صفحات مميزة

مقالات لكتاب عرب تناولت مؤتمر “جنيف 2”

سورية اتحادية» بعد… «اليمن السعيد» بدل الطائف؟/ جورج سمعان

لا أحد يتوقع أن ينتهي «جنيف – 2» سريعاً إلى تسوية تنهي الأزمة أو تضعها على طريق الحل. جل ما رغب فيه اللاعبان الكبيران الأساسيان، الولايات المتحدة وروسيا، هو دفع الطرفين المتصارعين إلى الطاولة. ونجحت الديبلوماسية «الجبرية»، كما سماها الوزير جون كيري، في وضع وفدَي النظام و «الائتلاف» في عربة القطار. ليس مهماً بعد الآن السرعة التي ينطلق بها هذا القطار إلى محطته النهائية. الهدف الأول تحقق وهو أن الحل سياسي لا عسكري، وإن كان الطرفان لا يزالان يؤمنان أو يراهنان على الحسم وتحقيق نصر نهائي. مجيئهما إلى مونترو ثم جنيف يعني رضوخهما لضغوط الرعاة الكبار. ويعني أيضاً إقرارهما بأن ثمة طرفين في الأزمة. أي اعتراف أحدهما بالآخر.

الخلاف الدولي على تفسير مقررات مؤتمر جنيف الأول قبل نحو سنة ونصف السنة، لم يحسم في افتتاح الجلسة في مونترو. ظل الغموض كما هو. وفد المعارضة أصر على أنه لا يضع شروطاً، بل جاء لتنفيذ ما نص عليه «جنيف – 1». أي التفاهم على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية. وهو ما رفضه وفد النظام الذي سعى إلى تحقيق اختراق إعلامي على الأقل بتكرار الحديث عن «المجموعات الإرهابية»، داعياً المجتمع الدولي إلى مساندته في مواجهة هذا الإرهاب. استغل المنبر الدولي لكن مواقف «الأصدقاء الـ11» قطعت عليه الطريق. كان يكفي أن تضج وسائل الإعلام الغربية بصور التعذيب التي يمارسها النظام حتى تزيد في إحراج هؤلاء الأصدقاء. لم يعد بمقدورهم التلطي خلف تعابير الغموض التي تحفل بها عادة نصوص القرارات الدولية. حتى الوفد الروسي لم يجد في كلمة وزير الخارجية وليد المعلم ما يمكن أن يخدم موقف داعميه، من روسيا إلى الصين واليابان.

جلس الطرفان في غرفة واحدة في جنيف. ولم يتوافر لأي منهما السلاح الذي يريد. لم يعط وفد النظام موافقة واضحة وصريحة على مباشرة البحث في تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية. ولم يتمسك وفد «الائتلاف» بهذا الشرط لبدء البحث. ثمة تفاهم أميركي – روسي على بقائهما إلى الطاولة. نجح الأخضر الإبراهيمي في دفعهما أولاً إلى مناقشة خطوات على المستوى الإنساني. وفد الحكومة السورية لا يضيره البحث في هذا الشق من مقررات «جنيف – 1». فإذا تعذر فرض «ملف الإرهاب» فلا بأس بالملف الإنساني. الهدف هو هو: الرهان على عامل الوقت. وليس أمام المؤتمرين سوى الغرق في إجراءات إيصال المساعدات الإنسانية والطبية وغيرها إلى المحاصرين وما تفرضه من تأمين طرق ووقف للأعمال الحربية…

أما وفد المعارضة فيحتاج هو الآخر إلى خطوات على هذا المسار. يهمه انفراج أزمة القابعين تحت حصار مميت في أكثر من بقعة من دمشق إلى حلب مروراً بحمص وغيرها من دساكر وقرى. كان هذا شرطه قبل التوجه إلى مونترو. وأي خطوة إيجابية في هذا المسار تعزز صورته في أوساط الذين اعترضوا ويعترضون على قبوله حضور المؤتمر. وهو يراهن في النهاية على الوصول إلى الاستحقاق الذي يرفضه النظام مهما طال الجلوس، أي تشكيل الهيئة الانتقالية. لم يتوقع ولا يتوقع موافقة حكومة الرئيس بشار الأسد على هذه الهيئة. رهانه إذاً على اقتناع المجتمع الدولي بأن النظام لا يرغب في الرضوخ للقرارات الدولية.

يعرف «الائتلاف» أنه لم يكن يحتاج إلى هذا الإصرار على انتزاع موافقة النظام على مقررات «جنيف – 1». بين يديه قرار مجلس الأمن الرقم 2118 الخاص بتفكيك الأسلحة الكيماوية. نص هذا صراحة في فقرته الـ16، على أن المجلس «يؤيد تأييداً تاماً بيان جنيف المؤرخ في 30 حزيران (يونيو) 2012، والذي يحدد عدداً من الخطوات الرئيسة بدءاً بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى. وتشكل على أساس التوافق». ويلوّح المجلس في الفقرة 21 بفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة «في حال عدم الامتثال لهذا القرار». لكنه يعلم أيضاً أن التدابير التي يلوّح بها القرار تتطلب توافق الكبار في مجلس الأمن على التدابير الواجب اتخاذها لولادة هذه الهيئة.

الطريق طويل بلا شك. لكن انطلاق المؤتمر سيحدد لاحقاً العوامل والعناصر التي تعرقل التوصل إلى تسوية. هذا في ما يخص الطرفين اللذين وافقا على ركوب القطار، وإن كان كل منهما سيحاول الدفع نحو المحطة التي يريد. ولعل في قائمة المصاعب غياب أطراف كثيرة فاعلة عن جنيف لا سبيل للرعاة الكبار إلى ممارسة الضغوط عليها. ثمة أطياف سياسية واسعة عارضت وتعارض الجلوس مع النظام. ومثلها مجموعات مسلحة فاعلة ميدانياً، ليس تنظيم «داعش» أولها ولا «جبهة النصرة» آخرها ترفع شعار القتال حتى رحيل النظام. ولا يملك طرف محلي أو إقليمي أو دولي وسيلة سياسية للتأثير في قرارتها، لا «الائتلاف» ولا «أصدقاؤه». وهناك إيران والقوى التي تواليها في نصرة النظام غائبة أو مغيبة عن المؤتمر الدولي. بالتالي لن يكون سهلاً على الرعاة الآخرين، خصوصاً الروس، إرغامهم على القبول بأي تسوية لم يساهموا في رسم معالمها.

جليٌّ أن الملف السوري سلك مساراً مختلفاً عن المسار الذي أطلقه تفاهم الجمهورية الإسلامية والدول الست الكبرى على تسوية الملف النووي الإيراني. لكن هذا الفصل بين المسارين يظل صورياً. ومهما بلغ التنسيق أو التفاهم بين واشنطن وموسكو، وهو لم يرق إلى كل التفاصيل، فانه لا يمكن تجاهل الدور والتأثير الإيرانيين في الأزمة السورية ومسارها تصعيداً أو تهدئة، بل لا مبالغة في القول إن الارتباط بين المسارين أكثر عمقاً وتعقيداً. وإن أي تقدم على جبهة المفاعلات النووية سينعكس عاجلاً على مفاعيل الأزمة السورية. وأي تعقيد هناك يعني مواصلة القتال الذي يستنزف مقدرات إيران وحلفائها المنخرطين في الميدان، ورفع وتيرة المواجهات بينهم وبين قوى التشدد السنّي على طول ساحة المنطقة من لبنان إلى العراق وحتى اليمن. ولا ريب في أن طهران بدأت تشعر بحرارة النار التي راحت تصيب مصالحها في هذه البلدان الثلاثة. لكن التفاؤل بإمكان تخليها عن الورقة السورية بسهولة ضرب من الوهم. ثمة موازين قوى ومصالح متشابكة ومعطيات دولية وإقليمية فرضت على أصحاب المشروعين المتصادمين في المنطقة، وليس على طهران وحدها سلوك النهج الديبلوماسي.

تبقى هذه العقبات في كفة، وشبه استحالة قبول النظام بتوقيع ورقة رحيله في كفة أخرى. لا يمكن النظام الذي لا يواجه ضغطاً عسكرياً بمقدار ما تواجه أطياف المعارضة، ويبدي ارتياحاً إلى دعم حلفائه بالعتاد والرجال، أن يقبل بهيئة انتقالية يعرف سلفاً أنها ستقود إلى رحيله. أفاد وسيفيد طويلاً من غياب أي مشروع تدخل خارجي يبدل في ميزان القوى القائم على الأرض. مثلما يفيد من حرص المجتمع الدولي، وعلى رأسه «أصدقاء» المعارضة على عدم المجازفة بأي خطوة تؤدي إلى انهيار الدولة ومؤسساتها. وأكثر من ذلك حتى قرارات «جنيف – 1» التي دعت إلى تشكيل هيئة انتقالية ربطت تشكيلها بموافقة الطرفين، أي النظام وخصومه! أي أنها أعطت كلاً منهما حق «الفيتو». هذا «الفيتو» الذي عطل ويعطل حتى الآن أي توافق دولـي عـلى معالجـة الأزمـة السورية.

الوصول إلى الهيئة الانتقالية دونه محطات من اللقاءات والاجتماعات. لن يكون سهلاً التوصل إلى صيغة مقبولة لإعادة انتاج عقد جديد بين السوريين. لا تكفي طمأنة الولايات المتحدة وروسيا والمجتمع الدولي الأقليات، والعلويين بالتحديد. كلف وصول اللبنانيين إلى «اتفاق الطائف» جولات من القتال. وكلف مؤتمرات للحوار بدأت خريف 1983 في جنيف ثم في لوزان ربيع 1984 وانتهت بالطائف في 1989. وهي صيغة لم تبرهن بعد ثلاثة عقود أنها قدمت تسوية دائمة وثابتة. ولا حاجة إلى التذكير بما عانى لبنان وما يعانيه. استهلكت المحاصصة اللبنانيين سنوات وسنوات. وحتى العراقيون الذين «استوحوا» صيغة الطائف يذوقون اليوم مرارة نموذج المحاصصة التي ترسخ هدنات هشة ولا تقيم دعائم دولة راسخة تعلي «المواطنة» فوق أي اعتبار طائفي أو مذهبي أو عرقي. وإذا كانت السرعة سمة العصر اليوم، ولا تحتمل الحرب السورية سنوات وسنوات، فلعل النموذج اليمني يكون أقصر الطرق. فقد استنفد مؤتمر الحوار في صنعاء عشرة أشهر. وانتهى بتشييع «اليمن السعيد» لتقوم «الدولة الاتحادية» بديلاً وحيداً من التفتيت والتقسيم… ولكن، لا شيء يضمن استقرار حدود الأقاليم المرشحة للاشتعال ما دام الحكم هنا وهناك للقبائل والمذاهب. فهل يختار السوريون الطريق إلى صنعاء بدل أن يطول السفر إلى الطائف؟

الحياة

الصفعتان/ حـازم صـاغيـّة

لم يخطئ أولئك الذين توقّعوا لمؤتمر جنيف 2 السوريّ ألاّ يسفر عن نتيجة تتعدّى بعض مشاكل الإغاثة الإنسانيّة. ذاك أنّ الهوّة الفاصلة بين أطراف النزاع، السوريّين منهم وغير السوريّين، لا تسمح بحصول أيّ اختراق مهما كان طفيفاً، حتّى لو التقى الوفدان في غرفة واحدة. في الوقت نفسه لا يمكن أن يتحوّل ذاك التفاوض إلى تفاوض بين منتصر ومهزوم ما دام أنّ أيّاً من الطرفين السوريّين لم ينجح في حسم الصراع عسكريّاً.

كذلك لم يخطئ الذين توقّعوا لمحاكمات لاهاي الدوليّة ألاّ تسفر عن نتيجة ماديّة ملموسة. ذاك أنّ العالم ليس مستعدّاً لإحقاق الحقّ بالقوّة، كأنْ يرسل جنوده لإلقاء القبض على المتّهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. هذا ما لم يحصل حين كان ملفّ السلاح الكيماويّ السوريّ مطروحاً على الطاولة.

مع هذا يمكن القول إنّ صفعتين معنويّتين وأدبيّتين وُجّهتا لقوى الممانعة (النظام السوريّ وحزب الله واستطراداً إيران) في وقت واحد، فيما لم تكن المسافة تزيد عن ساعة بالطائرة بين مسرح الصفعة الأولى ومسرح الثانية.

فليس بالأمر التفصيليّ أن يتعامل العالم مع تمثيل سوريّا بوصفه موزّعاً بالتساوي بين نظام بشّار الأسد من خلال وزير خارجيّته وليد المعلّم، وبين معارضته من خلال أحمد الجربا. والحال أنّ هذه بمثابة صورة بائسة جدّاً لنظام شبه إمبراطوريّ وطاووسيّ طالما زعم لنفسه تمثيل “مصالح الأمّة العربيّة” لا تمثيل سوريّا فحسب. ولا نزال نذكر كيف مثّل النظام الأسديّ لبنان من خلال “وحدة المسارين” و”الشعب الواحد في دولتين”، وكيف مثّل، ولا يزال يمثّل، قضيّة فلسطين متّهماً ممثّليها الفعليّين بالخيانة والتفريط.

وليس بالأمر التفصيليّ كذلك أن يتعامل العالم مع عناصر من حزب الله، الحليف الصغير للنظامين السوريّ والإيرانيّ، بوصفهم مصدراً لأعمال القتل والاغتيال، ضدّاً على الصورة التي قدّمها الحزب عن نفسه كمقاومة منزّهة عن صغائر الداخل اللبنانيّ، مقاومةٍ حقّقت للعرب والمسلمين أوّل انتصار يتحقّق لهم في الصراع مع إسرائيل بحيث استحقّ وصفه بـ”الإلهيّ”.

ما يفضي إليه واقع كهذا، معنويّاً وأدبيّاً، انعدام كلّ مساحة مشتركة بين قاموس الدلالات الذي تستخدمه قوى الممانعة وذاك الذي يستخدمه العالم. وحين يكون التباين هائلاً إلى هذا الحدّ، يصعب أن يعيش القاموس المحلّيّ طويلاً في مواجهة القاموس الذي تواضع العالم عليه. فكيف وأنّ هناك قواميس محلّيّة أخرى أقرب إلى القاموس العالميّ؟

ما ينبني على ذلك أنّ ترجمة العالميّ إلى محلّيّ ستكون مسألة وقت فحسب، وهو وقت قد يمتدّ طويلاً نسبيّاً وقد يكون مؤلماً جدّاً، إلاّ أنّه وقت يفصل بين الأدبيّ المعنويّ وبين صيرورته واقعاً مادّيّاً صلباً.

موقع لبنان ناو

الغرب عاجز عن إسقاط الحرب في سوريا؟/ مطاع صفدي

من المسلم به تاريخياً على الأقل أن الحروب تنتهي غالباً إلى مؤتمرات، بما فيها الثورات الكبرى والحروب الأهلية. لكن كما يبدو حتى الآن أن أصحاب مؤتمر جنيف الثاني، أكثرهم، ليسوا مصممين مسبقاً على وضع حد للمقتلة السورية. فالمهندسان الرئيسيان الأمريكي والروسي، متفقان على الحد الأدنى، جعلا المؤتمر غاية في ذاته، وليس جسراً سريعاً ومؤدياً إلى أي شكل من هدنة أو سلام مؤقت أو شكلي. وقد يراه بعض المراقبين أنه لن يكون أكثر من تظاهرة إعلامية، وإن حشدت لها كل وسائل الفخامة والتبجيل الرسمية والشعبوية معاً؛ ذلك أن المجتمع الدولي بات محرجاً أمام الرأي العام لدى شعوبه نفسها. لم يعد يمكن التغطية على الفظاعات اليومية تحت شتى الكليشهات المعهودة من فنون المواربة المعرفية أو الدعاوية. فالتقارير التي تنشرها هيئات حقوق الإنسان وأشباهها بين يوم وآخر عن الجرائم المروعة التي يرتكبها نظام حاكم في حق شعبه الأعزل، أمست تصدم ضمائر الناس العاديين في كل مكان. فلِمَ لا يفعل ساستُهم شيئاً؟وإلى متى يسرح ويمرح القتلة ومجانين الدم،وحكومات العالم مجمدة في مواقف التفرج أو التجاهل أو التخاذل وربما التآمر.

في الأخير صدرت الإرادة العليا بعقد المؤتمر. فرضت على أفرقاء الأزمة وأصدقائهم أن يلبوا الدعوة، وأن يجتمعوا، يتفاوضوا. جاء الجميع إلى جنيف ،إلى حيثما يُراد للأعداء أن يتلبّسوا أدوارَ الشركاء. أن يستبدلوا الرصاص والمدافع بلغة الأفكار والمفاهيم والمواقف المسؤولة ـ هذا إن استطاعوا؛ أن ينتقلوا من ما وراء القلاع أو المتاريس لكي يجلسوا قُبالة بعضهم في صالات الفنادق المترفة. هذا ‘اللقاء’ ليس خياراً لا لأرباب نظام الأسد، ولا لممثلي المعارضة أو الثوار. كان يمكن لهذين الفريقين أن يُتركا غارقين في مصارعهما المتبادلة، من دون أن ينتصر أحدهما على الآخر يوماً ما قريباً. وحتى وهما مجتمعان اليوم فإن حربهما مستمرة في كل ميادين البلد المفجوع. والقتل ما زال هو صاحب كلمة الفصل. والبادئ في فصوله الرهيبة. كما يعرف القاصي والداني، منذ الأمس وإلى الغد، هو القابض على عُنُق الدولة، وهو المسَخِّر لأدواتها التدميرية كيما تكون سلاحاً يدافع عن مصالح بقائه، وهو الأوحد الذي صار عليه، وهو في غابة الوحوش، أن يظل الحيوانَ الأوحش بينهم. هل يمكن لمؤتمر جنيف(2) أن يحدث ثمة فارقاً في هذه اللوحة؟

هذه هي القضية. وقد تعّدت حدود التفاؤل أو التشاؤم لتستقر فحسب حول نقطة مركزية هي مطلب الغالبية العظمى من الشعب المقتول والمهجر والمعتقل والمعاق والمتسول على أبواب السفارات في عواصم الجوار. ماذا يريد هؤلاء. الشعار القديم: الشعب يريد اسقاط النظام. أصبح هكذا: الشعب يريد اسقاط الحرب. ليس هذا النداء الثاني ليلغي الأول، بل ليحققه، يمنحه كامل واقعيته. هل يمكن منع القتل من دون القبض على القاتل أو إلغائه. لكن قد يُعترض على هذه المعادلة ليس من حيث الشك في صدقيتها المنطقية، بل في إمكانية تحقيقها على أرض التجربة. فإن ثلاث سنوات من عجز هذه المقتلة الجماعية للبشر والحجر لم تقدم سوى البراهين القاطعة على هذه الحكمة السوداء القاتلة: إذا ما فتحت أبواب جهنم فليس ثمة أحد في خارجها يتطوع في إغلاق أبوابها.

لكن بعض أسياد المجتمع الدولي ربما قرر التطوع في هذه المهمة أخيراً. لن يكون هنا تطوعاً خالياً من الشبهات. وأولّها ولا شك أن معظم هؤلاء المتطوعين المنقذين كانوا ولا زالوا ضالعين في تنظيم حرائق الداخل. ليس في جهنم ضحاياها وحدهم، يشاركهم زبانيتها شاؤوا أو أبوا. فإن لهم جهنمهم كذلك، تلك التي يرد ذكرها في أساطير الأولين والآخرين؛ ليسوا هم واقدين نيرانَها كلما خبت، فحسب، بل هم كذلك حراسٌ على أبوابها. يمنعون أهلها من مبارحتها إلا من فقد بيته وعمله، وتدّمر حيه أو مدينته. وأضاع معظم أهله واخوانه تحت الأنقاض. أو تشّرد في الفيافي والمتاهات. حراس أبواب جهنم يغلقونها على أهل الداخل، ويقنّون فتحَها أمام زوار الخارج. لذلك فالبلد المحترق هو جزيرة من نار ودخان معزولة الحدود. مفاتيح أبوابها، حلولُ مشاكلها باتت في جيوب كل الغرباء. ما يريد أن يقوله مُلاّك جنيف وقصورها في أعالي الثلوج الأوروبية، هو أن حرائق الشرق ليس لها الا وقودها من ملايين البشر الفقراء البسطاء، لا يملكون حتى رمادهم، يورثونه لأبنائهم وأحفادهم. فقد يسرقه بعض الزبانية، يسبكون منه تماثيل متحفية، ستكون شاهدة صماء بكماء على إنجازات فضائح السياسة الدولية.

العنوان الرئيسي لهذه المقتلة المتحفية الرعناء هو على الشكل التالي: في زمن زعيمي العالم أوباما وبوتن: بدلاً من أن تعقد دورة ثانية لتقليد ‘ محكمة نورمبورغ’ لمجرمي حرب النازية الهتلرية المنهزمة، فقد أمر هذان الزعيمان الاتيان بمجرمي حرب الإبادة الإنسانية المعاصرة، إلى أجمل وأرقى بلد أوروبي، لكي يتحاوروا مع ممثلي ثوار الفقراء، المنذورين للقتل اليومي هم ومن معهم ممن يسمون بالحاضنات الأهلية. بل قد يبدو الأمر أخطر من كل ذلك. فلقد جدد النظام استراتيجيته التقليدية إزاءَ مجتمع سورية. قبل الثورة كان القمع المطلق هو حاكم التدابير العامة جميعها السياسية والثقافية والاقتصادية. خلال الثورة يتحول مبدأ القمع إلى مبدأ الإبادة الجماعية بحجة الحرب ضد مسلحي الثوار، يصار إلى تدمير الأحياء والقرى والمدن التي تحتضن المقاتلين ـ بإرادتها أو بغيرها، وقد أمسى اسمهم إرهابيين.

إذن، فقد عمد سادة المجتمع الدولي إلى عقد مؤتمر للسلام في جنيف، بدلاً من إقامة محاكم العدل العالمية لمعاقبة قتلة الشعوب. في حين أن كثيراً من خبراء السياسة في أوروبا باتوا يرفضون حفلات التكاذب السياسوية الممسرَحة. المثقفون النزيهون منهم يعتقدون جازمين أن الحرب في سورية لما تنته بعد. وأن المؤتمر سابق لأوانه، لن يكون سوى ميدان آخر للصراع الكلامي. وأن أقصى ما قد يتأمله بعض المعذبين في مسالخ هذه الحرب البائسة هو التوصل إلى نوع من التهدئة الهشة والظاهرية. فإذا كانت الحرب لم تؤد حتى اليوم إلى نتائج حاسمة لأحد فريقيْ الصراع، فإن السياسة، أو دبلوماسية الغرب الجديدة؟-لن تستطيع أن تفعل شيئاً، سوى ابتكار خط للتفاوض العقيم موازياً لخط الصراع على الأرض. أي أن الحرب الدموية سوف تُضاعف بحرب المناورات اللفظوية. وفي هذه الحالة سوف يعم الاختلاط والتشويش بين معارك الميادين، وصفقات الغرف المغلقة.

مثلما فُرض على شعار: إسقاط النظام، أن يتعثر طيلة ثلاث سنوات، مخلفاً وراءه في كل واقعة حصاداً مروعاً في البشر والحجر، فمن المنتظر لشعار: الشعب يريد إسقاط الحرب، أن يُكتب له مستقبل آخر مماثل، حافل بكوارث الموت ممتزجةً دائماً بمهازل ، تناقضات السياسة الدولية، و’مؤامراتها’. فاللحظة الراهنة من تطورات الحدث العربي في معظم أقطاره الرئيسية والفاعلة، لا تنذر إلا بمسلسلات متتابعة من صنوف الأزمات المصيرية، القديمة والمستجدة. سوريا أصبحت، كأنها مركب ضائع مخلّع، في بحر هائج حولها، أكثر أو أقل هيجاناً منها.ما يعني أن حلولها القطرية سوف تنتظر طويلاً ارتدادات الإقليم المضطرب حولها. أما الغرب، بأطرافه الثلاثة أمريكا، أوروبا، والروسيا، فإن أهم خبرائه يقرون أنه لم يعد ممسكاً بدفة الحسم، جملة وتفصيلاً أضحى، جميع أركانه، أقرب إلى وضع الانفعال بمفاجآت الشرق دون القدرة الجدية على التدخل في حاضرها أو مستقبلها؛ فقد تحول أركان هؤلاء إلى زمرة أعضاء حدد في نادي مآزق الشرق ومتاهاته.

مؤتمر جنيف لسلام سورية، ليس سوى المثال الدولي الآخير عما يعنيه حقاً واقع الغربنة الراهنة. فلم يكن لهذا المؤتمر أن يعقد بسبب عجز الفريقين المتقاتلين عن تحقيق الضربة القاضية فحسب، بل لعل الدافع التاريخي الأهم هو أن الغرب نفسه بفريقيه الرئيسيين، الروسي والأمريكي، كان هو العاجز الأكبر عن تحقيق الحسم النهائي لحساب النظام، أو لمصلحة الثورة.

غير أنه، حتى تتم هذه المسْرحَة الدبلوماسية، فهذا ‘المجتمع الدولي’ يعرف بكل بساطة أن تركيبة المؤتمر لن تكون مؤهلة كذلك مرشحة لفرض شعار إسقاط الحرب على ميادين رجاله، ليس نتيجة لدورة المؤتمر الحالية، ولا لدورات قادمة- كل ذلك لسبب واحد، وهو أن سادة الغرب، ليس لأنهم لم يتخذوا بعد قراراً في هذا الشأن، بل يعرفون أنهم، حتى لو اتخذوه. حتى لو قرروا حقاً إسقاط الحرب في سورية، فلن يكونوا قادرين على تنفيذه اليوم، وربما غداً، في علم الغيب؛ ألم يتحولوا إلى ‘شرقيين’ أخيراً.!

‘ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

الصحّاف في جنيف/ محمّد علي مقلّد

 حتى المعترضون على استخدام مصطلح “العقل السياسي العربي” يقرون بأن منهجا واحدا في التفكير استمر رابضا على العقل الحاكم منذ منتصف القرن الماضي ، وجسدته التيارات القومية باتجاهاتها كافة ، ولا سيما حزب البعث بنسختيه العراقية والسورية .

وزير الاعلام العراقي الصحاف ، صاحب لغة ” العلوج” كان حاضرا في مؤتمر جنيف 2 ، لا بشخص وزيري الخارجية السوري واللبناني ، بل بذاك العقل العربي ذاته المتخلف عن لغة  المفاوضات والمؤتمرات والتسويات .

تقرر عقد المؤتمر في مونترو ، المعروف باسم جنيف 2 ، للبحث في تنفيذ مقررات جنيف 1 ، وعلى وجه التحديد البند المتعلق بتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها المعارضة ، ويكون من شأنها إخراج سوريا من دوامة العنف الدموي ووضع حد لاحتكار السلطة من جانب حزب البعث، فضلا عن أمور أخرى كتأمين ممرات آمنية للمساعدات الانسانية وإطلاق سراح الأسرى وفك الحصار عن بعض المدن ، الخ  . ليس ذلك من قبيل التخمين ، بل هو ورد صراحة في نص الدعوة الموجهة إلى المشاركين وفي الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة . وقد استبعدت إيران من حضور المؤتمر لأسباب شتى ، على رأسها عدم موافقتها على حصر جدول العمل بتنفيذ مقررات جنيف واحد .

ولم يكن عقده ممكنا لولا جريمة السلطة الكيماوية وما تلاها من مفاوضات صعبة بين الدول الكبرى  وخصوصا الولايات المتحدة وروسيا ، ولولا اتفاقهما على هذا المخرج ، بديلا عن استمرار الحرب الضارية بين حزب السلطة وأطراف المعارضة ، وبديلا أيضا عن ضربة عسكرية أميركية للنظام السوري لم تكن موسكو لتمانع بحصولها إن اتخذت واشنطن قرارا بشأنها .

وهو ليس مؤتمرا لحل مشكلة محلية الطابع ، حتى لو كانت ساحتها محصورة في بلد اسمه سوريا وفي البلدان المحيطة بها أو منتشرة على اتساع  منطقة المشرق العربي كله أو الشرق الأوسط كله أو الربيع العربي الممتد افتراضيا من المحيط إلى الخليج ، ولذلك شمل الحضور ممثلين لأكثر من أربعين دولة من بينها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن .

رغم كل ذلك ، بدا وزيرا الممانعة ، السوري ورديفه اللبناني ، وكأنهما يلقيان خطابيهما خارج القاعة بل خارج سياق الدعوة وخارج سويسرا وخارج العصر. بل إنهما قدما صورة مزرية عن العقل العربي الحاكم بخروجهما عن آداب الحوار ومصطلحاته وآلياته ، وبتضمين خطابهما انتهاكا للقيم الديمقراطية والأخلاقية : الكذب وعدم الاعتراف بالآخر.

هل يعقل أن يكون الوزيران جاهلين تماما أن المؤتمرين مزوّدون بكل المعلومات الصحيحة عما يحصل في سوريا ، وبمعلومات دقيقة عن قصة حزب الله من أول نشوئه على يد الحرس الثوري إلى آخر تدخله في النزاع السوري الداخلي ؟ كان عليهما التأكد من أن المؤتمرين لا ينتظرون تقريرا إخباريا سمجا وطويلا ومملا لأنهم يميزون جيدا بين القاصف والمقصوف ، وبين المرعب والمرعوب والقاتل والمقتول ، يعرفون من قصف بالكيماوي وبالبراميل المتفجرة ، ويعرفون جيدا هوية الارهابي الرسمي وهوية صانع الارهابي المضاد. يعرفون ذلك خصوصا لأنهم سبق أن شاركوا في صناعته حين تهيأ لهم أنه الأداة الناجحة لمحاربة بعبع الشيوعية منذ نصف قرن أو يزيد. وهم اليوم يعرفون كل كبيرة وصغيرة، لأن أجهزة مخابراتهم تلاحق كل قنبلة أو رصاصة من مصنعها إلى ميناء تصديرها حتى إلى اسم مطلقها. فهل من حاجة إلى مثل هذا الخطاب الممل والمقرف الذي يتوسل البلاغة اللغوية لإقناع من باتوا لا يقتنعون بغير لغة العلم والأرقام والأوزان؟ وهل يعتقد هذا العقل المتوقف عن النمو، منذ عقود ،أن اللغة ( بقر البطون وسمل العيون وسلخ الجلود ، الخ الخ ناهيك عن لغة الشتائم والهجاء السياسي المقذع) ، وهي كلها  لا تحمل قيمتها البلاغية ذاتها بعد الترجمة ، قادرة على نقل الحقيقة من الميمنة إلى الميسرة ، أو أن اللجوء إلى الكذب الصريح سيغير وجه الحقيقة ؟

من يستمع إليهما في مونترو، ومن يستمع إلى ضحالة الدفاع في المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي يتيقن من حقيقتين : الأولى اصرار العقل المسيطر على الاعتقاد بجدوى الاكثار من الكلام وتكبير الكلام ، من غير الانتباه إلى إن الحروب “الحنجرية” أو ” البلاغية” لا تستدرج غير سخرية الخصوم وقرفهم . والثانية إصراره على عدم التمييز بين المناورة السياسية والكذب ، ما يضاعف منسوب القرف والسخرية.

المدن

السؤال الأهم الآن: ماذا بعد جنيف –2؟/ محمد السعيد ادريس

ما بين الوفدين السوريين الحكومي والمعارض المشاركين في “مؤتمر جنيف -2” ليس مجرد فجوة هائلة من عدم الثقة توحي بصعوبة، إن لم يكن استحالة توصلهما إلى توافق حول المدخل الأنسب للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية، بل هناك أيضاً فجوة متسعة من تعارض المطالب وتناقض التوقعات . إضافة إلى ذلك فإن الخلافات التي برزت بين راعيي المؤتمر: الولايات المتحدة وروسيا منذ سحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعوة إيران للمشاركة في المؤتمر تضاعفت في الجلسة الأولى التي عقدت في مدينة مونترو السويسرية بين وزيري خارجية البلدين جون كيري وسيرجي لافروف، وكانت النتيجة هي مغادرة لافروف المؤتمر وسويسرا كلها ومعه الوفد الروسي وعاد إلى بلاده، ولعل هذا ما حفّز وليد المعلم وزير خارجية سوريا ليهدد هو الآخر بمغادرة المؤتمر . المعلّم أخبر المبعوث الدولي الخاص بسوريا الأخضر الإبراهيمي ذلك يوم الجمعة الفائت (24 يناير الجاري) “إذا لم تكن هناك جدية من الطرف الآخر (المعارض) على مستوى المحادثات . تهديد المعلم بالانسحاب من المؤتمر جاء أيضاً في أعقاب عدم عقد أول اجتماع مباشر بين الوفدين السوريين الحكومي والمعارض حيث حمَّل وزير الإعلام السوري عمران الزغبي وفد المعارضة مسؤولية إلغاء الاجتماع .

من هنا يجدر السؤال: ماذا لو نفذ الوفد الحكومي تهديداته بالانسحاب؟ هل يدري أنه سوف يحمَّل مسؤولية إفشال المؤتمر وأنه من سيدفع ثمن ذلك؟ وهل يدري أن الثمن يمكن أن يكون تراجع الأطراف المعنية (حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر يوم الأربعاء 22 يناير الجاري وفود من 39 دولة إضافة إلى الوفدين السوريين ووفدي المنظمة الدولية وجامعة الدول العربية)، عن خيار الحل السياسي والعودة مجدداً للاحتكام إلى الحل العسكري؟

السؤال مهم، لأن وفد المعارضة ذهب إلى مونترو اضطرارياً وبضغوط من الأطراف الداعمة كي لا تتحمل المعارضة مسؤولية إفشال المؤتمر، ما يعني أن المعارضة ومن يدعمها يتحسّبون جميعاً لتبعات فشل المؤتمر، وأن هناك تصورات سوداوية لهذا الفشل، ناهيك عن وجود رؤية واضحة عند المعارضة والأطراف الداعمة الدولية والإقليمية والعربية لهدف محدد وشديد الوضوح هو تنفيذ النص الحرفي لمؤتمر “جنيف -1” وهو “تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تكون لها السيطرة على الجيش وبقية مؤسسات الدولة”، وأن يعقب ذلك “حوار وطني ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات” حسب نص كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أو أن يفرض المؤتمر على الوفد الحكومي “توقيع وثيقة “جنيف -1” من أجل نقل صلاحيات الأسد إلى حكومة انتقالية حسب كلمة أحمد الجربا رئيس وفد المعارضة في المؤتمر، أو على الأقل “تشكيل حكومة انتقالية في سوريا بصلاحيات كاملة من دون التطرق إلى مصير الرئيس الأسد حسب نص وثيقة “جنيف -1” .

المعارضة السورية ذهبت إلى “جنيف -2” وهي طامحة إلى ذلك لكنها تدرك أنها باتت عاجزة عن تحقيقه خارج مثل هذا المؤتمر، أي على أرض الواقع . فقوات المعارضة وبالذات الجيش السوري الحر لم تعد لها كلمة ميدانية، وأن الحسم العسكري أضحى بين القوات الحكومية والمتشددين التكفيريين حسب توصيف النظام، أي أن المعارضة ذهبت إلى مونترو لحضور “جنيف -2” وهي ليس لديها ما تخسره . على العكس من النظام الذي يعي مسبقاً أن المؤتمر خسارة هائلة بالنسبة له، فما تقرر في “مؤتمر جنيف -1” لم يكن طرفاً فيه، وكذلك لم تكن إيران، ولعل هذا ما شجع إيران على رفض أي شروط مسبقة للمشاركة في مؤتمر “جنيف -2” وبالتحديد ما يتعلق ببند تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة تمتد إلى الجيش وأجهزة الاستخبارات، ما يعني تجميد دور الرئيس الأسد إن لم يكن تنحيته قبيل انتهاء موعد ولايته .

النظام الذي لم يوقّع على “بنود جنيف -1” لم يذهب إلى “مؤتمر جنيف -2” ليلزم نفسه بما لم يسبق له الالتزام به، وكذلك فعلت إيران، لكن الجديد هو حرص روسيا على تفكيك بنود “اتفاق جنيف -1” وطرح هدف آخر بديل للمؤتمر يجب أن يحظى بالأولوية وهو محاربة الإرهاب الحادث في سوريا حسب كلمة سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، الذي أراد أن يرد بشكل غير مباشر على دعوة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في كلمته بالمؤتمر التي قال فيها إنه “لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية” .

كلمة لافروف كانت واضحة حيث أكد أن هدف المؤتمر هو “النجاح في وضع حد للنزاع المأساوي في سوريا” أي إنه أراد أن يفتح مجدداً الحوار حول هدف المؤتمر، ما يعني أنه ليس مع حصر هدف المؤتمر في “تشكيل الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة من دون أي دور للرئيس السوري” .

كما أنه ركز في كلمته على تشديد الهجوم على “المتطرفين القادمين من جميع أنحاء العالم الذين يزرعون الفوضى في سوريا، ويقوّضون الأسس الحضارية والديمقراطية للبلاد التي تشكّلت على مدى مئات السنين”، وكان لافروف قد انتقد بشدة سحب دعوة مشاركة إيران في المؤتمر وقال: “حين يقول الأمين العام للأمم المتحدة إنه اضطر إلى سحب دعوة إيران لأنها لا تشاطر مبادئ التسوية الواردة في بيان “جنيف -1” فإن هذا برأيي عبارة ملتبسة”، وأوضح لافروف ما يعنيه بقوله: “هؤلاء الذين طالبوا بسحب دعوة إيران هم أنفسهم الذين يؤكدون أن تطبيق اتفاق جنيف يجب أن يؤدي إلى تغيير النظام في سوريا”، معتبراً أن ذلك “تفسير غير نزيه لما اتفق عليه في جنيف في يونيو/حزيران 2012” .

الواضح من كلام لافروف أنه ليس مع إسقاط النظام في سوريا، وأن أي محاولة لفرض هذا الهدف تعتبر في نظره “خروجاً عن اتفاق جنيف – 1” وأنه مع أن يبقى أفق التفاوض مفتوحاً بين الوفدين السوريين . أما إيران التي لم تشارك بالمؤتمر فإنها هي الأخرى فضّلت الغياب عن المؤتمر عن التورط في حل لا ترضى عنه، وتدرك جيداً أن النظام السوري لن يقبل به . لأن “اتفاق جنيف -1” أجري من دون مشاركة من النظام السوري، كما أن هذا الاتفاق لا يعكس، خصوصاً بالنسبة لما يتعلق بالدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة، ما استجد على صعيد ميزان القوى داخل سوريا، وأنه من غير المتصوّر أن تعتقد المعارضة السورية أن في مقدورها أن تربح سياسياً ودبلوماسياً في “جنيف -2” ما خسرته في مواجهاتها مع الجيش السوري ومع المنظمات التكفيرية أو الجهادية الأخرى على الأرض .

يبقى موقف النظام، وكما عبّر عنه وليد المعلم رئيس الوفد السوري في مؤتمر مونترو الذي تولى في كلمته الرد على ما ورد في كلمة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وأحمد الجربا رئيس وفد المعارضة، ومنه، أي من رد وليد المعلم، يتأكد أن الوفد الرسمي السوري في حلّ كامل من أن يلتزم بأي مطالب يرى أنها تمس السيادة الوطنية السورية أو أنها من اختصاص الشعب السوري، الذي يرى أنه الحكم الأول والأخير في كل ما يعرض من رؤى ومن حلول، ما يعني، وما يؤكد أن المعلم ذهب إلى مونترو وهو على يقين بأنه ليس في المؤتمر من في مقدوره أن يلزم السلطة في سوريا بشيء لا ترضى عنه .

وليد المعلم خاطب كيري بقوله: “لا أحد في العالم، سيد كيري، له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سوريا إلا السوريين أنفسهم” مؤكداً أن “هذا هو حقهم (السوريين) وواجبهم الدستوري، وما سيتم الاتفاق عليه هنا، مهما كان، سيخضع للاستفتاء الشعبي، فنحن مخوّلون هنا بنقل ما يريده الشعب لا بتقرير مصيره” . كما خاطب وفد المعارضة بما ينزع عنهم صفة المواطنة والحق في تمثيل الشعب السوري، بقوله: “إن من يريد التحدث باسم الشعب السوري يجب ألا يكون خائناً للشعب” “وأن من يريد أن يتحدث باسم الشعب السوري فليتفضل إلى سوريا” .

المواقف واضحة: روسيا وإيران والسلطة السورية، الأطراف الثلاثة مع فتح أبواب التفاوض مجدداً حول “جنيف -1” ولن يكون هناك التزام بما تقرر في ذلك المؤتمر أياً كانت تفسيراته سواء كان تشكيل الحكومة المطلوبة، يعني الإبقاء على وجود سلطات الرئيس الأسد أو عدم وجودها، ما يعني أن النظام السوري ومن يدعمه ليسوا في نية إنجاح “جنيف – 2″، وأن ما يعنيهم الآن هو ما بعد “جنيف -2”: والسؤال موجه الآن إلى واشنطن والمعارضة السورية، والأطراف الأخرى الداعمة .

الخليج

جنيف عربي -عربي/ عبدالله السويجي

ظاهرة الاعتماد على الآخر، التي يعيشها العالم العربي اليوم، لم يمر بها طوال تاريخه مروراً بكل الحقب الاستعمارية والتحررية، وهذا ما يجعله رهينة في يد أصحاب الشركات متعددة الجنسيات التي ترسم سياسة العالم، وبيد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما المؤسستان اللتان تتحكمان بنصيب الدول من التنمية وكمية الطعام المخصصة لكل فرد، أما الوجه القبيح للعولمة فيصيب الثقافة العربية في عقر دارها، فتنتابها كوابيس لا تعد ولا تُحصى، في الوقت الذي تتوفر في العالم العربي الإمكانات المادية والموارد الطبيعية والعناصر البشرية التي يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات جميعها .

وبما أن الشركات العالمية العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات تتنافس في إيجاد أسواق استهلاكية بعيدة المدى، فإن ذلك يقود حتماً إلى إبقاء مناطق عدة في العالم، ومن بينها العالم العربي، مناطق غير مستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، فتوجد نزاعات هنا وحروباً هناك تحت شعارات ومسميات مختلفة، بعضها له علاقة بالديمقراطية، والآخر بالتنمية وثقافة السلام، والثالث بحقوق الأقليات والطوائف والمذاهب والأعراق، وهذه الشعارات والمسميات تجد لها أرضاً خصبة في العالم العربي، نتيجة للتنوع البيئي والعرقي والديني، ونتيجة للجهل الذي يرافقه التزمت والتطرف والأعراف البالية، الأمر الذي يقود إلى صراع لا ينتهي إلا بالوصول إلى حالة الإنهاك، الذي يعود بمشاريع ضخمة وهائلة للدول المتقدمة والشركات، ومن بينها مشاريع إعادة التسليح، وإعادة الإعمار، وإعادة التأهيل، فيتحول العالم العربي إلى منطقة للخبراء في التقنيات والمعدات العسكرية والاتصالات والمصانع، بتمويل مشروط من المؤسسات المالية العملاقة، وحتى تُبقي الريح تنفخ في أتون الجمر والنار وتبعث ألسنة اللهب والحرائق وارتداداتها، أوجدت الرأسمالية الغربية والمؤسسات المتحكمة بالاقتصاد كياناً أسمته “إسرائيل”، شقّ قلب العالم العربي إلى عشرين قسماً، وجزأه إلى عشرين جزءاً، ثم أوجدت التطرف بدعوى إعادة تشكيل خريطة المنطقة وفق العرق والدين والمذهب، ليتحول العالم العربي إلى كيانات صغيرة جداً تحكم بعضها مجموعات عاطلة عن العمل، تمارس الدين ظاهرياً، وتجارة السلاح والمخدرات وتهريب الآثار باطنياً . وحتى تضمن نجاح عملها، وتسهيل عملياتها، تقوم هذه الكيانات بالتحالف مع دول وجماعات أخرى، وبذلك، أصبحت أسيرة للمصالح الأجنبية، وهذا الواقع لم يشهده العالم العربي في تاريخه القديم أو المعاصر .

لقد مر العالم المتقدم بمراحل صراع ديني وعرقي واقتصادي قبل آخر حرب عالمية، وانتهى الأمر به وبسكانه إلى ضرورة إعادة بناء الدول وفق مبدأ الاعتراف بالآخر وقبوله كما هو، شرط ألا تصادر جهة الأخرى تحت أي ذريعة، فكان مبدأ (الدين لله والوطن للجميع) هو المبدأ الذي تحققت تحت سقفه التنمية ونشأت الدول التي حققت الاكتفاء الذاتي وبدأت التصدير حتى سادت العالم . لكن ما يحدث من صراع دموي الآن في العالم العربي بين دولة وأختها، وبين أحزاب متناحرة داخل بعض الدول، وبين جماعات متقاتلة داخل كل حزب، حتى بين أفراد في الأسرة الواحدة، لا يبشّر بنتيجة مشابهة لتلك التي وصلت إليها دول العالم المتقدم، لاختلاف العقلية، ولعدم سير المسارات دفعة واحدة، ولتدخل قوى هذا العالم المتقدم بسير الصراع في العالم العربي حتى تبقيه ساحة استهلاكية في المقام الأول، الأمر الذي ينبئ في استمرار هذا النزيف المقيت، والاقتتال الجنوني، وما يكفل هذا الاستمرار هو فساد عقول العامة تحت ضغوط الحياة، فيبيع الفرد صوته لنائبه، ويتقبل الرشوة حتى يحسّن حياته (وليت تحسين الحياة في الجوهر إنما كلها تنصب على الكماليات وأجهزة الاتصال والمظاهر الكاذبة)، ويصل الأمر إلى إحياء تجارة الرقيق الأبيض، أو تجارة اللحم البشري التي تزدهر حالياً، عن طريق التفجيرات بكل أساليبها وأنواعها، فضلاً عن الاستعداد للتخابر والتعامل مع جهات عدوّة (فمجموعات العمالة ل”إسرائيل” التي تم اكتشافها في الدول المحيطة بالكيان الصهيوني تثير الفزع)، الأمر الذي يعني ويوحي أن الفرد انفلت من عقال المؤسسة الرسمية حتى يؤمن حياته، وانفلت من منظومة القيم التي تحدد مستوى صفائه وتعايشه السلمي مع الآخر ومع نفسه، وأسباب أخرى يندى لها الجبين لما تعكسه من سقوط وتدنٍ في الأخلاق .

تأسست الجامعة العربية منذ أكثر من ستين عاماً، وتفرعت عنها مؤسسات ومنظمات ثقافية واجتماعية وتعليمية واقتصادية، ووقّع أعضاؤها اتفاقات حدودية وسياسية وعسكرية وأمنية وثقافية، وعقدت اجتماعات قمم كثيرة، واللجان الوزارية اجتمعت وناقشت واتخذت قرارات حاسمة ومصيرية وتنموية، لكنها، وبعد أكثر من ستين عاماً، وبدلاً من تمتين (أواصر الأخوة والصداقة) بين الأعضاء، زادت من شرذمتها، وبدلاً من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز التعاون، زاد الاعتماد على الآخر بطريقة مجنونة، وبدلاً من تفعيل الاتفاقات بين الدول الأعضاء، قامت هذه الدول بتوقيع اتفاقات مع حلفاء متناقضين متحاربين، فانعكس ذلك على الدول العربية تفرقة وشرذمة ودماراً، وبدلاً من القضاء على الأمية زادت نسبتها، وبدلاً من تحقيق التحرر الاجتماعي زاد التطرف وموجات الاستبداد حتى وصل الأفراد . وعلى الرغم من كل صيحات الإصلاح إلا أن جامعة الدول العربية ظلت تعيش روتيناً قاتلاً، وبيروقراطية جوفاء، حتى انقسمت بشكل واضح مع ظهور ما يُسمى ب(الربيع العربي)، الذي لن تُكتشف آثاره الكارثية إلا بعد حصر حجم الدمار الذي طال الإنسان والبيوت والمؤسسات والبنية التحتية والتناغم الاجتماعي، فهل تعرف الجامعة العربية عدد اليتامى والأرامل والمعاقين والمشردين واللاجئين والمرضى والضائعين والضائعات أخلاقياً والمصابين النفسانيين الذين ستخلفهم موجة (الديمقراطية)؟، ستعرف ذلك بعد أن يحط شبح الدمار رحاله، وتبدأ المؤسسات والمنظمات بالقيام بعملية جرد للنتائج، وستذهلهم كما ستذهل العالم، الذي يتباكى بدموع التماسيح الآن، ويجمع الفتات من التبرعات لإنقاذ هؤلاء .

منذ أكثر من ستين عاماً، لم يستطع العرب حل مشاكلهم بأنفسهم، ولهذا يلجأون إلى الدول العظمى والمنظمات الدولية السياسية والاقتصادية، فمن مؤتمر دافوس حتى “جنيف2″، والدول العربية تحت تصرف الآخر لحل مشاكلها، والسؤال الذي يطرح نفسه ويحمل الإجابة في باطنه: أما آن الأوان ليكون لدى الدول العربية (جنيف عربي عربي)، يحل مشكلاتها وأزماتها المتراكمة؟ ألم تسمع بالمثل المهمل (ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك)؟

“جنيف2” أو “جنيف100” “لن يعيد الاستقرار الدائم والشريف والشامخ لأي نزاع في أي منطقة في العالم العربي، لأن المثل يقول: (من يده في الماء ليس كمن يده في النار)، فمن يده بالماء وجميع الأيادي في النار؟ سؤال وإجابة برسم الدهشة على وجوه النازحين الذين يموتون من الجوع .

الخليج

المشهد السوري واحتمالات كثيرة..!!/ حسن خضر

توحي عبارتان صدرتا عن وزير خارجية النظام السوري، ووزير الخارجية الأميركي، في افتتاح أعمال مؤتمر جنيف 2، بالنتيجة المحتملة للمؤتمر. قال الأوّل: إن الرئيس الأسد خط أحمر، بينما اعتبر الثاني أن الأسد لن يكون جزءاً من الحكومة الانتقالية ولو حتى في الخيال. واستناداً إلى الترجمة السياسية لهذين الموقفين يبدو التوّصل إلى تسوية تضع حداً لعذابات السوريين في وقت قريب، بعيد المنال.

تتجلى في عبارة السيد وليد المعلّم حقيقة عدم التمييز بين شخص الرئيس السوري، وبين النظام، أو بينه وبين الدولة، بمعنى أن النظام والدولة يُختزلان في شخص بشّار الأسد. وإذا كان في اختزال كهذا ما يفسّر حجم الكارثة التي لحقت بالسوريين، فإن فيه ما يضعف، أيضاً، احتمال أن نرى الضوء في نهاية النفق، طالما أصر الإيرانيون، والروس، على الدعم المادي، والمعنوي، والدبلوماسي، لجماعة تهيمن على الحكم في دمشق، وترفض التمييز بين الرئيس والدولة، وبين الدولة والنظام.

وكان الرئيس السوري، نفسه، قد أعلن قبيل انعقاد المؤتمر، بأنه لا يرى مانعاً من الترشح لفترة رئاسية ثالثة، في ظل وجود “مزاج شعبي عام”، بل واعتبر أن فرصته في هذا الشأن كبيرة. أما ما هو المزاج العام، وكيف يمكن قياسه، وهل يمكن الكلام عن مزاج عام في ظل حرب أهلية شرّدت تسعة ملايين موطن في الداخل والخارج، وتجاوز عدد ضحاياها المائة ألف، فهذا ما تجيب عليه القوّة العارية، والبراميل المتفجرة فوق رؤوس وبيوت المدنيين.

وقد تزامن الكلام عن الخط الأحمر، و”المزاج الشعبي العام”، والفترة الرئاسية الثالثة، مع آلاف الصور التي سرّبها سوري منشق إلى مصادر صحافية غربية، وتحقق خبراء من صحتها، وفيها ما يدل على مقتل آلاف المواطنين السوريين، في سجون النظام، نتيجة أعمال تكفي، استناداً إلى تقرير الخبراء أنفسهم، لتقديم النظام ورموزه إلى المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

يحدث هذا كله، وعلى شاشات التلفزيون مشاهد بدء المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة. الأوّل يأتي إلى المؤتمر للتفاوض حول “محاربة الإرهاب”، والثاني للتفاوض حول شرط “الحكومة الانتقالية”. وعلى هامش موقفين على طرفي نقيض، يتحدث مراقبون ومحللون حول إمكانية تحقيق اختراق في قضايا جزئية من نوع الإفراج عن سجناء، أو السماح بوصول مساعدات إنسانية إلى مناطق منكوبة ومحاصرة. وهذه أشياء تشبه علاج السرطان بالأسبرين.

وهي الأشياء نفسها، التي تضفي على المشهد السوري بعداً يكاد يكون سوريالياً. فمن جهة ليس جديداً، في السياسة الدولية، أن تُنتهك الحقيقة، وتضيع العدالة، باسم المصالح والتوازنات الإقليمية والدولية، ومن جهة أخرى، لم يسبق لانتهاك الحقيقة، وضياع العدالة، أن أسهما في إحلال السلام، والاستقرار، والأمن في أي مكان من العالم.

ومع ذلك، في مجرّد قبول نظام آل الأسد بالتفاوض مع المعارضة، حتى في قضايا من نوع الإفراج عن سجناء، أو إيصال مساعدات إنسانية إلى مناطق منكوبة ومحاصرة، ما يدل على اعتراف بالفشل في الحسم على الأرض. وفي مجرد ارتباط مصير النظام، ورأسه، بلعبة المصالح والتوازنات الإقليمية والدولية، ما يدل على حقيقة أن أسباب البقاء لم تعد مستمدة من مصالح وتوازنات داخلية، ومن “المزاج الشعبي العام”، بقدر ارتباطها بمصالح وتوازنات خارجية تتغير وتتدل من وقت إلى آخر، وهذا يبقي مصيره معلقاً في الفضاء حتى إشعار آخر.

وتبقى في هذا السياق ضرورة الكلام عن أمرين، ولكليهما تداعيات بعيدة المدى على مستقبل السلام، والأمن، والاستقرار، في المنطقة العربية، والشرق الأوسط، عموماً. يتمثل الأمر الأوّل في مسألة الإرهاب، التي يريد وفد النظام التفاوض بشأنها في جنيف 2.

والأهم في هذا الشأن ليس في نجاح عناصر إرهابية في إيجاد موطئ قدم في سورية، ولا حتى في استدراج النظام لتلك العناصر إلى الأراضي السورية، بل في استعانة النظام بميليشيات طائفية من لبنان، والعراق، وإيران، لتمكينه من أسباب البقاء.

والنتيجة المرعبة لأمر كهذا هي صعود، وتكريس دور القوى الطائفية غير النظامية، المدعومة من دوال قائمة، والعابرة لحدود الدولة الوطنية وسيادتها، في الصراعات المحلية، والإقليمية. وهي الوجه الآخر لعملة الجماعات الجهادية والتكفيرية المعولمة، والعابرة للحدود الوطنية.

أما الأمر الثاني فيتمثل في التداعيات المحتملة لفشل المجتمع الدولي في إرغام نظام آل الأسد على التفاوض على نقل السلطة، ورحيل رأس النظام. يخلق فشل كهذا سابقة خطيرة ليس في الشرق الأوسط وحسب، بل وفي كل مكان آخر من العالم، مفادها أن الأنظمة الحاكمة تستطيع أن تفعل بشعوبها ما تريد، دون خشية المساءلة أو العقاب.

وإذا وضعنا في الاعتبار أن فشلاً كهذا يستمد أسبابه ومبرراته، في الحالة السورية، من الحماية الروسية والإيرانية لنظام آل الأسد، فهذا يعني (وعلى خلفية التفاهمات والمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية الجارية) إضافة وتكريس المزيد من أسباب الفوضى، وعدم الاستقرار، في المنطقة العربية، والشرق الأوسط بشكل عام.

لذلك، الصراع في سوريا، وعليها، يشكل جزءاً من الصراع في المنطقة وعليها. ولا يهم، الآن، تفسير كيف ولماذا تحتل معادلة كهذه صدارة المشهد السوري، في سورية نفسها، أو في المحافل الدولية. المهم، أن نجاح نظام آل الأسد في البقاء، يفتح الباب على احتمالات كثيرة، لن يكون الأمن والاستقرار في المنطقة العربية جزءاً منها، بالتأكيد.

موقع 24

مغناطيس كيري!/ خليل حرب

من إبداعات الأميركيين، وغيرهم، انهم يمزجون ديبلوماسيتهم بما يتلاءم معها ومصالحهم، ولو اقتضى ذلك الاستعانة بمصطلحات رياضية او جغرافية وحتى نووية وكيميائية. لكن واشنطن أضافت في الأيام الأخيرة اقتباساً جديداً من علوم الفيزياء: المغناطيس.

ومما هو مثبت علمياً، فإن المغناطيس يخلق مجاله المغناطيسي حوله، كما أنه يتأثر ويتعامل مع مجال مغناطيسي خارجي بحسب ما يسمى شدة عزمه المغناطيسي، وقد يقع المغناطيس تحت تأثير قوة تحرفه إلى اتجاه معين أو آخر بحسب مكانه واتجاهه بالنسبة للمجال الخارجي.

وقد وجد “المغناطيس” رواجاً في الأيام الماضية بعدما استخدمه وزير الخارجية الاميركي تبريراً للسياسة الأميركية وانحرافاتها، حيث ابتكر بغرض التحايل والتضليل، عبارة ان الرئيس السوري بشار الأسد “مغناطيس جاذب للإرهاب”.

وبدأ كيري باستخدام المصطلح الجديد قبل أيام من انعقاد مؤتمر مونترو الاربعاء الماضي لإطلاق مفاوضات “جنيف2″، وظل يردده بعده وآخرها ربما في مقابلة مع قناة “العربية”. وكان من بين ما قاله “ليس هناك أحد فعل المزيد لجعل سوريا نقطة جذب للإرهابيين أكثر من بشار الأسد…إنه المغناطيس الوحيد الأكبر للإرهاب في المنطقة…. الأسد بمواصلته قتل المواطنين والطلاب والأطباء، بات تمسكه بالسلطة مغناطيساً للجهاد والإرهاب والمتطرفين للقتال في سوريا”.

وليس خافياً على أحد أن تحريف الأمور هدف واضح من وراء اختلاق ديبلوماسي كهذا. وقد لاقى المغناطيس مكانته في عناوين الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بهدف جذب القراء. وبمعنى آخر، فقد حقق كيري بعض مراده باجتذاب من يسمعه الى مكان آخر عن الهدف الذي سعى السوريون والروس الى تركيز مؤتمر جنيف عليه، وهو مكافحة الإرهاب.

لكن هذا الهذيان الديبلوماسي شيء، والحقيقة قد تكون شيئاً آخر. وقد كان واضحاً أن الأميركيين، وفي إطار سعيهم لتركيز الضغوط على دمشق ووفدها التفاوضي، روجوا من خلال فكرة المغناطيس، ان المشكلة السورية تتمحور حول الأسد نفسه، لا حول انتشار التنظيمات الإرهابية وتسيدها على ساحات فصائل المعارضة المسلحة.

وبمعنى آخر، ربما قصد الاميركيون القول أن لا شيء لنقوم به بعد التئام جنيف، وأن المطالبة بتنسيق العمل ضد انتشار الإرهاب في سوريا ليس مسؤولية اميركية مباشرة، ولا هي أيضاً مسؤولية غير مباشرة قد تفرض على واشنطن التحرك لممارسة أشكال من الضغط على الحلفاء في السعودية وقطر وتركيا.

“الأسد المغناطيس الأكبر للإرهاب” تعبير يجافي الكثير من حقائق المنطقة وتاريخها. أولها وأكثرها بداهة، أن إسرائيل هي “أم الإرهاب” بعرف أهل هذه المنطقة وفي صلب قناعاتهم، سواء بسبب جرائم الإبادة التي ارتكبت في فلسطين، أو بسبب واقع أن الكثير من ويلات المنطقة ومآسيها مرده غرس الكيان الصهيوني على أرضها منذ أربعينيات القرن الماضي.

وليس هناك دلالة على الحماقة الأميركية، في محاولة تضليل الرأي العام العربي والدولي، أكثر من تجاهل حقيقة الدور الذي مارسته الولايات المتحدة نفسها، بالتعاون مع حلفائها في المنطقة (أنور السادات في مصر وملكا السعودية خالد وفهد والملك حسين في الاردن) في رعاية ظاهرة “الأفغان العرب” انطلاقاً من سبعينيات القرن الماضي، لمحاربة السوفيات في أفغانستان. إن العديد من هؤلاء كما بات معروفاً للقاصي والداني، شكل النواة الأولى لتنظيم “القاعدة” في التسعينيات من القرن الماضي، وكل التفرعات التي خرجت من رحمه في أقاصي الأرض ومغاربها في السنوات اللاحقة وصولا الى التنظيمات الشقيقة حالياً مثل “داعش” و”النصرة” وغيرها.

وكما تظهر أحداث التاريخ، فإنّ “الجذب المغناطيسي” للإرهابيين تجسد بأوضح صوره في العراق مع الغزو الأميركي في العام 2003، حيث صار هذا البلد مرتعاً لكل “الجهاديين” وأنتج قيادات صرنا نلمس بصماتها التدميرية الواضحة في العراق نفسه وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان.

سيد كيري، ليتك تمهّلتَ قبل التلويح بمغناطيسك!

السفير

السوريون يقرّرون” كما قرّر سابقاً اللبنانيون ! روسيا تستعيد ذرائع النظام في لبنان/ روزانا بومنصف

خلال ما يزيد على ثلاثين عاما مارس فيها النظام السوري سيطرته على لبنان من بداية الحرب الاهلية فيه، تمسك هذا النظام بمعادلة او صيغة رفعها في وجه كل المؤتمرات واللجان والجهود التي بذلت من اجل ايجاد حل للحرب في لبنان. فالعبارة الوحيدة الاساسية التي كان يكررها النظام السوري للدول العربية والاقليمية على حد سواء كما للبنانيين الذين اضحى مرجعيتهم رسميا بعد اتفاق الطائف هي ان الحل في لبنان يكمن في توافق اللبنانيين انفسهم، وفي الحوار في ما بينهم، فيما كان يتولى هو رعاية منع التوافق بين اللبنانيين من خلال تغذية تنظيمات او دعم افرقاء كانوا يرفعون من سقف مطالباتهم وشروطهم الى درجة تعطيل اي توافق وحتمية الاستعانة بالنظام السوري من اجل ممارسة ضغوط او الايحاء بممارسة ضغوط من اجل الدفع في اتجاه الحل وكسب الصدقية لدى الدول الغربية التي كانت تسلم بهذا المنطق لعدم رغبتها في الانغماس في لبنان على رغم معرفة الاستخبارات والديبلوماسيات الغربية كيف كانت تحصل الامور فعلا. وحين توافر الحل في العام 1989 كان للنظام السوري حصة الاسد من خلال التسليم دوليا بشرعية وصايته على لبنان.

ومع انطلاق المشاورات الدولية قبل ما يزيد على عام ونصف عام من اجل ايجاد حل للازمة في سوريا، يكرر المسؤولون الروس ازاء ما يرونه من حل لهذه الازمة المعادلة نفسها التي كان يستخدمها النظام السوري من اجل منع الحل حتى يحصل على ما كان يريد من لبنان وضمه الى سوريا في شكل او في اخر. يقول المسؤولون الروس ان الحل يعود الى السوريين انفسهم، والى الحوار في ما بينهم، على رغم ان هذا الحوار لو قبل به النظام لدى اندلاع الثورة ضده قبل ثلاث سنوات لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه او حتى لو قبل بالحوار الجدي وغير الاستعلائي حتى ما بعد ستة اشهر وربما اكثر على اندلاع الثورة. الا ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استبق محاولة تسخيف دعوته السوريين الى الاتفاق او حصرها بهم من خلال قوله ” اننا نحضر السوريين ليتفقوا في ما بينهم. قد يبدو هذا الكلام ساذجا لكن في واقع الامر لا طريق آخر غيره اذ بالامكان الضغط على الطرفين ودفعهما الى الجلوس الى طاولة المفاوضات والبحث في شكل حقيقي عن حل توافقي ” لافتا الى ” انه لا يجوز فرض نموذج للتسوية على اطراف النزاع في سوريا بل البحث عن حلول وسط بانفسهم”. الامر الذي يرجح بقاء الامور على حالها في احسن الاحوال ومحاولة النظام فرض بقائه واستمرار نظامه على السوريين كما فعل حتى الآن.

لذلك، فإنه حين يقول الروس بان الحل السياسي يكمن بين السوريين انفسهم فيما انه ليس واضحا لا بل ثمة شكوك حول مدى الضغط الذي تمارسه روسيا على النظام لتقديم تنازلات جدية من اجل الحل، فانما يعني ذلك استمرار المراوحة ما دامت روسيا تستمر في تقديم الاسلحة للنظام وتعتمد او تتبنى منطقه وقد استغرق الغرب اكثر من سنة بعد الاتفاق على بيان جنيف 1 في حزيران 2012 من اجل اقناع روسيا باهمية دعم هذا البيان كخارطة طريق للانتقال بسوريا الى حال اخرى. ويرجح البعض ان تستخدم روسيا هذه الذرائع لادراكها ان الحل ليس ناضجا بعد لا على المستوى الدولي ولا على المستوى الاقليمي مع اعلان ايران ايضا رؤية مختلفة لها للحل في سوريا من خلال تبني بعض اجزاء المنطق الذي قال به بشار الاسد قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2. وهي الاجزاء المتصلة باجراء انتخابات حرة وديموقراطية كما قال الرئيس الايراني حسن روحاني بالتزامن مع تلويح وزير خارجيته جواد ظريف من دافوس باحتمال دفع ايران في اتجاه انسحاب حزب الله من سوريا اذا وجدت من يدفع الثمن المناسب لها. الموقف الايراني الرسمي بدا مماثلا لما ابداه الاسد من تنازلات شكلية لجهة قبوله برعاية دولية لهذه الانتخابات فيما لا يتمتع النظام باي صدقية لجهة احترام قواعد اللعبة الديموقراطية، وهو لو فعل، لادرك او اعترف كما تقول مصادر سياسية بان غالبية الشعب السوري لم تعد تريده، وان عليه ان يتنحى من اجل ان يوفر على سوريا المزيد من القتل والتدمير. لكن المسألة لم تعد تتعلق بالسوريين وحدهم بعدما دخلت قوى اقليمية ودولية على الخط باتت تستخدم السوريين وما يجري في سوريا من اجل المقايضة او تحقيق المكاسب تماما كما فعل النظام لمدة ثلاثين عاما في لبنان. ولذلك، قياسا على الحرب اللبنانية والحروب الاخرى في مناطق عدة من العالم، فان السوريين في حاجة الى خارطة طريق هي حتى الان بيان جنيف 1 حول تأليف سلطة انتقالية تتسلم الحكم وتكون لها السيطرة على الامن والجيش فيما لا يزال النظام يرفض الاقرار او التزام خارطة الطريق هذه. كما هم في حاجة الى دفع دولي ثابت وحازم مبني على توافق اقليمي ودولي يتعلق بتقاسم النفوذ في سوريا وتاليا في المنطقة. وما دام العنصران غير متوافرين يستمر سهلاً رمي كرة محاولة ايجاد حل على السوريين انفسهم الذين فقدوا زمام تقرير مصير بلادهم وحدهم، وباتوا رهينة الحسابات الدولية والاقليمية والحقد والانتقامات التي اثارها القتل الذي استهله النظام في بلاده.

النهار

خطأ رسمي في التعامل مع جنيف 2 ماذا عن معالجة ملف اللاجئين؟/ خليل فليحان

متى يحين موعد ملف اللاجئين السوريين الى الدول المجاورة، إذا كان الفريقان السوريان للنظام والمعارضة لم يتوصلا الى اتفاق بعد على ملف موحد للتفاوض هو في صلب جنيف 1، وهو تشكيل هيئة الحكم الانتقالي؟ من المعلوم أن ذلك ليس مطلب المعارضة فقط، بل أعلن عنه الأمين العام للامم المتحدة بان كي – مون في خطابه خلال الجلسة الافتتاحية لـ”المؤتمر الدولي للحوار” في سوريا، وسبق أن أشار الى ذلك في الدعوة التي كان وجهها الى النظام والمعارضة في الجلسة الافتتاحية الاسبوع الماضي.

صحيح أن ما يهمّ لبنان من المؤتمر هو الحل السياسي للأزمة السورية في أسرع وقت، لان ذلك يوفر عليه انعكاسات الخلل الأمني والانتحاريين في بعض أحياء الضاحية الجنوبية، لكن ما يهمه أكثر هو وقف تدفق اللاجئين الذين أصبحوا أكثر من 890000 شخص مسجل و600 ألف ينتظرون التسجيل.

وانتقدت قيادات سياسية طريقة التعامل الرسمي مع مؤتمر جنيف 2 المنعقد في العاصمة السويسرية، فبدلاً من الاكتفاء بحضور الجلسة الافتتاحية وإلقاء خطاب عام يركز على أزمة اللاجئين وعلى مواضيع أخرى، كان الأحرى بالاتفاق مع بان كي – مون على إدراج موضوع اللاجئين في أولى الجلسات التي تنعقد منذ يوم السبت، فيقصر الأمر على المؤتمرات في مقر الأمم المتحدة في جنيف برئاسة الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الابرهيمي، ولا سيما أن أولى الجلسات اتسمت بمقاربة الملف الإنساني وتحديداً مساعدة المحاصرين في مدينة حمص القديمة وفي أماكن أخرى حيث تدور الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام ومسلحي المعارضة، وقد وعد الوفد الرسمي بتسهيل هذا الموضوع الإنساني وبإخراج الأطفال والنساء والمسنين، على أي رجل يجب الإبلاغ عنه مسبقاً قبل مغادرته. وسألت تلك القيادات، أليست قضية اللاجئين في لبنان قضية إنسانية، خصوصاً أن اللاجئ ترك منزله وعمله وقصد لبنان أو أي دولة أخرى، وليس في وسعه تحصيل ما يحتاج إليه من قوت يومي وملابس له ولعائلته؟

وأشارت الى أن النقطة الإيجابية التي سجلت أمس للفريقين الخصمين هي إصرار كل منهما على الاستمرار في التفاوض، على الرغم من أن كلاً منهما طرح موضوعاً نقيضاً للآخر، مما جعل الابرهيمي يرفع الجلسة للاستعانة بالأميركيين والروس المرابطين في الغرف المجاورة لقاعة اجتماع الوفدين، لاقناع المفاوضين بتوحيد مادة المناقشات، وهي كما حددها بان تنفيذ مؤتمر جنيف 1، فيما وفد النظام ركّز على أن الأهم هو القضاء على الإرهاب أولاً، وهذا ما اعتبره وفد المعارضة تغييراً لمسار الجلسة.

وشددت تلك القيادات على أنه إذا استمر الخلاف بين الطرفين، فإن المضي بالجلسات سيبقى من دون أي نتائج إيجابية. وأعرب خبير في علم التفاوض عن اعتقاده أن الجلسات ستصبح مضيعة للوقت.

وعوّلت القيادات على من سمتهم الوسطاء في ممرات قاعة الاجتماعات، المكلفين من حكومات بلدانهم تذليل مثل هذه العقبات التي كانت متوقعة ومحسوبة، لكن الابرهيمي تمكن من إقناع واشنطن وموسكو بأن المهم هو جمع الطرفين المتقاتلين في المرحلة الأولى لبناء الثقة، إلا أنه كان على خطأ، بدليل النتائج الأولية للجلسات التي عقدت الى الآن، وعكست ما كان عليه الموقفان قبل التوجه الى جنيف.

واقترحت جمع الموضوعين في جدول الأعمال، الأول مكافحة الإرهاب والتعاون من أجل استئصاله لأن الطرفين يعانيانه، والثاني الانتقال الى مناقشة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي من دون التطرق الى مصير الرئيس بشار الأسد، لأن نص مؤتمر جنيف 1 لم يكن واضحاً حوله، وهذه المسألة تتجاوز صلاحيات المتحاورين وقدرتهم.

النهار

بحص جنيف ومطبخ سوتشي!/ راجح الخوري

يعرف الاخضر الابرهيمي انه يشرف على طبخة بحص في جنيف. يعرف أيضاً ان النار التي تجعل من البحص صالحاً للأكل ستشتعل في مكان آخر، تحديداً في منتجع “سوتشي” حيث سيلتقي باراك أوباما مع فلاديمير بوتين بعد ايام، وليس سراً ان هناك محادثات هاتفية بينهما تواكب اعمال مؤتمر “جنيف 2″، لكنها تركز بالتحديد على حل المعضلة المعقدة التي تواجه المؤتمر.

يحاول اوباما نزع اللغم الذي دسه سيرغي لافروف في حزيران عام 2012 في اتفاق “جنيف 1″، عندما لم يوضّح مصير الرئيس بشار الاسد في سياق الحل وعملية “الانتقال السياسي”، التي كانت امس موضوع البحث في المفاوضات، حيث قدم الوفدان السوريان تفسيرين متناقضين تماماً، حاول الابرهيمي عبثاً بناء تفسير ثالث بينهما، في حين يكرر فيصل المقداد ما اعلنه وليد المعلم من ان الاسد والنظام خط احمر، وانه لن يتم تسليم الحكم الى المعارضة في جنيف، واذا اعتقد البعض انهم قدموا الى هنا لنسلمهم مفاتيح دمشق فهم مخطئون !

لا يملك الابرهيمي ولا غيره اي اوهام في ان مؤتمر جنيف هو الواجهة الضرورية للاستعراض التفاوضي، وان الحلول موضوعة على النار في مطابخ أخرى:

كيف يمكن اقناع الروس بأن يقوموا باقناع الاسد بأن لا يترشح للانتخابات المقبلة قبل ان تنتهي ولايته، وكيف يمكن اقناع الايرانيين بان يتراجعوا عن اعلانهم تأييد ترشّح الأسد… ثم كيف يمكن تغطية كل هذه الطبخة بشعار “الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره”؟!

قياساً بما جرى في الايام الخمسة الماضية في جنيف، لا يمكن الحديث سوى عن جليد لم يتكسر. صحيح ان جلوس الوفدين متقابلين يمثل اعترافاً ضمنياً بوجود المعارضة، لكن فيصل المقداد حرص منذ البداية على حذف المعارضة بالقول: “نحن لسنا وفد النظام بل وفد سوريا، ولكأن المفاوضات تتم مع قوى غير سورية!

ولهذا يستطيع الابرهيمي ان يبدأ البحث عبر حمص اولاً مركّزاً على المسائل الانسانية التي لا يستطيع الطرفان التنكر لها امام اعين العالم، لكن هذا لن يصنع حلولاً، والدليل ان وفد النظام يشكك يومياً في القيمة التمثيلية لوفد المعارضة، ثم ان المدخل الى اي اتفاق يبدو متناقضاً تماماً بين ان يكون “الانتقال السياسي” مدخلاً، او ان تكون محاربة الارهاب هي المدخل.

والازمة ليست بين نظام يذبح السوريين منذ ثلاثة اعوام وبين معارضات تقاومه، انها ازمة مركّبة ومتداخلة على مستويات اقليمية ودولية، لهذا يحتاج المراقب الى كثير من الاوهام كي لا يرى ان نار الابرهيمي مشتعلة تحت البحص في جنيف بينما الطبخ يتم بين الاميركيين والروس، وفق معايير تستطيع القوى الاقليمية ان تبتلعها!

النهار

مؤتمر جنيف يعمّد المعارضة/ ماجد كيالي

حسناً فعلت المعارضة السورية بمشاركتها في مؤتمر جنيف، فهذه هي الفرصة التي كانت تحتاجها لتثبت نفسها كهيئة سياسية، للثورة السورية، بعد أن أضاعت وقتاً كثيراً، واستنزفت جزءاً كبيراً من طاقتها، في الخلافات الداخلية، وفي وضع نفسها في مجال التجاذب من قبل هذه الدولة أو تلك.

في المحصلة فقد مكّنت هذه المشاركة المعارضة من تحقيق انجازين مهمّين، على الصعيد الداخلي، أولهما، تمثّل باستحواذها على ثقة غالبية السوريين، الذين كادوا يفقدون الأمل في إمكان وضع حد لهذا الخراب العميم، الذي أصاب بلدهم، لاسيما أن هذه المشاركة ساهمت باستعادة الخطابات الأولى للثورة، المتمحورة حول الحرية والكرامة والحق في التغيير السياسي. وثانيهما، تمثل بتعزيز مكانة الائتلاف إزاء الجماعات المسلحة، المحسوبة على المعارضة، والتي استمرأت ابتزازه، والتهديد بنزع الشرعية عنه، بدعوى أحقيتها في تقرير مستقبل سوريا، إذ أن الالتفاف الشعبي من حول المشاركة كشف عزلة هذه الجماعات، ومحدودية تأثيرها على مجتمع السوريين.

أما على الصعيد الخارجي، وعلى رغم أن مشاركتها في مؤتمر جنيف هي بمثابة التجربة السياسية الأولى لها، إلا أن المعارضة استطاعت خوض هذا الاختبار بنجاح يحسب لها، وربما بقدر فاق التوقّعات.

هكذا، ورغم كل الملاحظات على طريقة تشكيلها، استطاعت المعارضة أن تفرض نفسها كطرف ينازع النظام على الشرعية، لأول مرة في التاريخ السياسي لسوريا، منذ نصف قرن، وهذا ليس أمراً تفصيلياً في العقيدة السياسية لنظام تأسّس على شعار: “سوريا الأسد إلى الأبد”.

أما في الإطار التفاوضي، في حدّ ذاته، فقد بدا وفد المعارضة منسجماً، وكصاحب قضية، مع إدراك عالٍ لأهمية اللحظة، ولأهمية استثمار منبر جنيف، لتعزيز مكانته إزاء مجتمعه وإزاء العالم، في مجال المعركة على الصورة وعلى الشرعية.

وفي العموم فقد نجحت المعارضة في تحقيق مكسب سياسي مهم، بفرض وجهة نظرها بشأن سحب الدعوة الموجّهة لإيران، كونها لم تعترف ببيان جنيف1، وبشأن جدول الأعمال المتعلق بتشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات. ويأتي ضمن ذلك تحسّبها للمناورات، والمماطلات، التي يمكن أن يلجأ اليها وفد النظام، لفرض اولويات أخرى، وتضييع القضية الأساسية، أو لاستفزاز المعارضة، ودفعها للانسحاب، وبالتالي تحمّل مسؤولية إفشال المؤتمر. ففي كل ذلك أبدت المعارضة المرونة مع الحزم، وكأنها كانت متحسّبة لمناورات كهذه، إذ قبلت البدء في المفاوضات من مدخل القضايا الإنسانية، لكن مع شرط البحث بالنقطة الأساسية المتمثلة بتشكيل الهيئة الانتقالية.

حتى الآن، بدا وفد المعارضة أكثر تماسكا وإقناعاً، على عكس وفد النظام، الذي بدا وكأن بقاء “الأسد” عنده أهم من مصير سوريا والسوريين.

النهار

تفاوض خارج “جنيف 2″/ حياة الحويك عطية

“مستر كيري”! هل كان من باب الصدفة أن يخاطب وليد المعلم جون كيري بالاسم عندما أراد أن يقول جملته العقدة في مونترو: لا أحد غير الشعب السوري يقرر مستقبل الرئيس الأسد؟

ما أراده المعلم من خلال توجهه لكيري هو القول له أولاً، وللعالم ثانياً، إنك أنت المفاوض الحقيقي الذي يواجهنا في هذه الحلبة الدولية .

المفاوض الرئيسي، لا لأنه من يفرض قراره على الائتلاف فحسب، بل لأن ثمة مفاوضات قد بدأت بين دمشق وواشنطن، بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الروسي .

الصحفيون الحاضرون نقلوا من اسطنبول أن فورد أبلغ الائتلاف أن لهم الحق في أن يشكلوا وفدهم كما يريدون، ولكن ليس لهم الحق في أن يرفضوا المشاركة .

غير أن المعلومات الأكثر أهمية هي تلك التي أبلغها دبلوماسي أمريكي في مونترو للصحفيين حول اتصالات بين الإدارة الأمريكية والحكومة السورية، وحول اتفاق مع الروس على منع إقامة حكم إسلامي في سوريا، رغم أن واشنطن تحاول أن توفّق بين هذا الغرض وبين استبعاد الأسد . فهل هذه العقدة المتبقية – وهي ليست بالهينة – هي التي أراد المعلم إعلان الموقف السوري منها متوجهاً إلى كيري، فيما يعتبر كلمة التفاوض الحقيقية الوحيدة في جلسة السيرك السويسرية تلك؟

عملية التفاوض إذاً، جارية خارج جنيف ومؤتمرها، وما أعلنه هيثم منّاع من على شاشة “بي بي سي” يؤشر إلى نقاط أخرى تضعها واشنطن على الطاولة: استبدال الأسد بعلوي آخر (لا بأس إن يرشحه هو) والحصول على مقعدين في الحكومة، ومقعدين في هيئة الأركان مواليين للولايات المتحدة، وينتهي الأمر .

كل عاقل يعرف أيضاً أن هناك حزمة مصالح أخرى تدخل في الرهان، مصالح لا يدخل في حسابها الشعب السوري بشقيه المعارض والموالي، ولا تدخل في حسابها المطالب الإصلاحية التي تؤمّن لهذا الشعب بشقيه مستقبلاً أفضل يضمن السيادة والوحدة وقوة الدولة . مصالح منها ما هو في سوريا، ومنها ما هو في الإقليم، ومنها ما يتعداه إلى آسيا منذ أن أعلنت إدارة أوباما قرارها بنقل اهتمامها إلى المحيط الهندي .

شبكة مصالح تطال الطرف الروسي، ومعه الصيني، ولا شك أن حساباتها قد تم بحثها وترتيب إيقاع مسيرتها خلال زيارة المعلم وظريف إلى موسكو قبل جنيف .

إيقاع قد يتضمن فشل جنيف 2 للوصول إلى جنيف 3 بمشاركة المعارضة السورية الحقيقية والتي لها ثقل في الداخل، وإلا فكيف يمكن فهم تخلي موسكو عن تمثيل هيئة التنسيق وسواها من تنظيمات المعارضة المعتدلة وغير الإسلامية؟

وزير الإعلام السوري حدد، في مونترو، السقف التفاوضي: لا ممرات إنسانية، بل رفع لمستوى إدخال المساعدات بإشراف الدولة . لا إطلاق شاملاً لسراح الأسرى، بل تبادل لمعتقلين من الجانبين . لا وقف شاملاً لإطلاق النار، بل تفاهمات أمنية يتم من خلالها خروج الجيش والمسلحين من بعض مناطق الاشتباك لتدخل الشرطة السورية . والأهم: لا تنحّي للرئيس . وقد تبين أن الأجزاء الأولى من بنود هذا السقف قد بدأت تتحقق في جلسات جنيف، بدءاً من تراجع الائتلاف عن رفض التفاوض على الجزئيات قبل بحث التنحي، وصولاً إلى إعلان الإبراهيمي عن تأمين المساعدات الإنسانية بالتنسيق بين الأمم المتحدة ومحافظ حمص . لكن السيرورة لم تلبث أن تعثرت، وعاد برهان غليون يتحدث عن الفصل السابع، وعاد الأخضر الإبراهيمي يطرح مع المعلم موضوع الهيئة الانتقالية، ما يؤكد حصول ضغوط متفاوتة على المعارضة .

لن يكون سهلاً على واشنطن ولا على حلفائها الوصول إلى آخر التراجع، خاصة أن هناك أطرافاً مهمة من هؤلاء الحلفاء لا تزال تقاتل لمنعه . وإذا كانت واشنطن قد اضطرت للضغط على الأمم المتحدة لتقديم ثمن المشاركة الائتلاف في جنيف بسحب دعوة إيران، فإنها تحاول حفظ ماء الوجه لها ولحلفائها بالمطالبة بإقصاء الأسد ثمناً لعقد صفقة نهائية .

لكن موازين القوى قد تغيرت، كما اعترف دبلوماسي أمريكي في مونترو للصحفيين مضيفاً: “لقد أصبحنا عقلانيين بعد أن كنا نؤكد أن الأسد سيسقط خلال شهرين” . إذاً ما الحل؟ ومن سيدفع الثمن؟ يبدو أن الروس والأمريكيين لا يأخذون بالاعتبار المطامع الفرنسية والمواقف الأكثر تشدداً وعليه حاول الأوروبيون التلويح بالعصا في مطار أثينا، وحاولت آشتون مد جزرة للمعلم على طاولة الغداء في مونترو .

محاولات أوروبا المتنوعة هذه تتركها واشنطن، بل وتوظّفها حين تريد، للإغراء أو الضغط، طالما أن الصفقة لم تنضج بعد . وعليه كان المعلم يعرف ما يقول ومن يخاطب عندما وجّه كلامه للوزير: مستر كيري .

الخليج

/ رودي روبن “التهديد الجهادي” وإفشال “جنيف-2”

في رحلة قمت بها الشهر الماضي إلى الحدود السورية التركية، التقيت صحفياً سورياً شاباً ينتمي إلى المعارضة يُدعى عدنان حداد، كان قد فر لتوّه من حلب عندما أصبح هدفاً لكل من النظام ومسلحي المعارضة.

وعندما بدأت المحادثات أخيراً في سويسرا يوم الأربعاء الماضي بين النظام السوري والمعارضة، جذب انتباهي مشادة كلامية بين حداد ووزير الإعلام السوري عمران الزعبي.

وفي مؤتمر صحفي طلب حداد من الزعبي التعليق على إلقاء براميل متفجرة قاتلة من طائرات النظام على المناطق المدنية في حلب، وحسب «نيويورك تايمز»، رد الزعبي قائلاً: «إن هذا النوع من الأسئلة تطرحه إذا كنت مؤيداً للجماعات الإرهابية». ويكشف هذا التراشق عن السبب في أن محادثات «جنيف 2» ترنو إلى الفشل، وأن الجماعات الإرهابية ستزداد قوة في سوريا طالما ظل الأسد متشبثاً بالسلطة.

وتوضح تصريحات الزعبي عزم النظام تحويل المحادثات بعيداً عن أية مناقشة بشأن استبدال الأسد، وتسليط الضوء على فكرة أن الغرب يحتاجه من أجل محاربة الإرهابيين. غير أن ما لم يقر به الزعبي أن قتل وتعذيب المدنيين عزز ودعم تهديد “الجهاديين”. وخلال الأشهر الأولى من الثورة، قمع النظام مئات الآلاف من المتظاهرين السلميين الذين سعوا إلى إصلاح سياسي، وليس ثورة، ومنذ ذلك الحين، تستخدم الحكومة أساليب شنيعة. وأظهر أرشيف يحتوي على 55 ألف صورة، سربت مؤخراً من سجون الأسد، أشلاء 11 ألف شخص تعرضوا للتجويع والتعذيب.

وحتى الآن، لم يتم التأكد من صحة جميع الصور التي سربها مصور شرطة انشق عن النظام، لكنها تضاعف تقارير لا حصر لها عن جرائم مماثلة ضد آلاف من المعتقلين في سجون النظام، نقلها ناجون أو وثقتها جماعات حقوق الإنسان.

ولم يترك الأسد مساحة للثوار المدنيين مثل حداد، الذين لا يريدون حكماً ديكتاتورياً أو نظاماً راديكالياً. وحداد، البعيد كل البعد عن أن يكون مؤيداً للإرهاب، يمثل أفضل الشباب وأكثرهم إشراقاً في سوريا، الذين دمر القتال مستقبلهم، فقد ترك وظيفته الآمنة والقوية كمستشار مالي في إحدى الدول الإقليمية عام 2012 ليصبح ناشطاً إعلامياً في حلب، حيث يخاطر الصحفيون بأرواحهم لنقل تقارير عن جرائم الحرب ضد المدنيين من قبل النظام أو المتطرفين.

وفرّ حداد من حلب بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش»، التابعة لتنظيم “القاعدة”، الحرب على النشطاء الإعلاميين وشنت ضدهم عمليات خطف وقتل.

وأثناء تناول القهوة الشهر الماضي في فندق «سيرهان» في مدينة «جيزانتب» على الحدود التركية، شرح لي حداد السبب في أن المليشيات المتطرفة ـ والجهاديين مثل «داعش» ـ نمت بقوة. وأخبرني أنه عندما بدأت الثورة وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع، ربما كان الناس سيوافقون على ترك الأسد السلطة بعد عام 2014، حسب الموعد المفترض لإجراء انتخابات، لكن بعد أن رأوا الدبابات والحوامات والمذابح والأعمال الطائفية، شعر الناس بأنه إما أن يَقتلوا أو يُقتلوا.

وأضاف: «في ظل الحصار، تسامح السوريون مع الميلشيات المتطرفة، لأنهم وصلوا بالأموال والأسلحة والتنظيم الجيد، وعندما أخفق الغرب في تقديم المساعدات إلى الميلشيات غير المتطرفة، لم يكن أمام المدافعين عن قراهم ضد بطش جنود النظام سوى خيارات ضئيلة».

وتابع: «احتاج الناس إلى الأسلحة، ومن هنا بزغ نجم المتطرفين».

وفي الحقيقة، أحجم النظام بشكل كبير عن ملاحقة جماعات مثل «داعش»، التي ترتبط قياداتها بعلاقات قديمة مع أجهزة الاستخبارات السورية. ومثلما يشير المتهكمون، يرحب النظام السوري بنهوض الجماعات الراديكالية كي يؤكد للسوريين أن الأسد هو الخيار الأفضل.

وذكر حداد: «أن النظام يطلق سراح أكثر الجهاديين خطراً من سجونه، كي يبدأوا حرباً دينية».

ومن الواضح أن نظام الأسد سيستغل التهديد “الجهادي” كي يرفض التسوية في جنيف، بينما ينمو الجهاديون بقوة في سوريا، وبدعم من موسكو وطهران، سيرفض الرئيس السوري التعاون في محادثات السلام، ويحاول إجراء انتخابات زائفة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»

الاتحاد

جنيف مقبرة الانتقال السياسي؟/ راجح الخوري

كان من المستغرب اعلان الناطق باسم الوفد السوري المعارض الدكتور لؤي صافي ان وفد النظام الى مؤتمر جنيف يفتقد المرونة المطلوبة، ولكأنه كان يصدق ان النظام ارسل وفده الى جنيف للاتفاق على حل مع من يعتبرهم ارهابيين يجب القضاء عليهم!

المرونة المطلوبة؟

منذ اللحظة الاولى للمؤتمر وضع وليد المعلم عربة الحرب على الارهاب امام حصان “جنيف ١”، والورقة التي قدمها وفد النظام شكّلت خريطة طريق إلتفافية على أي حل، من خلال الدعوة الى مكافحة الارهاب وإلزام دول الجوار وخصوصاً تركيا والاردن والدول الممولة للجماعات الجهادية في منطقة الخليج، وقف التسليح والدعم المالي واغلاق الحدود.

وعلى امتداد خمسة ايام رفض هذا الوفد التطرق الى عملية الانتقال السياسي مكرراً انه لم يذهب لتسليم السلطة وان الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله، على رغم ان دعوة الامم المتحدة الى المؤتمر نصت صراحة على ان المحادثات تتركز على كيفية تطبيق توصيات “جنيف ١”، وخصوصاً البند العاشر الذي يدعو الى تشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات تعمل لوقف العنف وعزل الجماعات الارهابية وترتيب انتخابات حرة.

حتى عندما راهن الاخضر الابرهيمي على تسجيل اختراق بسيط، عبر تركيزه على الناحية الانسانية التي لا يستطيع الوفدان التنكر لها امام اعين العالم، حاول وفد النظام ان يستغل الأمر لمنافع عسكرية، عندما طلب الحصول على قوائم بأسماء المحاصرين في حمص وعدد المقاتلين والمدنيين منهم، ثم كانت مطالبته بإجلاء المحاصرين الى خارج المدينة المدمرة وهو ما سارعت المعارضة الى القول انه محاولة لتغيير الخريطة الديموغرافية في تلك المنطقة!

كان واضحاً ان النظام يريد تغيير مسار التفاوض حتى قبل عقد جنيف عبر اسقاط كل حديث عن الانتقال السياسي، وتقديم موضوع الحرب على الارهاب كمسألة ملحة وبما يدغدغ مشاعر دول كثيرة تخشى تنامي الحركات التكفيرية مثل “داعش” و”النصرة”، على رغم تقارير متلاحقة تؤكد ان النظام هو الذي صنع وحش الارهاب ويستخدمه لإجهاض الثورة ودائماً تحت شعار “الشعب السوري وحده هو الذي يقرر مستقبله”، في حين يستمر ذبح هذا الشعب منذ ثلاثة اعوام.

لست ادري لماذا بدا الابرهيمي مصدوماً وكأنه فوجئ بعمق الفجوة بين الوفدين او لكأنه (حرام) كان يصدّق انه يملك فرصة لوضع “جنيف ١” في وجه الحل العسكري، الذي تمادى في العنف منذ اربعة ايام، وتحديداً في حمص حيث سقط ما يقرب من ٤٠٠ قتيل، بينما كان الحديث يدور على ايصال المساعدات الانسانية اليها… لكن “جنيف ٢” كشف على الاقل، مناورة الاسد لجعل الحرب على الارهاب مقبرة لعملية الانتقال السياسي!

النهار

جنيف عقدة سورية.. أم حلّها؟!/ يوسف الكويليت

هل نسمي خطوة فتح معابر لتقديم معونات غذائية للمحاصرين السوريين موقفاً إنسانياً، أم انفراجاً ونقلة نوعية، وطريقاً جديداً لحلول قادمة، أم هي تجميل للمؤتمر فقط إذا ما علمنا أن إسرائيل أرحم من نظام الأسد في فتح المعابر مع غزة لنقل الوقود والبضائع والأدوية وغيرها مع أنها في حالة حرب مستمرة، ومع ذلك هناك من يشكك بالتزام النظام تمرير أي عمل يجد فيه تنازلاً أو ضعفاً سياسياً؟

المباحثات تجري على عدة محاور، فهناك روسيا وأمريكا تكثفان حضورهما، ويبدو أنهما تلتقيان على العديد من النقاط، في الجانب الآخر نجد الأخضر الإبراهيمي يدير معركة الحوار بين النظام والمعارضة، وهو (ماراثون) معقد وصعب، لأن اتفاق جنيف (١) هو القاعدة ومنطلق الأسس التي تقوم عليها كل خطوط المواجهة بين أصحاب القضية أو من يديرونها، ولعل الأرض ستلعب الدور الأهم لأن الأسد يحاول أن يسابق الساعة بالتمدد على أكبر المناطق الاستراتيجية والحساسة حتى يفاوض من قوة، بنفس الوقت نجد الجيش الحر وحلفاءه يسعون لإيقاف قوات الأسد، والالتفاف عليها وتحقيق امتداد أكبر وخاصة في حلب وبقية المناطق ذات الكثافة السكانية، والمهمة اقتصادياً، ويبدو أن الروس مدّوا جيش الأسد بقوة جديدة، وهي الأخذ بمبدأ فاوض من مركز القوة، وهذا ما لم يحدث حيث هناك إجماع بأن الأسد فقد أهم المواقع التي كان يريد أن يبعث للعالم رسائل بأن المعارضة مجرد جيب تسيطر عليه مجموعات من الإرهابيين لا يمثلون الشعب السوري، بينما الواقع يكذّب الادعاء وفقاً لخارطة كلا الطرفين..

أيضاً هل تطبق بنود جنيف (١) بتشكيل حكومة انتقالية لا وجود للأسد أي مجال فيها، أم أن هذه القضية ستبقى مجال المناورة والعقدة، طالما ظل النظام يقاتل من أجل البقاء حتى لو ذهب معظم الشعب السوري، إن لم يكن تحت السلاح، ففي التشريد والسجون والمجاعات؟

والجدل يجب أن لا يطول إذا كانت دائرة الموت مستمرة، ولا توجد هناك قوة ضغط مباشر، تؤهل المتحاورين سواء أكانوا القوى الكبرى، أم طرفيْ العلاقة في الجانب السوري على زحزحة الأسد إلاّ بتجفيف مواقع قوته، سواء الدعم المادي المباشر من روسيا وإيران، أو السلاح، أو من يتطوعون في القتال من حزب الله أو العراقيين، وبقية الجماعات التي تدفعها روح القتال باسم الطائفية..

الدول العربية المؤيدة للحكم، والمعارضة، والصامتة عن أداء أي دور تختلف من حيث تأثيرها على مجريات الصراع على الأرض، وكذا القوتان الإقليميتان، إيران وتركيا، فالأولى تخوض معركة وجود في مد نفوذها على أرض عربية تضعها في ميزان القوة، وإملاء القرارات وحتى النفوذ في المستقبل البعيد، في حين تركيا لا تشكل الضغط القوي، رغم أن أي تبدل سلبي قد يؤثر في أمنها بحكم الجوار، وكذا التداخل السكاني طائفياً وعرقياً، وموضوع التنافس بينهما كلّ يقوّمه وفق رؤيته ومصالحه، لكن تركيا رغم تحملها عبء اللاجئين والمخاوف من حالات اضطراب تقودها عناصر من العلويين، وكذا الأكراد، فإن إيران لا تواجه مثل هذه القضية الحدودية الحرجة..

الرياض

جنيف 2» والمصير السوري/ عبد المنعم سعيد

كانت سوريا الأسوأ حظا فيما يتعلق بزمان الزلازل والهبات العربية التي توالت منذ بداية العقد الحالي، حتى رغم أن الحصاد كان فيه الكثير مما هو مأسوف عليه في معظم الأحوال، ولكن قلاقل التاريخ دائما صعبة، ومؤلمة، وحادة، ولا يتحملها من دول وأفراد إلا من كانت فيه عناصر القوة الطبيعية من هوية وتماسك وترابط اجتماعي وسياسي. وربما منذ بداية الاستقلال في الدولة السورية فإنها عاشت في حلم كبير أن تكون بؤرة دولة عربية عظمى، ولكنها من داخلها كان ينخر فيها ولاءات أقل من دولة واحدة، كانت انكماشا كبيرا عما كانت عليه الولاية السورية الكبرى في العهد العثماني. الولاءات التحتية كانت دائما من سمات «المشرق العربي»، ولكنها عرفت كيف تتعايش كما جرى في لبنان رغم حربين أهليتين، وكان القهر العسكري والحزبي يستطيع في أحيان أن يبقي الرابطة داخل الدولة، كما جرى في العراق وسوريا. الأردن وحده رغم هزات وقلاقل، بقي متماسكا تحت العرش الهاشمي الذي ثبت أنه رباط ليس بالقليل، رغم الضغوط الكبرى للقضية الفلسطينية.

سوريا لم تتحمل عاصفة «الربيع العربي»، وثبت أن الحكم البعثي فيه قدر كبير من العبث، ولكن فيه قدرا أكبر من العنف والقسوة، والاستعداد اللامتناهي للمضي قدما في القتل والترويع حتى يصل إلى آخر المدى. في الدول التي جاءتها العاصفة، جرى التجاوب معها، لم تنته دولة إلى أفضل مما كانت عليه، ولكن الدول بقيت بشكل أو بآخر وظلت، ولا تزال تحاول أن تخرج من العاصفة. الكل يعرف أن الماضي لا يعود مرة أخرى، ولكن الكل ينتظر ما إذا كان ممكنا بناء مستقبل جديد. سوريا وحدها قررت كل القوى أن تمضي في الصراع إلى آخره، تستخدم القوى الدولية والإقليمية بمهارة لكي تحصل على ما يكفي لاستمرارها في الصراع. وبشكل ما، فإن سوريا جرى عليها ما جرى في قصة الملك سليمان والسيدتين اللتين جاءتا له برضيع تزعم كل واحدة منهما أنها تملكه. قراره الحكيم بقسمة الرضيع قسمين كان كاشفا، فالأم وحدها رفضت القسمة، فكان القرار بمنحها الحق، أما في الحالة السورية فقد كانت هناك أكثر من سيدة، وكلها وافقت على تقطيع الرضيع.

البداية كانت في درعا، وكانت المسألة كما كان الحال في بقية الدول مظاهرات سلمية، ولكن العنف كان كاسحا، والانقسام في الجيش كان سريعا، وسرعان ما باتت الأقاليم تئن من أوزار مدن وقرى. وفي لحظات لم تعد المسألة بين الاستبداد والمعارضة الساعية للحرية، إذا بالأمر فيه من «القاعدة» وأمثالها ما يكفي لكي تنفجر الدولة كلها. في ليبيا جرى التدخل الدولي، وبعد سقوط النظام بقيت ليبيا هشة نعم، ولكنها بقيت، وفي اليمن جرى التدخل الإقليمي، وسقط النظام، وبقي اليمن أكثر هشاشة، ولكنه بقي. في سوريا حدث التدخل الدولي والإقليمي، ولم يسقط النظام، وزادت سوريا هشاشة على هشاشتها، وضعفا على ضعف. تمزقت الدولة، ومعها أقاليم، ونضحت الولاءات التحتية للأعراق والأديان والجماعات والأقليات، ولا يزال بشار الأسد وجماعته يعتقدون أنهم يقودون دولة بالفعل. ولم يعد معلوما ما إذا كان التدخل الدولي في النهاية سوف يتركها دولة مرة أخرى، أم أنه سوف يكون علينا مواجهة واقع جديد. لاحظ هنا الفارق بين مؤتمر «جنيف1» والمؤتمر الثاني «جنيف2»، في الأول كانت القضية مماثلة لقضايا دول الربيع الأخرى، وهي تشكيل حكومة انتقالية تقوم بوضع دستور تتفاوض عليه الأطراف المختلفة للصراع، وبعدها تبدأ الدولة الجديدة عملها على أمل أن تكون أكثر ديمقراطية من سابقتها. كان واضحا أن انعقاد المؤتمر الأول شاهد على أن طرفي الصراع لا يستطيعان الانتصار في الحرب، وكان الحديث عن حكومة انتقالية هو السبيل لخلق أرضية ما وسط يمكن التوصل إلى نتيجة بعدها. كان مفهوما للمعارضة أن معنى ذلك الخلاص من نظام البعث وبشار الأسد معا، أما نظام البعث وبشار فقد كان يعني استيعاب جماعة المعارضة في السلطة، فيبقى البعث ومعه بشار أيضا. لم يبد ممكنا لكلا الطرفين تحقيق هدفه فتصور أنه يحتاج إلى جولة أخرى من الصراع، فقد يحسم الميدان ما لم تحسمه الدبلوماسية. ولم يترك النظام البعثي طريقا إلا وسلكه، فاستعان بحزب الله اللبناني في الحرب السورية، ونظر إلى الناحية الأخرى حينما دخلت الطائرات الإسرائيلية لضرب صواريخه، ولم تكن لديه مشكلة في التخلي عن سلاحه الكيماوي، أخذ من روسيا وإيران ما يستطيع، ودفع دفعة كبرى مستغلا انقسامات المعارضة ودخول جماعة القاعدة إلى قلبها لكي يسحق المعارضة، ولكنه فشل مرة أخرى في إحراز نصر. جاءت لحظة للتعادل مرة أخرى فكان «جنيف2» مطلوبا، ربما لكي يلتقط الجميع الأنفاس، أو تجد القوى الدولية والإقليمية فرصة لعقد صفقة شاملة، ولكن الطريق إلى عودة الدولة السورية لا يزال بعيدا، بل إنه بات أكثر بعدا من قبل.

في «جنيف2» كان الهدف هو العمل على تشكيل حكومة انتقالية تمثل كل الأطياف ومحايدة ولطيفة وتستطيع أن تأخذ بيد الجميع لكي يسهموا في بناء سوريا الجديدة. هذا الهدف لا يزال باقيا، ولكنه مؤجل حتى يتم تحقيق سلسلة من الأهداف كان أولها وقف إطلاق النار في سوريا كلها، ولكن ذلك بات هدفا بعيدا، فما بات مطلوبا هو وقف إطلاق النار جزئيا في مناطق بعينها، وأحيانا بشكل مؤقت حتى يمكن للمساعدات الإنسانية أن تمضي. الحالة ببساطة باتت كارثية، فأحوال اللاجئين والقتلى والجرحى وتداخلها بين المدن والقرى والمناطق، وما بين سوريا ولبنان، وسوريا والعراق، جعل الإمساك بالخيوط الدبلوماسية صعبا، وتحتاج إلى صبر أيوب حتى يمكن تحقيق نجاح واحد فيه يتيح لعدد من العائلات النجاة من الموت. المدهش أن قضية كبيرة ومعقدة مثل الأسلحة الكيماوية تم حلها بسرعة، وسلاسة، وتم وضعها في إطار برنامج زمني للتطبيق، مثل ذلك ليس منتظرا حدوثه حينما يتعلق الأمر بالبشر السوريين بحيث ينتهي الوضع المميت في حلب، أو يتم حل مشكلة اللاجئين في الداخل، أما الملايين التي ذهبت إلى الخارج فهذه ربما لن يكون لها حل إلا بعد عقد مؤتمر «جنيف3» أو حتى بعد ذلك. وببساطة، فإن «جنيف2» قد يحاول، ومن الجائز أن ينجح، في أن يضمد بعضا من الجراح السورية البسيطة، وبعدها سوف يكون لكل حادث حديث. الحل الناجع الوحيد الذي يحل المسألة من جذورها أن يجد بشار لديه من الشجاعة ما يكفي للاعتراف بأنه فشل في إدارة سوريا، واستمراره في الإدارة يعني آلاما طاحنة تحتاج إلى أكثر من «جنيف» لعلاجها.

الشرق الأوسط

النظام في فخّ «جنيف 2»… وأداء «الائتلاف» ينعش المعارضة/ عبدالوهاب بدرخان *

لم ينقص وليد المعلم، أو من كتب «خطبة الوداع»، سوى أن يقول: قصفونا بالكيماوي، قصفونا بالبراميل المتفجّرة، دمّروا المدن والبلدات… وبذلك تكتمل الاتهامات للمعارضة، لأن تسعين في المئة من الارتكابات التي أوردتها الخطبة هي التي مارسها النظام ضد السوريين، فإما أن التقارير اختلطت لدى الكاتب وإما أنه اعتقد أنه يستطيع خداع الخارج. لم يكن خطاب دولة أو حكومة، كان خطاب جماعة أو عصابة تدّعي أنها تمثل دولة سورية وشعبها، بل خطاب طرفٍ لم يكن يحبذ اطلاقاً أن يوجد حيث تقاسمه المعارضة كطرف آخر تمثيل سورية وشعبها.

جاء وفد النظام لينشر الحقد ويجهر بالوعيد للدول الداعمة للمعارضة، دافعاً بالاستفزاز الى أقصاه علّ شيئاً يحصل فتُنسف الجلسة ويتأجل كل شيء بل يُعاد التفاوض عليه، وبذلك يكسب بعضاً إضافياً من الوقت. لكنه تُرك يقول ما عنده مهما كان متمادياً، لأن الأهم أن يدخل التفاوض على «نقل السلطة»، أي على «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة»، وهو ما سيرفضه ويقاومه بكل شراسته الأمنية، وقد فعل مع بدء المفاوضات، غير أنه لا يستطيع ترهيب أحد في جنيف ولا يفيده «الشبيحة»، وعليه أن يتعاون في ايجاد حل سياسي ينهي حكمه عملياً. فالأمر منذ الآن يتعلّق بمستقبل سورية، وليس بمستقبل النظام. ولذلك فاللعبة واضحة: بمقدار ما تتقدّم المفاوضات في بلورة الحكم الانتقالي تقترب المعارضة من تحقيق أهدافها. وبمقدار ما يتمسّك الطرف الآخر بـ «الأسد والنظام كخطٍّ أحمر» بمقدار ما يعرقل المفاوضات ويستعصي الحل بل يستحيل.

حتى لو تأخر الحل، فإن «جنيف 2» هو إطاره والمكان الذي سينبثق منه. سواء تلكّأ النظام في التنازل أو بالغت المعارضة في شروطها، يحتاج الطرفان الى هذا الحل وعليهما أن يصنعاه معاً، بالشروط التي أصبحت معروفة، أو أنهما يتعرّضان لتدخل الثنائي الأميركي – الروسي. والمنطق يقول إنه ما دامت عملية جنيف قد بدأت، وما دام ثلاثي النظام وإيران وروسيا لم يتمكّن من فرض «محاربة الارهاب» على الأجندة، فإن ضغوط الدولتين الكبريين ستتعلق بما يجرى البحث فيه، أي آليات «نقل السلطة»، وهذا في مصلحة المعارضة التي ستكون لديها مشكلات كثيرة مع التفاصيل. غير أنها أيضاً مشكلات للنظام نفسه، فمن الواضح أنه وقع أخيراً في عملية لا يتحكّم بخيوطها ولا يسيطر على مسارها ولا يمكنه وحده فرض نتائجها. بالطبع يستطيع تخريب العملية برمّتها، وإذا نجح في ذلك، يزداد غرقاً وخسارةً.

ربما اتضح الآن أكثر لماذا توجّب وضع شرط مسبق على ايران كي تُدعى الى جنيف. فهذا المؤتمر ثمرة التفاهم الاميركي – الروسي الذي انتج اتفاقاً على تدمير السلاح الكيماوي للنظام، وتبنّى مجلس الأمن هذا الاتفاق في صيغة قرار هو الوحيد الذي استطاع المجلس إصداره في شأن سورية خلال ثلاثة أعوام وحمل الرقم 2118. ولكي يبدو القرار متوازناً، اضطر الاميركيون والروس الى وضع نص بيان «جنيف 1» في صلبه. ومنذ لحظة صدوره، أدرك النظام أن حل أزمة السلاح الكيماوي الذي اعتبره خشبة خلاص له أصبح متلازماً مع الحل السياسي، وحاول إيجاد ثغرات في القرار يمكن أن تخدم بقاءه في السلطة، كأن يماطل في تسليم مخزونه، أو أن يسعى لدى موسكو كي تؤجل الشق السياسي الى ما بعد الانتهاء من تدمير أسلحته الكيماوية.

لكن ايران هي التي وجدت له المنفذ، بالذهاب مجدداً الى حسم عسكري تعتقده ممكناً في ضوء خططها وحساباتها، وبسبب إحجام الدول الداعمة للمعارضة عن تسليح فصائلها العسكرية. والأرجح أنها ستضغط أكثر في اتجاه هذا الحسم بعدما حُرمت من حضور مناسبة دولية كانت فرصة ديبلوماسية عزيزة عليها. لكن إصرار الولايات المتحدة على أن تعلن ايران موافقتها على بيان «جنيف 1» لم يكن مجرد شرط تعجيزي مسبق، بل انطلق من معطيات سياسية محدّدة، أهمها أن روسيا نفسها توافق على ذلك البيان على رغم أن تفسيرها العلني له يختلف عن التفسير الاميركي الذي يرجّح تنحّي الاسد. لذلك لم يكن هناك داعٍ لأن تتحايل ايران كي تحضر وهي تجهر بعدم التزامها «نقل السلطة»، بل تعمل علناً على متابعة الحرب تحقيقاً للحسم، إلا اذا تغيّرت حساباتها.

لم تصمد ورقة «محاربة الارهاب» في يد النظام ولم يجد سبيلاً الى تسويقها. ثمة سببان، أولهما أن قوات المعارضة بادرت الى محاربة عناصر تنظيم «داعش»، والثاني أن الـ 55 ألف صورة لـ 11 ألف شخص قتلوا تحت التعذيب والتي كُشفت عشية المؤتمر سلّطت الضوء على «ارهاب النظام». ولا شك في أن مضمون خطاب وفده في مونترو ساهم في «تطفيش» من يمكن أن يتحمّس لدور للنظام في محاربة الارهاب. ولا أحد ينكر وجود مجموعات ارهابية في سورية، ولا ضرورة مساهمة الجميع في ضربه، أما الاعتماد على النظام فمسألة اخرى. أكثر من ذلك، لم يغب عن أذهان ممثلي الدول المشاركة أن هناك، على العكس، دوراً للنظام في زرع هذا الارهاب كرافد له في حربه على معارضيه. فالوزير الاميركي جون كيري وصف استمرار الأسد في منصبه بأنه صار بمثابة «مغناطيس» جاذب للإرهاب.

وإذ أظهرت بدايات التفاوض أن النظام يستخدم ورقة الارهاب ليتفادى ورقة «نقل السلطة»، على رغم أن المواقف الدولية بيّنت له الى أي حدٍّ لم يعد مؤهلاً لوضع نفسه في السياق الدولي لمحاربة الارهاب، فهذه قد تكون أولى أولويات الحكم الانتقالي، وبعد تسلّمه ادارة الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات.

خلافاً لتوقعات الكثيرين، بدا أداء وفد «الائتلاف» المعارض متناسباً مع المهمة الصعبة التي خطا اليها بكثير من الحذر والشــــكوك. قد يكون «الائتلاف» ارتكب أخطاء في مســـيرته، لكنه أثبت أنه لم يذهب الى جنيف للارتجال، بل إن اللجان التي انكبّت على ملــفات نقل السلطة استعدّت جيداً لهذه اللحظة، حتى أنها وضعت لكل استــحقاق مــتوقع أكثر من سيناريو واقتراح. لذا لم يُفاجأ وفد المعارضة بضرورة البحث في اجراءات لـ «بناء الثقة»، بل اندفع اليها علّه يفلح أخيراً في اختراق حصار حمص وإغاثة سكان لا يزالون فيها، وبدا طرحه أكثر واقعية من خطة عرضها النظام قبل اسبوع في موسكو لوقف النار وإدخال مساعدات الى بعض مناطق حلب. ويتصرّف مفاوضو المعارضة بمزيج من التصلب في المسائل المبدئية ومن البراغماتية في كل ما يخفف المعاناة الانسانية. هذا لا يعني أن المفاوضات ستكون سهلة في أيٍ من مراحلها وملفاتها، لكن الأكيد أن «جنيف 2» فتح المعركة السياسية على النحو الذي لم يرغب به النظام ولا ايران، لكنهما سيواصلان المراهنة على أن موازين القوى على الأرض هي التي ستتحكّم بالحل.

في الداخل كما في الخارج استشعرت فصائل المعارضة، بمدنييها وعسكرييها، أن «الثورة» اكتسبت دينامية جديدة، وأنه كانت هناك مصلحة في الذهاب الى جنيف. يكفي أنه بات لدى النظام ما يخفيه بالنسبة الى مواقفه. فرئيس وفده المفاوض يبلغ الأخضر الابراهيمي قبول بيان «جنيف 1» أساساً للتفاوض، ووزير إعلامه يقول إن مسألة «هيئة الحكم الانتقالي» غير قابلة للتفاوض. وسيكون هناك المزيد من هذا التخبّط في القادم من الأيام، في انتظار أن يجد الأسد والإيرانيون وسيلةً لدفع المفاوضات الى الهاوية، تحديداً من طريق التصعيد العسكري.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

لا أمل في “جنيف 2″ دون تغيير روسي وضغوط أميركية جدية/ صالح القلاب

 المفترض أن المناورات والألاعيب التي لجأ إليها وفد نظام بشار الأسد إلى «جنيف 2»، والتي بدأت بعدم التزام وليد المعلم بالوقت المحدد لكلمات المتحدثين، لم تفاجئ أحدا، بمن في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة والأميركيون والروس وكل من حضر هذا الاجتماع أو تابعه عن بعد، فهذا النظام، إنْ في عهد الوالد وإنْ في عهد الابن، اشتهر بهذه الأساليب الملتوية التي برع فيها، كما هو معروف، نائب الرئيس ووزير الخارجية السابق الأستاذ عبد الحليم خدام (أبو جمال) قبل أن يكتشف أنه وضع على جدول التصفيات ويغادر بلده لا يلوي على شيء، وحيث أصبح لاجئا سياسيا في فرنسا.

لقد بقي حافظ الأسد يمارس سياسة الابتزاز والألاعيب، التي برع فيها عربيا ودوليا، على مدى سنوات حكمه التي تجلت ليس بأبهى وإنما بأسوأ صورها في لبنان الذي احتله احتلالا مباشرا ورّثه من بعده لابنه الرئيس الحالي، وهذا من المفترض أن كل الذين تعاطوا مع هذه الأزمة السورية التي بقيت مستمرة ومتصاعدة على مدى السنوات الثلاث الماضية يفهمونه ويدركونه ويضعونه في حسبانهم وهم يحاولون وضع حد لهذه المأساة التي في ضوء ما جرى في «جنيف 2» يبدو أن نهايتها لا تزال بعيدة، وأن هناك مستجدات ستكون بالغة الخطورة.

 إن ما فعله وليد المعلم في الجلسة الافتتاحية وما أبداه أفراد الوفد الذي رافقه إلى هذا الاجتماع خلال كل الجلسات التي عقدت من دون إحراز ولو بمقدار قيد أنْملة من التقدم والنجاح كان مخططا له سلفا؛ فالرئيس بشار الأسد الذي نصحه الروس بضرورة الحضور وعدم الاستنكاف أصدر تعليماته القاطعة المانعة إلى وزير خارجيته المطيع دائما وأبدا بأن عليه أن يبقى يلف ويدور، وأن يبقى يداور ويناور، وأن يستمر في محاولات حرف «جنيف 2» عن مساره المستند إلى بيان «جنيف 1» وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 الذي صوت عليه الروس والصينيون والتزموا به.

وهكذا فقد اتضح أن لعبة هذا النظام الذي اشتهر بالتزييف السياسي وبالألاعيب والمناورات كانت تقضي، وهذا ما حصل فعلا، بأن يبقى وفده يماطل وأن يواصل التهرب من مناقشة استحقاق: تشكيل الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة التي نص عليها بيان «جنيف 1»، وأن يستمر في استنزاف الوقت بينما تلجأ قواته في الوقت نفسه بالتصعيد على كل الجبهات ليظهر أنه يفاوض من موقع التفوق والقوة وليعطي الانطباع بأن أقصى ما يمكن أن «يعطيه» هو تشكيل حكومة مشتركة من «جماعته» ومن المعارضة الداخلية تكون تحت إشرافه وتأتمر بأوامره وتشكل مجرد «فسيفساء» ديكورية لنظامه وحكمه.

 وهنا فإن ما يعزز أن هذا النظام لا يمارس سياسة جدية وجادة وإنما مجرد مناورات وألاعيب سياسية أنه لجأ، إنْ عشية اجتماع «جنيف 2» وإنْ بعد ذلك، إلى تأخير عملية التخلص من أسلحته الكيماوية وفق الخطة الدولية التي جرى إبرامها تحت التهديد والوعيد والضغط الشديد، وهذا ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وما شكا منه، وما قد يؤدي إلى العودة للتلويح بالضربة العسكرية إنْ لم يتخلَ بشار الأسد عن ألاعيبه ومناوراته هذه التي بالتأكيد سيدفع ثمنها غاليا في النهاية.

 لقد اتضح منذ الجلسة الأولى ومنذ أنْ تمرد وليد المعلم وأعطى لنفسه ثلاثة أضعاف الوقت الذي حدده الأمين العام للأمم المتحدة لكل واحدة من الكلمات الافتتاحية، أن هذه المفاوضات ستكون فاشلة وأنها لن تؤدي إلى أي نتيجة إنْ لم يتدخل الأميركيون والروس، الذين كانوا ينخرطون في مفاوضات جانبية هي المفاوضات الحقيقية في حقيقة الأمر، ويمارسوا ضغطا جديا على بشار الأسد ويفهموه أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 المستند إلى بيان «جنيف 1» سوف ينفذ وأن الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة سيجري تشكيلها، وأن عليه ألا يفكر على الإطلاق في الترشح لانتخابات رئاسية جديدة.

 إن هذا النظام لا يفهم إلا القوة، ولذلك فإنه سيبقى يناور ويداور، وسيبقى يتلاعب بعامل الوقت ما لم يواجه بالتهديد الذي واجهه قبل سحب قواته خلال ساعات قليلة فقط من كل الأراضي اللبنانية في عام 2005 وما لم يواجه بالتهديد الذي جعله يلتزم صاغرا بقرار مجلس الأمن الدولي ويبادر إلى تسليم كل أسلحته الكيماوية ليجري تدميرها والتخلص منها بالصورة الجارية الآن.

إنه من غير الممكن أن يذعن بشار الأسد لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 ويوافق على تشكيل الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة، التي يعني تشكيلها نهاية مؤكدة له ولنظامه وحكمه، ما لم يتعرض لضغط جدي أولا من قبل الولايات المتحدة، وثانيا من قبل روسيا الاتحادية، أو من كلتيهما معا، فهو يعد، وهذا صحيح كل الصحة، هذه المسألة مسألة حياة أو موت، وأنه إن هو غادر كرسي الحكم فإنه سيذهب توا إلى شبك الاتهام في محكمة الجنايات الدولية إنْ بسبب علاقته التي غدت مؤكدة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والاغتيالات التي قبلها وبعدها، وإنْ بسبب المجازر البشعة التي ارتكبها بحق عشرات الألوف من أبناء الشعب السوري التي غدت موثقة من قبل هيئات دولية كثيرة.

 وحقيقة أن هذا القرار، أي قرار إلزام بشار الأسد بالقبول بتشكيل الهيئة الانتقالية المشار إليها آنفا، هو بيد الروس الذين أبدوا بعض المرونة تجاه هذا الأمر في الفترة الأخيرة والذين إنْ همْ عادوا إلى مواقفهم السابقة، التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، فإن الوضع سيتجه إلى المزيد من التعقيد، ولذلك فإنه لا بد من أنْ تتصرف الولايات المتحدة، ومعها الدول الأوروبية، وبسرعة التصرف الذي تفرضه عليها مكانتها الدولية ومصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة والمناطق المتاخمة، والذي يحافظ على وحدة سوريا ويحول دون «خيار» إقامة دولة علوية سيؤدي قيامها إلى نشوب حروب طائفية قد تستمر لعشرات السنوات.

 إن هذا جانب، وأما الجانب الآخر فهو أنه على «الائتلاف» وعلى المجلس الوطني وعلى أصدقاء سوريا كلهم، وفي مقدمتهم الدول العربية المعنية، المسارعة لوضع حد لهذا التشرذم المؤسف حقا في صفوف المعارضة السورية، فالقادم، كما هو واضح، سيكون أسوأ وأخطر كثيرا من كل ما جرى خلال السنوات الثلاث الماضية، ولهذا فإنه ما لم توحد هذه المعارضة صفوفها وإنْ على أساس برنامج الحد الأدنى، فإن كل هذه التضحيات ستذهب هباء، وإن سوريا ستنتهي إلى التشظي والتقسيم لا قدر الله جل شأنه.

 يجب أن تتخلى كل هذه الفئات وكل هذه التشكيلات عن أنانياتها وأيضا عن ارتباطاتها الخارجية، وتلتقي على برنامج الحد الأدنى وتحول الجيش الحر إلى جيش وطني فعلي بتشكيلات منضبطة وبقيادة عسكرية واحدة تمتلك الصلاحيات الكاملة، وإلا. ويجب أن نقول هذا بكل صراحة وصدق، فإن هذه الفرصة التاريخية ستضيع حتما، وإن كل هذه الدماء الزكية التي سالت ستذهب هباء وهدرا، وإن أرواح عشرات الألوف من الشهداء سوف تلْعن من تسبب في إضاعة هذه الفرصة التاريخية.

 ثم إنه لا بد من تحويل الحكومة الحالية التي شكلها «الائتلاف الوطني» وبسرعة، إلى حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها إنْ لم يكن كل القوى السياسية والتشكيلات المعارضة، فأغلبها، وتتمثل فيها أيضا بعض أطراف وبعض رموز المعارضة الداخلية، وكل هذا بالإضافة إلى ما يدعى الأقليات القومية والدينية والمذهبية، وفي المقدمة الطائفة العلوية التي لا شك في أن فيها الكثير من المغلوبين على أمرهم والكثير من الرموز الوطنية والقومية التي ترفض استبداد هذا النظام وحكمه العائلي وانحرافه، وترفض كل هذا الدمار والخراب الذي ألحقه بسوريا.

الشرق الأوسط

سوريا على طريق البوسنة إذا فشل «جنيف!/ هدى الحسيني

 الهدف الرئيس المعلن لمؤتمر «جنيف 2» كما شرحه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، هو إنهاء الحرب الأهلية والتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة المتجذرة في سوريا منذ شهر مارس (آذار) 2011. لكن احتمالات النجاح ضئيلة للغاية. الانطلاق هو من وثيقة مؤتمر «جنيف 1» التي يختلف طرفا المفاوضات على تفسيرها. أهمية وثيقة «جنيف 1» أنها الوثيقة الوحيدة التي اتفقت حولها الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، إضافة إلى دول أخرى.

 بعد افتتاح المؤتمر، بدأت المفاوضات بين وفد الحكومة السورية ووفد الائتلاف الوطني المعارض، ورغم خبرة الوسيط الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي فإن المفاوضات بين الطرفين ظلت هشة وقد تنهار في أي لحظة.

 الوفد الرسمي، وقبل البدء بالمفاوضات السياسية، أراد – كما يقال – أن يأتي «من فوق»، فقدم ورقة تنص على نبذ التعصب والتكفير واحترام سيادة سوريا واستعادة أراضيها وحق الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي.

 المعروف عن المفاوضين السوريين شطارتهم، بأن يأخذوا الطرف الآخر إلى البحر والعودة به عطشان. اعتقدوا في «جنيف 2» أن يقفزوا على «جنيف 1»، ولما رفض الائتلاف، أطلق الوفد الرسمي العنان لأسلوبه المعروف بقوله: «إن الورقة التي جرى تقديمها لا يمكن لأي سوري شريف يفتخر بسوريته ويحب وطنه أن يرفضها». عدنا إلى إدخال الشرف في المزايدات.

 الفريقان دخلا القاعة، وكل ينظر إلى ساعته؛ متى تحين ساعة الانتهاء. روسيا ضغطت على دمشق، والأميركيون هددوا المعارضة بقطع المساعدات عنها إذا لم تحضر. لكن الفريقين يعتقدان إمكانية الحسم العسكري، رغم توافق كل المراقبين العسكريين على عدم قدرة أي منهما على إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر.

 وكان تردد في كواليس قاعات المفاوضات بجنيف، أنه إذا حصل ووافق الائتلاف الوطني على دعم وقف إطلاق النار من دون أن يشترط رحيل الأسد، فإن وزير الخارجية السوري وليد المعلم لديه تفويض بعرض حقائب وزارية على الائتلاف، لا تتضمن أي وزارة استراتيجية. ومن بين تلك الوزارات: الزراعة، الري، الثقافة، النقل، الصناعة والاتصالات.

في هذا الوقت، تحولت ساحة المعركة إلى حرب استنزاف تتمتع فيها قوات الرئيس الأسد بالتفوق، لكنها غير قادرة على توجيه ضربة عسكرية حاسمة.

 في لقاء مصغر مع أحد القادة العسكريين الغربيين بلندن، رأى أن المعارضة في موقف أضعف مما كانت عليه في السنة الماضية، فاتفاق نزع الأسلحة الكيماوية أعاد النبض إلى شرايين النظام، وموازين القوى التي كانت تتأرجح على الأرض صارت في مصلحة النظام منذ منتصف عام 2012 عندما بدا كأن الثوار سيلحقون هزيمة بالقوات النظامية. إلا أن روسيا قامت بتعزيز الأسد عسكريا، وكذلك فعلت إيران ومقاتلو حزب الله، ومن جهتها صارت المعارضة عرضة للكثير من الانقسامات الداخلية في صراعها على السلطة، وبعدما ارتكبت الخطأ الجسيم باعتبارها «النصرة» و«داعش» في البداية جزءا من الثورة، واعترض معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف، على وضع الولايات المتحدة «النصرة» على قائمة الإرهاب، ثم كشف مقاتلو «النصرة» و«داعش» بالذات عن أهدافهم الحقيقية، وهي إقامة «الخلافة» التي تطلبت منهم ارتكاب جرائم بحق سكان الأراضي المحررة، وتوجيه أسلحتهم إلى الجيش السوري الحر. وتشعبت معارك المعارضة، ولا مجال لتعداد الألوية التي يقاتل بعضها بعضا. وكان الغرب بدأ يشتري حجة الأسد بأن كل المعارضة السورية فريق مختلط من الإرهابيين، فأعطاه القتال الداخلي دعما لادعائه أن المعركة الحقيقية في سوريا هي ضد «الإرهابيين» و«الخونة».

 ويضيف المصدر العسكري: «حقق النظام تقدما في دمشق وعلى الحدود السورية – اللبنانية، وحمص وضواحي حلب، أي المناطق التي يعتبرها ذات أولوية استراتيجية بنظره، وعليها ركز الهجمات العسكرية. في حمص وعلى الحدود مع لبنان، ساهم مقاتلو حزب الله في ترجيح كفة ميزان العمليات العسكرية لمصلحة النظام، كما أن الأسد استطاع المحافظة على وسط دمشق وحماه وإدلب والمدن الساحلية».

يبقى شمال البلاد الواقع تحت سيطرة الثوار والجماعات الجهادية، ومع ذلك حافظ النظام على وجود محدود له في بعض المناطق مثل الرقة ودير الزور. هدفه احتواء هذه المناطق في الوقت الحالي قبل محاولته في مرحلة لاحقة استعادة السيطرة الكاملة عليها. في الشمال الشرقي (حيث الأكراد)، فإن «الحزب الاتحادي الديمقراطي» عمّق قبضته على الأرض بالتعاون مع النظام، وأعلن الأسبوع الماضي تشكيل حكومة الحكم الذاتي، وأطلق على الشمال الشرقي لسوريا اسم «روجوفا» أي غرب بلاد كردستان.

 في دافوس وأثناء لقائه مديري شركات النفط العالمية، قال ممثل حكومة كردستان العراق: «سنعلن استقلال كردستان في السنوات الخمس المقبلة».

وحسب المصدر العسكري، فهناك حالة من عدم الاستقرار في جنوب سوريا وحلب، حيث من الصعب تقييم أي من الطرفين له اليد العليا. يبدو أن النظام قد اكتسب زخما في ضواحي حلب، لكن في الجنوب فإن الثوار يقوضون قبضة النظام على الحدود مع الأردن. ويبذل النظام كل ما في وسعه لبسط سيطرته على المدن، ومنع طرق الإمداد للمعارضة عبر الحدود مع الأردن ولبنان.

 الذي عزز قوة النظام، وسهل له تسجيل انتصارات تكتيكية على المعارضة، هو الدعم الخارجي الذي يحظى به في مختلف المجالات. حزب الله قوى النظام إلى درجة كبيرة في حمص وبالقرب من الحدود اللبنانية، في حين أن الثوار في شمال سوريا تلقوا الجزء الأكبر من الدعم عن طريق تركيا، وهم ركزوا على قصف أهداف استراتيجية مثل مرافق تخزين الأسلحة والمطارات، لكنهم يجدون صعوبة في السيطرة بسبب دأب النظام على محاولات استعادتها. كما أن تمدد الثوار تباطأ في الأشهر الأخيرة.

 ويضيف المصدر العسكري، أنه ورغم أن النظام لديه ميزات عسكرية بما فيها التفوق الجوي والتكنولوجي، فإن هذا لا يعني أن النصر الحاسم بانتظاره، فهو أصبح يعتمد بشكل متزايد على حزب الله وإيران اللذين ينظران إلى سوريا كجسر جيو – استراتيجي بينهما، ومع دعمهما قد يحقق النظام مزيدا من المكاسب في المناطق التي تدخل في أولوياته الاستراتيجية، لكن النصر العسكري الحاسم سيظل بعيد المنال، لهذا فإن «جنيف 3» سيتحدد لاستكمال طريق الحل الدبلوماسي، حتى ولو لم يؤد «جنيف 2» إلا إلى تغيير القليل من التوقعات الأكثر تشاؤما.

 وفي ظل الإمدادات العسكرية الواضحة التي يتلقاها النظام، كانت لافتة جرأة الوفد السوري في جنيف، باعتراضه يوم الثلاثاء الماضي على تصويت الكونغرس الأميركي على تزويد المعارضة بأسلحة غير فتاكة. بثينة شعبان اتهمت واشنطن بأنها تدعم الإرهاب. فالعقلية المتحكمة في الوفد الرسمي هي التركيز فقط على مكافحة الإرهاب، أي إن كل من يصنفه النظام معارضا له يقع فورا في خانة الإرهاب، وفي المساء أطل فيصل المقداد على شاشة الـ«بي بي سي» ليدين هو الآخر الموقف الأميركي، وليضيف أن وفده يتطلع أيضا – كما طالب الائتلاف – إلى سوريا ديمقراطية وتعددية.

 الأميركيون يعرفون أن المفاوضات ستكون مملة وطويلة، والروس كذلك. هناك من يقول إن تعزيز المعارضة عسكريا هو خطوة أولى يجب أن تكون جزءا من استراتيجية سياسية أكبر. وبعض الأوساط تدرس اقتراحا لتقاسم السلطة في سوريا على نسق ما جرى في البوسنة، مع فيدرالية فضفاضة تشرف على مناطق الحكم الذاتي، للأكراد، والسنة والعلويين جنبا إلى جنب مع منطقة مركزية مختلطة قد تتطلب قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بهدف المساعدة على تهدئة التوتر والمخاوف. وبموجب هذه الخطة، قد يكون عندها للأسد دور، ليس لأنه يحق له ذلك، بل لأن المعارضة لا تملك الوسائل للإطاحة به.

 للتذكير في هذا المجال، فإنه تم يوم الثلاثاء الماضي في لاهاي استئناف محاكمة الصربيين راتكو ملاديتش القائد العسكري، ورادوفان كاراديتش الزعيم السياسي في البوسنة إبان الحرب الأهلية.

الشرق الأوسط

ما منطق الإبراهيمي؟!/ عبد الرحمن الراشد

 لم يفشل المبعوث الدولي وضابط إيقاع مفاوضات جنيف، الأخضر الإبراهيمي، في مطلب مؤتمر جنيف بتشكيل حكم انتقالي يخرج بموجبه بشار الأسد فحسب، بل فشل حتى في إخراج 400 طفل وامرأة محاصرين في حمص القديمة. ونحن نعرف أن فريق الأسد المفاوض جاء إلى سويسرا لتخريب المؤتمر، ونجح. لا شيء أفلح فيه الإبراهيمي الذي يقول إنه كان يحضِّر لعقد المؤتمر منذ شهر مايو (أيار) الماضي. وبالتالي، لا أدري إلامَ يستند في تركيزه على جمع الطرفين المتحاربين في غرفة، وهو يدرك جيدا أن من هو خارج الغرفة، أي الأسد، يستحيل أن يسمح بأي تنازلات، حتى لو كانت فتح ممر لفريق الصليب الأحمر لإنقاذ المحاصرين في حمص من عشرة أشهر، فما بالنا نتوقع من نظام الأسد أن يسمح لموظفيه في جنيف بأن يفاوضوا على فكرة خروجه من الحكم، بتشكيل حكومة ائتلافية من دونه؟!

 لقد أحرج وفد المعارضة السورية الأمم المتحدة، أكثر مما نجح في محاصرة وفد الأسد؛ ظهرت الأمم المتحدة مؤسسة هزيلة، وممثلها الإبراهيمي عاجزا عن تحقيق أقل شيء، واكتفى بطلب الدعاء له من كل متسائل مستغرب، ولو كان الدعاء وحده المطلوب لما احتجنا إلى الذهاب لجنيف، فمساجد العالم العربي تضج بالدعاء من ثلاث سنوات.

 جنيف كانت امتحانا لمؤسسة الأمم المتحدة، والدول الكبرى، للعمل على وقف المأساة السورية، وسقطت في الامتحان، ومضاعفات الفشل المزيد من تدهور الوضع في سوريا وتدهور أمن المنطقة. فالنظام السوري يمارس علانية محاصرة المدن، ولدى المنظمات الدولية، بما فيها التابعة للأمم المتحدة، رصد ضخم لعمليات القتل بالتجويع والحصار، وهي لا تفعل سوى أن ترجو من النظام أن يسمح لقوافل الإغاثة بالدخول. لدى الأمم المتحدة قائمة من أربعة آلاف شخص لإنقاذهم من الموت المحقق في حمص، وكل ما يفعله الإبراهيمي هو السعي لإقناع النظام والمعارضة بالجلوس في غرفة واحدة! يبدو وكأن الهدف منه إطعام الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات المبعوث الأممي والتقدم المأمول!

 نحن لم نأمل كثيرا، كنا ندرك قبل أن يسافر أحد إلى سويسرا أنه لن ينجح، إنما ليكن مؤتمر جنيف شاهدا، ليس على الأسد، لأن حرب الإبادة التي يمارسها شاهدة عليه، بل شاهدة على الإبراهيمي والأمم المتحدة والفريق الدولي المنخرط في العملية السياسية في القضية السورية.

 سيقول الإبراهيمي إنه لا يستطيع أن يفرض أمرا على الفريقين المتقاتلين، ونحن لا نطالبه بالمستحيل، مثل إيقاف القتال وإخراج نظام الأسد، بل نلومه على تقاعسه في الموضوع الإنساني، وعدم حشد موقف سياسي، لصالح إنقاذ المحاصرين وجعلها قضية رئيسية لا تسامح معها. النظام السوري أذل الإبراهيمي وليس المعارضة. وزير إعلام الأسد الزعبي قال له، إن مطلب السماح بإخراج 500 عائلة محاصرة هي لعبة سياسية. لم يقل الإبراهيمي شيئا يستحق أن نذكركم به عن هؤلاء الناس الأبرياء! إنه يريد إخراج الأسد في حين لا يستطيع إخراج الأطفال الجوعى! أي منطق وأي أولويات؟

الشرق الأوسط

جنيف: حوار روسي أميركي لحفظ ماء الوجه/ أحمد زكريا

 سبعة أيام مرت على انطلاق أول لقاء بين النظام السوري والمعارضة السورية في جنيف. لم يتغير شيء. حتى المبعوث الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي، اعترف في مؤتمره الصحافي اليومي، أن التطلعات لم تكن أكثر مما تحقق حتى الآن. اعتراف الإبراهيمي يأتي بعكس التفاؤل الذي كان يبديه الرجل خلال الأيام الماضية، إذ خفضَ سقف الآمال من التوصل إلى بداية حل سياسي أو إعلان فشل المحادثات، على الأقل، إلى شغل كل الوقت السابق بالمسألة الإنسانية، التي لا يبدو أنها أيضاً ستشهد انفراجات قريبة.

الجلسة الصباحية بين الطرفين، حضرها الإبراهيمي كالعادة، باعتباره وسيطاً يتخاطب الطرفان عبره. وجرياً على العادة التي اتبعها الوفدان السوريان منذ انطلاق المفاوضات، بدأت التصريحات الإعلامية، متجاوزة رغبة الإبراهيمي وتوصياته التي كررها مجدداً، في الحفاظ على سرية ما يحصل داخل الجلسات.

الناطق باسم الائتلاف السوري لقوى المعارضة، وعضو وفد الائتلاف المفاوض، لؤي صافي، قال في مؤتمر صحافي، عقده عقب الجلسة الأولى، الأربعاء، إن المحادثات “حققت تقدماً”، وناقشت هيئة الحكم الانتقالي، مشيراً إلى أنهم سيحددون في الأيام القليلة المقبلة، حجم الهيئة وعدد أعضائها ومهامها ومسؤولياتها وآلية عملها وعلاقتها مع مؤسسات الدولة.

 لكن تفاؤل الصافي تبدده تصريحات المستشارة السياسية، للرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، التي أكدت على أن  “المحادثات كانت إيجابية اليوم”، لكن ليس وفقاً لما قاله الصافي، بل “لأننا تحدثنا عن الإرهاب”.

 وأضافت شعبان “الفارق الوحيد بيننا وبينهم، وهو فارق كبير في الواقع، هو أننا نريد أن نناقش “جنيف 1″ فقرة فقرة، ابتداء من الفقرة الأولى، أما هم فيريدون أن يقفزوا إلى الفقرة التي تتحدث عن الحكومة الانتقالية، إنهم مهتمون بأن يكونوا في الحكومة فقط، لا بوقف هذه الحرب المروعة”.

وقالت مصادر لـ”المدن” إن الوفد الحكومي، غير مخول باتخاذ أي قرار أثناء الاجتماعات، ويظهر ذلك من خلال طلب أعضاء الوفد الدائم، في الجلسات، إعطاءهم الوقت من أجل نقاش ما تطرحه المعارضة وهو ما أدى إلى إلغاء جلسة الثلاثاء المسائية. وترجح المصادر أن تكون مثل هذه النقاشات تجري بين الوفد والقيادة في دمشق لإطلاعها على ما يجري داخل القاعة.

 من جانبه، بدا ان عضو الائتلاف المعارض، برهان غليون، من خلال حديثه لـ”المدن” قد سبق الإبراهيمي في تضاؤل الآمال، إذ قال “لم نتقدم كثيراً ولن نتقدم”.

وأضاف “هنالك قضيتان جوهريتان، الأولى قضية الدفاع عن التحول الديموقراطي في سوريا، والثانية أن النظام يصر على بقائه وعلى بقاء السلطة بيده”.

 من جهتها، تؤكد عضو الوفد المعارض، ريما فليحان، لـ”المدن” ما قاله الصافي، وتضيف “اليوم بدأنا فعلياً بعملية المفاوضات السياسية من خلال بنود جنيف واحد وقرار 2118 (الصادر عن مجلس الأمن والقاضي بتفكيك الترسانة الكيماوية السورية)”.

 وأضافت فليحان “أستطيع القول إننا اليوم بدأنا جدياً بما كان يجب علينا أن نبدأ به منذ اليوم الأول، ولكن النظام عاد ليناقش موضوع الإرهاب ولم يبدِ أي جواب تجاه الأسئلة المطروحة من قبل وفد الأمم المتحدة”، مشيرة إلى أن المفاوضات ستستمر حتى يوم الجمعة المقبل، لتستأنف لاحقاً والتقديرات أن المدة اللازمة لذلك، عشرة أيام.

 وحول الأنباء التي تحدثت عن جلسات تفاوضية تعقد في العاصمة السويسرية برن، بالتوازي مع المفاوضات في جنيف، بين ممثلين عن المعارضة والنظام السوري، قالت فليحان “ليس هنالك أي مفاوضات أخرى جانبية تجري في أي منطقة في العالم”.

ولكن، مصادر مطلعة، قالت لـ”المدن” إنه خلال جلسة خاصة، عقدت الثلاثاء، بين السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، وعدد من الصحافيين، قال فورد إن اجتماعات تجري بين الجانبين الأميركي والروسي، في جنيف، تقودها الولايات المتحدة للضغط على الوفد الروسي المرابط في جنيف. وأضافت المصادر، أن الهدف من هذه الاجتماعات هو الضغط على النظام السوري من قبل حليفه الروسي، من أجل حفظ ماء الوجه، أو خرق روتين الجلسات التفاوضية، في ما يخص القضايا الإنسانية على الأقل.

المدن

جنيف 1 من آخره…/ وليد شقير

ما هي وسيلة الإلهاء وربح الوقت التي ستعتمدها موسكو وواشنطن من أجل إطالة المفاوضات الجارية في إطار «جنيف- 2» قبل أن يأتي التوقيت المناسب لحسم الموقف الدولي بتوجهاته الحازمة لإحداث تقدم على طريق حل الأزمة السورية؟

السؤال فرض نفسه على متابعي المحادثات الجارية في جنيف بين وفدي النظام السوري والمعارضة بإشراف الممثل الخاص للأمانة العامة للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، والتي كشفت الأيام التسعة الماضية من وقائعها مدى غرقها في المناورات والألاعيب التي طغت عليها لمجرد أن الرعاية الدولية لهذا المؤتمر ضغطت على الفريقين ليحضراه، فموسكو أجبرت النظام على الحضور، الذي اقتضى منه التسليم بما دأب على التهرب منه، وهو استناد التفاوض إلى قرار «جنيف- 1» الذي يشكل قيام «هيئة انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية» جوهرَه، فالقيادة الروسية ملتزمة «جنيف- 1» في قرارات مجلس الأمن حول سورية، وآخرها القرار 2118 المتعلق بنزع السلاح الكيماوي السوري، والذي أعاد تبني بيان «جنيف- 1» في فقراته. وواشنطن ضغطت على المعارضة كي تحضر، متوسلة الدول الصديقة للمعارضة، وهددت بأن تخلفها عن الحضور سيحرمها من الدعم المتواضع الذي تقدمه لها.

حجة الدولتين العظميين لكل من الفريقين هي أن تكون لهما حرية طرح ما يرغبان فيه في تلك المفاوضات، لأنهما تريدان بدايةً ما لمسار الحل السياسي، الذي يشكل اتفاقهما عليه نقطة جوهرية في علاقاتهما. جل ما أنجزه التفاوض هو بعض الخطوات الإنسانية، بقبول النظام إدخال المساعدات إلى بعض المواقع المحاصرة، بعد مماطلة.

صحيح أن المعارضة السورية كسبت من حضورها المؤتمر أنها كشفت مراوغة النظام المعهودة وأظهرت أنه يلعب لعبة الوقت لمواصلة إجرامه الذي يسعى إلى تغطيته بادعاء محاربة الإرهابيين، إلى درجة أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري اضطر للقول إن هذا النظام يستخدم الإرهاب والتكفيريين «فزاعة» لأن استخباراته تدرك متى وأين وكيف استقدمهم وسلمهم مناطق بعينها بعد أن أخرج، بالتعاون مع الحكم في العراق، من السجون عدداً من قادتهم وعناصرهم. لكن الصحيح أيضاً، أن ما كسبته المعارضة إعلامياً وسياسياً ومعنوياً بحسن إدارتها المفاوضات، لم يمنع النظام من الإفادة من الوقت من أجل مواصلة المذبحة التي يمارسها على أرض سورية، بغية مواصلة الحل الأمني بموازاة تظاهره بالتفاوض على الحل السياسي، فهو لم يتزحزح عن أهدافه بإحداث تغيير ديموغرافي عبر تهجير المزيد من السوريين وعبر إحداث فرز سكاني، من طريق تدمير آلاف المباني السكنية من دون مسوغ عسكري، وعبر ارتكاب الجرائم المشينة والبشعة التي تبث الحقد في أعماق السوريين لاستدراج ردود الفعل وصولاً إلى إقناع الدول الكبرى أن الحل متعذر من دونه، وأن إعادة سورية إلى شيء من الاستقرار يتعذر من دونه.

يدرك المفاوضون الدوليون والإبراهيمي، أن تذرّع وفد النظام بضرورة تقديم بحث النقاط التي يتضمنها «جنيف- 1» ومكافحة الإرهاب على تشكيل الهيئة الانتقالية جزء من لعبة كسب الوقت، فالنقاط الواردة في قرار «مجموعة العمل الدولية من أجل سورية»، متعلقة بوقف العنف (ليس فيها كلمة إرهاب) وبالإفراج عن المعتقلين، وحرية التظاهر والتنقل، وإتاحة المجال للمنظمات الإنسانية للوصول إلى كل المناطق، والسماح بدخول الصحافيين… وتطبيق البنود الستة التي وضعها كوفي أنان، وهي النقاط التي تسبب رفض النظام تنفيذها عام 2012 باستقالة أنان وانسحاب بعثة المراقبين الدوليين من سورية صيف العام نفسه.

فلماذا إضاعة الوقت فيما النص على تشكيل الهيئة الانتقالية هدفه تطبيق هذه النقاط، مضافاً إليها قيادة حوار وطني وإعادة النظر بالنظام الدستوري والإعداد لانتخابات حرة؟

بات من الواضح أن تواضع أهداف «جنيف- 2» عند حدود «تأمين استمرارية التفاوض» بات له مرادف وحيد هو استمرارية بشار الأسد والبراميل المتفجرة والمجازر، على رغم قول واشنطن ودول الغرب بأن لا دور للأسد في مستقبل سورية.

وإذا كانت الحجة هي أن المجتمع الدولي ما زال في حاجة إلى تعاون الأسد من أجل تنفيذ الاتفاق على التخلص من الكيماوي، فإن قول مصدر في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية إن دمشق لم تسلّم إلا 5 في المئة من مخزونها الكيماوي، يكفي لكشف اللعبة.

لربما بات على المعارضة أن تطلب من الرعاة الدوليين أن يناقشوا البند الذي ينص على أن «المجتمع الدولي على استعداد لتقديم دعم كبير لتنفيذ الاتفاق الذي يتوصل إليه الأطراف ويمكن أن يشمل وجود مساعدة دولية بموجب ولاية من الأمم المتحدة إذا طُلب ذلك…». في قرار «جنيف-1»، بعد إبلاغ الإبراهيمي وموسكو وواشنطن أن الاتفاق متعذر مع النظام، وبالتالي المطلوب تطبيق الشق الثاني من الفقرة بإرسال قوات دولية تشرف على تنفيذ القرار، فليُقرأ القرار من آخره بدلاً من أوله.

الحياة

من جنيف إلى الحكومة… فالمفْتَرق!/ الياس الديري

لم يكن متوقّعاً لا في جنيف، ولا في واشنطن، ولا في موسكو، ولا حتى في بيروت، توصّل فريق المعارضة السوريّة ووفد النظام إلى أيّ نوع من الاتفاقات، أو التفاهمات الأوليّة.

فالمطلوب بالنسبة إلى المعارضة هو النظام برمّته والبحث في كيفيّة إدارة المرحلة الانتقاليّة، فيما كان همّ ممثّلي النظام تبشير المؤتمر، والمعارضة بصورة خاصّة، والأمم المتحدة، وأمم الأرض بأن مصير الرئيس بشار الأسد “يقرّره الشعب السوري”… لا مؤتمرات جنيف.

الأخضر الإبرهيمي كان بدوره يُلامس هذه “الحقيقة” التي يتمسّك بها فريق الرئيس السوري، والتي تجعل مؤتمر جنيف أقرب إلى الملْهاة، وأبعد من أن يُحرز أي تقدّم في المدى المنظور.

أما أساطين السياسة ومتابعو التطوّرات السوريّة الكارثيّة، فإنهم يعتقدون أن أوان الحلّ في سوريا لا يزال بعيداً، وليس في إمكان مؤتمرات كهذه تحقيق أي إنجاز… فيما براميل الموت والدمار تواصل “نشاطها” الذي تحوّلت “بفضله” مدن تاريخيّة أثراً بعد عين.

ويكاد هذا الواقع المأسوي يقول لجنيف، ولنيويورك وواشنطن وموسكو وعواصم الأرض، إن الحوار الوحيد الذي يعتمد عليه النظام السوري هو حوار البراميل.

فضلاً عن ذلك، إن التشكيك متبادل بين فريقي المؤتمر. ومن كل النواحي. والتباعد يتزايد أكثر فأكثر. وكلما تحدّث المعارضون عن العنف والبراميل والدمار والجثث والتشرّد، يطرح فريق النظام ملف “الإرهاب”. ومن منطلق أن جيش النظام وطائراته وبراميله تحاول ردع الإرهاب وتنظيماته المتعدّدة الاسم والهدف. ناهيك بالأصوليين والتكفيريين وسواهم.

هذا على صعيد جنيف و”حرب البراميل” الناشطة على امتداد الجغرافيا السوريّة، فماذا عن التداعيات والذيول والانعكاسات “الأخويّة” على الوضع اللبناني؟

لأن لبنان صغير في مساحته، ومتعدّد الانتماء والطائفة والولاء والارتباط، “أنعمت” عليه الحرب السوريّة بالكثير من المستجدّات و”المواد” التي من شأنها مضاعفة القلاقل والفوضى والأخطار والمحاذير التي تُحاصره من الجهات الأربع.

من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التطلّع إلى مرحلة انفراج أو تغيير، أو استعادة أي معْلَم من معالم الحياة الطبيعيّة، ما لم يحصل في سوريا شيء يُقارب بتأثيراته حجم الأعاجيب.

… بما في ذلك تأليف حكومة جديدة يناضل الرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلّف تمّام سلام في سبيلها منذ عشرة أشهر.

وإذا ما بقي توزيع الأدوار على النحو المشهود، الذي لا يختلف عن المخمَّس مردود، فقد يُدركنا الاستحقاق الرئاسي الذي يُعتبر المفترق التاريخي للوضع اللبناني، الواقف على شفير الهاوية.

إنها ِ”الارتباطات” التي تجرّد لبنان من إرادته واستقلاله وسيادته.

النهار

التفاوض في الوضع السوري أصعب من “النووي”/ ثريا شاهين

تعقد الدول الست المعنية بالتفاوض الغربي مع إيران اجتماعات في ما بينها، تحضيراً للقاءات المرتقبة مع إيران، من أجل الإعداد لإطار اتفاق نهائي بين الطرفين من أجل إزالة البرنامج النووي الإيراني. المرحلة المقبلة دقيقة بالنسبة إلى إيران، وما يمكن أن يكون لهذه الاستعدادات من انعكاسات على أوضاع المنطقة وملفاتها المفتوحة, وفي مقدمها الملفان اللبناني والسوري.

في العشرين من كانون الثاني الحالي بدأ العمل بمهلة الأشهر الستة من تنفيذ الاتفاق الأولي الموقّع بين الفريقين، وهو يطبّق الآن بحسب خطة تنفيذية وضعت أخيراً. وعلى هذا الأساس رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعض العقوبات التي كانت مفروضة، وذلك في إطار تبادل تطبيق ما هو مطلوب من كل من إيران والغرب. وسيجري في نهاية الأشهر الستة تقويم ما إذا كان الاتفاق قد جرى تنفيذه بشكل دقيقٍ وكافٍ. والإعداد للاتفاق النهائي مرتبط بصورة أساسية بتطبيق الاتفاق الأولي. فإذا جرى تنفيذه بالكامل سيصار إلى وضع الاتفاق النهائي موضع التنفيذ ويكون بعد ثلاثة أشهر قد تبيّن مسار التنفيذ لكي يتم تزخيم العمل لإعداد الاتفاق النهائي. وإذا لم يتم التطبيق بالكامل، قد يتم تمديد تنفيذ الاتفاق الأولي لأشهر ستة جديدة. وأي خيار لا بد أنه يتوقف على تنفيذ الأولي، لا سيما وأنّ هناك مراقبة غربية إذا ما كان التنفيذ سيتم بشكل سريع وسلس، ومن دون مشكلات.

وتفيد المصادر الديبلوماسية البارزة أن الاتفاق الغربي الإيراني خلق إيجابيات وتهدئة على مستوى الملفات كافة. إنّما المباحثات الغربية الإيرانية لا تزال محصورة بالملف النووي، ولم تتطرّق حتى الآن إلى ملفات المنطقة ولا إلى أي مسألة أخرى. التهدئة موجودة لكن في كل ملف في المنطقة قضايا تفصيلية ومعقدة، نظراً إلى تداخل مسائل عدة.

وتؤكد المصادر أن التفاوض في الموضوع السوري أصعب من التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني. وهذا ما ينطبق على مسألة الإرهاب التي باتت جزءاً أساسياً من الملف السوري.

ورجّحت المصادر، في حال توصل الفريقان السوريان الى اتفاق أو شبه اتفاق أولي، أن تنصبّ الجهود بينهما على ضبط الإرهاب. ذلك أنّه كلما استعرت الحرب السورية كلما كان الأمر مساحة واسعة للإرهاب، وكلما خف الاقتتال الداخلي كلما تراجعت البيئة الحاضنة لهذا الإرهاب، وقد يتم التنسيق بين المعارضة والموالاة في مرحلة لاحقة لمعالجة هذا الملف.

لكن محاربة الإرهاب في سوريا يجب أن يسبقها حل سياسي، ومن ضمن ذلك تكون هناك استراتيجية شاملة ضدّ الإرهاب لأنّ المشكلة الكبرى هي فلتان الإرهاب في سوريا، وهذا يطاول كل دول المحيط من لبنان إلى الأردن والعراق وتركيا، وينطبق ذلك أيضاً على إيران.

الإرهاب في لبنان لا يتحرك بحرية كاملة وكذلك في الاردن وتركيا حيث لا مناطق خاضعة له مثلما هو الحال داخل سوريا، ويجري في مناطق سيطرته في سوريا تدريب وإقامة مخيمات وتسليح وبيع نفط مثلما كان واقع الحال في أفغانستان عندما انفرطت مقومات الدولة في بداية التسعينات اثر اتفاق 1992.

وتفيد المصادر أنه بغض النظر عن أين أصبح مسار التفاوض الدولي مع إيران، فإنه انعكس إيجاباً على لبنان، ولبنان يشجّع ويدعم أية تفاهمات دولية إيرانية، وسورية سورية وغيرها، إنما الملف الثالث لم يتحرّك بعد. كل المنطقة مربوطة ببعضها البعض، فضلاً عن أنه لدى لبنان لاجئون سوريون، والحل يكون مشتركاً وإقليمياً وليس محلياً.

لكن في الوقت نفسه، تستغرب المصادر الربط المباشر بين أي عرقلة لتشكيل الحكومة بتفاصيل في العلاقة الغربية مع إيران، مشيرة إلى أنّ مثل هذا الربط غير واقعي، وأنه إذا وجدت إيران نفسها راغبة في تسهيل ما في ملف ما في المنطقة، فهي ستعمل على ذلك، إنما مسار التفاوض بينها وبين الدول الكبرى لم يتطرّق حتى الآن الى ملفات إقليمية، وإن كانت إيران ترغب في التطرّق إلى مثل هذه الملفات.

المستقبل

جنيف ـ 2 يترنّح!/د. نقولا زيدان

عندما برزت في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم امكانية إجراء مفاوضات عربية إسرائيلية بحثاً عن حل شامل لمشكلة الشرق الأوسط، عبّر شمعون بيريز عن الرؤية الاسرائيلية للحل بأنه أشبه ببناء متكامل من عدة طبقات يتم الدخول إليه عبر الطابق الأرضي ويتجسد بالاعتراف المتبادل، ثم يجري الصعود فيه تدريجياً طابقاً تلو الآخر من خلال العلاقات الاقتصادية والثقافية وطرق المواصلات… حتى الانتهاء، بالطابق العلوي ألا وهو الحل الشامل. إلا أن هذا الحل لم يرَ النور حتى يومنا هذا رغماً عن معاهدة كمب دايفيد ومفاوضات مدريد وواي بلانتايشن والمبادرة العربية (الأرض مقابل السلام)… بما في ذلك عودة ياسر عرفات ومعاهدة وادي عربة.

هكذا اقتبس النظام السوري على طريقته المنهج ذاته في تعاطيه مع مؤتمر جنيف2 الجاري حالياً، فكما كانت نوايا اسرائيل الفعلية لا ترمي الى ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، فإن النوايا الحقيقية لبشار الأسد ونظامه حيال جنيف2 لا تتمثل في حل سياسي يتلخص بالاعتراف ببيان جنيف، الذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية وبالتالي تنحّيه عن السلطة.

بالوقت المستقطع وبالتلاعب والمراوغة يعتقد بشار الأسد اجتياز امتحان جنيف2 بنجاح، ذلك انه في حقيقة الأمر في حال وصول المؤتمر الى نتائج ملموسة فإن ذلك سيؤدي حتماً الى تنحيه عن السلطة وتسليم مقاليدها الى الحكومة الانتقالية. ولأن الحل الفعلي يقع في الدور العلوي فإن هم فريق العمل الذي أرسله الى جنيف يجب أن يتمحور حول المسائل الأخرى على أهميتها بالنسبة لبلد يعاني منذ ثلاث سنوات جحيم حرب أهلية هائلة وبالتالي عدم الوصول الى حل.

مهدت موسكو وطهران للمؤتمر المنشود بسلسلة مناورات بدت في غاية الضرورة والأهمية عندما بدأ نظام الأسد يترنح رغماً على تدفق الأسلحة الروسية عليه وتكفّل النظام الايراني بدفع أثمانها، فقد التهمت الحرب الأسدية غالبية القطع النادر في الخزينة السورية وبدأ الجيش النظامي ينهار وإدارة الأسد نفسها تتفسخ. عندها هبّ النظام في طهران لنجدة حليفه بالجنود والمقاتلين ابتداء بالحرس الثوري الايراني وانتهاء بحزب الله اللبناني. بل أسوأ من ذلك بكثير عندما انتهك الأسد الخطوط الحمر كلها مجرباً حظه مع استخدامه للسلاح الكيماوي بوتيرة تصاعدية ابتداء بخان العسل وانتهاء بفاجعة الغوطة الشرقية. اكفهر الجو الدولي وبدت الضربة العسكرية الأميركية والأممية وشيكة. إلا أن الظروف الداخلية للولايات المتحدة وبريطانيا وتخاذل الادارة الأميركية أفسحا في المجال لعقد اتفاق كيري لافروف، خاصة عندما أعلن الأسد استعداده للتخلي عن مخزون الكيماوي. بل استفاد النظام الأسدي من عدة عوامل تضافرت لتساعده على الاستمرار: تمنّع أميركا عن تسليح الجيش السوري الحر بالأسلحة الفعالة والضرورية، فتح الأسد حدود سوريا الشرقية على مصراعيها أمام تنظيم “داعش” وتزويده بالسلاح والذخائر بل بالمغاوير والقتلة المحترفين من جنوده، المناخ العام الاسترخائي الذي عمّ المنطقة العربية بفعل الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، النجاح الأولي الذي أصابه من جراء الترويج الاعلامي لمخاطر الارهاب وامكانية تسلله لصفوف الثورة، غياب أية مساندة لوجستية ضخمة وتراجع الدور التركي ومخاوف عمان من التورط في الحرب…

كان الجهد الروسي والايراني ينصب على محاولة تفريغ مؤتمر جنيف2 من محتواه الحقيقي وتحويله الى مؤتمر لمكافحة الارهاب وقد لعب حزب الله اللبناني وهو الممسك عملياً بالوضع اللبناني دوراً هاماً في اثارة المخاوف الدولية من الارهاب عندما تورط كلياً في الحرب السورية وإرخاء ظلال مذهبية عليها ما أدى ليس الى انقسام داخلي مذهبي لبناني فحسب بل الى تعرض لبنان الى أعمال انتقامية وتفجيرات وعمليات انتحارية. وبدت المحمية الايرانية وهي لبنان في خطر داهم مزدوج: الأول مصدره النظام الأسدي والثاني المجموعات الارهابية المناوئة له، فكانت دمشق تنظر بعين القلق الى النتائج والذيول الناجمة عن الاتفاق النووي الايراني وتتخوف من موافقة طهران على بيان جنيف1 وإذعانها للإرادة الدولية بضرورة رحيل الأسد. وإلا كيف نفهم عودة الاغتيالات والتفجيرات ذات البصمات الأسدية الى لبنان. كانت أشبه بتحذيرات أسدية لإيران عبر لبنان بعدم الانزلاق في جنيف2 للموافقة على رحيل حاكم دمشق. وقد عزز بدء الجلسات العلنية لمحاكمة المشتبهين الخمسة من حزب الله وتورط دمشق نفسها في الاغتيال الذي أطاح بالرئيس الشهيد رفيق الحريري من مخاوف دمشق.

مهّد بشار الأسد لموافقته على حضور المؤتمر بسلسلة مقابلات صحفية وتصريحات من أركان نظامه كلها تصب في إصراره على البقاء في السلطة مع توصل جنيف2 الى حل سياسي منقوص أو بدونه.

بدأ المؤتمر أعماله وكانت كلمة الوزير وليد المعلم قمة في التحدي والاستفزاز حيث لم يشر قط الى الحل السياسي بل اقتصر كلامه بالحديث عن الارهاب، بينما جاءت كلمة المعارضة السورية هادئة وموضوعية متمسكة بنص بيان جنيف1 ووجوب اقرار وفد النظام به للدخول في المفاوضات. وقد أكد بان كي مون على هذا المضمون رغماً من الاستفزازات التي لجأ إليها المعلم.

المبادرة التي قام بها الأخضر الابراهيمي متجاوزاً المواقف المبدئية التي عبّر فيها كل من كيري ولافروف عن موقفه، كانت في جمع كل من الوفدين تحت سقف واحد ولو كل على طاولة منفردة عن الآخر.

الخطوة الثانية التي قام بها الابراهيمي تتمثل في موافقة الطرفين على القيام بخطوات انسانية (وصول المساعدات الى حمص القديمة…) هذا رغماً عن الظلال المربّعة التي أرخاها نشر الصحف البريطانية والأوروبية الصور الوثائقية حول تصفية 11 ألف معتقل في أقبية الزنازين الأسدية.

إلا أن البناء الذي تحدثنا عنه حول المفاوضات للوصول الى حل سياسي للأزمة السورية على ما تشير الوقائع لا يدل على أية نية لدى الوفد الأسدي للوصول الى الحل. فالتهرب والمماطلة والمراوغة والتملص من الاقرار ببيان جنيف1 هو الموقف الفعلي لفريق عمل الوفد الأسدي.

ليس هذا فحسب بل عمد وفد النظام بوضع الشروط والعراقيل للحؤول دون تنفيذ الخطوات الانسانية الأولى التي جرى الموافقة عليها، ذلك عندما تقدم وفد النظام بطلب قائمة بأسماء المعتقلين المطلوب الافراج عنهم، فلما استجيب لطلبه من قبل المعارضة راح فيصل المقداد نائب وزير الخارجية الأسدي يتقدم بشروط جديدة ألا وهي اقتراح اخراج النساء والأطفال من حمص القديمة المحاصرة منذ شهور، لا بل وجوب اخضاع هؤلاء للتفتيش عند خروجهم.

وتتلخص محاولات الوفد الأسدي بإفشال المؤتمر بالخطوات التالية:

ـ رفض النظام الأسدي فك الحصار عن حمص القديمة ومنعه وصول المساعدات الانسانية من دخولها.

ـ تصريح فيصل المقداد فور خروجه من جلسات الثلاثاء 28 الصباحية بأن رحيل الأسد هو وصفة دمار لسوريا وان بقاء هذا الأخير هو الضمان الوحيد للصول الى حل سياسي.

ـ الاتهامات الصارخة الموجهة للولايات المتحدة بعد نشر وسائل الاعلام المعلومات التي تشير الى الجلسة السرية للكونغرس الأميركي وقراره بتسليح المعارضة السورية في الجنوب (درعا).

ـ تهديده العلني للرأي العام الدولي بإبقاء الحرب مشتعلة خمسين سنة أخرى كما قال.

ـ زجره الصحفيين ووكالات الأنباء التي تطالب وفد النظام بموقف صريح من بيان جنيف1 والحكومة الانتقالية المنشودة.

ـ تحدثه باستمرار للصحافة العالمية عن “جنيف” بالمطلق والابهام دون تحديد أي منها هو المقصود.

ـ محاولة بعض أعضاء الوفد الأسدي الاستخفاف بالمفاوضات غير المباشرة، كأن يترك البعض منهم الجلسات المنعقدة والخروج الى الممرات للترويح عن النفس…

إلا أنه في المقابل، تشير المعلومات الموثقة ان الاتصالات واللقاءات السرية الجانبية التي يعقدها كيري ولافروف والتي يشارك في بعضها الابراهيمي بعيداً عن الأنظار، ما زالت قائمة على قدم وساق. وتبقى جميع الاحتمالات واردة. فلنصبر لبعض الوقت، فما زلنا في بداية المعمعان.

المستقبل

التفاوض من خارج جنيف/سميح صعب

تحول الامتدادات الاقليمية والدولية للأزمة السورية دون ايجاد حل لها. فالصراع الممتد منذ ثلاثة اعوام نسج حوله شبكة من التعقيدات الاقليمية التي يجسدها الصراع السعودي -الايراني وصولاً الى الصراع الاميركي – الروسي الذي تعتبر سوريا إحدى ساحاته ولا يتوقف في أوكرانيا ولا يستثني أمن الدورة الشتوية للالعاب الاولمبية في سوتشي. وهكذا صارت سوريا جزءاً من صراعات أكثر تعقيداً ولذلك لا يتوقع ان يؤتى مؤتمر جنيف2 ثماره في سلوك سبل الحل السياسي لأزمة غيرت وجه سوريا وهي تهدد بتغيير وجه الشرق الاوسط كله.

لقد عكس جنيف2 تعقيدات الازمة وصعوبة الحل في الوقت عينه. لذلك بدأ اطراف اقليميون مثل تركيا يفتشون عن حلول تمر بايران وبروسيا، فكانت زيارة رجب طيب اردوغان لطهران قبل أيام بعدما كان زار روسيا اواخر العام الماضي. لكن دول الخليج العربية لا تزال مقتنعة بأن الحل السياسي غير مجد في سوريا وبانه لا يزال من الممكن اسقاط النظام بالقوة بصرف النظر عن المخاطر التي يرتبها مثل هذا الخيار ليس على سوريا فحسب وانما على المنطقة برمتها. وتشاطرها الولايات المتحدة خيار تغيير النظام لكنها تفضل ان يحصل سلمياً من طريق جنيف2. لذلك أقصت واشنطن ايران عن المؤتمر لأن طهران غير مقتنعة بأن النظام في سوريا يجب تغييره وان تكن تدعو الى اصلاحات جذرية تبدأ بانتخابات يختار فيها الشعب السوري ممثليه لا ان يعينوا من الخارج.

وفي الوقت عينه لا يعني اقصاء أميركا لطهران عن جنيف2 ان واشنطن لا تعترف بالدور الكبير لايران في سوريا أو في مواقع أخرى من المنطقة وخصوصاً في العراق أو غداً في أفغانستان. وتسعى الولايات المتحدة الى جعل سوريا اليوم ساحة الاختبار لمدى التحول في ايران. لكن ايران تستثني النظام السوري من اوراق المساومة الاقليمية، من غير ان يعني ذلك انها ليست مستعدة للبحث عن حلول من خارج جنيف2 وما استقبال اردوغان إلا اشارة الى هذا الاستعداد.

وفي ما يتعلق بروسيا، أضاف انفجار الازمة الاوكرانية المزيد من التعقيدات الى العلاقة الاميركية – الروسية وانعكس ذلك على جنيف2. واضطر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى التذكير بان ليس من مهمات جنيف2 تغيير النظام في سوريا وان يؤكد ان الأولوية يجب ان تعطى لمحاربة الارهاب وان يصف بـ”القذارة” تلك التصريحات الغربية التي تربط بين النظام السوري و”داعش”.

من التعقيدات التي برزت في جنيف2 ، يثبت ان للحل في سوريا طرقاً أخرى ينبغي سلوكها. والى ان تتغير اقتناعات البعض فإن الحرب مستمرة.

النهار

جليد الإبرهيمي يذوب دماً!

راجح الخوري

بعد عشرة ايام من المماحكات في “جنيف 2″، قال الاخضر الابرهيمي انه سعيد جداً “لأننا ما زلنا نتحدث، فالجليد يذوب ببطء لكنه يذوب”، وقياساً بما حمله وفد النظام الى المفاوضات، يمكن القول ان الابرهيمي بات عالقاً في قطب متجمد يذوب ببطء لتهدر أنهار الدماء في سوريا!

كان عليه ان يذكر ان الايام العشرة للمفاوضات التي ركزت على المسائل الانسانية حصدت اكثر من 1900 قتيل، في حين تدك البراميل المتفجرة درعا مع حمص. لكن لندع الجليد الذي يقطر دماً، ونتأمل في عراضات وفد النظام، الذي استمات لتغيير مسار “جنيف 2” عبر سعيه لتقديم موضوع الارهاب على مسألة الانتقال السياسي التي هي جوهر الحل منذ النقاط الست التي وضعها كوفي انان واستند اليها بيان “جنيف 1” في حزيران الماضي.

منذ اللحظة الاولى حاول وليد المعلم ارهاب بان كي – مون والمؤتمر عبر خطابه الذي حاول ان يسقط الانتقال السياسي،ليحوّل المؤتمر اعلاناً دولياً للحرب على الارهاب بقيادة الاسد وحلفائه. كان الامر مثيراً للاستغراب واليأس والسخرية، فحتى عندما وافق وفد النظام على مناقشة بيان “جنيف 1” تبين انه يبني موافقته على قراءة تحريفية يراد منها التملص من موضوع الانتقال السياسي!

عندما سأل الابرهيمي الوفدين تقديم تصور لبيان جنيف، رد وفد المعارضة بالتركيز على الجوهر اي تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات توقف الحرب وتنقل سوريا الى عهد جديد يحارب الارهاب ويقوم على الديموقراطية والحرية، لكن وفد النظام استأخر الرد يومين وجاء بتفسير يهدف الى تزوير البند الاول من بيان جنيف، الذي دعا في حينه الى “وقف العنف” وكان المقصود تحديداً عنف النظام، الذي بدأ بتكسير اصابع الاطفال في درعا ثم باطلاق النار على المتظاهرين سلمياً، ثم باستخدام الدبابات والمدافع وصواريخ “سكود” وسلاح الطيران ثم بالكيميائي.

اخيراً قبل النظام مناقشة اتفاق جنيف مشترطاً المناقشة بنداً بنداً وبالتسلسل، لأن البند الاول منه يدعو الى وقف العنف، “لكن هذا العنف تحول ارهاباً” كما قالوا، بينما هو عملياً عنف النظام، الذي يبالغ في الارهاب حتى استخدام السلاح الكيميائي واستولد الارهاب واستجلب الارهابيين والتكفيريين من الخارج، على دوي المذابح، وها هو الآن يشتري النفط من “داعش” ويمتنع عن قصفها!

الابرهيمي لم يرد على التحريف الذي يحصر العنف بالمعارضة رغم ان العنف بدأه النظام، ورغم ان البند الاول من النقاط الست الذي اسس لبيان جنيف، دعا صراحة الى “وضع حلول سياسية داخلية تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري ومخاوفه”… والحديث عن جليد يذوب في انتظار اكتشاف المدخل المقبول الى بيان جنيف، يعني ان انهر الدماء ستبقى هادرة!

النهار

جنيف 2: مفاوضات عقيمة وتصعيد عسكري

رأي القدس

آلاف المحاصرين في مدينة حمص ومخيم اليرموك، عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام ولدى التنظيمات المسلحة في سوريا، ملايين اللاجئين في المخيمات والنازحين داخل الاراضي السورية، مئات المشردين على الحدود بين الدول، وعشرات الآلاف من المتواجدين في مراكز الايواء في اوروبا، مئات آلاف المدنيين الذين يتوقعون في اي لحظة سقوط برميل متفجر فوق رؤوسهم، والمدنيون الذين وجدوا انفسهم تحت رحمة فصائل جهادية تكفيرية تفرض قوانينها التعسفية على مناطقهم، كل هؤلاء وغيرهم كانوا يتطلعون لاجتماعات وفدي النظام والمعارضة السوريين آملين بدفع المفاوضات السياسية كخطوة في طريق انهاء معاناتهم، لكن للأسف سبعة ايام من المفاوضات، لم يتم خلالها الاتفاق الا على الوقوف دقيقة صمت على ارواح شهداء سوريا، وطبعا كلا الطرفين وقف بنية مختلفة، فوفد المعارضة كان يقصد القتلى من المدنيين ومن مسلحي المعارضة، فيما وقف وفد النظام حدادا على القتلى من قواته وقوات حلفائه من ‘حزب الله’ ولواء ‘ابو الفضل العباس′. وحتى هذه الدقيقة من التوافق صباح يوم الخميس داخل قاعة الاجتماعات، رافقها خبر عاجل بمقتل عائلة بأكملها بمن في ذلك خمسة اطفال بقصف لقوات النظام على مدينة داريا في ريف دمشق.

سبعة ايام من المفاوضات في سويسرا تزامن معها على الطرف الآخر مقتل 1870 سوريا بينهم 498 مدنيا، بمعدل 208 اشخاص يوميا. الضغوط الدولية والجهود الدبلوماسية لم تنجحا باحراز اي تقدم في جنيف، بل كشفت المفاوضات مدى تجذر الخلافات حول كافة القضايا، سواء فيما يخص هيئة الحكم الانتقالي أو الارهاب أو المساعدات الانسانية. فرغم الاتفاق اخيرا على استخدام بيان (جنيف 1) اساسا للتفاوض، تبقى العقبة الاساسية وجود وصلاحيات الرئيس بشار الاسد. ففي حين يصر وفد النظام على أن مصير الرئيس يقرره الشعب في صناديق الاقتراع، تفسر المعارضة منح الصلاحيات لهيئة الحكم الانتقالي بتنحيه، وزادت على ذلك باعتباره اكبر ارهابي في سوريا، في حين يشير وفد النظام الى دول عربية كممولة للارهاب الذي يخوض النظام معركة لانهائه، ويطالب بتعاون دولي لمكافحته، واضعا جل جهده بالتركيز على قضية الارهاب وتجاهل قضيتي الهيئة الانتقالية والمساعدات الانسانية.

كنا عشية انعقاد المؤتمر في جنيف حذرنا من ان تكون النتيجة الاتفاق على امور انسانية وعدم التقدم بالقضايا السياسية، لكن من الواضح اننا كنا متفائلين كثيرا، فحتى القضايا الانسانية، لم يتم التفاهم عليها. وهذه النتيجة ستجعل من السهل على الفصائل المعارضة التي ترفض المفاوضات ان تعرقل المشاركة في الجولة الثانية من محادثات جنيف 2 والتي من المقرر ان تنطلق في العاشر من شباط/فبراير الجاري. لكن قبل هذه الجولة، بدأ النظام تصعيدا نوعيا بعملياته العسكرية مستهدفا التدمير من اجل التدمير، كما انه اعلن انه لن يقدم اي تنازلات في المفاوضات، فضلا عن التلكؤ الذي مارسه متعمدا في تسليم مخزون السلاح الكيماوي في المواعيد التي حددتها منظمة حظر الاسلحة الكيماوية.

وبذلك يرسل النظام اشارات الى راعيي (جنيف 2) الروسي والامريكي بضرورة البدء بالتفاوض معه حول الحل الممكن في سوريا، سواء كان ذلك من خلال المفاوضات في جنيف او بعيدا عنها. وبالتالي يمكن توقع مزيد من التصعيد العسكري الذي يريد منه النظام استفزاز بيئات المعارضة كي تبادر الى المطالبة بالتخلي عن هذه المفاوضات كونها غير مجدية.

القدس العربي

على هوامش «جنيف

زين العابدين الركابي

من خلال بث الأماني العراض والمآلات العذاب، رفع الإعلام السياسي سقف التوقعات الإيجابية لنتائج «جنيف 2» الذي انعقد بقصد إيجاد حلول للأزمة السورية.. نعم. رفع هذا السقف من دون حسبان الأسباب الموضوعية لأي توقعات من هذا النوع، والأسباب الموضوعية هي:

أ – امتلاك رؤية صحيحة لطبيعة الصراع وتعقيداته ومخارجه.

ب – أجندة واضحة تتمثل فيها تلك الرؤية.

ج – إدارة ماهرة لإدارة المباحثات بين الطرفين المتنازعين، فقد تصح الرؤية والأجندة، ولكن الإدارة السيئة أو غير الماهرة تجهض ذلك كله.

ومما أوحى بالأماني العراض: التخيل المسرف، مثلا، لاتفاق «روسي – أميركي» كفيل بأن يذلل كل عقبة، ويسهل كل صعب في طريق المباحثات بين الأطراف المتصارعة.

لسنا من الذين ينفون، بإطلاق، مثل هذا الاتفاق الثنائي بين الروس والأميركان، ولكننا من الذين يجردونه من الخيال والوهم اللذين ينبني عليهما ما لا ينبغي أن يبنى.

في ظل هذا التصور نكتب السطور الآتية كهوامش لمؤتمر «جنيف 2».

1 – الهامش الأول: أنه يمكن القول إن كلا الطرفين المتنازعين قد حصل على مكاسب نسبية:

أ – فمن مكاسب النظام السوري شعوره من خلال «جنيف 2» بأنه نظام باق، أو أن الإجماع السابق على زواله قد انخرم أو ضعف؛ فكون المعارضة تجلس معه وتحاوره في جنيف، فهذا – في حسابه – موقف يتضمن قدرا من الاعتراف بشرعيته التي دأبت المعارضة على تجريده منها.. وكان النظام السوري يعاني، عبر سنوات ثلاث، عزلة دبلوماسية وإعلامية. وقد أتيح له في جنيف الثانية كسر هذا الحصار الدبلوماسي والإعلامي، فمن الواضح، مثلا، أن النظام السوري قد خطط لحملة إعلامية واسعة النطاق، ونفذها على مستوى العالم. وهو يعد ذلك مكسبا.

ب – ومن مكاسب المعارضة اعتراف النظام بها بعد أن ظل يكرر، بلا انقطاع، عبارة «ما سمي بالمعارضة» – تجاهلا لوجودها واستخفافا بوزنها وتأثيرها – بيد أن النظام في جنيف تقبل أن يجلس معها كطرف سياسي واقعي معترف به رسميا من قبل النظام نفسه.. وهذا مكسب ضخم للمعارضة بلا شك

2 – الهامش الثاني: أنه لم تكن هناك «ورقة جيدة» تقود المباحثات في طريق واضح وإيجابي وهادف.. ومن طبيعة الناس في مؤتمرات كهذه أنهم يميلون إلى طرح انطباعات ومطلقات عامة ينقصها التحديد والدقة والواقعية.. وما لم يكن هناك شيء مكتوب بوضوح ودقة يلزم المجتمعين ويضطرهم إلى المشي في اتجاه جبري (كما تقول بعض لوائح المرور أحيانا) فإن مسار المحادثات سيكون سبهللا وفرطا.

من الذي كان عليه أن يحضر هذه الورقة؟

الراعيان (الروس والأميركان) على الأقل، ولكنهما لم يفعلا، ومن ثم فليس من الظلم لهما وصف حالتهما هذه بالفشل أو بعدم الجد.

3 – الهامش الثالث: أن القضية الكبرى والأخطر في العالم قد تراجعت وهي قضية «الإرهاب».. تراجعت من حيث إن طرحها في جنيف تكتنفه ظلال شتى قد تصبح – في حالة اتخاذ قرار – في صالح الإرهاب!

4 – الهامش الرابع: أنه في مناخ جنيف حصل تبدل مثير جدا في العلاقة التركية – الإيرانية؛ فمن خلال زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب إردوغان لإيران تبدى ما يلي:

أ – استقبال حار وغير عادي من القيادة الإيرانية لضيفهم إردوغان.

ب – وصف مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي العلاقة الإيرانية – التركية بأنها «منقطعة النظير»!!

ج – إما إردوغان فقد قال، للوزراء من الجانبين: «أتصور أنكم في مجلس وزراء واحد، وإني أقترح تكوين مجلس وزراء مشترك في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة وجميع الشؤون الحيوية».

فماذا وراء هذا التبدل التركي؟

هل السبب هو الحراك الداخلي ضد حزب العدالة والتنمية الذي يقوده إردوغان، ولا سيما أن هناك اتهاما بفشل السياسة الخارجية التركية تجاه ملفات كثيرة؟

هل السبب هو حسابات الانتخابات البرلمانية التي يقترب موعدها؟

هل السبب هو «الاقتصاد»؟ ففي السنوات الأخيرة ضعفت المؤشرات التي تشير إلى تقدم الاقتصاد التركي.. وهذا أمر مفزع بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الذي بنى شعبيته وصعوده على أساس تحسن ملحوظ ومتلاحق في الاقتصاد التركي، وهل يدخل في ذلك مبشرات إردوغان بأن حجم التعامل الاقتصادي والتجاري (بين البلدين) سيبلغ ثلاثين مليار دولار عام 2015؟

ويلحظ ههنا أن جنيف السوري قد سبقه «جنيف الإيراني»، ونعني بذلك الاتفاق المبدئي بين إيران وبين المجموعة الدولية الفاعلة على نوع من التسوية لملف النووي الإيراني.

إن هذا الاتفاق أذاب الجليد بين أميركا وإيران. ومن هنا يرد سؤال: هل لذلك علاقة بتشجع القيادة التركية على التوجه نحو إيران؟

نحن لا نتهم أحدا بالتبعية، بيد أنه لا يمكن تجاهل الآثار والإسقاطات التي أثمرها التحسن النسبي في العلاقة بين أميركا وإيران.

مهما يكن من شأن، فقد انتهى «جنيف 2» إلى ما انتهى إليه، أي دون إيقاف لأهوال سفك الدم والتدمير والهدم والتشريد في سوريا.

انتهى «جنيف 2» ورجعت الوفود والكاميرات إلى أماكنها. أما الشعب السوري فلم تنتهِ مأساته؛ فهو الخاسر على كل حال!!

فمتى يزول الكرب النازل بالشعب السوري؟

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى