صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت “داعش”

 طرد «داعش» إذ يُسقط ورقة من يد النظام/ عبدالوهاب بدرخان *

ليس سرّاً أن السباق جارٍ منذ أسابيع بل شهور بين التحضير لـ «جنيف 2» والإعداد للمواجهات القتالية المقبلة. وعلى رغم شبه إجماع على أن أياً من النظام أو المعارضة لا يستطيع الحسم عسكرياً، إلا أن الطرفين مقتنعان بالعكس، وكلٌ منهما لا يرى خياراً آخر.

واقعياً، أوجد النظام لنفسه أسباباً كثيرة للمضي في المعركة من دون المراهنة على مساعي الحل السياسي، إذ بقي متماسكاً وحظي من حليفيه الروسي والايراني بدعم لا متناهٍ، كما شكل الظهور المبرمج لتنظيم «الدولة الاسلامية للعراق والشام» في مناطق الشمال حليفاً آخر لا يقلّ فاعليةً. أما المعارضة التي أصبحت بين عدوّين وعلى جبهتين، النظام و «داعش»، فلا تزال تخسر من المواقع أكثر مما تكسب، وإذ حاول الائتلاف الحصول على أي نقاط يمكنه استثمارها لتزيين الذهاب الى جنيف، إلا أن موسكو لم تبدِ كعادتها حماسة تذكر للتعامل مع أي شأن انساني (اغاثة المناطق المحاصرة، إطلاق معتقلين من الأطفال والنساء…) بل لم ترَ داعياً للموافقة على بيان لمجلس الأمن يدعو الى وقف قصف المدنيين في حلب بالبراميل المتفجّرة.

لماذا يذهب الائتلاف الى جنيف، اذاً، طالما أن الجانب الغالب في المعارضة يرفض، ثم أن هذا المؤتمر يمثّل المجتمع الدولي الذي أبدى ويبدي خذلاناً ملموساً للشعب السوري؟ الناصحون من بقايا «الأصدقاء» يقولون للمعارضة إن النظام نفسه كان يرغب في مقاطعة المؤتمر وأنه يحضر مرغماً لكن بشروط، ولا شيء يمنع المعارضة من الحضور على مضض، لكن بشروطها أيضاً. أما الامتناع فيحصد نتائج أكثر سلبيةً عليه ويحقق للنظام هدفاً مكتوماً هو أن يتولى خصمه نسف «جنيف 2». وقبل كل شيء ينبغي ألا تنسى المعارضة أنها أنشأت واقعاً في سورية صعُب على النظام وحلفائه تجاوزه حتى مع افتراض ان الحسم العسكري في متناولهم، بل على العكس فرض عليهم تدخلاً غير مسبوق لإنقاذه. هذا الواقع هو ما يجب التعامل معه في جنيف، ولو باستبعاد الطموحات القصوى لكل طرف. فالمعارضة طرحت هدفاً مشروعاً هو تنحي بشار الاسد وأيّدها «جنيف 1» ولو بشكل موارب، لكن الارادة الدولية قررت أنها لن تحصل عليه قبل «جنيف 2». والنظام يريد أن يُدار المؤتمر والتفاوض بمنطق أنه باقٍ على رأس السلطة بالصيغة التي كان عليها وبالتعديلات التي يوافق عليها، ويفترض أن تتبلور ارادة دولية (خصوصاً اميركية – روسية) لحسم أن هذا لن يحصل أيضاً، لأنه يعني ببساطة استحالة تطبيق أي «حل سياسي» في اطار النظام كما هو الآن. بمعادلة كهذه، يمكن أن يبني «جنيف 2» دوراً في معالجة الأزمة. وحتى في أسوأ الاحتمالات، أي اذا أريدَ اخضاع الحل لأولوية «محاربة الارهاب»، لا بدّ من تغيير الصيغة الحالية للقيادة العسكرية والأمنية. فهذا ما يضمن ضرب الارهابيين وحماية السوريين جميعاً، فضلاً عن الحفاظ على الدولة والجيش، كما يبعد أشباح التفكيك والتقسيم.

لكن الأهم، في السياق «الارهابي»، أن يكون هناك وعي اميركي – روسي بحقيقة أن «محاربة الارهاب» بوجود ايران و «حزب الله»، أو بالاعتماد ولو غير المباشر عليهما، ليس الوصفة الجدّية ولا المجدية. ذاك أن ادعاء ايران وحزبها اللبناني أن الجاري حالياً هو حرب على «التكفيريين» لا يستقيم في أي تحليل سويٍّ للوضع، لا سورياً ولا اقليمياً، وإنما هو بروباغندا خادعة لتبرير التدخل في سورية والعبث في لبنان والعراق. فهل أولت الولايات المتحدة وروسيا الى الايرانيين حرباً على الارهاب من دون إعلام أحد في المنطقة. وللتوضيح، فإن ميليشيات ايران أظهرت أنها معنية فقط بتصفية المعارضين المقاتلين ضد النظام، ومثلها مثل قوات النظام لم تقاتل ولم تقتل حتى الآن أي ارهابيين، بل إن ارهابيي «داعش» يؤازرون النظام وإيران في خطف ناشطي المعارضة وتعذيبهم حتى الموت، كما لو أنهم جميعاً في معركة واحدة. ومن شأن الاميركيين والروس أن يوضحوا موقفهم من هذا الالتباس الذي لم يعد لغزاً على أحد. هذه حالٌ من حالات تآخي إرهاب الدولة مع ارهاب الجماعات. ولذلك، فإن التطرف المذهبي لا يُعالج بتطرف مذهبي آخر، ولا يمكن تبرير أحدهما بالآخر أو تفضيل هذا على ذاك، إلا اذا كانت لدى واشنطن وموسكو اجندة خفية لتصبحا «جبهة نصرة» لـ «هلال شيعي بقيادة فارسية» يقسم العالم العربي في عمقه ويتحكّم بإرادة شعوبه.

كان لا بدّ للمعارضة من أن تحسم أمرها حيال «داعش»، بل كان السؤال لماذا ترددت وتأخرت طالما أن هذا التنظيم تمادى في البغي منذ شهور ولم يكن له سوى دور مساند محدود لجهود المعارضة قبل أن يفتي لنفسه بإقامة «إمارته» ومباشرة القتل والتعذيب والخطف من أجل الفدية وسرقة المنازل وترهيب الناس واحتجاز قادة عسكريين معارضين أو ناشطين وإعلاميين انتقلوا الى الشمال هرباً من بطش «شبيحة» النظام. لم تكن شعاراتهم الاسلامية لتغشّ أحداً، ولا ادعاؤهم «الجهاد» ليموّه جرائم مثبتة ارتكبوها، ومنذ فترة غير قصيرة لم يعودوا يشكّلون عضداً اضافياً للثورة. فهل هي أوهام الترابط والتلاحم «الاسلامي» أم أن مراهنة بعض الفصائل عليه أم ارتزاق البعض من تمويله هي ما أدّى الى التلكؤ في تحديد الهوية الحقيقية لهذا التنظيم وإدراك طبيعة دوره. لم تكن هناك أي مصلحة في اعتبار الأمر كما لو أنه محاولة هذا الطرف وذاك استمالة الآخر الى «اسلامـ»ـه، فمثل هذه العقلية أساءت وتسيء الى شعب سورية وقضيته المصيرية.

وما دام «داعش» يتعرّض لضربات شديدة في صحراء الأنبار، فمن الطبيعي أن عناصره سينكفئون عنوة الى سورية، وبالتالي، فإن هذه هي اللحظة المناسبة لضربه في مناطق سيطرة المعارضة، أياً تكن المترتّبات على هذه المواجهة التي سيحاول النظام الاستفادة منها الى أقصى حدّ، فهو مَن استدرج «داعش» لزعزعة سيطرة المعارضة ولا يضيره أن تضرب «الجبهة الاسلامية» هذا التنظيم معتبراً أنه سيكون الكاسب في النهاية. ولكن ماذا سيكسب؟ فهو دمّر البلد اقتناعاً منه بأن استعادة الحكم والسيطرة لم تعد متاحة بأي حال. في المقابل، هناك الكثير الذي يمكن أن تخسره أطياف المعارضة كافةً اذا تركت مناطقها ملاذاً آمناً لـ «داعش» كي يعيث فساداً ويواصل العبث بالحقائق على الأرض. ليس للإرهابي أن يفرض أي سيطرة على أي بلدة أو منطقة في سورية، ولا في العراق حيث أكدت التجربة أنه لا يتقن غير القتل للقتل وليس لديه لأي بيئة تحتضنه أي برنامج أو مشروع غير الفوضى والضياع.

لا شك في أن مقاتلة «داعش» وطرد عناصرها من شمال سورية يُسقطان احدى الأوراق التي يستعدّ النظام لاستخدامها كتزكية لادّعائه محاربة الارهاب، كما يساهمان في تحسين وضع المعارضة في حسابات «جنيف 2» حتى لو كان معظم فصائلها يرفضه مبدئياً أو يتوجّس من مساراته ونتائجه. فليتعامل المعارضون جميعاً مع هذا المؤتمر كما يفعل النظام، اذ يعتبره جزءاً من المواجهة الميدانية التي يعلم الجميع أنها ستستمر حتى لو بدأ التفاوض في جنيف. ذاك أن الوضع السوري المدوّل هو ما قاد الى جنيف، ومهما احتدمت الصراعات الدولية على صيغة انهاء الأزمة، أو غُلّبت الذرائع الارهابية، فلا أحد يستطيع فرض حل يعيد شعب سورية الى عهد الاستبداد، والأهم ألا يكون الثمن تفكيك سورية كأفضل حل سيئ للانتهاء من هذا النظام.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

صيْد «داعش» وجوعها/ زهير قصيباتي

في مرحلة انفلات «القاعدة» وجنون أخواتها، يغدو الاغتيال أشبه بمتعة صيد، و «شرب الدماء» دواء لغرائز يدمّر مرضها أي أمل بوقف القتل الجوّال في المنطقة. فمن يعاني بطالة يمكنه ببساطة أن يطمح إلى مكافأة من «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، وكل المطلوب أن «يقطف» واحداً من رؤوس قادة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، أو «المجلس الوطني».

ببساطة ايضاً تحوّلت المعارضة السورية إلى «طائفة ردّة وكفر»، لكنها شهادة قد تفيدها، فيما تجتهد لحسم خلافاتها حول المشاركة في مؤتمر «جنيف2»… قد تفيدها والحرب المفتوحة التي أعلنتها في مواجهتها «داعش». ولأن لدى «الدولة الإسلامية» مَنْ هم «أُسود جياع، شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء» لا بد أن تكون تلك الحرب ضارية، إلى حدّ يمكّن النظام السوري من التقاط أنفاسه، ويجعل «جنيف2» محطة عابرة. فالتنازع على شرعية تمثيل المعارضة يطل برأسه، وراء دخان «زحف الأُسُود» الذين يقتلون من السوريين بلا تمييز، بين موالٍ للنظام السوري ومعارض له، بين مسلم ومسيحي، وسنّي وعلوي.

هي فرصة إذاً، ليرمّم «الائتلاف الوطني» ما بقي من تماسكه، إذا حسم الصراع مع «الدولة الإسلامية» في جولات مكلفة، دماءً ومزيداً من الخراب للسوريين الذين باتوا أسرى «داعش» على الأرض (التكفير والإعدامات) ورهائن للنظام والبراميل المتفجرة.

قبل تمدّد المواجهات بين «داعش» والفصائل الأخرى بما فيها الإسلامية، مثل «جبهة النصرة»، كانت معضلة «الائتلاف الوطني» تلبية رغبة الغرب في حضور كل التيارات المنضوية تحت لوائه مؤتمر «جنيف2»، فيما يسعى النظام السوري إلى تبديل هدف المؤتمر مستفيداً من المظلة الروسية، لنسف أهم بند في «جنيف1» أي الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة… فالحرب لم تعد استئصال ثورة بل «حرباً على الإرهاب»، فيها بات الثوار «مخرِّبين وقتلة». مرت شهور طويلة ولم يتبدّل شيء في معزوفة الكرملين الذي رسم خريطة طريق لشريكه الأميركي، كفيلة بإطالة عمر النظام في دمشق لعشرة مؤتمرات، بين كلٍّ منها والآخر يسقط عشرات الآلاف من القتلى، لكنهم لا يخدشون المشاعر الإنسانية للغرب المتحضّر.

ولأن «داعش» تقدّمت في السن، وباتت عابرة للحدود، كان لا بد من أن تعيد رسم تحالفات القوى، وخريطة سياسية إقليمية، الثابت الوحيد فيها ينبئ بمزيد من التشرذم ومستنقعات الدم الملوّنة بأعلام دول تضمحل.

من بعض النماذج المرحلية، أن يتحول «الائتلاف الوطني» إلى القتال في خندق واحد مع حليف النظام السوري، رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي جرّد جيوشاً لطرد «داعش» من الأنبار والرمادي… وأن تقاتل «جبهة النصرة» مع الائتلاف «الذين تسبّبوا بالفتنة»، ولكن إلى حين.

بهذه الصورة، يبدو النظام تلميذاً نجيباً للغرب: دعهم يتقاتلون من حلب إلى حمص ودير الزور، تكفينا تمارين البراميل وغارات الصواريخ. ما الذي سيبقى من «الائتلاف»، هو السؤال الذي تراهن عليه دمشق وموسكو وطهران، في حين لا يتزحزح نظام الرئيس بشار الأسد عن تمسكه بـ «جنيف سوري» يحاور فيه نفسه، لأن الغرب أيضاً لم يتزحزح عن تنصله من دعم المعارضة.

كلهم أُسُود إلا الشعب السوري المهدرة دماؤه بين استبداد ضائع، وجنون مقيم على رماح «الدولة الإسلامية» التي تقاتل بتكفير الآخرين. هي كانت ولا تزال هدية لموسكو في سورية حيث «النظام أقل سوءاً»، وهدية لطهران في العراق، حيث لا بد من معركة تعيد نجم المالكي ساطعاً فوق ساحات الاعتصامات في الأنبار، وتعيده الى الفلوجة مهما طالت الحرب مع «القاعدة» الأم.

إنه طموح المالكي على الأقل، وهو المتهم بزرع أرض خصبة لـ «القاعدة» التي تستغل عزلة السنّة في العراق، وإقصاءهم عن المشاركة الفعلية في القرار. في المحصلة، نجحت «داعش» في تعميم قنابل فوضى انشطارية، نجحت الرعاية الروسية للنظام السوري ونجح غُلاة التطرف من خصومه، في تذويب قاعدة المعارضة وتفكيك الولاء لـ «الائتلاف الوطني».

الأمم المتحدة سئمت إحصاء القتلى، فهدايا البراميل تَعِد بالمزيد، وواشنطن ليست راضية عن «وحشية» النظام… وكفى. ماذا عن «أُسود داعش» الجياع؟ ربما لا يتأخر دعم الروس دمشق بطائرات لمطاردة «الإرهاب»، على خطى واشنطن في مساندتها المالكي حليف نظام الأسد.

ولكن، أليست مفارقة أن تكون «القاعدة» وأخواتها، تحت الطلب… كلما استعادت واشنطن أو موسكو أو حلفاؤهما «المعركة ضد الإرهاب»، انتعش العنف، فأمعن في تدمير الثورة؟

الذين جعلوا للتطرف هوية مذهبية، وجدوا في «أُسُود داعش» صيداً ثميناً.

الحياة

“داعش”… أميركا تتحمل المسؤولية/ صالح القلاب

عندما يثبت أن “أمير” كتائب عبدالله عزام المدعو ماجد الماجد، الذي مات قبل أيام في لبنان، تدرب في معسكرات لـ”القاعدة” في إيران، وقبل ذلك ثبت أن بعضاً من أبناء أسامة بن لادن كانوا يقيمون في طهران، وأن التابعين لهذا التنظيم، الذي غدا مطارداً في العالم بأسره، كانوا يتنقلون، وربما مازالوا، في المثلث “الإيراني- الأفغاني- الباكستاني”، وأنهم كانوا ينطلقون من هذه المنطقة للقيام بعمليات إرهابية وتأسيس قواعد سرية في العديد من دول هذه المنطقة… ومن اليمن وسيناء المصرية… عندما يثبت هذا فإنه يجب أنْ يصبح مالا نقاش فيه هو أن تنظيم دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية “داعش” هو صناعة مخابراتية إيرانية- سورية، وأنه أنشئ ليلعب دور الطابور الخامس داخل المعارضة السورية والقيام بجرائم وحشية ضد المدنيين السوريين لتشويه صورة هذه المعارضة، هذا بالإضافة إلى استهداف خيرة ضباط الجيش الحر وإشغال الثورة السورية بمعارك جانبية تبدو للمتابعين عن بعد معارك عبثية دافعها الاقتتال على الغنائم.

وحقيقةً، فإن إيران قد برعت في هذه اللعبة الخطيرة، فهي في سنوات سابقة تمكنت من اختراق بعض الفصائل الأفغانية المسلحة وتجنيد بعضها، مثل الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، مع تحاشي الاعتماد على الأقلية الشيعية “الهزارة” خوفاً من تعريضها للانتقام المذهبي، وحرصاً على أن تكون فاعلة في أفغانستان من خلال الأكثرية السنية التي هي مَنْ شكَّل حاضنة الثورة ضد الاحتلال السوفياتي الذي كان رحيله مهزوماً بداية انهيار المنظومة الاشتراكية في العالم كله.

ثم لقد ثبت أيضاً أن “فتح الإسلام”، التي استدرجت دماراً شبه شامل إلى مخيم نهر البارد الفلسطيني بالقرب من مدينة طرابلس اللبنانية، كانت صناعة مخابراتية سورية، فالمعروف أن أكثر الحروب تأثيراً هي التي تشن على الخصم من داخل صفوفه. وحقيقةً فإن الدور الذي قام به “داعش” قد زعزع صفوف المعارضة السورية أكثر مما زعزعتها المواجهة العسكرية المستمرة على مدى نحو ثلاثة أعوام مع القوات الحكومية والميليشيات الطائفية المتحالفة معها.

والمشكلة هنا أن الأميركيين، ومعهم دول الاتحاد الأوروبي قد لجأوا، بدل دعم الجيش الحر وتمكينه من التصدي لـ”داعش” وكل الاختراقات الإرهابية المدفوعة والموجهة، إلى التشكيك في هذا الجيش وفي كل المعارضة السورية المعتدلة، وبهذا فإنهم قد صبُّوا الحَب في طاحونة بشار الأسد وأعطوا مصداقية لادعاءاته بأن معركته ليست مع الشعب السوري بل مع الإرهاب، وبالتالي فإنه بمساعدة روسيا بات يستعد للذهاب إلى مؤتمر جنيف2 بجدول أعمال من نقطة واحدة هي: إمَّا التنظيمات الإرهابية وإمَّا هذا النظام العلماني المعادي للتطرف والأصولية.

وبهذا فإن الأميركيين، ومعهم الغرب الأوروبي، هم المسؤولون عن هذه الصورة القبيحة التي أُلصقت بالجيش الحر وبالمعارضة المعتدلة، والآن وقد ثبت أن هذا الـ”داعش” صناعة مخابراتية سورية- إيرانية، فإن على الولايات المتحدة، إن كانت فعلاً معنية بمستقبل سورية كدولة ديمقراطية وتعددية لكل أهلها من كل الأعراق والأديان والطوائف، أن تسارع، ومعها الدول الأوروبية، إلى التخلي عن تخاذل الأعوام الثلاثة الماضية، لتقديم كل ما يمكِّن المعارضين السوريين المعتدلين من القضاء على هذا الوباء الإرهابي الأصفر، ومنعه أن يتفشى أكثر وأكثر… وإلاَّ فإن الغرب كله سيدفع الثمن، بالإضافة إلى هذه المنطقة والشرق الأوسط كله

الجريدة

سؤال.. “داعش”!/ محمد خروب

هي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، والتي لم تصبح «بعد» عضواً في جامعة نبيل العربي، الذي اسهم ورهط الحلف الجهنمي الذي انحاز اليه لتدمير سوريا ونقض عراها وتحويلها الى ساحة للقتل والتطرف واستباحة الحرمات وقطع الرؤوس وأكل الأكباد.. لكنها (داعش) وليس جامعة العربي، غدت شاغلة الناس والإعلام والمجالس، مجالس العزاء، كما تلك المكرسة للثرثرة والنميمة، ودائما في مجالس الندوات والتنظير والفذلكة الكلامية، واللغو الفارغ، التي لا ينقطع روادها عن قول كل شيء وكأنهم لم يقولوا شيئاً، كما يلحظ كل من يحضرها أو يقرأ «أوراقها» وأي تغطية.

يُسأل صاحبنا عمّا إذا خرج بنتيجة ما، فيقول لك بارتياح. خرجت كما دخلت، لم أفهم شيئاً ويبدو ان اصحابها لا يتوفرون على شيء. وانتم وما تشاهدون – في فضائيات الكلام والشحن الطائفي والمذهبي العربي، كذلك في ما تقرأون من لغو وتطرف، وما تسمعون من شتائم وتكفير واحتكار للحقيقة، وكل ذلك والأنظمة العربية في نعيم (موهوم ومؤقت بالطبع) ما دامت الهراوة في يد الشرطي، وما دامت الرصاصة على أهبة اصطياد الطرائد (البشرية) وفي المجمل، ما دام المحتجون في الشوارع-على قلتهم-يُطلقون حناجرهم ويتفرقون، وهذا ما استقر عليه المشهد العربي في معظمه، اللهم إلا في ما اشعله بعض العرب في «ساحات» عربية، وحاولوا وما يزالون دون نجاح أي عملية اطفاء او تبريد او ابعاد للزيت على النار وللقنابل، عن حصد المزيد من ارواح السوريين والعراقيين والمصريين، فيما عزيزنا الجديد «جون كيري» يواصل جولاته المكوكية، مُبشراً بالسلام ومروّجاً لـ»كلبشات» برّاقة، تبدو لمن لا يدقق فيها انها «ذهبية»، لكنها لمصادرة الحقوق والتفريط بالثوابت وتكريس الدولة الصهيونية الفاشية دولة اقليمية كبرى تكتب بإرهابها وبساطير جنودها وضخامة ترسانة القتل لديها تكتب جدول اعمال المنطقة، وتفرض على دول الجوار – كما كندا واستراليا – شتات الفلسطينيين الذين حلموا بالعودة وظنّوا انهم بتحويل انفسهم الى «وقود» للثورة، إنما يُسرّعون بتحقيق الحلم، فإذا بالذين تصدروا الثورة يصادرون عليهم هذا الحق ويرون فيها – كما ترى اسرائيل – كمّاً بشريّاً يمكن أن يجد له أي مكان وأي جنسية في بلاد الله.. الواسعة.

هل نسينا «داعش»؟

بالتأكيد لا، فهي جزء من المخطط وتلتقي عنده في النهاية، والذين اوجدوها «وشقيقاتها» هم انفسهم، الان الذين يعكفون على اعادة رسم خرائط المنطقة، وكلها كما يرى الجميع «الان» تبدأ وتنتهي بفلسطين، وما تبقى مجرد تفاصيل ومشاهد تكميلية، وإلا كيف يمكن تفسير كل هذه الحماسة لدى رئيس الدبلوماسية الاميركيون المرشح الرئاسي الخاسر والحالم بالمكوث في البيت الابيض رئيسا والمتطلع بشغف الى حمل جائزة نوبل للسلام، كي «يُنفق» كل وقته لحل «مشكلة» استعصت على سابقيه الذين قدموا عروضاً «وأُطراً» اكثر «سخاء» للفلسطينيين، لكنها كلها لا ترقى لأبسط حقوقهم، وخصوصا ان اسرائيل رفضتها ورمت بها «كلها» الى سلة المهملات، فلم يجد هؤلاء- وسطاء السلام النزيهون حتى لا ينسى احد-سوى تحميل المسؤولية للضحية وتكرار مقولة ايهود باراك «لا يوجد شريك فلسطيني.. لإسرائيل»..

«داعش»… في الساحات وعلى كل الجبهات، وابطالها يسطّرون الملاحم، يرفعون أعلام القاعدة ومن على منابر المساجد يعلنون الإمارات المستقلة (آخرها في مدينة الفلوجة، وما ادراك ما الفلوجة التي ارتكب فيها الأميركيون جرائم ضد الإنسانية، وحرب إبادة)، وكانوا قد اعلنوا إمارة أخرى في محافظة الرقة، وغيّروا الأسماء والأعلام.. ثم بشروّنا بأنهم «قرّروا» رسميّاً الدخول إلى لبنان عسكرياً!

لم يبق سوى الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للإسلام السُنيّ، أو ربما «السُنّة» في العراق وبلاد الشام، كون الذين يُموّلون ويُروّجون ويُسلّحون ويدعمون، هم من يحفل خطابهم بالمفردات والمصطلحات التكفيرية الحاضّة على القتل والشاحنة للغرائز والعاملة بكل حقد على التجييش والتحشيد واثارة الغرائز وبث الكراهية.

أسوأ ما في المشهد المأساوي الذي تعيشه المنطقة، هو هذا التواطؤ الاجرامي الذي تمارسه اطراف المعارضات السورية الخارجية التي كانت «وجدت» في قدوم هؤلاء القتلة الى سوريا واستباحتهم ارضها واعراضها وسيادتها، ومصادرتهم لحريات الناس وخصوصياتهم، وجدت فيهم عونا وشركاء لاطاحة النظام، وما تزال كلمات الشيخ المناضل (الساذج كما يجب القول) احمد معاذ الخطيب، حاضرة عندما قال امام مؤتمر «اصدقاء» سوريا وبعد ان قامت واشنطن بوضع «جبهة النصرة» على قائمة المنظمات الارهابية، «أن هذه المنظمة غير إرهابية ومجاهدة وتساعدنا لدحر النظام»..

الآن وبعد ان لم يعد ثمّة ما هو غامض او خفي، وبعد ان خرجت «المعارضات» من «المولد بلا حمص»، او قُل باتت عارية حتى من أوراق التين، يخرج علينا اليساري المتأمرك «والرجعي ايضا» ميشيل كيلو، ليسأل في مقال «يهطل» تنظيراً وخداعاً، عمّا إذا كانت داعش فصيلاً معارضاً… أم لا؟

الجواب عند جورج صبرا، وبرهان غليون، وخصوصاً المجاهد الأكبر أحمد عاصي عوينان الجربا دون ان يستثني كيلو.. نفسه.

الرأي الأردنية

رسالة شكر إلى “داعش”/ غسان شربل

لم يخطر ببال عالم الآثار الاميركي جيمس هنري برستد ان المنطقة التي سمّاها «الهلال الخصيب» ستؤول ذات يوم الى ما آلت اليه. استند الى ما عاشته المنطقة من تعاقب للحضارات والرسالات، اضافة الى خصوبة تربتها بفعل أنهارها ومناخها.

ذهب ابن تلك المنطقة ميشال عفلق بعيداً حين اسس حزب «البعث» تحت لافتة «امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة». لم يخطر بباله ان الأمة ستسير مخلّعة في الاتجاه المعاكس وستمضي ايامها بلا وحدة ولا حرية ولا اشتراكية.

يمكن قول الشيء نفسه عن انطون سعادة الذي اراد موقعاً تحت الشمس لسورية الطبيعية او سورية الكبرى. من حسن حظ عفلق وسعادة انهما رحلا عن هذه الفانية قبل ان يعانيا ما حل بالأمة وسورية الصغرى نفسها. جاء الرجلان من اطراف منجم «الهلال الخصيب» ولم يأتيا من صلبه. وأسعفهما الحظ في المغادرة باكراً، فمصيرهما معروف لو وقعا في يد «داعش» او مثلاً أمام محاكم ابو بكر البغدادي والفاتح ابو محمد الجولاني ورفاقهما.

اثبت «الهلال الخصيب» انه يستحق التسمية. فبعدما أنجب كل ما انجب من افكار ووعود وحالمين وكتاب وثوار، ها هو اليوم يُنجب ما يلغي كتبهم ويمحو افكارهم ويقطع صلتهم بالمضيء من تراثهم ليأخذهم مجدداً الى عتمات الكهوف. ليس بسيطاً ان نسقط فجأة في عصر «داعش» وأن نرى مسلّحيها ينحرون وينتحرون في الأنبار وسورية وصولاً الى بيروت.

خلطت الاطلالات المدوية لـ «داعش» الاوراق. اثارت قلقاً عميقاً وذعراً حقيقياً ووفرت أعذاراً لمن يبحثون عن الاعذار. ليس غريباً ان يشعر اركان الحكومة العراقية العتيدة ان «داعش» هدية جاءت في الوقت المناسب. كانت حكومة نوري المالكي مشتبكة مع العشائر السنّية في الأنبار ومع المكون السنّي في مجمله، ثم أطلّت «داعش» في ما يشبه طوق النجاة. وفّرت لحكومة بغداد فرصة التمتع مجدداً باللقاء الايراني – الاميركي على دعمها. اعطتها حق المطالبة ببعض انواع الاسلحة للقضاء على الارهاب. وفّرت للمالكي فرصة خوض حرب جديدة قد تؤدي الى ترميم موقعه بعدما تصدع نسبياً داخل طائفته. ولولا الحرج لوجّه اركان الحكومة رسالة شكر الى «داعش».

اطلالة «داعش» السورية كانت حافلة هي الاخرى. فمن قطع الرؤوس الى إعدام المخطوفين والاسرى الى التمثيل بالجثث وإخفاء ناشطين ومعارضين ألحقت «داعش» بالثورة السورية اضراراً تفوق أضرار براميل النظام. شوهت صورتها وأحرجت اصدقاءها والراغبين في دعمها او تفهم اسبابها. اغلب الظن ان اركان النظام السوري يعتبرونها هدية ثمينة تستحق رسالة شكر على انجازاتها، خصوصاً بعدما ولغت في دم «الجيش الحر» وكتائب اخرى.

يصعب الاعتقاد بأن ايران شعرت بالغضب من اطلالة «داعش». الممارسات «الداعشية» الفظة المتتالية تتيح لطهران ان تخيّر «الشيطان الاكبر» بين تقبل فكرة استمرار النظام السوري الحالي او مواجهة سورية انتحارية تعيش في ظل «داعش» وأشباهها. يمكنها ان تقول إن مع «داعش» لن تبقى حدود ولن تبقى اقليات ولا مجال لمؤسسات او ضمانات تتعلق بأمن الدول المجاورة وفي مقدمها اسرائيل. ثم ان اطلالة «داعش» تتيح لإيران وحلفائها التدرب على الدور الجديد في مقاومة التكفيريين والممانعة ضدهم اذا اقتضت التفاهمات مع اميركا إبعاد رياح المقاومة والممانعة عن حدود «الكيان المصطنع». ثم ان في استطاعة «حزب الله» القول انه ذهب الى سورية لمنع سقوطها في يد «داعش» ومنع تدفقها الى بيروت.

اصحاب النيات السيئة يسارعون الى رش علامات الاستفهام. يتساءلون عن دور اجهزة «الهلال الخصيب» في تسهيل اطلالة «داعش» لتوظيفها في خدمتهم. يتساءلون عن مبرر اطلاق «جهاديين» و «فرار سجناء» في سورية والعراق ويلمّحون الى براعة الاجهزة الايرانية ايضاً. ويرى هؤلاء ان من بين اسباب اطلالة «داعش» الإصرار على تهميش الاعتدال السنّي في «الهلال الخصيب» وإصرار ايران على امتلاك مفاتيح القرار في بغداد ودمشق وبيروت. ويذهب هؤلاء الى حد القول ان «داعش» قد تتلقى رسالة شكر من باراك اوباما، فقد اعطته العذر لغسل يديه من الملف السوري بعد جائزة مصادرة السلاح الكيماوي وجائزة قتل اسامة بن لادن، فضلاً عن جائزة نوبل. ومن يدري، فقد تتلقى «داعش» رسالة شكر من سيرغي لافروف لأن اطلالتها تدعم محاولته لجعل مكافحة الارهاب البند الاول على طاولة «جنيف 2».

اخطر ما في اطلالة «داعش» انها كشفت بؤسنا الثقافي والسياسي وثراء آبار الكراهية في تربتنا الخصبة. كشفت عقم كتبنا وجامعاتنا وأحزابنا.

الحياة

الحرب على “داعش”: العراق نموذجاً عشية “جنيف 2″/ جورج سمعان

يستطيع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن ينظر بعين الرضا إلى الحرب القائمة في الأنبار هذه الأيام على فرق «القاعدة» من «داعش» وغيرها. أخذت العشائر المبادرة من أيدي السياسيين الذين ناكفوه طويلاً، منذ نهاية العام 2012. على الأقل ستكون هناك هدنة بين حكومته وخصومها من القيادات السياسية السنية، ولكن إلى حين. ستتأخر الخلافات إلى ما بعد جلاء غبار المعارك القائمة في الرمادي والفلوجة وغرب البلاد عموماً. ويمكن بغداد في هذه الأثناء أن تتنفس الصعداء. فهي تحظى بدعم واضح من الولايات المتحدة وروسيا اللتين تبديان استعداداً واضحاً لمد الجيش بما يحتاج إليه من سلاح وعتاد. لكن زعيم «دولة القانون» سيجد نفسه عاجلاً أمام استحقاقات وتحديات ومطالب داخلية وخارجية، ليس أقلها ما طرحته واشنطن عليه عندما زارها قبل أشهر.

الحرب على «داعش» في الأنبار فرضتها عوامل داخلية وخارجية تتعلق بالأزمة السورية التي فاضت على دول الجوار، خصوصاً العراق ولبنان. فالتنظيم «القاعدي» يواجه أيضاً معركة مماثلة في حلب وإدلب وريفهما ومناطق أخرى. ويأتي دعم واشنطن وموسكو لبغداد جزء من تفاهم ثنائي ودولي على مواجهة الإرهاب. فإذا كانت ثمة تعقيدات في مواجهة حركات التطرف التي تستأثر بالمشهد السوري فلا بأس في نقل الحرب إلى الساحة التي تمد هذا المشهد بمزيد من الوقود وبمقاتلين وجدوا ملاذات آمنة وفرها الصراع بين حكومة المالكي ومجمل القيادات في المحافظات السنية. وهو تطور ساعد بالتأكيد في تحريك أطياف المعارضة المسلحة السورية لخوض معارك تأخرت كثيراً ضد «داعش» التي بات عليها أن تقاتل على أكثر من جبهة. وإذا صح أنها أبدت رغبة في التوجه إلى لبنان لتوسيع رقعة عملياتها هناك فإنها ستجد نفسها أمام جبهة ثالثة.

أفاد المالكي من اللحظة الإقليمية المواتية لينهي اعتصام خصومه في الرمادي. توكأ على مقولة أن ساحة التجمع باتت ملاذاً لقوى التطرف التي تعيث تفجيراً وعنفاً في بغداد والمدن العراقية، والتي باتت تشكل خزاناً يزيد في إشعال الساحة السورية. وأفاد من سحب قواته من مدن الأنبار لتغرق المحافظة في الفوضى. نجح في إعادة خلط الأوراق موقتاً. اصطف العشائر مجدداً إلى جانب قوات الحكومة في مواجهة «القاعدة». وأعيد بعث «الصحوات» التي كان هو نفسه أهمل عناصرها وهمشها في السابق بدل مكافأتها على إنهاء التنظيم نهاية العقد الماضي. لكن هذا الاصطفاف لا يعني أن الأزمة السياسية الناشبة بين «دولة القانون» والأطياف السنية منذ نحو سنتين ستضيع في غبار المواجهات الميدانية الحالية. ستبقى عالقة بلا حل، خصوصاً أن السنة سينزعون من يد المالكي شماعة الارهاب. وربما تفاقمت مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية بعد أربعة أشهر.

نجح نوري المالكي بلا شك في إضعاف خصومه من القيادات الشيعية. نجح في تقديم نفسه شبكة أمان مضمونة للحضور الإيراني الفاعل والمؤثر في بغداد. مثلما نجح في فرض نفسه على الأميركيين الخيار القوي والوحيد ونقطة اللقاء بين طهران وواشنطن. وهو ما سهل إطلاق يديه في كل مفاصل السلطة ومؤسسات الحكم. وساعده إمساكه بالقرار الأمني والمالي والقضائي وسياسة «فرق تسد» في تفكيك جبهات خصومه والكتل المعارضة وعلى رأسها «العراقية» التي طالما شكلت تهديداً وبديلاً محتملاً لـ «دولة القانون». وأفاد في مرحلة أولى من ضغوط الأميركيين في أوساط السنة لتشكيل «الصحوات» في مقابل إشراكهم في العملية السياسية. لكن هذا الاشراك بدا كأنه عملية تجميلية سرعان ما تبددت مع نجاحهم في طرد جماعات «القاعدة».

وتعمق إحساس السنة بالتهميش إثر خروج آخر الأميركيين من العراق نهاية العام 2011، وإثر تعاظم الأزمة السورية التي انخرطت فيها حكومة المالكي طرفاً إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، بدل أن تطرح نفسها وسيطاً محايداً، أو على الأقل التزام سياسة «النأي بالنفس». وفاقم «الحضور الإيراني» في بغداد خلافاتها مع عدد من العواصم العربية، خصوصاً الخليجية التي باتت تنظر إلى العراق جزءاً من المحور الإيراني – السوري. في ضوء هذا الواقع سيبقى لقاء المصالح بين زعيم «دولة القانون» والمحافظات السنية عابراً وآنياً إلى حين جلاء غبار الحرب على «داعش». ومثله ربما سيكون تفاهم واشنطن وموسكو على دعم بغداد عابراً وآنياً تنتهي مفاعيله مع تخفيف الضغط «الارهابي» على الساحة السورية.

ما يجري في الأنبار سيعيد خلط الأوراق في بلد يستعد لانتخابات نيابية عامة آخر نيسان (ابريل) المقبل. وسيعيد رسم خريطة جديدة للقوى المتصارعة وموازين القوى المختلفة، لكنه لن يقدم تسويات تبعد عن البلاد شبح الحرب الأهلية، أو على الأقل تقيها شر النار السورية. لقد جرّت «داعش» على نفسها هذه الحرب المفتوحة عليها في كل من العراق وسورية، بسبب تسلطها على الناس وإرهابهم. لكن ظروفاً أخرى دولية وإقليمية ساهمت أيضاً في الدفع نحو هذه الحرب. وقد لا يتأخر الروس والأميركيون في استثمار نتائجها إذا كان لا بد لتفاهمهم في المنطقة من أن يبصر النور انطلاقاً من «جنيف 2» المقبل.

المعارضة السورية ستكون أيضاً بين أوائل المستفيدين من تداعيات الحرب على «داعش». وليس سنة العراق وحدهم. سيعزز هذا التطور صورة الاعتدال في صفوفهم عشية المؤتمر الدولي. ويساهم في توحيد كلمتهم في مواجهة النظام الذي قدمهم جزءاً من جماعات الإرهاب الدولي. ويساعد في تطبيق قرارات ميدانية إذا قيض لمؤتمر جنيف شيء من النجاح. لكن الأهم من ذلك أن موسكو وواشنطن اللتين عبرتا عن رغبة صريحة في إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب في سورية ستجدانها فرصة لتعزيز وجهة نظرهما أولاً. ولا شك في أن فتح المواجهة واسعةً على «القاعدة» إلى العراق أيضاً يصيب أكثر من هدف. أول الأهداف أن توسيع ساحة القتال مع الحركات المتشددة يخفف من ثقل حضورها في سورية ويحول دون تجذر هذا الحضور. والمعارك الدائرة في الأنبار تشتت بلا شك قواها وتضعفها، مثلما تضعفها الحرب الدائرة في حلب وإدلب ومواقع سورية أخرى.

لكن هذه الحرب لن تقضي على المتشددين ما لم يبادر المعنيون الرئيسيون بها إلى استثمارها في السياسة. يصعب القضاء على التوتر المذهبي في الإقليم. سيبقى العنف المتبادل خزاناً يرفد المتطرفين بالوقود اللازم. وتشي الصورة في لبنان وسورية والعراق بالعجز عن وقف دورة العنف. والأسباب واضحة، ليس أولها ضعف الحكومات و»فئويتها»، وليس آخرها تفكك المجتمعات الوطنية والهوة السحيقة بين مكوناتها الطائفية والمذهبية والاتنية، ووقوف كل مكون وراء هذا الطرف السوري أو ذاك. وما يزيد الهوة اتساعاً ويجعل التلاقي مجدداً متعذراً هو الصراع المذهبي المفتوح بين الرعاة الإقليميين للقوى المحلية في البلدان الثلاثة.

المهمة إذن على رعاة جنيف الإيرانية وجنيف السورية. على روسيا وأميركا بالتحديد. ولعل «الحرب على الإرهاب» في العراق تكون فرصة لتمارسا دوراً في إعادة الاعتبار إلى السياسة. يمكنهما في ضوء قرارهما تسليح القوات العراقية، دفع نوري المالكي إلى إعادة فتح الباب مجدداً لدمج السنة في العملية السياسية. ويمكن موسكو أيضاً أن تسعى للتخفيف من غلواء إيران وحضورها الطاغي في بغداد، بما يطمئن خصومها في الداخل وفي دول الجوار. مثلما يمكن واشنطن أن تعيد الروح إلى «تجربة الصحوات» وتمارس دورها «العشائري». ولا مبالغة في القول إن النجاح في تسوية الأزمة السياسية القائمة منذ سنتين بين بغداد والمحافظات السنية قد تشكل مقدمة لدفع العراق إلى أداء دور نشط في تسوية الأزمة السورية. وربما في ترطيب الأجواء الإقليمية المشحونة. هذا إذا وجدت إدارة باراك أوباما أن تجذر الإرهاب وحدة الصراع المذهبي في بلاد الشام باتا يهددان استقرار المنطقة، خصوصاً أمن إسرائيل. وإذا ارتأى فلاديمير بوتين الذي توعد بالقضاء على الإرهاب، إثر عمليتي فولغاغراد، أن الحملة لا بد أن تنطلق من الشرق الأوسط… ومن العراق نموذجاً.

العراق نموذجاً. لأنه لا يزال ثمة أمل في إنعاش صورة الديموقراطية. فلا تزال في البلد أحزاب وقوى وهيئات مدنية تتصارع. ولا تزال هناك انتخابات محلية وبرلمانية، ومؤسسات ومنابر إعلامية… والأهم من ذلك أن العراق شكل عبر تاريخه الطويل خط تماس بين حضارات مختلفة ومتصارعة. فإذا كانت سورية جسر عبور لإيران إلى شاطىء المتوسط، فإنه يبقى الرأس الأول لجسر العبور نحو بلاد الشام. ويبقى البوابة التي تنطلق منها الريح إلى كل أرجاء شبه الجزيرة العربية. وإذا قيض لـ «السلاح» الأميركي والروسي لبغداد أن يبعد شبح «داعش» والحرب الأهلية، وإذا شق اتفاق جنيف بين إيران والدول الست الكبرى طريقاً لا عودة عنها، يمكن عندها التوكؤ على العراق وسيطاً مساعداً في حلحلة أزمات الإقليم… إلا إذا كان المطلوب أن يكون نموذجاً أول لخريطة جديدة لكل بلاد الشام! لكن الثابت اليوم أن الحرب على «داعش» في الأنبار وحلب تنبىء بمرحلة جديدة على أبواب «جنيف 2» واستحقاقات أخرى كثيرة في الإقليم.

الحياة

العراق وسوريا: ضرب «داعش» لضرب المعارضة/ عبد الوهاب بدرخان

من المسؤول عن عودة تنظيم «القاعدة» إلى الانتشار واستعادة «الحاضنة» الشعبية في الأنبار عبر فرعه الذي زاد «الشام» إلى عنوانه ليصبح تنظيم «الدولة الإسلامية للعراق والشام» أو «داعش» اختصاراً؟ لو أن الحكومة العراقية تصرفت، غداة الانسحاب الأميركي، كحكومة لجميع العراقيين، ولو أنها أرفقت الإجراءات الأمنية الضرورية لمجابهة الإرهاب بمبادرات سياسية أتيحت لها بموجب «اتفاق أربيل» (ديسمبر 2010)، لما تسببت بهذه الأزمة التي زادت الشرخ المذهبي بين الشيعة والسنّة، ولما جازفت بالجيش العراقي الحالي ووضعه في حال استهداف لأحد مكوّنات المجتمع، والأهم لما أوجدت بيئة وظروفاً يضطر معها السُنّة للمفاضلة المستحيلة بين عدوّين: الجيش و«القاعدة».

الأزمة لم تبدأ قبل أسبوعين، أي بعد مقتل قائد الفرقة السابعة في الجيش محمد الكروي، ليتخذه رئيس الوزراء نوري المالكي ذريعة للإعلان، من كربلاء، عن تجريد حملة «ثأر القائد محمد» ضد «داعش». كان هذا مجرد فصل مأساوي مؤلم في مواجهة لم يكن لها أن تكون أصلاً، لكن الأزمة بدأت في 2010 غداة الانتخابات والخلاف على من يتولّى منصب رئيس الوزراء، وكانت الفرصة سانحة للانطلاق في بناء النظام «الديموقراطي» الجديد أو بالأحرى «دولة المؤسسات» المناقضة للنظام الذي أسقطه الغزو الأميركي.

خسر العراق هذه الفرصة، وتولّى رئاسة الوزراء من اختاره التفاهم الضمني بين الولايات المتحدة وإيران. ورغم مساوئ هذا الاختيار، مغزىً وأسلوباً، كان يمكنه أن يعني ضماناً لـ «مرحلة انتقالية» لترميم التعايش بين مختلف الفئات، إلا أن تطبيقه ذهب في اتجاه معاكس تماماً، إذ أدّى إلى إعادة الحكم الفردي معتمداً واقعياً على حزب المالكي (وميليشياه) وعلى مهاراته في لعبة «فرّق تسُد».

غداة الانسحاب الأميركي أطاح المالكي بنائب الرئيس طارق الهاشمي بقضية «تورّط في الإرهاب» غلب عليها التلفيق والافتراء، ثم عطّل استكمال تشكيل الحكومة وفقاً لاتفاق أربيل مستحوذاً على الحقائب الأمنية في يده وفارضاً إرادته على الوزارات والمؤسسات.

لم يخلُ عاما 2011 و2012 من تفجيرات لـ «القاعدة» واضطرابات أمنية ظلّت محدودة، لكن توالى مسلسل الخلافات بينه ويبن الأكراد كاد يشعل مواجهات عسكرية، ثم مع المحافظات ذات الغالبية السنيّة التي شكت من التمييز ضدّها في مشاريع الحكومة وميزانيتها.

وبعد تعايش متقلّب مع عدد من الوزراء السنّة ما لبث المالكي أن مسّ عصباً عشائرياً حسّاساً عندما حاول تكرار سيناريو الهاشمي بقضية أخرى ملفقة لاستهداف وزير المال رافع العيساوي، ما أشعل الاحتجاجات فالاعتصامات منذ ديسمبر 2012.

وطوال سنة كاملة، لم يتوصّل المالكي إلى طرح أي مبادرة سياسية ذات مصداقية للتعامل مع مطالب المعتصمين مراهناً على اختراقهم وبث الخلافات في ما بينهم ومهدداً بضربهم وإنهاء حراكهم بالقوة.

هذا هو المناخ الذي أعاد إنتاج «الحاضنة» وفتح لتنظيم «القاعدة» أو «داعش» أبواب العودة إلى الواجهة، وقد انتظره المالكي ليتأبط الذريعة مستفيداً أيضاً من الجو الإقليمي المتخوّف من تعاظم نفوذ هذا التنظيم في سوريا، حتى أن زيارتيه الأخيرتين كانتا لواشنطن ثم لطهران، وركّزتا على «محاربة الإرهاب» إذ وافق الأميركيون على تقديم صواريخ متطورة وطائرات ومعدّات جوية للاستطلاع والمراقبة وتحديد مواقع “الداعشيين”. وهكذا شكلت حملة «ثأر القائد محمد» تمهيداً تجريبياً لما يفترض أن يكون لاحقاً في سوريا وحتى في لبنان، أي إغراق المنطقة في حرب على الإرهاب يصعب تحديد نهاية لها.

وكما أن مسؤولية استنهاض «القاعدة» بل مؤازرتها واضحة في العراق، فإنها أكثر وضوحاً في سوريا حيث تتحرك «داعش» وفقاً لخطّة النظام إذ تخطف نشطاء الثورة وتقتلهم تحت التعذيب وتهاجم قوى المعارضة للاستيلاء على مواقعها. ففي الحالين كانت هناك حكومة تُغلّب الشأن الأمني وتتعمّد إفشال السياسة حيث يمكنها أن تحدّ من الوباء الإرهابي، وحين تتحوّل المشكلة من احتجاجات سلمية إلى حالٍ إرهابية تكسب الحكومة أفضلية دولية للقضاء عليها. غير أن القاسم المشترك بين نوري المالكي وبشار الأسد ليس في تحالفهما مع إيران فحسب بل في كونهما مستعدّين للتفاني في «محاربة الارهاب» بغية تحقيق الهدف الأساسي وهو القضاء على معارضيهما.

وإذ أعطى المالكي نموذجاً أول لذلك بإنهاء اعتصام “الرمادي”، إلا أنه قاد بقية المناطق السُنّية إلى حال حرب أهلية فعلية أسوأ ما فيها أنها في صدد إدخال «داعش» في نسيج الاحتجاج الأهلي المشروع، رغم أن للإرهابيين أجندتهم الخاصة التي تناقض طموحات السُنّة والشيعة على السواء.

الاتحاد

1963-2013: البعث و “داعش”

حازم صاغيّة

«دولة الشام والعراق الإسلاميّة»، التي باتت تُعرف بـ «داعش»، صارت، بين ليلة وضحاها، طرفاً يُحسب له كلّ الحساب. إنّها الحركة المتزمّتة، العنفيّة والبطّاشة، التي تتجاوز الحدود الوطنيّة لدولتي العراق وسوريّة وتزعم دمجهما في دولة واحدة ذات أفق إسلاميّ. إنّها، بالتالي، وحدويّة، نافية لما تواضع عليه سايكس وبيكو.

صعود «داعش»، هذا الحدث الذي شهده العام 2013 الفائت، ولا يزال يئنّ تحت وطأته العام 2014 الجاري، عرف ما يشبهه قبل ستين عاماً، حين استولى «حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ» على السلطة في العراق وسوريّة بفاصل شهر واحد فحسب (8 شباط/ فبراير و8 آذار/ مارس).

طبعاً، الفوارق بين حزب «البعث» ومنظّمة «داعش» كبيرة ونوعيّة. فالأوّل وصل إلى السلطة عبر الانقلاب العسكريّ وكان يقول بالعروبة إيديولوجيّةً له، أمّا الثانية فتسمّي نفسها مشروعاً جهاديّاً وتقول بالإسلام مرجعاً إيديولوجيّاً وحيداً حاكماً لها.

مع هذا، فالبعث حكم البلدين في 1963، و «داعش» تحاول اليوم قضم البلدين، أو سنّتهما على الأقلّ، مهدّدةً غير السنّة فيهما في وجودهم ذاته. والبلدان المعنيّان، في الحالتين، هما العراق وسوريّة اللذان حاول البعث النظريّ توحيدهما، وتعاملهما اليوم «داعش» بوصفهما بلداً واحداً. ومثلما وصل البعث إلى السلطة في البلدين بالعنف والقهر، تحاول «داعش» بالعنف والقهر الإمساك بما تيسّر منهما. لكنّ البعث يومذاك كان، في جانب منه، اعتراضاً على التيّار القوميّ العريض الذي مثّلته الناصريّة، بينما «داعش» ومثيلاتها هي، في جانب منها، اعتراض على التيّار الإسلاميّ التقليديّ ممثّلاً بجماعة «الإخوان المسلمين». ومثلما انبثق البعث من ثقافة إجماع شعبيّة بين الحاكم والمحكوم، هي في الستينات العروبة وقوميّتها، انبثقت «داعش» وأخواتها من ثقافة إجماع شعبيّة هي اليوم الإسلام السياسيّ. لكنْ أيضاً، كما ترافقت، في البعث، الدعوة الوحدويّة العروبيّة العابرة للحدود مع تفسّخ غير محدود عصف بالبعث نفسه، فجعله عراقيّاً وسوريّاً كما جعل كلاً منهما بعوثاً كثيرة، تترافق في «داعش» وأخواتها الدعوة الوحدويّة الإسلاميّة مع تفسّخ غير محدود يرقى إلى شرط من شروط ولادتها التنظيميّة نفسها. فوق هذا، صدر البعث، وتصدر «داعش»، عن مقدّمات مناهضة للغرب والتغرّب. بيد أنّهما يصدران أيضاً عن انخراط عميق في تنافس القوى والمحاور الخارجيّة: فالبعث، في 1963، ووفقاً لتعبير علي صالح السعدي الشهير، وصل إلى السلطة في العراق «بقطار أميركيّ» لهدف مكافحة الشيوعيّة إبّان الحرب الباردة. أمّا «داعش» فمتورّطة حتّى الأذنين بالخارج بشراً ودعماً. لكنّ البعث في 1963 أخلّ بالمعادلة الإقليميّة التي كانت تنهض على صراع الناصريّة والأنظمة المحافظة في الخليج والأردن، باثّاً فيها حالةً تناوئ الطرفين المذكورين. وهو ما فعلته، بطريقتها، «داعش» وأخواتها إذ اعترضت الصراع كما رسمته الثورات العربيّة، لا السوريّة فحسب، بين أنظمة وشعوب. ثمّ إنّ البعث ما إن تمكّن في دمشق وبغداد، حتّى حاول التسلّل الأمنيّ إلى لبنان، ولو بطريقة سخيفة ومرتجلة، من خلال ضابط أمن سوريّ اسمه جلال مرهج اعتُقل وحوكم في بيروت. وبعد ستين عاماً، تترافق التفجيرات الأمنيّة في لبنان وظهور شخص كماجد الماجد مع تمدّد «داعش» وأخواتها في الجوار السوريّ.

بمعنى آخر، نحن أمام وجهين مختلفين للعملة نفسها، وهو ما يجيز القول إنّ الدولة والمجتمع كما يبنيهما البعث تقوّضهما «داعش». ورمزيّة السجّان البعثيّ والسجين الإسلاميّ بالغة الدلالة هنا. لكنْ إلى ذلك، أيّ عطل عميق يضرب سوريّة والعراق اللذين يطلع دائماً، من الثكنات والسجون والمقابر، من ينتدب نفسه لتوحيدهما؟ وأيّ رفض عميق يكنّه السوريّون والعراقيّون لكونهم سوريّين وعراقيّين؟

السؤال يتجاوز البعث و «داعش»، على وحشيّتهما، ليطال ثقافة سياسيّة هربت من مهمّة البناء الوطنيّ الصعبة، إنّما الممكنة، إلى مهمّة الوحدة، العربيّة أو الإسلاميّة، المستحيلة.

الحياة

داعش ـ الأسد أو الثورة/ زيـاد مـاجد

لطالما ردّد السفهاء (شرقاً وغرباً) مقولة مفادها أن الخيار في سوريا قائم بين نظام الأسد أو “الجهاديّين”.

وقد اتّخذ كثر من هؤلاء الأمر ذريعة اختبأوا خلفها لادّعاء حياد أو لإعلان تفضيل للأسد باعتباره “أهوَن الشرّين”. كما أن بعضهم كان يبرّر للميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية غزوها لسوريا وقتالها الجيش الحرّ بحجة أنها تدافع استباقياً عن نفسها تجاه “تكفيريّين”، وأن الصراع في كل الأحوال مذهبي لا أثر لثورةٍ على الاستبداد فيه.

والأنكى أن بعض المعارضين السوريّين ممّن يجرّمون الكفاح المسلّح ضد النظام (وكأن السلمية ما زالت ممكنة)، روّجوا بدورهم للمقولة المذكورة، وتجاهلوا حقيقة أن لا علاقة للجهاديين بالثورة السورية، وأن قتال هؤلاء – ممثّلين منذ تسعة أشهر بتنظيمهم “داعش” – استهدف كتائب إسلامية سورية وألوية جيش حرّ في أكثر من محافظة، ولم يستهدف النظام إلاّ نادراً. كما أن الأخير الذي يقصف المدنيّين ويدمّر أحياءهم منذ عامين، لم تضرب براميله مرة مراكز كبرى علانية لِداعش في الرقّة وسواها من مدن.

بهذا، جرى عن عمدٍ خلط الأمور، وبدا النظام وحلفاؤه في مقلب و”داعش” (وقبلها “النصرة”) متزعّمةً في المقلب الآخر. وقد ساعد تلكّؤ أجسامٍ معارِضةٍ سياسية وعسكرية في تحديد موقفها الواضح من “الداعشية” (خوفاً من بطش الأخيرة ومن تشتيت القوى إن وقعت المواجهة معها) في جعل المقولة البائسة حول “الأسد أو الجهاديّين” قابلةً للتصديق في أوساط غير قليلة من الرأي العام (في الدول الغربية كما العربية).

وإذا كان تغيير الصوَر النمطية والمواقف المُسقطة على الواقع السوري نتيجة المقولة المذكورة وبروباغاندا النظام المبنية عليها يتطلّب جهوداً كبرى، لم تُبذل بعدُ، فإن لا إمكانية لبذلها الآن من دون إقران ذلك بالتصدّي الميداني للسرطان “الداعشي” المتفشّي في أكثر من منطقة محرّرة، وإظهار أن مشكلته الفعلية هي مع الثورة وليست مع النظام، وأن المعادلة الحقيقية في سوريا هي اليوم إما “الأسد – داعش أو الثورة وإسقاط النظام وداعش معاً”. فاستمرار نظام الأسد بعد قتله عشرات ألوف البشر سيخلق أكثر من حالة داعشية، وتكاثر الحالات الداعشية سيُعين نظام الأسد على الاستمرار وسيُشجّع غضَ النظر الدولي عن جرائمه. والبديل الفعلي لهذا الوضع المأساوي هو بالتالي طيّ صفحة الأسد – داعش نهائياً عبر مقاومة الطرفين.

والأمر بالطبع بالغ الصعوبة، وفيه استنزاف هائل للكثير من الفصائل المعارضة ولطاقات السوريين عامة، لكن لا مناص منه للخلاص من تلك المقولة المزوّرة وثنائيّتها وتظهير المعادلة الفعلية التي لم تعد سوريّةً فحسب، بل صارت عالمية أيضاً (رغم محاولات التملّص منها).

لكلّ هذا، فإن ما يجري في سوريا حالياً من دحرٍ لـ”داعش” هو في منتهى الأهمية، وستكون له آثار على مسارات مقبلة، بمعزل عن الخصائص الايديولوجية لبعض الفصائل “الثورية” المواجهة للتنظيم الجهادي.

فالخصائص هذه، على خطورتها، تبدو في مرتبة ثانية في هذه اللحظة مقارنةً بالخصائص السياسية وبالانتماء الترابي والمنبت الاجتماعي للمقاتلين وجماعاتهم.

موقع لبنان ناو

الاستبداد و”داعش”/ عبدالله إسكندر

عبّر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن نظرته إلى ممارسة السلطة وعن طبيعة العلاقة التي يريد أن يرسيها مع أبناء وطنه، وذلك عندما خيّر مواطنيه القاطنين في الفلوجة بين أن يطردوا بأنفسهم مسلحي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من مدينتهم وبين أن يستعدوا لمواجهة مع قواته.

قد تكون للمالكي أهداف آنية يريد أن يحققها من فتح جبهة الفلوجة، بعد تهافت وضعه حتى بين حلفائه السابقين من الشيعة، ونزاعه المستمر مع المكون الكردي في شمال البلاد، واتساع دائرة المواجهة المرتبطة بمطالب سياسية واقتصادية ترفعها شرائح ومكونات كثيرة في البلاد. لكن هذه الأهداف الآنية تؤكد موقف الرجل من الحكم والعلاقة التي يريد رسمها مع مواطنيه.

تتضمن دعوة سكان الفلوجة، والأنبار عموماً، إلى تولي طرد «داعش» على اتهام مبطن بالتواطؤ مع التنظيم الإرهابي، خصوصاً أن المالكي تعامل مع الحركة الاحتجاجية في المحافظة بصفتها تمرداً إرهابياً. هكذا يحول رئيس الوزراء العراقي المعروف بعلاقته التقليدية الوطيدة بإيران، وممثلها في بغداد قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي يصفه مقتدى الصدر بأنه أقوى رجل في العراق، مكوناً أساسياً إلى بيئة حاضنة للإرهاب، ويجعل من أي تحرك احتجاجي لها دعماً واحتضاناً له. ليصبح معارضو المالكي من العراقيين إرهابيين في انتظار إثبات براءة لا تمنح لهم. وتؤكد عمليات الاعتقال العشوائي المستمرة والتي تطاول أيضاً شخصيات سياسية، بتهم شتى، هذه النظرة.

أما تهديد أهالي الأنبار بالمواجهة مع القوات المسلحة، في حال لم ينصاعوا إلى أمر طرد «داعش»، فيكشف أن وظيفة الجيش، في نظر المالكي هي تجريد حملات تأديبية على مناطق بأسرها، بذريعة عدم القيام بطرد الإرهاب.

إضافة إلى التخلي عن وظيفة الدولة، التي هي أساساً الحفاظ على أمن المواطنين وتأمين سلامتهم، ودعوة هؤلاء المواطنين لملاحقة الإرهاب، تتحول وظيفة القوات المسلحة أداة في يدي الحاكم، خصوصاً أن هذا الحاكم أظهر خلال ممارسته الحكم كل خصائص الاستبداد.

هكذا إذن يخيّر المالكي مواطنيه بين أن يكونوا إرهابيين وبين الخضوع للاستبداد. و «داعش» هنا تقوم بوظيفة سياسية، في نظر الحاكم المستبد، خلاصتها تظهير معنى كل من الخيارين.

وعندما انفجرت الحركة الاحتجاجية في سورية، والتي تقترب من نهاية عامها الثالث، دفع النظام في اتجاه حصر الخيار بينه، كنظام قامت الاحتجاجات أصلاً لمناهضته بوصفه استبدادياً، وبين المجموعات الإرهابية التي اتخذت في سورية أسماء مختلفة وصولاً إلى «داعش».

صحيح أن ثمة مشكلة قائمة بذاتها ترتبط بوجود المجموعات الإرهابية المرتبطة بـ «القاعدة» العابرة للأوطان، وأن هذه المجموعات لا تزال تستقطب الأموال والمتطوعين، بما يجعلها تشكل تهديداً عابراً للأوطان بدوره. والخلط بين هذه المجموعات والمطالب الشعبية، كما جرى التعبير عنها في سورية والعراق، يصب في مصلحة النظام الذي يسعى إلى تصوير أي تحرك شعبي أو اعتراض سياسي وكأنه ينبع من بيئة حاضنة للإرهاب.

وقد انعكس هذا الخلط على المعركة الديبلوماسية التي كان الإرهاب منذ اليوم الأول السلاح الأمضى في يدي روسيا من أجل منع أي إدانة دولية للنظام السوري لعمليات القتل الجماعي للمدنيين أولاً. وفي مقدار ما يظهر اتساع رقعة سيطرة الإرهاب وحجم ارتكاباته، يصبح مبرراً أكثر دعم النظام الاستبدادي. حتى لو اضطر النظام أن يدفع بعض قواته لارتكاب مجازر إرهابية، من أجل تبرير حملاته على مواطنيه بذريعة مكافحة الإرهاب.

أشار كثيرون إلى مدى التزامن بين انتعاش «داعش» في سورية والعراق مع سياسة مدروسة للنظام في البلدين بإطلاق أو تهريب إرهابيين موصوفين من أجل أن يغذوا الإرهاب خارج السجون. وليس صدفة تزامن معارك «داعش» في العراق وسورية مع الإعداد لمؤتمر «جنيف 2»، فهذا أسهل السبل لفرض الإرهاب على جدول الأعمال وليس كيفية التخلص من الاستبداد.

الحياة

من هي “داعش”؟

(ا.ف.ب)

تعد “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) تنظيماً جهادياً يضمّ عناصر من جنسيات مختلفة يقاتل النظام السوري ومقاتلي المعارضة حلفاء الامس الذين استاؤوا من تجاوزاته. وقد استولى هذا التنظيم على مدينة الفلوجة غرب العراق.

انبثق تنظيم “داعش” عن “دولة العراق الاسلامية”، المجموعة الجهادية المسلحة التي يتزعمها ابو بكر البغدادي الذي ارسل عناصر الى سوريا في منتصف 2011 لتأسيس “جبهة النصرة”. وفي نيسان 2013، اعلن البغدادي توحيد “دولة العراق” و”جبهة النصرة” لانشاء “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، لكن “جبهة النصرة” رفضت الالتحاق بهذا الكيان الجديد، وينشط كل من التنظيمين بشكل منفصل في سوريا.

يقدر تشارلز ليستر الباحث في مركز “بروكينغز” في الدوحة عدد مقاتلي “داعش” في سوريا بما بين ستة وسبعة الاف، وفي العراق بما بين خمسة وستة الاف. ولم يتسن التأكد من هذه الارقام من مصادر اخرى.

وفيما خصّ جنسيات مقاتلي “داعش”، فان معظم المقاتلين على الارض في سوريا هم سوريون لكن قادة التنظيم غالباً ما يأتون من الخارج وسبق ان قاتلوا في العراق والشيشان وافغانستان وعلى جبهات اخرى.وفي العراق معظم مقاتلي داعش هم عراقيون.

ووفق الخبير في الشؤون الاسلامية رومان كاييه من “المعهد الفرنسي للشرق الاوسط”، فان عددا من قادة التنظيم العسكريين عراقيون او ليبيون في حين ان قادته الدينيين من السعودية او تونس.

ولم تعلن “الدولة الاسلامية في العراق والشام” ولاءها لزعيم “القاعدة” ايمن الظواهري الذي سمى “جبهة النصرة”، الجناح الرسمي للتنظيم في سوريا. لكن لـ”داعش” نفس العقيدة الجهادية التي للقاعدة معتبرة ان انشاء دولة اسلامية في سوريا مرحلة اولى لقيام دولة الخلافة.

ولا يبدو ان “الدولة الاسلامية في العراق والشام” تحظى بدعم معلن من دولة معينة، وبحسب محللين يحظى التنظيم بالقسم الاكبر من الدعم من جهات مانحة فردية معظمها من الخليج. وفي العراق يتبع التنظيم لشخصيات عشائرية محلية.

ورحبت المعارضة السورية في البداية بـ”الدولة الاسلامية في العراق والشام” لانها حظيت بدعم مجموعة جيّدة التدريب والتجهيز. وتعاون التنظيم مع “جبهة النصرة” ومجموعات اسلامية اخرى خصوصاً “احرار الشام” لمحاربة النظام.

لكن رغبتها في الهيمنة والتجاوزات التي ارتكبتها خصوصا اعمال الخطف التي طاولت ناشطين وصحافيين اجانب، وقتل مدنيين ومقاتلين في تنظيمات معارضة اخرى دفعت بثلاثة تجمعات متمردة اساسية الى محاربتها.

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الانسان”، يحتجز هذا التنظيم الاب اليسوعي باول دالوليو وحوالى عشرين صحافيا اجنبيا، بينهم مراسل قناة “اوروب 1” ديدييه فرنسوا ومراسل “لو بوان” نيكولا انان ومراسل صحيفة “ال موندو” خافيير اسبينوسا والمصورون ادوار الياس وبيار توريس وريكاردو غارسيا فيلانوفا. وفي حزيران، اثار مقاتلون من “داعش” استياء واسعا لاعدامهم فتى في اـل15 من العمر في حلب.

“الداعشية” داخل المعارضة السورية/ عبد الرحمن الراشد

أخطر ما يهدد الثورة السورية ليست «داعش»، الجماعة التخريبية بل فكر «داعش»، أي الانقضاض على الثورة من داخلها. فإذا كانت تنظيمات القاعدة استطاعت ضرب الجيش الحر وعطلته عن مقاتلة قوات الأسد، فإن هناك ناشطين سياسيين يفعلون الشيء نفسه؛ ينقضون بمعاولهم على البناء السياسي للمعارضة يكسرونه من الداخل حتى يهدموه.

الاحتراب على هامش العمل السياسي لا يقل إيلاما عن أذى «داعش» في الميدان العسكري. قبل أيام حان موعد انتخاب رئيس للائتلاف السوري، الذي يمثل المظلة السياسية للثورة. الرئاسة مدتها ستة أشهر فقط، يتم التجديد أو التغيير للرئيس من خلال التصويت. نظام قبل به جميع الأعضاء في الائتلاف. في إسطنبول اجتمع الائتلاف، الذي يتشكل من مائة وعشرين عضوا، وتنافست شخصيتان سوريتان محترمتان، أحمد الجربا الرئيس الذي أكمل دورة واحدة، والثاني رياض حجاب، أبرز المنشقين عن النظام. وبعد فرز الأصوات جددت الأغلبية للجربا بفارق 13 صوتا، وخسر تكتل حجاب. هل فيما ذكرت يستحق الخلاف؟ بالتأكيد لا، لولا أن بعض الذين خسروا خرجوا يهددون بالانسحاب وتأسيس كيان سياسي آخر، وبالتالي تعميق الخلافات داخل المعارضة السورية المجروحة أصلا بسبب شقاقها. ولم يكتف بعضهم بالغضب من خسارته في التصويت بل حولها إلى ساحة شتم وتهديد وتخوين! ما الفارق بين هؤلاء وبين «داعش»؟ أليس الأذى هو نفسه؛ تخريب الصف السوري المعارض وإفشال الثورة.

لو فاز حجاب برئاسة المجلس لكان يستحق نفس الاحترام والالتزام الذي يستحقه الفائز اليوم الجربا، هذه أصول العملية الانتخابية، وهذه هي الأسس التي يقاتل من أجل تحقيقها الرافضون لنظام الأسد. ما قيمة المؤسسة السياسية، التي انخرط فيها هؤلاء برغبتهم، أعني الائتلاف السوري، إذا كانت يجب أن تدار بقوة الاختيار لا بالتصويت؟ وإذا كان كل من يخسر كرسيه أو يفشل في انتخابه يهدد بتخريب المؤسسة التي ضمته، أو يلصق برفاقه تهما معيبة، فيكف سيكون الحال عليه لو انتصر هؤلاء وحلوا محل نظام الأسد؟

الجانب الآخر والأسوأ، استخدام حكاية الذهاب إلى جنيف لتخوين الائتلاف. فبعض الذين خسروا في التصويت رفعوا قميص مؤتمر جنيف المقبل، متوعدين ومخونين من يذهب إلى هناك. بإيجاز إن دعوة المعارضة هي اعتراف بها أولا، وثانيا حضورها يحول دون أن تمثلها دول قد لا تعبر عن مصالح الثورة السورية. وفوق هذا، فإن الائتلاف نفسه وضع شرطا رئيسا قد ينسف المؤتمر قبل أن يبدأ، وهو اشترط لحضوره اعتماد قرار جنيف الأول، بإقصاء نظام الأسد. قد لا يعقد جنيف بسبب شرط الائتلاف، الذي أعلنت فرنسا عن تأييده. وبالتالي الخياران المثاليان، إما أن يعقد المؤتمر مقرا بعدم بقاء الأسد، أو ألا يعقد البتة، لأنه في حال انعقاده وغياب المعارضة، قد يتفق الكبار على اعتماد حلول تفرض على الشعب السوري ودول المنطقة عنوانها: «محاصرة الجماعات الإرهابية المسلحة». ثم نرى غدا أنه يلغي المعارضة المسلحة كلها، بإغلاق كل الحدود، وتجريم الدول التي تسلح أي فريق سوري، والحيلولة بين قادة المعارضة السياسية والتنقل في كثير من الدول الرئيسية. خيارا الائتلاف هما مؤتمر ضد الأسد، أو ألا يعقد المؤتمر. أما الغياب دون اشتراطات موضوعية سيسيء للقضية السورية ويعزز وضع الأسد وإيران وروسيا.

أخيرا، إن كان لدى المعارضين الغاضبين حلول، غير شق صف المعارضة، فليقدموها. فعليا، لا شيء، مجرد مجلس آخر وجدل إضافي، ثم انشقاق ثالث، وزعامات إضافية.

الشرق الأوسط

داعش” … قلب الأسد!/ وليد إبراهيم الأحمد

… وهكذا بعد ان شعرت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اليوم بعدم نجاحها في احكام قبضتها على محافظة الانبار نظرا للاحتجاجات السنية المتصاعدة التي تعاني الاقصاء والاضطهاد عمدت حكومة المالكي إلى فسح المجال لمسلحي تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم (داعش) للدخول في المعارك الدائرة مع العشائر بهدف القضاء على احتجاجاتها تحت شعار (حط حيلهم بينهم) و(فخار يكسر بعضه)!

كل ذلك من اجل ان تسيطر (داعش) المتطرفة على مدينة الفلوجة بالمحافظة لتبدأ قوات المالكي بعد ذلك وتحت مبرر فرض السيطرة واستتباب الامن الوطني والقومي بدك المحافظة بذريعة تنظيفها من اوكار الارهاب التي بالفعل بدأ التنظيم الداعشي الاخير يجنح لها فتخصص في القتل والنهب كما يحدث اليوم في الشام لقادة الجيش الحر وجبهة النصرة وقادة الائتلاف والمجلس الوطني والفصائل المعارضة الاخرى من هجوم داعشي على المناطق المحررة بهدف قتل المجاهدين فيها والظفر بغنائمهم بسهولة بعد ان كانت المعارضة قد حررتها من بطش الجيش الأسدي!

هاهو الاسد يرقص اليوم مطبلا لما يحدث للمعارضة من تمزق ليقحم عناصره لتدعم (داعش) من اجل القيام بأعمال القتل والتخريب ليركض بشار بعد ذلك للولايات المتحدة قائلا هذه هي قوى المعارضة التكفيرية الارهابية التي تريدونها أن تحكم الشام!

نحمد الله ان هذا التنظيم الدموي بدأ يترنح بدليل طلبه الاخير عقد صفقة صلح وخنوع مع المعارضة السورية وقد استجاب لطلباتهم مكسور الجناح بعد ان مني بهزائم متتابعة في سورية وانشق المئات من انصاره بعد ان تلاحقوا انفسهم وأدركوا بأن هذا التنظيم المتطرف بات يخدم النظام الاسدي كما يخدم النظام العراقي من حيث يعلم او لا يعلم!

على الطاير

– نسأل الله أن يحفظ ويبارك في شيخنا الدكتور شافي العجمي الملم عن قرب بالوضع السوري منذ بدايته وحتى اليوم ويعرف الغث من السمين بعد ان كشف مخططات (داعش) التكفيرية للجميع فرصّ بذلك صفوف المعارضة اكثر ووحد بفضل الله الجهود نحو اسقاط النظام.. فأصبح اليوم عدوها اللدود الامر الذي يحتم علينا دعمه وعدم تركه وحيدا يواجه قطاع الطرق! ومن اجل تصحيح هذه الاوضاع باذن الله نلقاكم!

الرأي الكويتية

الموت في سبيل “داعش”!/يوسف الديني

يبدو أنه عام التطرف و«القاعدة» وأخواتها بامتياز. الأخبار تتوالى عن توافد وتقاطر عشرات المقاتلين بلا قضية إلى الأراضي السورية، والمفارقة أن المنتسبين إلى دول غربية هم النسبة الأكبر، إضافة إلى تولي زمام إدارة هذه المجموعات، المجندة في غالبها «رقميا» على معسكرات «القاعدة» بالإنترنت، الجيل الذي نشأ واكتسب خبراته في الحرب على العراق، بمعنى آخر هو أكثر نسخ «القاعدة» وعيا بطبيعة الصراع وأكثر تأسيسا على مستوى الأفكار التي تبدأ بتكفير الواقع، ثم تبني وجوب الهجرة، وصولا إلى التحول إلى داعية للانخراط في التجربة المسلحة. هذه المراحل الثلاث: التكفير، والهجرة، والدعوة، تندرج تحتها مئات الطرق والأنشطة والمنتجات، سواء على الشبكة، أو حتى فيما كان يعرف قديما في «القاعدة» المبكرة بالتنظيم الشبكي القائم على اصطياد الكادر ضمن شبكة المعارف وهكذا (فكرة الشبكات تبناها المحلل النفسي الدكتور مارك سيغمان في كتابه «فهم الشبكات الإرهابية»).

خطورة كوادر الإرهاب الجديد، أن مساحة «المغرر بهم» تضاءلت لحساب المنخرطين عن وعي وقناعة فكرية وتأصيل قاعدي متين. قبل أيام، قتل أبو بصير الجزراوي (مازن بن مقبل المورقي)، وقد عين أميرا للمعهد الشرعي بحلب، وفكرة المعاهد في معسكرات «القاعدة» ببساطة، هي تحويل الشاب المتحمس المغرر به إلى كادر يتبنى أفكار «القاعدة». في وصيته المنشورة على «تويتر»، كتب (مازن): «اجتمعت ملة الكفر على (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وعلى رأسهم (لواء التوحيد) جنودا وقادة… يعلم الله، ما تركتكم كرها لكم، ولكن نصرة لدين الله وهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، وأنصح العسكر، من أهلي خاصة والمسلمين عامة، أن ينقذوا أنفسهم من النار والخروج من وحل الردة… إلخ». وهي مانفيستو دعائي للعنف والتكفير والعزلة عن العالم أكثر من كونها وصية شخص قرر أن ينهي حياته.

أزمتنا في فهم «القاعدة»، هي النظر إليها فقط من زاوية سياسية، باعتبار أن ثمة مغررا بهم يجري استغلالهم من قبل منظمات مرتبطة بجهات خارجية ودول معادية، وهذا رغم صوابيته باعترافات القاعديين أنفسهم – (على مدى شهور، كانت هناك سلسلة مراجعات في التلفزيون السعودي، حملت اعترافات مهمة جدا تساهم في فهم المرحلة الجديدة لـ«القاعدة» والاستخبارات) – يخفي الجانب الأهم من الحقيقة، وهو البناء التحتي لفكرة العنف، وهو أمر ثابت وليس التمظهر السياسي المتغير والمتحول.

فهم كيف يتبنى الشباب، ليس فقط أفكار «القاعدة» العامة، وإنما قناعات وخيارات «جبهة النصرة» أو «داعش» التفصيلية – هذا لا يمكن الوصول إليه لمن لم يعش التجربة ويعرف آليات التجنيد والاستقطاب والعزلة التي تفصل هذه الكوادر في الميدان عن الواقع بملابساته المختلفة، وهو الأمر الذي يؤكده مقتل عدد من الشباب في «النصرة» على يد كوادر «داعش» الذين ذهبوا بدافع واحد فضفاض ودعائي «نصرة المسلمين»، لينتهي بهم المطاف إلى أن يبادر كل منهم إلى قتل الآخر، وربما من يقرأ تفاصيل مقتل «نايف المطيري»، من «داعش»، على يد شاب سعودي آخر من «النصرة»، يدرك حجم وخطورة ما أتحدث عنه. «القاعدة الفكرية» أخطر بما لا يقاس بالقاعدة العسكرية، فأكبر التقديرات لا تؤكد وجود أكثر من 8500 مقاتل ينتسبون إلى أكثر من 80 دولة، في تأكيد لولادة تنظيم عالمي معولم على الأرض بعد أن وجد في مخيلة قادة التنظيم بن لادن والظواهري وأبو مصعب السوري المنظر الفكري الأهم على مدى عقود، الذي كان يردد دائما أن «(القاعدة) ليست منظمة ولا ينبغي لها أن تغدو منظمة»، وإنما هي «دعوة ومرجعية ونهج».

هذه النخب المعولمة المقاتلة هي أهم سلاح تمتلكه «القاعدة»؛ بسبب قدرتهم على استقطاب المزيد عبر آلة الدعاية القاعدية، المتفوقة على كل التنظيمات الأخرى لأسباب تتعلق بشعاراتها وقدرتها على النفاذ إلى قلوب الشباب في أوقات الأزمات الكبرى والإخفاقات النفسية، وأيضا في ظل غياب أي مقاومة فكرية منهجية رغم النجاحات الأمنية.

دفع المجتمع السعودي الثمن غاليا بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) فيما يخص «المناعة من التطرف»، وذلك بسبب الضربات الإرهابية التي طالت داخل المملكة واستهدفت الذات، إلا أن واقع الحالة السورية المعقد ومظلومية الشعب السوري أمام نظام دموي كانا ثغرة لنفاذ فكرة العودة إلى القتال في مناطق التوتر، ذلك أن المناعة لم تكن إلا بسبب التفوق الأمني وليس بسبب خطاب ثقافي وتربوي وفكري وديني ممانع. ولذلك، لا يمكن الحديث عن ضرورة تغذية المناعة الاجتماعية تجاه أفكار «القاعدة» العنفية فحسب، بل الأهم الآن الشروع في برامج مناعة اجتماعية ضد التطرف بكل أشكاله، لأن التطرف هو المكون الأساسي لكل الأفكار المشتركة لتنظيمات العنف المسلح. المفكر الفرنسي، المتخصص بالحركات الإسلامية منذ السبعينات، «جيل كيبل»، نشر كتابا مهما في ذروة صعود «القاعدة»، كان مختلفا في فكرته ومضمونه، عن السائد في الدراسات الغربية التي تعتمد التحليل السياسي وجمع الشواهد والتتبع للأفكار والأشخاص والمواقف السياسية والمناخ الذي يولد فيه التطرف. جيل كيبل كتب «القاعدة في النص» جمع فيه نصوصا ووصايا ومقالات ورسائل شخصية لمنظري «القاعدة» وترجمها إلى الفرنسية مع تعليقات لماحة وشروحات تهم القارئ الغربي، وحقق الكتاب نجاحا كبيرا لأن فكرته قامت على أنه يجب أن نسمع ماذا يقولون قبل أن نحلل ما قالوه.. نحن بحاجة إلى أن نستمع إلى «المغرر بهم» قبل أن نتحدث عنهم.

الشرق الأوسط

سوريا وانكسار «القاعدة».. من يستفيد؟/ طارق الحميد

على عكس كل ما قيل ويقال في الإعلام، والغرب، ها هي الوقائع على الأرض تقول إن الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا ليست بتلك القوة التي جرى تصويرها فيها، حيث تتعرض تلك الجماعات اليوم لانتكاسات حقيقية أمام الجيش الحر، وبأسرع مما كان متصورا.

صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نشرت أمس تقريرا استهلته بالقول: «قبل أسبوع واحد فقط تمتع المتمردون المتصلون بـ«القاعدة» في سوريا بضرب قوس من الهيمنة عبر شمال البلاد وشرقها، مع الحكم بوحشية، لكن «القاعدة» مُنيت الآن بسلسلة من الانتكاسات المذهلة في الأيام الأخيرة، مما قد يظهر بوضوح أن تلك الجماعات المتشددة أكثر ضعفا مما يبدو». وعزت الصحيفة ذلك إلى وحشية المتطرفين مما أفقدهم الشعبية، وإلى التحركات الأخيرة لواشنطن وحلفائها بدعم الجيش الحر، وما تعرضت له تلك التنظيمات المتطرفة من مجابهة عسكرية في العراق. ومما يؤكد خبر انكسار تلك الجماعات البيان الصادر عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المرتبطة بـ«القاعدة» بعد أن فقدت السيطرة على حلب أمام الجيش الحر، حيث تعهدت «الدولة الإسلامية» بسحق المعارضة السورية، وتوعدت باستهداف أعضاء الائتلاف الوطني، مما يؤكد أن «القاعدة» وعناصر «الدولة الإسلامية» يخدمون الأسد أكثر من أي طرف آخر!

حسنا، ماذا يقول لنا كل هذا؟ الإجابة من شقين؛ الأول أنه ما كانت «القاعدة» ستتجرأ بهذا الشكل في سوريا لولا التقاعس الغربي عن دعم الجيش الحر مبكرا، والشق الثاني هو أنه ما كانت «القاعدة» لتفعل ما فعلته بالعراق أيضا لو لم تضعف الحكومة العراقية الحالية مجالس الصحوات التي كسرت ظهر «القاعدة» بالعراق من قبل، والآن تتحجج حكومة المالكي، ومن يناصرها، بالقول إن المالكي بات محاربا للإرهاب. ولو تعاملت الحكومة العراقية بجدية مع المطالب الداخلية العراقية لكانت قد نزعت فتيل التطرف، ووأدت تحركات «القاعدة». ولو تحرك الغرب جديا ومنع تدخل حزب الله، «القاعدة الشيعية» في سوريا، لما نشطت «القاعدة» السنية أصلا، ولما وجدت ذرة تعاطف.

وهذا التحليل ليس تبريرا بقدر ما هو تكرار لما قيل بأنه لا يمكن أن يبقى العالم متفرجا على أمل أن يقضي المتطرفون، سنّة وشيعة، بعضهم على بعض، كما تردد في واشنطن سابقا، ويجب أن لا تخدع العواصم الغربية بحملات الناشطين الموالين لإيران والذين يريدون تصوير الوضع وكأن إيران والمالكي وحزب الله هم من يحاربون التطرف، بل إن العكس هو الصحيح. وعليه فاليوم ثبت ضعف «القاعدة» في سوريا، كما ثبت أن قوة «القاعدة» تكمن في التدخل الطائفي الإيراني بسوريا، وضعف الموقف الدولي تجاه الأزمة السورية، فهل تكون الأخبار الإيجابية عن انكسار «داعش»، وغيرها من المتطرفين، درسا جديدا للغرب يدفعه للتحرك بشكل أفضل تجاه سوريا؟ هذا هو السؤال!

الشرق الأوسط

النظام السوري يقصف بالبراميل والمعارضة تتصارع

رأي القدس

حملت وكالات الانباء والقنوات التلفزيونية خلال هذا الاسبوع اخبارا مأساوية من سوريا على اكثر من صعيد، سواء كان سياسيا او عسكريا.

فقد اعلن عن مقتل اكثر من 300 شخص، بينهم عشرات المدنيين في المعارك الدائرة بين تشكيلات من مقاتلي المعارضة من جهة وعناصر جهاديين من الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) من جهة اخرى. كما نقلت وكالات الانباء صورا لسوريين ينتشلون ناجين وجثثا من تحت الانقاض بعد غارة على احدى ضواحي دمشق يوم الثلاثاء الماضي، بما في ذلك صور اطفال مذعورين يكسوهم الغبار، وبينهم رضيعة لا يبدو ان عمرها يتجاوز الاسابيع. وترافق ذلك مع مقتل العشرات من المدنيين جراء قصف جوي نفذته قوات النظام على مخبز في مدينة حلب.

ما يزيد حسرة ومأساة السكان داخل الاراضي السورية الذين يتعرضون لقصف يومي بالبراميل المتفجرة، الانباء التي يتلقونها عن الخلافات والانقسامات بصفوف الائتلاف الوطني السوري الذي من المفترض ان يكون ممثلهم الشرعي والوحيد.

فقد شهدت انتخابات الائتلاف الذي يعقد اجتماعاته في منتجع على البحر الاسود منافسة كبيرة جدا بين المرشحين، تمكن احمد الجربا من حسمها على حساب رياض حجاب وسط حالة من الاستقطاب واتهامات بشراء الاصوات.

ووسط توترات شديدة وتقارير عن اشتباكات بالايدي هدد 41 عضوا من اصل 121 بالاستقالة، بينهم اسماء هامة مثل الامين العام السابق للائتلاف مصطفى الصايغ والناطق باسم هيئة اركان الجيش الحر لؤي مقداد وممثلي الائتلاف في الدوحة نزار الحراكي وفي تركيا خالد خوجا.

واذا كان عنوان هذه الاختلافات هذا الاسبوع هو مجريات العملية الانتخابية لهيئة الرئاسة في الائتلاف والموقف من المشاركة في مؤتمر جنيف 2، فيكاد لا يلتئم اجتماع لاقطاب المعارضة منذ بداية الثورة الا ويشهد انقساما، ففي بدايات الثورة كان عنوان الانقسام تسليح الثورة ام مواصلة سلميتها، وبعد حسم الموقف على الارض، انتقل الخلاف في اواخر 2011 بين الدعوة لتدخل اجنبي ورفض التدخل الاجنبي، ثم تتابعت القضايا.

والخلافات تبدو على كافة المستويات بين اسلاميين وليبراليين، بين من يؤيدون تسوية سياسية وآخرين يطالبون بتعزيز العمل العسكري، وبين معارضين قدماء قضى بعضهم سنوات طويلة بالسجون، ومعارضين جدد كانوا حتى وقت قريب بصفوف النظام. وللاسف يبدو ان عمق هذه الخلافات كان اكبر من جمع صفوف المعارضة على كلمة واحدة بمواجهة النظام، وهو ما يعكس بُعد الائتلاف عن نبض الشارع والواقع الذي يعيشه الشعب ويؤكد عدم وجود بديل متماسك للرئيس الاسد، وهذا ما قد يفسر تلكؤ الغرب بالمراهنة على المعارضة.

وتأتي الخلافات اليوم بأوساط المعارضة عشية التحضيرات لمؤتمر جنيف 2، واعلان الائتلاف تأجيل قرار المشاركة به الى ما قبل التئامه بايام، وهو ما قد يوحي بأن الائتلاف غير قادر على اتخاذ قرار بسبب الخلافات بين الفصائل الممثلة فيه، ولكن الائتلاف يعيش حاليا صراعات داخلية تعكس صراعات الدول الداعمة له. واذا كانت مجموعة دول اصدقاء سوريا الاحدى عشرة تضغط عليه لكي يشارك في جنيف، فقد سبق واعطى موافقة مبدئية الا أنه اشترط ان تفتح ممرات للمساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة، وكذلك اطلاق عدد من المعتقلين خصوصا من النساء والاطفال، وقد تعهد الامريكيون هذين المطلبين ونقلوهما الى موسكو التي جربت حظها مع دمشق، ولا تزال الا انها لم تبد رغبة كافية للضغط على النظام السوري كي يتجاوب.

ويشعر الائتلاف بأن تصعيد القصف الجوي بالبراميل المتفجرة وعدم التجاوب مع مطالبه يراد منه ان يشارك في جنيف من موقع ضعيف، ولذلك نجد هذا التردد باتخاذ القرار، لكن الاهم من ذلك انه اذا كان سيشارك في نهاية المطاف ان يكون لديه رؤية واضحة وهدف واضح ووفد تفاوضي متماسك.

ولا تختلف الصورة اليائسة للائتلاف المعارض عن صورة يائسة اخرى للنظام رأيناها في تصريحات وزير الاعلام عمران الزعبي الذي اعلن عن وجود قرار شعبي بترشيح الرئيس بشار الاسد وفوزه لفترة رئاسية اخرى. ولم يبق الا ان يعلن لنا ما هي النتيجة؟ هل ستبقى 99 بالمئة أم قد يتنازل هذا العام، ويكتفي بالفوز فقط.

وهذا التصريح لا يعني ان النظام مرتاح لجنيف 2، وانما هو قلق ايضا من مساره ونتائجه.

القدس العربي

‘القاعدة’ والمعضلة السنيّة

نشر أحد أفراد الاخوان المسلمين في سوريا، وهو الشيخ منير الغضبان، في 1983 كتابه ‘طريقة العمل التنفيذية لتحقيق السيرة النبوية’. إن هذا المؤلف الآسر يتوقع المستقبل بواسطة الماضي. وقد كان هذا الكتاب بالنسبة للشيخ عبد الله عزام، الموجه الفلسطيني لابن لادن، علامة طريق اجماعية في صوغ مبدأ منظمة القاعدة و’الاخوان’ في طريقهم الى تحويل العالم الى الاسلام.

وفي الملخص يصف الشيخ الغضبان اربع مراحل في سيرة النبي محمد لجمع القوة وبناء الدولة الاسلامية كانت مصحوبة بالقضاء على الوجود اليهودي والمسيحي في منطقتنا، ولما كان هذا التراث نابعا من الوحي الالهي فهو صيغة منتصرة. ويجب على المسلمين الذين تركوها فتحطموا أن يسيروا عليها لاستعادة عظمة الاسلام العالمية.

يرى هذا التصور أن الخلافة الاسلامية قد انتقضت لتصبح دولا قومية مصنوعة، وأصبحت في المدة الاخيرة الوحدات الأساسية القبلية ومنها ستعود السيرة الاسلامية الى نجاحها. ويجتمع أمام أعيننا نشطاء ارهاب في الجيوب المختلفة في العالم بحسب الصيغة السحرية الاسلامية كما نرى حقا في قصة للشاعر غيته عن الساحر الذي حطم الكناس الذي هدد باغراق البركة.

وبخلاف قصة غيته لا يوجد الى الآن ساحر يوقف السحر حتى ولا امريكا. في السحر الاسلامي السابق حدث خلل في القرن السابع حينما تنازع ورثة محمد وتم القضاء على الخليفة الرابعة علي وأبنائه، ومنذ ذلك الحين انقسم الاسلام الى قسمين: أنصار علي الذين يسمون الشيعة وهم موجودون في الأساس في ايران الفارسية وفي العراق وسوريا ولبنان. وفي المقابل السنيون الموجودون في منطقتنا في شبه الجزيرة العربية في الأساس وفي شمال افريقيا ومصر وسوريا والاردن والمناطق وشمال العراق ولبنان وتركيا.

في موازاة استرجاع القوة الاسلامية التي تقوم على تقليد ‘السحر’ القديم، يعمل الآن ‘كناسان’ عدو بعضهما لبعض على تحقيقه في صراع قاتل سيُبقي حاكما اسلاميا عالميا واحدا: الشيعة الذين يعملون الآن مع جهاز هجومي قاعدته ايران التي تتسلح بسلاح نووي، والسنيون الذين قاعدتهم في الأساس هي السعودية التي هي الآن في استعداد لصد الايرانيين. ويشير استعراض صورة الوضع في الشرق الاوسط الى الظواهر الآتية: إن المسيحيين في منطقتنا الذين كانوا يحلمون بقومية تتجاوز الأديان أصبحوا يهربون. وتحول العراق وسوريا ولبنان (الى جانب اليمن والبحرين وأهداف انتشار ايرانية اخرى) الى ميادين القتال الرئيسة بين المسلمين الشيعة والسنيين.

إن الجهد الشيعي متصل من طهران الى بغداد فدمشق فبيروت. وبازائه أصبح العالم السني في الشرق الاوسط في حرج. إن الدول العربية السنية وفي مقدمتها السعودية تؤيد بالطبع السنيين في دول المواجهة، لكن منظمات متطرفة مثل القاعدة التي يكرهها الغرب تفعل ذلك ايضا. وهذه المنظمات تُعرض الدول السنية لمعضلة تأييد بسبب الحاجة الى دعم امريكي غربي في مواجهة التهديد المركزي وهو ايران.

إن الحيرة مع الامريكيين الذين يُصورون بأنهم خونة يتركون حلفاءهم السنيين أخذت تزداد. ففي حين لا يدعم الامريكيون السيسي المصري كما ينبغي، يميلون الى دعم اتفاق نووي مع ايران وتقوية حكم المالكي الشيعي في العراق وبقاء مكروههم الاسد العلوي في سوريا. وفي اثناء ذلك تزيد المنظمات الارهابية السنية في حدة المشكلة. فمنظمة القاعدة اتصلت بقبائل الأقلية السنية في الفلوجة والرمادي في محافظة الأنبار في شمال غرب العراق وأصبحت توقع خسائر فادحة بادارة المالكي الذي تدعمه ايران والامريكيون.

وكذلك سرق رجال القاعدة الذين انضموا الى جيش سوريا الحر في مواجهة بشار، سرقوا منه عرضه ودعم الغرب له الذي هو غير مستعد لأن يستبدل القاعدة ببشار. والآن يحارب المتمردون السنيون مع حربهم للنظام السوري، رجال القاعدة وجبهة النُصرة وأشباههم. وفي هذه الاثناء تُصعد التفجيرات المفخخة المواجهة بين السنيين بدعم القاعدة وشيعة حزب الله في لبنان.

إن الاسلام السني المتعقد أصبح في حيرة وأصبحت ايران تهدد. إن اسلاميي مرسي في غليان ونظم الحكم الملكية العربية الباقية الى الآن مهددة من الداخل. وحماس في ازمة وتبحث عن سبل مصالحة مع السلطة الفلسطينية والامريكيون ‘ينزلقون من بين الأصابع′. لكن من المثير أن هذا هو الوقت الذي اختاره جون كيري لدعم دول الجامعة العربية لمبادرته. يبدو أن نظرية اعضاء الاخوان المسلمين والقاعدة لحكم العالم ما زالت بعيدة عن التحقق وسيضطر ‘علاج’ اليهود الى أن يتم تأخيره في هذه الاثناء.

رؤوبين باركو

اسرائيل اليوم 8/1/2014

“داعش” وجنيف – 2 و”حزب الله”/ وليد شقير

سأل أحد الخبثاء في تعليقه على القتال بين «الجيش السوري الحر» وتنظيم «داعش»: لماذا لا يقاتل «حزب الله» التكفيريين الى جانب «الجيش السوري الحر» في سورية، طالما أنه ادعى أن تدخله العسكري في سورية هدف الى محاربة هؤلاء لمنع انتقالهم الى لبنان؟

للسؤال مشروعيته، على رغم أنه قد يكون ساذجاً، خصوصاً أن مقاتلي الحزب منذ أن أعلن في نيسان (أبريل) الماضي، رسمياً دخوله المعارك في سورية، وقبل أن يعلن النفير العام، حين كان يبرر تدخله بحماية قرى شيعية حدودية، ومقام السيدة زينب، لم يخوضوا معارك إلا ضد «الجيش الحر» وتشكيلات المعارضة المسلحة الأخرى الإسلامية، غير المنضوية في متفرعات «القاعدة».

لم تصدر أي معلومة أو واقعة عن القتال السوري الدامي، تفيد بأن «حزب الله» خاض معارك مع من يسميهم التكفيريين، لا في القصير ولا في حلب أو ريف دمشق. ربما يكون مسلحون من «جبهة النصرة» واجهوه في مواقع محدودة. وهو قاتل ضد «الجيش الحر» وتشكيلات إسلامية مختلفة عن «داعش»، و «القاعدة» في مناطق لمساعدة الجيش النظامي على اقتحامها. واكتفى بالقول عبر إعلامه وخطب قادته أنه قاتل التكفيريين. فهي اللافتة التي تلطى بها من أجل مساندة النظام لا غير. حتى «داعش» لم تشر الوقائع الفعلية الى أنها قاتلت «حزب الله» في موقعة ما.

وكل ما صدر عن هذا التنظيم هو تبنيه التفجير الإجرامي الأخير في حارة حريك، ضد الأبرياء. وهو تبنٍّ يبقى مدار تساؤل. وما عرف عن «داعش» هو أنها ارتكبت مجازر طائفية لتسعير الفتنة المذهبية، طاولت أحياناً من يقاتلون مع «الجيش الحر».

مناسبة هذا الكلام أن «داعش» شكلت النموذج الذي أراد النظام السوري وحلفاؤه أن يكون في الواجهة، وأن تتصدر أفعاله الضجيج الإعلامي. ولهذا السبب بدأ النظام تسليم «داعش» بعض المواقع ليخيّر الناس بينه وبين هذا التنظيم التكفيري بدءاً بمحافظة الرقة قبل زهاء سنة ونصف السنة، بعد الإفراج عن مجموعة من رموزه في السجون السورية، وبعد إفلاتهم من سجون العراق. تحوّلت «داعش» رديفاً استبدادياً للنظام في ما يسمى المناطق المحررة، وأتاحت للرئيس السوري بشار الأسد المجاهرة قبل زهاء سنة بالقول لحلفائه اللبنانيين: «نجحنا في جعل القاعدة في واجهة الأحداث، وهذا سيحول دون تقديم الغرب المساعدة للمعارضة، لأن أولوية الغرب باتت محاربة الإرهاب». وبالفعل تجنب الطيران السوري قصف مواقع «داعش» في الرقة حيث كانت الطلعات الجوية تستهدف مواقع لـ «الجيش الحر» على بعد مئات الأمتار من مواقع التنظيم المتشدد الذي سعى لإدارة المناطق التي سيطر عليها وفق مفاهيم استبدادية متزمتة هدفها تطويع السكان والمدنيين. قاتل النظام «جبهة النصرة» حين تجرأت على المشاركة في محاولة اقتحام مناطق وقرى بين الساحل السوري وجبال العلويين (محافظة اللاذقية)، أليس ذا دلالة أن تهدد داعش «الجيش الحر» بتسليم مواقعها للجيش النظامي؟

خلاصة القول إن الحملة الأخيرة التي شنها «الجيش الحر» على مواقع «داعش» التي قتلت من ضباطه وعناصره من لم يتمكن جيش النظام من قتلهم، تسحب بساط «التكفيريين» من تحت أقدام النظام، وتسحب حجة «حزب الله» ولو جزئياً.

هل تفتح الحملة على «داعش»، المدعومة من «الائتلاف الوطني» لقوى المعارضة السورية مرحلة جديدة في الحرب السورية على أبواب جنيف -2؟ ثمة وجه آخر لتلك الحملة له بعد إقليمي. فإضافة الى استحسان الغرب والولايات المتحدة محاربة الإرهابيين ومتفرعات «القاعدة» من الأنبار في العراق، الى شمال سورية، وصولاً الى لبنان، لا بد من الإضاءة على الدور الخليجي في هذه الحملة. فالتمهيد لها بوشر أثناء عقد القمة الخليجية في الكويت في العاشر من الشهر الماضي، حين أصر قادة الدول الست على أن يلقي رئيس «الائتلاف الوطني» أحمد الجربا كلمة في افتتاح القمة اعتبر فيها أن «النظام المجرم وجد ضالته في الجماعات المتطرفة، فأخرج من أخرج من السجون وسلّح من سلّح منهم، فأطلق العنان لخصم يبغضه السوريون وأدخل «حزب الله» في المعركة فاشتد عصب غلاة المتطرفين في الجهة الأخرى وأصبح استيعابهم مستحيلاً بين داعش وأخواتها وبين ملثميهم ومقنّعيهم…». كان ذلك الإشارة الأولى للحملة على «داعش»، بالتوازي مع إعادة تنظيم صفوف التشكيلات العسكرية الإسلامية بدعم من دول خليجية، لتمييزها عن متفرعات «القاعدة»، نتيجة اختلاف عقيدتها وأصولها عنها.

إذا كانت الحملة على «داعش» جزءاً من المشهد السوري الذي يسبق جنيف -2، فإنها، من دون أن تعني تعديلاً جوهرياً في موازين القوى، ترسم صورة مختلفة عن التي يروّج لها النظام وإيران ويعتدّ بها «حزب الله» عن الانتصار المفترض الذي دعا فيه خصومه في لبنان الى أن «يلحّقوا حالهم»، ويقدموا له التنازلات. ومثلما كان التهويل بـ «داعش» ومدّها بأسباب الوجود ورقة في الملعب السوري، فإن الحملة عليها هي ورقة في يد المعسكر الآخر.

هل ينفع بعد ذلك تهديد مصدر إيراني (وكالة «فارس» الإيرانية) للسعودية واتهامها بالتفجيرات في لبنان، وبأن المقاومة سترد في التعويض عن التعديل في المشهد السوري؟ وهل ينفع بعد الآن اتهام «حزب الله» خصومه اللبنانيين بأنهم «داعشيون»؟

الحياة

في «الداعشية» السياسية/ حسام عيتاني

هزيمة «الدولة الاسلامية في العراق والشام» («داعش») في حلب وأدلب، وتماسكها حتى الآن في مناطق الرقة والشمال الشرقي السوري، يفترض أن يقولا شيئاً عن التنظيم وعن الاجتماع السوري في آن.

ما كُتب عن علاقة «داعش» بنظام بشار الأسد ودور الأخير في انشائها ومدّها بأسباب المنعة وتسليطها على رقاب السوريين يظل في اطار الفرضيات المبنية على قرائن وقراءات ظرفية. الواضح أن «داعش» قدمت خدمات كبيرة الى النظام واتباعه في لبنان والعراق وأنها ساهمت في ترميم شرعيته وتقديمه للعالم كشريك في «مكافحة الإرهاب». الحسم في دور أجهزة الأسد وعدد من الدول الإقليمية في تغذية هذه الظاهرة ما زال يحتاج الى البراهين.

رغم ذلك، سترافقنا «داعش» وممارساتها وفهمها للدين وايديولوجيتها فترة من الزمن قد تطول. ومن أسف ان نقاط ارتكاز التنظيم لم تختفِ بعد. وأول ما تعلنه «الدولة» هو فهمها الطفولي للاسلام. كثرة الاقتباسات والاستشهادات من القرآن والأحاديث والنصوص الدينية، لا تفيد في واقع الأمر غير في اخفاء سطحية شديدة في استيعاب الاسلام ليس فقط كقيم وأسلوب حياة، بل الأهم انها تخفي العجز عن ادراك تطور الاسلام على مدى مئات الاعوام واستيعابه التباينات الاجتماعية والثقافية للشعوب التي اعتنقته.

الاسلام السلطوي الذي تحمله «داعش» والذي يبدو كنسخة مبتسرة حتى عن نسخة تنظيم «القاعدة» الباهتة التي حاولت «تأصيل» مقولاتها الرئيسة في الجهاد والحاكمية، يعلن صراحة هوية الفئات الاجتماعية التي تقف وراءه والجهات الاقليمية الراغبة في توظيف هذا النوع من «التدين» المفروض والمسلح على مجتمعات قطعت اشواطاً طويلة في فهم الاسلام وممارسته، على غرار المجتمع السوري.

ربما يشكل التلاعب الأمني الذي يعتقد أن اجهزة الاستخبارات السورية وغيرها استغلت به ظاهرة «داعش» جزءاً من منظومة سلوك التنظيم. لكن لا مفر من القول ان قيادات «داعش» لم تكن غافلة عن الاعيب اجهزة الاسد بل انها سعت الى الاستفادة منها على النحو الذي ميّز علاقات «القاعدة» مع عدد كبير من اجهزة الاستخبارات حول العالم، من باكستان الى اليمن، في ظل اعتقاد «القاعدة» انها قادرة على الاستفادة من خدمات الاجهزة وتوظيفها في جدول اعمالها.

يضاف الى ذلك أن الطبيعة الشديدة السرية لعمل قيادة «داعش» تجعلها كياناً كتيماً يستحيل التعامل السياسي معه في ساحة متعددة الانتماءات مثل المناطق السورية المحررة. محاولة التنظيم فرض رؤيته على المجتمعات الريفية والمدنية هناك قوبلت بردود فعل متنوعة. سرعة سقوط «داعش» في ادلب وحلب وصمودها في الرقة والنواحي القريبة منها، ما ينذر بمعركة دموية طويلة، تقول إن الصلات التي اقامتها «الدولة» في المناطق ذات البنية القبلية الراسخة تبدو، للوهلة الاولى على الاقل، اعمق وأمتن ومقبولة اكثر من تلك التي سعت الى اقامتها في ادلب وحلب وبعض نواحي حمص وحماة.

عليه، تبدو السياسة كعملية يومية لادارة العلاقات مع اطراف مختلفة اجتماعياً وايديولوجياً، مهمة تفوق كثيراً تصورات جماعة تستند لُحمتها الى معايير الولاء الاعمى والخلفية الامنية. فلا سياسة في تصور «داعش» الا تلك القائمة على الخضوع التام لأمراء يجهل أكثرهم ما يقول وما يفتي في الناس، مثلهم كمثل «الحمار يحمل أسفاراً».

بهذا المعنى، عكس الخواء السياسي عند «داعش» ما زرعه نظام البعث في سورية على مدى خمسين عاماً من انقطاع في التفاعل بين السلطة والمواطن وبين المحافظات السورية. ومهّد البعث بذلك الارض أمام تفشي العدميات بأنواعها.

الحياة

سنة سوريا ضد «داعش» السنية/ عبد الرحمن الراشد

كانت الكراهية موجهة سياسيا، نحو الغرب تحديدا، ضمن صراع سياسي إقليمي وخارجي. ثم وجهت المشاعر دينيا ضد الكافر الغربي، وحققت نجاحا سريعا. وانتقلت العدوى سريعا إلى داخل الإسلام نفسه، واشتعل الصراع بين الجناحين السني والشيعي. ثم عمت البغضاء المذاهب والطرق الإسلامية المختلفة، من علوية وصوفية وغيرها.

كشف الاستخدام السياسي للدين عن خزان كبير من المشاعر الغاضبة تعبر عن نفسها، أو تعبر عمن يريد استخدامها، ضمن صراعات تموج بها المنطقة. بداية استخدام الدين ظهرت مع ظهور الثورة الإيرانية، واستمرت عقودا بلا توقف إلى الثورة السورية اليوم. فقد أراد آية الله الخميني، أن يجعل من طهران مركزا للحكم الإقليمي، ويفرض وجوده على الجميع، معلنا أن انتصاره في طهران ليس إيرانيا بل هو انتصار للإسلام ضد الغرب وأعداء الإسلام من خصومه! خصمه في العراق صدام حسين أراد مواجهة الدعاية المعادية، مدركا أنها موجهة ضده بالدرجة الأولى وليست فقط ضد الولايات المتحدة، فقرر اعتماد خطاب الكراهية المضادة، بإحياء العداء للفرس والمجوس والصفوية. إنما الكراهية تبقى هي الكراهية، دينية كانت أم عرقية.

الفصل الثاني من الحروب الدينية في منطقة الشرق الأوسط ظهر بعد زلزال هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عندما سرق أسامة بن لادن السني خطاب الخميني الشيعي. أعلنها حربا دينية وعن تقسيمه العالم إلى فسطاطين؛ المؤمنين والكافرين، ولا مكان لأحد غير أتباعه.

ورغم خطابه التحريضي ضد الغرب فقد اتضح لاحقا أن معظم قتال رجال بن لادن كان داخل البيت السني، ومعظم ضحاياه مسلمون سنة! لهذا لم تدم طويلا العصبية المذهبية التي اعتمدها بن لادن، وشن السنة حربا معاكسة ضد تنظيم القاعدة حتى دحروه في السعودية والأردن والمغرب.

لا شك أن سوريا شهدت أنظف الثورات العربية وأكثرها حضارية إلى أن لوثها المتطرفون، وخذلها المجتمع الدولي. فقد اعتقدت الجماعات التي ترفع الرايات السوداء أن نبش التاريخ وتوجيه العداوات سيضمن لها ولاء السوريين المخذولين، وظنت أن ركوب خزان الكراهية ضد مذهب النظام العلوي سيضمن لها البيعة المطلقة، لكن رغم البراميل المتفجرة والتجويع انقلب السوريون ضد المتطرفين. اليوم نرى مشهدا تاريخيا ومهما، القوى السنية السورية المختلفة لا تقاتل العلويين بل اجتمعت تحارب «داعش» السنية المتطرفة. إنها نفس الاستدارة التي رأيناها في السعودية في العقد الماضي عندما حارب السعوديون تنظيم القاعدة وانتصروا عليه، ليكسروا بذلك الدعاية التلفزيونية التي كانت تزعم تبعية السنة لإرهاب بن لادن. السوريون كما قاتلوا نظام الأسد ليس لأنه علوي بل لأنه إجرامي، وهم اليوم يقاتلون بلا هوادة «القاعدة» و«داعش» السنيتين للسبب نفسه، كجماعتين مجرمتين.

الصورة الثالثة نراها اليوم أيضا في محافظة الأنبار في العراق. هذا الإقليم المنكوب، ضحية نظام المالكي و«القاعدة»، يعيش ثورة من أهله ضد الجماعات الدينية المتطرفة. فقد تمكن الإرهابيون، مثل «داعش» و«القاعدة»، من الاستيلاء على مدينتي الرمادي والفلوجة عزز ذلك فشل قوات رئيس الوزراء نوري المالكي التي أرسلها وكل همه تنفيذ ضربة مسرحية لأغراض انتخابية. الذي تصدى للجماعات الإرهابية، بعد فشل القوات الحكومية، هم أهل الأنبار، عشائرها الذين حملوا السلاح، وبدأوا في تطهير مدنهم ممن يقدمون أنفسهم زورا تحت شعار «حماة السنة».

وطالما أننا نسمي الأشياء بأقبح توصيفها الطائفي إذن علينا أن نسميها بحقائقها، الاستخدام المذهبي والديني فشل، فالذي يحارب «القاعدة» و«داعش» في سوريا والعراق اليوم هم السنة، وهم يحاربون الطائفيين الشيعة مثل ميليشيات حزب الله اللبناني وعصائب الحق العراقية، وكذلك ميليشيات الأسد العلوية.

الشرق الأوسط

“داعش” قناع وحشي.. والنظام وجه متوحش!/ راجح الخوري

لم تخرج «داعش» وأخواتها من الكهوف، ولا برزت في غفلة من النظام السوري، فهو الذي استولدها وحضنها واحتفظ بها واستعملها على الدوام، خدمة لأغراضه الشريرة وجرائمه البشعة، وقد برع منذ زمن طويل في استغلالها، تارة يلوح بها كفزاعة في وجه الأنظمة والمجتمعات، وتارة يطلقها كعصابة قتل وترويع، كما فعل في لبنان والأردن والعراق، وحتى في أوروبا!

النظام السوري برع دائما في إدارة هذه اللعبة الشيطانية والقذرة، أي رعاية الإرهاب واحتضانه تمهيدا لاستعماله من أجل تحقيق أهدافه، وآخرها الآن محاولة وضع السوريين والدول الأخرى أمام خيارين أحلاهما مر: الأسد أو «داعش»، ولعل ما يثير التقزز أنه بعد أن دمر النظام سوريا وأغرقها بدماء أهلها نرى جون كيري يسابق سيرغي لافروف في محاولة إقناع العالم بالمثل العربي القائل، إن «الكحل يبقى أفضل من العمى»!

بمعنى أنه من الأفضل أن يبقى بشار الأسد رئيسا يحكم ما تبقى من أن تحكمها منظمات تكفيرية أصولية قاطعة للرؤوس مثل «داعش» أو «النصرة». ولكن لا فرق بين الكحل والعمى، فإذا كان كيري يعرف ضمنا، ولو تجاهل، أن النظام الأسدي الديكتاتوري هو الذي اخترع الإرهاب، فإن لافروف يعرف جيدا أنه شريك مضارب في صناعة هذا الإرهاب ورعايته، لأنه كان ولا يزال حاميا للحل العسكري الذي جعل من سوريا أرضا خصبة لقيام «داعش» و«النصرة» وأخواتهما!

لماذا لا نذهب قليلا إلى الوراء، فمثلا حُكِم عام 2002 في الأردن على شاكر العبسي بالإعدام لاتهامه بقتل الدبلوماسي الأميركي لورنس فولي، لكن العبسي تمكن من الانتقال إلى ليبيا بعد تشكيل «فتح الانتفاضة» على يد المخابرات السورية ليعود في 2006 إلى سوريا التي رفضت تسليمه إلى الأردن، وفي عام 2007 أرسلته المخابرات السورية مع «فتح الإسلام» إلى مخيم نهر البارد في لبنان ليرتكب في 20 مايو (أيار) 2007 جريمته الشنيعة، وسط أجواء من الضروري التذكير بها الآن، لأنها تشكل نموذجا عن ظاهرة «داعش». فيومها وبعد خروج سوريا من لبنان راحت تروج أن شاكر العبسي سيعلن الشمال اللبناني إمارة إسلامية، وأنه لا خلاص إلا بالاعتماد على الجيش السوري، وهو ما يشبه المفاضلة الكريهة الراهنة بين «سوريا الأسد» و«سوريا داعش»!

في 2 سبتمبر (أيلول) 2009 تلقى المرجع الأعلى علي السيستاني رسالة من المرشد علي خامنئي يطلب فيها التدخل والضغط على نوري المالكي لمنعه من تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد النظام السوري لأنه يواصل إرسال الإرهابيين لمواجهة الأميركيين إرضاء لطهران، وكان ذلك مجرد مقدمات لنشوء «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، وعشية إعلان الجيش السوري الحر عن بدء معركة دمشق قبل عام ونصف العام تقريبا، حصلت أمور عدة متوازية:

1 – جرى بأوامر شخصية من القيادة العليا السورية إطلاق 642 سجينا من عتاة الإرهابيين كلفوا إلغاء الثورة وتشويهها وشن عمليات موازية ضد الجيش السوري الحر، ويومها برزت «النصرة»، ثم بدأ تدفق الإرهابيين من الخارج!

2 – تلقى المالكي إيعازا من طهران بتقديم 10 مليارات دولار دعما للأسد، وأعلن خامنئي أن إيران لن تسمح بسقوط النظام السوري، وأعلن حزب الله حراسة المراكز الدينية، بعد إعلانه السابق دعم القرى الحدودية.

3 – بعد الإعلان عن قيام «داعش» جرت عملية مشبوهة وخطرة كان هدفها تقوية ظاهرة الإرهاب التي بدأت تشوه صورة الثورة، وذلك عندما فر في يوليو (تموز) الماضي عدد كبير من الإرهابيين وجماعة «القاعدة» من سجني أبو غريب والتاجي العراقيين، وهو ما دفع وزير العدل العراقي حسن الشمراوي إلى اتهام مسؤولين كبار بتسهيل فرارهم للقتال في سوريا.

4 – لقد كان من المثير أن يثبت أن أمير «كتائب عبد الله عزام» المدعو ماجد الماجد الذي مات في السجن اللبناني، سبق أن تدرب في معسكرات «القاعدة» في أصفهان بإيران، والمثير أكثر أن تحاول طهران إثارة الشكوك حول ظروف موته، وكأن هذا يلغي واقع تدريبه فيها أو يخفف من الأنباء التي تتحدث عن تسهيلها انتقال الإرهابيين من باكستان وأفغانستان والشيشان إلى سوريا.

يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إن الأسد خلق الوحش للإيحاء بأن نظامه يبقى أفضل وأكثر مقبولية منه، والواقع أن طهران ساعدته في تكبير الوحش لتصيب عصفورين بحجر واحد:

محاولة الإبقاء على الأسد مسترهنا لمصالحها عبر تشويه صورة المعارضة السورية، والأخطر محاولة تشويه صورة دول الإسلام السني، التي طالما عانت من الإرهاب، وسبق للعالم أن أعجب بمكافحتها له، على ما فعل باراك أوباما مثلا عندما أشاد بنجاح السعودية في معالجة هذه الظاهرة ووأدها!

والخلاصة: «داعش» قناع تنظيم متوحش، لكنه لن يخفي وجه نظام وحشي يقطر دما في سوريا!

الشرق الأوسط

“داعش” العراق: كذا أنا يا دنيا/ حازم صاغيّة

إذا ما لخّصنا معارك غرب العراق الراهنة، جاز أن نقول إنّها بين أطراف ثلاثة: فهناك الجيش العراقيّ، ومن ورائه حكومته التي يتّهمها السنّة بالتطرّف الشيعيّ، وآخر البراهين على صحّة الاتّهام اعتقال النائب السنّي أحمد العلواني. وهناك، ثانياً، أهل الأنبار السنّة الذين لا يريدون لهذا الجيش أن يدخل مدنهم، إلاّ أنّهم، مع هذا، لا يريدون لمناطقهم أن تقع تحت نفوذ «دولة الشام والعراق الإسلاميّة» أو «داعش». وهناك، ثالثاً، «داعش» نفسها التي تعادي الشيعة حتّى الموت لمجرّد كونهم شيعة، وتُنزل الاضطهاد والقهر حتّى الموت بالسنّة الذين لا يحالفونها لأسباب تتعلّق بنفورهم، العشائريّ أو التعليميّ أو الطبقيّ، ممّا تمثّله «داعش».

بلغة أخرى، ما من أحد يحبّ أحداً، وحيث لا يكون المذهب عنصر تفريق من الصنف القاتل، يضطلع الوضع الاجتماعيّ داخل المذهب الواحد بدور التفريق القاتل هذا.

وإذا كان من السهل اعتبار كلّ ما يصدر عن «داعش» خطأ وخطلاً، فهذا ما لا يصحّ في الطرفين الآخرين اللذين يملك كلّ منهما جزءاً من الحقيقة، وبالتالي جزءاً من الباطل. فأهل الأنبار السنّة محقّون حين لا يثقون بالجيش والحكومة اللذين برهنا غير مرّة على الفئويّة الشيعيّة التي تحرّكهما وتحفزهما على تهميش السنّة والانتقام من قياداتهم، فضلاً عن انصياع الحكومة والجيش هذين، في اللحظات المفصليّة، للرغبة الإيرانيّة. والجيش والحكومة، وعلى رأسها زعيم «حزب الدعوة» الشيعيّ نوري المالكي، يبدوان على حقّ حين يعتبران أنّ الإرهاب السنّيّ يستهدف الشيعة ويهدّدهم، وأنّ عموم السنّة في العراق لم يهضموا حتّى اللحظة انتقال السلطة من صدّام حسين والجماعة السنّيّة إلى الجماعة الشيعيّة.

لكنّ حقّ الحكومة يضعف حين تكون، هي نفسها، طائفيّة، تماماً بقدر ما يضعف حقّ عشائر الأنبار حين يواجهون كلّ حكومة مركزيّة بنزعة الاستقلال العشائريّ عن المركز، بحيث لا يستطيع الأخير أن يقيم سلطته عليهم إلاّ بطريقة صدّاميّة جلفة واستبداديّة.

وقد سبق لهذه العلاقة، وللأفكار والتصوّرات التي تقف وراءها، أن امتُحنت من قبل. فقد تولّت «الصحوات»، بدعم وتمويل أميركيّين، إبعاد مقاتلي «القاعدة» عن غرب العراق. بيد أنّ طرد الطائفيّة القصوى على يد العشائريّة القصوى ليس بالأمر الذي يفرح له القلب أو يطمئنّ له الخاطر على المدى البعيد. وفي المقابل، بدا على المركز «الشيعيّ» في بغداد أنّ ارتياحه إلى هزيمة «القاعدة» أقلّ من قلقه حيال صعود «الصحوات» السنّيّة. هكذا ضيّق عليها وهمّشها وعاداها خوفاً من تحوّلها أداة تنافسه على السلطة أو على شطر كبير منها.

وهذا، على عمومه، ما يجيز للناقد أنّ يحسّ أنّه لا ينتصر مع المنتصرين، حين ينتصرون، ولا ينهزم مع المهزومين، حين ينهزمون. وكم يبدو مدعاة للاستهجان تصوير تلك الأحداث، أكانت انتصاراً لـ «داعش» أم هزيمة، بوصفها تحوّلات نوعيّة تبرهن لكلّ طرف من الأطراف المعنيّة أنّ وجهة نظره صحيحة كلّ الصحّة، صائبة كلّ الصواب.

فنحن، على ما قال المتنبّي، لا نزال «كذا» في مواجهة «الدنيا». فإن استاءت الدنيا ممّا نحن مصرّون عليه، وأرادت أن «تذهب» عنّا، زدنا «في كرائها طعماً». لكنْ إذا كان أبو الطيّب يتحدّث عن نفسه، فالحديث اليوم عن النفوس الكثيرة التي هي نفوسنا.

الحياة

“سعلوة” “داعش” التي تجاوزت «القاعدة» في قبحها/جمال خاشقجي *

ما بين «النصرة» و «داعش»، والأنبار وحلب و«القاعدة» والعشائر، اختلط الحابل بالنابل، في مشهد سوريالي لا تكاد تبين فيه الحقائق، ومن هو الثائر ومن هو المتطرف والإرهابي. أنصار «القاعدة» يقولون إن «داعش» خرجت عن الجادة، فتسألهم: وهل «القاعدة» على الجادة؟ المتشككون يقولون «داعش صنيعة النظام»، والمقصود بـ «النظام» هنا السوري والعراقي والإيراني! كيف ذلك وهم يكفّرون الشيعة ابتداءً، على غير أهل السنّة الذي يعطونهم فرصة لقبول منهجهم، فإن امتنعوا كانوا مرتدين؟

وزير العدل العراقي حسين الشمري اتهم «رؤوساً كبيرة في الدولة» بتهريب المعتقلين من «داعش» في تموز (يوليو) الماضي من سجنَي أبوغريب والتاجي لتقوية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي يحارب بشراسة في سورية، وذلك خدمة لنظام بشار الأسد الذي يحتاج وجودَ «القاعدة» لتحويل الثورة الشعبية إلى إرهاب، فيتحول هو بالتالي من ديكتاتور يحارب شعبه المُطالب بالحرية إلى بطل يحارب الإرهاب، غير أن السيد الشمري سحب تصريحاته الخطيرة هذه الثلثاء الماضي وقال إنها كانت مجرد تحليل وليست معلومات.

قادة في «الجيش الحر» يؤكدون ما ذهب إليه الشمري، بل استعرض أحدهم صوراً لضباط في الاستخبارات السورية يقفون بفخر مع رجالات «داعش» وقد أطلقوا لحاهم وارتدوا الأسود من الثياب التي أضحت شعار مقاتليها، ولكن لـ «داعش» بلاءها الحسن في الحرب على النظام، فلقد اقتحمت مطار منغ ومراكز عدة للنظام، ولكنها أيضاً اعتقلت من يفترض أنهم إخوتها في الجهاد، وأعدمت كثيراً منهم، ومنهم أمير جبهة النصرة في الرقة، جناح «القاعدة» الآخر في سورية، وهو ما أكده قائد الجبهة أبومحمد الجولاني في رسالة مسجلة وزعها قبل أيام في معرض شرحه لأسباب اضطراره للمشاركة مع بقية المجاهدين في الحرب على «داعش».

مراسل «العربية» في البحرين الزميل محمد العرب المتابع الجيد لنشاط «القاعدة» في العراق، أرسل إلى أصدقائه رسالة عنونها «خرافة داعش رأي خاص» يقول فيها: «بعد 30 سنة من الآن سوف تخوف الأمهات أبناءهن اسكت اسكت، لا تجيك داعش» أو «إذا ما تأكل أصحيلك داعش»، وإذا سأل الطفل أمه «يمه.. شنو داعش؟ شلون شكلها؟» فتجيبه الأم «ابني ما أحد شافها بس يقولون هاي سعلوة تلبس أسود بأسود وتغطي وجهها بلثام أسود، وترفع رايات سودة، وتركب حصان أسود وتأكل كل مين ما يسمع كلام أمه».

إنه لا ينفي وجود «داعش»، وإنما يشير إلى غموض هذا التنظيم، الذي يقاتل الأنظمة ويتعامل معها، يحارب جيش المالكي في الفلوجة والأنبار ولكنه يتواجه مع العشائر التي تعارض المالكي وحكومته، يقتحم مقار النظام السوري بانتحاريين وكذلك يفعل ضد مراكز المجاهدين، قتل خلال الأيام الأخيرة صحافيين وناشطين سوريين سبقوه في الثورة على بشار قدر ما قتل الأخير، فما هو هذا التنظيم الذي رفض أن يسمع ويطيع أمير تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري وكفّر الجناح الآخر لـ «القاعدة» في سورية، ووصفه بالردة؟

إنه فكرة ومنهج أكثر منه تنظيماً، يتسمى بأسماء عدة عبر تاريخه، ولكن عرفه الناشطون الإسلاميون الذين احتكوا به باسم «المكفّراتية»، هكذا سمعت الشيخ عبدالله عزام يسمّيهم، مع غيره من الناشطين العرب الذين سبقوهم في المجيء إلى أفغانستان وبيشاور، عندما ظهروا في بيشاور أواخر الثمانينات تحت ذريعة المشاركة في الجهاد ضد السوفيات. كان المصريون من «الجماعة الإسلامية» وعرب قلائل من جنسيات عدة كانوا نتاج السجون والتعذيب والغضب، نواة هذه الفكرة البغيضة، وكانت عقيدتهم تقوم على تكفير الأنظمة والحكام ومن في دائرتهم. أذكر أن أول صدام حصل بينهم وبين المتطوعين العرب عندما استولى عدد منهم على قافلة مؤن تتبع هيئة الإغاثة الإسلامية السعودية داخل أفغانستان وقتلوا عدداً من حراسها. كان حدثاً مستهجناً يومها في بيشاور، أما اليوم، فمثل هذه الحوادث حصل عشرات المرات في سورية خلال الأشهر الماضية، فكانت مع غيرها من التجاوزات القشة التي قصمت ظهر أكثر من بعير وأدت إلى ضيق الجماعات المقاتلة هناك وحشدها لإعلان الحرب على «داعش».

لقد سبق هذا التيار «القاعدة» وأسامة بن لادن في التأسيس، بل يمكن القول إن أسامة -وهو رمز «القاعدة»- قد التحق بهذا المنهج بعدما كان جهادياً مثل تلميذه الحالي أبومحمد الجولاني، الذي يحاول التحرر من منهج التكفير، ثم أسبغ عليه مسمى «القاعدة» عام 1996 عندما أعلن مع الظواهري في مؤتمر صحافي بأفغانستان «الجبهة الإسلامية لقتال الصليبيين واليهود»، وفتحا باب التطوع للتنظيم، واستسلم بن لادن لمنهج التكفير بعد طول مقاومة.

إنهم «الجماعة الإسلامية» في مصر في التسعينات، يوم كانت تقتل السياح وتسرق متاجر الأقباط، وكانت «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في الجزائر في الوقت نفسه تستبيح القرى وتقتل وتسبي وتنهب، وكذلك قيل يومها إن المخابرات الجزائرية اخترقت التنظيم لتخلق حالاً من الخوف والهلع بين صفوف المواطنين ليلتفوا حولها في مسعاها لاقتلاع الإسلام السياسي من الجزائر. توجد كتب تقدم روايات لتلك الحقبة، ولكن لا توجد أدلة دامغة، مثلما لا يوجد اليوم ما يثبت أن المخابرات السورية أو العراقية اخترقت «داعش»، غير أدلة ظرفية وتصريحات خائفة، مثل التي أدلى بها الوزير العراقي الآنف الذكر التي سحبها لاحقاً.

فكر «داعش» هو المخيف، وهو ما يستحق التحليل والفهم، ذلك أنه لا يزال هناك من هو متعاطف معه، والدليل أنه على رغم قبحه والرفض الشعبي له، الذي تجلى في سورية خلال الأيام الماضية، هناك من هو مستعد لتمويله سراً، وهناك شاب غرّ مستعد للانتحار بسيارة مفخخة وسط مجاهدين يراهم مرتدّين ويراهم المجتمع الدولي خطراً على مستقبل سورية. إنه تطرف التطرف، فهل ثمة صورة سوريالية أكثر من «سعلوة» محمد العرب؟

* كاتب واعلامي سعودي

الحياة

حكمة بريطانية/ مصطفى زين

إذا أردت السيطرة على بلد ما عليك ضمان ولاء زعيمين: زعيم القبيلة وشيخ الدين. هذه حكمة الاستعمار البريطاني وخلاصة تجربته الطويلة خلال عمر الإمبراطورية التي لم تكن تغيب الشمس عنها. حكمة أدركها الاستعمار الفرنسي أيضاً. خلال غزوه مصر تقرب نابوليون بونابارت من الأزهر وزعماء محليين لتكريس الاحتلال. وسعى إلى استصدار فتوى، بعضهم يقول إنها صدرت وبعضهم ينفي، تعتبره مسلماً.

خلال احتلاله العراق، لم يعبأ جورج بوش الابن بالنصيحة البريطانية كثيراً. استعدى الجميع. شيوخ العشائر ورجال الدين. العلمانيين والقوميين، معتمداً على معارضة الخارج التي كانت خليطاً من دعاة تسييس الدين والمذهب، بتأثير من التجربة الإيرانية والمنشقين عن حزب البعث والناقمين على النظام.

أصطدم الاحتلال الأميركي بالجميع. حملت العشائر السلاح في مواجهته. أصدر رجال دين فتاوى تدعو إلى المقاومة. انتهى الأمر بالجيش الأميركي إلى العمل بالنصيحة البريطانية. شكل «الصحوات» من أبناء العشائر، بغطاء من بعض المشايخ. استطاعت «الصحوات» طرد تنظيم «القاعدة» من مناطقها في الأنبار. والتحقت بما يسمى العملية السياسية، مؤمنة للحكومة المركزية مظلة تحتمي بها من السياسيين الناقمين. مظلة تشبه المظلة التي أمنها الوقف السني، مخالفاً الكثير من «العلماء». وما زال العراق خاضعاً لهذه المعادلة، فحيناً تعود العشائر إلى «الثورة»، وحيناً تعلن الصلح مع الحكومة، وفق «الأعطيات» والهبات وتأمين مصالح زعمائها أو حجبها. والأمر ليس جديداً، حتى في ايام الحكم السابق كان صدام حسين يتبنى هذه السياسة. ومعروف أنه كلف العشائر حماية أنابيب النفط ومنشآته مقابل هبات يمنحها أو يحجبها حين يشاء.

الوضع في بلاد الشام ليس مختلفاً كثيراً. حين لا يكون للعشائر دور تأخذ المذاهب مكانها. المذاهب خليط من الأيديولوجيا الدينية والسلوك العشائري. تسعى إلى تقاسم السلطة. وحين تشعر بـ «الغبن» تخوض الحروب ضد الدولة وليس ضد النظام. وصولها إلى السلطة يؤمن لزعمائها نفوذاً يصرفونه مالياً في سوق الفساد والاستبداد، مفسحين المجال أمام التدخل الخارجي. حتى مثقفوهم ينشدون هذا التدخل، ولنا في زعماء المجلس الوطني السوري والائتلاف خير مثال. الهيئتان خليط من المذاهب والعشائر خاضعتان للسياسات الإقليمية والدولية. لا دور لهما سوى تأمين «الغطاء» لهذه السياسات. أما المتقاتلون على الأرض فقد دولوا قضيتهم بطريقة أخرى. استقدما إلى الصراع كل راغب وقادر على خوض الحرب على الدولة. لا يهمهم تدمير البنى التحتية ولا تفكيك المجتمع. يحولون الغيب إلى قوة مادية. يستخدمونها لعودة مستحيلة إلى الماضي. ماض لا يعرفون عنه شيئاً إلا ما قرأوه أو قرىء لهم وصور كأنه الجنة على الأرض. وأنه ليس من فعل البشر. هو مقدس زاد عبوديته عبودية. هذه أيديولوجيا «القاعدة» و»داعش» و»النصرة»، على رغم إصرار ميشال كيلو على التفريق بينها وانحيازه إلى «النصرة».

نستطيع أن نعمم القاعدة على باقي العالم العربي. تكفي نظرة واحدة إلى السودان واليمن للتأكد من هذا الواقع. حتى مصر التي يفترض بها أن تكون أكثر تقدماً في بناء الدولة تسير في طريق الشرذمة لا يعرقل سرعة انحدارها إلى هذه الهاوية سوى تدخل العسكر وشيء من الحكمة القديمة.

الحكمة البريطانية تبدو أبدية: إذا شئت أن تسود عليك ضمان ولاء زعيمين.

الحياة

الجهاديون شركاء جنيف السوري/ سميح صعب

اذا كان يصعب فصل حروب التصفية بين “داعش” من جهة و”الجبهة الاسلامية” و”جبهة النصرة” في شمال سوريا وشرقها من جهة اخرى، عن اقتراب موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2، يصير بديهيا البحث عن الوظيفة التي تؤديها هذه الحروب. ومن الواضح ان ثمة جهات اقليمية ودولية تريد ان تقدم القتال الدائر الآن على انه عبارة عن قتال “صحوات سورية” لتنظيم “القاعدة” بجناحه العراقي واميره ابو بكر البغدادي.

بيد ان المسألة يكتنفها الكثير من الالتباس والغموض الذي يحتاج الى تفسيرات. ويمكن فهم ظروف نشوء “الجبهة الاسلامية” وتمتعها بدعم دول الخليج العربي وتركيا وسعي اميركا الى فتح حوار معها. ذلك ان “الجبهة” هي البديل الميداني من “الجيش السوري الحر” الذي خرج من المعادلة العسكرية والسياسية. لكن غير المفهوم ان تنضم “جبهة النصرة” التي بايعت ايمن الظواهري، الى القتال ضد “داعش”! فهل ذلك مرتبط بمحاولة تغيير في سلوك الفرع السوري لـ”القاعدة” وفق ما سعى الى الايحاء به اميرها ابو محمد الجولاني على قناة “الجزيرة” الشهر الماضي؟ لقد بدت المقابلة محاولة متعمدة لتحسين صورة الجولاني اكثر منها سبقا صحافيا.

ومع ذلك، ثمة تساؤل اساسي عن سبل استفادة الولايات المتحدة من الاقتتال بين الجهاديين في سوريا اليوم وما علاقة ذلك باقتراب موعد جنيف 2. فمن المعروف ان المسؤولين الروس يرون ان الخطر الذي باتت تشكله “القاعدة” على المنطقة انطلاقا من سوريا في اتجاه العراق ولبنان، يستوجب تغييرا في اجندة مؤتمر جنيف بحيث يركز على جهود محاربة الارهاب وليس على نقل السلطة. وزاد تفجيرا فولغوغراد الاقتناع الروسي. وتعتبر موسكو ان جهود النظام السوري اساسية في محاربة “القاعدة” تماما مثلما كان النظام شريكا في اتفاق التخلص من الاسلحة الكيميائية.

لكن القتال ضد “داعش”، وفّر الحجة لواشنطن كي تقدم “الجبهة الاسلامية” بديلاً جهادياً من النظام يقاتل “القاعدة” في عقر دارها. ولا يعني ذلك ان المسعى الاميركي الجديد يمكن ان يقنع موسكو بأن العناصر الجهادية تحت أي ظرف يمكن ان تكون اقل تطرفاً من “القاعدة”. أما الولايات المتحدة التي لم يعد لديها من قوى فاعلة في الميدان السوري غير “الجبهة الاسلامية” بمتطرفيها والاقل تطرفاً بعد تلاشي “الجيش السوري الحر” واقتراب الائتلاف الوطني من التفتت، فإنها تراهن على ان يكون هؤلاء رأس الحربة التي يمكن ان توصلها الى مبتغاها الاساسي في سوريا ألا وهو اسقاط النظام بأي ثمن من دون الاكتراث كثيراً للبديل. حدث مرة في افغانستان وها هو الآن يتكرر في سوريا!

النهار

التكفير والقتل/ حبيب فياض

الطبيب السوري حسين سليمان، قائد قوات «أحرار الشام» في الرقة ومسؤول سابق عن معبر تل أبيض الحدودي، ذهب منتدباً من قبل «الجبهة الإسلامية» للتفاوض مع «داعش»، فتم قتله بوحشية. هذه الأخيرة رفضت تسليم جثته إلا في إطار صفقة أجبرت «الجبهة» بموجبها على إطلاق سراح داعشيين معتقلين لديها. أعيدت جثة سليمان (أبو ريان) مشوّهة، حيث قطعت أذنه وأطلق الرصاص على كفيه وقدميه، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام عن مصادر مقربة من «أحرار الشام».

ما تقدم ليس مفارقة في مسار عمل التكفيريين، بل هو عينة من سياق منتظم يقوم على الإرهاب والعنف. فعلى الاجندة التكفيرية، «الأقربون أولى بالقتل» وليس بالمعروف. وطريقتهم المثلى بالدعوة تقوم على قتل، وليس إنذار، «العشيرة الأقربين». والنتيجة هي أن عدم اصطدام هؤلاء، أينما حلوا، مع كل من عداهم، أمر يقارب المستحيل. فالخروج عن الهدف المعلن سمة غالبة على اداء جماعات التكفير. فهم ما بدأوا بشيء يوماً الا وانتهوا بشيء آخر.

فمع العمل «الجهادي» في افغانستان لتحريرها من الاحتلال السوفياتي ولدت نواة التكفيرية المعاصرة لدى بعض الفصائل «الجهادية». هذه النواة تبلورت في ما بعد في حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة». هؤلاء ما لبثوا ان تحولوا الى أدوات قتل لشرائح المجتمع الافغاني، إضافة الى رفاق الأمس من «المجاهدين» في قوات التحالف الشمالي. في العام 2003 انتقل التكفيريون الى العراق للعمل على تحريره من الاحتلال الاميركي فاذا بهم يتحولون الى قتل المدنيين انتحاراً في الاسواق والمساجد والطرقات. وخلال السنوات الثلاث الماضية دخلوا الى سوريا، بذريعة مؤازرة المعارضة على اسقاط النظام، لكنهم سرعان ما انتقلوا بلا تردد الى قتل الناس و الانخراط في حرب ضارية مع فصائل المعارضة كلها وتكفيريين آخرين. لبنان كذلك هو عرضة اليوم للخطر التكفيري، على خلفية استهداف المقاومة وبيئتها. من المؤكد أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، بل لن يطول الأمر قبل ان يتحول التكفيريون الى استهداف مختلف الشرائح اللبنانية، لأن أول ما سيسعى اليه هؤلاء هو السيطرة على بقعة من الأرض من أجل إقامة إمارة عليها.

«داعش» و«النصرة» و«جيش الصحابة» هم آخر ما أنتجه العقل التكفيري في دول المنطقة، علماً أن إقامة نسبة ما بين العقل والممارسة التكفيرية أمر لا يخلو من خطأ. الممارسة هذه ناشئة من اضطراب في النفس أكثر مما تعكس انحرافات في الفكر. فالدافع الى الفعل العنفي لدى التكفيريين غريزي ولا يخضع لأي معايير عقلانية. فهؤلاء منغمسون بالفهم الحروفي للنص الديني، حيث يتخذونه معياراً في تعيين الحق والباطل. تعاملهم مع الوقائع لا يخرج من ثنائية الايمان/الكفر على قاعدة أن كل من هو منهم فهو مؤمن وكل من هو دونهم فكافر. فرحلة البحث عن الكفار بغية قتلهم تبدأ عندهم امتثالاً لقول الله «واقتلوهم حيث ثقفتموهم». وهم «مأمورون» بإقامة الدولة الإسلامية عملاً بالآية «ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون». غير أن القتل في ممارساتهم ليس مجرد فعل للقضاء على الكفر بل هو أيضا «شعيرة» لتزكية النفس وتحصينها من الكفر، إذ الإحجام عن القتل يصبح في عقيدتهم منقصة ايمانية من باب التخلف عن القيام بالواجب والارتداد عن الجهاد. هذا يعني ان قتل الآخر على خلفية تكفيره يصبح ضرورة منعاً من سقوط الذات في فخ الكفر.

تحدث عالم الاجتماع الديني دوركهايم عن امكانية ان تصاب الجماعة بما يصيب الحالة الفردية من جنون. «داعش» و«التكفيريون» ليسوا سوى ظاهرة جماعية مجنونة لا شيء يردعها عن فعل القتل.

السفير

ما يجمع الفلوجة واليرموك و… الشباب/ نهلة الشهال

ليست مهمة هنا مخططات السيد نوري المالكي وحساباته للربح والخسارة السياسيين. فقد… وقد! الأشياء الأخرى هي ما يهم: أن تلجأ عائلات من الفلوجة المنكوبة بـ «داعش» وبقوات السلطة تتقاتل فوق رؤوس أهلها بالأسلحة الثقيلة والذبح، إلى كربلاء القريبة، فيجري استقبالها بحفاوة، وتُحتضن وتكّرم وتُمنح ما يمنحه الأهل لأبنائهم وأكثر.

هذا يُسقط استحضار «مقتلة الحسين ويزيد»، التي لجأ اليها رئيس الوزراء العراقي، مثيراً الاستغراب والسخرية، بينما تدَّعي الحالة المقابلة تجسيد «الخلافة»، وهي الأخرى مجنونة جنوناً مطلقاً، وتعبر عن انحطاط عميق ومأزوم. ثم يا لآلة السفر عبر الزمن التي انتشرت بين كل الأيادي في كل مكان، وأصبحت موضة على كل لسان.

وما يهم كذلك هو أن تلجأ عائلات من الفلوجة الى كردستان، القريبة هي الأخرى، فتستقبل بمثل ما استقبلت به من ترحيب في كربلاء. فهذا يخترق خطاً آخر قام عمل دؤوب على حفره وتعميقه، يقول بتفتت الكيانات القائمة وفق انقسامات مذهبية وعرقية، باعتبارها هي «الأصل»، والباقي قشرة رقيقة. وأن «الجنة» تقوم في العيش بين المتشابهين، بل المتماثلين. وأنه هكذا يتوافر الأمان والاطمئنان. أحقاً؟ لماذا إذاً يتقاتل في ما بينهم بهذا المقدار من الوحشية، المتماثلون، كما في سورية هذه الأيام. لا بد من الإقرار بأن التماثل مطلب لانهائي، لا يتوقف عند الدين والمذهب والعرق، بل يتجاوزه إلى التفكير والسلوك، وإلى أدق التفاصيل الظاهرة والخفية، فيؤجج الشبهة والارتياب المستدعيين للفحص والتحقيق والضبط… يتحول مطلب التماثل إلى جحيم لا يطاق. والتماثل على أية حال لا وجود حقيقياً له في الواقع. فهذا قانونه التنوع.

* * *

تناشد «أونروا» «كل الفرقاء» ترك الغذاء والدواء يدخلان إلى مخيم اليرموك المحاصر، بعدما قضى من الجوع فيه أكثر من 15 شخصاً منذ أيلول (سبتمبر) الفائت، وحيث تموت النساء خلال الوضع ويموت الأطفال بعد ولادتهم… تناشدهم تسهيل حركة منظمات الإغاثة إليه ومنه، بلا طائل. يتبادل الطرفان الاتهامات حول هوية المعرقل. ما زال في المخيم عشرون ألفاً لم يغادروه، من أصل 170 ألفاً هم سكانه الفلسطينيون والسوريون المختلطون، إما لأنهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب القصف والقنص (تأخروا في اتخاذ قرار المغادرة) وإما لأنهم لا مكان لهم البتة يأوون إليه، أو لأي سبب آخر.

ما الحكمة الإستراتيجية من التشدد في خنق المخيم المدمر والتنكيل بالناس (لم يحن بعد وقت المضاربة العقارية)؟ أهي القسوة المجرّدة التي تريد هنا أيضاً أن تقدم «عبرة لمن يعتبر»، وتنزل القصاص بمن لم يبد ربما خضوعاً كافياً، والانتقام. في الفلوجة التي لم تلتئم بعد جراحها الأميركية، تمنع السلطات العراقية الرجال من مغادرة المدينة، وتعد الأهالي بعدم دخولها (والاكتفاء بقصفها من الخارج!) طالما سيتولون هم طرد «داعش». ولذلك تسمية سياسية: «مسلحو العشائر». لعل ذلك ما تأخذه السلطات السورية على أهالي مخيم اليرموك، من أنهم لم يتولوا المهمة بأنفسهم حين دخل مسلحون متمردون إليه، أو انقلب بعض أبنائه إلى جهة المعارضة المسلحة… مما لا يغتفر للفلسطينيين، ويعتبر «قلة وفاء»، ولو أن الوضع في سورية، حيث العنف منفلت من كل عقال، تجاوز حتى هذه التلاوين والاعتبارات. فيعترض السوريون على أن مأساة اليرموك ليست اقسى مما تعيش قراهم وأحياء مدنهم الكبرى والصغرى. حسناً! يكاد المرء أن يعتذر لالتفاتته الى هذا التفضيل: كلكم في الجحيم.

يبقى سؤال محير، فعندما يبلغ القتل هذه المستويات، يفقد وظائفه. لا يعود ردعاً ولا غلبة. فما «الفائدة» من استمراره؟ والأهم: كيف يقف، ومن يمكنه وقفه؟ لعل المشهد السوري يقدم مثالاً صافياً عن العبثية. مجنونةٌ السلطة لو ظنت أنها بعد كل ذلك، وعلى فرض تحقيقها نصراً عسكرياً حاسماً، يمكنها العودة الى حكم البلاد. ولا يمكن الفصائل المسلحة، أياً تكن، ولو انهارت السلطة غداً أو قُضي على رأسها، أن تحكم البلاد. تبدو سورية مرشحة للاستمرار إلى أمد طويل، أرضاً خلاء أمام القتل العاري والمستمر. ولعله حان الوقت، بالنظر إلى ما يجري فيها وفي العراق، وبمقدار ولو أقل في لبنان ومصر… أن تولد مواقف وحركات لا تكترث بالتحليلات السياسية وبقياس المصالح ومعاني الوقائع، بل تقف فحسب ضد العنف المسلح: لا للقتل، لا للاغتيالات، لا للمفخخات.

* * *

أُشفِق على مَنْ هم في عمر الشباب. لم يروا يوماً، ولم يعيشوا إلا هذا الوضع الخانق. لم يتسنَّ لهم السير في الشوارع بتسكع بريء ومرح، بلا خوف من سيارة مفخخة أو اشتباك عند الزاوية القادمة. ولو غابت هذه أو تلك، فبلا وعّاظ يلومونهم ويقولون لهم عيب وحرام. لا ينحازون إلى فكرة، سواء كانت سياسية أم ثقافية أو موسيقية، بل يمضي أنبههم وقته يحاجج على «فايسبوك» ضد الانتماءات والتعصبات القبلية، الدينية منها أو السياسية، وضد مواقف تتباهى بتبسيطها وبكونها ثنائية: أسود وأبيض، بإطلاق نابذ لما عداه. لا يحلمون بشيء، بعدما تخلوا عن الحق بالسلامة، واعتبروا أمره حظاً، بل أكثر من ذلك، روليت روسية تصيب مرَّة حتماً. لم يسعفهم انهيار اليوتوبيات أو ابتذالها. تُكلمهم عما مثّله أيار 68 في فرنسا مثلاً، أو عما مثلته المقاومة الفلسطينية عند ولادتها، عن أجواء الجامعة اللبنانية في الستينات والسبعينات، عن نوادي السينما المتعددة في طرابلس (لم يعد فيها قاعة سينما واحدة)، فيجيبك أحدهم من بغداد بأنه لم تعد هناك دار سينما في تلك الحاضرة، فكيف بطرابلس… يبدو كل ذلك لهم كأنه ينتمي إلى عصور غابرة، سحيقة في القدم، يعجزون عن تخيلها. إن شاء المرء قياس التراجع العام فبهذه كلها. ولم تكد الانتفاضات العربية تولد من قلب هذا الاختناق، وتمثل أملاً، وتثير رغبات في التحرر والإنجاز، حتى جُرَّت الى مستنقع بائس يدفع كثيرين الى الندم على المغامرة، على التجرؤ… والحماسة. ولكن هل من شباب بلا حماسة؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى