم الدولة لكن خطواتها البطيئة لن تكون إلا في ظل اتخاذها كافة التدابير الاحترازية للحفاظ على حاضر ومستقبل أمنها واستقرارها.

خلاصة

لا شك أن تركيا لا تفضل الانخراط في الجزء العسكري من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة نظرًا لمعطيات كثيرة دافعها الخوف من دفع ضريبة باهظة مستقبلاً, إلا أن تركيا التي تعتبر أهم دولة تتاخم مناطق سيطرة تنظيم الدولة لا تريد أن تبدو بمظهر سيء في ظل الاتهامات المتزايدة لها، كما أن أنقرة التي تريد زوال نظام الأسد لا تريد أن تكون خارج سياق الاطلاع المباشر على الأحداث والتطورات, ولا تريد أن يملأ أعداؤها وخصومها فراغ غيابها.

واجهت تركيا ضغوطًا كبيرة خاصة من الإدارة الأميركية وتعرضت لاتهامات وحملات إعلامية, وقد امتنعت تركيا عن التوقيع على اتفاق جدة وأكدت في نفس الوقت على موافقتها على التعاون الاستخباراتي واللوجستي وكذلك على قصور وعدم شمول عمليات التحالف بما ينفي القدرة على تقديم حلول لمشاكل المنطقة الأساسية.

بدأت مؤشرات الحديث عن مفاوضات للدخول في التحالف بعد عودة الرهائن المحتجزين إلا أن تركيا لم تكف عن الحديث عن ضمانات لاستقرارها المستقبلي فطلبت منطقة عازلة ومنطقة حظر طيران وأخذت موافقة البرلمان التركي على تفويض الجيش في خطوة لا تهدف حاليًا إلا لمساعدة قوى المعارضة السورية في مجابهة نظام الأسد.

باختصار شديد تركيا لديها مخاوف كثيرة وعليها ضغوطات كبيرة، وقامت -وما زالت تقوم- بعملية تقييم مستمرة لدورها، وما زالت في طور تحديد شكل وطبيعة دورها تبعًا للتطورات, لكن من المرجح أن تعلن تركيا عن المشاركة الفعلية مع التحالف لكنها المشاركة المشروطة والمعتمدة على تحقيق طلباتها.

إن كان من توصية فإن تركيا قد استطاعت أن تتفادى معظم الارتدادات العكسية لسياساتها تجاه الربيع العربي بشكل جيد, ولكن موضوع مشاركتها في هذا التحالف دون تأمين نفسها يجعلها في موضع خطير جدًّا, فعليها أن تصر على تطبيق ما يلزم من وسائل التأمين سواء في المنطقة العازلة أو تأمين موضوع اللاجئين.

____________________________________

محمود سمير الرنتيسي – باحث في العلاقات الدولية

المصادر والهوامش

1- بشير عبد الفتاح, الحسابات التركية في الحرب على تنظيم الدولة, الجزيرة نت , 15 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2014 سبتمبر/ أيلول 14/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4

2- صحيفة الدستور, أنقرة تستعد لاستقبال كيري, 11 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.dostor.org/675355

3- زينب أكييل, الأزمة لن تُحلّ بتجاهل سوريا, وكالة الأناضول, 13 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.aa.com.tr/ar/turkey/388360

4- موقع وزارة الخارجية السعودية, البيان الختامي للاجتماع الإقليمي لوزراء الخارجية في جدة, 11 سبتمبر/أيلول 2014، إضغط هنا.

5- قرباني غييك،سردار أتشيل, نائب داود أوغلو: مهتمون بآليات التنسيق الإقليمي لمواجهة الإرهاب, وكالة الأناضول, 15 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.aa.com.tr/ar/turkey/389748

6- بشير عبد الفتاح, الحسابات التركية في الحرب على داعش.

7- أوكتاي يلماز, دور تركيا في التحالف الدولي ضد “داعش”, موقع أخبار تركيا, 15 سبتمبر/أيلول 2014، http://akhbarturkiya.com/?p=34206

8- إسماعيل يشا, تركيا وداعش وحملات الكذب, 17 سبتمبر/أيلول 2014، موقع عربي 21, http://t.arabi21.com/Story/776190?categoryId=2&category=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA&section=%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8_%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A_21&sectionId=299&title=a

9- NICK TATTERSALL, Turkish reluctance hurts U.S. plans for coalition against Islamic State, Reuters, 16\9\2014.

http://www.reuters.com/article/2014/09/16/us-iraq-crisis-turkey-idUSKBN0HB2E520140916

10- wall street journal , Our Non-Ally in Ankara, 15\9\2014.

http://online.wsj.com/articles/our-non-ally-in-ankara-1410561462

11- القدس العربي, خبراء: سياسات أميركا أحد أسباب ظهور «داعش», 18 سبتمبر/أيلول 2014،

خبراء: سياسات أمريكا أحد أسباب ظهور «داعش»

12- DAVID E. SANGER and JULIE HIRSCHFELD DAVIS, Struggling to Starve ISIS of Oil Revenue, U.S. Seeks Assistance From Turkey, NYTIMES, 13\9\2014.

13- هشام شعباني, وزير تركي يفنِّد مزاعم بيع تركيا وقود الطائرات لإسرائيل, الأناضول, 26 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.aa.com.tr/ar/turkey/395450

14-   محمد طور أوغلو, متحدثون أميركيون: ننتظر قرار تركيا بشأن مشاركتها في مكافحة “داعش”, 13 سبتمبر/أيلول 2014,

http://www.aa.com.tr/ar/turkey/388454

15- قناة سكاي نيوز, تصريح وزير الدفاع الفرنسي, 15 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.youtube.com/watch?v=AglM8pzrIRI

16- باسم دباغ, تركيا تدعم التحالف سرًّا, صحيفة العربي الجديد, 15 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.alaraby.co.uk/politics/9a7a3194-eee9-40b1-9b53-87fa33302e3b

17- MetroPOLL Stratejik ve Sosyal Ara?t?rmalar, Türkiye’nin Nabz? Eylül 2014 “Türkiye’nin I??D Alg?s?: ?slam, ?iddet ve Hükümet Politikas?”, 27 سبتمبر/أيلول 2014.

http://www.metropoll.com.tr/report/turkiyenin-nabzi-eylul-2014-turkiyenin-isid-algisiislam-siddet-ve-hukumet-politikasi

18- باتر فخر الدين, خلفيات الموقف التركي من التحالف ضد داعش, صحيفة السفير, 17 سبتمبر/أيلول 2014. http://assafir.com/Article/1/372588

19- إدا أونلو أوزن, أردوغان: تحرير رهائن القنصلية نجاح سيسجله التاريخ, وكالة الأناضول, 21 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.aa.com.tr/ar/turkey/392680

20- إسماعيل جمال, تركيا تنفي استخدام أراضيها أو أجوائها في عمليات «التحالف» ضد «داعش», القدس العربي, 24 سبتمبر/أيلول 2014.

تركيا تنفي استخدام أراضيها أو أجوائها في عمليات «التحالف» ضد «داعش»

21- فردي توركتن, داود أوغلو: نتحفّظ على الحلول المؤقتة لمشاكل المنطقة, وكالة الأناضول, 26 سبتمبر/أيلول 2014،

http://www.aa.com.tr/ar/turkey/395614

22- قناة تي آر تي العربية, حديث أردوغان في مطار إسطنبول, 26 سبتمبر/ أيلول 2014.

23- صحيفة يني شفق, كلمة سر تذكرة الدخول إلى العراق وسوريا, 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014،

http://www.yenisafak.com.tr/politika/irak-suriye-tezkeresinin-sifreleri-689648

24- حسن محلي, كوباني تهدد الداخل التركي أمنيًّا, صحيفة الأخبار, 8 أكتوبر/تشرين الأول 2014،

http://www.al-akhbar.com/node/217141

25- هيثم الكحيلي, اتفاق مبدئي بين تركيا وأميركا, نون بوست, 11 أكتوبر/تشرين الأول 2014،

http://www.noonpost.net/tag/47

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

داعش والنصرة ومسؤوليّات السوريّين واللبنانيّين/ حـازم صـاغيـّة

مثلما يُقال للّبنانيّين إنّ من واجبهم ومن مصلحتهم معاً أن يتمايزوا عن حزب الله، وعن تدخّله العسكريّ في سوريّا، ينبغي أن يُقال لتجمّعات النازحين السوريّين في لبنان (وفي غير لبنان) إنّ واجبهم ومصلحتهم يستدعيان رفع أصوات أكثر وأعلى تؤكّد التمايز عن جبهة النصرة وتنظيم داعش.

وهذا ليس دعوة إلى مجافاة الحقيقة، لأنّ أكثريّات النازحين ليست داعشيّة أو نصراويّة أصلاً. ثمّ إنّ الغموض والامتناع عن الفرز في هذه المسألة سيصبّان الزيت على نار الخلافات التي تتراكم بين سوريّين ولبنانيّين، خصوصاً في ظلّ تزايد أعمال الاعتداء والقتل التي تستهدف جنوداً لبنانيّين. وغنيّ عن القول إنّ وضعاً كهذا سيكون هديّة لا تُقدّر بثمن، تُقدّم للعنصريّين اللبنانيّين ولكارهي السوريّين لشتّى الأسباب. هكذا يُعمل على توسيع جبهة الأعداء وإحراج جبهة الأصدقاء وتضييقها، بدل أن يحصل العكس.

ولا يؤتى بجديد حين يقال إنّ حزب الله وسائر أعوان النظام السوريّ من اللبنانيّين إنّما يجدون ضالّتهم في أيّ التباس من هذا النوع. هكذا يروحون يسعون إلى خلق إجماعات سياسيّة وطائفيّة لا يجمعها إلاّ العداء للسوريّين وإشاعة الوهم القائل إنّ انتصار بشّار الأسد ضرورة لبنانيّة بقدر ما هو ضرورة سوريّة.

لكنّ ما لا بدّ من قوله أيضاً أنّ مناشدة كهذه لن يُكتب لها النجاح في ظلّ استمرار سياسات التضييق والإذلال العنصريّة حيال السوريّين. ذاك أنّ استمرار العمل بتوجّهات مقيتة كهذه لا يغري السوريّين بالصمت عن داعش والنصرة فحسب، بل قد يغريهم أيضاً بنوع من التماهي التدريجيّ معهما. والحال أنّ اجتماع الضائقة الاقتصاديّة والنبذ الاجتماعيّ والخوف معاً مرشّح لأن يفضي إلى بحث عن حلول وهميّة يرفعها التنظيمان الإرهابيّان، فضلاً عن التعويل عليهما كأذرع عسكريّة تدافع عن الخائفين.

وهذه حقيقة عرفناها ونعرفها جيّداً في لبنان، حيث يتأدّى عن عزل وتخويف طائفة ما إلقاؤها في أحضان الميليشيات التي تنسب نفسها إلى تلك الطائفة وتزعم الدفاع عنها في مواجهة “الأعداء”.

ومثلما اضطلع التحريض السياسيّ والإعلاميّ بدور في تأجيج الولاء الميليشيويّ بين اللبنانيّين، هناك اليوم بحر من التحريض المشابه الذي يعمل في الاتّجاه الكارثيّ نفسه.

وفي المعنى هذا، لا بدّ لأيّ توجّه أو مخاطبة أن يكونا مركّبين يجمعان بين توكيد أهميّة الفرز السوريّ عن النصرة وداعش وبين مكافحة النوازع اللبنانيّة العنصريّة وشبه العنصريّة. فإذا ما كُتب لهذا الوضع أن يمضي قدماً انتهينا جميعاً، سوريّين ولبنانيّين، إلى حالة من الاحتراب المفتوح تغدو الحروب السابقة قياساً بها أشبه بألعاب الأطفال.

موقع لبنان ناو

 

 

مصير الأسد على كف … كوباني/ الياس حرفوش

معركة كوباني تجر الرئيس باراك أوباما من قدميه ورغماً عنه إلى الحرب السورية. حاول جاهداً، طوال السنوات الثلاث الماضية ان يتجنب هذا الانزلاق، وأن يعتمد على التهديدات والخطب النارية ضد نظام بشار الأسد. لكن الرئيس السوري كان طوال هذه المدة يغلي هذه الخطب ويشرب ماءها، لأنه كان يعرف من اي معدن صُنعت عظام باراك أوباما.

ظل الأمر على هذه الحال الى ان اقتحم تنظيم «داعش» المشهدين السوري والعراقي وبدأ مرحلة محو الخرائط. هذا تنظيم لا شك في وحشيته وسلوكه الإرهابي. وأمام هذا الخطر الممتد من العراق الى سورية، والذي اصبح يهدد بالوصول الى ربوع اخرى مثل لبنان وتركيا، ويقلق دول الإقليم كلها، لم يعد ممكناً ولا مسموحاً ان يبقى الرئيس الأميركي متفرجاً. اضطر اوباما ان يراجع حساباته وأوراقه، وأن يعيد قراءة نصائح مستشاريه ووزرائه السابقين، وعلى الأخص هيلاري كلينتون وليون بانيتا، اللذين اصبحت انتقاداتهما لرئيسهما بسبب تأخره في اطفاء النار السورية روايات للتندر في الإعلام الأميركي.

كانت ولادة «داعش» ورعايته في حضن استخبارات بشار الأسد فرصة ليهدد النظام السوري بهذا التنظيم حكومات العالم وأجهزتها الأمنية، وليقول لها: الخيار امامكم الآن بيني وبين «داعش». كان يمكن لهذه اللعبة المكشوفة ان تسير في خطها المرسوم، لولا ان «داعش» تخطى الحدود المقبولة وبدأ موسم الذبح على الشاشات والمواقع الإلكترونية. هنا خرجت اللعبة عن حدّها وصار العالم في مواجهة وحش متمرد، باتت مواجهته والقضاء عليه مطلباً اقليمياً قبل ان يكون دولياً.

كان حلم الرئيس السوري ان يبقى تنظيم «داعش» ومثله «جبهة النصرة» أدوات في يده، يخيف بها الغرب من جهة، ويترك لها من جهة اخرى المجال لخوض معارك السيطرة والنفوذ على اجزاء من الأرض السورية مع التنظيمات المعارضة الأخرى. وهي على كل حال عادة نظام دمشق في تقسيم الخصوم وتفكيك صفوف المعارضين، ثم الجلوس في قصر المهاجرين للتفرج على صراعاتهم.

لكن هذا الحلم يتبدد اليوم مع دخول القوات الأميركية وقوات حلفائها ساحة المعركة مباشرة. لا تستطيع هذه القوات ان تخوض حربها مع «داعش» نيابة عن الأسد، كما يتمنى. الموقف الإقليمي والدولي يعتبر ان نجاح المعركة مع الإرهاب في سورية لا يمكن ان يكتمل الا بسقوط نظام بشار الأسد. من هنا اصرار المستشارين العسكريين للرئيس الأميركي على المواجهة العسكرية مع قوات هذا النظام، ووضع خطط لإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية، الى جانب مشاركة القوات الأميركية في المعارك الدائرة في العراق.

ومع أن الهدف الأساس لقوات التحالف اليوم هو ضمان نجاح المعركة مع «داعش» في العراق ولو اقتضى الأمر دخول قوات برية وإعادة تأهيل الجيش العراقي وتحسين علاقاته مع المناطق السنّية، فإن هناك إجماعاً بين العسكريين الأميركيين على أن هذا الفوز لن يكتمل إلا بالقضاء على هذا التنظيم في مناطق نشأته في سورية وبقيام منطقة عازلة تحمي الأكراد وتوقف زحف مهجّريهم الى اراضي تركيا، وهو احد المطالب الرئيسية لرئيسها اردوغان.

نهاية نظام صدام حسين بدأت من باب الحماية الدولية للإقليم الكردي في شمال العراق. وها هو التاريخ يكرر نفسه، بطريقة اكثر دموية وبشاعة. انها مواجهة مع التنظيمات الإرهابية لن تنتهي الا بتسوية في سورية يدفع ثمنها بشار الأسد.

هل كان هذا ما قصده نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، عند استقباله المبعوث الدولي الخاص الى سورية ستيفان دي ميستورا، عندما قال إن الحل السياسي ينقذ سورية وشعبها، و»إن على الجميع أن يتوقعوا تنازلات مؤلمة في هذا الإطار»؟

الحياة

 

 

 

الحرب على “داعش” تنجح أو تفشل بالسياسة/ عبد الوهاب بدرخان

يُفهم من اجتماع القادة العسكريين في دول «التحالف ضد الإرهاب» أن الاستراتيجية التي رسمها الجانب الأميركي للحرب، هي الوحيدة الممكنة في ظل المعطيات الراهنة، أي ضربات جوية متواصلة لإيقاع خسائر في صفوف تنظيم «داعش» وترسانته، مع إمكان تكثيفها وتركيزها في بعض الأحيان لإحباط تقدم مقاتليه، واحتلالهم مواقع جديدة.

لا مجال للتغيير، إذن، رغم كل الانتقادات والنتائج المتواضعة حتى الآن، وكذلك خطورة ما ينجزه «داعش» على الأرض في مختلف مناطق سيطرته.

والسبب الواضح يكمن في الحلقة المفقودة: ليس لـ«التحالف» قوات على الأرض، وهذه في ذاتها مسألة بالغة التعقيد، فالأمر يتعلّق بدولتين فاشلتين، لكن لو أخذ في الاعتبار عنصرٌ واحد فحسب -وهو هنا القوات المسلحة- لاتضح هول الفشل، إذ يصبح انحياز الجيش وفئويته سببين كافيين لاستبعاده عن وظيفة وُجد أصلاً من أجلها.

فمن جهة، لم يدرك الحكم العراقي ما كان يفعله حين تلاعب بالجيش وأفسد مصداقيته، وقد يقول البعض: بل كان مدركاً ومصرّاً على إخضاع معارضيه وعدم الاعتراف بحقوقهم.

وهو في الحالين حصد النتيجة نفسها، فانتهى إلى تيئيس مواطنيه، ودفعهم إلى «التحالف مع الشيطان»، ومن جهة أخرى، لم يشأ النظام السوري أن يدرك بدوره ما الذي يعنيه إقحام الجيش في حرب على الشعب الذي صبر عليه خمسة عقود، ولم يطالبه في البداية إلا بالبديهيات.

والأكيد أن نوري المالكي وبشار الأسد لا يزالان يعتقدان أنهما فعَلا ما هو صحيح عندما افتعلا حرباً أهلية في بلدين لا خيار لطوائفهما وأعراقهما سوى أن تتعايش وتبلور تسويات فيما بينها.

فلا بدعة «تحالف الأقليات» لحكم الغالبية نجح في سوريا لأنه تمادى في الظلم والإجرام، ولا هيمنة الفئة الواحدة في العراق نجحت في إقامة «ديموقراطية» كانت «الهدف»، المعلن على الأقل، لغزو واحتلال أميركيين، ولإسقاط نظام كان يفترض أن تُدفن الدكتاتورية معه.

في مستنقع الأخطاء والجرائم هذا ولد تنظيم «داعش»،ثمة قوى دولية وإقليمية تتحمل جانباً من المسؤولية، إلى جانب أجهزة استخبارات وعصابات وسماسرة سلاح، وتتمتع بجانب من استغلال هذا المخلوق الهجين الذي يستمد قوته الآن من وجوده في المدن واحتمائه بالمدنيين، وتغلغله في المجتمعات، لكن المسؤولية الكبرى والأولى تبقى على عاتق من فتحوا بلادهم لكل العابثين، لذلك تبدو المهمة شبه مستحيلة أمام أي تحالف خارجي طالما أن حلفاء الداخل مصرّون على مواصلة المسيرة الجهنمية ذاتها، وكأن من واجب العالم أن يحقق لهم خلاصهم، بل أكثر من ذلك أن يغلّب فئة على فئة.

أليس عجيباً أن نظام دمشق يعتقد أن بإمكانه أن يتابع حربه على الشعب كالمعتاد، بمزيد من البراميل المتفجّرة، أو أن فرصته مؤاتية للبحث عن انتصارات سوداء هنا وهناك، فيما تدور حرب معولمة على أرض سوريا.

أليس مستهجناً أن الحكم في العراق لا يزال يدير نفسه بالعقلية والآليات والأدوات التي أوصلته إلى الكارثة؟ فما يحاوله رئيس الوزراء الجديد من تغيير قليل وغير جوهري يُواجَه بنقد مرير من داخل حزبه، حيث يسيطر نهج سلفه، بما فيه من استعداء للشركاء في الوطن وإصرار على مصادرة السلطة، ليس فقط أن مَن في دمشق بغداد لم يتعلموا شيئاً، بل إنهم لا يريدون أن يتعلموا.

لم يخطئ باراك أوباما عندما أشار، بعد الاجتماع مع القادة العسكريين، إلى أن «الحرب على داعش» لا تقتصر على الشأن العسكري البحت، خصوصاً أن «داعش» ليس جيشاً يمكن دحره فيعلن استسلامه.

فالعالم والمنطقة العربية يواجهان وضعاً صعباً لا مجال فيه للحلول السريعة، كما يقول الرئيس الأميركي، لكن هناك الكثير مما ينبغي العمل عليه سياسياً واقتصادياً لمواجهة «أطروحات» التنظيم الإرهابي.

تلك هي الحرب الأخرى، غير العسكرية، ولعلها الأكثر أهمية، التي يجب أن تُخاض بالتزامن، وتتطلّب مبادراتٍ وجهوداً جبارة، وخروجاً عن المألوف وتكلّساته.

هذا الكلام ليس جديداً، ويشبه في عمقه الدعوات إلى الدمقرطة والإصلاح التي أُطلقت خلال «الحرب على الإرهاب» مطلع العقد الماضي، غير أن أوباما لا يريد أن يتلبس الدور السيئ لجورج دبليو بوش، بل يوحي بأنه لمقاربة غير فوقية، خصوصاً بعد إقراره بأنه وإدارته أخطآ في تقدير خطورة «داعش».

واقعياً، لا يمكن شن حرب في العراق وسوريا، للقضاء على تنظيم إرهابي، مع الإبقاء على السياسات ذاتها التي شحذت كل هذا التطرف، سواء كانت خارجية أم محلية.

وجاءت ملاحظة الوزير جون كيري في محلّها، عندما قال إن حل القضية الفلسطينية عنصر أساسي في هزيمة الإرهاب.

ولا شك أن الحرب ستكون بلا أي معنى، وستحمل بذور فشلها إذا لم تصحح الحكومة العراقية أداءها، وإذا لم يعط الوسط السياسي انطباعاً واضحاً بأن العلاقة بين المكوّنات تسلك مساراً صحيحاً.

وستكون كذلك حرباً فاشلة إذا لم تتبلور خلالها نهاية للصراع في سوريا، وبالأخص إذا تحولت سياقاً لإفلات النظام مما ارتكبه في حق شعبه.

لا داعي لأن ينتظر هذا الجانب السياسي مجريات الحرب، والجميع يقول، إنها طويلة، فالناس تريد أن تشعر بالأمل وبأن هناك بدائل.

الاتحاد

 

 

 

هل تنفتح واشنطن على حزب الله والنصرة؟/ حسين عبد الحسين

شكل الحوار الذي بدأته حكومة الولايات المتحدة، عبر وسطاء، مع مجموعات تصنفها إرهابية تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية الأميركية تحت عنوان “الواقعية”، التي يمارسها الرئيس باراك أوباما، والتي تحرك الحوار بين واشنطن وطهران والمستمر منذ أكثر من سنتين.

وتدير واشنطن قنوات متعددة بما يعرف “ديبلوماسية الخط الثاني”، والتي يشارك فيها مسؤولون وديبلوماسيون سابقون وخبراء وأكاديميون. ويتضمن هذا النوع من الديبلوماسية حوارات مع حزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، وحتى الأمس القريب جماعة “الاخوان المسلمون” في مصر.

ومن يراقب السياسة الأميركية في لبنان، يدرك أن تقارباً في المواقف بين واشنطن و”حزب الله” أدى حتى الآن الى إبقاء لبنان خارج التطاحن الدموي الإقليمي الدائر، فالولايات المتحدة لا تمانع ان يكون للحزب المذكور اليد العليا في الإمساك بالأمن اللبناني. كذلك، تراجعت واشنطن عن إصرارها على عدم تسليح الجيش اللبناني مخافة وقوع أسلحته في يد مقاتلي حزب الله، بل يبدو ان الجيش اللبناني تحول الى تقاطع مصالح وسياسات بين أميركا والحزب.

وفي هذا السياق، تطابقت مواقف اميركا وحزب الله حول احداث متعددة. فواشنطن مثلا اتخذت موقفا حاسماً ضد الشيخ احمد الأسير اثناء اجتياح القوات الأمنية لجامعه وسكنه في صيدا، منتصف العام الماضي، على الرغم من أن لا الأسير ولا المجموعة الصغيرة التي أحاطت به كانت مصنفة إرهابية. وبوقوفها ضد رجل دين بتهمة انشائه تنظيماً مسلحاً، وتغاضيها عن التنظيمات المسلحة الأخرى في لبنان، وجدت واشنطن نفسها في موقف متطابق مع “حزب الله”، وهو ما عزز من الداعين داخل واشنطن الى انفتاح أميركي على الحزب، وتوسيع الحوار معه ليشمل أكثر من الحوار عبر البريطانيين، الذين يتمتعون بدورهم باتصال مباشر مع ما يسمونه الجناح السياسي للحزب، وليشمل الحوار الأميركي مع حزب الله كذلك أكثر من الخبراء والمسؤولين السابقين الاميركيين.

لكن الحوار شيء، وتزويد السلاح لمجموعات تعتبرها واشنطن إرهابية شيء آخر، من قبيل ما حصل هذا الأسبوع بتزويد الطائرات الحربية الأميركية للمقاتلين الكرد في عين العرب – كوباني السورية بأسلحة وذخائر لمساعدتهم في حربهم الدائرة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وعلى الرغم من ان واشنطن وضعت “حزب العمال الكردستاني” على لائحتها للتنظيمات الإرهابية في العام 1997، وعلى الرغم من التقارير التي تشير الى ان عماد القوة المقاتلة الكردية في كوباني هو من مقاتلي هذا التنظيم، الا ان واشنطن لم تأبه لذلك، وقامت بتزويد هؤلاء بالأسلحة، وهو ما يعتبر تغييراً جذرياً في موقفها من هذه التنظيمات.

ومن المعروف ان القانون الأميركي يحظر تقديم المواطنين الاميركيين وحكومتهم اي مساعدات مادية او معنوية للتنظيمات المصنفة إرهابية.

سياسة الواقعية هذه، في التعاطي الأميركي مع المجموعات المسلحة “من غير الحكومات”، بدأت مع أواخر العام الماضي، عندما احتارت واشنطن في موقفها من قيام “الجبهة الإسلامية” في سوريا، فالولايات المتحدة كانت تسعى لرعاية مؤتمر “جنيف 2″، الذي خصص للتوصل الى حل سياسي ينهي الحرب السورية، وهي كانت تسعى الى انتزاع اعتراف أكبر عدد ممكن من الأطراف السورية اعتقاداً منها ان اعتراف هؤلاء بشرعية المؤتمر يؤدي الى قبولهم التسويات التي تصدر عنه.

هكذا، تلكأت أميركا في وضع “الجبهة الاسلامية” على لائحتها للتنظيمات الإرهابية، على الرغم من ان عملية التصنيف كانت قد بدأت، وهي عملية تتضمن مجهوداً من عدد من الوزارات الأميركية، منها الخارجية والخزانة والعدل والأمن القومي. وفي وقت لاحق، صرح وزير الخارجية، جون كيري، أن الفصائل الإسلامية مدعوة الى جنيف، بعد أكثر من عامين من التهويل الأميركي من خطر الإسلاميين في سوريا. وفي نفس الفترة، عقد السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، لقاءات مع ممثلين عن هذه الفصائل.

ومنذ مطلع هذا العام، يبدو الارتباك على وزارة الخارجية الأميركية في تصنيفها المجموعات الإسلامية المقاتلة في سوريا، ربما بسبب ارتباك “تنظيم القاعدة” نفسه، الذي تعتبر واشنطن كل من على علاقة به إرهابياً.

وكانت “القاعدة” في سوريا انقسمت الى “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، ونشب صراع وتضارب حول من يبايع من. ومؤخراً، اعتبرت الخارجية الأميركية ان “الدولة الإسلامية” هي سليل “القاعدة في العراق” والذي تمت اضافته الى لائحة الإرهاب في أواخر العام 2004. اما “جبهة النصرة”، فتمت اضافتها للائحة نفسها في أيار الماضي.

وعندما شنت المقاتلات الأميركية أولى ضرباتها داخل سوريا، شملت أهدافها مواقع تعود للدولة وللجبهة ولمجموعة من “القاعدة” كانت غير معروفة حتى ذلك الوقت، وهي مجموعة “خراسان”. كذلك، أظهرت الغارات الأميركية ارتباكاً في تحديد الأهداف، فشملت الضربات الأولى أهدافاً تعود “للجيش السوري الحر”، الذي يفترض أن واشنطن ستنفق مئة مليون دولار على تدريبه وتسليحه.

على أن الأصوات، وخصوصاً من المعارضة السورية، تعالت ضد استهداف أميركا لـ “الجيش السوري الحر”. واعتبر بعض هؤلاء ان استهداف “النصرة” لم يكن خطوة موفقة. واستمعت واشنطن الى هذه الأصوات، ويبدو أنها أوقفت استهدافها لأهداف تعتقد انها تعود للنصرة.

في نفس الاثناء، راح بعض الخبراء في العاصمة الأميركية يحاولون اظهار تمايز بين “الدولة” و”النصرة”، فالدولة بالنسبة لهؤلاء تنظيم بربري ودموي وبغيض لا يمكن الا القضاء عليه، فيما “النصرة” مجموعة راشدة عاقلة أفرجت عن رهينة أميركي بحوزتها، وتحترم حدود الصراع السوري بتوجيهها بنادقها ضد الرئيس السوري بشار الأسد وقواته لا غير.

هل تستمر واشنطن في “واقعيتها” وتتجاهل وضعها “النصرة” على لائحة التنظيمات الإرهابية، على غرار تجاهلها وجود “حزب الله” اللبناني و”حزب العمال الكردستاني” على هذه اللائحة؟ وهل يؤدي ذلك الى تعاون، وإن “غير مقصود”، بين الطرفين للقضاء على “الدولة الإسلامية” أولاً، وربما الإطاحة بالأسد بعد ذلك؟

المدن

 

 

 

 

“القاعدة” و”داعش” أصبحتا أكبر حزبَيْن شعبيّيْن عربيّيْن؟/ جهاد الزين

واحدة من السمات الكبيرة للمرحلة الانهيارية الجديدة في العالم العربي هي تحوّل التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة من شبكات أمنية سرية إلى قوى شعبية أو ذات امتداد شعبي في العديد من دول المنطقة. ينطبق هذا التحوّل على منظّمّتي “القاعدة” (أو المتفرعة عنها) و”داعش”. فكيف نفهم هذه الظاهرة؟ وإلى أين ستصل؟

التحوّل الجاري يعني أن هذه التنظيمات المتشددة والعنفية تصبح بشكلٍ واضح أحزابا ذات حضور شعبي تستمد منه كوادرَ وعناصرَ للعمل القتالي وربما لاحقاً السياسي. يحصل هذا رغم كل الممارسات البشعة التي تقوم بها من تفجير وذبح وتنكيل وخطف ورِق.

شهد العراق مع هجوم “داعش” الكاسح في غرب العراق وشمال سوريا هذه الحالة الشعبية التي يتماهى فيها التنظيم مع العصبية السنية العراقية الغاضبة كذلك في اليمن الذي يتجه ليشهد بدوره، حسب شهادات يمنيين مقيمين، تمثيل “القاعدة” عبر “أنصار الشريعة” للعصبية السنية الشافعية في العديد من مناطق الوسط والجنوب في مواجهة تمدّد الحوثيين الحاملين لاسم “أنصار الله” وفي ليبيا بعض العصبيات المناطقية مع بعض الظهور المستجد لـ”داعش”.

بهذا المعنى هل بدأ السلفيون العنفيون يرثون مكان حركة “الإخوان المسلمين” التي شكلت عبر تيارها العام تقليديا الحركة الأهم بين الحركات الإسلامية الأصولية؟ يحدث شيء من هذا بل يتجاوزه إلى مستوى تمثيل العصبية الشعبية التي لم يتمكن “الإخوان” دائما من تحقيقها سوى في بعض الحالات كما في اليمن وسوريا وتونس وبقوا تنظيماتٍ واسعةَ الكوادرِ أكثر مما هم حالات جماهيرية.

النقطة الأخرى التي لا يمكن مقاربة تعقيد الموضوع المطروح وتجلّياته من دون ذِكرها، هي أن الصعوبات بل الهزائم التي مُنِيَ بها “الإخوان” بعد صعودهم السريع، إثر موجات “الربيع العربي” التي بدت في السنة الأولى لاندلاعها وكأنها “لحظة الإخوان المسلمين” في المنطقة، هذه الهزائم التي مُنوا بها دفعتهم إلى التواطؤ مع الحركات الإسلامية المتطرّفة انتقاماً من الأنظمة والقوى التي أسقطتهم أو أَبْعَدَتْهم. هذا ما قاموا ويقومون به في مصر عبر تهريب الأسلحة والعناصر عبر الحدود الليبية للصدام مع الجيش المصري ومحاولة استنزافه في الداخل ولاسيما في سيناء. كذلك في اليمن مجدّدا مع انهيار سيطرة جمعيّتهم “الإصلاح” في العاصمة صنعاء. فقط في تونس وبسبب المسار التوافقي الذي سار به إسلاميّو “حركة النهضة” بقيادة الشيخ راشد الغنوشي تحت الضغط الديموقراطي للكتلة العلمانيّة “البورقيبيّة” فإن هؤلاء الإسلاميين انخرطوا في المسار الوطني لمحاربة السلفيين المتشددين والحد من إرهابهم. طبعاً يُشار هنا أيضاً إلى السياق السلمي الديموقراطي لحكومة برئاسة “العدالة والتنمية” الإسلامي في المغرب التي تمارس دورها ضمن النظام الملكي وضوابطه.

من المهم التذكير أن هذا التحوّلَ من الأمني السري إلى الشعبي في المرحلة الأولى لمواجهة الاحتلال الأميركي في العراق بعد 2003 ظهر نسبيا في الانتشار الذي شهدته منظمة “القاعدة” في المناطق السنية العراقية إلى حد أنه كان لـ”القاعدة” حواجز علنية في بعض أحياء بغداد في تلك الفترة. كل هذا تغيّر باتجاه مختلف عندما أسفرت ما سُمّي “الجراحة” في الاستراتيجية الأميركية في العراق عام 2006 وفقا للخطة التي قادها يومها الرئيس جورج دبليو بوش عن توجيه ديناميكية الغضب السُنّي نحو الشيعة، مما خفّف الضغط على القوات الأميركية إن لم يكن قد همّشه. وقد ترافقت تلك الإستراتيجية الأميركية مع تركيز على التعاون مع القيادات العشائرية السنية في ما سُمِّي “الصحوات” عبر إغرائها المالي والسياسي مما أدى إلى توجيه ضربة قاصمة للبحر الشعبي الذي كانت تسبح فيه “القاعدة” إلى أن ظهرت “داعش” المنشقة عن “القاعدة” والمنافسة لها هذا العام ضمن عملية إسقاط الموصل، ظهرت في غطاء شعبي.

لا شك أن اتساع الحساسية السُنّية الشيعيّة، التي تحوّلت إلى حرب أهلية من البصرة شرقا إلى طرابلس اللبنانية غربا وصنعاء اليمنية جنوباً بقيادة إيران والمملكة العربية السعودية، قد ساهم في شكلٍ مباشر في انتقال التنظيمات السنية المتشدّدة إلى حالات شعبية تمثل العصبية السنية مثلما هو حال “القاعدة” حرفيا في اليمن ومثلما تتحوّل “داعش” تدريجيا في مناطق السُنّة في لبنان كنموذج قتالي يعتقد مؤيِّدوه أنه قادرٌ على مواجهة السمعة القتالية لـ”حزب الله”.

في أفغانستان وبعد سنوات من الصراع مع “طالبان” انتجت الولايات المتحدة الأميركية سياسة مفاوضة جدّية معها.

أين ستصل هذه الظاهرة المستجدة، وهل سنشهد بعد سنوات ما يبدو الآن من المخيّلة، وهو تفاوضُ واشنطن مع”داعش” أو “القاعدة” على مستقبل أنظمة بعض دول المنطقة. أليس من الممكن أن تكون تلك نتيجة محتملة لتحوُّلِ المتشددين إلى حزب شعبي في بعض هذه الدول؟

في الإسلام السياسي الشيعي أصبحت تنظيمات مثل حزب الدعوة والصدريين والمجلس الأعلى في العراق وحزب الله في لبنان والحركة الحوثية في اليمن جزءا من بنى سلطات هذه البلدان أي جزءاً من النظام السياسي في كلّ منها بينما تنظيمات الإسلام السياسي السُنّي المتشدّدة المقاتلة لا تزال، بمن فيها “طالبان” الأفغانية والباكستانية و”بوكو حرام” النيجيرية ومتشدّدو شمال مالي، خارج أي نوع من العلاقة مع بنى السلطات الرسمية. لقد بدا لفترة في السنوات القليلة الأخيرة أن دخول ” الإخوان المسلمين” إلى الحياة السياسية الشرعية قد يعبِّئ الفراغ المزمن بين النظم السياسية وبين “الإسلام السياسي” الأيديولوجي. الآن الفراغ أكبر نتيجة أخطاء “الإخوان” وما ظهر من نزوعهم التسلّطي بل الفئوي الذي ساهم في سقوطهم إلى جانب نقص الخبرة في الحكم مثلما تخبّطت الأحزاب الأصولية الشيعية العراقية في تجربة الحكم في السنوات العشر الأخيرة ولم تستطع، بالنتيجة، إدارة عراق موحّد ودولة غير فاسدة. هذا يعني أن الفراغ أخطر من أي وقت سابق لأن التنظيمات المتشددة السنّية التي تحتل الساحات الشعبية في بعض المجتمعات لا تحمل أيَّ مشروعٍ بنّاءٍ وتوافقيٍّ حتى اليوم. لذلك يحصل ضدها هذا الإئتلاف الدولي رغم كل الشبهات حول غض نظر الغرب وبعض دول المنطقة عن ولادتها فصعودها.

فهل علينا أن ننتظر جيلاً آخر لكي يحصل التغيير في مجتمعات دخلت ودولها طور الانهيار؟!

النهار

 

 

 

كوباني فاجأت “داعش” وأردوغان!/ راجح الخوري

هل تفكك كوباني سيكولوجيا الترويع التي اعتمدتها “داعش” كاسحة وحشية ساعدتها في اجتياح المساحة الكبيرة الممتدة من الرقة في سوريا الى الموصل في العراق، ومع الهجوم المعاكس الذي يشنه البشمركة مع الجيش بالتعاون مع العشائر في الأنبار، هل بات من الممكن الحديث عن ملامح احتواء للتمدد الداعشي تمهيداً لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم؟

المعركة ستطول حتماً لكن انطلاقاً من كوباني بالتحديد تتشكل الآن معادلة مثيرة: كلما صمدت تلك المدينة الكردية الباسلة كلما سقطت رهانات رجب طيب اردوغان على معاناتها كمنطلق سيُضطر اميركا الى استجابة شروطه للانضمام الى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”!

على طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد، يتفرّج اردوغان على معاناة كوباني، رافضاً التدخل ومانعاً استعمال طيران التحالف قاعدة انجرليك لضرب الارهابيين، ومقفلاً الطريق على المتطوعين الاكراد الذين يريدون الالتحاق بأخوتهم في كوباني، ومكرراً القول: “كوباني تسقط لأن اميركا لم تستجب شروطنا”!

قبل محاصرة كوباني ومنذ اللحظة الأولى لتسليح البشمركة في العراق، وقف اردوغان محذراً من ان “هذا التسليح سيتحوّل قنبلة موقوتة”، طبعاً على خلفية المطالبة الكردية المزمنة بالحصول على دولة، ومع بداية المعارك في كوباني بدا واضحاً ان شروطه للتدخل تهدف الى اصابة ثلاثة عصافير بحجر واحد:

إسقاط الاسد، ودفن الحلم بالدولة الكردية بعد أن تصبح منطقة الحظر الشمالية تحت سيطرته، وفتح الطريق امام استعادة الدور العثماني في المنطقة! لكن كما بدأت تتهاوى سيكولوجيا الترويع الداعشية في كوباني امام صمود الأكراد المدعومين بالغارات الجوية، التي بدأ التحالف يكثّفها في الأيام الاخيرة، بدأت تتهاوى مراهنات اردوغان على استغلال مأساة الأكراد وتوظيفها. اكثر من هذا يمكن الحديث عن قلق عميق مستجد عند اردوغان، بعد اعلان واشنطن الاسبوع الماضي انها أجرت محادثات مع مسؤولين من “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي الذي يقاتل في كوباني وتعتبره انقرة تنظيماً ارهابياً!

المراقبون رصدوا اهتماماً جدياً لدى دول التحالف بإعطاء الأكراد دوراً ميدانياً في الحرب على “داعش”، وخصوصاً بعدما أثبتوا فعالية قتالية في مواجهة الإرهابيين، سواء في كوباني او عبر الدور الحيوي الذي تؤديه وحدات البشمركة في العراق، وفي المقابل برزت معارضة تركية قوية لتسليح الأكراد وإعطائهم دوراً في التحالف يمكن ان يعزز وضعهم، وخصوصاً بعد تدفق السلاح الأوروبي على البشمركة.

ليس واضحاً حتى الآن ما اذا كانت واشنطن تريد ضم الأكراد الى التحالف او انها تنخرط في لعبة عضّ الأصابع مع اردوغان مستعملة “الأسنان الكردية”، ولكن من المؤكد ان معارك كوباني تخلط الأوراق عندما تتراجع سيكولوجيا الرعب الداعشية، وتضطرب حسابات اردوغان العثمانية، وتبرز جدارة البسالة الكردية!

النهار

 

 

 

 

الحرب على «داعش» وتناقضات سياسة أوباما/ رياض طبارة

الخطوط العريضة للخطة الأميركية في محاربة تنظيم «داعش» في العراق وسورية، أعلنها الرئيس باراك أوباما في 10 أيلول (سبتمبر) الماضي، أي عشية ذكرى هجمات أيلول 2001، في خطاب إلى الأمة من البيت الأبيض. عبارة من الخطاب لخصت الهدف المعلن للخطة: «سنضعف في «داعش» وفي النهاية ندمره».

تتألف الخطة من أربع نقاط: أولاً، ضربات جوية على معاقل تنظيم «داعش». ثانياً، دعم القوى التي تحارب على الأرض ومتابعة البحث عن حل سياسي للأزمة السورية. ثالثاً، استعمال «قدرات أميركا الهائلة» في محاربة الإرهاب للحؤول دون تمكن التنظيم من شنّ هجمات ولتجفيف مصادر تمويله. رابعاً، مساعدة المدنيين الأبرياء الذين هجّرهم مسلحو «داعش».

الأمر اللافت الأول في هذه الخطة هو التغير الاستراتيجي في سياسة أوباما الخارجية. فخلال السنوات الست الأولى من عهده حاول جاهداً عدم إدخال أميركا في حروب جديدة، ليس فقط لأنه يتفادى اتخاذ القرارات الصعبة كما أصبح معروفاً عنه، بل أيضاً لأن الشعب الأميركي، كعادته بعد الحروب الطويلة كالحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، طغت عليه الرغبة الانعزالية التي تجاوبت مع طبيعة أوباما المترددة. وكانت عقيدة الرئيس الديموقراطي خلال هذه المدة «القيادة من الخلف»، كما فعل في ليبيا بمساندته الحلف الأطلسي من خلال إطلاق صواريخ «توماهوك» من بواخره في عرض البحر المتوسط، أو كما فعل في مالي بمساندته الفرنسيين من خلال الدعم اللوجيستي والاستخباراتي.

كانت حجته دائماً أنّ أخطاء الماضي جاءت من اتخاذ إجراءات خاطئة، كأن عدم اتخاذ إجراءات عندما تقتضي الحاجة ليس خطأ، كما يقول ديفيد روثكوف رئيس تحرير مجلة «فورين بوليسي». ويروي في مقال نشره في المجلة أنّ أوباما، وبعدما شرح نظريته هذه للصحافيين في الطائرة التي أقلته إلى الشرق الأقصى في نيسان (أبريل) من هذا العام، لخّصها لهم بعبارة واحدة: «لا ترتكب حماقات وسخة» («Don’t do Stupid Shit»). و «كمدرّس في المدرسة الابتدائية يحاول أن يحفّظ الدرس لتلامذته عن ظهر قلب»، يقول الكاتب: «سألهم بصوت عال: ما هي سياستي الخارجية؟ فأجابه الصحافيون بصوت واحد: لا ترتكب حماقات وسخة». وفي اليوم الذي سبق عرض «داعش» فيديو ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي في آب (أغسطس) الماضي، وخلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، قال أوباما إنّ محاربة تنظيم «داعش» ليست من مسؤولية أميركا، مضيفاً: «نحن لسنا الجيش العراقي ولسنا حتى الطيران الحربي العراقي. أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، وعلى العراق في النهاية أن يؤمن سلامته بنفسه».

أسباب الحرب

بعد أقل من ثلاثة أسابيع، أعلن أوباما الحرب على تنظيم «داعش». ولكن لماذا؟

أولاً: انقلب الرأي العام الأميركي من غالبية ترفض التدخل إلى غالبية تؤيده. فبينما كانت الاستطلاعات تدل على أن ما بين 60 و70 في المئة يرفضون الحرب في العراق وسورية، انقلبت هذه الأرقام الى أكثر من 60 في المئة يوافقون على ضرب التنظيم، وإن من الجو فقط، وما يقارب الــ90 في المئة يعتبرون أن «داعش» و «خراسان» (القاعدة) يشكلان خطراً محدقاً على الأمن القومي الأميركي نتيجة للتغطية المثيرة لهما في الإعلام الأميركي، ما جعل البعض يفكر في ترك المدن الكبيرة، خصوصاً نيويورك وواشنطن، إلى بلدات صغيرة أقل خطراً كما يخالون، وفق مصادر عدة موثوقة.

ثانياً: تصاعدت حدة الضغوط على أوباما للتدخل ضد تنظيم «داعش» من جانب القيادات الجمهورية والديموقراطية في آن واحد، خوفاً من وصول إرهاب التنظيم إلى الولايات المتحدة، علماً أنّ الاستطلاعات دلّت على أنّ لا فرق بين الجمهوريين والديموقراطيين من الناس العاديين في مساندة هذا التدخل.

في ظل هذه المعطيا ، أعلن أوباما حربه على «داعش» ولكن من الجو فقط، مؤكداً في كل مناسبة أنّ القوات البرية الأميركية لن تتدخل مهما كانت الظروف، على رغم أن رئيس أركان القوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي ذكر احتمال الاضطرار إلى ذلك في المستقبل. وهكذا جرّت الأحداث أوباما إلى الحرب وهو يرفس برجليه كما يقولون، حتى أنه لقّب بـ «المحارب المتردد» (Reluctant Warrior).

صحيح أنّه غيّر بذلك استراتيجيته في ما يتعلق بالتدخل في الحروب الخارجية، لكنه في الوقت نفسه ما زال يحاول القيادة من الخلف وإن بإقدام أكبر، فهو يطلق الصواريخ من الجو، بدلاً من أن يطلقها من البحر كما في الحرب الليبية، ويحاول جاهداً توسيع الائتلاف العربي – الغربي الذي أسسه للمساعدة في هذه الحرب، ولكنه يتكل على قوى غير أميركية للمحاربة على الأرض. بيد أنّ القوى الموجودة على الأرض حالياً، والتي يستطيع استعمالها لهذا الغرض لم تستطع التصدي لهجمات التنظيم التوسعية ما يوجب تدريبها وتجهيزها في العراق وسورية في آن واحد.

ومعلوم أن الجيش العراقي انهار أمام تقدم «داعش»، ما أظهر عدم جاهزيته للدفاع عن مواقعه على رغم بلايين الدولارات التي أنفقت، من الأموال الأميركية والعراقية، على إعادة تأهيله وتسليحه خلال العقد الماضي. ولئن أبلت البيشمركة الكردية بلاءً حسناً، فإنها هي الأخرى أظهرت أنها تحتاج إلى تدريب وتجهيز لمواجهة أخطار «داعش» التوسعية. ونشرت «الحياة» (14 تشرين الأول/ أكتوبر 2014) أن تقديرات المستشارين الأميركيين في العراق تدل على حاجة العراق لسنة على الأقل لتشكيل «الحرس الوطني» الذي سيواجه «داعش» في شكل أساسي، وأنّ البلاد ستكون خلال هذه المدة عرضة لخطر تمدد التنظيم.

أما في سورية، فالوضع قد يكون أسوأ، إذ إنّ الخطة الأميركية تريد تشكيل قوة مؤلفة من 15 ألفاً من المقاتلين «الموثوقين» ليكونوا جيشاً قوياً باستطاعته محاربة تنظيم «داعش» بفعالية لإضعافه، ثم في النهاية تدميره بمساعدة أميركية من الجو. وتكون هذه القوة الجديدة، في الوقت نفسه، أقوى من الجيش السوري والميليشيات المساندة له لكي تشكل ورقة بأيدي الأميركيين تخولهم التفاوض بقوة لفرض حكومة انتقالية جامعة كبديل للنظام الحالي. غير أنّ هذا الجيش الموثوق سيتطلب إنشاؤه وتدريبه وتجهيزه، وفق ديمبسي، سنة أو أكثر. هنا أيضاً سيكون من الصعب خلال هذه السنة الوقوف في وجه تمدد «داعش» كما في العراق.

مشكلة توقيت

الخطة الأميركية تعاني إذاً، من مشكلة توقيت. ما العمل خلال السنة أو أكثر التي يتطلبها تأسيس القوى المقاتلة على الأرض وتدريبها وتجهيزها، في ظل رفض أوباما التدخل بقواته البرية في القتال وفي ظل توسع «داعش» المتواصل ولربما احتلال بغداد ومناطق أخرى في العراق وفي سورية؟

مشكلة التوقيت هذه سببها بالطبع تأخر أوباما في التدخل في سورية وتسليح المعارضة المعتدلة في بداية القتال قبل أن ينشأ «داعش» والمجموعات المتطرفة الأخرى. أما اليوم فالخطة الأميركية في مأزق وتحتاج إلى قوة ضاربة على الأرض تملأ الفراغ الذي سببته مشكلة التوقيت.

هنا يأتي دور تركيا التي لها حدود مشتركة مع سورية والعراق، لما لجيشها من قوة تجعل باستطاعتها قلب الأمور رأساً على عقب لمصلحة الائتلاف، أقله في سورية، ما سينعكس إيجاباً على موازين القوى في العراق. غير أنّ تركيا لا تبدو مستعجلة للتدخل عسكرياً في المعارك في سورية، حتى تلك الدائرة بين «داعش» والأكراد على حدودها.

أحد أسباب التردد التركي في التدخل هو عدم انزعاج النظام في تركيا من إضعاف القوى المقاتلة الكردية، بخاصة تلك التي تناصبها العداء. فخسارة الأكراد عين العرب (كوباني) سيكون لها تبعات سلبية كبيرة على المخطط الكردي لإنشاء حكم ذاتي على الحدود التركية يمتد من ريف حلب غرباً إلى القامشلي وحدود العراق شرقاً ويشكل خطراً كبيراً على تركيا، علماً أن الأكراد يشكلون 15 إلى 20 في المئة من الشعب التركي في الداخل، وهم في انتفاضات متقطعة منذ العهد العثماني وفي مواجهات مسلحة متواصلة مع الحكومات التركية المتتالية منذ ثمانينات القرن الماضي. في المقابل، لا يزال تنظيم «داعش» خارج تركيا ولا يشكل خطراً محدقاً بها بالنظر إلى الإمكانات الهائلة للجيش التركي الذي يستطيع مواجهته بسهولة نسبية.

غير أنّ هناك سببين للتردد التركي أطول مدًى من ذلك وأكثر تعقيداً، ويشاطرها إياهما الكثير من دول الإئتلاف، خصوصاً العربية منها. أولاً: هناك تخوف من مدى تصميم أوباما على المضي في هذه الحرب. فمن عادته، كما قال مايكل غيرسون في صحيفة «واشنطن بوست» أخيراً، هو تضييق الهدف، ومن ثم التحجج بأنه حققه لينسحب، كما فعل بالنسبة إلى السلاح الكيماوي السوري، تاركاً بالتالي حلفاءه خلفه كما فعل مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الواقعة نفسها. الخوف هنا هو أن يُضعف أوباما تنظيم «داعش» بالضربات الجوية، ثم ينسحب تاركاً للقوى على الأرض أن تصفي حساباتها بعضها مع بعض، ويكون بذلك قد ورط حلفاءه في مستنقع يصعب الخروج منه. فالرأي العام الأميركي المساند التدخل قد ينقلب فجأة إذا طالت الحرب كما فعل في الحروب السابقة، بخاصة أن غالبية منه ليس لها ثقة بأن أوباما يستطيع تحقيق أهداف خطته وفق الاستطلاعات. وتحول كهذا في الرأي العام سيشجع أوباما على الانسحاب المبكر.

ثانياً: حتى اليوم فإنّ أوباما يعلن أنّ حربه هي ضد «داعش» فقط بينما المشكلة في سورية تتعدى ذلك بكثير بالنسبة إلى معظم حلفائه. الموقف التركي واضح في هذا المجال: تعديل الخطة الأميركة لتشمل ليس فقط استهداف «داعش»، بل أيضاً، وفي شكل متوازٍ، النظام في سورية، وهذا لا شك هو موقف معظم الحلفاء الآخرين، العرب منهم على الأقل. فإضعاف «داعش» و «جبهة النصرة» والكتائب الإسلامية المقاتلة في سورية في الوقت الذي يكثف النظام طلعاته الجوية وهجماته البرية بمساندة حلفائه على الجيش الحر، قد يصل إلى حالة يكون فيها النظام الأقوى على الأرض عندما يحين موعد «جنيف – 3» الذي تعمل له الخطة الأميركية، ما قد يفسر موقف «لننتظر ونرَ» (wait and see) الذي اتخذته كل من روسيا وإيران في الوقت الحاضر.

محارب متردد مع شركاء مشككين وخطة حرب غير متماسكة يختلف على هدفها حلفاء السلاح، واقع يفتح الباب على 3 احتمالات. الأول أن يضطر أوباما، بتوصية من رئيس أركان جيشه، لأن ينزل عسكره على الأرض لسد فجوة التوقيت، خصوصاً أن الرأي العام الأميركي بدأ يتقبل فكرة إنزال قوات برية أميركية وفق الاستطلاعات الأخيرة، وأن يتجاوب في النهاية مع طلبات حلفائه بتوسيع هدف التدخل ليشمل إضعاف النظام في سورية. الثاني أن ينسحب من المعركة بعد تحقيق انتصار جزئي بإضعاف «داعش» ورفاقه ويترك حلفاءه في مأزق. أما الثالث فهو أن تبقى الأمور على حالها بين كر وفر ويُترك الحل النهائي للرئيس الأميركي الجديد الذي سيتسلم الحكم في 20 كانون الثاني (يناير) 2017.

* سفير لبنان في واشنطن سابقاً

الحياة

 

 

سورية: لحظة الخيارات أمام الغرب/ ايزابيل هوسير

أمضيتُ ثلاث سنوات في دمشق، وسمح لي مقامي – كزوجة دبلوماسيّ- بلقاء ممثلين عن النظام من بين الأعلى مرتبةً، ولكن أيضاً بالتعرّف إلى معارضين، ولا سيّما إلى سوريّين من جميع الأوساط وشتّى الطوائف ومختلف أرجاء البلاد. وبنظري، لا تقتصر مدينتا دمشق وحلب، ولكن أيضاً دير الزور والرقّة والقامشلي ومعرّة النعمان وإدلب وغيرها الكثير، على كونها أسماء على خريطة، بل هي أماكن ومناظر طبيعية ووجوه مألوفة. ومع إقامتي في عدد من البلدان، استنتجتُ أنّ هذا التنوّع بالتحديد يمنح الشعب السوري روحه الفريدة وجاذبيّته الكبيرة.

ومن بين الأمور التي تعلّمتها من إقامتي هذه، فهمت أنّ عليّ أن أحذر ثلاث أفكار يروّجها النظام مراهناً على سذاجة الغرب، أوّلها «الثقافة الغربية» لبشار الأسد، التي لا تزال تحمل تأثيراً عجيباً في النفوس، مع أنّ العكس صحيح، إذ إنّ حلّته الغربيّة تكاد لا تخفي ملامح الزعيم القبلي لديه، فبعد أن نال تدريباً سريعاً على الحكم من والده بعد وفاة شقيقه الأكبر، اعتمد بشار الأسد منطق النظام القائم على الصمود مهما كان الثمن. وهو لم يتوانَ يوماً عن الكذب واللجوء إلى الاضطهاد والبربرية في حق شعبه وفي مواجهة حيلة الغربيين وابتزازهم. ومما لا شكّ فيه هو أن الإيمان بصدقيّة الأسد والاتكال عليه هي أخطاء في تقدير شخصه. فهل يمكن إيلاء مهووس بإشعال النيران مهمّة إطفاء حريق أشعله بيديه؟

وكذلك، لا يوجد منطق في الفكرة الثانية التي تفيد بأنّه يدافع عن الأقليات، فهو قادر على التضحية بالمسيحيين، والدروز، والإسماعيليين، والأكراد (الذين لم يكن لهم حتى وجود قانوني بنظر الكثيرين في عهد الأسد الأب والابن) وحتى العلويين لتحقيق المصلحة العليا، وضمان استمراريّة العشيرة الحاكمة. لقد فهم العلويّون ذلك. وبدأ بعضهم بالاحتجاج علناً، مردّدين أحياناً الأناشيد الثوريّة التي تعود إلى العام 2011، لأنّه في غياب الموالين للنظام من الطائفة السنّية، راح هذا الأخير يرسل أولاد العلويين لمواجهة الموت (ولنتذكّر كيف سيطرت «الدولة الإسلامية» على قاعدة الطبقة الجوّية في آب (أغسطس) الماضي، وقطعت رؤوس 160 جندياً سورياً). وثمّة آخرون يتاجرون بكل ما أمكن (بما يشمل بيع الوقود أو الأسلحة للجماعات المتمردة) ليتسنّى لهم إنشاء رأس مال يخوّلهم مواجهة مستقبل مشوب بعدم الاستقرار.

أمّا الوهم الثالث، فهو أنّ نظام الأسد هو درع وقاية ضد التنظيمات الجهاديّة، على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه نظامه في تطوير التطرّف الإسلامي في البلاد، ومن تحفّظه الدائم عن الهجوم على «الدولة الإسلامية»، لأنّ وجودها يساعد على تأكيد نظريته، التي تفيد بوجود ثورة زائفة ومؤامرة جهادية فعليّة. وفي المقابل، فضّلت «الدولة الإسلامية» محاربة المتمردين الآخرين، أكثر مما حاربت جيش النظام. وتجمع بين هذين الطرفين –نظام الأسد و «الدولة الإسلامية»– اللذين يتشاركان في اللامبالاة ذاتها حيال حياة البشر (ولا سيما حياة الآخرين)، روابط معقّدة، إن لم نقل متواطئة.

وأخيراً، لم يعد الأسد يمارس حكمه على شيء يُذكر في سورية، وسبق أن قلنا إن مجتمعه بدأ يفلت من سلطته، لأنّ التعامل معه ما عاد يأتي بأي منفعة.

تفيد الاعتراضات التقليديّة بأنّه ما من بديل ذي مصداقية لنظام الأسد، بسبب انقسام المعارضة وضعفها. لكنّ الواقع هو أننا لم نحرّك ساكناً، أو بالكاد تصرّفنا، لمساعدة المعارضة على رصّ صفوفها، وأنّنا تركناها تحت رحمة أهواء القوى الإقليمية وخصوماتها (التي سرعان ما لقيت أصداء في قلب المعارضة). ومن المؤكّد أنّ المعارضة السوريّة لا تملك نسخة عن ديغول لتوحيد صفوفها، ولكن عالم الغرب هو أيضاً لا يملك نسخة عن تشرشل لتجسيد مشروع السوريين الأحرار.

ثمّة واقع مؤسف للغاية بنظر الذين لم يعرفوا الشعب السوري كفكرة مبهمة، إنّما كرجال ونساء من لحم ودم، اتّسموا بالكرم والفطنة والشجاعة، وهو أنّ الغرب ليس متعاطفاً مع هذا الشعب، بل أنّه قد يُظهر ازدراء حياله في بعض الأحيان، مثلما فعل باراك أوباما، عندما اعتبر أن المتمردين، «من مزارعين وأطباء أسنان»، سيعجزون عن القتال، متجاهلاً أن هؤلاء الرجال، الذين تلقوا جميعهم تدريبات عسكرية (كون الخدمة العسكرية مطوّلة وإلزامية في سورية)، يتصدّون للنظام منذ ثلاث سنوات، ولـ «الدولة الإسلامية» منذ أشهر عدّة (وليس من دون تحقيق نتيجة في كانون الثاني/ يناير الماضي).

واليوم، يريد التحالف المناهض لـ «الدولة الإسلامية» أن يجعل محاربة هذه الدولة من الأولويّات القتاليّة للمعارضة السورية، وهو أمر سيسمح للنظام بمواصلة حملة قصفه للمدنيين (عندما لا يسمّمهم بمواد كيماوية غير معلنة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية).

لقد جاءت ساعة الخيارات. وإذا أردنا التخلّص فعلاً من «الدولة الإسلامية» علينا أن نتصدّى لنظام الأسد في موازاة ذلك، لأنّه طالما كان مهندس عدم الاستقرار والإرهاب في المنطقة. وكذلك، من الضروريّ أن نساعد الشعب السوري، عندما يحين الوقت لذلك، على إعادة بناء وطنه الضائع.

* روائية فرنسية وزوجة السفير الفرنسي السابق في دمشق ميشال ديكلو

الحياة

 

 

الوجه “الجديد” لإيران/ موناليزا فريحة

بعد تعيين علي شمخاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، كثرت التكهنات عن سياسة إيرانية جديدة حيال العرب. علاقاته التاريخية مع دول الخليج، وخصوصاً السعودية، أثارت تفاؤلاً باختراق جدار العداء بين المملكة السنية والجمهورية الاسلامية الشيعية. صلاته القديمة مع العراق واتصالاته في آب الماضي مع السلطات في بغداد والنجف واربيل لإنهاء أزمة الحكومة العراقية، زادت شائعات توليه الملف العراقي. عقب الدمار الذي نهش المحور الممتد من حدود إيران شرقاً إلى البحر المتوسط مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، أوحى تعيين رجل يوصف بالواقعية السياسية، بتوجه إيراني إلى التخلي عن المقاربة العسكرية والأمنية للواء قاسم سليماني لملفات المنطقة، لمصلحة مقاربة سياسة أشد هدوءاً.

بدا تعيين هذا الرجل، وهو الأول من أصل عربي يتسلم منصباً بهذا المستوى في جهاز الدولة الإيرانية منذ الثورة، امتداداً لعهد جديد في إيران بدأ مع انتخاب حسن روحاني الذي أبدى رغبة في إخراج بلاده من عزلتها الدولية. ففي عهد محمد خاتمي، نجح شمخاني من منصبه وزيراً للدفاع في كسب ثقة الغرب نتيجة قربه من المشروع الاصلاحي للرئيس، وبات يمثل أملاً أميركياً في تغيير النهج الإيراني. ومن هذا المنطلق، اعتبر حلوله محل سعيد جليلي، الايديولوجي المتشدد الذي واجه في نهاية عهده انتقادات كثيرة، حتى من مقربين من المرشد بدعوى إساءة إدارة المفاوضات النووية وزيادة المتاعب الدولية لبلاده، دليلاً إضافياً على رغبة طهران في تصحيح أخطاء سلفه وخطايا سيّده محمود أحمدي نجاد. وعلى رغم نقل روحاني الملف النووي الى عهدة وزارة الخارجية، بقيت في جعبة الاهوازي الحائز وسام الملك عبدالله بن عبد العزيز، ملفات لا تقل تعقيداً عن ملف الطموحات النووية الإيرانية.

تنبع السمعة المعتدلة لشمخاني من لياقته في مواجهة المتشددين. لكن أحداً لم يتوهّم أنه غريب عن نظام الملالي. إنه إلى حدّ كبير نتاج للثورة الإسلامية. ابن الحرس الثوري الذي انتقل إلى الوسط السياسي. ويقول باحثون في الشأن الإيراني إنه حتى عندما شارك في حكومتي خاتمي وزرع الآمال في الغرب، كان دائماً رجل خامنئي في حكومة خاتمي.

عندما تخلت طهران عن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الصيف الماضي، ثمة من رأى في هذه الخطوة لمسات لشمخاني وفوزا للمعتدلين في طهران، بيد أن مسار الأحداث أثبت أن تبدل الموقف الإيراني سببه التطورات على الارض والغزو الداعشي أكثر من كونه تحوّلاً في السياسة الإيرانية. ولم يختلف الوضع في سوريا حيث لا تزال طهران تتمسك بالسياسة نفسها حيال النظام. أما عودة التراشق بين الرياض وطهران، فليست إلا دليلاً على أن هذا المحارب القديم لا يزال عازماً على خوض السياسة ببدلة العسكر، وأنه يقف عند خط الدفاع خلف خط النار الذي لا يزال يقوده شمخاني.

النهار

 

 

 

حشر الأكراد: “زنقة، زنقة”/ ربيع بركات

يخوض الأكراد في مدينة كوباني/عين العرب معركة تكاد تكون وجودية. يقولون للعالم إنهم ليسوا لقمة سائغة، ويؤكدون بقتالهم أنهم لن يرضوا بتفويت فرصتهم التاريخية مرة أخرى. لقد رسمت «داعش»، رمز الانحطاط القومي لدى العرب، حدودهم الجنوبية في كل من سوريا والعراق في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، بعدما ظلمهم القرن الذي سبقه طويلاً.

والأكراد ليسوا مستعدين اليوم لدفع أثمان الانحطاط المذكور. فالنسبة الأكبر منهم ترغب باستثمار اللحظة للتأكيد على هويتها الخاصة. تلك التي لم تمحها كيانات ما بعد الحرب العالمية الأولى، ولا أذابتها حروب المشرق البينية التي تناسلت على مدى عقود مريرة.

يريد هؤلاء النأي بأنفسهم عن القعر الذي يندفع إليه العرب بجنون. قرارهم في هذا الصدد متخذ. فالمقاتلون منهم يفضلون استنفاد وسائل المواجهة، قبل الإقرار بنفاد فرص إحياء أحلامهم القومية. يرغبون بالتقدم خطوات في اتجاه تثبيت حكم ذاتي أو نيل اعتراف صريح بحقوقهم الثقافية داخل كيانات القرن الماضي، التي يقف بعضها على شفير الانهيار أو إعادة التشكل. وإن فشلوا في ذلك، فأقل ما يمكنهم فعله هو الحفاظ على وجودهم الخاص، والإبقاء على مسافة ممن يريد دمجهم قسراً في جاهليته، ويعمد أثناء الدمج إلى تعديل الخرائط الديموغرافية في مناطق امتدادهم.

لذلك، يمثل الأكراد دينامية لا غنى عنها في حسابات المنطقة. فكما أنهم يحاولون توظيف المتاح خدمة لقضاياهم وبرامجهم، التي تتفاوت باختلاف جماعاتهم الحزبية، يعمل اللاعبون الدوليون والإقليميون الفاعلون على توظيف الورقة الكردية، كلٌ وفق رؤيته لمنظومة الشرق الأوسط الجديد.

وتأخذ عملية استقطاب الأكراد بعداً دراماتيكياً في خضم المعارك الحادة التي يخوضونها. إذ إنهم أكثر استعداداً للاستجابة إلى تودّد هذه الجهة أو تلك، وأقل ميلاً للمناورة عندما يطرق الانتحاريون أبوابهم في الشمال السوري، ويدكـّون تجمعاتهم السكانية من نواحٍ ثلاث، فيما رابع النواحي حدودٌ مع الجار التركي اللدود.

يشبه الأمر ما حصل في ليبيا إبّان الانتفاضة على عقيدها في شباط من العام 2011. يومها، أطلق القذافي حملته الهادفة إلى «تنظيف» الشرق الليبي وعاصمته بنغازي من المتمردين على سلطته، وأعطى كل الإيحاءات المطلوبة للتأكيد أن قواته ذاهبة للبطش بهم، بل قال صراحة إن مهمتها تقضي باستئصال مناهضيه داراً داراً، و«زنقةً زنقة». لم يكن أمام قوات «الناتو» عندها أن ترفض دعوة كريمةً للتدخل كتلك، فاستجابت مكلِّلَة خطوتها بقرار من مجلس الأمن الدولي. وقد عمدت في البداية إلى توجيه ضربات محدودة لتجمعات الجيش النظامي، تاركة إياه يخوض مواجهات موضعية مع المعارضة المسلحة حديثاً، والمقاتلة جنباً إلى جنب مع قوات وزير الدفاع المنشق يومها عبد الفتاح يونس. وفي موازاة دعمها المقنّن للمنتفضين، كانت تبعث برسائل مشفّرة، يفهمها الذين بات مصيرهم معلّقاً على إمدادات السلاح. وقد كان بعض هذه الرسائل استفساري، يهدف إلى التأكد من خلو صفوف المعارضة من عناصر «القاعدة» (الذين غضت الطرف عن «التائبين» منهم برعاية قطرية فيما بعد ـ عبد الحكيم بلحاج نموذجاً)، كما من دعايات «حزب الله» (حتى «حزب الله» كان متهماً بمحاولة الدخول على خط الانتفاضة يومها). أما الوجه الآخر للرسائل، فتمثل برغبة المُرسل «الأطلسي» بالحصول على ضمانات، تفيد بأن مستقبل البلاد سيكون في جعبته، تبعيةً سياسية واقتصادية، وهو ما يعجز عن تأمينه حتى اللحظة نتيجة استمرار الفوضى بطبيعة الحال. وقد سنحت لكاتب هذه السطور فرصة مقابلة نائب رئيس المجلس الانتقالي الليبي، عبد الحفيظ غوقة، في الأسابيع الأولى للانتفاضة، في مدينة بنغازي. فأكد الأخير في مقابلة مصوّرة أن سلطة ما بعد القذافي ستدفع ثمن التدخل الأطلسي اقتصادياً، مباشرة وعبر استثمارات طويلة الأجل، فيما الثمن السياسي «غير مؤكد»، أو أنه لا يملك الإجابة عليه.

اليوم، يُحشر الأكراد في الزاوية ويسعى جميع المؤثرين في الأحداث إلى استثمار وضعهم. هذا من بديهيات اللعبة السياسية، القذرة أحياناً كثيرة. في هذا الإطار جاءت شكوى «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، الجناح السوري لـ«حزب العمال الكردستاني»، من ضعف تدخل قوات «الناتو» في مراحل الهجوم الأولى لـ«داعش» على كوباني قبل شهر (على لسان رئيس الحزب صالح مسلم في مؤتمر صحافي في البرلمان الأوروبي). وفي السياق نفسه، يأتي اليوم اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحزب بـ«الإرهاب»، كتأكيد على رفض تسليحه. علماً أن الموقف التركي آخذ بالتأقلم مع التطورات التي لم يستثن عصفها داخل البلاد. فبعد سقوط أكثر من ثلاثين قتيلاً في مواجهات مع الشرطة إثر التظاهرات المتضامنة مع كوباني جنوب تركيا، وجدت الأخيرة أن حلّ معضلتها الداخلية يتمثّل بالسماح لقوات «البيشمركة» بالعبور نحو المدينة المحاصرة عبر أراضيها، فسمحت بإتمام الخطوة برعاية رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، صاحب الكلمة الفصل في قيادة «البيشمركة»، والعلاقة الطيبة مع أنقرة.

ويُفهم سعي عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى الحفاظ على موطئ قدمٍ داخل كوباني والمناطق الكردية ذات الإدارة الذاتية، الممتدة واقعياً من الحسكة السورية حتى أربيل والسليمانية في العراق، من زاوية الرغبة باستثمار الوضع الكردي الراهن. فإيران أرسلت مساعدات عسكرية عاجلة إلى المقاتلين في الميدان، تبعتها تركيا، وفق ما قال البرازاني قبل أيام، كلٌ للجماعة الكردية الأقرب إليه (إيران لـ«الاتحاد الديموقراطي» وتركيا لـ«البيشمركة»). أما «حلف شمال الأطلسي» (وتركيا عضو فيه)، فقد قدّم دعماً جوياً بالغ الأهمية، لكنه مدروسٌ لناحية التوقيت، حيث المقاتلون الأكراد في ضيق لا يحسدون عليه.

هكذا، يقاتل الأكراد في كوباني في ظل تضارب في إستراتيجيات وبرامج اللاعبين المتوسطين والكبار، كمن يسير في حقل ألغام بالغ التعقيد. لكنهم يُقدِمون على المعركة، إذ لا شيء يخسرونه، ولديهم ما يربحونه لناحية تثبيت الوجود والهوية. وهم يجتهدون، برغم كل الظروف المحيطة، لحفر دورهم بأظافرهم.. وللتأكيد على أن الجميع، بحاجة إليهم أيضاً.

السفير

 

 

 

دانزيغ بلاد الشام… مقدمة لرسم الخرائط/ إياد أبو شقرا

عين العرب – أو كوباني كما يسمّيها الأتراك والأكراد – صارت في حسابات السياسة الشرق أوسطية أهم من حلب.

لقد استدعت البلدة الصغيرة، ذات الغالبية السكانية الكردية، تحرّكا أميركيا ودوليا لم يتيّسر على امتداد ثلاث سنوات لحلب، الحاضرة السورية الكبرى، وثاني أقدم مدن العالم، وعاصمة المحافظة التي تتبعها عين العرب.

حلب تواجه في هذه الساعات الصعبة تصعيدا خطيرا لهجمات النظام. وتشير التقارير المحايدة إلى أن النظام يسعى الآن ليس فقط إلى رفع حصار قوى الثورة والجماعات الإسلامية عن الأحياء الحلبية والبلدات المجاورة التي ما زال يُحكم قبضته عليها، بل يعمل بكثير من الثقة – مدعوما بالميليشيات الطائفية التي تدعمه – على استعادة زمام المبادرة في شمال غربي سوريا. وهو في ذلك يستفيد من صرف المجتمع الدولي الأنظار عن إجرامه، وتركيزها على تنظيم داعش في غياب استراتيجية واضحة لمرحلة «ما بعد داعش».

واشنطن حتى اللحظة لم توضح مصير المناطق التي يؤمل أن تنجح الغارات الجوية للتحالف الدولي في إبعاد «داعش» عنها. ولكن من المُستبعد أن تكون العواصم الغربية على الأقل، وواشنطن بالذات، تعيش هاجس مصير المناطق «المحرّرة مستقبلا»، لا سيما بعدما صدر عن مسؤولين أميركيين كلام يفهم منه أن إسقاط نظام بشار الأسد لم يعُد من أولويات الإدارة الأميركية. وفي هذا اختلاف جوهري عن مواقف معظم العواصم العربية المشاركة في التحالف، وتناقض كلي مع الموقف المعلن لحكومة رجب طيب إردوغان في أنقرة.

لماذا غدت عين العرب «دانزيغ بلاد الشام» بين ليلة وضحاها؟ لماذا صارت هذه البلدة بؤرة صراع يستدعي تدخلا عسكريا دوليا.. مع أن مجرد التلويح بتدخّل عسكري كالذي نرى اليوم كان سيصبح أكثر فائدة لسوريا ولكل مكوّناتها السكانية قبل ثلاث سنوات؟

أغلب الظن أن المسألة أضحت مسألة «رسم خرائط».. وهذا ما تلمسه حاليا تركيا وإيران، وطبعا إسرائيل، لمس اليد.

التنافس على زعامة العالم الإسلامي بين قواه الكبرى تنافس قديم. والصراع التركي – الإيراني أيضا قديم تكرّر في أزمان مختلفة، وفي كثير من الأحيان كانت بعض بلاد العرب ساحة لهذا الصراع الذي كانت المواجهة العثمانية الصفوية آخر جولاته وأخطرها وأشدّها وقعا على عرب المشرق. وكان من أهم ملامح هذه المواجهة المذهبية السنية (الحنفية) – الشيعية (الجعفرية) التي تهدّد تداعياتها المدمرة اليوم نسيج الكيانات العربية الهشة.

في ما يخصّ تركيا، التي تقع عين العرب (كوباني) على حدودها الجنوبية، فإنها ليست في وارد التورّط في نزاع إقليمي لا ينتهي بصيغة على الأرض تأخذ في الاعتبار مصالحها الجيوسياسية. إذ ليست لدى تركيا مصلحة في حل الأزمة الكردية من جيبها فقط. كذلك لن تقبل أنقرة في عصرها الإسلامي الإردوغاني بتهميشها كلاعب سنّي إقليمي كبير في المنطقة، بينما توسّع إيران ولاية الفقيه دائرة نفوذها منصّبة نفسها حاميةً للشيعة في مناطق كانت حتى 1918 أجزاء من الدولة العثمانية. أما إيران فهي ناشطة منذ زمن بعيد في تأسيس محميّاتها داخل المنطقة العربية، وبالأخص في المشرق العربي، بدءا من العراق. وحقا، من السذاجة بمكان اليوم أن ينكر أي محلّل سياسي حقيقة أنه باتت لإيران واجهة واسعة على البحر المتوسط تمتد من صور (في جنوب لبنان) على بعد كيلومترات قليلة من حدود إسرائيل جنوبا، إلى اللاذقية القريبة نسبيّا من خط الحدود مع تركيا شمالا.

وأخيرا وليس آخرا، أليس غريبا الصمت الإسرائيلي الرسمي؟ هل يعقل ألا تكون لإسرائيل حساباتها الإقليمية مع تقدّم فصائل إسلامية من المعارضة السورية إلى خط فصل القوات في الجولان المحتل؟ كل ما نسمعه اليوم من تل أبيب «تسريبات» استخباراتية مدروسة، تارة على ألسنة ضباط متقاعدين وطورا يعلنها باحثون استراتيجيون، عن الخيارات الأفضل لإسرائيل.. بينما يستعر اللهيب السوري، ويتسارع الاستقطاب بين تطرّف «داعش» وتطرّف المشروع الإيراني.

في الأصل، كانت إيران المنتصر الأكبر من غزو العراق عام 2003، الذي كان ليكوديو «المحافظين الجدد» أبرز رعاته في واشنطن. وعلينا الاعتراف بأن وقوف تركيا يومذاك ضد تقسيم العراق هو ما أبقى العراق كيانا واحدا.. ولو هشا ومنقسما على ذاته. وفي اعتقادي كان بإمكان تركيا أن تناور اليوم بقوة أكبر في ما لو أحجمت عن فتح معركة سيئة الإخراج والتوقيت مع مصر في أعقاب التغيير الذي أخرج «الإخوان المسلمين» من السلطة.

لقد ارتكبت حكومة إردوغان خطأ «إخوان» مصر ذاته يومذاك في تعجّلهم «التمكين». وللأسف، الشيء نفسه يحصل أيضا داخل صفوف المعارضة السورية حيث ترى الكتل الإسلامية أن الظروف مواتية لفرض برنامج أولوياتها على جميع أطياف القوى الثورية مع علمها المسبق بأن تولّي «إسلاميين» قيادة دفة قيادة الثورة السورية ولو على حساب وحدة المعارضة، سيؤدي حكما إلى تردّد الأقليات في مغادرة سفينة النظام الغارقة من جهة، وتعزيز منطق خصوم الثورة السورية في الغرب والعالم العربي من أن المنطقة لا تحتاج لنموذج آخر من نماذج الإسلام السياسي من جهة ثانية.

الخطأ التركي هذا فتح فجوة في العلاقات التركية – المصرية وأخرى في العلاقات التركية – الخليجية، وبالفعل ساعدت هاتان الفجوتان تمدّد المخطط الإيراني بلا مقاومة تذكر.. من بلاد الشام إلى اليمن. واليوم أمام خلفية تبنّي واشنطن الضمني الرواية الروسية – الإيرانية لما يحدث في سوريا منذ 2011، وصمتها المطبق على الاجتياح الحوثي في اليمن، حيث لا يبدو أنه يواجَه إلا بسلاح الجماعات السنية المتطرفة بما فيها «القاعدة»، قد نجد أنفسنا في اليمن أمام مشهد مشابه، أي دعم دولي للتطرّف الشيعي في وجه التطرّف السني.. لأن المقاربة الدولية – والأميركية تحديدا – أضعفت منطق الاعتدال وعزّزت صدقية المتطرفين ورمت اليائسين في أحضان التطرّف.

الشرق الأوسط

 

 

 

بين محاربة «داعش» والسكوت عن الداعشية/ خير الله خير الله

ليس بالقصف الجوي وحده يمكن القضاء على «داعش». استجاب عدد لا بأس به من الدول العربية لنداء الإدارة الأميركية من أجل المشاركة في الحرب على الإرهاب الداعشي. صارت هناك طائرات تابعة لعدد من الجيوش العربية تقصف مواقع لـ»داعش» في العراق وفي مناطق الحدود السورية ـ التركية حيث تقع بلدة كوباني الكردية السورية والتي اسمها العربي عين العرب.

يمكن للقصف أن يستمرّ طوال اشهر، كما يمكن أن تسقط كوباني في يد الإرهاب والإرهابيين قريبا. ولكن، عاجلا أم آجلا، سيعود السؤال المطروح كيف يستأصال «داعش»؟ هل الإرهاب في المنطقة داعشي فقط أم أنّ هناك من يمارس ارهاب «داعش» ولكن من دون قطع الرؤوس والإعلان عن ذلك؟

ما أقدمت عليه الدول العربية المشاركة في العمليات العسكرية، إلى جانب الأميركيين والأوروبيين والكنديين والأستراليين خطوة شجاعة تساهم إلى حدّ كبير في توضيح الأمور، في حال كان هناك في واشنطن من يريد بالفعل أن تكون الأمور واضحة وأن يلعب الدور المطلوب من أجل القضاء على «داعش» والدواعش.

من يستمع الى كلام صدر قبل أيّام عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يتيقّن من أنّ الحرب على «داعش» لا يمكن ان تكون مجرّد قصف جوي على مواقع للتنظيم في الأراضي العراقية والسورية. نعم، هناك بلدة كوباني السورية التي تعاني من وحشية «داعش». قبلها عانت قرى وبلدات ومدن أخرى من هذه الوحشية، أكان ذلك في سورية أو العراق. لكنّ «داعش» ما كانت لتنمو وتتمدّد لولا السياسة الأميركية التي تجاهلت وجود «قوات احتلال» ايرانية في سورية، على تعبير وزير الخارجية السعودي في اثناء مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني فرانك ـ فالتر شتاينماير.

مثل هذه القوات الإيرانية في سورية، ليست ايرانية فقط، إذ هناك ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية تساعد النظام في عملية ذبح شعبه ايضا. هذه الميليشيات ما كانت لتحضر في سورية لولا السياسة التي تمارسها ايران والتي تصبّ في المحافظة على النظام السوري وتوفير الدعم له بأيّ ثمن كان، وذلك من منطلق مذهبي. والثمن يدفعه للأسف الشديد المقاتلون اللبنانيون والعراقيون الذين قبلوا الانضمام إلى عملية لا تصبّ في نهاية المطاف سوى في توفير الغطاء لسياسة توسّعية تعتمد على إثارة الغرائز المذهبية في كلّ بلد عربي. الترجمة الوحيدة لسياسة من هذا النوع ضرب النسيج الاجتماعي في البلدان العربية حيث تنوّع طائفي ومذهبي وعرقي.

بدت إدارة أوباما أكثر من متواطئة مع هذه السياسة الإيرانية التي وفّرت حاضنة لـ»داعش» وما شابهه من تنظيمات متوحّشة باتت تهدّد ما بقي من تماسك في المجتمعات العربية في سورية والعراق وحتّى لبنان. لم يكن ممكنا انتشار «داعش» بالطريقة التي انتشر بها في العراق لولا ممارسات حكومة نوري المالكي التي كانت تابعة كلّيا لإيران، أقلّه منذ انتخابات السابع من مارس من العام 2010.

هذه الحكومة تشكّلت من دون وزير اصيل للدفاع أو للداخلية، بموجب تفاهم ايراني ـ اميركي. كانت تلك الحكومة التي تعاملت مع العراقيين من منطلق مذهبي بحت الفصل الأخير في عملية تسليم العراق لإيران من دون قيد أو شرط.

حصد الأميركيون ما زرعوه في العراق. حربهم الجوية لن تؤدي إلى النتائج المبتغاة، على الرغم من التخلص من نوري المالكي. فالواضح أن شيئا لم يتغيّر في العراق بتشكيل حكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي. هذه الحكومة صار فيها وزير للداخلية ووزير آخر للدفاع. المخيف أنّ اختيار وزير للداخلية ذي خلفية ميليشيوية ومذهبية في الوقت ذاته، لا يشير إلى رغبة في التخلص من ذهنية معيّنة، خصوصا أن ايران أصرّت على شخص معيّن لتولي وزارة الداخلية. ولمّا لم تنجح في ذلك، عيّنت مساعدا له في هذا الموقع!

كيف يمكن لوزارة الداخلية أن تكون تابعة لإيران وأن يكون هناك وئام بين العراقيين؟ كيف يمكن أن تكون وزارة الداخلية العراقية، هذا من دون الحديث عن وزارة الدفاع، في امرة مجموعة تضع المصلحة المذهبية والمصالح الإيرانية فوق أيّ اعتبار آخر. أوليس هذا النوع من الممارسات الداعشية ما يخدم «داعش» ويجعلها تتمدّد؟ أوليس مفترضا في الإدارة الأميركية استيعاب هذه المعادلة؟

قبل سنة وشهرين، لم يكن هناك هذا الانتشار الواسع لـ»داعش». كانت هناك محاولات ايرانية وسورية لاستغلال هذا التنظيم في عملية تستهدف ضرب الثورة السورية. كان الهدف اظهار الشعب السوري وكأنّه مجموعة من «العصابات الإرهابية» وليس شعبا ثائرا يبحث عن كرامته. قبل سنة وشهرين، في اغسطس 2013، استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي ضد شعبه بشكل واسع. ماذا فعلت الإدارة الأميركية؟ لم تفعل شيئا. استمعت إلى نصائح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتفقت معه على نزع السلاح الكيميائي السوري. استعاض النظام عن السلاح الكيميائي بالبراميل المتفجّرة وكأن البراميل أكثر رحمة من السلاح الكيميائي!

سمحت الإدارة الأميركية للنظام السوري بتجاوز كلّ الخطوط الحمر. هذا كلّ ما في الأمر. لم يعد ممكنا أخذ سياسة باراك اوباما على محمل الجدّ، وذلك مهما ارتفع صوته، مبديا «قلقه العميق» ومحذرا مما تتعرّض له كوباني.

ما يمكن أن يعيد الاعتبار للسياسة الأميركية هو الاقتناع بأن ممارسات النظامين في إيران وسورية، هما الوجه الآخر لـ»داعش».

لا يمكن معالجة ظاهرة «داعش» من دون مقاربة شاملة تشمل أيضا تركيا التي قرّر رئيسها رجب طيب اردوغان، عن سابق تصوّر وتصميم، الاستخفاف بالسياسة الأميركية.

لا يمكن محاربة «داعش» وتجاهل السياسات الداعشية التي تصبّ في خدمة الإرهاب بكلّ انواعه واشكاله. أظهر العرب، على رأسهم المملكة العربية السعودية كلّ استعداد للذهاب إلى النهاية في الحرب على الإرهاب. الرسالة العربية واضحة ومختصرة في آن. فحوى الرسالة أنّ الحرب على «داعش» لا يمكن فصلها عن الممارسات التي تصبّ في خدمة الإرهاب.

الوجود الإيراني المباشر وغير المباشر في سورية، استثمار في الإرهاب وليس محاربة له. هذا ما حاول سعود الفيصل لفت نظر الأميركيين وغير الأميركيين إليه. هل في واشنطن من يريد أن يسمع قبل فوات الأوان…أم أنّ الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت المنطقة من منطلق مذهبي وطائفي بما يلتقي مع السياسات الإسرائيلية؟

 

 

 

 

الحرب وسط دعوات إلى التحدّث مع الأسد و «داعش/ عبدالوهاب بدرخان »

الحرب المعتمدة على ضربات جوية لفترة طويلة ومفتوحة، من دون تغيير في المواقع على الأرض، قد تأتي بتطوّرات مفاجئة وخطيرة وتتسبّب بإرباكات إضافية لـ «التحالف» الدولي… هذه خلاصة تقديرات لسياسيين وعسكريين، عرب وغربيين، خصوصاً إذا كان تنظيم «داعش» يحتاج إلى عاصمة ما لتدعيم عناصر «دولته». فهو يواصل من جهة الإيحاء بأن هجومه على بغداد «وشيك» وأن معركته الكبرى المقبلة ستكون ضدّها، فيما تتوالى تأكيدات عراقية وأميركية وحتى إيرانية بأن الإجراءات المتخذة كفيلة بصدّ أي هجوم وإفشاله. ومن جهة أخرى، وبمعزل عما ستفضي إليه معركة عين العرب (كوباني)، قد يجد «داعش» أن في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالاً، وفي انقساماتها وضعف قواتها، وضعاً مناسباً يغري باجتياحها، ليضع بعدئذ مقاتليه أمام خيار الزحف نحو دمشق.

هذا الاحتمال وارد، في رأي الخبراء، وسواء كان ممكناً أم لا، فإنه ينطوي على تهديدٍ للنظام السوري، بالتالي فإنه يتيح اختباراً أخيراً لـ «داعش» وهل يمكن أن يستهدف النظام لإسقاطه خلافاً لمؤشرات سابقة إلى تنسيقه معه، بمقدار ما قد يمتحن إمكان مدّ الإدارة الأميركية يدها، في مرحلةٍ ما، إلى هذا النظام الذي سبق أن عارضت، بل أحبطت إسقاطه بأيدي المعارضة، منتصف عام 2012، معتبرةً أن معادلة ميدانية «متكافئة» من شأنها الضغط على بشار الأسد للقبول بـ «حل سياسي»، لكن النظام توصل لاحقاً إلى نسف هذا «الحل» عبر تغيير «المعادلة» بمساندة مباشرة من الإيرانيين و «حزب الله» وميليشيات عراقية.

ومنذ عودة الأميركيين وسواهم إلى العراق، في حرب أخرى عنوانها «الإرهاب»، تزايدت في الغرب الآراء والأصوات التي يدعو أصحابها إلى عمل ما يلزم لتجنّب إرسال قوات للقتال على الأرض، ويطرحون تساؤلات، أو «مبادرات» خارج المألوف، تعكس اقتناعاً عاماً بأن لا هذه الحرب ولا تلك التي سبقتها ستتمكّن من القضاء على هذه الظاهرة التي تنتمي، في نظرهم، إلى مجتمعات لم تفعل الشيء الكثير لإنهائها. ويمكن إجمال هذا النقاش في أربعة اتجاهات:

الأول يعبر عنه التساؤل هل يجب أن/ أم يجب ألّا نقصف «داعش»؟ والمنطلقات هنا أخلاقية في الحالين: فالقصف واجب لدى فريق عملاً بـ «مبادئ» الغرب وقيمه، والقصف غير واجب لدى فريق آخر لأنه يعني، شكلاً وموضوعاً، قتلاً جماعياً بـ «عقلية إبادة» طالما أن لا هدف له سوى القتل. لكن الجرائم التي يرتكبها «داعش» ضد الأقليات والنساء والأفراد المشكوك بمبايعتهم «الخليفة»، فضلاً عن حملات عسكرية كالتي يخوضها ضد عين العرب أو مواقع في الأنبار، تبرر التصدّي له ووضع حدٍّ لدمويته.

والثاني قد يتجاوز الوسيلة (القصف) ليسائل الهدف، فهل يمكن قتل جميع «الدواعش» وهل القضاء عليهم ينهي ظاهرة الإرهاب، وما الذي يضمن ألّا تولد تنظيمات «ما بعد داعشية» على درجة غير متصوَّرة من الهمجية والوحشية، واستطراداً كيف ومتى ستبدأ مواجهة الأطراف (دول وأنظمة وحكومات وأجهزة ومرجعيات دينية) التي لعبت أدواراً في زرع بذور التطرّف ورعايتها ثم استخدامها في صراعات السياسة والنفوذ. ويشار في هذا المجال إلى أن الخطاب «التحالفي» بدأ يستعيد كل ما قيل سابقاً عن «المعركة الأساسية»، غير العسكرية التي تطمح وفق باراك أوباما إلى مواجهة «منظومات التطرّف المتجذّرة في أجزاء من المنطقة العربية» مستفيدة من الطائفية والانقسام السياسي. وخلال زيارة وفد الجامعة العربية لبغداد، قبل أيام، أشار الأمين العام نبيل العربي إلى أن «المواجهة العسكرية جزء من مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف»، مشدداً على ضرورة أن «تكون المواجهة عقائدية وفكرية واقتصادية شاملة». ويبدو هذا الكلام وريثاً لما تردد قبل عشرة أعوام عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بصرف النظر عما يعنيه أو ما إذا كان «الربيع العربي» إفرازاً غير موفق للطموحات التي سبق تحديدها.

والثالث يدعو إلى اعتماد استراتيجية قوامها «ضرورة التحدث إلى الإرهابيين» أو على الأقل إلى البدء بالتفكير فيها، وهو توجّه يتحمّس له سياسيون وخبراء محترفون أو لدوافع «بزنسية» لترويج خبراتهم أو لتجريب بدائل متى بدا أن الخيار العسكري لا يحقق النتائج المتوخّاة أو لمجرّد طرح «أفكار باردة من خارج الاستراتيجيات المتّبعة»، كما جوناثان باول الذي استند إلى تجربته في التفاوض مع «الجيش الجمهوري الإرلندي» بتكليف من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وإلى تجارب أخرى في جنوب أفريقيا وإندونيسيا. غير أن مجمل الحالات التي عرضها كنماذج في كتابه «التحدث إلى الإرهابيين» لا تشابه الحال التي يمثلها تنظيما «داعش» و «القاعدة»، فالمراد أن يقود الحديث إلى التفاوض، والتفاوض إلى اتفاق، والاتفاق يتطلّب تنازلات متبادلة، لذلك فهو يمكن أن ينجح عندما يتعلّق بفريق يلجأ إلى العنف للحصول على حقوقه التي تجاهلها فريق آخر في البلد نفسه، وعلى قاعدة احترام الاثنين واعترافهما بالدولة والمؤسسات. أما بالنسبة إلى «داعش» وأشباهه، فهو يريد «إمارته» أو «دولته» وليس عند الطرف الآخر ما يتنازل له عنه. ولعل التجارب الوحيدة التي توصلت إلى نتائج كانت تلك التي تم تبادل فيها الأسرى (أميركا مع «طالبان»، نيجيريا مع «بوكو حرام»، كمثال). لكن يعتقد البعض أن التفاوض مع عسكريين وعشائريين عراقيين قد يكون خياراً متاحاً، لأنهم انضموا إلى «داعش» اضطراراً أو بحكم الأمر الواقع، وليس عسيراً البحث في مطالبهم إذا أمكن التعامل معها في إطار الدولة والعملية السياسية.

أما الرابع، فهو اتجاه غربي لا يمانع أصحابه سراً أو علناً، وبينهم سياسيون منتخبون وشخصيات ذات حيثية لدى الرأي العام، «العمل مع الأسد ونظامه» لأن في ذلك مصلحة، ومن الواضح أنهم يميلون بسهولة وسرعة إلى نسيان جرائم هذا النظام، فقط لأنهم تقبّلوا أن يذبح «شبّيحته» آلاف السوريين فيما لم يظهر أيٌ منهم في شريط مصوّر كذاك «الداعشي» الذي ينحر صحافياً أميركياً أو عامل إغاثةٍ بريطانياً. ولعل هذا التوجّه يندرج في السياق العام الذي أظهر خلال أربعة أعوام، تكيّف المجتمع الدولي مع عجزه عن حماية الشعب السوري وعن محاسبة النظام وقتلته، كذلك مع فكرة لا تنفك تشيع وهي أن «الديكتاتورية أفضل من داعش» وكأن مصير سورية وشعبها بات ينحصر بين هذين الخيارين المقزّزين. وكان نظام الأسد حظي منذ بدء أزمته بجدار حماية تضافرت على تأمينه روسيا (التسليح) وإيران (القتال المباشر) وإسرائيل (الديبلوماسية الصامتة وإحباط فكرة تسليح «الجيش الحر»)، كلٌ لأسبابها وأهدافها المتقاطعة وأحياناً المتعارضة، فيما تولّت أميركا إدارة الأزمة من وراء هذا الجدار. وعلى رغم يقين هذه الأطراف بأن النظام لعب دوراً فاعلاً في اجتذاب «داعش»، بعدما خذلته «جبهة النصرة»، إلا أن «الحرب على داعش» باتت تشكّل في نظرها الفرصة الأخيرة لاستبقاء النظام أو قطع منه لا تزال قابلة للاستخدام في ترتيبات ما بعد الحرب.

في أي حال، يمكن القول إن «داعش» الذي رسم جغرافيا أولية لـ «دولة الخلافة»، باستيلائه على المحافظات السنّية في العراق وإلغاء الحدود لربطها بمحافظتين سوريتين، أي بعبثه بخريطة «سايكس – بيكو»، ربما أسدى خدمةً لأطراف دولية أو إقليمية تتطلّع الى تغيير خريطة الشرق الأوسط. ذاك أن «داعش» وفّر الذريعة لهذه الأطراف، وفي طليعتها إسرائيل والنظام السوري، فضلاً عن إيران. ولولا الملف الكردي الشائك وتداعياته المحتملة على خريطة تركيا نفسها لما أبدت هذه أي حذر أو تخوّف من أي تغيير. أما الذريعة، فهي أن ظاهرة «داعش» رسّخت ما بدأته ممارسات النظام السوري من جعل التعايشات الوطنية مستحيلة. كما أن «داعش» يطرح «دولته» كـ «حلّ» لمناطق السنّة التي لا تريد استعادة حكم تحت الهيمنة الإيرانية، سواء في سورية أو في العراق. وفي غياب بدائل واضحة حالياً، رغم محاولة المبعوث الأممي ستيفن دي ميستورا طرح «حل سياسي» في سورية، فإن الدعوات إلى التحدّث مع الأسد أو مع «داعش» توحي بأن أي تسوية لاحقاً ستأخذ هذين الاثنين في الاعتبار.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

الربح الصافي على حطب «داعش/ زهير قصيباتي

حين تتعهد دمشق «الدفاع عن السيادة حتى آخر سوري في سورية»، تستفز الكارثة اليومية الممتدة فصولها منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة، سؤالاً «مريباً» عما إذا قرر النظام السوري استثناء بعض مواطنيه من جحيم الحرب، وحملات الإبادة التي تمطِر براميل متفجرات.

… وحين يعِد مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن يدعم حكومته كما ساندت طهران حكومة نوري المالكي، يثير ريبة متجددة في قدرة العبادي على كسر طوق الوصاية الإيرانية على العراق وشعبه. وبين فئاته وأحزابه وتياراته، مَن لم يرَ فأل تحوّل في نهج الحكومة التي اختار رئيسها إيران لتكون أولى إطلالاته الخارجية منها.

والعراق المنكوب بـ «داعش» وجولات عنف تحصد من السنّة والشيعة والمسيحيين آلافاً كل سنة، حين يحظى بمساندة القوة الأميركية العظمى والقوة الإيرانية التي تدّعي أنها الأُولى في المنطقة والأَوْلى برعايتها (بوصاية الهيمنة)، لا يبقى إلا أن نتفاءل بخلاص قريب لبلاد الرافدين كلُّ الوقائع تدحضه.

ترسل واشنطن مستشارين عسكريين الى بغداد، فترسل طهران «خبراء»، سيّان إن كانوا من «فيلق القدس» أو «الحرس الثوري»… وباستنتاج بسيط يتبيّن أن العراق غير الحائر أمام «لغز» العشق الأميركي- الإيراني لاستقراره وأمنه ومصالحه، بات أفضل ساحة للتعاون العسكري غير المباشر بين الولايات المتحدة وجمهورية خامنئي.

رغم ذلك، يشكك المرشد، ويرتاب بأهداف التحالف الذي تقوده أميركا، والأهم أنه لن ينسى الخدمات التي أسداها نوري المالكي دفاعاً عن حرب النظام السوري. وحين يكرر أن أمن العراق من أمن إيران، يثير مزيداً من الارتياب، بعد كل الذي حصده لبنان من غيرة نظام الوصاية السوري على أمنه. هي نسخة مكررة، وما علينا إلا أن نصدق كم يريد المرشد العراق «شامخاً قوياً».

الأهم أن خامنئي حين يرفض تحالفاً عربياً – دولياً لقتال «داعش»، لا يتذكر التسريبات الإيرانية عن عرض مقايضة على واشنطن: تسهيل الحرب على «الدولة الإسلامية» في مقابل تيسير إدارة الرئيس باراك أوباما «مرونة» غربية تحفظ لطهران ماء الوجه في مفاوضات الملف النووي، استناداً الى معادلة روحاني: «ربح صافٍ للجميع».

وإذ يعزز المرشد لدى بعض العرب اقتناعاً بأن أُولى أولويات إيران هي «تحالف اقوياء» يجمعها والأميركيين في غياب عربي، لا بد أنه يدرك وروحاني أن السياسة مثلما هي فن الممكن، لا يستقيم معها أيضاً رسم الأهداف الإقليمية الكبرى على طريقة «صفر مقاومة» للآخرين. جرّبت تركيا «صفر مشاكل» خلال عهد حكومة رجب طيب أردوغان، وانتهت الى مشاكل مضاعفة مع معظم الدول العربية ومع إيران، وإسرائيل التي كانت تتباهى بأنها انتزعت حليفاً بارزاً من العالم الإسلامي.

يجدر الاعتراف، رغم التنديد الإيراني ليل نهار بـ «الفتنة» في العالم الإسلامي التي غذت التطرف وإرهاب «داعش» وسواها، بأن أسوأ ما تواجهه المنطقة منذ أفول الاستعمار والانتدابات، هو إلباس الإرهاب رداء دينياً، ومذهبياً. وحين تتردد عبارة «إرهاب سنّي»، لا ترى طهران في سياستها إلا ما تعتبره «فخراً» لها… ولكن ما معنى وصايتها على فئات شيعية عربية ما زالت تشجعها على حمل السلاح، وتتهم الطرف الآخر بأنه هو الذي يوقد نار الفتنة؟ هل ادعت دولة عربية يوماً أنها ترفع لواء الدفاع عن عرب الأهواز، سنّة إيران؟

حطب «داعش» كيانات ودول عربية، مثلما كانت حال «القاعدة» أو الجيل الأول للإرهاب… لا إسرائيل ولا إيران ولا حتى أميركا ضحية لما يرتكبه تنظيم «الدولة الإسلامية» على أشلاء مسلمين. كل يوم يذكّرنا البنتاغون بفاتورة القصف على مواقع «داعش» والذي سيستمر فترة طويلة، لشهور على الأقل. وبالمنوال الحالي للغارات على دير الزور السورية وضواحي كوباني، وفي حال استمر القصف الجوي لسنوات، السؤال هو متى تبدأ حرب الأفكار على الإرهاب ومنابته؟ أليس التفريق بين المسلمين ورعاية بعضهم على أساس مذهبي، وقوداً لفتنة نامت مئات السنين؟

بين استبداد وإرهاب معولم، وتشويهٍ للإسلام عابرٍ للقارات، ما يعني إيران أن تبقى «قوة عظمى» في الخليج، لها مواطئ على حوض البحر المتوسط، وموطئ مستجد على البحر الأحمر، انتزعته برصاص الحوثيين.

ما يعني جمهورية أردوغان هو صدّ العاصفة الكردية من «عين العرب» الى ديار بكر، بعدما أمسكت بغضب العلويين الأتراك، بامتناعها عن الانزلاق الى الحروب المجنونة في سورية.

أما ما يعني إسرائيل في فوضى الشرق الأوسط، فهو حتماً ليس كم مسلم أو مسيحي أو علوي يسقط في عاصفة جنون الإرهاب، بعد جنون الاستبداد.

الحياة

 

 

الحلم الكردي يسقط الحلم العثماني؟/ راجح الخوري

يتجرّع رجب طيب اردوغان كأس كوباني المرّة قطرة قطرة، بعدما تأكد ان الولايات المتحدة لن تستجيب الشروط التي وضعها للانضمام الى التحالف الدولي، ذلك ان صمود المقاتلين الأكراد في كوباني شجع الأميركيين على التلويح بإمكان ضمهم الى التحالف بدلاً من تركيا التي تعتبرهم “ارهابيين”.

وهكذا ما ان بدأت الطائرات الاميركية بنقل الأعتدة والذخائر من أربيل وإلقائها للمقاتلين في كوباني، حتى راحت انقرة تعض اصابعها وتتراجع، فبعدما كانت قد اعلنت ان اميركا لم تستعمل المجال الجوي التركي لمساندة مقاتلي حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب، وقف وزير داخليتها ليعلن فجأة ان تركيا قررت السماح بعبور مقاتلين اكراد سوريين فقط لمساندة رفاقهم في كوباني ولكن من دون اسلحة!

المقاتلون في تلك المدينة يكررون منذ اسابيع ان تركيا ستقطع الهواء عنهم اذا استطاعت، وهذا ليس مبالغة عندما يعلن اردوغان بعد اتصاله بأوباما: “على الحلفاء اعادة حساباتهم حول تسليح الارهابيين الأكراد في سوريا والعراق لأن من شأن ذلك تهديد أمننا القومي”.

لكن صمود الأكراد في كوباني يرسم ملامح انقلاب في الميدان يناقض مسلسل الهزائم الفاضحة التي ارتسمت بعد انهيار الجيش العراقي امام “داعش” وبعدما وسّع التنظيم سيطرته من الموصل الى الرقة، وكما برز صمود البشمركة في وجه الارهابيين برز صمود كوباني رغم ضراوة الهجوم الذي تشنه “داعش” التي تعرف ان سقوطها قد يبدأ من كوباني.

على هذا الأساس تبدو المدينة المسماة “عين العرب” وكأنها اصبحت عين العالم الذي يتطلع الى هزيمة “داعش”، ولم يعد في وسع اردوغان المراهنة على توظيف المآسي الداعشية في خدمة اهدافه العثمانية، ولهذا بدأ يتراجع خطوة خطوة، متظللاً تصريحات جون كيري الذي يقول ان اوباما قدم له ضمانات بعدم تغيير الموقف من الأكراد!

لكن السؤال الذي تفرضه الوقائع على الارض يبدو صادماً لتركيا:

هل يمكن إسقاط مفاعيل الصمود والكفاءة التي أظهرها الأكراد من خلال اصرارهم على طموحاتهم التاريخية بالحصول على دولة؟

من شأن هذا السؤال ان يحدث دوياً وارتباكاً ليس في انقرة وحدها، بل في طهران التي، وإن سارعت الى دعم البشمركة في العراق، فإنها تخشى طموحات الأكراد في مناطقها الشمالية الغربية، وكذلك في العراق حيث يطالب الشمال الكردي صراحة بالدولة، وايضاً في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا المدمّرة!

صحيح ان الأكراد يطالبون منذ زمن بعيد بالحصول على دولتهم وانهم تعرضوا للتنكيل والقمع، لكن التطورات العاصفة في المنطقة تخلط الآن السياسات المهترئة والأنظمة المتهاوية بالجغرافيا غير المستقرة، اذا صح التعبير، ما يخلق فرصة تاريخية امام الحلم الكردي الذي قد ينهي الحلم العثماني!

النهار

 

 

 

نظام الأسد كنز لا يفنى/ سهيل كيوان

أعرف أننا كنا ضحايا مهزلة تاريخية، مهزلة تسلط الجيش على الحزب، والحزب على السلطة والسلطة على الدولة، والدولة على المواطنين، مهزلة قمع تَعمّم حتى سمّم كل شيء» ص 120 من رواية «مديح الهرب» للروائي السوري خليل النعيمي المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2005. قوى إقليمية ودولية كثيرة تتصارع على الحلبة السورية، والجميع براغماتي، الجميع لا يستبعد أي تحالف مع أي كان كي يمرر المرحلة ويخرج منها بنصيب، أو بأقل ما يمكن من الخسائر، فلا يوجد رابح في هذه المحرقة التي انصهر بلظاها الشعب السوري والكردي وتهدد آخرين، ثمنًا أو عقابًا لشعب أراد أن يتحرر من نظام فاسد قمعي ديكتاتوري .

وإذا كان هناك رابح فهو مصانع السلاح الروسية والأمريكية، وربما الإسرائيلية والإيرانية وأخرى لا نعرفها، أما على رأس الرابحين إقليميا فهي إسرائيل.

النظام الذي ترنح وكاد يسقط بعد أشهر من بدء الثورة السورية ما لبث أن تماسك، والعجيب أن تماسكه هذا واستعادة توازنه إلى حد ما، حصل بعد استخدام السلاح الكيماوي، بعده تمت الصفقة بعدم السماح بسقوطه ريثما يسلم الكيماوي لتدميره وهذا ما حصل، ولكن خلال هذا ظهرت «داعش»، وهذا خدم نظرية النظام التي لجأ إليها منذ البداية، وهي اتهام الثائرين على فساده وقمعيته بالإرهاب والخيانة، وهي التهمة التي كانت جاهزة حتى من قبل الثورة، فخـــيانة الوطن أو التشكيك بقدراته لإضعافه كانت تهمة من يشـــكك بدور الحزب، ولمن يتحدث عن تحرير الإنسان خارج إطار سلطة القمع.»أقول بأسف وخوف، أحس أننا وقعنا ضحية جيش حُول قسرا عن الطريق التي عليه أن يسلكها، طريق التحرر والتحرير، ليصبح مجرد أداة إخضاعية لشعبه الأعزل» مديح الهرب ص118.

الحقيقة هي أن للنظام السوري واسطة قوية لدى أمريكا وحلفائها وإن كان الظاهر غير هذا، ولكن نتائج الواسطة تطفو على السطح، ومهما فعل ومهما ارتكب من جرائم، فهذه الواسطة تنقذه في اللحظة المناسبة، لأنها تريده أن يستمر في الحكم، ويكفيه وساطة أنه من الأنظمة الأكثر فسادا، هذا وحده كفيل بالحرص على إبقائه من قبل أطراف كثيرة وعلى رأسها إسرائيل، التي لن تفرط بهذا الكنز بسهولة، إلا إذا ضمنت بديلا أكثر خدمة لها مباشرة أو غير مباشرة وهذا شبه مستحيل. وهذا أحد الخلافات بين أمريكا ومن معها وتركيا التي تريد ثمنا لدخول المعركة ضد «داعش»، فهي تريد منطقة حظر جوي ودعما قويا للمعارضة المعتدلة، الأمر الذي قد يسرع في سقوطه وهذا أمر تحذر منه إسرائيل، وما تريده إسرائيل نافذ مع أمريكا وحلفائها.

تركيا متورطة إلى حد ما في الوحل السوري ،ولكنها تخشى أن يغرقها، تخشى دفع ثمن باهظ، يستفيد منه الأسد والمزغردون شماتة لفشل قبولها في عضوية مجلس الأمن المؤقتة.

لإسرائيل وآخرين مصلحة كبيرة بتوريط تركيا وإشغالها، خصوصا بسبب موقفها من ملف قطاع غزة وفضح جرائم إسرائيل والمطالبة بمعاقبة مجرمي الحرب على المنابر الدولية، إلى جانب رفضها التسليم بشرعية الإنقلاب في مصر.

وضعت تركيا شروطا كي تتدخل برا على الأرض السورية ضد تنظيم الدولة، فهي تفهم ما يدور تماما، وتعي اللعبة التي تلف وتدور لإبقاء نظام الأسد، بل وجعلها تدفع الثمن بدلا من أن يدفعه النظام وحتى معاقبتها وإشغالها.

تركيا تريد سقوط الأسد على أن يحل مكانه قوى معتدلة، وإسرائيل ترفض وبالتالي أمريكا لأن النظام يخدمها بالوجه الأفضل ولا تضمن من سيأتي بعده وكيف تتعامل معه.

مصلحة إسرائيل هي ببقاء نظام فتت شعب سوريا إلى طوائف، وحوّل الثورة السورية إلى معارك طائفية بثت سمومها على المنطقة كلها وما زالت.

ماذا تريد إسرائيل أفضل من الفتن والأحقاد الطائفية والمذهبية تشتعل من حولها! وأي أجواء أفضل لها من هذه كي تفتك بحقوق الفلسطينيين بل وتهدد بشكل صريح من خلال مشروع قانون لتقسيم المسجد الأقصى.

أضف إلى هذا أن النظام نجح بتنفير الناس من الثورات حتى صاروا يشكرون الله على نعمة الديكتاتورية والفساد والقمع والسجون لأن البديل هو الجحيم.

العداء للحراك العربي والتخوف منه جمع قوى كثيرة متناقضة معنية بإحباط الثورة السورية الشريفة، وقد نجحت هذه القوى وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل والسعودية بشتى الطرق والأحابيل بتهميش الجناح المعتدل الذي ثار طالبا الحرية، لصالح قوى خرّبت على الثورة، حتى حشروا قوى كبيرة منها إلى الطائفية ثم الظلامية، وعندما وصلت إلى مرحلة قطع الرؤوس وسبي النساء ورجمهن تحالف الجميع ضدها.

ومن البديهيات المملة أن جميع المشاركين في الحرب على «داعش» لا ينسون التذكير بأن إسرائيل تمارس قمع الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه تبقى مجرد التفاتة إنشائية في خطبة هنا أو مقابلة صحافية هناك.

تزداد أهمية النظام ويصبح الذخر الأكبر لإسرائيل بوضعه الضعيف اقتصاديا وعسكريا وإمكانية ابتزازه أكثر وأكثر، وخصوصا أنه مخترق مثل غربال، وتعرف إسرائيل كل ما يدور داخل أروقته بالتفصيل الممل.

إلى جانب هذا فوجود مجرم حرب يفوق إجرام إسرائيل يخدم مصالحها إعلاميا، ويمنحها مساحة أكبر من المناورة في ارتكاب الجرائم والتملص من العقاب.

بلا شك أن اتفاقات وتفاهمات تجري وجرت في الغرف المظلمة لا يراها المواطنون الذين ما زال بعضهم مؤمنا بهرطقات النظام ونظرياته المؤامراتية التي لا تنتهي، وبعضهم يعرف ولكنه عاجز وخائف، والبعض كسر حاجز الرعب وثار وتمرد وما زال يسبح في بحر متلاطم من المؤامرات والدماء والمآسي.»الحياة القبيحة التي نحياها وهي بمثل هذا الزخم من البلادة والسوء، لا خلاص لنا فيها، ومنها، إلا باضطرابات عظمى قد تتمخض ذات يوم عن نهايات مأساوية» مديح الهرب ص246 .

القدس العربي

 

 

 

منعطف جديد للأزمة السورية/ عبد الجليل زيد المرهون

المجموعات المسلحة

الجيش السوري

المنطقة العازلة

أين تقع الغارات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي في سوريا من معادلة الصراع الراهن؟ ما هو التأثير الذي تتركه هذه الغارات على الجماعات المسلحة المستهدفة؟ ثم هل استفاد الجيش السوري من هذا المتغير الدولي؟ وأخيرا، ما هو أفق المستقبل، وإلى أين نحن ذاهبون؟

المجموعات المسلحة

إن أولى الأسئلة التي جرت إثارتها، في القطر السوري وخارجه، دارت حول ماهية الأهداف التي يجري العمل على تحقيقها عبر الغارات الجوية.

لقد أعلن رسميا بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” هدفان رئيسيان للقصف الدولي، إضافة لتنظيم “خراسان”، الذي يقال إنه متمركز في الشمال.

هذا الشق من الأهداف بدا إشكاليا نوعا ما. أو لنقل بدا كذلك في التحليل العسكري التقني البحت، إذ كيف يُمكن لقصف جوي تدمير مجموعات متحركة، يُمكنها التخفي، أو حتى الانتشار بين منازل المدنيين.

من جهة أخرى، تستخدم هذه المجموعات شبكات من الأنفاق في التنقل بين المناطق، وتخزين الأسلحة، وأمور أخرى.

وفي التجربة السورية، كما يعلم الجميع، فإن مواجهة هذه الأنفاق، قد جرى من خلال حفر أنفاق مضادة، أو عن طريق اقتحامها وتفجيرها من الداخل، أو عبر إغراقها بالمياه، كما حدث في ريفي دمشق وحمص. وفي الأحوال كافة، لم يكن القصف الجوي طريقا لتدميرها.

ومن الزاوية العسكرية، فإن استمرار الأنفاق يعني الاحتفاظ بالأفراد، وغرف العمليات، وصنوف مختلفة من الأسلحة. وهذا يعني ببساطة الاحتفاظ بعناصر الحرب.

وغير بعيد عن قضية الأنفاق، تقع غالبية مخازن السلاح الرئيسية لدى المجموعات المسلحة تحت سطح الأرض، وقد لا يكون هناك من سبيل لتدميرها عبر القصف الجوي دون التسبب في خسائر مدنية، على الرغم من أن هذا التدمير ممكن تماما من الناحية الفنية، إن بالنسبة للطائرات القاذفة أو المتعددة المهام.

وفي الأصل، فإن السيطرة على مخازن الأسلحة أو تدميرها من مسؤولية أسلحة الهندسة والمشاة والقوات الخاصة. وهذا أيضا لا يتحقق إلا بجهد استخباري. أو بعد السيطرة على كامل المنطقة أو البلدة التي توجد فيها هذه المخازن.

أما على صعيد المنشآت الثابتة، الموجودة فوق الأرض، فهي في الغالب منشآت عامة، جرى تغيير وظيفتها من قبل المجموعات المسلحة. وقد تم إخلاء الكثير منها منذ الإعلان عن احتمال شن الغارات الجوية الدولية.

وهناك قضية أخرى ترتبط بعزل أو تشتيت عناصر المجموعات المسلحة المستهدفة. وهذه القضية تحديدا هي التي يجري الحديث عنها على نحو يومي.

والواقع أنه من الصحيح والمنطقي تماما، في المبادئ العسكرية، أن تبدأ أي حملة جوية أو برية بتقطيع أوصال القوات وبعثرتها، وإغلاق الممرات الرئيسية، فيزيائيا أو بالوسائط النارية، وقطع شرايين الإمداد.

وهذا الأمر، ربما تحقق بدرجة ما، لكنه يبقى في إطار نسبي، كوننا بصدد جماعات غير نظامية، تعمل ضمن وحدات صغيرة.

وثمة مسألة ذات صلة أساسية بهذا الأمر، وهي أن مصادر إمداد المجموعات المسلحة عموما مرتبطة باستمرار تواصلها مع دول الجوار، من خلال المعابر والمنافذ التي تسيطر عليها، سواء الرسمية منها أو غير الرسمية، وهذه الأخيرة منتشرة بالعشرات، مع كل من العراق وتركيا ولبنان والأردن. وكثير منها غير معبد، ولا وجود عمرانيا له، وقد يكون جبليا أو جرديا. وكل من يعيش في سوريا يدرك هذا الأمر، على أي حال.

إن مقاربة موضوع هذه المنافذ ذات طبيعة مركبة، يتقدم بُعدها الأمني الميداني على بُعدها العسكري، وذلك فضلا عن أبعادها السياسية والقانونية. وهي الأصل في الموضوع.

الجيش السوري

ودعونا الآن نطرح السؤال التالي: هل حدث تحول في أنشطة الجيش السوري إثر الغارات الجوية الدولية ضد المجموعات المسلحة المستهدفة؟

ربما ما زال الوقت مبكرا للإجابة على هذا السؤال. ورغم ذلك، ثمة شيء جديد يرتبط بطلعات الطيران الحربي السوري، حيث أدخل في بنك أهدافه، في الفترة الأخيرة، مواقع كثيرة في المحافظات الشرقية. كما كرر في وقت لاحق قصفه لتنظيم “الدولة الإسلامية” في محيط مدينة عين العرب (كوباني)، بريف حلب.

إن تعاظم قصف الطيران السوري لمواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في مناطق الجزيرة قد يكون له علاقة بالتطورات التي حصلت في العراق منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي، كونه تزامن معها على نحو واضح.

وقد تواصل هذا القصف منذ ذلك الحين، بالتوازي مع التطورات التي حدثت في الموقف الدولي تجاه نشاط هذا التنظيم في العراق وسوريا. وهنا، حدث ما يُمكن وصفه بانسجام الأمر الواقع بين المسارين السوري والدولي.

وقد تحدثت بعض التقارير عن تنسيق سوري أميركي حول تنظيم “الدولة الإسلامية”، يتم عبر العراق، وربما دول أخرى أيضا. ولكن سواء حدث هذا التنسيق أم لا، فإن تكامل الأمر الواقع قد تم بالفعل. وهذه هي المسألة الأكثر دلالة في الحسابات السياسية.

ويُمكن القول، بهذا المعنى، إن سوريا قد كسبت سياسيا من الحملة الدولية على تنظيم “الدولة الإسلامية”.

أما على صعيد المعارك الأرضية، فلا تبدو ثمة صلة بين حركة الجيش السوري والحملة الجوية الدولية، فليس هناك تغيير يُمكن رصده في خارطة الانتشار، أو سلم الأولويات.

وقد يكون الأمر الجديد هو المعارك التي دارت مؤخرا في ريفي دير الزور والحسكة، واستعاد فيها الجيش السوري عددا من البلدات.

أما في أرياف درعا والقنيطرة، حيث يتركز ثقل جماعات أخرى مستهدفة من الحملة الجوية الدولية، فإن معارك الجيش ما زالت على وتيرتها المعتادة.

وحتى “الآن”، لم تستهدف هذه المنطقة من قبل الطيران الدولي، على الرغم من أن الأردن أعلن مرارا ضربه “أهدافا متحركة”، على الحدود. وهذا المسار، قد يتحول لاحقا إلى غارات على أهداف متقدمة في ريف درعا.

وخلافا لحالات التواري -التي قام بها كل من تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” في عدد من المناطق- فإن الوضع في القنيطرة بقي على حاله، حيث ما زالت النصرة تحديدا متمركزة في مواقعها، بما فيها تلك الواقعة على خط الحدود.

وخلاصة، يُمكن القول إن الجيش السوري قد استفاد على نحو عام من التطور الجديد في الموقف الدولي، الذي أضعف خصومه، وساهم في تشتيت قدراتهم، على الرغم من عدم تسجيل أي تحول في أولوياته أو خارطة انتشاره.

المنطقة العازلة

بعد ذلك، فإن السؤال الرئيسي هو: أين تتجه الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا؟

هناك أربعة سيناريوهات لمسار هذه الحملة:

الأول، توسيع التحالف ليشمل أطرافا جديدة. وهذا خاضع لموافقة واشنطن، التي ترفض حتى “الآن” مشاركة دول مثل إيران.

الثاني، إقامة تحالف مواز للتحالف الدولي الراهن تكون ركيزته دول منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزيا وأوزبكستان، وتتمتع فيها كل من الهند وباكستان وإيران ومنغوليا بوضع مراقب. كما تشارك أفغانستان في عمل المنظمة من خلال ما يعرف بمجموعة “منظمة شنغهاي للتعاون-أفغانستان”. ولهذه المنظمة أنشطة أمنية وعسكرية مشتركة، وتنفذ مناورات حربية في أكثر من منطقة.

وفي حال إقامة التحالف الدولي الموازي فستكون سوريا ذاتها جزءا منه.

الثالث، استمرار الوضع الراهن على مدى سنوات، في استعادة للنموذج الباكستاني، ولكن في سياق معزز بقوات على الأرض، قوامها آلاف العناصر المسلحين أميركيا، ممن تزكيهم المعارضة السورية، المصنفة في التقييم الأميركي بالمعتدلة.

وهذه العناصر سوف توكل لها مهمة مزدوجة، هي دحر تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وإخراجهما من مختلف المناطق السورية، وإدامة الحرب ضد الجيش السوري والقوى الحليفة له، المنتشرة هي الأخرى في معظم المحاور والجبهات.

السيناريو الرابع، يتمثل في اصطدام الولايات المتحدة بسوريا، وحلفائها الروس والإيرانيين، وانتهاء القبول السوري الضمني بالوضع الراهن.

وهنا ستدخل سوريا والمنطقة مرحلة جديدة، تتقدم فيها خيارات وتسقط أخرى، بالضرورة. وقد تتوج بحرب إقليمية لا يُمكن لأحد السيطرة عليها، أو التنبؤ بمساراتها.

وغير بعيد عن ذلك يُمكن اعتبار الدعوة لإقامة منطقة حظر جوي على أية رقعة من سوريا بمثابة مدخل آخر للحرب الإقليمية.

إن فرض منطقة حظر جوي في أي رقعة من العالم، يعني بالمفهوم العسكري منظومة واسعة من الأعمال الحربية. إنه توصيف آخر للعدوان.

وكما منطقة الحظر الجوي، كذلك فإن الدعوة لإقامة منطقة عازلة على جزء من الأراضي السورية تُمثل طريقا سريعا نحو الحرب الشاملة في الشرق الأوسط. إنها ببساطة بمثابة الصاعق الذي سيفجر مخزن الديناميت ويسقط السقف على رؤوس الجميع.

وفكرة المنطقة العازلة هذه ليست بالجديدة تماما، إذ سبق وجرى التداول بشأنها عام 2012، وكان الاقتراح حينها يشير إلى منطقة إعزاز في الشمال السوري.

وفي العام الماضي طرحت إسرائيل هذه الفكرة، داعية إلى تطبيقها على شريط طولي يقع في الجزء المحرر من الجولان السوري المحتل. وقد طرح الإسرائيليون حينها تفاصيل عسكرية وإدارية كثيرة حول طبيعة هذه المنطقة، التي أريد بها استعادة تجربة مماثلة في جنوب لبنان، دامت من أواخر سبعينيات القرن العشرين حتى الخامس والعشرين من مايو/أيار عام 2000.

وعلى الرغم من ذلك، لم يذهب الإسرائيليون كثيرا خلف هذه الفكرة، بسبب نصائح قيل إنها وصلتهم من دول غربية مختلفة، وكذلك نتيجة لقناعتهم بأن هذا المسار قد يجلب عليهم ويلات، وقد ينتهي بحرب غير محسوبة العواقب.

إن إقامة منطقة عازلة -بقوة الأمر الواقع- على جزء من أراضي دولة ذات سيادة، يُمثل انتهاكا فاضحا وشنيعا لميثاق الأمم المتحدة.

وبالنسبة للوضع السوري الراهن فإن هذه المنطقة قد تكون بداية تقسيم فعلي للدولة السورية الحديثة، تماما كما قسمت بالأمس القريب سوريا الكبرى.

وعلى الصامتين تجاه الخطوة أن يعترفوا صراحة -دونما أية مواربة- بأنهم ضد سيادة الوطن، وضد وحدته الترابية وضد عيشه المشترك، وأن دمشق وقاسيون وبردى لم تعد تعني لهم شيئا، وأن البرغماتية انتهت إلى بيع وضيع للذات والأهل والوطن.

وبعد، ماذا بقي للبيع في سوق السياسة الإقليمية، الكاسد والمهترئ؟

مرة أخرى، يجب التأكيد على أن المقدمات الخاطئة لن تأتي بنتائج صائبة أو مجدية. وأن الحديث عن منطقة حظر جوي أو منطقة عازلة هو بالضرورة حديث عن التقسيم وقرع لطبول الحرب. وإن أحدا لا يتمنى وضع الشرق الأوسط على طريق حرب جديدة، لأن فيه ما يكفي من الصراعات والأزمات، وشلالات الدم.

إننا نعيش مرحلة انتقالية حساسة وحرجة، ومستقبل هذا الشرق، وأمن مجتمعاته يتوقف على الطريقة التي سوف تدار بها هذه المرحلة، وتلك مسؤولية مشتركة تعني الجميع. والثابت والأكيد في ذلك كله أن أية رهانات خارج منطق الأشياء لن تجلب الأمن والاستقرار لهذه المنطقة وشعوبها.

الجزيرة نت

 

 

 

 

عن سيناريوهات معركة “عين العرب”/ محمد صالح الفتيح

لم يُحسم القتال في «عين العرب»، برغم أن المعارك مستمرة هناك منذ نحو أربعة أسابيع. خلال الأسابيع الثلاثة الأولى كان سكان المدينة، لا سيما الأكراد منهم، يلقون تعاطف شريحة كبيرة من الشعب السوري، والعربي عموماً، خصوصاً إزاء المشاركة الفاعلة للعنصر النسائي الكردي في المعركة. إلا أن تصريحات بعض القيادات الكردية، لا سيما صالح مسلم، رئيس «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي»، حول رفضه موافقة الحكومة السورية كشرط لوصول مساعدات لـ«عين العرب»، وكشفه أنه قد طلب بالفعل إمدادات عسكرية من كل من تركيا وفرنسا، وأنه مستعد لقبول الدعم من أي مصدر كان، أدت إلى تغييرات كبيرة في الرأي العام السوري، إذ انقسم الشارع بين من بقي على تعاطفه مع الأكراد، وبين من تملكه هاجس قيام إقليم كردي انفصالي تكون معركة «عين العرب» مقدمة إعلانه. فما حقيقة ما يجري في «عين العرب» وما هي السيناريوهات المحتملة؟

ما فات بعض المحللين هو أنه في معركة كتلك، لا تهم نتيجة المعركة فقط بل «الطريقة» التي سيحسم فيها القتال. فتطور الأحداث وما يليها قد يكون أكثر أهمية من الحـدث نفـسه. فحملة «داعش» للاستيلاء على المدينة وجوارها هي أطول حملات التنظيم حتى الآن. إذ لم يحصل أن قام التنظيم بحملة على منطقة ما لفترة تزيد عن الأسبوع. فما اعتاده المراقبـون هو أن التنـظيم، إن لمس صعوبة في حسم معركة، تراجـع بسـرعة وانتقل للقتال في جبهة آخرى، كما حصل عندما هاجم مدينة الحسـكة السـورية منذ بضـعة أسـابيع، ولكن هذا لم يحصل في «عين العرب». وأيضاً، من جانب آخر، فإن حجم النزوح الهائل عن المدينة إلى تركيا لا يترك مجالاً للرهان على انتصار سهل للمدافعين عنها، وفق التوازنـات الحـالية. ولكن برغم كل هذا، فقد وصلت المعركة في «عين العرب» إلى حالة استعصاء، ولا يبـدو أنه يمـكن لأي من الطرفين أن يحسمها لمصلحته من دون حصول تغيير ما.

فعندما هاجمت قوات «داعش» المنطقة والتهمت عشرات القرى في زمن قياسي، قبل أن تنتقل لحصار «عين العرب»، وتبدأ التهامها هـي الأخـرى حياً بعد آخر وبناءً بعد بناء، لم يكن هناك، في البداية، أي مفاجآت في تكتيكات «داعش» الهجومية أو وحشيتها: عدد من الشاحنات يقودها انتحاريون وانغماسيون وقصف بالمدفعية وعربات «هامر» ومدرعات ودبابات تساند مشاة «داعش»، إضافة إلى عمليات قتل وقطع للرؤوس. ولكن، هذه المرة، لم تنجح هذه التكتيكات في تحقيق النصر. ويبدو أن «داعش» بات بحاجة لاستخدام أسلحة أو تكتيكات جديدة إذا ما أراد الانتصار في المدينة. وبالفعل، بدأت تخرج تقارير عن أن التنظيم قد استخدم بعض الأسلحة «غير التقليدية» في معاركه في المدينة. إذ ظهرت صور لبعض الجثث وعليها حروق وبثور تتناسب مع استخدام أسلحة كيميائية، غاز الخردل تحديداً، يعتقد أن «داعش» قد حصل عليه من «قاعدة المثنى» العراقية. وإن صحت هذه التقارير، أو إن استخدم «داعش» هذه الأسلحة على نطاق أوسع، وسقطت «عين العرب»، وسبى «داعش» النساء وأعدم الرجال، فسنجد أنفسنا أمام سيناريو يشبه سيناريو الإبادة الكيميائية في«حلبجة» وسيناريو التطهير العرقي في «سنجار»، ومثل هذا السيناريو سيفتح الأبواب على احتمالات متعددة ليس أقلها اندفاع الأكراد، شمال وجنوب خط الحدود السورية ـ التركية، لقتال التنظيم، سواء بموافقة حكومتي دمشق وأنقرة أم من دونها. ومثل هذه الاندفاعة الكردية، إن حصلت، لن تتوقف، غالباً، عند طرد «داعش» من عين العرب، بل سيكون من المفهوم تماماً أن يصر الأكراد على أخذ مهمة تأمين كامل حدود ما يعرف بكردستان الغربية على عاتقهم. ومثل هذا السيناريو سينسف الوضع الديموغرافي والسياسي القائم في الشمال السوري، ومعه حدود «سايكس-بيكو»، إلى غير رجعة، خصوصاً أن الأكراد في القامشلي، شمال شرق سوريا، وشرق «عين العرب»، قاموا في الفترة الماضية بفرض عمليات التجنيد الإجباري بحق جميع السكان هناك بذريعة الدفاع عن المنطقة.

السيناريو الثاني هو أن تبقى «عين العرب» صامدة، لتصبح «لينينغراد» شرق ـ أوسطية، كردية، ولكن هذا السيناريو بدوره معقد للغاية. فحجم قوات «داعش» والعدد الكبير للقرى التي استولت عليها يجعل من الصعب على أهالي المدينة من الأكراد أن يوقفوا تقدم التنظيم ويطردوه من عشرات القرى المحيطة، ما لم يحدث تدخل ما لمصلحة المدافعين عنها. وسيناريوهات التدخل متنوعة، وإن كان بعضها مرجحاً أكـثر من غيـره. الاحـتمال الأول هـو أن تسمح تركيا للأكراد الذين نزحوا من «عين العرب» بالعودة لقتال «داعش». ومثل هذا التحرك ينتظر غالباً عمليات تسليـح نوعـية، كـما أعـلن صالـح مسلـم، وبأعـداد مقاتلين كافيـة، خصـوصاً أن الحديث يجري عن حوالي 9000 مقاتل من «داعش» يشاركون في الحملة على المدينة. ويبدو أن لهذا السيناريو محصلة نهائية تشبه محصلة السيناريو السابق، من حيث تغيير الأوضاع في الشمال السوري باتجاه فرض إقامة كيان كردي مستقل هناك. التدخل يمكن أن يتم أيضاً بواسطة قوات عسكرية تركية، خصوصاً مع وجود موافقة من البرلمان التركي. صحيح أن مثل هذا الاحتمال غير مرجح، ولكنه يبقى قائماً، خصوصاً إذا لم توافق الحكومة التركية على تسليح الأكراد والسماح لهم بعبور الحدود السورية ـ التركية. أما الاحتمال الثالث للتدخل إلى جانب الأكراد في «عين العرب» فيمكن أن يأتي من جانب قوات التحالف التي بمقدورها أن تزيد عدد الغارات الجويـة على مواقـع «داعـش» في المدينـة ومحيطها. إلا أن تجربة الأسابيع الماضية أظهرت أن هذه الغارات لم تنجح في إيقاف تقدم قوات التنظيم، وستصبح هذه العمليات أكثر صعوبة كلما تداخلت مواقع الأخير ومواقع المدافعين عن «عين العرب». وهذا ما يحصل حالياً مع تحول المعركة إلى حرب شوارع.

السيناريو الثالث، هو أن يساهم طـرف آخر في مهمة الدفاع عن المدينة ووقف تقـدم «داعـش» هـناك. وهذا الطرف هو الجيش السوري وحلـفاؤه. فإذا ما زاد الجيش السوري من طلعاته الجوية في المنطقة، وقدم إسناداً نارياً، عن طريق المدفعية والصواريخ، للمدافعين عن المدينة، فإن تقـدم «داعـش» قد يتوقف، بل إن تنظيم «داعـش» قد يضطر للانسحاب من «عين العرب». إيجابيات هذا السيناريو أنه يحول دون تدهور الأوضاع إلى حد يدفع الأكراد، في تركيا وسوريا، للتسلح والتطوع للقتال لحماية مناطقهم، وبالتالي يحفظ سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، ويسمح أيضاً بإيقاع خسائر كبيرة في صفوف التنـظيم المتـطرف، ما يعرقل جهوده للتوسـع في الشـمال السوري باتجاه حلب. كما أن هذا السيناريو سيظهر أن الدولة السورية هي الأقدر على حماية الأكراد السوريين، ما يقطع الطريق على أصحاب النزعة الانفصالية.

في المحصلة، تبدو معركة «عين العرب» متجهة نحو واحد من سيناريوهات ثلاثة: إما أن يستخدم «داعش» كل ما بحوزته للاستيلاء على عين العرب فيستجلب رداً كردياً شاملاً، أو أن يتدخل المجتمع الدولي ليسلح الأكراد كي يدافعوا عن أنفسهم ضد التنظيم المتطرف. وفي الحالتين سيصبح احتمال قيام كردستان الغربية مرجحاً أكثر من ذي قبل. أما الحالة الثالثة فتتمثل بتدخل الجيش السوري وحلفائه، ليدفع «داعش» خلفاً، ويحفظ وحدة الأراضي السورية.

السفير

 

 

 

 

موقف الصين من تنظيم الدولة: ترقب وتوظيف/ علي حسين باكير

(الجزيرة)

ملخص

يتناول التقرير مدى تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لمصالح الصين في المنطقة ويبحث حجم المسؤولية الصينية عن صعود التنظيم ومدى إمكانية مشاركتها في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم بعملية “التصميم الصلب”.

شكَّل تنظيم الدولة اختبارًا جديًّا لما تسميه بكين ثوابتها السياسية ولاسيما في السياسة الخارجية، وعلى الرغم من الحوافز المتعددة التي قد تدفعها للمشاركة في التحالف الدولي ومنها حماية مصالحها في العراق وسوريا، واختبار قدراتها العسكرية، واكتساب خبرات قتالية جديدة، وتحسين سمعتها الدولية كدولة مسؤولة وتجاوز التوتر في علاقاتها مع واشنطن مؤخرًا، إلا أن مبررات الإحجام موجودة أيضًا، منها ثوابت بكين في السياسة الخارجية وعدم استعدادها بعدُ لتحمل مثل هذا العبء، والخوف من أن يكون الهدف إغراقها في مستنقع “مكافحة الإرهاب” في الشرق الأوسط، ناهيك عن المكاسب المتأتية من ترك الولايات المتحدة تقوم بهذه المهمة لوحدها على قاعدة أن افضل الحروب هي تلك التي يتم ربحها من دون الاضطرار إلى خوضها، لأن المعركة الحالية قد تنتهي بمكاسب صينية على المدى البعيد كما حصل في العراق سابقًا.

مقدمة

لم يحظ تنظيم الدولة الإسلامية في بادئ الأمر باهتمام استثنائي في بكين، ولم ينجح في جذب الانتباه الصيني إلا بمقدار ما يمكن أن يفيدها في مساعيها للترويج عن نسختها الداخلية في محاربة “الإرهاب”.

ولكن في تاريخ الرابع من يوليو/تموز 2014، ألقى أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة خطبة ذكر فيها اسم الصين وربطه مع دول أخرى أيضًا في موضوع تعرض المسلمين للعذاب وانتهاك الأعرض وإراقة الدماء والأسْر(1). وانتشرت في نفس الفترة تقريبًا خارطة قيل إن التنظيم نشرها وتعبِّر عن طموحه الإقليمي والمناطق التي سيضمها إليه خلال سنوات ومن ضمنها جزء من شرق الصين أو إقليم شينجيانغ أو ما يُعرف وفق أهله من الإيغور المسلمين باسم إيغورستان أو تركستان الشرقية(2)، وكانت هذه الإشارات بمثابة جرس إنذار في الصين.

المصالح الصينية في العراق وسوريا

يعد العراق خامس أكبر مصدِّر للنفط إلى الصين ويزودها بحوالي 10% من إجمالي وارداتها النفطية(3). تشتري بكين حوالي 1.5 مليون برميل نفط من العراق يوميًّا، أي ما يقارب الـ50% من إنتاج العراق النفطي البالغ 3.4 مليون برميل(4)، ومن المنطقي أن يكون الرقم بهذا الحدود إذا ما علمنا أن الصين استثمرت أكثر من 10 مليارات دولار في السنوات الأخيرة لتطوير القطاع النفطي العراقي بعد الاجتياح الأميركي للعراق، وأن كبرى الشركات النفطية الحكومية الصينية العاملة هناك كـ”بيتروتشاينا” و”سينوبيك غروب” و”سي إن أو أو سي” تسيطر على أكثر من خُمس المشاريع النفطية العراقية(5).

فشركة سي إن بي سي الصينية التي تعمل جنوب العراق على سبيل المثال تعد أكبر مستثمر في قطاع النفط العراقي؛ إذ استثمرت في حقل الرميلة النفطي وبعض الحقول الأخرى قيمة 5.6 مليارات دولار، وأنتجت العام الماضي ما يقارب 299 مليون برميل نفط من العراق، أي: ما يوازي ثلث إنتاج الشركة العالمي(6).

أما فيما يتعلق بخطر تنظيم الدولة المباشر على المصالح الصينية في العراق ولاسيما النفطية منها، فباستثناء حقل نفطي واحد لشركة “سينوبيك” في شمال العراق (إقليم كردستان)، فإن باقي الحقول النفطية الصينية تقع في أقصى جنوب العراق إلى جانب الحدود مع إيران غالبًا، وأكثرها قربًا من بغداد يبعد عنها حوالي 110 أميال باتجاه الجنوب الشرقي(7)؛ لذلك فهي لم تتعرض لخطر مباشر حتى الآن من قبل التنظيم.

لا تقتصر المصالح الصينية في العراق على قطاع النفط؛ فقد استثمرت الصين في قطاع البنى التحتية، وتقدر مصادر صينية عدد العاملين الصينيين في العراق بحوالي 15 ألف صيني، عَلِق حوالي 1200 منهم في منطقة الصراع التي يسيطر عليها تنظيم الدولة؛ فأرسلت السفارة الصينية في بغداد طائرات وباصات لنقل العالقين إلى بغداد وتم إجلاء أكثر من 235 صينيًّا(8).

في المقابل، لا تمتلك الصين مصالح كبرى في سوريا كما هي عليه الحال في العراق لكن مصالح الصين في الملف السوري مرتبطة بشكل غير مباشر بمصالح الصين بكل من روسيا وإيران؛ فقد تقربت الصين في السنوات الأخيرة من روسيا في محاولة منها لموازنة الدور الأميركي في شرق آسيا، ولاسيما استراتيجية التحول نحو آسيا(9)، ووقَّعت الصين عقود طاقة ضخمة جدًّا مع موسكو وطهران(10)، ولا شك في أن بكين تعلم أن استخدام ملف “مكافحة الإرهاب” في سوريا للتقرب من واشنطن سيضر بالضرورة بعلاقاتها مع موسكو، كما أن إلحاق الضرر بنظام الرئيس السوري بشار الأسد سيرتد حتمًا على إيران وقد يضعفها على الأرجح، وهو ما سينعكس على العلاقات الصينية-الإيرانية بدوره، وعلى المصالح الصينية والاستثمارات الضخمة لبكين في إيران.

مسؤولية الصين عن صعود تنظيم الدولة

لن نظلم الصين إذا ما قلنا: إنها مع غيرها من الدول مسؤولة أيضًا عن صعود تنظيم الدولة، ولا شك أن ما يحصل اليوم بخصوص بروز التنظيم يعود في جزء منه إلى مواقف الدول الرئيسية الفاعلة ومن بينها روسيا والصين والولايات المتحدة. ويعزز العديد من المعطيات التي يمكن سردها هذه الحقيقة، ومن أهمها:

الصين من الحكومات التي دعمت الرئيس العراقي نوري المالكي ونظام الأسد بشكل مطلق تحت ذريعة عدم التدخل والحفاظ على السيادة، وسياسة الأسد والمالكي تحديدًا خلقت البيئة المناسبة جدًّا لإنتاج هذا النوع من التطرف، وشكَّلت مغناطيسًا جاذبًا لكافة الراديكاليين الذين استغلوا فظائعهما لتجنيد المزيد من الناقمين واليائسين ومن يسعون إلى الثأر.

استخدمت الصين إلى جانب روسيا الفيتو في وجه القرارات التي أُعدت في مجلس الأمن لإدانة الأسد، وأفشلت الجهاز الأهم في الأمم المتحدة المنوط به حماية الأمن والسلم الدوليين، وسمحت للأسد بالتالي بالتمادي في قتل المدنيين؛ وهو بدوره ما خلق حالة من اليأس لدى الثائرين من مساعدة المجتمع الدولي وخلق فراغًا ملأته التنظيمات المسلحة.

وثَّقت هيومان رايتس ووتش حالة استخدام غاز الكلور مع براهين قوية على استخدامه من قبل نظام الأسد ضد المدنيين(11)، وقد وُجِدت عبوات تبين أن مصدرها الصين(12)، وهو الأمر الذي حاولت الصين أن تنفيه مبررة ذلك بالقول: إن شعار الشركة الصينية الموجود على القطع التي تم التقاطها مزيف ومقلد(13)، لكن التقارير تشير حقيقة إلى أن الصين كانت من أبرز مزودي النظام السوري بالأسلحة بين الأعوام 2003 و2010 بقيمة تصل إلى حوالي 300 مليون دولار(14).

صوتت الصين على القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن والذي يقضي بمنع تدفق المسلحين إلى داخل سوريا (كل المسلحين)، ولكنها لم تستخدم نفوذها لدى العراق وإيران لمنع تدفق المليشيات الشيعة وسحب القوات التابعة لهما في سوريا؛ وهو ما يعبِّر أيضًا عن ازدواجية في تفسيرها وتطبيقها للقرارات الدولية.

بالإضافة إلى الأسلحة الأميركية الموجودة بكثرة في ترسانة تنظيم الدولة، جُلُّ الأسلحة الأخرى الموجودة لدى تنظيم والذخائر المستخدمة صينية الصنع(15)، وهذا مؤشر على أنها كانت في حوزة النظام السوري على الأرجح أو أنها وصلت إليه بعد اندلاع الثورة عبر طرف ثالث قد يكون إيران ثم العراق.

وبدلاً من البحث عن حلول حقيقية للمشكلة المتمثلة في “تنظيم الدولة”، لجأت الصين كغيرها من الدول إلى استخدام الموضوع كأداة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية؛ ففي 8 يوليو/تموز 2014 التقى المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط “وو سايك” برئيس وزراء العراق آنذاك نوري المالكي متعهدًا له بدعم جهود “مكافحة الإرهاب” مع احترام بكين الكامل للسيادة العراقية، وحاول أن يربط بشكل واضح بين ما يجري في العراق وبين أوضاع الصين الداخلية حينما قال: إن “الصين ضحية “الإرهاب” في سوريا والعراق وحل المشكلة هناك سيكون مفيدًا للصين والعالم”، وتمت الإشارة إلى تقارير إعلامية تقول: إن حوالي مائة صيني من منطقة “تركستان الشرقية” قد انضموا إلى التنظيمات الراديكالية، في حين ادعت الصحف ووسائل الإعلام الصينية الرسمية أن “الحركة الإسلامية لشرقي تركستان” و”جمعية التعليم والتضامن لشرق تركستان” سبق لهما توظيف عناصر للذهاب إلى سوريا للمشاركة في “الجهاد”(16). بمعنى آخر، أرادت بكين استغلال موضوع تنظيم الدولة لتبرير الحملات التي شنَّتها على الإيغور مؤخرًا(17)، ولتقول إن لها الحق والصلاحيات أيضًا لملاحقة “الإرهاب الداخلي”.

الصين والحملة الدولية على تنظيم الدولة

لطالما انتقدت الولايات المتحدة تردد الصين في الانخراط في المسائل الأمنية الدولية وتحمل المسؤوليات المتأتية عنها بما يتناسب مع تنامي حجم المصالح الصينية حول العالم. في شهر أغسطس/آب الماضي، وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما الصين بأنها “راكب مجاني” وأن أحدًا لا يتوقع أن تفعل الصين شيئًا عندما تتفاقم مثل هذه الأمور(18).

ومع تفاقم الوضع وتزايد تهديد تنظيم الدولة، أراد أوباما على ما يبدو اختبار صحة مقولته هذه، فأرسل في 7 سبتمبر/أيلول 2014، مستشارة الأمن القوي الأميركي سوزان رايس إلى بكين لحث الجانب الصيني على المساعدة في الرد على الخطر المتنامي لتنظيم الدولة، لكن الجانب الصيني اكتفى بإبداء “اهتمامه” بالموضوع دون أن يقدم التزامًا واضحًا بالمساعدة(19).

ومفهوم “الاهتمام” هنا بالذات هو المفتاح لفهم السلوك الصيني؛ فالقادة الصينيون دقيقون عادة فيما يقولون، ومكمن “الاهتمام” هنا أنهم تفادوا الرد بشكل سلبي على الدعوة الأميركية كي لا يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر مؤخرًا في العلاقات مع واشنطن، وكي لا يُفسَّر الموقف أيضًا على أنه تخلٍّ للصين عن مسؤوليات ذات طابع دولي، أو أنها تسكت عن “الإرهاب” في وقت تشدد فيه دومًا على أنها تعاني من هذه الظاهرة في إقليم شينجيانغ أو تركستان الشرقية.

كما أن عدم تقديم الصين لالتزام واضح بالمساعدة أو المشاركة في الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة يجعلها على تناغم مع مبادئها الأساسية في السياسة الخارجية وخطوطها العريضة بخصوص احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية؛ وهو الأمر الذي لا يعكس حقيقة التزامًا دوليًّا من قبلها بالقوانين والأنظمة الدولية نصًّا وروحًا بقدر ما يعكس تخوفًا دائمًا لدى القيادة الصينية من إمكانية استغلال مثل هذه الحالات (أي: التدخل في الدول الأخرى لأسباب إنسانية) من قِبل الولايات المتحدة أو دول أخرى لتبرير فعل نفس الشيء تجاه الصين مستقبلاً، نظرًا لسجلها في هذا المجال بشكل عام ولاسيما في إقليم التبت وتركستان الشرقية.

عندما ألقى الرئيس أوباما خطابًا دعا فيه إلى إقامة تحالف واسع النطاق لمواجهة تهديدات “الإرهاب”، سأل الصحفيون المتحدثة باسم الخارجية الصينية عن الموقف الرسمي للصين، ويمكن إيجاز الموقف الصيني بهذا الخصوص على النحو التالي(20):

الجانب الصيني يرفض قطعًا “الإرهاب” أيًّا كان شكله.

يجب على المجتمع الدولي التعاون الوثيق وبذل جهود مشتركة لمحاربة “الإرهاب”، بما في ذلك دعم الجهود التي تبذلها الدول ذات الصلة من أجل الحفاظ على أمنها واستقرارها.

ندعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لاحترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي للدول ذات الصلة في الكفاح الدولي ضد “الإرهاب”.

في اليوم التالي من المؤتمر الصحفي، أُعيد طرح نفس السؤال على المتحدثة باسم الخارجية الصينية وهل ستشارك الصين في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “الإرهاب”، فأجابت نفس الجواب السابق مع إضافة(21):

الصين على استعداد لتعزيز التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة “الإرهاب” لحماية السلام والاستقرار الدوليين، وذلك على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والتعاون على قدم المساواة.

من غير الواضح ما نوع التواصل المقصود هنا وشكله، لا شك أنه ينطوي على دعم سياسي في مجلس الأمن وهو ما حصل، لكن الصحف الرسمية المحسوبة على الحكومة سرعان ما ركَّزت أيضًا على ما يمكن تسميته بالدعم المعنوي للحملة الدولية ضد “الإرهاب” مع ترجيح عدم إمكانية مشاركة الصين بشكل مباشر عمليًّا في هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للعمليات في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية(22).

حوافز وموانع المشاركة الصينية بالحملة الدولية

على الرغم من أن الموقف الصيني تقليدي، أطلقت دعوة أوباما وزيارة مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس نوعًا من الجدل الداخلي في الصين على مستوى الباحثين الأكاديميين ما يعكس نوعًا جديدًا من التفكير لدى هذه الشريحة التي أصبحت أكثر جرأة في التعبير عن خيارات قد تكون متميزة عن الموقف الرسمي، ولكن دافعها مصلحة الصين في النهاية؛ فهناك من يرى أن دعوة أوباما هي فرصة وأن على الصين أن تشارك في الحرب ضد تنظيم الدولة، لعدة أسباب، أهمها(23):

المصالح الصينية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط وأحد أوجهها أن وارداتها من نفط المنطقة التي تخطت واردات الولايات المتحدة(24)، تحتِّم عليها أن تكون معنية بشكل مباشر بما يجري وأن تتدخل لأنها حتى لو رفضت ذلك فسرعان ما ستجد نفسها في قلب الحدث مباشرة.

الحرب على الدولة تعد فرصة للصين لاختبار القدرات العسكرية لعناصر قواتها المسلحة؛ فعلى الرغم من الحديث المتزايد عن صعود الجيش الصيني، إلا أن هناك من يرى أنه يفتقد إلى الكفاءة القتالية، فآخر حرب حقيقية خاضها كانت قبل أكثر من 30 عامًا، وهو بحاجة الآن إلى اكتساب خبرات قتالية ميدانية، والانضمام إلى التحالف فرصة ثمينة لتحقيق هذا الغرض.

انخراط الصين في الحملة الدولية على التنظيم سيعمل على تحسين سمعتها على المستوى الدولي كدولة مسؤولة ومبادرة ومشاركة، ويترك بصمة إيجابية عن صورتها ودورها، خاصة أن دولاً رئيسية عدة في المجتمع الدولي كانت -ولا تزال- تعتبر أن الصين لا تؤدي ما يتطلبه منها الأمر عندما يتعلق بالمسؤولية الدولية. ولأن تنظيم الدولة مكروه تقريبًا من الجميع، فإن انخراط بكين سيساعدها على كسر حاجز التذمر من سلوكها الدولي، على اعتبار أن محاربة التنظيم حينها ستكون خدمة للمجتمع الدولي، كما أنه لن تكون هناك أية مخاطرة من تضرر سمعة الصين بشكل سيء عند أي من اللاعبين.

الحرب على تنظيم الدولة توفر فرصة لبكين للتقرب سياسيًّا من واشنطن، خاصة أن الأخيرة في وضع الباحث عن مساعدة دولية واضحة في هذا الموضوع، ولذلك فهي ستقدر أية مساعدة صينية في هذا المجال.

وبهذا المعنى فإن بكين لديها ما يكفي فعلاً من الدوافع والمصالح للانخراط العملي في التحالف. لكن في المقابل، هناك آراء تكاد تقترب من التوجهات الصينية الرسمية التقليدية وتفضِّل بقاء بكين بعيدًا عن الأضواء والالتزام بمعادلة “الدعم الكلامي والتهرب العملي من الالتزام بأية مسؤولية قد يلقيها موضوع محاربة “الإرهاب” على عاتق الصين”، وذلك انطلاقًا من عدة معطيات، أهمها(25):

التقليد الصيني في الحفاظ عادة على ما يسمى “مبادئ عامة” يتم اللجوء إليها دومًا في بلورة موقف من الأحداث الساخنة على الصعيد الدولي والإقليمي، وأبرز هذه المبادئ العامة التي تتكرر باستمرار في المواقف الرسمية الصينية المعلنة هي(26):

مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

مبدأ الحرص على حماية الأمن والاستقرار.

مبدأ رفض استخدام القوة في العلاقات الدولية.

دعوة الولايات المتحدة الصين للمساعدة في الحرب على “الإرهاب” في الشرق الأوسط هي بمثابة فخ يتم نصبه لبكين لتقع فيه، وإذا ما انجرَّت بكين إليه فإنها ستغرق وسيكلفها ذلك مصالحها وقد ينعكس على أمنها القومي أيضًا لناحية الطاقة أو الأمن.

الصين غير جاهزة لتحمل هذا القدر من الأعباء فهي لا تزال دولة نامية، ولديها الكثير من الأولويات الداخلية ولا تتطلع إلى قيادة عالمية.

من الأفضل ترك الولايات المتحدة تقوم بالعملية وتغرق كما فعلت في العراق، ومن شأن ذلك أن يتيح فرصًا هائلة للصين إذ إنه سيشتِّت الولايات المتحدة ويُبعد تركيزها عن منطقة شرق آسيا، كما أنه سيفتح الطريق واسعة للصين لمرحلة ما بعد الحرب تمامًا كما حصل في العراق(27).

خلاصة

في المحصلة، من الواضح أن تنظيم الدولة الإسلامية قد أضاف اختبارًا جديدًا للمسار التقليدي لسياسة الصين الخارجية، وعلى الرغم من أن الصين قد تظل على الأرجح متمسكة بمواقفها التقليدية في مثل هذه الاختبارات خلال المرحلة المقبلة، إلا أن الأكيد أنه قد طرأ تحول واضح على نوعية الخطاب الذي تقدمه بعض الشرائح غير الرسمية أو تلك التابعة للمؤسسة العسكرية بخصوصها، وهو الأمر الذي يطرح بدوره تساؤلات عن المدى الذي من الممكن أن يبلغه هؤلاء في طروحاتهم خلال المستقبل المنظور، ومدى قدرة مثل هذه الطروحات على التأثير في صناعة القرار السياسي أو على تفكير النخبة الصينية الحاكمة سواء من خلال الإقناع في حالة النخب الأكاديمية أو من خلال الضغوط في حالة النخب العسكرية، علمًا بأن صناعة السياسة الخارجية الصينية أظهرت خلال العقود الماضية تأثرها بما يطرحه المفكرون حينما يكونون في موقع صناعة القرار. حتى ذلك الحين، يبدو أن مقولة الاستراتيجي الصيني سون تزو، ومفادها أن أفضل الحروب هي التي تربحها من دون أن تخوضها، هي التي ستبقى تحكم الحسابات الصينية.

____________________________________

علي حسين باكير – باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

المصادر

1- انظر، خطبة أبي بكر البغدادي باللغة الإنكليزية، 4 يوليو/تموز 2014:

https://ia902501.us.archive.org/2/items/hym3_22aw/english.pdf

2- انظر:

Jack Moore, Isis Master Plan Revealed: Islamic ‘Caliphate’ Will Rule Spain, China and Balkans, ibtimes, 4/9/2014.

http://www.ibtimes.co.uk/isis-master-plan-revealed-islamic-caliphate-will-rule-spain-china-balkans-1463782

3- انظر:

New Suppliers Boost China Oil Imports. The Wall Street Journal, 21/1/2014.

http://online.wsj.com/news/articles/SB10001424052702303802904579334411874909686

4- انظر:

Max Fisher. Why it’s good news for the U.S. that China is snapping up Iraq’s oil, The Washington Post, 3/6/2013.

http://www.washingtonpost.com/blogs/worldviews/wp/2013/06/03/why-its-good-news-for-the-u-s-that-china-is-snapping-up-iraqs-oil/

5- انظر:

BEN BLANCHARD, China says may have citizens fighting in Iraq, Reuters, 28/7/2014.

http://www.reuters.com/article/2014/07/28/us-iraq-security-china-idUSKBN0FX0FV20140728

6- انظر:

Peter Ford, Why China stays quiet on Iraq, despite being no. 1 oil investor , The Christian Science Monitor, 27/6/2014.

http://www.csmonitor.com/World/Asia-Pacific/2014/0627/Why-China-stays-quiet-on-Iraq-despite-being-no.-1-oil-investor-video

7- انظر:

BREE FENG AND EDWARD WONG, China Keeps a Close Eye on Oil Interests in Iraq, Sinosphere, 17/6/2014

8- انظر:

Peter Ford, Op. Cit.

9- انظر:

Jonathan Masters,The Pentagon Pivots to Asia, CFR, 6/1/2012.

http://www.cfr.org/united-states/pentagon-pivots-asia/p26979

10- انظر:

Elena Mazneva and Stepan Kravchenko, Russia, China Sign $400 Billion Gas Deal After Decade of Talks, Bloomberg, 21/5/2014.

http://www.bloomberg.com/news/2014-05-21/russia-signs-china-gas-deal-after-decade-of-talks.html

Remi Piet, Russia-China energy deal: Geopolitical tectonic shift, Aljazeera, 17/6/2014.

http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/06/russia-china-energy-alliance-ge-201461765254926525.html

11- انظر:

Syria: Strong Evidence Government Used Chemicals as a Weapon, HRW, 13/5/2014.

http://www.hrw.org/news/2014/05/13/syria-strong-evidence-government-used-chemicals-weapon

12- أنظر:

CHUIN-WEI YAP, Chinese Weapons Supplier Denies Selling Gas to Syria, The Wall Street Journal, 16/5/2014.

http://online.wsj.com/news/articles/SB10001424052702304908304579565364092454006

13- انظر:

Chinese Weapons Firm Denies Supplying Chlorine to Syria, NTI, 16/5/2014.

http://www.nti.org/gsn/article/chinese-weapons-firm-denies-supplying-chlorine-syria /

14- أنظر:

William Wan, China says U.S. rushing into Syria over chemical weapons, The Washington Post, 29/8/2013.

http://www.washingtonpost.com/world/china-says-us-rushing-into-syria-over-chemical-weapons/2013/08/29/1c1a9fce-1089-11e3-85b6-d27422650fd5_story.html

15- أنظر:

Hanna Sender, Where Does ISIS Get Its Ammunition? New Report Finds Arms Manufactured in Over 20 Countries [MAP], Ibtimes, 7/10/2014.

http://www.ibtimes.com/where-does-isis-get-its-ammunition-new-report-finds-arms-manufactured-over-20-countries-1700659

  1. J. CHIVERS, ISIS’ Ammunition Is Shown to Have Origins in U.S. and China, The New York Times, 5/10/2014.

16- انظر:

China supports Iraq to maintain sovereignty, calls for inclusive gov’t: envoy, 8/8/2014

http://english.peopledaily.com.cn/n/2014/0708/c90883-8752123.html

Bai Tiantian, China at risk from Syria spillover, Global Times, 29/7/2014.

http://www.globaltimes.cn/content/873090.shtml

17- انظر:

ANDREW JACOBS, After Deadly Clash, China and Uighurs Disagree on Events That Led to Violence, The New York Times, 30/7/2014.

18- انظر:

The Obama Interview, The New York Times, video:

http://www.nytimes.com/video/opinion/100000003048414/obama-on-the-world.html?playlistId=100000002797598&region=video-grid&version=video-grid-headline&contentCollection=U.S.+%26+Politics&contentPlacement=2&module=recent-videos&action=click&pgType=Multimedia&eventName=video-grid-click

19- انظر:

Kristina Fernandez, US Urges China To Support Anti-ISIS Campaign In Middle East, China Topix, 10/9/2014.

http://www.chinatopix.com/articles/9693/20140910/us-urges-chinese-support-in-anti-isis-campaign-middle-east.htm

20- انظر: المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشونينغ تعقد مؤتمرًا صحفيًّا اعتياديًّا يوم 11 سبتمبر/أيلول عام 2014، سفارة الصين في مصر:

http://eg.china-embassy.org/ara/fyrth/t1191099.htm

21- انظر: المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشونينغ تعقد مؤتمرًا صحفيًّا اعتياديًّا يوم 12 سبتمبر/أيلول عام 2014

http://eg.china-embassy.org/ara/fyrth/t1190960.htm

22- انظر:

Yang Jingjie, China unlikely to step into IS fray, Global times, 12/9/2014.

http://www.globaltimes.cn/content/881077.shtml

23- انظر:

Lang Yaoyuan, Should China Join US Allies to Fight ISIS?, US-China perception monitor, 26/9/2014.

http://www.uscnpm.org/should-china-join-us-allies-to-fight-isis/

Dingding Chen, China Should Send Troops to Fight ISIS, The Diplomat, 12/9/2014:

http://thediplomat.com/2014/09/china-should-send-troops-to-fight-isis/

24- تخطت الصين أميركا في استيراد النفط من المنطقة؛ حيث تستورد حوالي 50% من نفط الشرق الأوسط، انظر:

Brad Plumer, China now gets more oil from the Middle East than the US does, Vox, 3/9/2014.

http://www.vox.com/2014/9/3/6101885/middle-east-now-sells-more-oil-to-china-than-to-the-us

25- انظر:

John Chan, China warns against a repeat of the Iraq war in Syria, WSWS, 31/8/2013.

http://www.wsws.org/en/articles/2013/08/31/chin-a31.html

William Ide, As US Strikes Syria, China Sees Parallels at Home, Voice Of America, 11/7/2014.

http://www.voanews.com/content/as-us-strikes-syria-china-sees-parallels-at-home/2459188.html

Dingding Chen, It’s Still a Good Idea for China to Send Troops to Fight ISIS, The Diplomat, 16/9/2014.

http://thediplomat.com/2014/09/its-still-a-good-idea-for-china-to-send-troops-to-fight-isis/

26- علي حسين باكير، سور القلق العظيم: الصين وتحديات الثورات في العالم العربي، مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية-فصلية مدارات استراتيجية، عدد مايو/أيار-يونيو/حزيران 2011.

27- انظر:

MATT SCHIAVENZA, Who Won the Iraq War? China, The Atlantic,22/3/2013.

http://www.theatlantic.com/china/archive/2013/03/who-won-the-iraq-war-china/274267/

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا:

الى الأعلى

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

تركيا في قلب المعركة.. الأهداف والمخاطر/ سعيد الحاج

دور فاعل

أهداف تركية

ردود الفعل

ماذا بعد التفويض؟

بعد 11 عاما من رفض مجلس الأمة التركي السماح لقوات التحالف الدولي باستخدام الأراضي التركية خلال الحرب على العراق، تأتي موافقته الحالية على تفويض الحكومة التركية بإرسال القوات المسلحة التركية واستخدام قوات عسكرية أجنبية للأراضي التركية لتفتح الباب واسعا على أسئلة عديدة تتعلق بالأهداف والمسارات والنتائج.

دور فاعل

ذلك أن الموقف التركي تبدل بنسبة 180 درجة بعد تحرير الرهائن الأتراك من يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث انطلق عقال الدبلوماسية التركية في توصيفه كمنظمة إرهابية بعد زوال الخطر المباشر على حياتهم، إضافة لتصريحات عديدة على رأسها كلمة رئيس الجمهورية قبل توجهه لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد مشاركة “فاعلة” لتركيا في التحالف الدولي المتشكل حديثا، والتخلي تماما عن مصطلحات “الدور السلبي” أو الدعم اللوجستي والإنساني.

فإضافة إلى تخلصها من قيد المحتجزين، ترى تركيا في التطورات الميدانية المتلاحقة تهديدا لأمنها القومي، ذلك أن المعارك تدور الآن في منطقة كوباني ذات الأغلبية الكردية (عين العرب بالتسمية العربية) القريبة من حدودها، وسيعني سقوطها بيد داعش وصول الأخيرة إلى منطقة تماس مباشر معها.

من ناحية أخرى، يبدو حصار التنظيم لضريح “سليمان شاه” في حلب نقطة توتر كبيرة لأنقرة، فالضريح هو المنطقة الجغرافية الوحيدة خارج الحدود التركية (عدا عن السفارات والقنصليات) التي يعتبرها الدستور “أرضا تركية” وتحرسها فرقة من الجيش التركي قوامها 50 جنديا داخل الأراضي السورية، مما يستوجب الرد على أي اعتداء عليه.

أهداف تركية

لكن التفويض الذي أعطاه مجلس الأمة للحكومة بأغلبية 298 صوتا في مقابل 98 رفضا، لا يعني بالضرورة انصهار تركيا في التحالف الدولي لتحقيق الأهداف المرسومة خارجيا فقط، بل تلوح في الأفق أهداف خاصة بتركيا يبوح بها ما بين سطور المذكرة التي صدرت.

فلم يفت على المراقبين تركيز المذكرة على النظام السوري أكثر من “داعش” التي يفترض أنها سبب استصدار التفويض، متهمة إياه بدعم المجموعات الإرهابية وتشجيعها على التوجه نحو الحدود التركية، وبذلك يشكل النظام الذي “فقد مشروعيته” وفق المذكرة خطرا على الأمن القومي التركي.

ولئن قالت المصادر الحكومية إن النص يتناول “أي تهديد أو عملية تضر بالأمن القومي التركي”، فإن المعارضة وخاصة حزب الشعب الجمهوري رأى فيها توجها لإسقاط الأسد أكثر من مواجهة “الإرهاب”، الأمر الذي دفعه لرفض المذكرة، رغم ضغطه المستمر على الحكومة لمحاربة التنظيم.

من ناحية أخرى، تشي العمومية والشمولية في النص بالكثير، فهي حين تتكلم عن خطر الإرهاب تشير إلى “كل المجموعات الإرهابية” في سوريا والعراق، بما يفتح الأفق واسعا أمام الحكومة التركية لأي سيناريو محتمل في البلدين، كما أن النص الجديد يختلف عن مذكرة الأول من مارس/آذار 2003 بعدم تحديد سقف زمني أو عددي للقوات الأجنبية، إضافة لعدم تحديد دول بعينها والاكتفاء بالإشارة إلى “قوات عسكرية أجنبية”، الأمر الذي يمكن اعتباره إشارة إلى إمكانية احتضان وتدريب قوات معارضة للأسد على الأراضي التركية سعيا لإسقاطه.

ردود الفعل

ورغم أن المذكرة عبارة عن مجرد تمديد ودمج لمذكرتين سابقتين ومنفصلتين لكل من العراق وسوريا، إلا أنها تحمل بوادر موقف تركي متجدد ومفتوح على آفاق كثيرة، لم تتأخر القوى الإقليمية والدولية في تلقف إشاراته.

الولايات المتحدة الأميركية التي تقود التحالف الدولي عبرت عن سعادتها بتفويض مجلس الشعب، واعتبرت أن “الوقت قد حان للتحرك” بعد أن تفهمت بطء التفاعل التركي معها بسبب الرهائن المحتجزين لدى داعش. لكن السؤال يبقى مطروحا حول مدى تفاهم الطرفين على الأهداف والعمليات التي ستشارك فيها تركيا، سيما وأن عمليات القصف مستمرة يوميا منذ فترة طويلة على حدود تركيا حتى قبل موافقتها، وفي ظل تباين واضح بين الحليفين إزاء الموقف من النظام السوري والمنطقة العازلة مثلا.

أما إيران، الجار القوي والحليف الأبرز لبشار الأسد في المعادلة الميدانية، فلم تتأخر على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف في “تنبيه” نظيره التركي إلى ضرورة عدم زيادة التوتر في المنطقة، وألا يكون من ضمن مخططات تركيا استهداف دمشق، والاكتفاء بالأهداف المعلنة من محاربة “الإرهاب”. ومن نافلة القول أن أنقرة في غنى عن أي مواجهة مباشرة -عسكرية أو غير عسكرية- مع طهران، سيما بدون غطاء ومساعدة بل ومشاركة التحالف ككل.

ماذا بعد التفويض؟

من البديهي في عالم السياسة أن تحدد النصوص الحدود الدنيا لا سقوف الحد الأعلى للفعل السياسي، وعليه فإن هذه الوثيقة التي تلحظ جاهزية تركيا وحكومتها “للرد” على أي تهديد لأمنها القومي، تفتح الباب على مصراعيه أمام أي تحرك تريده تركيا خارج حدودها، ووفق ما تحدده مصالحها.

ولئن صرح وزير الدفاع التركي عصمت يلماظ بأنه “لا يجب توقع تحرك تركي سريع ومباشر” بعد التفويض، وأن تركيا ستستثمره فقط في حالة الدفاع عن نفسها وحدودها، إلا أن النص العام والفضفاض يعطي تركيا مساحة واسعة من المناورة والفعل. يشير إلى هذه المساحة تصريح أردوغان أنه “في ظل الأزمات التي تمر بها منطقتنا لا يمكن أن نبقى مقيدين أو مترددين”، كما يوضحها كلام رئيس الوزراء داود أوغلو عن “إستيراتيجية تركية كاملة وجاهزة” لمواجهة كافة الاحتمالات، وتؤكدها مناورات القوات المسلحة التركية حاليا والتي شملت “محاكاة حرب حقيقية”.

ويمكننا في هذا الصدد، رصد ثلاثة ملفات في غاية الحساسية والأولوية لأنقرة: الأول، المنطقة العازلة أو الآمنة على الحدود التركية السورية، والتي تريد منها تركيا حماية حدودها من أي عمليات هجومية من نظام الأسد أو داعش، واستيعاب موجات اللاجئين، واستعمالها كنقطة ارتكاز أو منطلق لأي عمل عسكري بري قادم.

ويشير تصريح الناطقة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي أنهم “لا يناقشون الأمر بفعالية” إلى فشل أنقرة حتى اللحظة في إقناع حلفائها برؤيتها، وعليه فيبدو أن تركيا تتجه نحو إنجاز الأمر بقرارها الذاتي وإمكاناتها المحلية، وهو ما يفسر تأكيد الساسة الأتراك مؤخرا أن الأمر لا يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الأمن، وأن القرار رقم 688 لعام 1991 يشكل غطاء قانونيا لهذه المنطقة ذات الأهداف الإنسانية.

الثاني، حماية حدودها من تقدم “داعش” نحوها، إذ تجري المعارك حاليا على مقربة منها بين التنظيم من جهة وبين المجموعات الكردية من جهة أخرى، كما يبرز ضريح سليمان شاه في حلب كعنوان بارز لأي تحرك تركي عسكري. وتجدر هنا الإشارة إلى تسريب أخبار عن خطة تركية جاهزة للتفعيل إذا ما تم المساس بالضريح أو القوة الحارسة له، تتضمن طائرات F16 تصل المكان خلال دقائق، وفرقة كاملة على أهبة الاستعداد، إضافة إلى طائرات بلا طيار، وقوة صاروخية داعمة.

الثالث، توازنات وتأثيرات المعارك الدائرة على عملية السلام مع الأكراد داخل تركيا، ذلك أن تحذير أكثر من مسؤول كردي من فشل العملية إذا ما سقطت كوباني بيد داعش دفع رئيس الحكومة إلى التأكيد على أن تركيا “ستفعل كل ما يلزم” حتى لا يحصل ذلك، بيد أن الأخيرة تخشى أن يؤدي انتصار واضح للأكراد إلى تصلب موقفهم أو تواصلهم سياسيا وجغرافيا واستراتيجيا مع أكراد العراق (خاصة في حال حصلوا على أسلحة ثقيلة)، الأمر الذي يهدد عملية السلام برمتها.

في المشهد العام يبدو أن مذكرة التفويض أعطت أنقرة فرصة مساومة قوية مع التحالف الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة لقبول المنطقة الآمنة على حدودها، حيث ترى تركيا أن المجتمع الدولي يتجه لتفهم مقاربتها بضرورة الحل الشامل لأزمات المنطقة وعدم الاكتفاء بمكافحة النتائج (داعش) عسكريا. بهذا المعنى -فيما يبدو- تستشرف تركيا فرصة تاريخية بدخولها الحلف للعمل على تحقيق حجر الأساس في سياستها الخارجية منذ سنوات وهو إسقاط نظام الأسد.

ونستطيع في هذا السياق أن نفهم كلام داود أوغلو عن عدم قبول تركيا “تحديد مصير كل من سوريا والعراق بدون وجود آليات القرار التركية”.

بيد أن أنقرة تخشى من منظومة ثلاثية الأبعاد قد تهدد مصالحها وأمنها القومي بدل تأمينهما، أولها مستنقع الحرب البرية الذي لا تريد تركيا التورط به وترغب في الاكتفاء بالضربات الجوية والمنطقة العازلة، وثانيها الحذر من أي مواجهة إقليمية أو دولية مع حلفاء دمشق ولذلك فقد تسعى لتدريب وتأهيل الفصائل العسكرية المعارضة لتعمل على الأرض.

أما ثالث هذه المنظومة فهو التنبه للأهداف والمآلات بعيدة المدى للتحالف الدولي والذي قد تؤدي استطالة حربه إلى تقويض مصالح تركيا المتمثلة في الاستقرار والتنمية الاقتصادية بما يعود سلبا على دور تركيا ومكانتها مستقبلا.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2014

 

 

 

احتمالات الفشل في إستراتيجية مواجهة تنظيم الدولة/ فايز الدويري

شكّل يوم العاشر من يونيو/حزيران الماضي علامة فارقة في إدارة الصراع في كل من العراق وسوريا، كما شكّل صدمة أذهلت العديد من قادة العالم والباحثين المهتمين بشؤون المنطقة.

في ذلك اليوم اجتاحت قوات قليلة العدد خفيفة التسليح مدينة الموصل ثاني المدن العراقية من حيث الأهمية وعدد السكان (ثمانمائة مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية يستخدمون آليات دفع رباعي عليها رشاشات متوسطة، وبعض الصواريخ المقاومة للدبابات)، بينما بلغ حجم القوات المدافعة عنها ثلاث فرق عسكرية وفرقة قوى أمنية تتبع وزارة الداخلية العراقية، بلغ عددها أكثر من أربعين ألف مقاتل.

توالت انتصارات تنظيم الدولة والجماعات المسلحة الأخرى المساندة له، حيث تمت السيطرة على معظم أراضي المحافظات السنية العراقية (الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، وديالي)، رغم تلك الانتصارات الساحقة والسريعة فإن ردود الفعل الدولية بقيت خجولة ولا تتناسب مع خطورة الموقف في العراق.

جاءت المفاجأة الثانية عندما بدأت قوات تنظيم الدولة شنّ هجوم على إقليم كردستان، ووصلت إلى مسافة أربعين كيلومترا من أربيل، عند ذلك أصدر الرئيس الأميركي أوباما أوامره بالسماح بتنفيذ ضربات جوية تقوم بها الطائرات المقاتلة وطائرات دون طيار، كما وافق على إرسال قوات أميركية لحماية المصالح الأميركية والعمل كمستشارين حتى وصل العدد إلى أكثر من 1200 جندي أميركي.

تمكنت الحملة الجوية الأميركية المحدودة من إجبار قوات تنظيم الدولة على الانسحاب من العديد من البلدات التي احتلتها، كما ساعدت قوات البشمركة على التقدم في سهول أربيل والموصل.

جاءت المفاجأة الثالثة التي أجبرت الرئيس أوباما على الطلب من مستشاريه العمل على وضع إستراتيجية عسكرية للتصدي لخطر تنظيم الدولة (وكان قد صرح قبل ذلك أن الولايات المتحدة لا تملك إستراتيجية عسكرية لمواجهة التنظيم)، تمثلت تلك المفاجأة في تمدد تنظيم الدولة باتجاه الغرب، حيث سيطر على معبري ربيعة والقائم، وألغى الحدود السياسية بين العراق وسوريا، كما تمكن لاحقا من السيطرة على معسكرات الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة العسكري.

ضمن الرئيس باراك أوباما أربعة عناصر رئيسية في إستراتيجيته لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وهي:

العنصر الأول توسيع الضربات الجوية عبر حملة منظمة بالتنسيق مع الحكومة العراقية، إلا أن الرئيس الأميركي شدد على أن هذه الحرب ستكون مختلفة عن الحروب السابقة، ولن تشمل إرسال قوات أميركية أرضية.

يتمثل العنصر الثاني في دعم القوات التي تقاتل تنظيم الدولة على الأرض (القوات العراقية والبشمركة الكردية والمعارضة السورية المسلحة المعتدلة). أما العنصر الثالث فهو ضرورة استمرار جهود مكافحة الإرهاب لمنع داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) من تنفيذ أي هجمات، ويتم تحقيق ذلك من خلال العمل مع الشركاء لقطع مصادر التمويل، وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب من وإلى الشرق الأوسط، أما العنصر الرابع فيتمثل في استمرار تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين.

لجأت الإدارة الأميركية لتعزيز مشروعية إستراتيجيتها إلى بناء تحالف دولي ضمّ أربعين دولة، اقتصر إسهام معظمها على الدعم السياسي للتحالف، بينما شاركت عشر دول في الحملة الجوية، ورغم كل ذلك لا تزال الحملة غير فاعلة، وما تزال قوات تنظيم الدولة تحقق مزيدا من الانتصارات وتسيطر على مزيد من الأراضي وتخوض معركة حاسمة في عين العرب (كوباني) وتهدد بالسيطرة الكلية على الأنبار، بينما وصلت طلائع قواتها إلى مسافة عشرة كيلومترات من حدود بغداد الغربية. فما الأسباب الكامنة وراء فشل الإستراتيجية الأميركية حتى هذه اللحظة؟ سؤال سأحاول الإجابة عنه في ما يلي.

تكمن بذور فشل الإستراتيجية الأميركية في طياتها وتحديدا في العنصرين الأول والثاني. إن أي مراجعة للتاريخ العسكري تبين بجلاء عدم قدرة سلاح الجو على كسب الحروب منفردة، خاصة إذا كانت الحملة الجوية موجهة ضد مجموعات قتال غير نظامية.

تستطيع الحملات الجوية الكثيفة والمستمرة أن تلحق خسائر فادحة بالطرف الآخر، ولكنها لن تقضي عليه، وقد أدرك الجنرال دمبسي ذلك من خلال تصريحه الأخير، الذي أشار فيه إلى عدم استبعاد إرسال قوات أرضية لضمان تدمير قوات تنظيم الدولة، كما لا تزال الإدارة الأميركية تصر على القضاء على تنظيم الدولة في العراق وتحجيم قوته في سوريا، مما يعني تطبيق إستراتيجيتين مختلفتين في مسرح عمليات واحد.

اعتمد الرئيس أوباما على القوات المحلية لاستثمار نتائج الضربات الجوية، وهو اعتماد في غير محله للأسباب التالية:

أثبتت المعارك الأخيرة أن الجيش العراقي لا يمتلك أيا من مقومات الجيوش النظامية، فهو يعاني من ضعف قاتل في منظومة القيادة والسيطرة، ويفتقر إلى القادة الأكفاء الذين يمتلكون الخبرة والكفاءة لأن انتقاءهم جاء على أسس تقديم أصحاب الولاء على أصحاب المعرفة.

كما أن معظم منتسبيه ينتمون لطائفة بعينها، مما جعل منه جيشا طائفيا لا جيشا وطنيا، والجيوش الطائفية ينخرها عادة الفساد والمحسوبية ولا تعرف معنى التضحية في اللحظات الفارقة الحاسمة، وهذا ما حدث في معارك الموصل عندما تخلى القادة عن مسؤولياتهم القيادية وهربوا إلى مدينة أربيل تاركين جنودهم يواجهون مصيرا مظلما، وإعادة تأهيل الجيش العراقي على أسس وطنية يحتاج إلى سنوات بالإضافة إلى إصلاحات سياسية تضمن عدم الإقصاء والتهميش.

رغم النزوع القومي لقوات البشمركة، فإنها تعاني من خلل بنيوي وقيادي، كما تفتقر إلى العقيدة القتالية التي تبنى على أساسها الجيوش، وهذا عائد إلى نوعية المهام والحروب التي خاضتها منذ تأسيسها، حيث اعتمدت على أسلوب حرب العصابات في قتالها ضد الجيش العراقي طيلة فترة الصراع الماضية، مما يحد من كفاءتها القتالية في معاركها مع قوات تنظيم الدولة، ولتجاوز نقاط الضعف تلك فقد أنشئت قوات الحشد الشعبي الشيعية، كما يتم العمل على إنشاء حرس وطني إقليمي في المحافظات السنية.

تعاني المعارضة السورية المسلحة من التشرذم، حيث تتكون من أكثر من ألف فصيل مقاتل، موزعة بين فصائل إسلامية متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وفصائل إسلامية معتدلة كالجبهة الإسلامية، وكتائب الجيش الحر الأكثر اعتدالا.

يعتبر الجيش الحر الأضعف بين الجماعات المسلحة، ويرجع سبب ضعفه لعدة أسباب، منها: عدم وجود بناء تنظيمي فاعل، وعدم فاعلية رئاسة الأركان والمجلس العسكري الأعلى، حيث لا يمارسان أدنى مستوى من القيادة والسيطرة على التشكيلات العاملة في الميدان، ولذا ستواجه إستراتيجية أوباما صعوبات كبيرة لإعداد وتدريب الأعداد المطلوبة (15 ألف مقاتل) في تركيا والسعودية، وتهيئة قيادة فاعلة ستكون مسؤولة عن التخطيط وإدارة العمليات العسكرية المستقبلية.

يضاف إلى الصعوبات أعلاه ظهور بوادر خلافات عميقة تنذر بانشقاق محتمل بين دول التحالف بسبب موقف الإدارة الأميركية من نظام بشار الأسد، حيث تصر الإدارة الأميركية على استمرار الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة فقط، بينما تسعى دول محورية في التحالف تتزعمها تركيا لتشمل العملية قصف قوات النظام السوري من أجل الإطاحة به، وهذا أحد الأسباب الرئيسية الذي منعها من التدخل البري لإنقاذ عين العرب (كوباني).

وقد يشهد المؤتمر الذي سيعقد في قاعدة أندروز الجوية جهودا حثيثة لتوحيد مواقف دول التحالف للحيلولة دون حدوث انشقاقات رئيسية فيه، كما سيسعى الوفد العسكري الأميركي الذي سيزور أنقرة الأسبوع القادم إلى إقناع الحكومة التركية بضرورة السماح باستخدام قواعدها الجوية من قبل طائرات التحالف.

يضاف إلى ما ذُكر أعلاه قوة الدولة الإسلامية التي تكمن في مجموعة من العوامل الرئيسية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

– قدمت الدولة الإسلامية نفسها على أنها المدافع عن الإسلام السُّني في مواجهة عمليات التهميش والإقصاء الذي تعرض ويتعرض له في الكثير من المناطق، مما أمن لها رافدا جيدا من المقاتلين وحاضنة شعبية سنية معقولة.

– اتباعها أساليب دموية عنيفة قاسية لتحقيق الصدمة والرعب لإرهاب خصومها.

– فشل ثورات الربيع العربي باستثناء ثورة تونس في تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية للمواطن العربي.

– سيطرة الدولة الإسلامية على مساحات كبيرة تمتد من جرابلس في سوريا غربا وحتى جلولاء في العراق شرقا، وهي مساحة تفوق مساحة المملكة المتحدة.

معركة قوات التحالف ضد تنظيم الدولة لن تحسم بسهولة ضمن المدى المنظور في ظل المعطيات الحالية، وستواجه تحديات كبيرة حتى في حال اتخذ قرار بإرسال قوات أرضية لأن عليها أن تواجه حرب عصابات معقدة ”

– الاكتفاء الذاتي من الأموال والآليات والمعدات والسلاح، فالغنائم التي حصلت عليها من القوات العراقية بعد اجتياحها الموصل في العراق ومن الجيش السوري الحر بعد السيطرة على مخازنه في مدينة إعزاز، وما غنمته من الجيش السوري بعد السيطرة على مواقع الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة العسكري أمن لها مخزونا إستراتيجيا كبيرا.

أما في البعد الاقتصادي، فيعتبر تنظيم الدولة من أغنى التنظيمات المسلحة في العالم، وتختلف التقديرات بشأن الإيرادات التي يستطيع أن يجنيها، إلا أنها تتراوح بين ثلاثة وخمسة ملايين دولار شهريا، وهي كافية لتمويله ذاتيا، كما تمكن التنظيم من السيطرة على العديد من حقول النفط في سوريا والعراق، بالإضافة إلى سيطرته على العديد من صوامع الحبوب وبحيرات الأسماك شمال بابل.

يضاف إلى ذلك، توفر منظومة قيادة وسيطرة فاعلة قادرة على التخطيط العملياتي وإدارة المعارك الحاسمة المتزامنة بكفاءة مع القدرة على التكيف مع المستجدات الميدانية لمنع العدو من تحقيق انتصار سريع وحاسم، وهذا لا يتأتى دون توفر الخبرة القتالية لدى قادته العسكريين ومقاتليه.

يقود كل ذلك إلى استنتاج أولي أن معركة قوات التحالف ضد تنظيم الدولة لن تحسم بسهولة ضمن المدى المنظور في ظل المعطيات الحالية، وستواجه تحديات كبيرة حتى في حال اتخذ قرار بإرسال قوات أرضية لأن عليها أن تواجه حرب عصابات معقدة ومؤلمة.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2014

 

 

 

 

الخليج … إيران أم داعش؟/ معن البياري

أيٌّ منهما ينبغي أن تُعطى له الأولوية من صنّاع القرار في دول الخليج العربية، إيران أم داعش؟ بصراحةٍ أكثر، من الأكثر مدعاةً للتوجس في عواصم دول الخليج، هذه أم تلك؟ طُرح السؤال، وبكيفياتٍ أخرى، في ورشة نقاشٍ أقامها، الأسبوع الجاري، في الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واجتهد باحثون في مقاربة مسألة داعش في الخليج، وحرص بعضهم، محقّين، على التأشير إلى تشكيلاتٍ عراقية شيعية، ترتكب فظاعاتٍ في بلادها قد لا تقل شناعةً عمّا تقترفه داعش، وهذه كان مهماً تذكير الورشة أنها، في أزيد من 90% من جرائمها في سورية، استهدفت سوريين من السنّة، ومن تشكيلات المعارضة المسلحة، وبعضها إسلامية الهوى والنزوع.

ليس بادياً أن “الدولة الإسلامية” تخطط لشيءٍ ما في أيٍّ من دول الخليج، وليس مؤكداً أن ثمة مستقبلاً منظوراً لهذه الدولة المزعومة، غير أن الذي يظهر ويختفي (كما ثعلب محمد زفزاف، في قصةٍ قصيرةٍ له) هو ما لا يُطمئن من جانب إيران التي ترى أن سوانحَ تلوحُ لها، وتيسّر لها عبوراً في غير دولةٍ في الخليج، للنفوذ والإقلاق. ولأن الأمر كذلك، بحسب بعض ما قيل في الورشة، فإن الأدعى إلى إِنعام النظر فيه، وإعمال الذهن بشأنه، وتنشيط العمل بصدده، هو ما في رأسيّ قاسم سليماني وعلي رضا زاكاني، لا ما في رأسيّ أبو بكر البغدادي وأبو محمد العدناني.

جيدٌ أن محاورات المنتدين في الورشة أضاءت على خطرٍ أفدح لدى داعش، يتجاوز تمدد تنظيمها باعتبارها “خلافة إسلامية” في بطاح سورية والعراق، إلى تمدد أفكارها في أفهام شبان خليجيين ومداركهم، فينجذبون إلى “داعش” والقتال معها، وكيفما اتفق. وإذ هذا حالٌ ليس مقصوراً على شبانٍ من منطقة الخليج، فثمة مئات (أو آلاف ربما) من تونس والمغرب، فإن للاستسلام إلى هذه القناعة سوءاتُه. ببساطةٍ، لأن إصلاحاً واسعاً ما زال مطلوباً في طرائق الوعظ والإرشاد والدرس الديني، بل، وأيضاً، في بعض مضامين هذا كله، في بلدان الخليج. والواضح أن ما تم في هذا المسار، بعد حادثة 11 سبتمبر، لم يُحدث الأثر المرجو بالمقادير الكافية، ربما بسبب غلوٍّ، مقيتٍ هو الآخر، مضت فيه تشكيلاتٌ طائفية، غير سنية، واجهت تلاوين الغلو الزرقاوية والظواهرية وغيرهما، عندما استظلت تلك التشكيلات بسلطاتٍ حاكمة ومتجبرةٍ أجهزت على مفهوم الدولة، في العراق الذي صار مؤكداً أن إيران لن تسمح بيقظته ونهوضه وصلاح أحواله، انتقاماً من سنوات حربٍ غير منسيةٍ إبّان زهو الخميني وصدام حسين بنفسيهما، وثأراً مما نعرف ولا نعرف. أما المقتلة الجارية في سورية، فقد يسّرت أرطالاً من الوجاهة لخطاب المظلومية السنية المستجدة في المشرق العربي، ولا تنفك تغذّي النزوعات المتقدة لدى شبان متدينين إلى “الجهاد” حمايةً للإسلام والمسلمين.

… لم يعد وضع منطقة الخليج كما كان، قبل هذه الطوارئ المتسارعة، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، فرياح حربٍ باردة جديدة صارت بينةً على شواطئها وفي فيافيها، والطموح الإيراني بات بلا سقوف، والتطرف استجدّت له تنويعاتٌ تتناسل من بعضها بهمةٍ سافرة. ونحسب أن داعش وإيران أولويّتان ملحّتان، هذه باعتبارها دولةً متحققة ذات تروسٍ سياسية وعسكرية ظاهرة، وتلك باعتبارها دولة إسلامية متخيلةً تُغوي شباناً تائهين في بحثهم عن مرضاة الله، فيقعون بما يُغضبه، جلت قدرته. ويمكن القول، وإنْ ببعض الحذر (الأكاديمي؟)، إنّ الدعةَ الظاهرة، أَدامها الله على كل أهل الخليج، ومعها الرفاه الاستهلاكي، محضُ تفصيليْن مُعايَنيْن بيسر، غير أنَّ ثمة ما قد يطرأ، فيجعل للصورة في المرآة حوافَّ أُخرى. هل من يسأل، مثلاً، عن الخلل غير الهين في التركيبة السكانية؟ ولماذا لا يُضاف همّاً مقلقاً آخر، مع إيران وداعش؟

العربي الجديد

 

 

 

 

 

لعبة الوقت وكلفة الانفلاش الإيراني/ وليد شقير

توسعت اللعبة الدولية الإقليمية التي تنتج حروباً ومآسي في المنطقة، نتيجة الصراع على النفوذ فيها، وأخذت التعقيدات التي تتسم بها تزيد من تشابك عوامل إدامة هذا الصراع، إذ ينتظر أن يستمر مسلسل تهديد أمن دول كثيرة ووحدتها وحدودها، كما هو حاصل في سورية والعراق واليمن وليبيا، في ظل تهديد أمن الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر، لانعكاسات لعبة الحديد والنار والدماء عليها.

تشابكت الأولويات في المنطقة، من الحرب على «داعش» وغيرها تحت عنوان مكافحة الإرهاب، فيما تتأرجح العلاقات الدولية والإقليمية مع إيران، بين التفاوض على ملفها النووي الذي يبقى من مهلة إنجازه شهر، وبين الصراع معها على تزايد انفلاشها الإقليمي وتدخلها أكثر في التركيبة السياسية والاجتماعية لعدد من الدول تحت عنوان تصدير الثورة.

يسجل المتابعون للعبة الأمم هذه عوامل جديدة دخلت بقوة قد تطيل أمد الصراع في الشرق الأوسط:

1 – أن المتضررين من اتفاق غربي – إيراني على الملف النووي يسعون الى تأخير إنجازه، وهؤلاء يتوزعون بين إسرائيل، وروسيا والصين والمتشددين الإيرانيين، فتل أبيب ليست متأكدة من أن هذا الاتفاق يضمن أمنها، انطلاقاً من السياسة الإيرانية والحدود اللبنانية والسورية. وموسكو تريد الإبقاء على احتمال إغراق واشنطن مجدداً في الحروب الدائرة في المنطقة، طالما الخلاف ما زال قائماً بينها وبين الغرب على أوكرانيا. كذلك بكين التي ترغب بألا يأتيها التركيز الأميركي على النفوذ في منطقة المحيط الهادىء متخففاً من الأزمات العالمية الأخرى، طالما الخلاف ما زال على أشده بين الصين وحلفاء أميركا في تلك المنطقة (اليابان وفيتنام) على ملكية عشرات الجزر الغنية بالنفط والثروات. أما المتشددون الإيرانيون فيخشون من أن يؤدي أي اتفاق الى إضعاف نفوذهم في طهران لمصلحة الرئيس حسن روحاني والإصلاحيين… والفرقاء غير المتحمسين لإنجاز الاتفاق على الملف النووي، يعتمدون على طول نفس المفاوض الإيراني وقدرته على الصمود تمهيداً لإضعاف الخصوم.

2 – ثمة اعتقاد في دوائر ضيقة في الإقليم، أن الغرب والدول المناهضة للنفوذ الإيراني لا تمانع في سياسة التوسع الإيراني في المنطقة طالما أنها لا تهدد حدود دول الخليج، لإغراق طهران بكلفة وأثمان انفلاشها الإقليمي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً. وهذا ما يفسر رد الفعل الخليجي غير الخائف مما حصل في اليمن وقبله العراق، ما دامت القوى الحليفة لطهران والمدعومة منها، تدخل في حرب مع «القاعدة» و «داعش» والإرهاب، كما هو حاصل في اليمن وفي سورية أيضاً. ولعل هذا ما يفسر اكتفاء المسؤولين الخليجيين بإبداء «الأسف» لما يحصل في اليمن مقابل رفع الصوت أكثر حيال التدخل الإيراني في سورية. وفي المقابل، تعتبر طهران ان هذا التوسع الجديد يعزز موقعها التفاوضي مع خصومها الدوليين والإقليميين، ليخففوا من خسائرهم. وهذا ما ينطوي عليه قول روحاني عن احتلال الحوثيين مزيداً من المناطق في اليمن بأنه «جزء من النصر المؤزر والباهر».

3 – إن استعار حرب خفض أسعار النفط بات جزءاً من حلبة الضغوط المتبادلة على الصعيدين الدولي والإقليمي، بما يوحي لخبراء في هذا المجال بأن واشنطن ودول الإقليم أخذت تمعن في اعتماد «القوة الناعمة» في المواجهة الشرسة الدائرة على جبهات عدة، فرفع الانتاج من قبل دول نفطية كبرى مثل المملكة العربية السعودية وانخفاض استيراد بعض الدول لأسباب اقتصادية أو لفائض لديها (مثل أميركا) خفض سعر البرميل الى ما يقارب 80 دولاراً أميركياً بعد أن كان أكثر من 100 دولار العام الماضي، في شكل يؤثر في مداخيل دول مثل روسيا التي احتسبت موازنتها للعام المقبل على أساس المئة دولار، وإيران كذلك. كما يؤثر في الصين التي تتزود بالنفط الإيراني مقابل بضائع ومنتجات تتزود بها منها طهران، التي يعاني اقتصادها أصلاً من العقوبات الاقتصادية الغربية… في اختصار: إذا بقي سعر النفط عند حدود 80 دولاراً، بحسب قول الخبراء، فإن العنصر الاقتصادي يصبح عاملاً مهماً في لعبة الأمم الدائرة.

توحي العوامل الثلاثة المذكورة أننا أمام لعبة الوقت وعض الأصابع. وهي تحمل مخاطر متبادلة في توقع النتائج. وفي الانتظار تبقى دماء السوريين، لا سيما العلويين منهم، والميليشيات العراقية المقاتلة في سورية ومقاتلي «حزب الله» اللبناني، فضلاً عن المغرر بهم من مقاتلي «داعش» في العراق وسورية وغيرهم، وقوداً لتمرير الزمن قبل اتخاذ قادة الدول قراراتهم.

الحياة

 

 

 

إلى أين نحن ذاهبون في ظل استمرار هذه الحرب؟/ عبدالعزيز التويجري

يطرح استمرار الضربات الجوية المكثفة على «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، من دون الحدّ من انتشاره وكبح جماحه والسيطرة على مقدراته التي تساعده في الامتداد والتوسع والاكتساح، يطرح ذلك علامات استفهام كثيرة يحار العقل في الإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي تثيرها بقوة.

فهل هذا الأمر الجلل مبيَّتٌ بليل؟ وهل التلازم بين مواصلة شن الضربات الجوية من الطيران الحربي لقوى التحالف الدولي، وبين استيلاء «داعش» على مساحات إضافية من الأرض، خطة مدبرة؟ وهل التركيز على منطقة واحدة دون غيرها من المناطق التي استولى عليها «داعش» ويتحرك فيها، وهي بلدة عين العرب (كوباني) فوق التراب السوري، هو تدبيرٌ متفق عليه لتحقيق هدف لا يزال مجهولاً حتى الآن؟ وهل الولايات المتحدة الأميركية، التي تقود التحالف بكل قوتها، عاجزة حتى الآن، عن تدمير «داعش»، أو على الأقل تطويقه داخل منطقة محصورة لا يتعداها إلى مناطق أخرى؟ وهل يمكن العقل أن يصدق أنها يبلغ بها العجز وقلة الحيلة إلى هذه الدرجة المحيرة والمثيرة لألف سؤال؟ وهل «داعش» «قوة عظمى» تقصر الإمكانات العسكرية والاستخباراتية المهولة لدى الولايات المتحدة الأميركية، عن احتوائها والسيطرة عليها؟

إن هذه الحرب غير المفهومة والملغومة التي تجري فوق الأراضي العراقية والسورية، تجعل المراقب يشكّك في صدقية السياسة التي تنهجها الولايات المتحدة الأميركية في الإقليم، ويرتاب في واقعية الحسابات التي تعتمدها من أجل الوصول إلى الهدف المعلن حتى الآن، وهو تدمير التنظيم الإرهابي «داعش»، كما يشكّك في الأهداف الخفية من تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، أو لنقل لمحاربة فصيل واحد من الإرهاب دون فصائل أخرى عدة.

إن من يصف هذا الوضع الغامض بأنه لغز من الألغاز، لا يجانبه الصواب، فهذا الوصف هو أقل مما ينبغي أن يقال عن هذه الحرب التي لا صفة واضحة لها ولا عنواناً معروفاً، ولا هدفاً محدداً. ولذلك يميل المرء إلى القول إن هذه ليست حربنا نحن العرب، فلا مصلحة محققة وملموسة ومباشرة لنا فيها في المدى المنظور، وإن كنا نقف من الإرهاب بكل أشكاله موقف الرفض والإدانة والصمود في وجهه والتصدي له ومحاربته. ولكنها حرب تخوضها الولايات المتحدة الأميركية لمصلحتها الخفية عنا، ولدوافع لا نستطيع الاطمئنان إلى موضوعيتها وصدقيتها وجديتها.

لقد عرفت منطقتنا حروباً عدة، منذ العقد الثاني من القرن العشرين وإلى اليوم، وعاش العرب أزمات طاحنة وزلازل سياسية وتقلبات عنيفة ومتغيرات حاسمة كانت لها عواقب شديدة التأثير في الحياة العربية على المستويات كافة، سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وفكرياً، وثقافياً. ولكن ما يجري اليوم على الأرض يختلف اختلافا كبيراً عما جرى خلال قرن من الزمن. لقد وجد العرب أنفسهم مجبرين على الاشتراك في التحالف الدولي من دون أن يكونوا على بينة كاملة من الهدف الرئيس الذي يسعون إلى تحقيقه في إطار هذا التحالف الذي سمّي دولياً، وما هو بدولي بالمعنى الدقيق للمصطلح، لأن الدول المشاركة فيه مشاركة فعلية، دول محدودة للغاية، من دون أن يكون هناك غطاء سياسي دولي بقرار واضح وصريح من مجلس الأمن.

أليس ما يجري اليوم في سورية والعراق، وفي اليمن وفي لبنان، وفي ليبيا وفي الصومال، يدعونا إلى التساؤل عما يخطط للعرب، وينفذ ضد مصالحهم، ويدفع بهم نحو المجهول؟ ذلك أن محاربة الإرهاب لا تتم بهذه الطريقة، ولا ينفع أن تسلط الأضواء على بؤرة واحدة للإرهاب، وأن تشن الضربات الجوية على فصيل إرهابي واحد، ولا توقف تمدّده وخطره، وتترك بؤر أخرى عفنة من الإرهاب، تهدد سلامة الجسد العربي، وتعيث فساداً في الأرض العربية، وتصرف أنظار العرب عن متابعة ما يجري في فلسطين المحتلة من عدوان وجرائم ضد الإنسانية، حيث يوجد اليوم المسجد الأقصى في خطر حقيقي محدق به، محاصر له، متربص به، وحيث تتآمر الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية مع إسرائيل لمنع الفلسطينيين من الحصول على قرار من مجلس الأمن لتحديد جدول زمني لقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والنظام الحاكم في سورية يواصل قتل الشعب وتدمير المدن والقرى بوحشية تامة وبدعم روسي وإيراني وتدخّل مباشر لقوات إيرانية وعراقية ولبنانية ومحاربين من جنسيات أخرى مختلفة، وميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران تعيث في اليمن فساداً، ولبنان دولة من دون رئيس، بسبب الإرهاب الذي يمارسه «حزب الله» تنفيذاً للأوامر الصادرة عن النظام الإيراني الطامع في الامتداد من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط، وليبيا غارقة في مستنقع لا أحد يعلم متى الخروج منه، والعرب، على وجه الإجمال، ولا نقول الحصر حتى لا نقع في المبالغة، تائهون في متاهات السياسة الدولية التي فرضت عليهم الدخول في غياهبها؟

لا أحد من العرب اليوم يعرف معرفة مدققة أين نحن ذاهبون؟ الولايات المتحدة الأميركية، والقوى الكبرى، تعرف في أي اتجاه تسير قافلة العرب. والذين يزعمون منا أنهم يعرفون مصير العرب في هذه المرحلة، وفي المراحل المقبلة، ينطبق عليهم المثل «يهرفون بما لا يعرفون».

ألم يحن الوقت بعد ليستيقظ العرب والمسلمون، وليلتفتوا إلى أمورهم، ويصلحوا أحوالهم، ويصححوا الأخطاء التي وقعوا فيها، ويتعاملوا مع الواقع الذي يعيشونه بعيون مفتوحة، وبعقول مفكرة، وبإرادات حرة مستقلة مصممة على بناء الذات، وحماية الوجود، والدفاع عن المصالح العليا، وعن المستقبل؟

* أكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

روجافا” كردية… ماذا عن العلوية؟/ راجح الخوري

عندما تتحدث واشنطن عن “الخيار الكردي” كبديل من تركيا في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، هل كثير ان تستيقظ الاحلام الكردية المزمنة بالحصول على دولة؟ وعندما تجتمع الخارجية الاميركية مع وفد من حزب “الاتحاد الديموقراطي الكردي”، الذي يقاتل في كوباني، هل من الغريب عقد اجتماعات كردية رفيعة المستوى قبل ايام في دهوك في العراق، تبحث في انعكاس التطورات الاخيرة على المسألة الكردية وفي وضع الأسس لقيام مرجعية كردية؟

صحيفة “التايمس” لم تكشف شيئاً جديداً عندما قالت ان الاكراد السوريين يبحثون مع رفاقهم في العراق في إقامة منطقة كردية تتمتع بحكم ذاتي في شمال سوريا، فالمعروف ان الرئيس بشار الاسد هو الذي وضع حجر الأساس، اذا صح التعبير، لهذه المنطقة، عندما سحب قواته من المناطق الكردية عام ٢٠١٢ مراهناً على امرين:

– اولاً ان يضع الأكراد في مواجهة “الجيش السوري الحر” والمعارضة، ولم يكن هناك يومها لا “داعش” ولا “النصرة”، وكان رهانه ان يضعف الجميع ليربح في النهاية!

– ثانياً في حال انهيار الأوضاع ووصوله الى مرحلة لا يستطيع فيها استعادة السيطرة، من الافضل ان تذهب سوريا الى التقسيم على يد غيره ليحصل على دولته العلوية، وليس لهذا افضل من الاكراد الذين يطالبون منذ زمن بعيد بالحصول على دولة!

من ديرك ومعبدة الى تل ابيض وعفرين مروراً بكوباني والجزيرة، تمتد المناطق الكردية الثلاث التي تطلب الآن نوعاً من الحكم الذاتي كان موضع المحادثات في دهوك، ولم تتوان قيادات كردية في القول انها تعمل للتوحّد في كيان سياسي بهدف تأسيس دولة جديدة!

“حزب الوحدة الديموقراطي” في سوريا يقول ان إعلان تأسيس كيان رسمي ستعقبه انتخابات برلمانية محلية وتشكيل قوات للدفاع، وسيطلق عليه اسم “روجافا” أي غرب كردستان، بما يعني تضمين التسمية رغبة اكيدة في الارتباط بالدولة الكردية، التي يمكن ان تضم اكراد العراق وسوريا وتواجَه بقلق عميق في تركيا وايران.

وليس سراً ان الاكراد الذين يبلغ عددهم ٢٥ مليوناً هم اكبر جماعة عرقية لا دولة لها وهم موزّعون في الدول المشار اليها، والتي ترفض الاعتراف بحقهم في الحصول على دولة مستقلة.

عندما يبارك مصطفى بارزاني وجلال طالباني في العراق طموحات الاكراد في سوريا، فهذا يؤسس لروابط عابرة للحدود الراهنة في الاقليم، اذا قيّض فعلاً اقامة حكم ذاتي كردي في سوريا على غرار الحكم القائم في شمال العراق… وليس مبالغة الافتراض ان قيام منطقة للحكم الذاتي الكردي في سوريا سيفتح البوابة امام قيام الدولة العلوية، فمن المؤكّد انه ليس في وسع الأسد البقاء إلا في سوريا مقسّمة!

النهار

 

 

 

المنطقة على كفِّ… التغيير!/ الياس الديري

لا يبالغ الذين يرجّحون ان تخضع المنطقة العربيّة لسلسلة من عمليات جراحيّة معقّدة، ولولادات قيصريّة قد تشكّل نتائجها مفاجعات صاعقة، لا مجرد مفاجآت وخيبات عابرة.

وستكون هناك تحولات ومتغيّرات من شأنها اعادة صياغة التقسيمات الجغرافية بالنسبة الى الدول الحالية، وعلى أسس مختلفة كليّاً عن تلك التي صاغها اتفاق سايكس – بيكو، واعتمدها في توزيع الاحجام والحصص والمواقع.

هل يعني ذلك ان العالم العربي سيشهد اعادة نظر شاملة على هذا الأساس، فتغيب أو تتغيّر دول قديمة وتظهر في الجغرافيا والتوزيعات الجديدة دول مختلفة شكلاً ومضموناً وتوزيعاً وحدوداً؟

لا يستطيع العقل العربي أن يستسلم لهذه التوقعات أو التحليلات، كما لن يكون من السهل تحقيق انقلاب بهذا الحجم، ولا يختلف بتفاصيله وحيثياته عن حكايات ألف ليلة وليلة.

هذا صحيح، وأقرب الى المنطق والعقل والواقع. إلا أن الطحشة المفاجئة لتنظيم “داعش”، وظهور “الدولة الاسلاميّة”، واعلان الخلافة ما بين طرفة عين والتفاتتها، ثم انطلاق جيوش “الدولة الجديدة” في حروب فتوحات وغزوات توسعيّة – الا ان ذلك كله من شأنه الايحاء بصحّة ما يقال ويشاع عن اعادة النظر في التقسيمات الجغرافية القديمة و”بناء” عالم عربي جديد، بكل ما في الكلمة من معنى.

وخصوصاً اذا راجعنا عنا ردود الفعل الدولية، والمواقف الهزيلة بل الهزليّة لأميركا التي كان يُنظر اليها على انها روما العصر…

فماذا فعلت أميركا؟ وماذا قدمت الدول الكبرى؟ وأين هي من الحرب العالمية الجديدة التي يعيشها المشرق العربي؟ وأين حصاد الأساطيل الجويّة والبحريّة للائتلاف الدولي؟

حتى بالنسبة الى حرب في مدينة صغيرة تُسمى كوباني، ارتكبت طائرات الائتلاف أكثر من خطأ، آخرها اسقاطها شحنتي أسلحة في منطقة جيوش “داعش”.

الوقائع الحربيّة مريبة للغاية، والموقف الدولي مما حصل ويحصل في العراق وسوريا واليمن مريب أكثر فأكثر، وتالياً يُعطي أدلة “حيّة” على صدقيّة ما يقال عن “الانقلاب الجغرافي” على اتفاق سايكس – بيكو وتقسيماته.

والخير لقدّام. فالرئيس باراك أوباما يقدّر المسافة الزمنيّة التي تحتاج اليها عواصف المنطقة وزلازل التغييرات بثلاث سنوات، قابلة للتجديد… اذا لم تتراجع الحروب أو تتوسّع.

ليس في الامكان الآن الدخول في أي رهانات حول التطوّرات والمتغيّرات الجنونية في هذه المنطقة. كما من رابع المستحيلات بناء رأي، أو رؤية، أو خلاصة واقعية لاتجاهات الاحداث، ونتائجها، ومراسيها، ومتغيّراتها.

 

 

تركيا.. الدولة الممر/ محمد نور الدين

عكست التطورات الأخيرة المتعلقة بمدينة عين العرب (كوباني) السورية مدى التخبط في السياسة التركية تجاه مجمل الأوضاع الإقليمية، ولا سيما المسألة الكردية.

وكم كان فاضحاً ذلك التحول في السلوك التركي بين ليلة وضحاها تجاه ما يحدث في عين العرب. وهذا ليس على قاعدة تحول في الموقف، أو تخل عن العناوين التي رفعها المسؤولون الأتراك، بل على قاعدة «مُكره أخاك لا بطل».

لقد أظهرت الأحداث أن الخلاف بين أنقرة وواشنطن كبير، ولا سيما بشأن المسألة الكردية. ففي حين كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يضيف «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا إلى لائحة التنظيمات الإرهابية، معتبراً انه و«حزب العمال الكردستاني» واحد، كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف تكرر التأكيد على أن «الاتحاد الديموقراطي» ليس منظمة إرهابية.

ومع رفض تركيا فتح أي ممر مساعدة إلى عين العرب كانت الولايات المتحدة تلقي مساعدات من الجو للمدافعين عن المدينة، قبل أن تضغط وتجبر أنقرة على فتح ممر عسكري هذه المرة عبر تركيا لوصول مساعدات أسلحة ومقاتلين من «البشمركة» الكردية في شمال العراق إلى عين العرب. وبذلك كانت واشنطن «تمسح بالأرض» كل طروحات «حزب العدالة والتنمية» حول المدينة وأكراد سوريا.

وهذا لا شك يدخل أنقرة في حرج إضافي، وهو أن تسهيل المساعدات لكوباني هو دعم غير مباشر إلى «حزب العمال الكردستاني» على اعتبار أن «الاتحاد الديموقراطي» هو الشقيق السوري له.

كما أن مجرد مرور مقاتلين أكراد، ولو غير مسلحين، في طريقهم إلى عين العرب عبر الأراضي التركية سوف يشكل مشهداً سوريالياً يجعل مقولات «السيادة الوطنية» التركية، ولو بموافقة رسمية، مثار سخرية. وهذا لا شك سوف يقلل من اعتبار الدولة التركية بكل مقاماتها. غير أن وضع المؤسسة العسكرية هو الأصعب، خصوصاً أنها تعتبر حامية السيادة.

لقد أظهرت التطورات الأخيرة أن تركيا مهما وصلت خلافاتها مع الولايات المتحدة إلى الذروة، فليس أمامها سوى الرضوخ في النهاية، في حال كانت واشنطن مصرة على مطلب معين، وهو ما حصل في تطورات عين العرب.

ومن نتائج هذه التطورات أن تركيا فقدت المبادرة في الموضوع الكردي. وبدلا من أن تقدم المساعدة لعين العرب ضد تنظيم إرهابي مثل «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» فتكسب قلوب أكراد تركيا وسوريا معاً فإنها فوتت هذه الفرصة التاريخية، وأظهرت أقصى قدر من الكراهية للأكراد بضم «الاتحاد الديموقراطي» إلى قائمة أعداء تركيا ووصفه بالإرهابي.

وفتح هذا الموقف أمام تحول إستراتيجي في المنطقة مع إظهار الولايات المتحدة على أنها الحامي للأكراد في العراق وسوريا وتلقائياً في تركيا. وسيذكر الأكراد أن أميركا هي التي أنقذت عين العرب من خطر الإبادة «الداعشية». وفي ذلك تكرار للسيناريو العراقي عندما بادرت واشنطن إلى غارات جوية تردّ «داعش» عن أبواب أربيل.

أيضاً انتقلت صورة الحامي والمدافع عن الأكراد إلى يد دولة أخرى، هي إيران المنافسة لتركيا في المنطقة. وبذلك تكون أنقرة خسرت بالجملة لمصلحة خصومها بعدما كان بإمكانها إصابة عدة عصافير بحجر واحد.

ودفاع أميركا عن عين العرب هو دفاع عن فكرة «الحكم الذاتي» وإصابة في قلب النظرة التركية التي اشترطت على أكراد المدينة التخلي عن فكرة «الحكم الذاتي» لتبادر إلى مساعدتهم.

يتقدم اللاعب الكردي من أربيل إلى عين العرب، ليس فقط في الأحداث المتصلة بالمسألة الكردية بل أيضاً في لعبة رسم الخرائط الجديدة في الشرق الأوسط، وبرعاية أميركية. ولعلها مفارقة أن يكون اللاعبان الرئيسيان الآن في أحداث المنطقة ليسا دولتين، بل قوتان هما «داعش» والأكراد. وليس تساؤلا في غير محله عما إذا كان هذا مؤشراً على ملامح الدول الجديدة التي ستنشأ في المنطقة في مرحلة إعادة رسم الخرائط والحدود، ولو بعد سنوات.

لقد حولت تركيا أراضيها على مدى ثلاث سنوات إلى ممر كبير وواسع لكل أنواع المسلحين من أنحاء العالم في طريقهم إلى سوريا. وليس كثيراً عليها بالتالي أن تفتح ممراً، ولو صغيراً، لـ«البشمركة»، إلى عين العرب. وباتت تركيا في أذهان الرأي العام أنها «دولة ممر»، سواء بإرادتها أو رغما عنها. وهذا كله ليس سوى نتاج السياسات الخاطئة والطامعة لسلطة «حزب العدالة والتنمية» التي أرادت أن تتفرد في الهيمنة على سوريا والمنطقة، فإذا بها غير قادرة على ممارسة سيادتها على أراضيها نفسها.

السفير

 

 

 

 

أكثر تطوراً وأخطر من بن لادن/ الياس حرفوش

تنشغل الحكومات الغربية بمحاربة تنظيم «داعش» وسواه من التنظيمات التكفيرية والإرهابية على شبكة الإنترنت مثلما تواجهها في مواقع تواجدها في العراق وسورية، وسواهما من الدول. صارت المواقع الإلكترونية حلبة لنشر افكار هذه التنظيمات ولدعوة الشباب الى القتال الى جانبها او تجنيدهم للقيام بعمليات في اماكن لم يصلها وقد لا يصل اليها على الإطلاق قادة التنظيمات الإرهابية مثل ابي بكر البغدادي وغيره.

هكذا صار ممكناً لشاب مثل مايكل زيهاف بيبو لم يتسنّ له ان يزور سورية للقاء «الداعشيين» وتقديم طلب الانتساب اليهم أن ينفذ ما يخدم غرضهم، من خلال هجومه على البرلمان الكندي والذي جاء رداً على مشاركة المقاتلات الكندية في الطلعات الجوية ضد «داعش» في العراق.

كذلك صار ممكناً للشاب الأميركي زيل طومسون، ان يهاجم رجال الشرطة في حي كوينز في نيويورك بالفأس، بحجة «الجهاد»، من غير ان يكون قد زار اي مخيم تدريب لأي تنظيم متطرف، في الشرق الأوسط او في غيره من المناطق.

انقضى الزمن الذي كان فيه اسامة بن لادن مضطراً لتسجيل اشرطته الدعائية التي كانت تتضمن خطب التحريض ضد الحكومات الغربية، ثم البحث عمّن يتولى ايصالها الى مكاتب قناة «الجزيرة» في الدوحة لتتولى بثّها «الحصري». ما عادت هناك حصرية اليوم، وباتت مهمة البغدادي اكثر سهولة بفضل شبان عرب وغربيين محترفين، يعرفون الطريقة الأفضل لبث اشرطة الذبح والرجم على المواقع الخاصة بهم، او يبعثون الرسائل التي تدعو الشباب إلى الانضمام الى «جنّتهم» عبر «فايسبوك» و»تويتر» وغيرهما من وسائل التواصل المسماة «اجتماعية».

كان يفترض ان يكون الهدف من تطوير وسائل الاتصال هذه هدفاً نبيلاً، هو ربط الناس ببعضهم في هذه القرية الكونية الصغيرة التي نعيش فيها. لكن الجانب الآخر السلبي لهذا الربط هو الذي يستفيد منه قادة التنظيمات الإرهابية لتجنيد المقاتلين والتخطيط للعمليات في العواصم والمدن البعيدة. هكذا صار اكثر وسائل الحداثة في خدمة أخطر افكار التطرف.

نتيجة ذلك، ووفق تقارير الاستخبارات الغربية، اصبح عدد الشباب الغربيين الذين يقاتلون تحت راية «داعش» و»جبهة النصرة» في سورية يتجاوز ثلاثة آلاف، قدموا من بريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسواها. فيما قدّر وزير خارجية كندا عدد الذين انضموا من بلاده الى هذه التنظيمات بمئة شخص على الأقل، واعتبره رقماً «مخيفاً». اضافة الى هؤلاء، هناك مسلحون اسلاميون قاتلوا في حرب البوسنة وعادوا الآن الى القتال الى جانب اخوتهم «المجاهدين».

صارت الحرب التي يخوضها الغرب على الإرهاب وتنظيماته اكثر صعوبة. لم يعد يكفي ان تشن المقاتلات الغربية غاراتها على مغاور تورا بورا لملاحقة بن لادن ورفاقه، او ان تدمر مقر اقامته في أبوت آباد الباكستانية. صار الفضاء الافتراضي هو الساحة المفتوحة لهذه المواجهة، وهي ساحة لن يكون الانتصار فيها مضموناً، الا اذا تم التضييق على وسائل التواصل، مثلما يتم التضييق على حركة المقاتلين على الأرض.

من هنا اهمية التحرك الذي قامت به الحكومة البريطانية اول من امس (الخميس) عندما دعت الى مقر رئاسة الحكومة في داوننغ ستريت المديرين التنفيذيين في «تويتر» و»غوغل» و»فايسبوك» وطلبت منهم اتخاذ اجراءات للحد من نشاط التنظيمات الإرهابية على وسائلهم. بينما تبحث وزارة الداخلية البريطانية ومكتب المدعي العام اللجوء الى احكام قضائية ترغم الشركات التي تؤمن خدمات الإنترنت بإزالة المواقع التي تنشر الدعاية للتنظيمات التكفيرية او التي تدعو الى تجنيد عناصر في خدمتها.

وكان السبب الذي دفع الحكومة البريطانية الى اتخاذ هذا الإجراء الاستثنائي هو ما كشفته عن اتصال احد الدعاة الإسلاميين، أنجم شوداري، العضو في جماعة «المهاجرون» المحظورة في بريطانيا، عبر حسابه على «تويتر»، بالشابين الكنديين مايكل زيهاف بيبو، الذي نفذ الهجوم في أوتاوا، ومارتن رولو، الذي هجم بسيارته على احد العسكريين في كيبك.

غير ان شوداري ليس الوحيد الذي يوظف حسابه على «تويتر» في خدمة نشر افكاره المتطرفة. صار هذا الفضاء عابقاً بهذه الأفكار التي يسقط ضحيتها سذّج وهامشيون في مجتمعاتهم وانتحاريون ساعون الى «الجنة». غير ان الضحية الكبرى ستكون انفتاح المجتعات الغربية على سواها من دون خوف واضطرارها الى اتخاذ اجراءات قاسية تتناقض مع ثقافة الحرية التي كانت تتغنى بها. وهو ما لخصه رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر بالقول ان بلاده «فقدت عذريتها» بعد الهجوم الأخير في قلب عاصمتها.

الحياة

 

 

 

الأب يرجم ابنته.. إعلان «داعش» الترويجي/ عبد الرحمن الراشد

لماذا حرص تنظيم «داعش» على ترويج فيديو لمقاتليه يرتكبون جريمة رجم امرأة حتى الموت بمشاركة الأب؟ هذا الفيديو سيبقى واحدا من أكثر الفيديوهات بشاعة، وإساءة للمسلمين، وفي نفس الوقت يدلنا، لا على وحشية التنظيم، فهذا أمر سبق تأسيسه، بل على قدرته على البقاء ظاهرا على سطح الإعلام، واستخدام الإعلام الاجتماعي لأغراضه، ودليلا على نجاحه على التفوق، وحصوله على أعلى الموضوعات التي تناقش. لقد حققت بشاعته ما يريده إعلاميا.

هدفه أن يصدم الناس بأقصى، وأقسى ما يمكن من صور لقطع الرؤوس، وقتل المدنيين العزل جماعيا، وملاحقة النساء ورجمهن. لم يسبق حتى لتنظيم القاعدة، الذي قَص شريط العنف المصور، أن تمادى كما يفعل مقاتلو «داعش».

هذا العنف والوحشية لا تباع لعامة الناس للتدليل على شراستهم، إنما ترافق عملية إقناع بأنهم الإسلام الصحيح، وأنهم النظام البديل، وأنهم قادرون على تجنيد المزيد من خلال التحدي، والتغيير، والترويج لتفسيره الخاص بالإسلام. الفيديو الصادم يوضح قدرة المتطرفين على إقناع الأب الجاهل، أنه عندما يرجم ابنته ستذهب بعد قليل إلى الجنة، مطهرة من آثامها، ويستطيعون إقناع الفتاة بالقبول لأنها تكفر عن ذنوبها بقبولها بالقتل رجما.

هذا الفيديو نشره أتباع «داعش» لكنهم لم يحرصوا على الحديث عن ما جرى في مدينة الرقة السورية عندما جمعوا الأهالي في ساحة قرب الملعب البلدي لرجم فتاة صغيرة، إلا أن المواطنين رفضوا المشاركة في الجريمة، حيث رجمها مقاتلون من تنظيم داعش، ومع أن الخبر ظهر من التنظيم، إلا أنه لم يوزع الفيديو، مدركا أن تمرد الأهالي عليه واستنكارهم ليس بالمادة الدعائية المناسبة.

لكن يجب ألا نقلل من نجاح دعايته. فإذا كان التنظيم قادرا على التغرير بالأب وابنته ليرتكبا الجريمة، فليس صعبا عليه إقناع المزيد من الآلاف السذج للالتحاق به أو تأييده ودعمه، عندما يشاهدون أعماله، ويسمعون أقواله. ومع أن السياسيين يتحدثون بلا انقطاع عن ملاحقة المتشددين من الدعاة، ومطاردة الفكر المنحرف، لكن نظرة واحدة على المواقع الاجتماعية وفيديوهات الـ«يوتيوب»، تبين جليا أن المنتصر في المعركة هو «داعش»، وبمسافة بعيدة.

ولم تعد أرض سوريا والعراق الساحة الواعدة لمن يتم تجهيزه للقتال بعد، بل اليمن. فمواجهة الحوثيين هي الصرخة الجديدة لدعوة الشباب للقتال في اليمن، والهدف بطبيعة الحال بناء جيش أكبر في اليمن لتنظيم القاعدة، وفصائله. ولن يكون صعبا التسلل إلى اليمن من الحدود الواسعة، والتضاريس الوعرة، وخاصة أن الدولة في حالة انهيار أو توشك، نتيجة تحالف الرئيس المعزول علي عبد الله صالح مع ميليشيات الحوثيين الموالية لإيران.

لا يفترض أن ننظر إلى «داعش» بمقاييسنا الأخلاقية والدينية، فهي جماعة قررت أن تهز العالم، بأكثر مما فعلته «القاعدة»، وما نراه من أفعال سيستمر لسنين طالما أن الحل دائما يصل متأخرا. فمعظم ذخائر الدول المتحالفة ذهبت لقتال «داعش» في بلدة صغيرة مثل كوباني، فماذا عن مئات المدن والقرى المنتشرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا؟

الحقيقة، لا توجد جيوش كافية لقتال المتطرفين المنتشرين في أنحاء المنطقة، ولن يقل عددهم مهما اشتد القصف وأصبح أكثر دقة، وذلك بسبب قدرة التنظيم على نشر دعايته وتجنيد المزيد. لهذا فالمعركة خاسرة ما لم توجد نشاطات مكثفة من كل الحكومات لوقف دعاية المتطرفين ومحاسبة المتعاطفين معهم، من «داعش» و«القاعدة» ومتطرفي الإخوان المسلمين، حتى يمكن الوصول إلى مرحلة قطع أوكسجين الدعاية، وخنق التطرف.

الشرق الأوسط

 

 

 

لا فرق بين عربي وعربي/ مصطفى زين

تقترب الولايات المتحدة من الإتفاق مع إيران على برنامجها النووي. وليس تكهناً أن هذا الإتفاق يشمل التفاهم على تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط. فهذا هوالأساس في الخلافات بين الطرفين. أما المسألة النووية فليست سوى عنوان تندرج تحته كل القضايا الأخرى، من المصالح النفطية في الخليج إلى الموقف من إسرائيل، فضلاً عن التحالف مع روسيا. يؤكد ذلك بعض المسؤولين في البيت الأبيض وفي مراكز الأبحاث المؤثرة التي ترى أن واشنطن تستطيع التعايش مع إيران نووية، حتى لو امتلكت السلاح الذري، مثلما تتعايش مع باكستان التي احتضنت «طالبان» و»القاعدة». ولا ينسى هذا البعض التذكير بأن البرنامج النووي نشأ بمساعدة غربية، فرنسية تحديداً، أيام الشاه عندما كان حليفاً لأميركا، ويضطلع بدور شرطي الخليج والمدافع عن الجبهة المتقدمة في مواجهة الإتحاد السوفياتي، وصديق إسرائيل الحميم.

من حق الدول العربية أن تقلق وتتوجس من أي اتفاق بين الولايات والمتحدة وإيران لأنه، في كل المقاييس، سيكون على حسابها، خصوصاً ان أمنها مكشوف تنخره الطائفية من الداخل، وتهددها المطامع من الخارج. وهي غارقة في صراعات قبائلها وطوائفها و»دواعشها» التي أفرزتها خلال عشرات السنين ودعمتها لاستخدامها في أفغانستان والعراق وسورية، وفي غير بقعة من العالم عندما كانت تخدم مصالح واشنطن الإستراتيجية والمصالح الضيقة لداعميها.

يستدعي هذا الإهتراء العربي عودة سريعة إلى الوراء. حتى سبعينات القرن الماضي، كانت المواجهة مع إيران وتركيا والولايات المتحدة قائمة على أسس جيواستراتيجية. ولم تكن الأيديولوجيا الدينية أداة هذه المواجهة. في معنى آخر، كانت إيران وغيرها تواجه شعوباً عربية أهدافها شبه موحدة. صحيح أن هذه الشعوب ضعيفة، لكن كان لديها شعور قومي وإحساس بالكرامة يحول دون اختراقها أو التدخل في شؤونها وتفتيتها وإعادتها إلى ما قبل التاريخ. ولنتذكر أن الأيديولوجيا القومية واليسارية كانت قادرة على التأثير في حركة الشعب الإيراني وتوجيهها ضد سياسات الشاه الداخلية والخارجية. (الثورة المصرية تزامنت مع حركة مصدق الذي أطاحته الإستخبارات الأميركية والبريطانية عام 1953).

بعد هزيمة المشروع العربي في حروب من الخارج، وغزوات من الداخل، أصبح من السهل لإيران وغير إيران التحكم في التوجهات السياسية لكل الدول العربية، من مصر قائدة القطار التي وقعت في براثن اتفاقات كامب ديفيد، وعزلت نفسها عن عالمها، إلا عندما تملي عليها هذه الإتفاقات التحرك، إلى العراق الذي دمر وأعيد إلى مرحلة ما قبل الدولة، فسورية التي يجري تدميرها بيتاً بيتاً وحجراً حجراً…

باختصار أصبح العالم العربي من دون مناعة، تتقاذفه الرياح، وليس غريباً أن يكون أي اتفاق إيراني – أميركي على حسابه. حتى لو حجّم الإتفاق دور طهران ونفوذها، وهذا مستبعد، فسيكون ذلك لمصلحة الولايات المتحدة وليس لمصلحة العرب المستمرين في عملية تدمير ذاتي تغني الآخرين عن عناء شن حروب عليهم.

فشلت كل الرهانات على حرب شاملة تشنها الولايات المتحدة على إيران. وانعكس التجييش الديني على العالم العربي تدميراً، فيما الإتفاقات عليه قائمة بين الشرق والغرب لا تفرق بين هذه الطائفة أوتلك. ولا فرق بين عربي وعربي إلا بمقدار ولائه للخارج.

الحياة

 

 

من سيحسم المعركة العسكرية في كوباني؟/د. نقولا زيدان

تشخص الأنظار والاهتمام الشديد في المرحلة التاريخية الراهنة ليس الى الشرق الأوسط فحسب بل الى تركيا بالذات. وينهمر وابل من الأسئلة المتلاحقة التي تحاول استيضاح حقيقة الموقف التركي ليس من تطورات المعارك في كوباني (عين العرب) فحسب بل ضرورة معرفة نوايا أنقرة وبالتفاصيل الممكنة حيال أزمة داعش التي تستحوذ على اهتمام دول المنطقة بل العالم أجمع. ويبدو هنا من نافل الكلام تذكير أنفسنا قبل الآخرين بالأهمية الاستراتيجية لمنطقتنا بالنسبة للعالم المتقدم صناعياً وعلى رأسه أميركا، أو لأن دولة اسرائيل تعيش بيننا، بل لأن مادة استراتيجية تفاقم موقعنا الاستراتيجي أهمية وخطورة هي البترول. ولو برزت طفرة «داعش» وتحولها السريع الى خطر داهم في منطقة صحراوية فقيرة تفتقر الى المكامن الجوفية، لما التفتت اليها الدول العظمى ولا دقّت ناقوس الخطر وتنادت لتشكل تحالفاً دولياً للتصدي لظاهرة «داعش« بهدف سحقها في المهد.

إن تركيا الحديثة بمساحتها الشاسعة (779,452 كلم مربع) وعدد سكانها الوازن (حوالى 71 مليون نفس) هي تلك الدولة التي يعول كثيراً عليها في تقرير وحسم المعركة الراهنة. فهي علاوة على موقعها الاستراتيجي المفصلي بين الشرق والغرب وامساكها بالمضايق التاريخية الموصلة للبحر الأسود، عضو أساسي في حلف شمالي الأطلسي، وتطالب منذ سنوات عبثاً بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وتركيا تلك الدولة الاسلامية العلمانية الهامة قد تأثرت كثيراً بتبعات الحرب السورية المشتعلة منذ مطلع عام 2011 وقد استضافت مئات الألوف من النازحين السوريين، استقبلت باكراً المجلس الوطني السوري والقيادات العسكرية المنشقة الأولى عن الجيش النظامي وسائر احرار وسياسيي ومثقفي سوريا في المنفى. وقد اعتبرت القيادة السياسية التركية الحالية (حزب العدالة والتنمية) نفسها معنية بالشأن السوري محاولة إقناع الأسد بإجراء اصلاحات داخلية سريعة، في الوقت الذي كانت فيه إيران تعتبر الانتفاضة نذير حرب مدمرة. وبالرغم من استمرار علاقتها الديبلوماسية مع اسرائيل فقد جازفت أنقرة بعلاقاتها هذه مؤخراً إبان أزمة أسطول الحرية المتجه سلماً نحو قطاع غزة. فقد كان ذلك الوجه الآخر الضروري للتوجه نحو العرب والمسلمين تعويضاً عن الصد الذي ووجهت به في محاولاتها الحثيثة لدخول الاتحاد الأوروبي.

أدركت القيادة التركية الحالية باكراً عدم جدية الغرب عموماً وأميركا تحديداً بتقديمها الدعم العسكري واللوجستي للمعارضة السورية، خصوصاً عندما راحت أميركا تتلمس وتختلق الذرائع لتبرير احجامها العملي عن دعم الجيش السوري الحر. وبقيت الأسلحة الغربية النوعية مكدسة في عنابر ومستودعات الجيش التركي بانتظار القرار المركزي لحلف شمالي الأطلسي الذي تتزعمه أميركا. ولم تنجح لا النصائح ولا الضغوط السعودية والخليجية في الافراج عن تلك الأسلحة. هذا في الوقت الذي كانت تتدفق على نظام بشار الأسد الأسلحة والمعدات الروسية والايرانية وكذلك فرق الحرس الثوري الايراني وميليشيات لواء أبو الفضل العباس وحزب الله اللبناني. بل تتخذ الحرب السورية بطبيعة الحال منحى مذهبياً سنياً شيعياً لم تصل اصداؤه الى لبنان فحسب، بل اعتمده رئيس الحكومة العراقي السيئ الذكر نور المالكي سياسة رسمية لعهده المشؤوم. فاضطهاد سنة العراق واقصاؤهم عن الحكم والادارة وقيادة الجيش والقضاء كان الوجه الآخر البشع لسياسة بشار الأسد المذهبية في تسليط الأقلية على الأكثرية في سوريا. ذلك ما وفر التربة الخصبة المناسبة المحتضنة الجاذبة لنشوء داعش التي سهر على استنباتها محور المالكي الأسد بقصد تمزيق المعارضة السورية وتشتيتها وكذلك إمعاناً من المالكي في اقصاء السنة عن السلطة.

إن الهاجس الكردي هو همّ يومي ضاغط لحكومة أنقرة. والحكومة التركية ليست وحدها معنية بهذا الملف الشائك. فالأكراد دولة فعلية في شمال العراق وآربيل قد تحولت الى ملاذ للأكراد الهاربين من سعير الحرب السورية. والأكراد كما نعلم ينتقلون في جبالهم العالية من إيران الى العراق الى تركيا الى منطقة الجزيرة في سوريا بحرية ومن دون أي اعتبار لمسألة الحدود والمعابر الرسمية. كما ان هاجس تمزيق وحدة الأراضي التركية يسكن ضمير حكام أنقرة، فالويلات الأرمنية ما زالت دليل اتهام ضدهم في الغرب، كما ان ذكريات سايكس بيكو مازالت ماثلة في أذهانهم، ثم ان الأكراد ليسوا حزباً واحداً ولم يشكلوا منظمة تحرير تؤلف في ما بينهم على غرار الفلسطينيين، وكثيراً ما احتكموا للسلاح لفض النزاعات في ما بينهم على السلطة (الاتحاد الديموقراطي، الحزب الوطني، حزب العمال الثوري…).

هذا هو المشهد السياسي الذي يتوجب علينا قراءته لندرك في العمق السلوك الذي تنهجه الحكومة التركية وهي تواجه خطر «داعش« الآن. صحيح ان لأميركا من خلال الحلف الأطلسي قواعد عسكرية وجوية استراتيجية مهمة في الأراضي التركية وان الأسطول السادس الأميركي يرابط في مرفأ وخليج اسكندرون الاستراتيجي، لكن السماح والاذن التركيين ضروريّين لاستخدامها. والأتراك يراقبون بكثير من القلق تدفق وضخ الأسلحة والتجهيزات الأميركية والأوروبية على قوات البشمركة الكردية التي تواجه «داعشط في تخوم الموصل وكركوك بنجاح محدود في العديد من المواقع، لكن الصحيح أيضاً ان كوباني أو عين العرب ممر حدودي خطير نحو الأراضي التركية، وتركيا معنية قبل الآخرين بالدفاع عنه. والطلعات الجوية الأميركية والغربية تبدو غير كافية لصد غارات «داعش« المتتابعة، فلا بد والحالة هذه من تدخل عسكري بري واسع النطاق يزاوج الغارات الجوية ويترافق معها. وقيادة العمليات الأطلسية المناطة بالأميركيين لا تتوقف عن تكرار هذا الحتم العسكري. وبالتالي فإن استقدام قوات البشمركة الى كوباني مطلب غربي أميركي ملحّ، ذلك أن الغرب ما زال متردداً باللجوء الى تدخل عسكري بري مباشر، وما زال يؤثر الاعتماد على قوات البشمركة والحرس الكردي. ولا نتحدث قط هنا عما هو معروف حول التمويل العربي لأكلاف هذه الحرب العالمية ضد «داعش« ذلك ان الأرقام ما زالت غير نهائية. ثم ان الايرانيين أنفسهم لم يحسموا مسألة تدخلهم البري بعد. ذلك ان طهران لها شروطها في هذا المجال وعلى رأسها عدم المساس ببقاء بشار الأسد في السلطة ناهيك عن عدم موافقتها على سحب حزب الله اللبناني مقاتليه من المنطقة الفاصلة بين دمشق والحدود اللبنانية (القلمون..)، هذا بالإضافة الى مطلبهم الأساس حول مفاعلاتهم النووية ومسألة العقوبات.

حول هذه المسائل يحتدم الجدال الآن بين الأطراف المعنية بمواجهة «داعش« سواء أكان ذلك في العراق أم في سوريا بل حتى في لبنان. فالأتراك يطرحون بإلحاح شديد أسئلة من قبيل ضرورة معرفة نوايا أطراف التحالف الدولي حيال المعركة مع «داعش«. وما هو الموقف الفعلي لإيران من المعركة المحتدمة؟

وهل بإمكان قوات البشمركة وحدها حسم المعركة؟ وما موقف التحالف من نظام بشار الأسد الذي ملأت الدنيا أطرافه صخباً بعدم شرعيته ووجوب تنحيه في جنيف1 وبحدّة أقل في جنيف2. ولماذا أكره المالكي على التنحي وتم السكوت على تنحي الأسد؟. ولماذا يتم التعتيم على نشاط الائتلاف الوطني السوري في الغرب؟ ولمصلحة من إطالة أمد هذه الحرب؟

ان تركيا ترى من الضرورة بمكان إنشاء مناطق سورية آمنة في الشمال السوري تحرسها بطاريات الباتريوت والطيران التركي وجنود الجيش السوري الحر.

هذا باختصار شديد جانب من الهواجس التركية حيال المعركة مع «داعش« وبعضهم في الغرب يهمس في أروقة المستشارية في برلين وقصر الاليزيه في باريس أن النوايا الحقيقية لأنقرة بعد سحق «داعش« هي دخولها المظفر الى الاتحاد الأوروبي. قد تكون تلك التساؤلات بدورها صحيحة.

المستقبل

 

 

 

 

محاربة «داعش» وتداعياتها!/ عبدالزهرة الركابي

واشنطن وبتحالفها الدولي على جبهة محاربة (داعش)، راحت تزج بقواتها في هذه الحرب، من دون إستئذان الدول التي يسيطر على بعض أراضيها هذا التنظيم الإرهابي، لا سيما وأنها تعتبر (داعش) خطراً على أمنها القومي، وفقا« لمقولة مكيافيللي (الغاية تبرر الوسيلة)، حتى أن العراق وسوريا وبقطع النظر عن نظامي حكمهما، لم تعارضان هذا التوجه السائد.

وما عدا بعض المواقف المعارضة والخجولة للتدخل العسكري البري لهذا التحالف، كما جاء في تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فإن الإتجاه المتطور في هذا السياق، يتقدم نحو تدخل قوات برية من دول التحالف المذكور، بعدما أثبت الواقع الميداني العسكري، أن الغارات الجوية ليست كافية في الحد من إيقاف التقدم الميداني لـ(داعش) سواء في العراق أو سوريا، حتى أن إستراليا وعلى الرغم من عدم حصولها المسبق، على ضمانات حماية لقواتها من الحكومة العراقية، بيد أن زيارة وزيرة الخارجية الإسترالية جولي بيسوب الى بغداد في الفترة الأخيرة، تم من خلالها إستدراك هذا الموقف، حيث تم الإتفاق بين العراق وإستراليا على أطار بهذا الشأن، إذ أعلنت الوزيرة الإسترالية في ختام زيارتها، عن اتفاق بلادها مع الحكومة العراقية على ارسال نحو 2.. مستشار عسكري استرالي الى بغداد لمساعدة الجيش العراقي في المعارك ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).

وتأتي هذه المشاركة الإسترالية من منطلق أن الولايات المتحدة عبر مسؤوليها، أعلنت أن العراق له الأولوية في محاربة (داعش)، وهذه الأولوية لها مدلول مستقبلي، ربما يتمثل في مشاركة قوات برية أميركية بشكل مباشر قي القتال الدائر، وعناصر هذه القوات تتدفق على العراق تحت تسمية (المستشارين)، سواء أكان ذلك من أميركا أو من غيرها.

لهذا، لم يكن الإعلان الإسترالي بهذا الصدد مستغرباً، لأن في حقيقة الأمر، أن عناصر من القوات الأميركية، لها الفضل في إيقاف الزحف (الداعشي)، عندما تم إنزالهم بواسطة الحبال من الطائرات المروحية (الهليوكوبتر) في مناطق محتدمة القتال، كما حصل في ضواحي أربيل وسهل نينوى وسد الموصل، عندما كانت الميليشيات الكردية (البيشمركه) في حال تقهقر، والحال نفسه حصل، في (مصفى بيجي) في محافظة صلاح الدين ومركزها مدينة تكريت على أثر تمكن (داعش) من إحداث خرق في دفاعات القوات العراقية المدافعة عن هذا المصفى، كما لا ننسى الإنزال الأميركي في (قاعدة عين الأسد) التي تقع في غربي محافظة الأنبار، وكذلك تواجد قوات أميركية في (قاعدة الحبانية) في المحافظة نفسها، وكان لتدخل طائرات (الأباتشي) وهي تحلق على علو منخفض، فعله المؤثر في إيقاف زحف (داعش) نحو مطار بغداد.

وهذا ما أكده رئيس أركان الجيش الأميركي مارتن ديمبسي بالقول، ان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف ب (داعش)، (كاد أن يصل الى مطار بغداد الدولي، فيما بيّن أن الأمر استدعى التصدي لهم بمروحيات الأباتشي الأميركية)، وقال ديمبسي في مقابلة مع قناة ABC، وأوردتها الـ CNN، إن (تنظيم داعش كاد أن يصل الى مطار بغداد الدولي، حيث كان يبعد نحو 25 كيلومتراً عن المطار)، مؤكداً أن (الأمر استدعى التصدي لهم من خلال مروحيات الأباتشي الأميركية المقاتلة لإبعادهم عن هذه المنشأة الحيوية).

وفي هذا السياق قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين، (لا اعتقد أن داعش قادر على السيطرة على العاصمة العراقية بغداد، ولكنه قادر على فرض سيطرته على مطارها، واعتقد أنهم قادرون على اختراق بغداد بالمتفجرات والهجمات الانتحارية).

من الواضح والمؤكد، أن عديد (المستشارين) الأجانب قد وصل في العراق الى المئات، وهناك توجه أميركي ضمن التحالف الدولي، لمضاعفة هذا العديد تحت صفة الإستشارية، حتى يبلغ الآلاف على نحو متزايد، ووفقاً لمعطيات وظروف الحرب، خصوصاً وأن الأميركيين أفادوا، أن تحرير الموصل من (داعش) يتطلب عاماً، وهذا يعني أن القوات التي ستقوم بهذه المهمة، لا بد أن تكون قوات خاصة وعالية التدريب، ومثل هذه القوات حالياً لا يمتلكها (الجيش العراقي) الذي يتكون في حقيقته من (الميليشيات وقوات العشائر).

لذلك، تعمد واشنطن حالياً، الى تدريب قوات عراقية في قاعدة الحبانية (محافظة الأنبار) وقواعد أخرى، لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر، حتى تكون الى جانب (المستشارين) من قوات التحالف الدولي، وهذه القوات بلا شك لن تكون من عناصر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.

وعلى هذا المنحى أكدت مصادر مطلعة في محافظة الأنبار، على وصول 100 مستشار أميركي الى الأنبار، حيث سيتولون تدريب مجموعة من المتطوعين على حرب المدن للاشتراك في جهود تحرير المناطق وبإسناد جوي أميركي، وسيتشكل من هذه المجموعة لواء عسكري يضم 3000 مقاتل، على ان يتم تدريبهم في قاعدة الحبانية وقاعدة عين الأسد بالمحافظة وعلى يد خبراء عراقيين وأميركيين وبأحدث وسائل القتال وخلال فترة شهر او شهرين.

وعليه، أن محاربة (داعش)، حرب إستثنائية من وجهة نظر واشنطن وتحالفها الدولي، وبالتالي فإن الجهد العسكري التحالفي بالنسبة للغارات الجوية، لن يقيم إعتباراً لسيادة هذه الدولة أو تلك، كما هو حاصل الآن في العراق وسوريا، وسيتعزز هذا المفهوم (الإستثنائي)، إذا ما تطلب الأمر تدخل الجهد العسكري البري مستقبلاً (دخول قوات برية) من قبل أميركا وو بلدان تحالفها الدولي الى العراق أولاً، وربما يكون هذا المفهوم يشمل دولاً أخرى ثانياً، حسبما تتطلبه التداعيات، وحتى المستجدات والتطورات!.

المستقبل

 

 

 

 

أميركا: «الخيار الكردي».. وسكاكين التقسيم!/ راجح الخوري

بعد 5 أسابيع من القتال في مدينة كوباني الكردية، بدأت سيكولوجيا الترويع والذعر التي يبثها تنظيم «داعش» في التراجع والتفكك. كان التنظيم الإرهابي يحسب أنه سيجتاح المدينة بسرعة، على ما جرى عندما انهارت المدن العراقية أمامه، وتبخر 60 ألف جندي عراقي كانوا في الموصل، وفروا تاركين وراءهم كميات كبيرة من الأسلحة الحديثة!

صمود الأكراد المفاجئ في كوباني، جعل «داعش» تضع كل ثقلها في المعركة؛ ليس لأنها تريد توسيع رقعة سيطرتها إلى الحدود التركية فحسب، بل لأنها أدركت أن عجزها عن اجتياح المدينة، سيشكل بداية لانهيارها وتهاوي صورتها القائمة على البطش وإثارة الذعر.

الآن، هناك كثير من الحسابات بدأت تتبخر مع دخان الحرائق المندلعة في كوباني، في مقدمها حسابات تركيا التي راهنت على أن الخوف الدولي من ذبح المدينة سيدفع واشنطن إلى الموافقة على شروط رجب طيب إردوغان للانضمام إلى «التحالف الدولي»، التي تنبع من أحلامه باستنهاض دور عثماني معاصر لتركيا في الإقليم!

اصطدمت شروطه برفض إقليمي ودولي، فمطالبته بإقامة منطقة حظر للطيران شمال سوريا، تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن سيواجه بالفيتو الروسي، وحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الذي يقاتل في كوباني هدد بالتحول إلى قتال تركيا إذا بسطت سيطرتها على تلك المنطقة، أما اشتراطه إسقاط بشار الأسد فيلقى رفضا أميركيا ضمنيا، ينطلق من الاقتناع بأن تشكيل المعارضة القادرة على ملء الفراغ يجب أن يسبق إسقاط الأسد، ثم إن روسيا وإيران تعارضان إسقاطه.

منذ إطلاق الرهائن الأتراك من القنصلية التركية في الموصل بطريقة ملتبسة، نشرت تقارير كثيرة في أنقرة وخارجها عن رفض إردوغان دخول التحالف الدولي أو القيام بأي عمل ينقذ كوباني، ففي النهاية هذه مدينة كردية «وإردوغان مستعد ليقطع عنها حتى الهواء» كما يقول الأكراد، ولهذا استمر في منع دخول الأكراد لدعم رفاقهم وأغلق قاعدة أنجرليك أمام المقاتلات الأميركية، في حين اتهمته الصحف التركية بأنه سمح بفتح مكتب اتصال لـ«داعش» في إسطنبول!

المفاجأة التي بدأت تقلب الموازين وتسقط الحسابات جاءت من المقاتلين الأكراد، ذلك أن سيكولوجيا الترويع الداعشي تتهاوى أمامهم في كوباني، وتتراجع «داعش» أمام البيشمركة التي استطاعت استيعاب الهجوم الإرهابي في مناطقها بالعراق.

مباشرة بعد سقوط الموصل، تدفقت المساعدات العسكرية على البيشمركة ليرتفع صراخ أنقرة التي أعلنت أن «تسليح الأكراد قنبلة موقوتة ستفجر المنطقة»، بينما يصر إردوغان دائما على وصف الأكراد بالإرهابيين، لكن صمود «الحزب الديمقراطي التركي» و«وحدات حماية الشعب» في كوباني بدأ يخلط الأوراق ويعيد الحسابات.

الأسبوع الماضي، فاجأتنا واشنطن بالحديث عن «الخيار الكردي»، بعدما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن اجتماع عقده أحد كبار المسؤولين مع وفد من حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» في باريس، وقد أحيط الاجتماع بأهمية كبيرة، مما يدعو إلى التساؤل:

هل يدخل الأكراد بديلا من تركيا في التحالف الدولي، وخصوصا بعد الوقائع الميدانية في أربيل حيث استبسل البيشمركة، ثم في كوباني حيث أثبت الأكراد فاعلية وجدارة وتميزوا بأداء قتالي مثير رغم تدني مستوى تسلحهم؟

لقد أصيبت تركيا بالحمى، فكان الاتصال الهاتفي بين باراك أوباما وإردوغان العائد من أفغانستان، ثم بدأت التحولات، أولا عندما قامت الطائرات الأميركية بإلقاء كميات من الأسلحة والذخائر والإمدادات الطبية إلى الأكراد في كوباني، ثم بعد أقل من ساعتين عندما أعلن وزير الداخلية التركي أن أنقرة التي كانت تمنع عبور المقاتلين لدعم كوباني، ستسمح للأكراد بالعبور لمساندة رفاقهم.

المضحك أن أنقرة حاولت حفظ ماء وجهها بالقول إن الطائرات الأميركية التي ألقت المساعدات في كوباني لم تحلق فوق الأراضي التركية، وإن الأكراد الذين جاءوا من سوريا فقط مسموح لهم بالعبور إلى كوباني لكن من دون أسلحة، بينما يمنع عبور أي مقاتلين من جنسيات أخرى، أي الأكراد الأتراك ورجال البيشمركة الذين قرروا الذهاب إلى كوباني!

جون كيري ألقى مياها باردة على الحمى التركية عندما أعلن أن إلقاء المساعدات العسكرية في كوباني لا يعني تغييرا في الموقف السياسي الأميركي من المسألة الكردية، لكن التطور المثير في الموقف الأميركي حيال «الخيار الكردي» يفرض بالضرورة طرح أسئلة ضرورية وخبيثة، لعل أبرزها:

– إذا كانت واشنطن تطرح «الخيار الكردي» بديلا من تركيا في التحالف الدولي وتشيد بالمقاتلين الأكراد، فإلى أين يمكن أن يقود هذا مستقبلا من الناحية السياسية، وخصوصا على خلفية طموحات الأكراد (25 مليونا) إلى إقامة دولتهم، بعدما حصلوا في العراق على حكم ذاتي، وأقاموا في شمال سوريا ما يشبه الكانتون!

– بعد أقل من 4 أيام على طرح شعار «الخيار الكردي»، أعلن الأكراد السوريون من دهوك إقامة إدارة ذاتية لمناطقهم أطلقوا عليها اسم «روجافا» أي غرب كردستان، ويريدون إجراء انتخابات نيابية وتشكيل قوات للدفاع، بينما تقول صحيفة «التايمز» إن النقاشات في دهوك ركزت على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وهو ما يمثل شحذا لسكاكين التقسيم!

– لماذا لم تحصل المعارضة السورية التي ذبحت وتذبح منذ 4 أعوام تقريبا بالطائرات ومدافع الميدان وحتى بالسلاح الكيماوي، على أي دعم أو تسليح أميركي كما يحصل مع الأكراد اليوم، هذا سؤال ضروري: لماذا تعامت واشنطن عن سقوط 200 ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى وملايين المشردين وعن دمار سوريا التي حولتها مذابح النظام، رحما ولدت منه «داعش» وأخواتها؟

– ولماذا انهالت شحنات السلاح على البيشمركة بسرعة في أربيل التي تنادي علنا بقيام الدولة الكردية؟

– ولماذا التمسك بالأسد، هل في انتظار المعارضة المقتدرة أم في انتظار أن تمهد الفوضى المسلحة لترسيم التقسيم على الأرض؟

– ولماذا جرى تسليم العراق إلى نوري المالكي أي إلى إيران، وطال التعامي عن سياساته الإقصائية والكيدية أعواما، وهو ما عمق الكراهيات التي من رحمها سيخرج «الدواعش» في العراق؟

في كوباني يمكن التقاط أطراف خيوط لعبة جهنمية تدفعني إلى التساؤل:

هل يمكن إعادة الحلم الكردي بالدولة إلى قمقم المعارضة الإقليمية المزمنة تركية وإيرانية وعراقية وسورية؟ وهل يمكن تصور بقاء الأسد إلا في سويا مقسمة، وهل يمكن أن يصلح حيدر العبادي ما أفسد المالكي في العراق… وهل تصمد الجغرافيا والحدود أمام سعير النيران وهياج الرغبات التقسيمية؟

كاتب لبناني

الشرق الأوسط

 

 

 

 

خطأ” أميركي لتطويق تركيا/ بيار عقيقي

عن طريق “الخطأ”، سقطت بعض أسلحة كانت تلقيها القوات الجوية الأميركية للمقاتلين الأكراد في عين العرب بين أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). عن طريق “الخطأ” استفاد التنظيم من نوعية جيدة من الأسلحة، ستفيده، حكماً، في محاولة السيطرة على المدينة. لم يكن “الخطأ” الأول من نوعه للأميركيين، أو لغيرهم في مختلف أنحاء العالم. فالخطأ، في هذه الحالة، فعل ثابت لا يتغيّر، مهما تغيّرت الظروف والمعطيات. والخطأ الأميركي في عين العرب يبقى جسيماً لحراجة المرحلة التي يمرّ بها المقاتلون الأكراد. وأي تفصيل، مهما كان تافهاً، سيؤثر على سير العمليات برمّتها، لدقة المواجهة هناك.

لم يكن “الخطأ” مجرّد هفوة بسيطة. في الإجمال، تكمن وظيفة “الخطأ” في تأدية دور سياسي وميداني معاً، للضغط في اتجاه وجهة سياسية محددة. وسقوط أسلحة أميركية بين أيدي “داعش” قد يدفع الأتراك إلى إبداء مزيد من المرونة في موضوع مساعدة أكراد عين العرب، بحسب الأميركيين. “اليانكيز” كانوا صريحين في هذا الصدد. ليست عين العرب استراتيجية بالنسبة إليهم كأميركيين. ليست أربيل. لكنها يُمكن أن تكون ورقة بديلة عن جبل سنجار الأيزيدي العراقي، لجعل أنقرة تخضع أكثر لما هو مجرّد تحريك طائرات قاعدة إنجيرليك وتسهيلها.

ويُسجل “الخطأ” الأميركي في وقتٍ “مناسب”، لجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يغضب. لم يشأ الردّ على الأميركيين بأكثر من شنّ بضع غارات على مواقع حزب العمال الكردستاني، والموافقة على عبور 200 عنصر من قوات “البشمركة” الكردية العراقية إلى عين العرب. يفصل أردوغان بين أكراد تركيا وأكراد العراق وأكراد سورية. ليسوا جميعهم أكراداً، بل هم أتراك وعراقيون وسوريون. وعلى هذا الأساس، يتعامل معهم، كي يؤكد “دفنه” أي فكرة استقلالية، قد تراود أكراد الشرق الأوسط.

وظيفة “الخطأ” في المرحلة الجديدة هي توجيه العلاقة الأميركية ـ التركية التي تمرّ بأكثر لحظاتها حساسية. فتركيا تبقى بالنسبة للأميركيين “مفسدة الحفلات”، خصوصاً في أثناء حربي العراق 1991 و2003، وكانت لها محطات عرقلت، أو أزعجت، فيها الحراك الأميركي. وها هي تجدّد “الخطأ” عينه بالنسبة إلى واشنطن، و”الخطأ” يُقابل بـ”الخطأ”. ربما هو قدر أنقرة أن تجد نفسها دوماً وجهاً لوجه أمام “حليفها” الأميركي، تحديداً في ملفٍ يتعلق بحدودها، من العراق إلى سورية، وحتى جورجيا، في أثناء الحرب الروسية عليها في أغسطس/آب 2008.

ومع أن أردوغان لم يواجه “الخطأ” في عين العرب باستكانة، بل رفع سقفه، معتبراً أن “الخطأ أميركي بالدرجة الأولى”. وبطريقة أوضح “لن تستطيعون النيل مني، ورؤيتي لعين العرب ستتحقق”، في ظلّ تأكيده على أنه تمّ إجلاء المدنيين من المدينة، وأن ما يجري هناك هو قتال بين فئات مسلّحة. يريد الرجل أشياء عدة من عين العرب، لكنه، بالتأكيد، لا يريد تفوّقاً أميركياً هناك.

بالنسبة للأميركيين، يفتح خطأهم هذا الأبواب أمام “أخطاء” أخرى مماثلة. ميدانياً، وفي مناطق باتت متداخلة عسكرياً، لا يمكنك توقع وصول كل الأسلحة إلى طرف واحد في النزاع. ويُمكن للأميركيين التحرّك على مستويين هنا: إفهامنا بأنهم لا يستطيعون فعل أكثر من ذلك، وهم يحتاجون دوراً تركياً أكثر فعالية في مساعدة المقاتلين الأكراد، أو التوقف عن إلقاء الأسلحة جواً، لكي لا يصل بعضها إلى “داعش”، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية خسارة مؤلمة للمقاتلين الأكراد في عين العرب.

لم يصل “الخطأ” بعد إلى حدّ “نيران صديقة”، كما حصل مع السفينة الأميركية ليبرتي، التي قصفتها مقاتلات إسرائيلية في 1967، لكن الأميركيين اعتادوا عدم التراجع في أي قرار، وإن تعددت تكتيكاتهم، فالاستراتيجية واحدة. وبالنسبة إلى البيت الأبيض، فهو يقوم بدوره “كما يجب”، والآن، على الأتراك القيام بدورهم كما يجب أيضاً.

العربي الجديد

 

 

 

 

هذه الحرب الغبية!/ خالد الدخيل

الحرب هي ممارسة للسياسة، لكن بأسلوب مختلف، مخضب بالدم. تقول القاعدة الذهبية: يجب أن يكون لكل حرب هدف سياسي واضح تسعى إلى تحقيقه. الحرب التي ليس لها هدف، أو أن هذا الهدف ليس واضحاً وضوح الدم والتضحية، هي حرب غبية، وعرضة للفشل. ترى ما هو الهدف السياسي للحرب الدائرة حالياً على «داعش»؟ لا أحد يملك إجابة عن السؤال، أو أنه يملك إجابة لكنه لا يفصح عنها. حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو الذي يقود التحالف في هذه الحرب، إما أنه لا يملك إجابة، وإما أنه يريد الاحتفاظ بالإجابة لنفسه. هناك سؤال آخر، هل كل أعضاء التحالف في هذه الحرب على بينة من هذا الموضوع؟ المفترض أنهم كذلك. وإذا كانوا جميعهم يعرفون الإجابة، وهذا المتوقع، فلماذا لا يفصح أحد منهم عنها؟

سيقال إن الأمر واضح وضوح الشمس: الحرب على «داعش» هي جزء من الحرب على الإرهاب. وفي هذا الإطار هي حرب على تنظيم إرهابي متوحش، يجب وجوباً القضاء عليه. وهذا بحد ذاته هدف جليل يستحق التضحية من أجله. هذا القول صحيح تماماً لو أن الأمور ستتوقف عند هذا الحد. لا شك في أن الحرب على الإرهاب مشروعة. ولعلنا نتذكر أنها بدأت بعد أحداث أيلول (سبتمبر) الشنيعة عام 2001. آنذاك لم يكن هناك تنظيم إرهابي باسم الإسلام إلا تنظيم «القاعدة» في أفغانستان. لكن بعد 13 عاماً على هذه الحرب، تكاثرت التنظيمات الإرهابية التي ترفع شعار الإسلام إلى حد أنه يستحيل الآن حصرها. ضعف تنظيم «القاعدة» بشكل ملاحظ في هذه الحرب. لكنه لم يهزم. لا يزال هذا التنظيم موجوداً في المشهد، بل خرجت منه تنظيمات أكثر خطورة أبرزها تنظيم «الدولة الإسلامية». بعبارة أخرى، بدلاً من أن تقضي الحرب على تنظيم «القاعدة»، وتحاصر الظاهرة الإرهابية، تسببت في تفشي هذه الظاهرة، وتكاثر تنظيماتها. وهذا دليل قاطع على أن الحرب على الإرهاب هي حرب فاشلة حتى الآن.

لماذا فشلت؟ ليس لأنها حرب غير مشروعة. على العكس، في الأصل والمبدأ هي كذلك، وتحظى بدعم واسع. لكنها فشلت لأنها حرب غبية. ومعالم الغباء في المرحلة الأفغانية أن الهدف السياسي لهذه الحرب كان ولا يزال هدفاً أميركياً أكثر منه أفغانياً. حصل هذا لأن الإرهاب آنذاك كان في معظمه موجهاً للخارج، وتحديداً للولايات المتحدة. من هنا لم تحظَ الحرب (التي لا تزال عملياً مستمرة) بدعم كبير خارج نطاق شريحة من النخبة تلتقي مع الأميركيين. ولا يزال الجدل مستمراً في واشنطن حول جدوى سحب القوات الأميركية كلياً من أفغانستان في العام المقبل.

وقد تعزز الرأي القائل بضرورة إبقاء بعض القوات هناك على خلفية ما حصل بعد سحب هذه القوات من العراق في ايلول (سبتمبر) 2010. والحقيقة أن الاحتلال الأميركي لهذا البلد بما استند إليه من كذب في مبرراته وأهدافه، وطريقة إدارته، وتواطؤ غير معلن مع إيران، وبما نجم عن كل ذلك من حرب أهلية مدمرة، دفع بما يسمى الحرب على الإرهاب إلى ذروة الغباء حتى بالمعايير الأميركية. لاحظ في هذا السياق ما قاله وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس يوم الاحتفال بسحب القوات عندما قال في مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الانبار، بحسب صحيفة «النيويورك تايمز» (الأول من ايلول 2010) بأن «التاريخ هو الذي سيحكم ما إذا كانت حربنا هنا التي استمرت لسبعة أعوام (ما بين 2003 و2010) تستحق كلفتها». والواضح الآن أن التاريخ لم ينتظر كثيراً لإصدار حكمه. فمحافظة الانبار التي تحدث منها غيت هي التي سيسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد سحب القوات الأميركية بثلاثة أعوام. أي أن الحرب الأميركية على الإرهاب فشلت مرة أخرى في العراق. والأغرب أن إدارة أوباما تكرر الأداء نفسه بإعلانها الحرب على «داعش». تتجاهل هذه الإدارة أن الإرهاب الذي انطلق من العراق يختلف عن الإرهاب في أفغانستان من حيث أنه موجه في الأساس للداخل، الداخل العراقي، والسوري، بل والإقليمي. وأن الطائفية الداخلية هي الجذر الأول والأخطر لهذا الإرهاب.

يتبدى غباء هذه الحرب في أمور كثيرة تلقي عليها ظلال شك كثيرة. الأول أن الخلافات بين أطراف التحالف في هذه الحرب كثيرة لا تسمح بمواجهتها ومناقشتها علناً. وحتى عندما ظهر الخلاف مع تركيا بدت إدارة أوباما مرتبكة. تريد أنقرة استراتيجية واضحة ومتكاملة، وترفض واشنطن ذلك، وهي عاصمة الاستراتيجيات. على خلفية ذلك يأتي الأمر الثاني، وهو أن المجهول عن الحرب على «داعش» أكثر من المعلوم عنها. لا أحد يعرف لماذا «داعش» وليس بقية الميليشيات. لماذا محاربة تنظيم واحد عوضاً عن محاربة الطائفية التي أفرزت التنظيم. ولا أحد يعرف لماذا هزت وحشية «داعش» ضمير أوباما، ولم تهزه وحشية النظام السوري التي قتلت أكثر من 250 ألفاً، وشردت أكثر من 10 ملايين بين منافي الداخل والخارج، ودمرت معظم المدن السورية؟ ثم لا أحد يعرف لماذا ستأخذ الحرب أعواماً على تنظيم لا يتجاوز حجمه 30 ألف مقاتل، في مواجهة أكثر من 20 دولة. والمجهول الأخطر في هذه الحرب أنه لا أحد يعرف ماذا بعد هزيمة «داعش». ما هي الخطوة التي يجب أن تلي ذلك؟ تقول تركيا إن أحد أهداف الحرب يجب أن يكون إسقاط النظام السوري. وأميركا ترفض ذلك. نتيجة هذا السجال، وذاك الغموض، تبقى الحرب على «داعش» من دون استراتيجية سياسية، ومن دون هدف سياسي واضح.

سيقال إن هذا ليس غباء، وإنما سياسة متعمدة. ربما هذا صحيح. لكن حتى السياسة تتسم أحياناً بأخطاء غبية بشكل مدمر. السؤال هنا: لماذا يصر أوباما على حصر الحرب على «داعش»؟ أول ما يلفت هنا أن الرئيس الأميركي يتجاهل تماماً، عن قناعة أو انتهازية سياسية لا فرق، أن إيران توظف الميليشيات الشيعية العربية كأداة مركزية في سياستها الإقليمية. والأغرب من ذلك صمت الأطراف العربية في التحالف عن هذا الموضوع أيضاً. وقد تعاظم دور هذه الأداة بعد الاحتلال الأميركي للعراق مباشرة. ومن هنا تكاثر عدد الميليشيات في العراق منذ العام 2003، وبعد الثورة السورية. بل إن هذه الميليشيات هي المسؤولة بشكل أساسي عن بقاء النظام السوري حتى الآن. من هذه الزاوية، تركيز أوباما على «داعش»، هو تركيز على طرف واحد من معادلة الطائفية، هو الطرف السنّي. أي أنه يقبل، أو لا يعترض، على توظيف إيران للميليشيات الإرهابية في الصراع الدائر في المنطقة. من الناحية الأخرى، يرفض ظهور ميليشيات سنّية كرد فعل طبيعي على سياسة إيران. وهنا مكمن الغباء، أو الخبث السياسي في هذه الحرب. فهي حرب تصب حتى الآن في مصلحة إيران، التي فجرت الصراع الطائفي في المنطقة، وهي طرف رئيسي في الحرب الأهلية في كل من العراق وسورية. لماذا يحق لإيران توظيف الطائفية، ولا يحق لـ «داعش» وأخواتها فعل الشيء نفسه؟ تشير أحاديث أوباما وخطواته السياسية أنه يستخدم الحرب الأهلية في كل من العراق وسورية كورقة في مفاوضاته مع الإيرانيين. كأنه يقول للعرب: عليكم بضبط ميليشياتكم، وجعلها تحت مظلة شرعية الدولة، وبالتالي توحيد وضبط مرجعيتها لإحداث التوازن مع إيران. وفي حال تم قبول امتلاك إيران لسلاح نووي، فعليكم امتلاك السلاح نفسه لترسيخ هذا التوازن. إذا كان هذا ما يقول حقاً، فليس هناك ما يؤشر إلى أن الطرف الآخر يصغي لما يقال له.

مهما يكن، يبدو أن الرئيس الأميركي يجعل من آلام الشعبين العراقي والسوري رهينة لمراهناته وأخطائه السياسية. وإذا استمرت هذه الحرب على هذا النحو ستتآكل شرعيتها لمصلحة التنظيمات التي تستهدفها. وما يتداوله الإعلام، خاصة الإعلام الغربي، عن جاذبية «داعش» له علاقة بذلك. تصور لو أن قيادة هذا التنظيم أكثر ذكاء، وعناية بعلاقاتها العامة، وتخلت عن وحشيتها مع مخالفيها، مسلمين وغير مسلمين، كيف ستكون شعبيتها في العالم العربي؟ يوحي هذا السؤال بأن ما يحفظ لحرب أوباما على «داعش» شيئا من المشروعية هو وحشية هذا التنظيم، ليس إلا. على الرئيس أن يسأل نفسه هذا السؤال: إذا كان فشل الحرب على «القاعدة» خلّف مئات التنظيمات الإرهابية. ترى كم عدد التنظيمات الإرهابية التي سيخلفها فشل الحرب على «داعش»؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

 

بين “الجمهورية الإسلامية” في إيران وزميلتها “الداعشية|!/ محمد مشموشي

صورة المنطقة في العالم، كما تعكسها صحفه وأجهزة إعلامه وتصريحات المسؤولين فيه، يحكمها حدثان اثنان أولاً وأخيراً: إرهاب ما يسمى»الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») من جهة وتمدد «الجمهورية الإسلامية في إيران» خارج حدودها السياسية والجغرافية من جهة ثانية. إرهاب وتكفير وذبح بأقبح الصور على جبهة الأولى، وضرب للمجتمعات والدول وسعي للهيمنة عليها أو تقسيمها على جبهة الثانية. ومن دون تدقيق في التفاصيل، لا يجد العالم وصفاً للصورة هذه سوى أنها التطرف والرجعية والسلفية والإرهاب بمختلف أشكالها.

مع ذلك، فلعل بعض التدقيق يكشف الحقائق أو بعضها.

ففي حين لا تخفي «الدولة» الداعشية أن أهدافها لا تقف عند حدود العراق والشام، كما هي اليوم، وتقول إن «الخلافة» التي أعلنتها تخص المسلمين جميعاً في كل مكان من العالم، فان «الجمهورية» الفارسية الشيعية تتباهى بأعلى صوتها، كما فعل قبل أيام كل من علي أكبر ولايتي وعلي سعيدي وعلي رضا زكاني، بأن ما أنجزته خارج حدودها كان سقوط أربع عواصم عربية في يدها حتى الآن (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء). وولايتي، لمن لا يعرف، مستشار المرشد (الولي الفقيه) للشؤون الدولية، وسعيدي مندوب المرشد وأحد المقربين منه، فيما زكاني هو أحد نواب العاصمة طهران في البرلمان الإيراني.

وقبل هؤلاء، كان أكثر من مسؤول في «الحرس الثوري الإيراني» قد تحدث عن تواجد «قوات» بلاده، عبر «حزب الله» تارة وعبر «حماس» تارة أخرى، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط من جهة وعلى خط المواجهة البرية مع إسرائيل من جهة ثانية.

وهذه الصورة، في واقعها على الأرض وفي حقيقتها، ليست صورة مركبة أو ذات وجهين كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هي واحدة شكلاً ومضموناً بحيث يمكن القول إن تنظيم «داعش» قد جاء، في جزء منه على الأقل، كرد فعل على تنظيمات إيران المزروعة على مساحة المنطقة… من العراق إلى سورية إلى لبنان وفلسطين والبحرين واليمن، أقله مما هو معلن من هذه الميليشيات تمويلاً أو تسليحاً أو تدريباً على القتال.

ليس هذا فحسب، فلم يعد محل جدال اشتراك قوات إيران مباشرة في القتال، لا في العراق ولا في سورية، في ظل معارك وتصريحات قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، ولا تحليق طائراتها التي من دون طيار في سماء لبنان، ومنها إلى سماء فلسطين، ثم إرسال المعلومات والصور التي تلتقطها إلى طهران.

واقع الحال أن التهديدات والأخطار التي تمثلها «دولة الخلافة» الداعشية في المنطقة وعليها، لا تزيد في كثير أو قليل عن مثيلاتها التي تشكلها «دولة الولي الفقيه» في إيران. وبالنسبة للحروب الأهلية والمذهبية، وحتى الطائفية والعرقية، التي تهدد النسيج الاجتماعي لدول المنطقة، فضلاً عن وحدتها الوطنية ومخاطر تقسيمها، فلا مبالغة في القول إن شرارتها انطلقت من طهران أساساً، ثم أنها تصاعدت مرحلة بعد مرحلة، منذ إعلان الإمام الخميني عن إنشاء «دولة الولي الفقيه» فيها.

ولا يختلف الأمر كثيراً عندما يأتي الدور إلى الحديث (تأسياً على سايكس وبيكو، أو شماتة بهما) عن إلغاء تنظيم «داعش» حدود الدول، وإعلانه ما يسمى «الدولة الإسلامية» على أراضي العراق وبلاد الشام، إذ لم تتوان «الجمهورية الإسلامية» في إيران عن مثل هذا التأسي أو الشماتة في يوم من الأيام.

هل نسي أحد بعد إعلان ولايتي قبل أسبوع فقط أن بلاده تدعم «أنصار الله» (حركة الحوثيين) في ما وصفه بـ»نضالها الحق» في اليمن، وأمله بأن يقوموا بدور مماثل للدور الذي قام به «حزب الله» في لبنان؟، أو قول سعيدي: «إن العمق الاستراتيجي لإيران يمتد من البحرين والعراق وحتى اليمن ولبنان وشواطئ المتوسط وصولاً إلى أميركا اللاتينية؟، أو اعتراف نائب رئيس الأركان الإيراني اللواء غلام رشيد بأن «ضباطاً إيرانيين يقدمون الدعم (الاستشاري؟!) للحلفاء في كل من العراق ولبنان وفلسطين»؟.

وفي التفاصيل الميدانية، هل أقصي نوري المالكي (ربيب «الولي الفقيه» باعترافه العلني، تماماً مثل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله) لأنه فشل في ضرب تنظيم «داعش» أم لأنه ساهم، بسياساته وممارساته وتهميشه لمكونات العراق، بتقويته وتالياً الإفساح في المجال أمامه لاحتلال أجزاء واسعة منه؟. وفي سورية، هل كان ممكناً إيجاد بيئة حاضنة لأي من «داعش» أو «النصرة» أو غيرهما، لولا أن نظامها فتح الأبواب على مصاريعها أمام «حزب الله» و»عصائب الحق» و»لواء أبو الفضل العباس»، وتعمد المسلحين المنتمين إليها رفع رايات «لبيك يا حسين» على مساجد المدن والقرى بعد احتلالها وطرد سكانها ومعارضي النظام منها؟.

العالم كله يعرف ذلك، لكنه يتعامل معه باعتباره مسألة إرهاب فقط، بل وإرهاب غير دولتي ينفذ جريمته بصورة فجة ويعلن عنها بفجاجة أكبر، بينما يغض الطرف عن الآخر بدعوى أن ما يقوم به هو ممارسات أنظمة ودول.

وإذا كان لأحد أن يسأل: لماذا يوجه العالم أساطيله وطائراته لمحاربة تطرف وإرهاب هنا، ولا يفعل شيئاً في مواجهة تطرف وإرهاب في مكان آخر؟، يأتي الجواب بأنها سياسات الدول في ما بينها، وبأن إطارها لا يتجاوز العمل الديبلوماسي وربما قطع العلاقات وحتى العقوبات… من الأكثر جلاء في كوريا الشمالية إلى غيرها.

لكن ما لا يعرفه العالم، كما يبدو، أنه حتى لو قضي على «داعش» وتم إسقاط «دولة الخلافة» التي أقامها، فان دواعش أخرى كثيرة على الطريق ما دامت سياسات «الدولة الإسلامية» الإيرانية على ما هي عليه.

ولا دليل على ذلك أفضل من «القاعدة» التي ولد «داعش» من رحمها، على رغم الضربات القاتلة التي وجهت إليها في الفترة السابقة.

الحياة

 

 

 

تركيا بين مطرقة الأكراد وسندان “داعش”/ وليد أبي مرشد

من المسلم به أن تضخيم خطر «داعش» الدولي يصب، بالدرجة الأولى، في مصلحة التنظيم الإرهابي الحريص على إبراز «ثقافة الترويع» في كل تصرفاته، بدءا بتعميمه صور جلد الرجال ورجم النساء، وانتهاء ببثه، باعتزاز، مشاهد قطع الرؤوس البشرية.

ربما كانت هذه القناعة – إلى جانب التباين في تقويم أولويات النزاع السوري – وراء موقف تركيا اللامبالي من تغلغل مسلحي «داعش» في بلدة عين العرب (كوباني) الحدودية. وما يبدو حاليا من بوادر خروج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن موقف اللامبالاة حيال مصير عين العرب، قد لا يعود إلى تخوفه من تبعات سيطرة «الداعشيين» على البلدة بقدر ما يعود إلى تداعيات هذا الحدث على «القضية الكردية» داخل تركيا نفسها.

بالنسبة للرئيس إردوغان، معارك عين العرب لا تخرج عن كونها مواجهة عسكرية بين فصيلين إرهابيين، أحدهما «داعشي» يدعي التجلبب برداء الإسلام، وثانيهما «كردي» انفصالي يتعاطف مع حزب العمال الكردستاني المتمرد على سلطة أنقرة منذ 30 سنة.

انطلاقا من هذين المعطيين، يواجه الرئيس إردوغان خيارا صعبا في ترتيب أولوياته الأمنية على قاعدة أي من الإرهابيين أشد خطرا على تركيا؟

بمنظور عملي تندرج المواجهة الكردية – الداعشية في عين العرب في خانة «فخار يكسر بعضه» (على حد المقولة الشعبية المعروفة).. وعليه، لا تبدو أنقرة في وارد القلق من تحول عين العرب إلى ستالينغراد مصغرة يستنزف فيها الفريقان إمكاناتهما القتالية ولأطول أمد ممكن.

ومما يزيد في تعقيدات هذا الواقع غير المريح لأنقرة اضطرارها إلى «مسايرة» ضغوط حليفها الأطلسي القوي، الولايات المتحدة، الذي يدفعها دفعا إلى محاربة «الداعشيين»، وضمنا، مهادنة الانفصاليين الأكراد.

لا بد من الإقرار بأن الرئيس إردوغان نجح، حتى الآن، في انتهاج استراتيجية «لا تقتل الذئب ولا تفني الغنم»، وذلك بانتهاجه لعبة موازنة صعبة بين ما تتعرض له من ضغوط أميركية وكردية و«داعشية»، وغير خافٍ أن هذه اللعبة تعزز شرطيه المطروحين لخوض حلبة النزاع السوري: إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية الشمالية، والتركيز على الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

لعبة الموازنة بين الأطراف الـ3 ظهرت جلية في «استرضائه» الأكراد باستئنافه الحوار السياسي مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجالان، وسماحه لعدد محدود من مقاتلي «البيشمركة» بالتوجه إلى جبهة عين العرب عبر الأراضي التركية لمساندة الأكراد السوريين (نحو 200 عنصر لا يتوقع منهم تغيير مجرى المعارك)، ومن جهة ثانية «مراعاته» الداعشيين أيضا برفضه زج القوات التركية في حرب برية ضدهم، و«غضه الطرف» عن تجارة النفط الداعشي المزدهرة عبر وسطاء أتراك وأكراد.. ومن جهة ثالثة، مواصلة «تطمين» واشنطن، كلاميا، بالتزام حكومته الثابت بحرب التحالف الدولي على الإرهاب.

مع ذلك، ما زالت حسابات تركيا الداخلية والإقليمية العامل المعتمد، قبل أي عامل آخر، في تحديد أولويات أنقرة في الحرب الدائرة على الإرهاب.

ولأن أنقرة تدرك – والتطورات الميدانية تثبت – أن لا مجال للقضاء على دولة «داعش» دون مشاركة فعالة من قوى راجلة في «الحرب الجوية» عليها، ولأن تركيا تملك وحدها، بين كل دول الجوار السوري – العراقي المرشحة للتدخل عسكريا في سوريا، جيشا قادرا على خوض معارك برية من هذا المستوى، ولأن خوض هذه المعارك ما زال مرهونا بموافقة واشنطن على أولويتي أنقرة المعلنتين منذ بدء التمدد الداعشي في سوريا؛ أي الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، وقبول اقتراح إقامة منطقة آمنة على حدود سوريا الشمالية.. يصعب توقع مشاركة تركية ميدانية في حسم حرب الاستنزاف الأميركية – الداعشية – الكردية على حدودها الجنوبية ما لم تهدد تداعياتها استقرار المجتمع التركي.

وهنا، تحديدا، نقطة ضعف حسابات أنقرة، فالوضع الراهن للمجتمع التركي يظهر عوارض انقسامات عميقة في داخله على الأصعدة السياسية، والإثنية، والمذهبية، وهي انقسامات توحي بأن تركيا، بعد نحو قرن كامل على ثورة أتاتورك، ما زالت دولة شرق أوسطية بامتياز تعاني من العلل والمشاكل ذاتها التي تنوء بحملها دول المنطقة.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى