صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت معركة القلمون المرتقبة

أخطر ممّا تظنّون!/ نبيل بومنصف

إذا كانت الحدود الشرقية للبنان قد بدأت واقعيا الانخراط المبكر في تلقي تداعيات بدايات معركة القلمون السورية كما تثبت ذلك موجات النزوح الكبيرة الوافدة الى عرسال والعرقوب فأي جدوى بعد من الدفاع عن “اعلان بعبدا” والمضي في التبشير به قاعدة لتحييد لبنان؟

حصل ذلك ويحصل وسيحصل على وقع مواجهة مفتوحة هذه المرة بما يهدد فعلا بقايا متهالكة مما يمكن ان يبقي على شعرة وحدة وطنية لم يعد انهيارها مجرد مخاوف نظرية، بل اضحت الخطر الداهم المحقق والمنذر بما يتجاوز الفوضى الشاملة في لبنان ككلفة حتمية لربط مصيره بمصير الازمة السورية.

كان الرئيس ميشال سليمان يذكّر بموافقة جميع الاطراف على “اعلان بعبدا” لدى وضعه، في حين كانت التقارير الاخبارية والميدانية تتحدث عن حشد “حزب الله” آلاف المقاتلين على جبهة القلمون. لم تعد ظروف وضع الاعلان ولا اشتداد الحاجة الى التزامه تقيم اي اعتبار جدي حاسم لوقف دورة الانخراط الشامل للحزب في القتال في سوريا ما دام السيد حسن نصرالله بلغ ذروة مواقفه الواضحة في اسقاط هذا الاعلان مع رفضه الانسحاب من سوريا رفضا لا جدل في صدقيته. إذاً ماذا تراه بقي من الاعلان حتى لو بلغ قمة توهّجه لدى تبنيه من الامم المتحدة ومجلس الامن ومجموعة الدعم الدولية للبنان؟

كادت محاولة متقدمة جدا تنجح في تدوير الزوايا حول تشكيل حكومة جديدة بصيغة يشترطها فريق ٨ آذار لكنها سرعان ما سقطت في غياهب تصعيد ورفع اصابع وتهديدات لان نشوة الاستقواء بالانجازات الميدانية السورية املت ان يرفع خصوم النظام السوري في لبنان رايات الاستسلام الشامل. ولعل كثيرين يخطئون ان ظنوا ان حصيلة عاصفة عاشوراء وما شهدته من مواجهة مباشرة بين الرئيس سعد الحريري والسيد نصرالله كانت مجرد تعبير عن حرب المحاور الاقليمية. أخطر ما في هذه المواجهة هو بعدها الداخلي حصراً وتحديداً بالدرجة الاولى مع كل ما يختزنه رمزاها وقطباها. لكأننا امام استحالة حقيقية غير مسبوقة لأي توافق او تفاهم او تسوية بين مفاهيم ومشاريع لا يمكن ان تلتقي على مشتركات الحد الادنى الوطنية الى أمد لا يدرك احد مداه. ثم ان الامر لا يقف عند قطبي المواجهة وحدهما فثمة في العودة المفاجئة للعماد ميشال عون الى نعي اتفاق الطائف اكثر من مؤشر الى الطابع الذي يراد للاستحقاق الرئاسي ان يتظلله وان يستدرج المسيحيين اليه. فهل ترانا امام ملامح مشروع “حسم” انتحاري على غرار ما اريد لعاصفة التهويل ان ترسله من رسائل؟ ومن تراه يعتقد بعد ان اضغاث وحدة وطنية ستكون قابلة لترميم او احياء على ركام فائض الاستقواء وعرض القوة والتهويل الانقلابي؟

النهار

معركة القلمون تنسف حسابات البيدر الأميركي؟/ روزانا بومنصف

ترسم المعركة التي بدأها النظام السوري مع حلفائه في القلمون وفق ما تبشر بها طلائع الموجة الجديدة من اللاجئين السوريين الى لبنان علامات قلق داخلية واقليمية كبيرة يرجح ان تساهم في المزيد من تعقيد الامور وعرقلة الحلول. اذ تنقض المعركة ما ذهب وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى اعلانه خلال جولته الشهر الماضي على الدول الخليجية في الشأن السوري تحضيرا لمؤتمر جنيف – 2. اذ طمأن مسؤولي الدول التي زارها الى ان لا مكان للرئيس السوري في مستقبل سوريا وقلل في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره القطري اهمية ما يجري على الارض في سوريا. فقال ما مفاده ان ما يجري من كر وفر على الصعيد الميداني لا علاقة له بتطبيق مقررات مؤتمر جنيف – 1 وان على الرئيس السوري العودة الى مضمون هذا الاتفاق الذي يتضمن اقامة حكومة انتقالية في سوريا بموافقة الطرفين وان هدف مؤتمر جنيف – 2 يبقى مستندا الى المضمون نفسه”. وهذا الكلام عده مراقبون ديبلوماسيون تبريرا لانكفاء الولايات المتحدة في موضوع تقديم مساعدات عسكرية للمعارضة السورية وتغييرا في المقاربة حتى في ما خص مضامين مؤتمرات اصدقاء الشعب السوري من خلال وضع سقف سياسي يتم العمل عليه بدلا من العمل على الارض التي لم يحقق اي من الفريقين حسما فيها. وهو ما تم اقناع المعارضة السورية به.

وبغض النظر عن التعاطي المباشر مع هذه الوقائع، فان ما يسود هو استمرار حرب سوريا طويلا بمؤتمر جنيف – 2 او من دونه. الا ان مراقبين ديبلوماسيين يخشون في المقابل الا تصمد “الرؤية” او التوقعات الاميركية لمسار الامور. اذ في عز الانشغال الاميركي بالملف الايراني واحتمال عودة العلاقات مع ايران تراجع الموضوع السوري وهو في الاصل لم يحظ بالاهتمام الكافي في الوقت الذي لم يكف النظام عن السعي الى اعادة استرجاع مناطق من المعارضة. لا يتوقع احد من المراقبين المحليين او الخارجيين ان يوافق النظام على اي حكومة تنتزع الحكم منه في الوقت الذي يعتمد الاسلوب الايراني في تخفيف غضب الغرب واثارة تعاطفه عبر ارساله وفدا ديبلوماسيا الى موسكو تحت عنوان تحضير الاجواء وتنسيق المواقف من اجل مؤتمر جنيف – 2 الذي لا يكف عن تحديد مواعيد له كأنما هو مستعجل لانعقاده ويوحي بان الامر حيوي ومهم له امام مناصريه وحتى امام الرأي العام الخارجي. الا انه يشن في المقابل حربا داخلية جديدة بمساعدة “حزب الله” من اجل السيطرة على القلمون في محاولة لربط العاصمة بالمنطقة السورية الساحلية حيث مناطق السيطرة العلوية وامتدادا الى لبنان. وهو يستعيد بذلك ما دأب مراقبون كثر على اعتباره محاولة لتقسيم سوريا فيما تقول مصادر ديبلوماسية غربية ان الامر لا يزال غير مستبعد كاحتمال في ضوء في ما يجري على الارض والفرز الطوائفي اضافة الى التفكك ومن بينها اعلان الاكراد في سوريا من الموالين للنظام الادارة الذاتية على طريق تعزيز هذا السيناريو، ولو ان ذلك غير مطروح على اي طاولة للبحث. في المقابل فان ما يجري على الارض في سوريا قد يطيح مؤتمر جنيف – 2 كما قد يطيح مضمون مؤتمر جنيف – 1 انطلاقا من ان تسجيل مكاسب جديدة على الارض ستجعل من المستحيل ان يقبل النظام بمضمون هذا المؤتمر او بتطبيقه، فيما هو لم يعلن التزامه به كما ان ايران لم تعلن ذلك ايضا ويشترط عليها الغرب اعلان التزام جنيف – 1 من اجل المشاركة في جنيف – 2. ومع ان روسيا تظهر دعما من اجل انعقاد هذا المؤتمر فان اي مكاسب جديدة على الارض لمصلحة النظام ستوفر للروس ورقة اضافية من اجل تفسير مؤتمر جنيف – 1 والمرحلة الانتقالية وفق ما يرونه وليس وفق ما فهمه او قصده الاميركيون في الاساس وعلى الارجح سيدعم الروس والايرانيون النظام في البناء على المعطيات الجديدة اي حكومة انتقالية يقول المراقبون ان النظام اراد ولا يزال ان يبقي مفاتيحها الاساسية الامنية والمخابراتية في يده مع بعض التغييرات الشكلية التي لا تغير في الواقع اي شيء.

النهار

دمشق بدأت معركة القلمون للقضاء على “حبل السرّة” اللبناني!/ ابراهيم بيرم

ما زال كثر من الذين يدرجون أنفسهم في خانة العارفين بمسار الميدان في سوريا عند رأيهم بأن معركة القلمون ليست بالضرورة قد بدأت لتحسم بشكل تستعيد معه القوات السورية خلال مدة زمنية معينة السيطرة على هذه البقعة الجغرافية التي هي احدى بوابات العاصمة دمشق من جهة والواقعة على تخوم لبنان من جهة اخرى.

ففي رأي هؤلاء ان المعركة هناك ليست بالسهولة التي تجعل النظام السوري يدفع بقوة اساسية كبرى ليحسم المعركة في حيز جغرافي جبلي ذي تضاريس معقدة، يضم نحو 20 بلدة هي اقرب الى المدن منها الى القرى والدساكر، وبين جنباتها ينتشر بحسب بعض الروايات أكثر من 20 الف عنصر من مقاتلي المجموعات المسلحة التي في غالبيتها ممن فروا من معركة القصير والغوطتين وحمص، فضلاً عن قسم آخر أتى في الآونة الأخيرة من جهة الأردن.

ومع ذلك فإن أصحاب هذه الرؤية العسكرية المتحفظة لا يسقطون من حساباتهم الاستراتيجية والتكتيكية على حد سواء فرضيات أخرى ابرزها ما له علاقة بحسابات القيادة السورية حيال ما له صلة بما تسميه هذه القيادة “الخاصرة الرخوة” من جهة لبنان والتي حزّت عميقاً طوال الفترة الماضية في الجسد السوري.

وعليه فإن هؤلاء يكادون يجزمون بأن العقل العسكري للنظام السوري قد بدأ فعلاً معركة القلمون بشقها اللبناني، الرامي في أقصى الاحتمالات والحسابات الى قطع “حبل السرة” الذي رفد المعارضة السورية بمدد لوجستي كبير خلال العامين المنصرمين وذلك انسجاماً وتماهياً مع خطة شرع بها هذا العقل قبل نحو ثلاثة اشهر بالتحديد عنوانها العريض سد الأبواب والحدود المفتوحة التي مدّت المجموعات السورية المسلحة بهذا الكم الضخم من المقاتلين والسلاح والاعتدة سواء من جهات تركيا والاردن والعراق والآن لبنان.

تقديرات القيادة العسكرية السورية باتت تقوم على معطيات تفيد بأن انقرة بدأت فعلاً بمحاصرة جبهة “داعش” و”النصرة” والتضييق على عبورها من الاراضي التركية. أما بالنسبة الى المعابر عبر الحدود الاردنية، فإن النظام في سوريا أبرم ضمنياً اتفاقاً مع الأجهزة الأمنية الاردنية للتعويض عن عدم قدرة الاردن على ضبط حدوده وذلك بتزويد الأجهزة الأمنية السورية معلومات عن تحركات المعارضين وقد ظهرت نتائجها في “ابادة” اكثر من 20 مجموعة معارضة كانت خرجت لتوها من الاراضي الاردنية، فيما بات النظام يعتبر ان امساكه شبه الكامل بالغوطة الغربية، وبداية معركته لتطهير درعا معناه ان الخطر الآتي من جهات الاردن أوشكت مفاعيله على الانتهاء.

وعليه فان النظام السوري بات يعتبر ان المطلوب الآن لكي تكتمل حلقة الاقفال سد الأخطار الآتية من جهة لبنان، وبالتحديد من البقاع اللبناني.

لذا فان الكلام القائل ان النظام السوري قد بدأ معركة القلمون وليس بالضرورة ان يكون هدفه حسمها سريعاً، بل ان له اهدافاً ومآرب ميدانية اخرى تتصل بالجانب اللبناني من الحدود مستغلاً بطبيعة الحال حال التضعضع والفوضى التي باتت تظلل “الجبهات” المعارضة خصوصاً بعد الانجازات الاخيرة المشهودة لقوات النظام على طول الاراضي السورية وبالتحديد في محيط العاصمة.

وبناء على هذه المعطيات فان اصحاب هذه الرؤية يتحدثون في اوساطهم عن ان بنك الاهداف السريعة للنظام السوري يتلخص بشكل اساسي في اسقاط بلدة قارة بالدرجة الاولى وفي اسرع وقت ممكن ومعها بلدات اخرى مثل الزبداني على وجه التحديد في سبيل امرين اساسيين:

الاول: هو احكام الطوق نهائياً على منطقة القلمون وجعل المقاتلين المتمركزين فيها في حالة اختناق بطيء خصوصاً مع دنو فصل الشتاء الذي تزيد ثلوجه معاناة المنطقة وقاطنيها على ألا يمنع ذلك استمرار الهجمات ذات الطابع الأمني وإغارات الطيران الحربي وعمليات القصف المدفعي.

الثاني: قطع خطوط التواصل نهائياً بين لبنان والداخل السوري، وما يعنيه ذلك من تعطيل لمنظومة دعم واسناد من الجانب اللبناني وترك هذه المنظومة وجهاً لوجه امام معضلة المدنيين السوريين النازحين الباحثين عن مأوى وطعام.

في كل الاحوال ومهما كانت طبيعة الاهداف التي يرغب النظام في دمشق بلوغها من وراء عملية القلمون وسواء كان يريدها اهداف موضعية لإحكام قبضته على هذه المنطقة التي تمردت عليه قبل سواها من المناطق القريبة من العاصمة وشكلت بيئة حاضنة للمتمردين، وهو الاحتمال الاقرب، ام انه يريدها عملية متدحرجة لن تنتهي قبل اعادة بسط السيطرة على هذه المنطقة الجبلية، فان في بيروت من بات يتعامل مع هذه الحملة من منطلق انها شأن شبه داخلي، إن بأبعاده أو بتداعياته المباشرة والقريبة، التي سيكون البقاع وعلى وجه التحديد بلدات بعينها ساحتها المتلقية.

ومن البديهي ان التكهنات والقراءات حول مستقبل الوضع في البقاع وامتداداً الى الشمال قد بدأت منذ فترة وبالتحديد عندما انطلقت أصوات تربط مثلاً بين مستقبل الوضع في جبل محسن وبين مآل الوضع في القلمون. ولا ريب ان خصوم النظام السوري في لبنان سيطلقون جرس الانذار عالياً حول مستقبل الوضع في عرسال مثلاً. وسواء صحت هذه المخاوف ام كانت مجرد تهويل توظيفي في اطار الصراع الداخلي الحاد الدائر منذ زمن، فالأكيد ان الوضع في البقاع وبالتحديد في المنطقة المعروفة باسم السلسلة الشرقية ستكون من الآن فصاعداً على المحك وعلى طاولة الاحتمالات الصعبة.

النهار

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى