صفحات مميزة

مقالات مختارة تناولت “جنيف 4”

هل من فرصة للحل السياسي في سورية؟/ أكرم البني

على رغم تواتر الاجتماعات والمفاوضات، في موسكو وآستانة وجنيف، بين أهم الأطراف المعنية بالصراع السوري، فليس من لحظة يبدو فيها الحل السياسي بعيد المنال أكثر من اللحظة الراهنة، بما هو حل يفكك آليات السيطرة الأمنية ويزيل مناخ العنف والقهر الذي خنق لأمد طويل حقوق الإنسان وبذور الحياة الديموقراطية في البلاد.

فيما مضى، وإذا كان بعض التوافق بين السياستين الأميركية والروسية قد أسس لخيار الحل السياسي عبر بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254، فالجديد هو تعزز السلبية الأميركية ووضوح المسافات الخلافية بين الأطراف الثلاثة الراعية اليوم للعملية التفاوضية، مصالح موسكو، والمطامع الإيرانية، وبينهما الحسابات التركية ومراميها، الأمر الذي يكشف ضيق فرصة الإقلاع الجدي بالمعالجة السياسية.

وفي ما مضى، إذا كان ثمة شك حول جدية واشنطن وموسكو في دعم مسار التفاوض وإرغام الفرقاء السوريين على طي صفحة الصراع الدموي، فالشك يبدو اليوم أكبر تجاه امتلاك موسكو وأنقرة وطهران دوافع حافزة وإرادة مشتركة لإخراج الحل السياسي من ركوده، بخاصة أن التباينات بينهم تتنامى مع كل خطوة تخطوها المفاوضات، ويعمق تلك التباينات لجوء دول غربية لتغذيتها في سياق التنازع والمحاصصة على المستقبل السوري، ربطاً بوصول الحرب ضد تنظيم داعش إلى مراحلها النهائية، فأنى لطهران أن تتنازل وتدعم خطة سلام لا تكرس مطامعها في سورية والمشرق العربي، بخاصة أنها تزداد توجساً من عودة صراعها المفتوح مع واشنطن بعد أن جاهر دونالد ترامب بعدائه لها وسماها بالإرهابي الأول وهدد بنقض الاتفاق النووي معها، والأسوأ ما رشح عن تقدم دور الحرس الثوري ومراكز سلطوية إيرانية دأبت على تصدير الثورة الاسلامية واستثمار البعد المذهبي لمد نفوذها في المنطقة؟ وأنى لتركيا أن تفرط بما حققته من تقدم ونفوذ في سورية، بخاصة أنها تمتلك ورقتي المعارضة المسلحة والغطاء الإسلامي السنّي، ودونهما لا يمكن لمشروع التسوية أن يحقق النجاح والاستقرار؟

والنتيجة أن سورية التي أصبحت مسرحاً للتدخلات الخارجية وميداناً لتضارب المصالح الدولية ولإدارة معارك النفوذ، أصبحت رهينة لتوافق إرادات عالمية وإقليمية باتت تقرر كل شيء، إدامة القتال أو وقفه وإنهائه، ثم حظوظ معالجته سياسياً.

«يتوهم من يعتقد بقيام مرحلة انتقالية أو تغيير للنظام»… عبارة كررها غير مسؤول سوري تعقيباً على الورقة التي قدمها ستيفان دي ميستورا متوسلاً في بعض بنودها جدولاً زمنياً للتغيير يغازل قرار مجلس الأمن 2254 ما يشير إلى حجم الهوة التي تفصل موقف أهل الحكم والخطة الأممية، وإلى حقيقة، أن النظام الذي لم يقدم أي تنازل سياسي في سنوات فشل خياره الحربي، لن يتنازل اليوم بعد نجاحه في استرداد مناطق مهمة، كمدينة حلب شمالاً، ليغدو بداهة، أكثر تصلباً لرفض الحوار وأقل استعداداً للتفاوض، فكيف الحال وهو خير من يدرك أن إطلاق العملية السياسية سيفضي إلى إعادة بناء المواقف والاصطفافات بصورة لا ترضيه وتمنعه من التوغل أكثر في خياره الحربي، وتفضح عجزه عن إعادة إنتاج بعض الشرعية والاستقرار بعد هذا الفتك والدمار وبعد الشروخ العميقة التي أحدثها في المجتمع! وكيف الحال مع تبلور مراكز أمنية وعسكرية أفرزتها الحرب المديدة، ليس لها مصلحة في أية تهدئة أو استقرار، تستمد سطوتها وامتيازاتها من استمرار الفوضى، وقادرة بما تمتلكه من إمكانات على إفشال أية عملية سياسية بالتناغم مع جماعات من الطينة ذاتها تحسب على المعارضة المسلحة!

وكيف الحال مع تنامي خشية المرتكبين السلطويين من أن يرافق الحل السياسي جردة حساب وعقاب على ما اقترفته أياديهم، ربطاً بما كشفته المعلومات والوثائق مؤخراً عن فظاعة ممارساتهم! ولا يغير هذه الحقائق بل يؤكدها استجابة النظام الخبير بتمييع المفاوضات وإغراقها بالتفاصيل، لإملاءات موسكو وقبوله شكلاً مناقشة الانتقال السياسي، ما دام يستثمر ذلك لتسعير سخريته من المعارضة والإمعان في تشويهها، ولتغطية الضربات الكثيفة في مناطق الهدن القريبة من العاصمة لإرغام أهلها على الاستسلام التام، كما يحصل اليوم في حي القابون الدمشقي.

صحيح أن أهم أطراف المعارضة السورية تنادي بالحل السياسي، وصحيح أنها غير قادرة على القبول بتسوية لا تلبي مطالب الناس في الحرية والكرامة، لكن ذلك لن يثمر ما لم ترتق بمسؤوليتها الوطنية تجاه محنة السوريين ومعاناتهم الإنسانية، وتتمثل دروس الثورة، وأوضحها نشر ثقافة تدين العنف والإكراه وتنبذ التباهي بعقلية المكاسرة والغلبة، وأهمها إطلاق المبادرات لتثقيل الوجه السياسي والمدني لقوى التغيير، ما يبدد مخاوف المجتمع الدولي ويشجعه على دعمها كبديل للنظام ويمنحها الثقة لقيادة المرحلة الانتقالية.

وبينما يتحدث الجميع عن أخطار استمرار الصراع ويروجون للخيار السياسي، فإن فرصة الحل تبقى ضعيفة ما دامت الأرضية المشتركة التي يمكن البناء عليها ضعيفة، وما دام بعض أطرافها لا يدرك طبيعة الخيارات المتوفرة أمامه ويرفض تقديم أي تنازل، وما دام رعاتها يستهترون بالمخاوف الحقيقية للسوريين، ويفتقدون تصوراً واضحاً حول جذور الصراع والأدوات الناجعة للضغط على المتحاربين وإجبارهم على ترك ميدان العنف ومنطق القهر والتدمير والإفناء.

والحال هذه، يبدو أن الصراع السوري لن يشهد في وقت قريب حلاً سياسياً جراء صعوبة التوفيق بين مصالح متعارضة تمثلها قوى إقليمية ودولية وفئات من النظام والمعارضة، زادها تعارضاً ما كرسه طول أمد الصراع والعنف المفرط من شروخ وانقسامات، وإذا لم يحض الخراب المعمم وأنين الضحايا والمعذبين، تبلور قوى ورؤى سياسية تتطلع، بعيداً من أوهام الانتصارات والحسم، نحو التشارك في بناء مستقبل جديد تحدوه دولة ديموقراطية ومجتمع مواطنة لا مكان فيه للتمييز أو لحقد وانتقام، فإن البديل هو استمرار الحرب الإقليمية والدولية على أرضنا، وربما حتى آخر قطرة دم سورية.

* كاتب سوري

الحياة»

 

 

 

 

تحفظات معارضة عن «تراجع» في وثيقة دي ميستورا ودمشق تضع أربعة شروط لنجاح مفاوضات جنيف/ إبراهيم حميدي

وضعت الحكومة السورية أربعة شروط لنجاح الجولات المقبلة من مفاوضات جنيف بينها قبول جميع فصائل المعارضة السياسية والعسكرية «سلطة الدولة على كل الأراضي السورية» وانضواء عناصر المعارضة «تحت سلطة الجيش السوري لمحاربة الإرهابيين»، الأمر الذي كان ضمن تعليقات وفد الحكومة على وثيقة مبادئ الـ (لا ورقة) التي وزّعها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على الأطراف السورية المشاركة في الجولة الماضية من المفاوضات وتضمنت «تراجعاً» عن بنود وردت في وثيقة العام الماضي، كما لاحظ معارضون.

وكان لافتاً أن الوثيقة التي وزعها دي ميستورا تحت مسمى «لا ورقة» على الأطراف السورية لتسلّم الملاحظات عليها قبل اعتمادها رسمياً، وتضمنت ١٢ مبدأ، بدت مختلفة كثيراً عن الوثيقة التي كان قد قدّمها المبعوث الدولي في نهاية الجولة السابقة في نيسان (أبريل) الماضي. ولدى مقارنة «الحياة» للوثيقتين لوحظ غياب الحديث المباشر عن «الانتقال السياسي» والقرار ٢٢٥٤ في البند السادس من الوثيقة الأخيرة، علماً أن البنود الثلاثة للقرار ٢٢٥٤ (الحكم، الدستور، الانتخابات) ستكون محل مفاوضات بين الأطراف السورية بهدف تحقيق الانتقال السياسي.

وكان البند العاشر من الوثيقة السابقة نص على التزام السوريين «إعادة بناء جيش موحد وقوي عبر نزع سلاح ودمج عناصر الفصائل المسلحة لدعم الانتقال السياسي والدستور الجديد مع احتكار السلاح. ولن يكون هناك تدخل من العناصر الأجنبية في الأراضي السورية». أما البند السابع من الوثيقة الحالية، فنص على «الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة تحمي بشكلٍ حصري الحدود الوطنية لتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة الاستخبارات والأمن أن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون».

وتناولت النسخة الأخيرة مبادئ عامة ضمن ١٢ بنداً تتعلق بـ «احترام سيادة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضاً وشعباً» و «حماية تمتّع سورية بالمساواة التامة من حيث السيادة الوطنية» وأن «يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديموقراطية عن طريق صندوق الاقتراع» وأن تكون «سورية دولة ديموقراطية وغير طائفية تقوم على المواطنة والتعددية السياسية»، إضافة إلى «الوحدة الوطنية والتمثيل العادل بإدارة المحليات في الدولة والإدارة المحلية الذاتية للمحافظات والمحليات». ونص البند السادس على «استمرارية عمل الدولة ومؤسساتها العامة، وتحسين أدائهما مع إجراء إصلاحات وفقاً لما تقتضيه الضرورة» بدلاً من الحديث عن «إعادة هيكلة» أو «إصلاح» وضرورة العمل «وفق معايير حقوق الإنسان».

وتناولت البنود الأخرى مبادئ عامة مثل «احترام حقوق الإنسان والحريات» و «إسناد قيمة عالية للهوية الوطنية لسورية» و «ضمان السلامة والمأوى للمشردين واللاجئين، بما في ذلك حقهم في العودة إلى ديارهم إذا رغبوا، وصون وحماية التراث الوطني والبيئة الطبيعية».

واستندت التعديلات على الوثيقة إلى ملاحظات وفدي الحكومة و «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة على الوثيقة السابقة. لكن وفد «الهيئة» لم يوافق على النسخة الجديدة بعد ومن المقرر أن يبحثها في اجتماع لـ «الهيئة» في الرياض في الأيام المقبلة. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، فإن انقساماً حصل في «الهيئة» إزاء جدول أعمال الجولة المقبلة بعد موافقة دي ميستورا على طلب دمشق زيادة «سلة مكافحة الإرهاب» إلى «سلال الحكم والدستور والانتخابات» إلى جدول الأعمال. إذ إن ممثلي الفصائل وافقوا على إدراج بند الإرهاب «لكن شرط إثارة كل التفاصيل المتعلقة بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي» في مقابل رفض الكتل السياسية هذا الأمر، خصوصاً بعدما أكد المبعوث الدولي أن مفاوضات جنيف المتوقع أن تبدأ في حدود ٢٣ الشهر الجاري، ستكون متوازية وغير مباشرة لبحث الحكم والدستور والانتخابات لتحقيق الانتقال السياسي، إضافة إلى «بحث الأمور الاستراتيجية المتعلقة بالإرهاب ضمن المرحلة الانتقالية» وترك تفاصيل وقف النار ومكافحة الإرهاب إلى مسار آستانة حيث سيعقد اجتماع آخر في العاصمة الكازاخستانية منتصف الشهر الجاري لتعزيز تشكيل المجموعة الروسية – التركية – الإيرانية لمراقبة وقف النار وتبادل المعلومات والرد على الخروق.

في المقابل، قدّم وفدا مجموعتي موسكو والقاهرة بعض التعليقات على «اللاورقة» لمبادئ الحل السياسي في سورية. وأبلغ مصدر في مجموعة القاهرة أن ملاحظاتهم تضمنت «استغراب ذكر عبارة قوة مسلحة قوية وموحدة» حيث تم اقتراح اعتماد عبارة «الحفاظ على مؤسسة الجيش والقوات المسلحة قوية وموحدة»، إضافة إلى اعتماد عبارة «الحفاظ على السيادة» بدل «احترامها»، وإلى اقتراح عبارة «مبدأ اللامركزية» الأمر الذي يقترب من موقف «الاتحاد الوطني الكردي» بزعامة صالح مسلم الذي لم يمثّل في مفاوضات جنيف بسبب «فيتو» تركي.

وإذ كان لافتاً أن «اللاورقة» الجديدة تضمنت الحق باستعادة الأراضي المحتلة بـ «الوسائل المتاحة» بدل الاقتصار على «الوسائل السلمية» في نص العام الماضي، فإن مجموعة موسكو اقترحت إضافة أن تكون «استعادة الجولان المحتلة بالوسائل المشروعة في القرارات الدولية»، إضافة إلى التأكيد على «عدم تدخل الجيش بالسياسة» ورفض «كل أنواع الإرهاب» مع دعم «اللامركزية».

أما الوفد الحكومي، فقدّم ثلاث ملاحظات على النص الجديد تتعلق بدعم «الجيش في محاربة الإرهاب والابتعاد عن الفصائل الإرهابية». وبحسب مصادر ديبلوماسية، فإن مسؤولاً في الحكومة السورية أبلغ ديبلوماسيين بوجود أربعة شروط لنجاح عملية جنيف هي: «أولاً، أن يؤمن كل المشاركين بالحل السياسي. ثانياً، اللجوء إلى صناديق الاقتراع لإظهار قوة المعارضة والحكومة ورفض أي تغيير من الخارج. ثالثاً، ابتعاد الفصائل المسلحة عن المجموعات الإرهابية المسلحة. رابعاً، يجب أن تؤمن جميع الأطراف المشاركة في الحل بسلطة الدولة على كل الأراضي السورية ويجب أن تشارك المجموعات الجيش السوري في محاربة الإرهابيين».

من جهته، قال رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن «الشيء الوحيد» الذي تحقق في جولة مفاوضات دامت عشرة أيام في جنيف هو الاتفاق على جدول أعمال وإن الحكومة السورية تريد التفاوض مع «وفد معارضة موحد»، الأمر الذي بدأت ملامحه عبر التنسيق بين «الهيئة العليا» ومجموعتي موسكو والقاهرة.

وكانت موسكو ضغطت على دمشق كي يوافق الجعفري على مناقشة الانتقال السياسي في جنيف مقابل إدراج مكافحة الإرهاب على جدول الأعمال. ولوحظ حضور نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف في أروقة مفاوضات جنيف مقابل التزام المبعوث الأميركي مايكل راتني الصمت ثم عودته مبكراً إلى واشنطن باعتبار أنه تسلّم منصب مساعد نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. ويتوقع تعيين ديبلوماسي جديد مبعوثاً خاصاً إلى سورية في الأسابيع المقبلة.

الحياة

 

 

 

لا مفاوضات في جولة جنيف 4/ عمر كوش

على الرغم من أن الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف 4 استمرت تسعة أيام متتالية، إلا أنها لم تكن، في واقع الأمر، جولة تفاوض بين الأطراف السورية، بل كانت لقاءات ومشاورات أجراها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بشكل منفصل، مع وفد الهيئة العليا للتفاوض، وما يُعرف بمنصتي القاهرة وموسكو، ومع وفد النظام السوري، وانتهت إلى وضعه أجندة تضمنت أربع سلال، تتعلق بمسائل الحكم والانتخابات والدستور واستراتيجية مكافحة الإرهاب، ويأمل أن يجري التفاوض عليها بالتزامن والتوازي في جولة تفاوضية خامسة، يرجح أن تعقد مع نهاية شهر مارس/ آذار الجاري.

ويمكن القول إن الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف لم تسفر عن تقدمٍ ملموس في مسار الحل السياسي الذي يمكنه أن ينهي مأساة السوريين، وأنها، مثل سابقاتها، لم يتم فيها ملامسة جوهر القضية السورية، المتمثل في الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظامٍ يلبي طموحات السوريين في الحرية والخلاص. ولا نستطيع القول إنها رسمت ملامح الجولة المقبلة من المفاوضات وحدودها، إذ لا أحد يضمن أنها ستركز على القضايا الجوهرية الخاصة بالانتقال السياسي، بما يعني إمكانية ظهور الملامح الأولية للحل السياسي، استناداً إلى بيان جنيف في حزيران/ يونيو 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2015، والسبب هو عدم وجود ضمانات بأن ينخرط وفد نظام الأسد في العملية التفاوضية بشكل جاد، من دون تسويف أو مماطلة، وأن لا يعود إلى رهاناته السابقة في الحسم العسكري، استناداً إلى الدعم غير المحدود من روسيا ونظام الملالي الإيراني ومليشياته المذهبية، إضافة إلى أن هذا النظام لم يعترف، إلى يومنا هذا، بوجود طرف آخر يتمثل بالمعارضة السورية، حيث جدّد رئيس وفده إلى مفاوضات جنيف الحديث عن وجود إرهابيين بين أعضاء وفد المعارضة، وتمكّن من إدراج بند مكافحة الإرهاب بضغط روسي، لكي يعود، من خلاله، إلى محاولاته السابقة في حرف قطار التفاوض عن سكته، ويخوض فيما خاضه من تفاهاتٍ في

“جولة مثل سابقاتها، لم يتم فيها ملامسة جوهر القضية السورية، المتمثل في الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظامٍ يلبي طموحات السوريين في الحرية والخلاص” جولات التفاوض السابقة. يضاف إلى ذلك كله أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تحدث عن المفاوضات، وكأن عملية التفاوض في جنيف محصورة في مجرد مشاركة أعضاء من المعارضة السورية في “حكومة وحدة وطنية”، تحت رئاسة مجرم حرب ورعايته، تسبب في تدمير مدن وبلدات سورية عديدة، وخصوصا مدينة حلب، وتهجير أكثر من نصف سكان سورية، فضلاَ عن قتل أكثر من 600 ألف سوري وجرح وتشويه مئات الآخرين.

وإن كانت الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف قد عقدت على وقع الخروق الكثيرة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في أنقرة في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016، ورعاه نظرياً كل من الروس والأتراك والإيرانيين، إلا أنه لم يتم تثبيته ولو يوما واحدا خلال جميع أيام جولة التفاوض، على الرغم من أن المبعوث الأممي قال، في اليوم الأول لانطلاق الجولة، إن الروس طلبوا من النظام السوري وقف إطلاق النار في أثناء فترة التفاوض، لكنه أضاف “في المناطق المتفق عليها”، وعنى ذلك إطلاق يد النظام، لكي يحدّد المناطق التي سيقصفها طيرانه وقتما يشاء، ولم يصدر أي شيء عن وفد الهيئة العليا، أو سواها من الأطراف، سوى مطالبات لفظية من بعض أعضائه بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار.

واللافت أن ما يسجل، في هذه الجولة، غياب الطرف الأميركي الذي تحول من فاعل في القضية السورية إلى مراقب، إضافة إلى غياب الطرف العربي، في مقابل حضور قوي للطرف الروسي، جسده حضور وفد ترأسه نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، الذي التقى جميع الوفود، ومارس ضغطاً قوياً على دي ميستورا لكي يدرج مسألة مكافحة الإرهاب، وما كان من الأخير إلا أن ينصاع للغضط الروسي، ويدرج الإرهاب في سلته التفاوضية الرابعة.

وليس ذلك وحسب، بل إن حديث وفد الهيئة العليا للتفاوض عن إيجابية اللقاء مع غاتيلوف، قابلته الناطقة باسم الخارجية الروسية بالحديث عن الدور السلبي الذي تقوم به الهيئة في عرقلة مسيرة التفاوض، في حين أن الجولة الرابعة برمتها لم تكن تفاوضية على الإطلاق، من حيث إنها تناولت الأمور الإجرائية التي من المفترض أن يقوم بها المبعوث الأممي قبل البدء في الجولة نفسها.

بدا واضحاً في هذه الجولة سيولة (وضعف) مواقف المعارضة السورية التي راح بعض أعضائها يتحدث عن “تنوع”، وليس خلافات بين أطرافها، ولعل وجود المنصّات بحدّ ذاته إضعاف لها، لأنه لا ينم عن التنوع بقدر ما يعبر عن اختلاف الرؤى والتصورات، وفقاً لأجندة الدولة الراعية للمنصة أو الداعمة لمجموعة هؤلاء المعارضين أو لغيرهم، حيث إن ممثل منصة موسكو تحدث علناً، ومن دون مواربة، بعد لقائه دي ميستورا، عن مسارين، أولهما “مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وخصوصا تنظيمي داعش والنصرة”، وثانيهما الحل السياسي، مردّداً مواقف موسكو المعروفة حيال القضية السورية، وبالتالي لم يأت مع منصته إلى جنيف للتفاوض من أجل خلاص السوريين الذين أرهقتهم المجازر والجرائم، وباتوا ينامون ويصحون على وقع قصف الطائرات والصورايخ ومختلف أنواع المدافع والراجمات، بل جاء تلبية لرغبة دولة المنصة التي نصبته معارضاً شرساً للمطالب الشعب السوري وليس للنظام الأسدي.

ومع انتهاء الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، بقي وفد المعارضة بانتظار الحصول على

“وجود المنصّات بحدّ ذاته إضعاف للمعارضة، لأنه لا ينم عن التنوع بقدر ما يعبر عن اختلاف الرؤى والتصورات” تأكيدات أن وفد النظام لن يستخدم سلة مكافحة الإرهاب ذريعةً لإخراج المحادثات عن مسارها، وجاء محصول هذه الجولة شحيحاً، ومتوافقاً مع أنها لم تعد منذ انطلاقها بتحقيق انفراجة أو اختراق ما، وهي بالفعل لم تحقق ذلك. لكن مع انتهائها، راح كل طرف يزعم تحقيق مكاسب محدودة، فيما لم يتمكن دي ميستورا من جمع الطرفين إلى طاولة واحدة، واكتفى بلقاء كل طرف على حدة، وأبعد ما توصل إليه محاولة للاتفاق على شكل جولة التفاوض المقبلة، و”إبقاء الزخم” على الأزمة، كي لا تنسى، والحصيلة التي خرج بها هي “لا ورقة”، حدّد فيها دي ميستورا نقاطاً عامة عن سورية والسوريين، متمنياً “تحقيق تفاهم مشترك أعمق، لكيفية مضينا في الجولات المستقبلية في مناقشة كل قضية”.

وقبيل انتهاء جولة التفاوض الرابعة، أعلنت موسكو عن موعد جديد لعقد اجتماع جديد في أستانة في الرابع عشر من شهر مارس/ آذار الجاري، استكمالاً لما باتت تشهده القضية السورية من جولات وتجاذبات ومشادات ما في بين جنيف وأستانة وسواهما، الأمر الذي يدعو إلى الاستشراف بأن مخاضات جديدة ستعصف بالقضية السورية، في سياق محاولات إيجاد حل سياسي لها بين القوى الراعية لمساري أستانة وجنيف… والحبل على الجرّار.

العربي الجديد

 

 

 

في انتظار جنيف نهائي/ فاطمة ياسين

اختتم مؤتمر جنيف السوري في وقته المحدد، وحافظت الأمم المتحدة على نهجها المعتمد في اللقاءات التي تعقد تحت رعايتها، فودعت الوفود المشاركة بمؤتمر صحافي يقوده ممثلها، ستيفان دي ميستورا الذي كان منتشياً أمام الصحافيين، وهو يلمِّح إلى ما اعتبره نجاحاً اتفقت فيه الأطراف على جدول أعمال بمضامين عريضة جداً! تبدو البنود الأربعة ذات عناوين واعدة، قبل أن تتناثر كقطع البلور الناعم إلى تفاصيل، وفق عمليةٍ يجيدها وفد النظام، ومن غير المعروف إذا كان نقاش تلك التفاصيل سيتم في الجولة المقبلة التي وعد دي ميستورا بإطلاقها قبل نهاية شهر مارس/ آذار الحالي.

تشير الموضوعات المتفق عليها، وخصوصا بند الانتقال السياسي، إلى الماراثون التفاوضي المفروض على وفد المعارضة، الذي سيعاني من التوليف مع المنصات التي أضيفت إليه، وهي تحمَّل شخصيات مثيرة للجدل، وسيجابه وفد النظام الذي يرغب في إضاعة الوقت، والغوص في التصريحات والتلويح بالإرهاب، العنوان الجذاب بالنسبة للغرب، وقبل ذلك كله فنجاح التفاوض والوصول إلى نتيجة مرضية، يتطلب وجود “منصةٍ” لا غنى عنها، وهي حد أدنى من اتفاق دولي وإقليمي يمكن أن يفضي إلى نتائج عملية.

تحولت المأساة السورية إلى ملفٍ سميك، ينظر إليه بمقاييس السوق والربح والخسارة، ويتطلب الحل ترتيباً يساير مزاج الإقليم والقوى الكبرى المؤثرة، وحل من هذا النوع لن يتم إلا بطريقة توزيع الأسهم، وهي حالةٌ تُخفي الجمر تحت الرماد، وتبقيه مضطرماً إلى حين الحاجة إليه، مثل هذا التكتيك الذي يؤجل الحل، ويحتفظ براهن شديد التداخل بأقل الأكلاف، يعقِّد الخلاص النهائي الذي يستوجب توافقات عريضة وتفاهماتٍ على تفاصيل وعوامل متباينة بين مختلف القوى المؤثرة، وعددُها، هي الأخرى، كبير جداً. ولكن سحنة دي ميستورا المتفائلة، ونشوته بالنجاح في إقحام البند السحري الذي يناقش الانتقال السياسي، تقول إن مناخاً قد يكون إيجابياً يسود في الأجواء. وقد أوحى رئيس وفد المعارضة، نصر الحريري، بذلك بقوله، في ختام مفاوضات هذه الجولة، إن اليوم الأخير كان إيجابياً، لأن مناقشة الانتقال السياسي حصلت، وبشكل معمق. لم تتضح التفاصيل العميقة التي أومأ إليها الحريري، وبواسطتها فقط نستطيع تقدير الانفراج الذي يمكن أن يكون قد حصل، ليخفي جزئياً غمام التشاؤم الذي لف بداية المفاوضات ووسطها.

الأيام المائة المعطاة لكل رئيس أميركي لتقييم عمله لم تنقضِ بعد، وعلى الرغم من تصريحات دونالد ترامب المنفلتة، وإصراره على قيادة الولايات المتحدة عبر “تويتر”، يبدو أنه سيتصرف كرئيس أميركي تقليدي، بخضوعه لمؤسسات النظام وتقاليده السياسية العريقة، مثل العداء لإيران. وهنا قد تزداد الجرعة قليلاً، وهو موقفٌ تقليديٌّ للجمهوريين الذين ينتمي إليهم ترامب. بالإضافة إلى موقف الإدارة الأميركية المتردّد من تركيا، وقد ورثت توتراً في العلاقة، لن يلبث أن يعود إلى وضعه الطبيعي، مع البلد الكبير الذي يحتضن قواعد أميركية مهمة، وعلى خط المواجهة. وعند هذه النقطة، قد يتوقف الرئيس الأميركي ليعيد تقييم علاقته بروسيا، الأمر الذي سيعيد كل شيء إلى وضعه الطبيعي.

عربياً، يظهر التموضع المصري المرتبك، حيث امتنعت مصر عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرارٍ يعاقب النظام، وهي تتقرب من إيران وروسيا، بعد أن “ضمنت خسارتها النهائية” للخليج الذي يراقب كل شيء بحذر، من دون أن يتخلى عن موقفه المتقدم عدة خطوات عن باقي المواقف.

لا يبدو الجو جوَّ تفاهم، بقدر ما هو مناخٌ حذر، تعد فيه الأطراف النقاط، وتكتفي بالمراوحة في المكان، انتظاراً لأي بادرةٍ من الأطراف الأخرى، وخصوصا أن الطرف الأميركي ما زال يبدي بروداً تجاه سورية، كما في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما. ونتائج المؤتمر، في الواقع، تعكس هذا المناخ، فهي لم تنجح ولم تفشل، فبدأ المؤتمر وانتهى، بحسب الخطط الموضوعة، وتبادلت الوفود الاتهامات، كما هو مقرّر تقليدياً، وأُقرّت خطة التفاوض، وفُرِض بند التحول السياسي الذي يمكن استخدامه بطرق متعدّدة، ومن كل الأطراف.

العربي الجديد

 

 

 

ما هكذا تورد الإبل في التفاوض/ علي العبدالله

انبرى معارضون سوريون من الصف الأول إلى مقارنة تكتيك النظام السوري التفاوضي بالتكتيك التفاوضي الإسرائيلي مع الفلسطينيين، ما أثار أسئلة حول المغزى والجدوى.

يبدو أن وراء المقارنة مسعى لتأليب الرأي العام السوري والعربي والإسلامي على النظام بتوظيف المأساة الفلسطينية، التي تتمتع بتعاطف شعبي واسع، بتجاهل تام للتحول الذي حصل في الأوساط الشعبية إزاء القضية الفلسطينية في ضوء استخدام السلطات والأنظمة العربية للمظلمة الفلسطينية، طوال عقود، غطاءً للسيطرة والهيمنة على شعوبها وسلبها حقوقها وحرياتها بذريعة مواجهة الخطر الصهيوني، و «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، والبطش والوحشية التي واجهت بها شعوبها عندما تحركت للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها في حياة حرة كريمة و «تجاوزها ما فعلته إسرائيل بالشعب الفلسطيني، وهي عدو قومي، مئات المرات»، وفق تقدير لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في حديث له مع معارض سوري.

وهذا ما جعل محاولة التوظيف نافلة وفي غير محلها أولاً، لأن استخدام ورقة إسرائيل، وإن بهدف معاكس لاستخدامات السلطات والأنظمة العربية، بات غير مجدٍ، فالورقة محروقة وعديمة الفائدة، وقد سبق وحاول النظام العزف على العلاقة بين المعارضة وإسرائيل ولم تثمر المحاولة، وثانياً لأن معرفة أولية بأساليب التفاوض وخططها وتكتيكاتها كانت كافية لاكتشاف أن تكتيك النظام التفاوضي مأخوذ منها وله وصف وتسمية: تكتيك «الأسطوانة المشروخة» والذي يبقى متبعه يعيد المواقف ذاتها، حتى يدفع الخصم للتسليم بها أو ينسحب فيحقق لصاحب التكتيك هدفاً مرحلياً هو تحميل الخصم مسؤولية انهيار المفاوضات، الذي قد يكون هدفه الحقيقي من وراء استخدام هذا التكتيك، وتعريضه لضغوط داخلية وخارجية تضطره للعودة إلى المفاوضات بظروف غير مواتية قد تدفعه إلى التنازل.

والمفاوض اللماح، صاحب الخيال الواسع والخصب، قادر على إدراك طبيعة التكتيك وأهدافه والعمل على إفشال خطة الخصم بتلافي الوقوع في كمائنه.

أما المستوى الثاني من المقارنة والذي ركز على استنكار تجزئة الملفات وتمديد الزمن واستخدام القوة لإضعاف الخصم، فينم عن جهل بمجمل آليات التفاوض التي تربط بين الميدان وطاولة المفاوضات والتصرف على الطاولة، وفق مقتضيات الميدان وعلى الميدان خدمة لمتطلبات الطاولة.

لا تكمن مشكلة المعارضة السورية، بمستوييها السياسي والعسكري، في التأخر في توظيف المعطيات والوقائع، بل في التأخر في التقاط التغيرات، الإستراتيجية والتكتيكية، في معادلة الصراع كذلك، وهذا زاد صعوبة تحركها في المواجهة لأنه حد من قدرتها على الفعل في الزمان والمكان المناسبين.

بدأت مشكلة المعارضة في اللحظة التي عجزت عن إدراك طبيعة التدخل الخارجي في الصراع وحجمه، وحقيقة مواقف الدول التي تقدمت لدعمها في مواجهة النظام وهدفها من هذا الدعم: أهو لنصرة الثورة أم للإمساك بها وتسييرها نحو نهايات لا تلتقي، بل لا تتقاطع، مع هدف السوريين في الحرية والكرامة. لم تنظر في خلفيات الدول ومصالحها وأهدافها بل استسلمت لتصورات تبسيطية ومخلة وانساقت خلف هذه الدول من دون تفكير أو تقدير أو تساؤل.

وزاد الطين بلة استمراء قسم كبير من المعارضة، أفراداً وجماعات، لحالة التبعية والاستزلام على خلفية تحقيق منافع شخصية أو فئوية.

كرست هذه الممارسة معادلة سلبية: وحدة شكلية في مواجهة النظام وصراعات داخلية على خلفية التنافس غير الصحي، إما لتحقيق منافع شخصية وفئوية، أو لتنفيذ توجيهات الجهات الخارجية الداعمة، وهذا رتب أولاً انفصالاً بين المستويين السياسي والعسكري، ما أفقد المستوى السياسي فرصة الربط بين الميدان وطاولة المفاوضات خلال مفاوضات جنيف 1 و2 و3، وألغى، ثانياً، فرص توافق داخلي صلب في كلا المستويين، ما جعل المحصلة العملية لجهودهما وتضحياتهما تفاضلية أفقدت المستوى السياسي القدرة على قيادة قوى الثورة وتمثيلها في الخارج، وأفقدت المستوى العسكري القدرة على المحافظة على المكاسب الميدانية التي حققها في مراحل الصراع وتثميرها سياسياً بوضعها تحت تصرف المستوى السياسي، من أجل استثمارها في تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة. وهذا، بالإضافة إلى استسلامها لعفوية ساذجة، ما حرم المستوى السياسي من وحدة الموقف والتحرك وفق خطة مدروسة، وحرم المعارضة، بمستوييها السياسي والعسكري، من فرصة خوض التفاوض باعتماد التكتيك الفيتنامي: التفاوض تحت النار، بعد أن نجح الطرف الروسي، حليف خصمها، في استثمار الانفصال بين المستويين السياسي والعسكري وجذب المستوى العسكري إلى مفاوضات من دون مشاركة المستوى السياسي، بل من دون التنسيق معه، وحقق وقفاً لإطلاق النار، وقيّد الفصائل بالتزامات حدّت من قدرة المستوى السياسي على المناورة، وأفقدته فرصة الرفض، خوفاً من فتح المجال أمام مفاوضات منفردة بين النظام والمستوى العسكري، وهذا وضعه في موقف المضطر والمجبر على التفاوض في شروط غير مواتية، وتشجيعه (الطرف الروسي) المستوى العسكري على الانخراط في المفاوضات السياسية، تحت سقف اتفاقاته العسكرية في الآستانة، فوضع المستوى السياسي في موقف حرج، لأنه لم يتم تنفيذ حقيقي لاتفاق وقف إطلاق النار، فأصبح يتفاوض تحت نار الخصم. ولأنه غير قادر على توجيه نقد إلى المستوى العسكري، كي لا يشكك بوحدة وفده شكلاً ومضموناً.

لقد تراكمت أخطاء المستويين السياسي والعسكري ما أدخلهما في مأزق الخروج منه ليس سهلاً حتى لا نقول مستحيلاً.

* كاتب سوري

الحياة

 

مهزلة جنيف: النظام هو المعارضة/ عبد الرحمن الراشد

حتى تسيطر ألمانيا النازية على فرنسا المحتلة في الحرب العالمية الثانية جاءت بفرنسيين وصنعت منهم حكومة من دمية، سُميت بحكومة فيشي، وذلك حتى تقنع العالم بشرعية وجودها. هذا ما يفعله نظام دمشق. فهو عندما تبين له أن للمعارضة شرعية تتجاوز شرعيته لجأ إلى حيلة اختراع جماعات تدعي المعارضة، وفتح لها باب العمل في دمشق، وأرسلها للعواصم الموالية له، مثل طهران وموسكو، تفاوض بالنيابة عن المعارضة. ولأكثر من ثلاث سنوات لم يصدق أحد هذه المسرحية، التي تسمى بمنصة موسكو ومنصة القاهرة، مجرد ملحق بالنظام السوري.

نظام دمشق، من خلال روسيا، أصرّ على فرض هذه الجماعات المزورة في مفاوضات جنيف، وبعد أن وافق المبعوث الدولي على إشراكها، الآن تصر موسكو على أن تدمجها ضمن وفد المعارضة الحقيقي! وعندما رفضت المعارضة الحقيقية ضم المزورة إليها اتهمتها بتخريب المفاوضات!

ولم يعجب الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رفض المعارضة، وقالت إن «الهيئة العليا للمفاوضات ترفض التعاون على مستوى متساوٍ مع منصة موسكو ومنصة القاهرة وتقوض بحكم الأمر الواقع الحوار».

بعد إشراك منصتي موسكو والقاهرة أصبحت مفاوضات جنيف مهزلة سياسية هي الأسوأ في التاريخ، ولا نعرف لها مثيلا، حتى حكومة فيشي المزورة كانت أكثر نزاهة منها. في رأيي لم يعد هناك معنى لاستمرار المعارضة، أي الهيئة العليا للمفاوضات، في المشاركة، بعد أن سلبوا منها كل شيء، حتى حق تمثيل أنفسهم كمعارضة.

أصبح كل شيء يمثل النظام مزوراً، فلا الجيش جيشه، ولا معارضوه الذين يصر على التفاوض معهم هم حقاً معارضوه. وقد اشتهر نظام الأسد بتلفيق الشعارات من قومية وعروبة وديمقراطية، وتزوير الانتخابات، واختراع تنظيمات مفبركة مثل «فتح الشام» نيابة عن المقاومة الفلسطينية في لبنان، و«الجهاد الإسلامي» في غزة. وعندما قرر اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، في عام 2005، صنع تنظيماً سماه «جند الشام»، وأنتج شريط فيديو يزعم فيه شخص اسمه أبو عدس أنه الانتحاري، وتبين للعالم لاحقاً أنها رواية مكذوبة، حيث أظهرت التحقيقات الدولية أسماء الفاعلين الحقيقيين المرتبطين بالنظام في دمشق. وفعل أكثر من ذلك في حرب العراق بعد الغزو الأميركي حيث أسس، بالتعاون مع إيران، تنظيمات ادعى أنها مقاومة إسلامية وبعثية.

هذه المنصات المعارضة، واجهات تقدم مطالب النظام وتدافع عنه، وما دامت موسكو وإيران تساندان هاتين المعارضتين فالأجدى أن توقع معهما الاتفاق في طهران وتنهي هذه المهزلة.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

انتهت مفاوضات جنيف 4 فماذا بعد/ ماجد كيالي

انتهت الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف كما هو متوقّع منها، أي من دون أي نتيجة تذكر، باستثناء إصرار المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا على أن مهمة هذه المفاوضات تتحدد بمناقشة قضايا الانتقال السياسي، أي إنشاء حكومة مشتركة وصوغ الدستور والانتخابات، وترك القضايا المتعلقة بوقف القتال وحل المسائل الإنسانية ومكافحة الإرهاب (الذي تمت إضافته من قبل وفد النظام) لمسار أستانة؛ أي للمفاوضات المقبلة في العاصمة الكازاخية.

الأهم من ذلك أن هذه المفاوضات، التي اقتصرت على التوافق على بعض المسائل الإجرائية وتحديد جدول الأعمال، أسفرت، أيضاً، عن تقديم المبعوث الدولي اتفاق “إطار”، أو “لا ورقة”، من 12 نقطة، إلى الطرفين المتفاوضين لمناقشتها وإقرارها، في محاولة منه لإيجاد حلحلة للعملية التفاوضية، أو ربما للتعويض عن الإخفاق الحاصل في هذه الجولة، نتيجة تهرب وفد النظام من مناقشة القضايا المطروحة.

بيد أن ما يفترض الانتباه إليه هو أن هذه النقاط هي من النوع العمومي، غير المختلف فيه، وهذا يحسب لها، ما يفسّر ترحيب الطرفين بها من حيث المبدأ، وهذا تطور مهم وإيجابي يفترض البناء عليه، في الجولة القادمة من المفاوضات. لكن ما يفترض إدراكه أيضاً، أن تركيز تلك النقاط على العموميات، وعدم خوضها في المسائل المتعلقة بتحقيق الانتقال السياسي، وضمنها مصير بشار الأسد، يجعلها من دون معنى سياسي ملموس، ويترك الأمر مفتوحاً لتفسيرات الجانبين، وبخاصة لتطورات الوضع الميداني على الأرض، والتغيرات المحتملة في سياسات الفاعلين الدوليين والإقليميين في الملف السوري؛ ولا سيما منها الاستراتيجية المقبلة للإدارة الأميركية الجديدة بخصوص الصراع السوري.

إلا أن هذا التقييم لـ“لا ورقة” دي ميستورا لا يغفل بعض النقاط المهمة الواردة فيها، والتي تفيد في التغيير السياسي، وفي صوغ إجماع حول شكل سوريا المستقبل، والتي ينبغي البناء عليها. ولعل النقطة الرابعة هي أهم هذه النقاط، وأكثرها حساسية، إذ نصّت على اعتبار “سوريا دولة ديمقراطية وغير طائفية تقوم على المواطنة والتعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء، وحماية الوحدة الوطنية، والاعتراف بالتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وحماية الحريات العامة”. كما ثمة النقطة السابعة التي تحصر مهمة القوات المسلحة “بحماية الحدود الوطنية، وحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وأن على أجهزة المخابرات والأمن أن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون”.

الجدير ذكره هنا أن دي ميستورا أعاد في تصريحاته (في المؤتمر الصحافي الختامي) التأكيد على أن المفاوضات تجري وفقاً للخطوط العامة التي وردت في قرار مجلس الأمن الدولي (2254)، وأن الهدف المتوخّى يضمن إقامة حكومة شاملة وغير طائفية خلال 6 أشهر، وصياغة الدستور خلال 6 أشهر أخرى، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في نهاية العملية، التي تستغرق 18 شهراً، وأنه حصر تعريف الجماعات الإرهابية، بفصيليْ النصرة وداعش، أي بحسب تصنيفات الأمم المتحدة؛ وليس حسب ما يريد النظام.

وبشكل عام يحسب لوفد المعارضة، برئاسة نصر الحريري، أداؤه الهادئ والموفّق والمرن، في الكثير من المواقف والقضايا، وعدم خضوعه لاستدراجات أو ابتزازات أو مزايدات، من قبل وفد النظام؛ وحسناً فعل وفد المعارضة بقبوله النقاط التي تقدم بها دي ميستورا مباشرة، ومن دون أي مواربة.

أما لجهة الملاحظات، فإن ما يؤخذ على وفد المعارضة كبر حجمه، بضمه حوالي خمسين بين أعضاء ومستشارين، وأن ثمة متحدثين كثرا باسمه لم يكن بعضهم موفقاً في عرض مواقفه، وكان الأجدى لو اقتصر الوفد على بضعة أشخاص، مع مستشارين خبراء، ولو ترك الحديث باسم الوفد لرئيسه فقط؛ على نحو ما يحصل في وفد النظام مثلاً.

أيضاً، كان الأوْلى بوفد المعارضة أن يلتقط محاولات وفد النظام حرف الحديث عن الانتقال السياسي إلى بحث الإرهاب، بتأكيد قبول بحثه إلى جانب المسارات الأخرى، بدلاً من الظهور كمن يرفض ذلك، وهو ما حاوله جزئيا رئيس الوفد في بعض تصريحاته، بحديثه عن إرهاب النظام، الذي يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة وبالكيمياوي والصواريخ الفراغية، بالطائرات والحوامات، ناهيك عن وجود ميليشيات إرهابية، كحزب الله و“فاطميون وزينبيون”، من لبنان والعراق وأفغانستان.

اقتراحي للمعارضة: دعوا النظام يرفض، اجعلوا من بند مكافحة الإرهاب بنداً لمحاكمة النظام، على قصفه الوحشي للمدنيين، وتشريده السوريين، وتدميره عمران سوريا، ولتوضيح عدالة ومشروعية التغيير السياسي في سوريا. حولوا فكرة التزامن في نقاش جدول الأعمال إلى بند يوضح رؤية المعارضة لمستقبل سوريا، كدولة مواطنين أحرار ومتساوين، وكدولة مدنية ديمقراطية، في نظام برلماني لا طائفي ولا اثني، بدل النظام الرئاسي الاستبدادي.

ليكن في مركز الإدراك أن الصراع التفاوضي جزء من الصراع على سوريا المستقبل، وعلى مكانة المعارضة عند شعبها، وفي العالم، وأن هذا الصراع لن يحسم إلا بوجود توافقات دولية وإقليمية، وليس على طاولة المفاوضات (سيما بالنظر لضعف المعارضة)، وهو ما ينبغي إيجاد التقاطع معه، من خلال تقديم التصورات التي تتلاءم مع القيم والمعايير السياسية والأخلاقية الدولية.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

 

كمائن دي ميستورا في “جنيف 4″/ أيمن أبو هاشم

من الصفر، ومن دون أية شروط مسبقة، شاركت الهيئة العليا للمفاوضات في “جنيف 4″، كي لا تُتهم، كما حدث في “جنيف 3” أنها تعرقل العملية السياسية. وهكذا انطلقت المفاوضات في ظل رجحان التأثير الروسي الذي طاول التدخل، حتى في إعادة تشكيل وفد المعارضة، والأهم تمرير منطق الفصل بين المسارين السياسي والإنساني، وهو ما لم يعارضه المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بقدر ما سعى بوضوح إلى تجاهل عملية التوازي بين المسارين، الإنساني والسياسي، بدلالة انطلاق مفاوضات “جنيف 4″، في ظل استمرار انتهاك النظام وحلفائه اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016، ومواصلة نكث روسيا الوعود التي أطلقتها في مفاوضات “أستانة 1و2” بهذا الشأن. لم يشذ عن الإفشال المتعمد للمسار الإنساني ما يتعلق أيضاً بإجراءات بناء الثقة التي بقيت حبراً على ورق منذ “جنيف 1″، وما جاء في كل القرارات الدولية التي نصت عليها، لكن بدلاً من إعادة الاعتبار لضرورة إيجاد مناخ يشجع على نجاح العملية السياسية، يُحيل دي ميستورا في، وثيقته المقدمة لطرفي التفاوض، البحث في القضايا الإنسانية، إلى مرجعية منفصلة عن “جنيف 4” هي “مرجعية أستانة”. بمعنى أشد خطورة، إبقاء رأس الثورة والمعارضة تحت ضغط الواقع الميداني، بكل تداعياته المأساوية المفتوحة، وإغراقها في ملفات العملية السياسية، تحت عنوان يتداخل فيه الفشل التام مع النجاح الكامل، حين تقول وثيقة دي ميستورا: “لن يتم الاتفاق على شيء قبل الاتفاق على كل شيء”، وهي عبارة تحمل الشيء ونقيضه، لأنها تعتبر فشل أي مسار كافياً لقطع الطريق على أي تقدم في المسارات الأخرى، وهي سابقةٌ تخرج عن فلسفة التفاوض التي تقوم على نزع العوائق، وتجاوز الكمائن أمام إمكانات تقدم العملية التفاوضية.

ما يُفهم منه، استخلاصاً، إما الانصياع لما تفرضه موازين القوى على الأرض، وتأطيرها في تفسيراتٍ تخرج عن محدّدات القرار 2254، أو التلويح بالوصول إلى حائط مسدود، في حال إصرار وفد المعارضة على التمسك بمسائل موضوعية أساسية، من أهمها التزامن بين

“لدى وفد المعارضة السورية أوراق قوة كثيرة، من أهمها إرادة شعب عظيم رفض الاستسلام طوال السنوات الماضية” المسارين، الإنساني والسياسي، ووحدة المرجعية التفاوضية، وجدول زمني مؤكّد نحو تحقيق عملية الانتقال السياسي، كما ورد في الفقرة ب المادة 7 من القرار 2118، إذ تحمل وثيقة دي ميستورا بدلاً من تحديد وتوضيح تلك المسائل بما يتسق مع “بيان جنيف1” تحملُ، في بنودها المقترحة، رؤية تتسم بكثير من المراوغة والتضليل، لأنها، من جهة أولى، تتحدّث عن فصل المسارين، الإنساني والسياسي، وإحالة كل منهما إلى مرجعيةٍ تفاوضيةٍ، لا وضوح في آليات (وإجراءات) الربط بينهما. ومن جهة ثانية، تمييع تمثيل وفد المعارضة بهدف تشتيت التمثيل، وصولاً إلى وفد موحد غير متجانس، وقابل للانقسام والتفكك من داخله في كل لحظةٍ يكون ذلك غُبّ الطلب. ومن جهة ثالثة، القفز عن الفترة التي حددها القرار 2254، لجهة “إقامة حكم ذي مصداقية، يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر”، وفق ما جاء في القرار المشار إليه. حيث تتحدث الوثيقة عن أسابيع للتفاوض، وربما أشهر.. وتضعنا أمام سلّات ثلاث: الحكم والدستور والانتخابات، ثم أضيفت سلة رابعة، تتعلق بمكافحة الإرهاب. ليس من السهل التنبؤ بما تضمره من تباين حاد، بين رؤية وفد النظام لأولويتها وانتقائية تطبيقها، ورؤية وفد المعارضة ضرورة تطبيقها بصورة متزامنةٍ مع المسارات الأخرى، وشمولها كل مليشيات إيران المنتشرة بكثافة في سورية. يُضاعف من حدة التباين حولها أيضاً، جموح المقاربة الدولية الراهنة للإرهاب، لا سيما مع الادارة الأميركية الجديدة، لفرض معايير استنسابية حول الإرهاب، تقطع مع مصادره وأسبابه الحقيقية، ولا ترى ضيراً أن يكون النظام الذي بذرت جرائمه المروّعة، التربة الخصبة أمام انتشار قوى التطرّف، هو الشريك المقترح لمحاربة القوى الإرهابية. جرياً على هذا التوليف البعيد عن متطلبات الإنصاف، يتم زج السلل الثلاث الأخرى في لعبةٍ تتيح التناظر فيما بينها، حين يستعصي التوافق على جدولة كلٍ منها حسب الأولوية، إذ يُخشى أن يؤدي الفشل في التوافق على صيغة الحكم الانتقالي، إلى الضغط على المعارضة، لإصدار إعلان ما فوق دستوري، علماً أنه لا يستوي، في المنطق القانوني، البحث في صياغة دستور وإجراء انتخابات، من دون الاتفاق أولاً على الهيئة الحاكمة الانتقالية التي من جوهر مهامها الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني، أو جمعية تأسيسية تضع الدستور، والذي يحدّد النظام الانتخابي الجديد. كان هناك من يريد بخصوص الدستور، أن يضع العربة أمام الحصان منذ “أستانة1″، وكان مشروع الدستور الذي اقترحه الروس على وفد الفصائل العسكرية، وقتذاك، من ضمن تلك المحاولة التي تضمر تدخلاً سافراً في شأنٍ وطنيٍّ سيادي، لا يحق لأي دولةٍ أن تتدخل فيه. ولذلك كان التصريح الصادر عن وفد المعارضة في جنيف بقبولها اعتماد دستور 1950 رسالةً خاطئةً، لأنها تعطي انطباعا باستعداد المعارضة تجاوز التسلسل المنطقي في مراحل العملية السياسية، من الناحيتين، الموضوعية والزمنية.

لعلّ معرفة دي ميستورا الذي يفضّل تسميته بميسّر أو مسّهل، بأوجه الالتباس بين صيغة هيئة الحكم الانتقالية في (بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118) وصيغتها في القرار 2254

“انطلقت المفاوضات في ظل رجحان التأثير الروسي الذي طاول التدخل، حتى في إعادة تشكيل وفد المعارضة” التي تتحدث عن حكم غير طائفي، من دون تعيين هوية الجسم الذي ستتشكل منه ووظيفته، فيما إذا كان كامل الصلاحيات التنفيذية، أو حكومة وحدة وطنية تكرس مشاركة النظام، وليس إطاحته. ما يمنح الدول المتمسكة ببقاء الأسد وتلك التي تضع أولوية مواجهة الإرهاب على إسقاط نظامه، هامشاً واسعاً للمناورة، وشراء الوقت الكافي لجدولة عملية الانتقال السياسي، وفق التسويات النهائية للاعبين الأساسيين في الساحة السورية، وليس وفق موجبات المرجعية القانونية الدولية التي قامت عليها محطات العملية التفاوضية. لذا لم يعد خافياً أن دور دي ميستورا “منسقا” بين مواقف تلك الدول ومصالحها، أدق من أي تسمية أخرى له.

لا يغير من هذا المشهد كثيراً، اعتقاد بعضهم، حتى في أوساط المعارضة، أن قبول وفد النظام مناقشة بند الانتقال السياسي قرينةً على تقدم في العملية السياسية، طالما أن مفهوم النظام لهذا الانتقال لا يندرج ضمنه تغيير القيادة بأي حال، كما صرح فيصل المقداد علناً في بداية الجولة التفاوضية، وختم بشار الجعفري في نهايتها، حين أكد أن لسلة الإرهاب الأولوية عند النظام.

تفرض تلك الحقائق على وفد الهيئة العليا للمفاوضات، باعتباره الأكثر تمسكاً بتطبيق “بيان جنيف 1″، وتحقيق الانتقال السياسي المنشود، العمل وفق الآتي:

أولاً: رفض أية محاولة يتم فيها استدخال قضايا الدستور والانتخابات، قبل البت بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، مع تثبيت جدول زمني للمفاوضات حولها. وضبط توجهات ممثلي المنصات المحتمل خرق بعضهم هذا الموقف الجذري، بوضع آلية لاتخاذ قرارات وفد المعارضة، تنص صراحةً على التزام الجميع بذلك الموقف، في كل الظروف، وعلى امتداد العملية التفاوضية المتعلقة بهيئة الحكم الانتقالي.

ثانياً: بما أن ممثلي الفصائل العسكرية ضمن وفد الهيئة العليا للمفاوضات، التشاور والتوافق معهم على رفض الفصل بين مساري أستانة وجنيف 4، من خلال مطالبة ممثليهم عدم المشاركة في مفاوضات أستانة 3، المزمع عقدها في 14 مارس/ آذار الجاري، بدعوى أن النظام وحلفاءه لم يتقيدوا باتفاقية 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016 من جوانبها كافة. وكي لا تتحول مشاركة وفد الفصائل العسكرية إلى غطاء لاستمرار انتهاك وقف إطلاق النار، والانتهاكات المشهودة التي تطاول المدنيين. والمطالبة تالياً بإحالة كل المسائل الإنسانية إلى مفاوضات “جنيف 4” لاستعادة عملية التزامن بين المسارين، السياسي والإنساني، وفق رؤية تفاوضية وعملياتية شاملة وموحدة.

ثالثاً: التمييز بين دور روسيا المؤثر في سورية، وكيفية التعامل مع حقائقه، وبين حدود التعويل على مصداقيتها، لا سيما أن حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته، أخيرا، لمنع صدور قرار يعاقب مؤسسات النظام وأفراده، يشير مجدداً إلى تمسكها بالسياسة ذاتها الداعمة لبقاء النظام وعدم إضعافه، ما يوجب على وفد المعارضة الحذر في التعامل مع وعودها ورسائلها، سواء المعروضة من فوق الطاولة أو تحتها. يحتم ذلك الكف عن التصريحات التي أطلقها بعضهم “عن دور روسيا في الضغط على النظام أثمر قبوله مناقشة الحكم الانتقالي”، لأن مثل تلك التصريحات المجانية تُشيع تفاؤلاً ليس في مكانه، وتُجمّل الموقف الروسي الذي لم يتراجع عن دعم النظام، في ميادين القتال وضد المدنيين، وفي التغطية على جرائمه في مجلس الأمن.

أخيراً، في قضية عادلةٍ، بحجم ثورة الشعب السوري، ليست موازين القوى العسكرية على الأرض هي الورقة التفاوضية الحاسمة في ميزان التفاوض، فلدى وفد المعارضة أوراق قوة كثيرة، من أهمها إرادة شعب عظيم رفض الاستسلام طوال السنوات الماضية، وتحمل ما لا طاقة للجبال على احتماله، لكي يؤكد للعالم أجمع أنه جدير بالحياة والحرية، وأن على من يفاوضون باسمه أن يتمسكوا بهذه الورقة، مهما واجهوا من الضغوط والصعوبات والتحديات.

العربي الجديد

 

 

 

جنيف 4 واستحالة التسوية راهناً/ خالد غزال

لم يكن مفاجئاً خروج مفاوضات جنيف 4 بسلة فارغة على رغم الزمن الذي اتخذته قياساً الى جولات سابقة. كما أن تصريحات رئيس وفد النظام عن أن “الإيجابية” الوحيدة هي الاتفاق على اجتماعات مقبلة، كان معبّراً. واذا كان وفد المعارضة، المكون من معارضات وفق الارتباطات العربية والإقليمية، قد أتى وفي ذهنه تحقيق مكاسب سياسية، فإن ما شهده خلال المؤتمر يجب ان يكون كافياً ليدرك أن مفاتيح حل الأزمة ليست في يد النظام السوري ولا في يد المعارضة او المعارضات السورية، بل تقيم في أماكن أخرى مُقررة.

لم يعد سراً أن مفتاح التسوية في سورية تملكه روسيا في شكل قاطع، وهي تحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض. على رغم الموقع الذي تحتله إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية، وكذلك تركيا وميليشياتها ايضاً، إلا أن هذه القوى عاجزة عن فرض جدول أعمال اي مؤتمر للتسوية والسير به منفرداً، هذا في حال كانت هذه القوى ترغب في الوصول الى تسوية في الوقت الراهن.

بالنسبة الى روسيا، الأزمة السورية تشكل ورقة قوية ورابحة في الصراع على النفوذ الإقليمي والدولي، تستخدمها في الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية على تقاسم مناطق النفوذ وعلى تسويات في مناطق دولية ترى فيها روسيا مواقع تريد الحفاظ عليها. هنا المفتاح، وهنا القرار. لكن السؤال يظل مطروحاً، هل ترغب روسيا ومعها النظام حقاً في الوصول الى تسوية للأزمة؟ وهل ترغب القوى الإقليمية الإيرانية والتركية بإنهاء هذه الحرب؟ أسئلة تشكل الأجوبة عليها بعض المعرفة لمآل سورية مستقبلاً.

ولأن روسيا غير راغبة راهناً في السير بتسوية، فهي تسمح لسائر الأطراف “باللعب” في الوقت الضائع. لذا وجد النظام نفسه بلا قيود في مواصلة استخدام العنف في ضرب مناطق غير موالية له، وفي التقدم لقضم مناطق أخرى. كان النظام يطبق نظريات عسكرية تؤكد تواصل العمل العسكري مع المفاوضات الجارية، لأنها تشكل وسيلة ضغط على الطرف الآخر. كان من المستهجن عودة “داعش” الى مدينة تدمر بعد أن استعادها النظام. بدت مسرحية هزلية تسليم المدينة مجدداً الى التنظيم الإرهابي من قبل النظام، ثم رفع الصوت عالياً من أجل استعادتها. لا شك في أن النظام يريد بقاء مناطق ساخنة تبرر له نظرياته في محاربة التطرف والإرهاب. كما استكملت المسرحية بالدخول الروسي لاستعادة المدينة وطرد “داعش” منها، وتصريح الأركان الروسية في شكل صريح عن استعادتها المدينة بقواها الخاصة وبسلاح الجو الذي حسم المعركة.

في المقابل، لا تبدو إيران مستعجلة على السير بتسوية قبل أن تتوضح ملامح هذه التسوية التي تضمن فيها مصالحها واستثماراتها المادية منها والبشرية التي دفعت فيها غالياً. يكثر الكلام عن تباين بين إيران وروسيا في شأن مستقبل سورية. يذهب البعض الى القول بتناقضات واحتمالات صدام بين الطرفين. ترى إيران في انخراطها في الحرب السورية والمعاندة في بقاء الأسد في السلطة، دفاعاً عن أمنها القومي في الداخل الإيراني. بل ان التورط الإيراني بات ورقة في الصراعات الداخلية التي تشهدها إيران عشية انتخابات الرئاسة والبرلمان، فيما يرى مرشدها أن سورية مسألة حياة او موت لإيران، خصوصاً بقاء الأسد في موقعه.

أما تركيا التي باتت في قلب الحرب السورية، فإن أهدافها في منع الأكراد تحقيق مناطق نفوذ وحكم ذاتي، تجعلها في وضع تمزج فيه بين العمل العسكري لطرد القوى الكردية، وبين مساومة مع روسيا على مناطق آمنة وعلى بسط سيطرتها على شريط تضمن من خلاله منع الهجمات عليها. اذا كان الأكراد قد توهموا لفترة بأن الحلم في كيان ذاتي بات على مرمى حجر، فإن هذا الحلم يتبدد الآن في معمعة الصراع على سورية، بحيث يصبح الأكراد “فرق عملة” وسط المصالح الدولية والإقليمية المتصارعة.

تبقى كلمة أخيرة تطاول المعارضة او المعارضات التي شاركت في مؤتمر جنيف. لا شك في انها حاولت أن تفرض مطالبها في المؤتمر، وخصوصاً قضية الانتقال السياسي والإصرار على أن لا يكون لبشار الأسد دور في مستقبل سورية، وهي النقطة التي رد فيها وفد النظام بالطلب أن يكون بند محاربة الإرهاب في جدول الأعمال، ليتحول النقاش الى المعارضة وصلتها بالتنظيمات الإرهابية. هذه مسائل تحصل في كل مفاوضات. لكن معضلة المعارضة تكمن في انتماءتها والقوى العربية او الإقليمية التي تمسك عملياً بقرارها. ما يجب تسجيله ايجاباً هو بلورة مواقف شبه موحدة، فيما تكمن السلبية في عجزها في توحيد وفدها.

ستمر على سورية مؤتمرات متعددة قبل الوصول الى تسوية. الثابت سيظل شلال الدم الذي يدفع الشعب السوري ثمنه، نظراً الى انه اللغة الوحيدة التي يتقنها النظام ورعاته.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

«جنيف 4» ورحلة الألف ميل/ أحمد يوسف أحمد

لاشك أن مفاوضات جنيف 4 قد خطت خطوة أو اثنتين على طريق تسوية الصراع السوري، ولكن لاشك أيضاً أن الطريق ما زالت طويلة وشاقة، أما إنجاز الخطوة أو الخطوتين فقد تحقق، لأن الصراع قد وصل إلى ما يُعرف في دراسات الصراع بمرحلة «التجمد»، حيث يصبح كل طرف في صراع ما عاجزاً عن أن ينتصر على خصمه إلا بتكلفة باهظة لا يمكنه تحملها مادياً أو سياسياً، ومن ثم يصبح التفكير في مسار للتسوية ضرورياً، ولكن هذا المسار يبقى معقداً بسبب شدة التعارض بين طرفي الصراع. ومن هنا كانت جنيف وجولاتها الثلاث التي لم تحقق شيئاً تقريباً من منظور التسوية النهائية، وهكذا وصلنا إلى جنيف 4 بعد أن أصبحت أطراف الصراع أكثر تبصراً بحقيقته، ولذلك تمثلت الخطوة الأولى في جنيف 4 في أن الأطراف أصبحت تعترف علناً بخصومها، فشهدنا النظام وحلفاءه يجلسون وجهاً لوجه مع خصومهم الذين تقبلوا بدورهم الجلوس مع من كانوا لا يتصورون بقاءه أصلاً في ساحة الصراع! وهذا هو الإنجاز الأول لجنيف 4، فممثلو النظام السوري يجلسون وجهاً لوجه مع من كانوا يتهمونهم إلى وقت قريب بالإرهاب، وممثلو المعارضة يفعلون الشيء نفسه مع من كانوا يشترطون اختفاءه قبل أي حديث. وليس هذا فحسب وإنما تم الاتفاق على جدول للأعمال يلبي مطالب الأطراف، فمطالب المعارضة المتعلقة بالانتقال السياسي ودستور جديد وانتخابات جديدة بنود ثلاثة في الجدول، ومعها المطلب الذي أصر عليه النظام وهو إضافة بند عن الإرهاب.

والاتفاق على جدول الأعمال في حد ذاته إنجاز لا يخلو من مضمون، لأن معناه أن النظام يوافق من حيث المبدأ على أن الإطار السياسي الذي يمثله لن يكون هو الإطار ذاته في سوريا ما بعد التسوية، بينما يعني أيضاً أن المعارضة بعد طول رفض باتت تقبل بدورها من حيث المبدأ أن يكون النظام شريكاً في تحديد ملامح المرحلة الانتقالية، ويتسق مع هذا أن روسيا تجلس اليوم مع من كانت إلى عهد قريب تعتبرهم إرهابيين.

ولكن إمعان النظر في تعقيدات الصراع يظهر وزن الصعوبات الهائلة التي تتربص بمسار المفاوضات القادمة عندما تبدأ ثانية، فلاشك أن النظام السوري سيحاول بكل السبل الممكنة توظيف البند الخاص بالإرهاب لمصلحته سواء بالنيل من أطراف أخرى في المعارضة المسلحة حليفة للفصائل التي يتفاوض معها، أو باتخاذ استمرار سيطرة الإرهاب المتفق عليه وهو «داعش» وجبهة «فتح الشام» على أجزاء من الأرض السورية ذريعة للتملص من بعض الاستحقاقات أو تأجيلها. وعندما تناقش المفاوضات عملية الانتقال السياسي سنشهد على طاولتها صراعاً لا يقل ضراوة عما دار في ميدان القتال من أجل أن يهمش كل طرف خصمه إلى أقصى حد ممكن. أما الدستور فستواجه صياغته معضلات أساسية كان مشروع الدستور الروسي لسوريا كاشفاً عنها، وأولها الهوية العربية للدولة السورية، وهل نضحي بها بذريعة أن المكون العربي ليس هو المكون الوحيد للشعب السوري؟ وثانيها الطابع العلماني للدولة السورية، وهل يعقل بعد أن قاتلت هذه الفصائل الإسلامية لسنوات أن ينتهي الأمر بدولة علمانية؟ وثالثها كيف سيواجه الدستور معضلة التنوع في سوريا وبالذات من المنظور الكردي، وهل يلبي مطلب الأكراد بكيان فيدرالي يذكرنا بالتجربة الفيدرالية العراقية التي حولت الإقليم الكردي من الناحية الفعلية إلى «دولة مستقلة»، أم يتوقف عند حد الحكم الذاتي للأكراد؟ وبطبيعة الحال ستقف تركيا بالمرصاد لأي حل للمسألة الكردية ترى أنه يهدد أمنها، وعلى رغم أن إجراء الانتخابات قد يبدو للوهلة الأولى أسهل البنود في جدول الأعمال، إذا تم الاتفاق على الدستور، فإن دونه أهوالاً تتعلق باحتمال استمرار سيطرة الإرهاب على مناطق بعينها، وتوفير الضمانات الكافية لنزاهة الانتخابات، وحق ملايين اللاجئين في المشاركة في الانتخابات، وكيف تتم في أماكن اللجوء بنزاهة طالما أن عودتهم ستكون مرهونة بإعادة الإعمار في المناطق التي خُربت أثناء الصراع. جلست الأطراف مع بعضها بعضاً إذن واتفقت على جدول للأعمال ولكنها الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل.

الاتحاد

 

 

لا حل سياسيا في سوريا… رسالة الجعفري التي وصلت/ ميسرة بكور

لست ممن يعتقدون أن دخاناً أبيض سيخرج من مداخن جنيف ليبدد غيومها السوداء في هذا الشتاء الصعب. ولست ممن يعتقدون أن هناك حلاً سياسياً ينهي وجود تنظيم الأسد في سوريا، وجنيف بفصوله الأربعة وما بينهما من فيينا وإستانة وما سيكون بعدهما لن يقدما حلاً عادلاً لمأساة السوريين الممزقين ببراميل طائرات تنظيم بشار الأسد والذين خنقتهم غازاته الكيميائية وشردتهم ميليشياته متعددة الجنسيات. هذا لا يعني أننا نقفل الأبواب والنوافذ في وجه أي مبادرة أو طروحات أممية أو دولية حتى الشيطانية، يمكن بموجبها التخلص وإلى الأبد من حكم تنظيم بشار الأسد وولي فقيهه ومرتزقته المأجورين .

برغم أننا تحفظنا ولم نزل على الطريقة التي تم بموجبها تشكيل وفد الهيئة العليا لمفاوضات جنيف ويدفعنا إلى المزيد من الاستغراب أننا لاحظنا أن هناك وفدا من الائتلاف ووفدا إعلاميا ووفدا استشاريا ووفدا إغاثيا و(..). ولسنا نفهم أو نجد من يفهمنا أو يبرر لنا تواجد أكثر من مئة شخص محسوبين على وفد الهيئة العليا للتفاوض، ولست أعرف كيف حصلوا على تأشيرات للحضور ومن يتحمل نفقاتهم، رغم أن تنظيم الأسد لم يرسل إلا اثني عشر شخصا.

ناهيك عن وفد المتسلقين الثوريين أو أنصاف الثوريين تحت عناوين منصات لا تقبل الاتحاد وتقبل بوفد واحد لا تحكمه أي مواثيق ولا يعترفون بنتائج مباحثات الرياض.

ومن الوقاحة السياسية والأخلاقية أن يفرض على الثورة السورية وعلى وفد هيئتها المفاوض شخصيات موالية «شبيحة» تمت تربيتهم واستنباتهم في أروقة المخابرات وتحت عين علي مملوك. ومما يزيد في الطنبور نغماً أن تلك المنصة «موسكو» مازالت تتهم الثورة المسلحة بأنها عسكرة الثورة وأسلمتها، وفتحت الباب واسعاً أمام انخراط عناصر إرهابية بينها، مما جلب عليها السخط الدولي وأفقدها عذريتها الثورية ومطالبها المحقة، ومازالت تلك المنصة وفي تناغم مع منصة القاهرة تحاول اجترار عبارات وتصريحات من قبل المطالب المشروعة وضرورة مشاركة المعارضة في العمل السياسي والحكومي ولا بأس من بعض الإصلاحات، وهذا يضرب الثورة السورية في مقتل .

نقول بكل وضوح وقد كنا نحمل على الاكتاف في ساحات حمص ونحن نهتف الشعب يريد إسقاط النظام ولم نطلب إصلاحات مهما كان نوعها لأننا نعلم علم يقين أن تنظيم «الأسد» فاسد مفسد ضال مضل لا يمكن إصلاحه ولا يمكن التعايش معه وهو بالأصل لا يؤمن بالآخر مهما كان قربه أو بعده من مشروع سلطته المطلقة أو تناغمه وتماهيه معها فهو يؤمن بالسمع والطاعة فقط . ويتجاهلون عن وقاحة أن الحرب في سوريا فرضت فرضاً على الثوار ولم تكن برغبتهم ولا عن سابق تخطيط من قبلهم بل فرضتها طبيعة المرحلة المتوحشة التي مارست فيها ميليشيا تنظيم الأسد أبشع مظاهر التطرف والتوحش البشري.

نهاية القول فيهم أولئك المعارضون المصطنعون على عين بشار الأسد هم جزء من إرهاب تنظيم الأسد، بشكله الفكري الهدام الذي يحاول أن يسلط الضوء على أخطاء وقعت بها الثورة وهي غير معصومة، ومن البديهي أن يكون لديها مشاكل كبرت أو صغرت هي أخطاء طبيعية نتيجة التغول الأسدي.

تفجير حمص

ما زلت أتابع وسائل الإعلام تصف ما حدث في «حمص» من مقتل إرهابيين من قادة تنظيم الأسد، اختراقاً أمنياً ولست أعرف على وجه الحقيقة من اخترق الآخر ومن سخر الآخر لخدمة ما يريد. ولماذا هو خرق أمني وليس تسهيلا أمنيا، تخلص فيه تنظيم دمشق من أحد مجرميه الموضوعين على قوائم جرائم الحرب ومتهم بجرائم أخرى في لبنان.

وهل علينا أن نذكركم كيف تخلص تنظيم الأسد من آصف شوكت وجامع جامع، أحد كبار الضباط في الاستخبارات الأسدية، وغازي كنعان وزير الداخلية الأسبق ومحمود الزعبي رئيس مجلس الوزراء ورفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، وعماد مغنية، ومقتل اللواء محمد منصورة رئيس شعبة الأمن السياسي في سوريا ورئيس فرع الأمن العسكري في القامشلي سابقاً، وهل كان مقتل رستم غزالي مفاجئاً؟

أكدنا ونؤكد دائما أبدا إننا ضد الإرهاب بكل مسمياته وتفرعاته . ما نقوله في مقتل الإرهابيين التابعين لتنظيم الأسد إنهما إرهابيان لقوا جزاءهما العادل، كيف تم ذلك ولمصلحة من وعن التوقيت هذه أمور تحتاج بحثا أعمق.

فصل المقال فيما يقال بحق هذين المجرمين السفاحين إنهما مجرمان لقيا مصيرهما المحتوم ، وليس لدي شك واحد في أن تنظيم الأسد هو من سهل هذه المهمة الخرافية في تفصيلاتها وأحداثها. وقد عهدنا على هذا التنظيم أنه يقتل بـ»الظن» ويتخلص من كل من يمكن أن يشكل له عقبة في المستقبل ودفن ما يعرفونه وما مارسوه معهم في صندوقهم الأسود.

لو أردنا أن نتعمق قليلاً في الموضوع علينا أن نطرح تساؤلا بسيطا: كيف تمكن خمسة انغماسيين من الوصول إلى عمق حمص، حي المحطة ساحة الحاج عاطف، فرع المخابرات العسكرية. بالمناسبة كنت ممن اعتقل في هذا الفرع في عام 2011 ودخلته للتحقيق في عام 2004 . سأقول لكم شيئا مضحكا أن الفرع يبعد عن الشارع الرئيس أكثر من مئتي متر والبوابة الخارجية تبعد عن مباني الفرع أكثر من خمسين مترا وهو مكون من مبان عدة، ويعتبر قلعة عسكرية حصينة جدا. وللتذكير فإن الفرع الذي يقع في حي المحطة، بالقرب منه مديرية الجمارك وغربه مقر الأمن السياسي، وهو على الطريق الرئيس مباشرة واستهدافه أسهل ألف مرة من استهداف الأمن العسكري. أما أمن الدولة بحي الغوطة فدخلته للتحقيق في عام 2006 وهو مبنى قريب من الشارع ومن يدخله لا يستطع أن يعرف كيف يتحرك في داخله، فكيف تمكن أولئك الانغماسيون من تخطي كل هذه الحواجز ومعرفة مكتب رئيس الفرع وتوقيت حضوره في تلك اللحظة، وقتل كل الحراس، ومن ثم قتل رئيس الفرع وزرع عبوات ناسفة. أي عاقل لا يمكنه أن يتخيل هذا الإخراج دون تسهيلات ومشاركة فعلية من قبل عناصر تنظيم استخبارات الأسد لهذه العملية الاستخباراتية التي تعجز عنها سي أي أيه. ومن ثم لماذا لم يتم استهداف فرع المخابرات الجوية على طريق حماه والوصول إليه متاح من أكثر من نقطة .

لماذا تم استهداف المخابرات العسكرية في عمق حمص ولم يتم استهداف المخابرات الجوية ولماذا استهدف الجناح المحسوب على موسكو وليس جناح إيران «الجوية والسياسية» ولماذا حمص وليس حماه وهي أقرب لمركز الانغماسيين؟

تهديد الجعفري

كان ملفتا للانتباه صمت محامي الشيطان بشار الجعفري خلال اليوم الأول والثاني من انطلاق جنيف أربعة، وإذا ببشار الجعفر يمارس الصمت الانتقالي، كان ينتظر الرسالة التي وصلته كما قال ليخرج عن صمته الانتقالي بعد أن وصلت الرسالة ليمارس هوايته المتلازمة مع شخصيته التشبيحية، وحديث ممل عن محاربة الإرهاب وداعميهم . نذكر الجعفري بما قاله منسوبو مخابرات تنظيم الأسد وأظنه «علي مملوك» نحن نخترق التنظيمات الإرهابية لنستغلها لمصلحتنا «بالشكل إللي أحنا نريده».

فيما يتعلق بإدانة وفد الهيئة العليا للمفاوضات نعتقد أنه لم يكن متماسك رغم حجم المأزق الذي وضعوا فيه. وكان من المناسب أن تدين الهيئة الإرهاب بكل مسمياته وتعلق على مقتل إرهابيي بشار الأسد بالقول إنهما إرهابيان دوليان لقيا قصاصهم العادل. ونحن نرفض أي ممارسات خارج نطاق القانون والعدالة الانتقالية التي ستحاسب جميع مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري تحت سلطة العدالة الانتقالية. ولسنا مسؤولين عن أي ممارسات ترتكبها أي جهة ونحن اتينا إلى جنيف لوقف الإرهاب الممارس على شعبنا من قبل الميليشيات الطائفية المقبلة من خارج الحدود لدعم إرهاب تنظيم الأسد ، وندين كل الإرهاب على رأسه الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات الإيرانية وإرهاب الدولة الذي يمارسه الأسد .

كاتب وباحث سوري

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى