صفحات مميزة

مقالات وتحليلات مختارة لكتاب سوريين تناولت المفاوضات السورية المحتملة في جنيف

 

 

 

المعارضة تواجه استحقاق مفاوضات جنيف… واشنطن تشرح نقاطها الخمس/ إبراهيم حميدي

استند المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى تصميم وزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ووضع الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة أمام الأمر الواقع بإعلان الجمعة المقبل موعداً لبدء مفاوضات جنيف عشية اجتماع الهيئة في الرياض اليوم لاتخاذ قرار في شأن المشاركة في المفاوضات وفق «الشروط» التي وضعها كيري أمام المنسق العام للهيئة رياض حجاب السبت الماضي والتفسيرات التي قدمها المبعوث الأميركي مايكل راتني إلى حجاب إزاء النقاط الخمس في الموقف الأميركي في الساعات الماضية.

وكان مقرراً أن تبدأ مفاوضات جنيف، لكن عقبات عدة حالت دون ذلك بينها الخلاف على تشكيل وفد المعارضة والنقاط التي طرحها كيري خلال لقائه حجاب في الرياض، ما استدعى استنفاراً من كيري وراتني، إذ أن الوزير الأميركي اتصل بنظرائه التركي والفرنسي والروسي، إضافة إلى لقاء راتني مع هيئة المعارضة في الرياض أول من أمس ودي ميستورا في جنيف أمس.

وسعى الجانب الأميركي إلى تخفيف وطأة مضمون اللقاء بين كيري وحجاب، الذي فسرته المعارضة على أنه «إنذار روسي حمله كيري وتضمن الذهاب إلى مفاوضات جنيف من دون أي ضمانات للتفاوض على تشكيل حكومة وحدة وطنية تمهد لانتخابات يشارك فيها (الرئيس بشار) الأسد»، بحسب قول أحد أعضاء الهيئة التفاوضية. وقال إن الاجتماع «لم يكن مريحاً ولا إيجابياً»، وأن كيري قال: «ستخسرون أصدقاءكم، في حال لم تذهبوا إلى جنيف وأصررتم على الموقف الرافض». وأوضح أن «هذا الكلام ينسحب بالطبع على وقف الدعم السياسي والعسكري للمعارضة».

لكن الجانب الأميركي أشار إلى أن سوء فهم حصل قد يعود للترجمة، ما تطلب قيام راتني بالاتصال ولقاء عدد من المعارضين والمؤثرين بالمعارضة، لشرح الموقف إزاء النقاط المطروحة، وهي:

أولاً، بالنسبة إلى تشكيل وفد المعارضة، ترى واشنطن أن مؤتمر الرياض هو ممثل المعارضة في المفاوضات مع ممثلي الحكومة السورية، لكن هذا لا يمنع أن يقوم المبعوث الدولي باستشارات مع شخصيات من «القائمة الروسية» مثل رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم ورئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل ورئيس «مجلس سورية الديموقراطي» هيثم مناع كما فعل المبعوث الأسبق الأخضر الإبراهيمي في «جنيف-٢». وكان دي ميستورا أبلغ دولاً إقليمية أن مؤتمر الرياض «الممثل الوحيد للمعارضة» وسبب تراجعه عن ذلك قطيعة بينه وبين دول إقليمية.

ثانياً، لم يتخل كيري عن موضوع هيئة الحكم الانتقالية مع أنه ذكر ثلاث مرات أو أربعاً كلمة «حكومة وحدة»، لكنه يقصد أن حكومة الوحدة تشكل بموجب «القبول المتبادل» ما يعني امتلاك المعارضة الفيتو على أي شخصية فيها. وصحيح أنه ذكر مرة «بيان جنيف» ومرات عدة «مرجعيات فيينا» ما أربك المعارضة، لكنه لم يتخل عن «بيان جنيف».

ثالثاً، الموقف من الأسد. سأل حجاب مرات عدة إذا كانت هناك ضمانات من أن «لا دور للأسد في مستقبل سورية»، لكن كيري رفض تأكيد ذلك، قائلاً إن الأمر عائد للمفاوضات وإن هذا أمر يخص السوريين وخاضع للتفاوض.

رابعاً، رفض كيري التزام الطلب من روسيا للضغط على النظام لاتخاذ إجراءات بناء ثقة، قائلاً إن هذا جزء من العملية التفاوضية في جنيف. وهنا قال حجاب إن أعضاء الهيئة التفاوضية يطالبون بوقف القصف وإن هناك صعوبة لديهم بالذهاب إلى المفاوضات مع استمرار قصف المناطق المدنية.

خامساً، لم يقل كيري أن الدعم العسكري والمالي سيتوقف عن المعارضة، بل أن مسؤولين أميركيين قالوا إن الدعم السري للمعارضة زاد في الفترة الأخيرة. لكنه رفض تقديم ضمانات بنجاح العملية التفاوضية أو زيادة الدعم في حال فشلها.

في موازاة «رسائل» راتني للمعارضة، أوضح كيري خلال زيارته لفيتنام أمس مضمون لقائه حجاب. وقال: «موقف الولايات المتحدة هو هو ولم يتغير ونحن لا نزال ندعم المعارضة، سياسياً ومالياً وعسكرياً»، لافتاً إلى أن تحديد مصير الأسد «متروك للسوريين إنهم المفاوضون وهم يقررون مستقبل سورية». وأضاف أنه أبلغ حجاب أن تشكيل الحكومة الانتقالية سيتم بالقبول المتبادل ما يعني توافر الفيتو لديها على أي شخصية في النظام.

وبعد اتصال كيري ونظيره الروسي لدفع العملية التفاوضية، أعلن دي ميستورا أمس بدء مفاوضات جنيف الجمعة المقبلة على أن يوجه صباح اليوم الدعوات الخطية إلى ممثلي الحكومة والمعارضة.

ومن المقرر أن تستمر الجولة الأولى حوالى عشرة أيام على أن يعقد وزراء خارجية «المجموعة الدولية لدعم سورية» مؤتمراً في فيينا في ١١ الشهر المقبل، لتقويم نتائج الجولة الأولى ووضع أسس سياسية لدفع الجولة اللاحقة.

وقال دي ميستورا في مؤتمر صحافي في جنيف أمس أنه لن يتم تنظيم حفل افتتاحي، موضحاً أن المشاركين في المفاوضات سيبحثون كأولوية «وقف إطلاق النار وتأمين المساعدة الإنسانية». وقال: «كل يوم يمر يعتبر هدراً بالنسبة لوقف إطلاق النار والمساعدة الإنسانية»، علماً أن مؤتمراً موسعاً سيعقده ممثلو المنظمات الدولية العاملة في المجالات الإنسانية اليوم.

وأضاف دي ميستورا، الذي طلب أكثر من مرة زيارة الرياض: «هذه المحادثات ليست جنيف 3» في إشارة إلى مفاوضات «جنيف-٢» التي عقدت بداية ٢٠١٤ من دون تحقيق نتائج.

ويتوقع أن يبحث دي ميستورا وفريقه في الأيام الأولى من المفاوضات جدول أعمال المفاوضات وأولوياتها وطريقة التفاوض ونقلها من مفاوضات غير مباشرة إلى مفاوضات مباشرة، قبل البدء في الخوض في تنفيذ الخريطة التي أقرها القرار ٢٢٥٤ ونصت على وقف إطلاق نار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتعديل الدستور وإجراء انتخابات خلال 18 شهراً من دون أن تشير إلى مصير الأسد.

الحياة

 

 

“الإنذار الروسي” الأخير حمله كيري … ويقلق المعارضة قبل جنيف/  ابراهيم حميدي

«الإنذار الروسي» الذي حمله وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنسق العام للهيئة التفاوضية للمعارضة السورية رياض حجاب خلال لقائهما في الرياض، كان طوال أمس موضع تفسير وأخذ ورد بين دول «أصدقاء سورية» وقادة المعارضة لبلع «كأس السم» الذي تجرعته والقرار الذي ستتخذه المعارضة وما إذا كان ممثلوها سيذهبون إلى مفاوضات جنيف بالشروط التي وضعها تفاهم كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

بعد ظهر السبت، تبلغ حجاب من كيري أن المفاوضات هي لـ «تشكيل حكومة مشتركة مع النظام والعمل على انتخابات يحق (للرئيس بشار) الأسد الترشح فيها وليس هناك جدول زمني لرحيل الأسد» ذلك بناء على خريطة الطريق التي أقرها القرار الدولي 2254 الشهر الماضي على أساس تفاهمات «المجموعة الدولية لدعم سورية» في فيينا التي بنيت أصلاً على «الخطة الإيرانية الرباعية ذات النقاط الأربع»، وتضمنت «وقف النار وحكومة وحدة وطنية وتعديلاً للدستور وانتخابات»، بحسب ما قاله حجاب لشركائه ومسؤولين غربيين أمس. وأعرب عن القلق من التخلي الأميركي عن «هيئة الحكم الانتقالية بموجب بيان جنيف» للعام 2012 و «تبني التفسير الروسي- الإيراني للحل السياسي واعتماد مرجعية فيينا فقط».

وبالنسبة الى تركيبة وفد «قائمة الرياض»، فإن كيري أبلغ حجاب، رئيس الوزراء المنشق، أنه تجب إضافة رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم ورئيس «مجلس سورية الديموقراطي» هيثم مناع ورئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل الى وفد المعارضة، أو أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا سيدعوهم إلى جنيف بـ «صفتهم مستشارين وخبراء». أيضاً، على المعارضة ألا تتوقع حصول «إجراءات بناء الثقة قبل المفاوضات، لأنها تخضع للعملية التفاوضية»، بل إن بعض الغربيين ذهب أبعد: «نعتبر بمجرد بدء النظام إدخال المساعدات الإنسانية إلى مضايا (في ريف دمشق)، هو بدء في إجراءات بناء الثقة» وأن المطالبة بتنفيذ البندين 12 و13 المتعلقين بفك الحصار وإطلاق معتقلين ووقف القصف العشوائي «شروط مسبقة»، وأن كيري ولافروف «متفقان على مفاوضات من دون شروط مسبقة».

ووفق حجاب، فإن «رسائل» كيري، تضمنت «إنذاراً» من أنه على الهيئة التفاوضية أن تذهب إلى جنيف وفق هذه الشروط و «من دون ضمانات للتنفيذ وإلا فإن دعمنا للمعارضة سيتوقف»، وأنه «في حال ذهبت المعارضة إلى المفاوضات وأفشل النظام العملية لا نعد بزيادة الدعم حتى لو تصاعد القصف الروسي»، علما أن غرفتي العمليات العسكرية في الأردن تركيا التي تضم «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) هي المسؤولة عن تنسيق الدعم العسكري والمالي لفصائل معارضة شمال سورية وجنوبها، خصوصاً ما يتعلق بصواريخ «تاو» المضادة للدروع التي كانت مسؤولة عن «مجزرة الدبابات» لدى تدمير أكثر من مئة دبابة وآلية في وسط سورية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

في موازاة لقاءات كيري مع وزراء مجلس التعاون الخليجي وحجاب في العاصمة السعودية، كان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يجري محادثات مع القادة الأتراك هدفها الضغط لـ «عزل» تركيا عن سورية وفرض إجراءات أمنية حدودية لمنع التسلل وتكثيف العمليات ضد «داعش» والعمل على «خنق» هذا التنظيم، إضافة إلى «تليين» موقف أنقرة من إمكان إيجاد صيغة لمشاركة «الاتحاد الديموقراطي» في مفاوضات جنيف، خصوصاً بعدما أبلغت الخارجية التركية المعنيين أنه في حال شارك مسلم في مفاوضات جنيف، فإن تركيا ستنسحب من «المجموعة الدولية لدعم سورية» وإن «الائتلاف» لن يشارك في مفاوضات جنيف، في وقت استمر التعاون الأميركي العسكري مع «وحدات حماية الشعب» الكردية التابعة لـ «الاتحاد الديموقراطي» ويجري بحث إمكان إقامة قاعدة عسكرية في مطار زراعي شرق سورية على بعد عشرات الكيلومترات من مطار القامشلي الذي يجهزه الروس لعملياتهم.

في موازاة ذلك أيضاً، كانت القوات النظامية السورية بدعم جوي وبري روسي تتقدم في آخر معاقل المعارضة في ريف اللاذقية وتقترب من قطع خطوط الإمداد عن تركيا.

وبمجرد انتهاء لقاء كيري- حجاب، تكثفت اتصالات الهيئة التفاوضية في أكثر من اتجاه. بعض أعضائها وجّه اللوم لحجاب لأنه «استفز الروس» عندما جرى تعيين العميد المنشق أسعد الزعبي رئيس الوفد المفاوضات، ومصطفى علوش القيادي في «جيش الإسلام» كبير المفاوضين، في حين تساءل آخرون «ما إذا كان هذا التصعيد منسقاً مع دول إقليمية أم أنه سوء تقدير للموقف الأميركي والمواقف الإقليمية لدول داعمة للمعارضة».

وعلوش أرسل ملخص «إنذارات» كيري إلى قادة فصائل مقاتلة لحشد الدعم. أعضاء آخرون بعثوها إلى قياديين في «الائتلاف»، فيما بدأ بعض الأعضاء شن حملة ضد «إملاءات روسيا وأميركا». وصباح أمس، كان الاتجاه في الهيئة التفاوضية لمقاطعة مفاوضات جنيف، بل إن البعض بدأ يعد لـ «حملة شعبية» ضد المفاوضات تبلغ ذروتها في تظاهرات من نشطاء و «الجيش الحر» الجمعة المقبل. والرهان هنا كان أن فرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر ودول إقليمية «ستقف مع المعارضة وستميز موقفها عن الموقف الأميركي».

استدعى هذا «تدخلاً عاجلاً» من دول غربية وواشنطن. اجتمع المبعوث الأميركي مايكل راتني مع حجاب أمس، وتكثفت الاتصالات مع مبعوثي دول غربية وإقليمية لإيحاد مخرج و «البحث عن صوت العقلانية». الجهد الأميركي تركز على «تبريد» ما اعتبره حجاب «إنذارات». والصيغة كانت أنه بإمكان الهيئة المعارضة أن تكون «مرنة» وتذهب إلى مفاوضات جنيف وتقول موقفها «الصلب»، وهو أنها «تريد هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية وأن الدور للأسد في مستقبل سورية» وأن تريد أن يكون هذا الأمر «البند الأول على جدول الأعمال». أي أن «يتحول موقف الهيئة من مبدئي سابق للتفاوض إلى موقف تفاوضي».

وتفتق ذهن أحدهم بأن يقنع علوش القيادي في «جيش الإسلام» بأن «يتنحى طوعاً» وأن تترك لممثلي «الجيش الحر» عملية بحث البعد العسكري والأمني في المفاوضات، بعدما تبلغت الهيئة ضرورة تغيير الزعبي وعلوش بعد اعتراض موسكو، خصوصاً أن الجولة الأولى لن تبحث شؤوناً عسكرية.

ممثلون آخرون لدول حليفة للمعارضة رأوا ضرورة ذهاب الهيئة التفاوضية إلى جنيف، لأنه سيكون صعباً الدفاع عن مقاطعة العملية السياسية، خصوصاً أن وفد الحكومة تشكل وتبلغت الأمم المتحدة أسمائه، وهو يضم 17 عضواً برئاسة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد «المشرف العام ومقره دمشق» ورئاسة السفير بشار الجعفري وعضوية شخصيات من خلفيات مذهبية وعرقية ودينية وسياسية عدة، بينهم ممثلة «الحزب القومي السوري الاجتماعي» أمل يازجي ورئيس «المبادرة الكردية» عمر أوسي، إضافة إلى 19 «إعلامياً». كما تبلغت الأمم المتحدة وصول أعضاء في «القائمة الروسية» بينهم جميل ومسلم ومناع الى جنيف خلال ساعات.

من جهته، دي ميستورا، المعزز بتمديد ولايته إلى أيلول (سبتمبر) من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولا يزال يطمح بزيارة الرياض، يقدم مساء اليوم من منبر الأمم المتحدة في جنيف شرحاً لأسباب تأخر المفاوضات التي كانت مقررة اليوم. لكنه مستمر في الإعداد لهذه المفاوضات وفق تصور جديد، وهو أن تأتي الوفود إلى جنيف الأربعاء أو الخميس لإجراء مفاوضات غير مباشرة، حيث يجلس ممثلو الأطراف في غرفة منفصلة ويقوم دي ميستورا وفريقه بالتجول بينها.

على المبعوث الدولي وفريقه أولاً، حل مشكلة تمثيل وفد المعارضة وما إذا كانت «قائمة موسكو» ستلون «قائمة الرياض» أم أنه سيتعاطى مع بعض أعضائها كمستشارين. ثانياً، عليه أن يحل «عقدة» برنامج المفاوضات. الحكومة تريد فقط بحث «محاربة الإرهاب»، فيما تريد المعارضة البحث في هيئة الحكم الانتقالية التي ترى دمشق أنها «انتهت بموجب القرار 2254 والحديث فقط عن حكومة وحدة وطنية». وهنا، فإنها تفتح ملف تشكيل هذه الحكومة مع «القائمة الروسية»، الأمر الذي لا يجد بعض المعارضين مبرراً كي يكون هذا من بوابة جنيف لأنه قد يحصل من منصة موسكو.

ثالثاً، إجراءات بناء الثقة و «حسن النوايا»، وسط قلق المعارضة أن تتحول منصة جنيف إلى «مفاوضات إنسانية» وليست سياسية، وسط حديث مرصد حقوقي أمس أن 400 في مضايا المحاصرة في حاجة إلى علاج عاجل وأن غارات روسية قتلت مئة شخص في بلدة في ريف إدلب، بينما تتحدث الحكومة عن مناطق تحاصرها المعارضة. رابعاً وقف النار، ذلك أن دمشق ترفض وقف النار «لأننا في حالة دفاعية ضد الإرهاب، وعلى الآخرين وقف العدوان»، فيما تريد المعارضة وقفاً شاملاً للنار بعد التقدم في العملية السياسية. وهنا بدا كيري الوحيد من يريد وقف النار، على عكس الحكومة والمعارضة وحلفائهما.

يحمل دي ميستورا هذه الأفكار في ذهنه إلى إسطنبول في اليومين المقبلين لعرضها على «الائتلاف» والحكومة التركية قبل بدء المفاوضات غير المباشرة التي تجرى الاستعدادات اللوجستية لها وكأنها حاصلة الخميس المقبل لمدة أسبوعين كي تعلق لترتيب اجتماع وزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في فيينا لبحث نتائج الذي تحقق وبحث إمكان التقدم وعقد مفاوضات مباشرة لتنفيذ 2254.

إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير لصحيفة «فرانكفورتر ألغيمايني تسايتونغ» أمس: «أخشى أننا تخطينا مرحلة الانتقاء الدقيقة لاختيار جميع الأطراف والمفاوضين. بالطبع لا نريد على الطاولة إرهابيين وإسلاميين متطرفين يريدون فقط تخريب العملية السياسية، لكننا نريد تحالفاً من كل الذين يمثلون شرائح من المجتمع السوري ويمتلكون قوة فعلية ويحترمون مبادئ فيينا وهم مستعدون لوقف القتال خلال محادثات جنيف».

الحياة

 

 

دي ميستورا «يخجل» من «بيان جنيف»… ويتسلح بمرجعية فيينا/ إبراهيم حميدي

على وقع «توضيحات» واشنطن لموقفها السياسي و «تهديدات» موسكو و «دعم» فصائل سورية مقاتلة و «تصعيد» نشطاء مدنيين و «ضغوط» بعض دول «أصدقاء سورية»، عقدت الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة اجتماعها الحاسم أمس في شأن المشاركة في مفاوضات جنيف الجمعة. لكن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، لم يكن ينتظر قرارها. كان منهمكاً وفريقه وكأن المفاوضات حاصلة لا محالة، ووجه الدعوات الخطية أمس استناداً إلى القرار الدولي 2254 وإلى التفاهم الأميركي – الروسي و «الوعود» من أن الفرقاء السوريين سيحضرون.

في دعوته الخطية، التي حصلت «الحياة» على نصها، استند دي ميستورا بخجل إلى «بيان جنيف» الصادر في العام ٢٠١٢ وتضمن الدعوة لتشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة وقبول متبادل» بين ممثلي النظام والمعارضة، لكنه استند بجرأة إلى القرار ٢٢٥٤ الصادر بمباركة ٢٠ دولة وجهة دولية شاركت في اجتماعات «المجموعة الدولية لدعم سورية» بينها جميع القوى الدولية والإقليمية المنخرطة بالملف السوري. وإذ هو يراهن على الاجتماع المقبل لهذه المجموعة في ميونيخ على هامش مؤتمرها الأمني في ١١ الشهر المقبل لإبقاء عجلة العملية السياسية دائرة، فإن حض وزارات خارجية هذه الدول لإرسال مبعوثيها وخصص لكل منهم غرفة في مبنى الأمم المتحدة.

الدعوات أرسلت أمس إلى ١٥ من ممثلي الحكومة السورية و١٥ من الهيئة التفاوضية العليا المنبثقة من مؤتمر الرياض، باعتبارهما طرفين أساسيين للتفاوض. أيضاً، دعا شخصيات من «القائمة الروسية» ومؤتمر القاهرة وعشرات من ممثلي المجتمع المدني والنساء. كان قادراً على اتخاذ قرار في شأن جميع هذه الدعوات عدا رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم لأن دعوته «تتطلب تفاهماً أميركياً – روسيا – تركيا». الخارجية السويسرية وجدت وصفة سحرية، في أنها رتبت إقامة صالح وشخصيات مدعوة من «القائمة الروسية» بينهم رئيسا «مجلس سورية الديموقراطي» هيثم مناع والهام أحمد ورئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل ورندة قسيس وفي مدينة أخرى. جنيف مخصصة للوفدين الرئيسيين. ولوزان مخصصة، إلى الآن على الأقل، للاستشارات التي سيجريها دي ميستورا، علماً أن تركيا هددت بأنه «لو جاء صالح إلى ضواحي جنيف، لن تحصل المفاوضات».

التصور بات جاهزاً في ذهن فريق المبعوث الدولي. الإطار الزمني هو ستة أشهر، والهدف بحث أربعة مجالات، هي: «العملية السياسية (الحكم، عملية صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات)، وقف إطلاق النار، وصول المساعدات الإنسانية على الصعيد الوطني ومكافحة الإرهاب». لكنه يريد أن تبدأ بملفي وقف النار و «محاربة الإرهاب»، لذلك فان فريقاً في الأمم المتحدة جهز خطة لوقف النار بمشاركة خبراء محليين ودوليين.

والوصول إلى بحث هذه الأمور، ليس سهلاً. بحسب الخطة الإجرائية، تم تخصيص غرفتين في مقر الأمم المتحدة من دون أعلام. علم المعارضة وعلم الحكومة غير موجودين. فقط علم الأمم المتحدة. يعقد دي ميستورا لقاء أولاً مع وفد الحكومة السورية باعتبار أن «الحكومة السورية لا تزال ممثلة لسورية في الأمم المتحدة» ثم لقاء مع وفد المعارضة. سيعرض دي ميستورا صباح الجمعة على السوريين تصوره للعملية التفاوضية، ثم سيوجه أسئلة لكل طرف ويعطيه فكرة كي يفكر ويتمحص فيها ثم يجيب خطياً. بعد ذلك، يسعى إلى ترتيب برنامج التفاوض. الحكومة تركز على «أولوية محاربة الإرهاب». المعارضة تركز على الحل السياسي وهيئة الحكم الانتقالية. دول أخرى ترى في إجراءات بناء الثقة مدخلاً مهماً. وعندما تستعصي الأمور، فان دي ميستورا يأمل بالإفادة من وجود ممثلي الدول الكبرى والإقليمية للضغط إلى حين اجتماع الوزراء في «المجموعة الدولية» في نهاية الجولة الأولى من المفاوضات.

الهيئة العليا للمعارضة، جربت أمس في الساعات الأخيرة «إغراءات معدلة» من وزير الخارجية الأميركي جون كيري و «ضغوطات» وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي اتهم الهيئة التفاوضية بـ «عدم الأهلية» لإطلاق المفاوضات، في حين قال رومان نادال الناطق باسم الخارجية الفرنسية: «مجموعة المعارضة التي تشكلت في الرياض تضم لأول مرة أطيافاً واسعة من السياسيين والعسكريين غير المتطرفين تلتف حول مشروع مشترك لكيان سوري حر وديموقراطي يضم كافة الأطراف. ومن ثم ينبغي أن تكون هذه المجموعة هي من يحاور النظام في هذه المفاوضات.»

أما المبعوث الأميركي لسورية مايكل راتني، شن مساء أول من أمس حملة من التصريحات الإعلامية لتخفيف وقع الموقف الذي أبلغه كيري للمنسق العام للهيئة المعارضة رياض حجاب السبت، شملت إصدار راتني بياناً خطياً، قال إن «وفد الهيئة العليا ينبغي أن يكون هو وفد المعارضة الموكل بالتفاوض في جنيف» وأن واشنطن «لا تقبل مفهوم «حكومة وحدة وطنية» على النحو الذي يطرحه النظام وبعض الجهات الأخرى… ومستقبل سورية يجب أن يقرره السوريون أنفسهم، ويتفق غالبية أعضاء المجموعة الدولية ومن بينهم الولايات المتحدة، وكل أطراف المعارضة على أن السلام لا يمكن أن يتحقق مع سعي بشار الأسد للتمسك بالسلطة على المدى البعيد. أما مسألة مشاركته في ترتيبات الحكم الانتقالي فهي قضية مطروحة للمفاوضات، لكن وفقاً لبيان جنيف، فإن ترتيبات الحكم الانتقالي يجب أن تتشكل بموافقة متبادلة وإن الهيئة العليا لديها حق الموافقة أو عدم الموافقة على أي جانب من تلك الترتيبات وعلى أي دور لبشار الأسد في سورية». وفي إطار طمأنة المعارضة، قال راتني: «في حال تسبب النظام بإفشال عملية التفاوض فإن المعارضة السورية ستحظى بدعمنا المستمر. لكن يجب أن تبدأ تلك المفاوضات بحسن نية حتى يعلم العالم بوضوح من هو المسؤول عن نجاح أو فشل هذه المفاوضات».

لكن الهيئة المعارضة، كانت تحت ضغوط من «الحاضنة الشعبية» والفصائل المقاتلة، بإصدار بيانات. وأكدت «أحرار الشام الإسلامية» في بيان «رفضها الضغوطات الدولية والإملاءات التي تتعرض لها الهيئة السورية العليا للمفاوضات»، داعية إلى «التمسك بثوابت الشعب السوري» مع دعمها «أي عملية سياسية تحقق أهداف ثورة الشعب السوري، وتخفف معاناته وتقود إلى سورية جديدة حرة» مع التحذير من «التمييع».

وأصدر نشطاء بياناً يدعو إلى مقاطعة المفاوضات وفق الظروف الراهنة وأنه «لا سياسة في أن يُفرض على أحد طرفي المحادثات المفترضة كل شيء، بما في ذلك كيفية تمثيله لنفسه، في حين لا يُطلب من النظام أدنى إجراء لإثبات استعداده لعملية سياسية. لا نتوقعُ خيراً من (مفاوضات) جنيف ولا حتى وقفَ إطلاقٍ للنار».

نص الدعوة

«وفقاً لتصريحات فيينا الصادرة عن المجموعة الدولية لدعم سورية في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، وقرار مجلس الأمن رقم 2254 (2015) بتاريخ 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015، وبحسب توجيهات الأمين العام، يسرّني دعوتكم للانضمام إليّ في جنيف، مع انطلاقنا في جولة المفاوضات التي ستبدأ باستشارات حول كيفيّة وضع حدّ للصراع السوري، وبإرساء أسس لتسوية مستدامة. وستنطلق المفاوضات في مدينة جنيف السويسريّة في 29 كانون الثاني (يناير) 2016، وتبدأ باجتماعين منفصلين يتّخذان صيغة غير مباشرة.

يتماشى جدول أعمال المحادثات مع القرار 2254 (2015)، حيث أعرب مجلس الأمن عن قلقه الكبير حيال استمرار معاناة الشعب السوري، والوضع الإنساني المزري، وتواصل أعمال العنف الضاري، والوقع السلبي للإرهاب والإيديولوجيّة المتطرّفة العنيفة. وكرّر مجلس الأمن أنّ الحل المستدام الوحيد للأزمة الراهنة في سورية يقضي بإرساء عمليّة سياسيّة شاملة بقيادة سوريّة، تتناسب مع الطموحات المشروعة للشعب السوري.

لبلوغ هذه الغاية، طالب مجلس الأمن الأمين العام أن يعمل، بفضل وساطته الحميدة وجهودي الشخصيّة، على تسهيل المحادثات حول عمليّة انتقاليّة سياسيّة ملحّة، تستند إلى بيان جنيف الصادر في العام 2012، وتتماشى مع بيان فيينا الصادر في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عن المجموعة الدولية لدعم سورية. وأشار مجلس الأمن إلى نتائج محدّدة ينبغي تحقيقها، أهمّها إرساء حكم ذي مصداقيّة وشامل وغير طائفي، ووضع جدول زمني، وإطلاق عمليّة صياغة دستور جديد ضمن مهلة ستّة أشهر، وإجراء انتخابات حرّة وعادلة بعد صياغة الدستور الجديد، على أن يتحدّد موعدها ضمن فترة 18 شهراً بعد ذلك، وتكون خاضعة لإدارة الأمم المتّحدة وإشرافها.

بصفتي وسيطاً، سأحدد الأنماط وخطة العمل الضرورية لتطبيق جدول الأعمال هذا، بالتشاور مع المشاركين في المحادثات. وستُنظَّم الأمور بما يتناسب والملفات المطروحة على جدول الأعمال، مع التطلّع إلى تحقيق النتائج ضمن الأطر الزمنية المحددة من قبل مجلس الأمن.

وفيما تنطلق هذه المفاوضات، علينا تسليط الضوء على أهمية أن تتخذ الأطراف كلّها تدابير من شأنها بناء الثقة. ولهذه الغاية، سأتشاور مع الأطراف كافةً والمجموعة الدولية لدعم سورية ليس حول أنماط وقف إطلاق النار ومتطلباته فحسب، وفق القرار 2254 (2015)، بل أيضاً حول تدابير بناء الثقة التي يمكن تطبيقها. وعلاوةً على ذلك، أذكّر الأطراف كلّها بالواجبات المترتبة عليها بحسب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بما يشتمل على واجب السماح لمنظمات الإغاثة الإنسانية الدخول إلى سورية والتنقّل داخل أراضيها بشكل سريع وآمن ومن دون أي عقبات.

وعلى الممثلين كلّهم أن يكونوا على استعداد لخوض محادثات تضمّ الجميع وتستمرّ ستة أشهر. وإني إذ أتوقّع مشاركة المرأة الكاملة والفعّالة في المحادثات السورية الداخلية بما يتناسب وقرار مجلس الأمن 1325 (2000). وسوف يقوم فريق العمل خاصتي بالاتصال بكم في القريب العاجل لترتيب جدول زمني ملائم لموعدنا الأوّل في جنيف.

وإني أترقّب من جانبكم مشاركة جدّية وبناءة في المحادثات السورية الداخلية المقبلة.

الحياة

 

 

 

 

دي ميستورا يريد «توازي المسارات» … وكيري لـ “تسلسلها بدءاً من وقف النار”/ إبراهيم حميدي

دشن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أمس مشاورات جنيف بلقائه رئيس وفد الحكومة السورية بشار الجعفري مع تناقض الأنباء إزاء مشاركة الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة المنبثقة من مؤتمر الرياض وبينها حديث عن وصول وفد مصغر إعلامي- تشاوري أو وفد من ٣٠ عضواً نصفهم احتياطيون، فيما غادر رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم جنيف أمس مع بقاء حلفائه فيها لإجراء «استشارات» مع المبعوث الدولي الذي استمر فريقه في التواصل مع ممثلي المجتمع المدني ونساء ناشطات في الشأن السوري.

ونقل مسؤول غربي لـ «الحياة» عن دي ميستورا قوله إن خطته للمشاورات، التي كان مقرراً أن تبدأ رسمياً أمس، تتضمن الانتقال من المشاورات والمفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات متوازية بين وفدي الحكومة والمعارضة، على ثلاثة مسارات، هي «الإنساني ووقف النار والسياسي»، بحيث يتم إدراج موضوع محاربة الإرهاب في إطار بند وقف النار، لافتاً إلى أن الجانب الأميركي يريد أن تكون المفاوضات «متسلسلة لا متوازية»، مع رغبة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالبدء في تنفيذ «وقف النار والمساعدات الإنسانية وترك عملية السلام تتقدم في بقية المسارات».

وأعد فريق من الخبراء في الأمم المتحدة خطة لوقف النار في سورية ودور المراقبين المحليين والدوليين غير المسلحين لدى تطبيق وقف النار، مستفيدين من تجربتي المراقبين العرب والغربيين في السنوات السابقة.

ويُعتقد أن المقاربة الأميركية القائمة على «التسلسل» هي أقرب إلى الخطة الإيرانية ذات النقاط الأربع، ونصت على «وقف للنار وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتعديل الدستور ثم إجراء انتخابات»، علماً أن الحكومة السورية تصر على «أولوية مكافحة الإرهاب» في حين تتمسك المعارضة بـ «أولوية المسار السياسي وبحث تشكيل هيئة حكم انتقالية». وكان هذا سبب فشل مفاوضات «جنيف-٢» في بداية ٢٠١٤، رغم اقتراح المبعوث الدولي السابق الأخضر الإبراهيمي «التوازي بين ملفي مكافحة الإرهاب والعملية السياسية- الانتقالية».

وأصر دي ميتسورا أمس على إطلاق مشاوراته رغم عدم وصول تأكيدات بمشاركة الهيئة التفاوضية العليا في المفاوضات، إذ أعلنت خولة مطر الناطقة باسم دي ميستورا، أن المبعوث الدولي التقى الجعفري، الذي وصل على رأس وفد من ١٥ شخصاً و١٩ إعلامياً الى جنيف صباح أمس، حيث شرح له آلية المفاوضات ومرجعياتها وأهدافها ومدتها.

وضم الوفد السوري ١٥ عضواً برئاسة الجعفري «بإشراف» نائب وزير الخارجية فيصل المقداد و «مقره دمشق». وبين أعضاء الوفد، السفير السوري في جنيف حسام الدين آلا والمستشار القانوني في الخارجية أحمد عرنوس، ومدير المكتب الصحافي في القصر الرئاسي أمجد عيسى، ورئيس «المبادرة الكردية» عمر أوسي، إضافة إلى آخرين.

وكان السفير رمزي رمزي التقى عدداً من أعضاء «القائمة الروسية»، بينهم رئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل ورئيس «مجلس سورية الديموقراطي» هيثم مناع، ضمن سلسلة المشاورات، و «دورهم كطرف رئيسي في المفاوضات»، وفق قول أحدهم، الذي أشار إلى قرارهم العمل على دعوة ١٥ عضواً الى الوفد واستعجال آخرين كانوا قد تأخروا في القدوم، علماً أن الهيئة التفاوضية تبلغت أنها «الطرف الوحيد المفاوض باسم المعارضة».

وفي الرياض، استمرت مساعي الحصول على تأكيدات للحسم بين إرسال وفد من ١٥ عضواً أصيلاً و١٥ احتياطياً أو وفد إعلامي- تشاوري مصغر، حيث وزع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالة المنسق العام للهيئة رياض حجاب على أعضاء مجلس الأمن، كما أن الدول الثلاث الحليفة للمعارضة (أميركا وبريطانيا وفرنسا) حضت روسيا على تحقيق بعض مطالب المعارضة قبل بدء المفاوضات.

وإذ ركزت الهيئة في رسائلها الرسمية وبياناتها الإعلامية على التطبيق الكامل للمادتين ١٢ و١٣ في القرار ٢٢٥٤ المتعلقتين بفك الحصار والإفراج عن المعتقلين ووقف القصف العشوائي، فإن الاتصالات الرسمية بين الدول الغربية وروسيا تركزت على «إيجاد ممرات إنسانية للمناطق المحاصرة والإفراج عن الأطفال والنساء» واعتبار ذلك «حسن نيات» قبل بدء المفاوضات.

وهذا واحد من أربعة مطالب للهيئة التفاوضية، يُضاف إليه أن يكون الهدف من بدء العملية هو «التفاوض» لتطبيق بنود «بيان جنيف» والقرار ٢٢٥٤ ومعرفة جدول أعمال المفاوضات، إضافة الى تسلسل المفاوضات، بدءاً من بحث تشكيل الهيئة الانتقالية. وبحسب أحد الأعضاء، فإن رسالة دي ميستورا الخطية التي تضمنت تأكيدات أن «القضايا الإنسانية غير قابلة للتفاوض» وأن المفاوضات «أفضل طريقة» لتنفيذ المادتين ١٢ و١٣، إضافة إلى التأكيد أن «المفاوضات هي حصراً بين وفدي الحكومة وهيئة الرياض» وأن الآخرين مدعوون بـ «صفتهم الشخصية»، ساهمت في ارتفاع أصوات المؤيدين للمشاركة في «جنيف السوري».

كما لعبت الضغوط والنصائح التي قدمها مبعوثو دول غربية وعربية دوراً في «تليين» موقف أعضاء الهيئة التفاوضية وداعميها.

وقال المسؤول الغربي لـ «الحياة» أمس، إن الرسالة الموحدة للهيئة من المبعوثين الغربيين والإقليميين: «يجب أن تأتي إلى جنيف لكسب الحرب الإعلامية. يجب اختبار نيات النظام وحلفائه وما إذا كانوا يريدون حلاً سياسياً وتطبيق القرار ٢٢٥٤». مضيفاً: «إن رسالتنا لهم هي: هناك فقط طريق واحد للحل، هو مفاوضات بين النظام والمعارضة لإطلاق عملية انتقالية تؤدي إلى سورية بعيداً من (الرئيس بشار) الأسد».

ولاحظ المسؤول، الذي كان على تواصل مباشر مع أعضاء الهيئة خلال اجتماعاتها في الرياض، أن ممثلي الفصائل المقاتلة هم الأكثر تشدداً ضد المشاركة في مشاورات جنيف قبل تنفيذ البندين ١٢ و١٣. وقال: «يقولون لنا: لماذا نأتي إلى جنيف ولا يزال الروس والنظام والميليشيات يضغطون علينا؟ كيف نبرر هذا لأهلنا وحاضتنا الشعبية؟ الأمر المستغرب أن أولئك الأكثر ضرراً ومعاناة من الروس، هم الأكثر رفضاً للمجيء بأي ثمن».

وبين الخيارات التي طرحت أمس، أن يرسل المنسق العام للهيئة قائمة بـ١٥ مفاوضاً و١٥ احتياطياً إلى مكتب دي ميستورا من دون أن يضم حجاب أو ممثل «جيش الإسلام» محمد مصطفى علوش.

وإذ قال المسؤول الغربي أمس، إن تركيبة الوفد المعارض تعود الى الهيئة التفاوضية، فإن الخارجية الروسية كررت موقفها من أنه «من غير المقبول» أن يشارك في الوفد ممثلون من «جيش الإسلام» و «أحرار الشام». وقال قائد «أحرار الشام» مهند المصري (أبو يحيى الحموي) ليلة أول من أمس: «الذهاب إلى المفاوضات من دون تحقيق أي شروط إنسانية للشعب السوري خيانة»، مؤكداً أن «قوة المفاوض تستمد من الأرض». وحذر في تغريدات على موقع «تويتر» من أن تتحول «العملية السياسية إلى تقاسم سلطة مع النظام»، وأن «العملية السياسية خطفها الروس».

ووصل إلى جنيف عضوان في الهيئة العليا، هما خالد محاميد وهند قبوات، لأسباب ليست لها علاقة في المفاوضات. وفي حال قررت الهيئة المشاركة، قد ينضمان إلى الوفد. كما وصل خبراء غربيون إلى أروقة جنيف لتقديم الدعم الفني إلى المعارضة على الديبلوماسية وأصول التفاوض، إضافة إلى الخبرة الإعلامية. وإذ وصل ممثلو معظم الدول الغربية والعربية للدول الداعمة للمعارضة إلى جنيف، تقرر عقد لقاءات دورية للتنسيق في ما بينهم، كما حصل في «جنيف-٢» عندما كان يحصل اجتماع دوري بين ممثلي هذه الدول في البعثة الفرنسية في جنيف.

الحياة

 

 

 

 

“هيئة المفاوضات” تعيد المعارضة السورية إلى الطريق الصحيح/ برهان غليون

لعل أعظم ما حصل سورياً، في الأسبوع الماضي، وأنعش الأمل في إمكانية إحباط الخطط الأميركية والروسية والإيرانية والإسرائيلية معاً، هو التناغم غير المسبوق، الذي لا يماثله سوى التفاعل الشامل مع انطلاق المجلس الوطني السوري في بداية تشكيله، بين جميع مكونات وأطياف الرأي العام الثوري والمعارض مع المواقف القوية لهيئة التفاوض العليا التي رفضت الانصياع لإرادة الدول الكبرى والخضوع لابتزازها. وسبب هذا التناغم هو رفض المعارضة المشاركة في مؤتمر جنيف 3 بشروط الدول الكبرى التي همشت كلياً قضية الشعب السوري المتجسّدة في التحرّر من نير نظام القهر والعبودية المدعوم من الخارج، لتركّز على وقف إطلاق نار عشوائي، وحسب الطلب، يسمح باستمرار القصف والحصار والقتل المنهجي للمدنيين، وتجنيد البلاد والشعب في الحرب الدولية ضد الإرهاب الذي كان الثمرة المرّة لسياسات هذه الدول الفاشلة، وخططها الهزيلة، وإصرارها على أن تكون مسألة الانتقال السياسي محور هذه المفاوضات، وأن يكون تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على الوقف الفوري للحصار والتجويع والقصف العشوائي للمدنيين وإطلاق سراح المعتقلين المدخل لأي مفاوضات جدية مع النظام الذي تحوّل إلى قناع للسيطرة الروسية.

ولذلك، أثار إعلان هيئة المفاوضات عن قبولها حضور محادثات جنيف، بعد ما قدم لها من تطمينات دولية، قلق قطاعات واسعة من الرأي العام السوري المعارض الذي تابع مقاومة الهيئة الضغوط الدولية، وتحمس لتمسكها الرائع بحقوق السوريين الأساسية، وعدم المساومة على الانتهاكات الصارخة التي وصفتها المنظمات الإنسانية بالجرائم ضد الإنسانية، وفي مقدمها الاعتقالات البربرية وحصارات التجويع والقصف بالبراميل والقنابل العنقودية للمدنيين.

والحال، ليس ما كان مرفوضاً المشاركة في مفاوضات التوصل إلى حل سياسي، وإنما: أولاً، عدم القبول بالدخول فيها، بينما يستمر التجويع والقصف الهمجي على المدنيين وعمليات الاختطاف والاعتقال. وثانياً، إعادة توجيه العملية التفاوضية، ووضعها على الطريق الصحيح، أي تحويلها من مباحثاتٍ للاتفاق على المشاركة في الحرب على الاٍرهاب لصالح روسيا وأميركا وإيران وغيرها من الدول، كما تريد موسكو وطهران، إلى مفاوضاتٍ تهدف إلى تعبيد الطريق نحو تغيير سياسي، بدءاً بتشكيل هيئةٍ انتقاليةٍ كاملة الصلاحيات، تقود عمليات إعادة هيلكة أجهزة الدولة، وبسط الأمن والسلام، وطرد المليشيات الأجنبية الداعشية والايرانية، وكل المليشيات الأجنبية.

حتى الآن، يبدو أن سياسة التمسك بحقوق الشعب، ورفض التنازلات المجانية لصالح التفاهم

“إذا بقينا موحدين، سننتصر مهما كانت قوة خصومنا، لأن قضيتنا عادلة” الدولي قد حققت بعض أهدافها، وإن كان من السابق لأوانه التأكد من أن كل ما وعدت به الدول والأمم المتحدة سوف يتحقق بالفعل. فبعد خمس سنواتٍ من سياسات الخديعة والكذب والتحلل من الالتزامات والمسؤوليات، أصبح من الصعب على السوريين إيلاء ثقتهم بالمجتمع الدولي. لكن، إذا التزمت واشنطن والأمم المتحدة بالوقف الفوري لحصار المدن، وحل مشكلة الاعتقالات، وتجنيب المدنيين القصف، وتعريف هدف المفاوضات الرئيسي على أنه الانتقال نحو نظام جديد، فسيكون هذا انتصاراً كبيراً لوفد المفاوضات، ولقوى الثورة والمعارضة.

مفاوضات السلام معركة قد تكون أصعب من المعركة العسكرية، لا يمكن أن نهرب منها، ولا يمكن أن نتهاون فيها، وفي الإعداد لكسبها. وهذا يستدعي، قبل أي عامل آخر، أن نبقى موحدين خلف وفد المفاوضات، وأن لا نوفر إظهار دعمنا وتأييدنا له، وثقتنا به، وبحرص رجالاته على مصالح سورية وشعبها. وبهذه الثقة، نعزّز موقف الوفد، ونزيد من تصميمه على التمسك بموقفه وإصراره على النصر.

إن تصحيح وجهة المفاوضات وحل الملف الإنساني، قبل بدء المفاوضات، مكاسب أساسية، لا ينبغي أن نستهين بها بالتأكيد. فهي مقدماتٌ مهمة، لتعزيز موقف وفدنا، وفي الصراع العنيف الذي سيستمر في المراحل التالية والصعبة من المفاوضات التي ليس لها، فضلاً عن ذلك، سوى أمل صغير في النجاح.

لذلك، لا ينبغي أيضاً أن نتوهم أن ما وُعدنا به قد أنجز، أو أنه سيُنجز ببساطة. سوف يستمر أعداء الثورة في السعي إلى الالتفاف على هذه المكاسب، وتفريغها من مضمونها. فخصمنا ليس بالعدو السهل. وهو ليس طرفاً واحداً، وإنما أطراف تكالبت علينا بسبب ما أظهرناه في المرحلة السابقة من انقسام وضعف، وتباين في الرأي والرؤية، لم يعوّض عنه سوى استعداد شعبنا الهائل للتضحية.

أما الآن، فينبغي أن تكون الوحدة والثقة والتعاون والعمل كفريق بين كل أبناء الثورة وأنصارها، مقاتلين وناشطين، أساس عملنا، وأن تحل النصيحة والنقد البناء محل التشهير والتجريح والشماتة التي سيطرت على سلوك كثيرين منا في السنوات الماضية. إذا بقينا موحدين، سننتصر مهما كانت قوة خصومنا، لأن قضيتنا عادلة، وهم ظالمون ومعتدون. ولن نكون موحدين ما لم تتغلب روح الثقة التي تجمع بيننا على روح الشك والمناكفة والمخاصمة التي فرقتنا عقوداً طويلة سابقة.

العربي الجديد

 

 

 

 

لا تذهبوا إلى جنيف

يُفترض أن تجري في أي وقت من الأيام القادمة «مباحثات سلام» في جنيف لحلّ القضية السورية، يشاركُ فيها نظام بشار الأسد، ووفدٌ من المعارضة السورية، برعاية كل من روسيا وأميركا.

الحرب مستمرة في سورية، وكل يوم يسقط عشرات الضحايا، والنظام الذي حوّل ثورةً شعبية إلى حربٍ شاملة، وجعلَ سورية ساحةً تحارب فيها نحو 70 دولة، منها أربعٌ من أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية، فضلاً عن جهاديين جوالين من 70 بلداً. هذا النظام طرفٌ في المفاوضات، يحظى بدعم روسيا، وبتفهمٍ كبير من الولايات المتحدة. وبعد أن كانت وثيقة جنيف 1، 2012، تتكلم على «هيئة حكم انتقالية»، يرادُ اليوم تشكيل حكومة مشتركة بين النظام والمعارضة مع بقاء بشار الأسد، والأجهزة الأمنية والعسكرية المنهمكة في قتل السوريين منذ نحو خمس سنوات، والتي تسميها روسيا وأميركا «الدولة». هذا يذكر بواحدةٍ من أقدم ثوابت السيطرة الاستعمارية: النظرُ إلى عموم السكان في البلدان المستعمَرة كأناس خطرين، غير عقلانيين، وغير مسؤولين، والثقة بالمقابل بوكالات القتل المتمرسة مثل الدولة الأسدية وأشباهها.

ويستندُ جنيف 3 إلى وثيقة فيينا الصادرة في آخر تشرين الأول من العام الماضي، وهي لا تشيرُ بحالٍ إلى كفاح السوريين، ولا إلى العدالة ولا إلى الديمقراطية ولا إلى المحاسبة وعدم إفلات المجرمين من العقاب، لكنها لا تنسى -على طريقة القوى الكولونيالية- إيجابَ طابع علمانية للدولة السورية، الأمر الذي يشكل في رأينا إهانة للعلمانية والعلمانيين التحرريين السوريين، ولكفاح شعبنا التحرري.

وتبلغُ الغطرسة بالقوى الامبريالية أن تتدخل في تشكيل وفد المعارضين السوريين، على نحوٍ يذكّر بالتدخلات الإسرائيلية في تقرير من هم المفاوضون الفلسطينيون المناسبون في تسعينات القرن الماضي. ويرادُ أن يُفرَض على وفد المعارضة شخصياتٌ وسّعت هامش حرية النظام على الدوام على حساب الثائرين عليه، ولم توسّع هامش حرية المعارضة أو عموم السوريين يوماً على حساب النظام. وكان الأحرى بمن يصرّ على مشاركة تلك الشخصيات أن يطالب النظام بضمها إلى فريقه.

هذا فوق دعوة أناسٍ متنوعين للمشاركة في المؤتمر، باسم المجتمع المدني، على نحو يضغط على وفد المعارضة وينال من صفته التمثيلية، ومن قدرته على التصرف بصورةٍ موحدة.

لقد كانت المعارضة الرسمية السورية، ممثلةً بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، عبئاً على الثورة السورية والقضية السورية في أغلب الوقت، لكنها تُعاقَب اليوم على ميزاتها الجيدة وليس على عيوبها السيئة، على إصرارها على تغيير جدي في سورية، وليس على ضعف ارتباطها بكفاح السوريين مثلاً.

تسيرُ الأمور نحو أن يكون جنيف 3 قتلاً للقضية السورية، وإلحاقاً لكفاح السوريين بأجندة «الحرب ضد الإرهاب» الخاصة بالامبرياليات المتجددة. ويُكافَأ النظام الأسدي على ذبحه مئات ألوف السوريين طوال السنوات الماضية، بالبقاء شريكاً محلياً في هذه الحرب التي لا تنتهي.

لا نرى في جنيف 3 أدنى المقومات الأساسية لعملية سياسية حقيقية، فلا سياسة في أن يُفرض على أحد طرفي المباحثات المفترضة كل شيء، بما في ذلك كيفية تمثيله لنفسه، في حين لا يُطلب من النظام أدنى إجراء لاثبات استعداده لعملية سياسية. لا نتوقعُ خيراً من جنيف 3، ولا حتى وقفَ إطلاقٍ للنار. ولا نرى بأي وجه يمكن أن ترعى روسيا مباحثات سلام سورية، بينما هي قوة حرب واحتلال في بلدنا، تقتلُ المدنيين السوريين كل يوم.

لكل ذلك نقول للمعارضين السوريين: لا تذهبوا إلى جنيف، لا تكونوا شهودَ زورٍ على تصفية قضيتكم، ولا تُسهموا في تعويم القاتل وأجهزة القتل، لا تتركوا شعبكم يضيع.

موقع الجمهورية

 

 

 

 

“لا تذهبوا إلى جنيف”!/ بكر صدقي

هذا عنوان حملة أطلقها نشطاء سوريون معارضون على مواقع التواصل الاجتماعي، وعنوان افتتاحية موقع الجمهورية المعارض ليوم الثلاثاء، ويعكس رأياً عاماً أوسع لا يرى في «عملية جنيف» بشروطها القائمة، أي فائدة ترجى، حتى لو كان الهدف الوحيد لها هو وقف القتال ونزيف الدم السوري الذي لم يعد يحتمل.

الواقع أن السياسة قلما تكترث بالاعتبار الأخير (وقف القتال ونزيف الدم) ما لم يكن للقوى الفاعلة مصلحة فيه. وتستند المعارضة الاجتماعية الواسعة لمشاركة المعارضة الممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات في محادثات جنيف، إلى ما تسرب عن اجتماع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع رئيس الهيئة رياض حجاب، ووصف بعض أعضائها مضمونه بـ«الكارثي».

من المحتمل أن المحور السعودي ـ التركي ـ القطري دفع إلى السطح بالتسريبات المذكورة لتشكيل ضغط الساعات الأخيرة على طاولة المفاوضات التي أعلن المبعوث الأممي ديمستورا عن انعقادها يوم الجمعة 29 كانون الثاني، مما اضطر المبعوث الأمريكي مايكل راتني إلى إصدار بيانه «التوضيحي» بشأن اجتماع كيري ـ حجاب. ومن المحتمل، بالدرجة نفسها، أن توضيحات راتني لم تكن إلا درءًا لحرج الإدارة الأمريكية أمام المضمون الكارثي فعلاً للاجتماع المذكور، بما يعنيه من قيام كيري بدور حامل رسائل زميله الروسي لافروف المشبعة بالتهديد والوعيد.

بعيداً عن هذه التكهنات، أظن أن عبارة «المضمون الكارثي» تنطبق أصلاً على قرار مجلس الأمن 2254 الذي يشكل مرجعية المفاوضات المزمع إجراؤها في جنيف. فقبل كل شيء ربط هذا القرار وقف إطلاق النار (وهو جزئي لا يشمل «الحرب على الإرهاب») بـ»تقدم العملية السياسية». هذا ابتزاز صريح بالقوة موجه إلى المعارضة: إما أن تتقدموا في الحل السياسي (وهو قد لا يعني «انتقالاً سياسيا» على ما اقترح بيان جنيف 2012) بالشراكة مع النظام الكيماوي، وبدون أي ضمانات لرحيل رأس النظام حتى في نهاية «المرحلة الانتقالية»، وإما استمرار الحرب بالشروط القائمة، أي استمرار سلاح الطيران الروسي في قتل وتدمير من تبقى من السوريين وما تبقى من سوريا.

الواقع أن الروسي حقق، في الأسابيع الأخيرة، «إنجازات» دموية ملحوظة، إلى درجة أن منظمة العفو الدولية أصدرت تقريراً عن جرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا في سوريا باستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية كالمستشفيات والمدارس، إضافة إلى مشاركة قوات برية روسية في استعادة مناطق في جبل التركمان، والشيخ مسكين في حوران، كانت قوات المعارضة تسيطر عليها.

ومن المحتمل أن وسيلة الضغط هذه هي الأكثر فعالية لإرغام المعارضة على المشاركة في مفاوضات عبثية في جنيف ليس لها إلا أن تشكل غطاء لتغيير الوقائع على الأرض. وهذه وقائع كارثية حقاً من زاوية نظر الكيان السوري: إنشاء قاعدتين جويتين في الحسكة والقامشلي، واحدة للولايات المتحدة وأخرى لروسيا، في الوقت الذي يجري فيه محور إيران ـ حزب الله تغييرات ديموغرافية لمصلحة سيناريو «سوريا المفيدة»، ويسعى حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم إلى أمر مماثل في تل أبيض وجوارها، بتشجيع من الولايات المتحدة وروسيا معاً إضافة إلى تعاطف أوروبي تقليدي مع المطالب الكردية.

على رغم كل ما ذكر، لم يكتف الروسي، وسعى بكل الزخم الذي امتلكه من سيطرته على الأجواء السورية وتسليم العالم له بـ»حقه» في تحديد مستقبل هذا البلد، إلى التدخل في تشكيل الوفد المعارض الذي من المفترض أن يفاوض وفد النظام الكيماوي، فاستل من جيبه ما سمي بالقائمة الروسية التي تضمنت، إضافة إلى صالح مسلم، أشخاصاً من نوع هيثم مناع الذي زعم سيطرته على 16 في المئة من الأراضي السورية وطالب الأمم المتحدة بتمثيل يتناسب وهذه الحصة، أو قدري جميل الذي أدخله النظام الكيماوي في حكومته أثناء تدميره لسوريا ثم قام بطرده لاكتشافه أنه اكثر ولاء للمافيا الروسية الحاكمة من ولائه له. وبمناسبة الحديث عن 16٪ خاصة هيثم مناع، يجب تذكيره بأن تنظيم داعش يسيطر على نصف مساحة سوريا. ولو كان معيار السيطرة على الأرض هو المعتمد في إقامة طاولة المفاوضات، لتوجب أن تجلس بضعة وفود أمام وفد داعش الأكبر، بحيث يكون للنظام الكيماوي نسبة 18٪ فقط، وتتوزع وفود صغيرة أخرى نسبة 14٪ بينها وفد كبير نسبياً لجبهة النصرة، ذراع القاعدة في سوريا. سيكون هذا «الطائف السوري» المفترض هنا عادلاً حقاً، بمنظور موازين القوة، مع نتيجة واضحة هي: سوريا إلى الجحيم.

أما والهوى الدولي الغالب الذي أنتج القرار 2254 يعمل تحت شعار الحرب على الإرهاب المعرف بداعش ومنظمة القاعدة، متجاهلاً أن أساس المسألة السورية هو أن غالبية كبرى من الشعب لم تعد في وارد الاستمرار تحت سلطة نظام سلالي طائفي مافيوي مدمر، بات أخيراً بمثابة «حكومة فيشي» تابعة للمحتل الروسي، وتتوق إلى التخلص منه لبناء سوريا جديدة ديمقراطية تعددية… فقد أصبح لأمثال هيثم مناع الذي طالما قدم للنظام الكيماوي ما يتستر به من ذرائع لقمع ثورة الشعب السلمية منذ أسابيعها الأولى، أن يتحدثوا بالنيابة عن «قوات حماية الشعب» التي يستقوون بها على المعارضة السورية عن 16٪ وعن حقهم في المشاركة في تحديد مستقبل سوريا. ولولا الهوس المرضي التركي من «الخطر الكردي» على أمنها القومي، لما تخلى الروس عن فرض صالح مسلم على الوفد المفاوض.

لا تُحسد الهيئة العليا للمفاوضات على الخيارات الكارثية المتوفرة وحدها: إما المشاركة في مفاوضات تبدو مهمتها الوحيدة استعادة النظام لشرعية فقدها في الداخل والخارج، وإما مقاطعة طاولة جنيف والدخول في عزلة خانقة، في الوقت الذي يواصل فيه الروس تدمير ما عجز النظام عن تدميره. بعبارة أخرى: الاستسلام أو الموت.

ورقة قوة وحيدة تمتلكها المعارضة وهي استحالة قيام تسوية بغيابها. من هنا يستمد شعار «لا تذهبوا إلى جنيف» قوته ومشروعيته، حتى لو كان الثمن تدمير سوريا التي لم تكن يوماً لأهلها منذ نحو خمسين عاماً.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

الدور الروسي في سورية فرصة ذهبية لإيران/ غازي دحمان

يتّبع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معالجته للأزمة السورية تكتيكات صلبة يحاول فرضها كقواعد تعامل مكتملة الشروط ومغلقة على أي إمكان للتعديل أو التطوير، إلا في اتجاه تصليب تلك التكتيكات بدرجة أكبر. حتى القوة الروسية الناعمة والمتمثلة في المجال الديبلوماسي باتت تتبع تكتيكات بوتين الصلبة.

وثمّة محفّزات تدفع بوتين بهذا الاتجاه مثل تراخي إدارة اوباما وتناقض توجهات الأجهزة الأميركية تجاه الأزمة السورية على ما كشف الصحافي سيمور هيرش مؤخراً، وكذلك عدم وضوح موقف حلف شمال الأطلسي (ناتو) من التحرك الروسي على حدوده الجنوبية.

شكلت تلك الوقائع مناخاً سلبياً وحاضنة لتوليد التقديرات غير الدقيقة، التي أخذت تؤثر في دوائر صنع القرار في روسيا، وتظهر مؤشرات هذا التأثير في شكل جلي في التطويرات التي يضيفها بوتين على حملته في سورية سواء من حيث توسيع نطاق تحركها أو من حيث رفع سقوف أهدافها.

ولا شك في أن ذلك يخلخل منهجية إدارة الأزمة من قبل مختلف اللاعبين المنخرطين فيها ويؤثر في التفاعلات الإستراتيجية المحيطة بها، ذلك ان منهجية بوتين، في بداية انخراطه في الأزمة، كانت تتّبع سياسة «الإكتفاء المعقول» والتي على أساسها تحقق روسيا أهدافها من دون الإضطرار إلى عبور النقطة الحرجة للمهمّة والذي قد يدفعها إلى الزج بالمزيد من القوة العسكرية، ويعيد تعريف وجودها من المشاركة إلى التدخل، ويفصل بينهما خيط رفيع، وفي سبيل تلافي الوقوع في هذا الخطر يضطر بوتين إلى استخدام الأدوات التشغيلية التي توفرها إيران في الميدان من كتائب وميليشيات، وهو أيضاً ما يدفع موسكو إلى صناعة تحالف عسكري تقوده إيران برياً وتكون المساهمة الروسية فيه على شكل مشاركة في التخطيط التشغيلي وتبادل المعلومات والإشارات الإستخباراتية وتحديد الأهداف.

في مقابل تلك الحاجة تجد ايران نفسها تحت غطاء التفويض الدولي الذي حصلت عليه روسيا بما يمنحها هامشاً واسعاً للمناورة، وفيما تتركز الأنظار على التدخل الروسي وتسلط الأضواء عليه بدرجة كبيرة يتحوّل التدخّل الإيراني إلى عنصر غير مرئي لكنه يعمل بفعالية وراحة أكبر في تنفيذ أهداف المشروع الإيراني، والتي يأتي على رأسها ليس الحفاظ على بشار الأسد بل إعادة صياغة الواقع الديموغرافي في سورية والعراق، بحيث تشكّل الحرب على «داعش» والتوترات الإقليمية بخاصة مع تركيا قنابل دخانية للتغطية على المشهد الحقيقي والتفاصيل الكارثية التي تشكّلها إيران في المشرق العربي.

وباعتبار أن مثل هذا الأمر يستلزم إطاراً زمنياً لصناعته وترسيخه فإن إيران، ستعمل بدرجة كبيرة على عرقلة فرصة صناعة التسوية التي أقرها مؤتمر فيينا مؤخراً وقرار مجلس الأمن الرقم 2254 حتى لو أرادت روسيا عكس ذلك، إذ رغم أن موسكو تبدو ظاهرياً المسيطرة على تفاصيل المشهد السوري لكنها لا تتحكم بكل مخرجاته بما يجعل دورها قاصراً على تهيئة الظروف المناسبة لإيران سواء من خلال ضرب خصوم طهران المحليين وإشغالهم عن مواجهة مشروعها أو عبر الضغط على دول الجوار ودفعها الى الإنكفاء والإنشغال بالاجراءات الإحترازية لمنع حصول صدام مع روسيا، ولا شك في ان ذلك يشكل فرصة ذهبية لإيران يصعب توافرها في وقت آخر، وبالتالي ستعمل إيران على إدامة هذا الوضع أطول وقت ممكن.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

الوثيقة الأميركية: تلقيم سياق الموت السريري/ غازي دحمان ()

التوصيف الطبيعي للوثيقة المسرّبة من أدراج المسؤولين الأميركيين المختصين بالأزمة السورية، أو الذين هم على تماس معها، أنها أقرب إلى تقدير موقف مصمم لدوائر صنع القرار العليا في واشنطن ليس بهدف الاستناد اليها في اتخاذ القرارات المناسبة بقدر ما هي مضبطة لإغلاق هذا الملف في الفترة المتبقية من إدارة باراك اوباما وتحديد الحد الأدنى من الجهود الدبلوماسية والموارد المخصصة لمتابعة هذا الملف.

من تفاصيل الوثيقة وحيثياتها يتضح أنّها انبنت بدرجة كبيرة على افتراض نظري ومخادع مفاده أن بيان فيينا وقرار مجلس الامن رقم 2254 يشكلان أليات جدّية وقادرة على إطلاق العملية السياسية في سورية وضمان سيرها حسب الاستحقاقات التي رسمها كل من البيان والقرار، وعلى افتراض أخر لا يقل مخادعة بأن الأطراف المنخرطة بالأزمة والمشاركة في اجتماعات فيينا ونيويورك ملتزمة بشكل قطعي بإنجاح هذا الاستحقاق والسير به إلى نهاياته المنشودة.

لكن الغريب أن واشنطن، التي تهشّمت يدا وزير خارجيتها وهو يجهد في تدوير زوايا الإتفاق لدرجة وصل معها الى حالة استحالة التطبيق، تدرك أكثر من غيرها حجم التعقيدات التي ما زالت تقف عقبة في وجه انطلاق العملية السلمية وأولها عقبة مصير بشار الأسد التي أزاحتها واشنطن نفسها لتفتح مسارب جديدة لخروج إدارة اوباما من دائرة الأطراف الملتزمة برحيل الأسد وحل الأزمة إلى وضعية طرف وسيط وحيادي وغير معني بالأزمة.

على ذلك تبدو الوثيقة المسربة بمثابة نهاية مرحلة خروج إدارة اوباما من الازمة وتملصها منها، والحق أن هذه الإدارة قد أدارت عملية خروجها بمنهجية تحسد عليها بدأت بتنازلات معينة أقدمت عليها في مؤتمرات فينا ثم كرستها في قرار مجلس الامن رقم 2254 ليبدو الأمر طبيعياً في الوثيقة الأخيرة، بحيث يصل الأمر الى حد التسليم بأن المسألة برمتها تعني عالماً أخر لا يحف مصالح واشنطن ولا يقترب من تخوم مناطق نفوذها ولم تضع يوما خطوطا حمر أو سود بشأنها!.

حسناً، ربما ليس ممكناً محاكمة أميركا على موقفها الانسحابي كما لا يمكن تقدير الحسابات السياسية التي بنت عليها موقفها، لكن الوثيقة تسلط الضوء على طريقة تفكير دوائر صنع القرار الأميركي، وأسلوبها في قراءة الأحداث وتقديرها، فهل يعقل أن الدولة العظمى في العالم تنظر للأزمات الحاصلة بهذا القدر من السذاجة والتبسيط؟، وانها تبني قراءتها على جملة من الافتراضات النظرية والأمنيات والرغبات وليس على الحقائق الصلبة التي تشكل تلك الأزمات وتتحكم بها وبخاصة وأنها تقع في قلب مشاريع جيوسياسية تتغذّى على التراخي الأميركي في المنطقة؟، ثم هل يعقل أن تسود كل تلك السكينة والتسليم لدى دوائر صنع القرار تجاه أزمة بحجم الأزمة السورية تهدّد تداعياتها بإشعال حرب كبرى، فالملاحظ ان الوثيقة لم تطرح على صانع القرار الأميركي أي خيارات وبدائل في حال تعثر السير بالبرنامج الزمني الذي ترسمه كما لم تطرح خطة لإدارة هذا البرنامج الذي يفتقر بحد ذاته إلى أليات تضمن سيره بنجاح!.

لعلّ ذلك ما يدفع إلى الاعتقاد بأن هذه الوثيقة ليست هي نسخة التقدير الذي يتداوله صناع القرار الأمريكيين فيما بينهم بقدر ما هي وثيقة معدّة للتسريب أصلا ويراد منها إيصال رسائل معينة لأطراف محدّدة، ربما إلى روسيا بهدف طمأنتها إلى واشنطن لا تخفي عنها غير الذي سمعته موسكو من وزير الخارجية جون كيري في زيارته الأخيرة إلى موسكو وبالتالي يمكنها الغرق أكثر في الأزمة السورية، وربما إلى إيران تطمئنها بأن مسار علاقاتها معها ليس له شأن بتطورات الأزمة السورية، وربما للدول العربية الحليفة لأميركا بأن واشنطن فعلت كل ما تستطيع وأوصلت الأمور الى عتبة العملية السياسية ولم تعد تملك من أمر سوى الدعاء والتمني بالتوفيق لكل الأطراف.

لكن الإشكالية التي لا ندري إن كانت اميركا لا تدركها أو أنها تعرفها وتصر على العمل على تغذيتها وإدامتها، أنّه في ما خصّ الأزمة السورية، ليس ثمة شيء « تصريح او تلميح» ليس له مترتبات ولا يجري على مقتضاه بناء وقائع وحيثييات، كل شيء قابل للتوظيف في ظل وجود أطراف باتت تستثمر أي موقف إلى أقصى حد وتترجمه عمليات قتل وتهجير وحصار وتفريغ ديمغرافي، ومنذ بداية الازمة حرصت واشنطن على اتباع سياسة تلقيم مسار الأزمة بمواقف تخدم واقعها المأساوي، عشرات المرات خرج متحدثوها العسكريون يؤكدون أنهم ليسوا في صدد استهداف نظام الأسد، وأكثر من مرة ادعوا أنهم بصدد دعم المعارضة، وليس أخر هذه التلقيمات الكشف عن أن واشنطن كان لديها خطة للانقلاب على الأسد!

واستطراداً، فإن هذه الوثيقة المسربة والتي لا فائدة عملية لها ورغم ركاكتها وسطحية رؤيتها إلا أنها تأتي في وقت عصيب جداً على الشعب السوري حيث تجتمع فيه قوى روسيا وإيران ووكلاؤهما في المنطقة على التعاون لتغيير المعادلات السياسية والعسكرية والديمغرافية مستخدمين كل الطرق والوسائل لتحقيق هذه الغاية، وبالتالي فإن هذه الوثيقة لا تشكل فقط اعترافاً بحق هذه الأطراف بالعمل داخل سورية بل الأخطر أنها تشرعن سلوكهم في المرحلة الممتدة حتى صيف 2017 في وقت باتت تقاس فيه الأزمة السورية بأعداد القتلى جوعاً والمقذوفين من ديارهم الى المجهول.

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

 

 

 

ملابسات جنيف/ ميشيل كيلو

1ـ يقال بنص صريح: إن مرجعية قرار مجلس الأمن الدولي بشأن سورية 2254 هي وثيقة جنيف واحد والقرار 2118. هذا القول لا يحترمه القرار الذي يناقض مع ما ينصان عليه كلاهما، وهو أن الحل السياسي “يبدأ بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية”، هي مرجعية ذاتها لأنها ستشكل بقرار دولي، ينقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه. على النقيض من هذا النص الواضح، يدعو القرار 2254 إلى تشكيل “جسم حكم انتقالي” بتخويل من جهةٍ لا يحدّدها، هي مرجعيتها. وبالتالي، الجهة التي ستكون مسؤولة أمامها. وفي حين تجعل وثيقة جنيف واحد والقرار 2118 هدف الهيئة إقامة نظام ديمقراطي، يتحدث القرار 2254 عن “حكم جامع وذي مصداقية وغير طائفي”، قافزاً بذلك عن النظام الديمقراطي كما حددته الوثيقة التي ألزمت جميع الأطراف السورية بفعل كل ما من شأنه إقامته، ورعته بضماناتٍ دوليةٍ، يتولاها أعضاء مجلس الأمن الدولي، وتجاهلها القرار2254 بدورها.

2ـ يقول القرار 2254 بالتطبيق “الفوري” لما يسمونها إجراءات بناء الثقة، وهي فك الحصار عن جميع مناطق سورية، والسماح بوصول المواد الغذائية والطبية الآمن إليها، ووقف القصف المدفعي والجوي للمدنيين، وخصوصاً منه القصف بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، وإطلاق سراح المعتقلين، وخصوصاً منهم النساء والأطفال، ووقف تجويع السكان وتدمير المراكز الطبية … إلخ. يستخدم القرار أكثر من مرة كلمة “فوراً”، في مطالبته بتطبيق ستة قرارات أصدرها مجلس الأمن والأمم المتحدة بين عامي 2012 و2015، دان فيها ما يمارسه النظام من جرائم ضد شعبه، تنتهك القانونين الدولي والإنساني والقوانين السورية التي تمنع الرئيس من قتل الشعب وتجويعه، واعتقال بناته وأبنائه وتهجيره.

ولأن النظام حتى اليوم لم ينفذ أياً من هذه القرارات، فقد قرّر المجتمع الدولي مكافأته بإلغاء قراراته، وجعل المسألة الإنسانية موضوعاً تفاوضياً، على الرغم من أن عدد ضحايا جرائمه بلغ خمسة عشر مليون سوري، بشهادة منظمات الأمم المتحدة وتقاريرها التي تؤكد أن المشكلة بين النظام والسوريين، وليست بينه وبين المعارضة، وأنها تحل بتوقف الأسد عن قتل الشعب السوري وتجويعه وحصاره، تطبيقاً لستة قرارات دولية، يجعل تنفيذها مسؤولية محض دولية. ترى، ماذا سيفعل المجتمع الدولي، إذا فشلت مفاوضات المعارضة مع النظام حول تطبيق قرارات دولية خاصة بالمسألة الإنسانية.

3ـ يكرّر مبعوث الأمم المتحدة للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، الحديث عن ضرورة إجراء مباحثات من دون شروطٍ مسبقة. ليس هناك قرار دولي واحد يغفل التأكيد على أن ما سيجري عند لقاء وفدي المعارضة والنظام سيكون “مفاوضات”. لكن دي ميستورا يريد “مباحثات ومشاورات”، مع أنه يعلم أنه لن تتمخض عنها غير نتائج تمهيدية، غير رسمية أو ملزمة. هل سيحل دي ميستورا المعضلة السورية من دون مفاوضات، وهل يتسلى بألاعيب تطيل عذابات السوريين وموتهم؟ أما “الشروط المسبقة” التي يعترض عليها، فهي الحقوق التي أعطتها وثيقة جنيف والقرار 2118 للسوريين، كالهيئة الحاكمة الانتقالية والانتقال الديمقراطي. ينكر دي ميستورا حقوقاً منحها المجتمع الدولي للسوريين، ودعاهم للتمسك بها، وجعل الحل السياسي مستحيلاً بدونها، بيد أن دي ميستورا حولها إلى “شروط مسبقة، ورفض أن تكون موضوع تفاوض أو حتى تباحث وتشاور”.

إذا كان يُراد لنا التخلي عن حقوقٍ معترف بها دوليا. ويراد للنظام أن يواصل قتل شعبنا وقصفه وتجويعه وحصاره وتعذيبه وتهجيره. وكان القرار 2254 يلغي وثيقة جنيف واحد والقرار 2118 مرجعية للحل السياسي، لماذا نضيع وقتنا مع دي ميستورا وحول ماذا “سنتباحث ونتشاور” هناك؟ ألا يلزمنا هذا الواقع بالتركيز على بناء وضع ذاتي، يمكّننا من مواجهة الحرب الإجرامية التي يصعدها أعداؤنا الروس والإيرانيون والأسديون ضد شعبنا، كأنه ليس هناك بالنسبة لهم أي حل غير الحل العسكري الذي يفرضونه على الأرض؟ وهل بغير لي ذراع هؤلاء نستطيع بلوغ الحل الذي يعطينا حقوقنا، بعد أن أقرّت الشرعية الدولية لنا به، ويدمره الروس والإيرانيون اليوم بقنابلهم، ودي ميستورا بألاعيبه؟

العربي الجديد

 

 

 

المفاوضات السورية وسؤال المليونير/ إياد الجعفري

في إحدى إطلالاته الإعلامية القديمة، روى الداعية الإسلامي الكويتي، طارق السويدان، سيرة مليونير أسود أمريكي الجنسية، خرج من بيئة فقيرة، وتمكن أن يشق طريقه نحو الثراء.

وفي سياق إجابته عن سؤال مذيع تليفزيوني، كيف أصبحت مليونيراً؟، قال المليونير الأسود: بخطوتين فقط، الأولى، قررت أن أصبح مليونيراً.. أثارت إجابته استغراب المذيع إذ من الطبيعي لكل طامح بأن يصبح ثرياً، أن يقرر ذلك، لكن المليونير كرر عبارته مرة أخرى، “قررت أن أصبح مليونيراً”،.. فتساءل المذيع عن الخطوة الثانية، أجاب المليونير : “حاولت أن أصبح مليونيراً”، فقال له المذيع: “من الطبيعي أن كل من يريد أن يصبح مليونيراً، سيحاول ذلك”، رد عليه المليونير: “لا، أنا حاولت، ففشلت”، قال له المذيع: “ومن ثم؟”، أجابه: “حاولت مرة أخرى، وفشلت، ومن ثم حاولت أيضاً، ففشلت، واستمريت في المحاولة إلى أن نجحت وأصبحت مليونيراً”.

قصة المليونير تلك، تتكرر في حكاية تُروى عن فتى سأل غنياً، “كيف أجمع المال؟”، فعرض عليه عملاً ليعلمه من خلاله كيف يجمع المال، لكنه منحه فقط 10 سنت في الساعة لقاء عمله. وبعد برهة من الزمن، شعر الفتى بأنه يتعرض للاستغلال، فهو يعمل عملاً مُجهداً للغاية بـ 10 سنت فقط بالساعة، دون أن يعلمه الغني أي شيء عن كيفية جمع المال، فواجه الفتى الغني بذلك، ليقول له الأخير: “لقد علمتك، فأنا كنت إحدى مشقات الحياة التي ستواجهها في طريقك لجمع المال، وعليك أن تتجاوزها، لن تتعلم جمع المال بنجاح إلا إن تعلمت كيف تواجه مصاعب الحياة، وتسقط، ثم تقف من جديد، لتتابع طريقك، وتصر على تحقيق هدفك دون هوادة، مهما كانت عدد سقطاتك”.

في سوريا يحصل جانب من “لعبة المليونير”، حيث صراع الإرادات على أشده، والإرادات التي ستصمد هي التي ستنتصر، تلك حقيقة مرتبطة بتاريخ الأفراد والشعوب في آن، فالصامدون الذين يتعلمون من سقطاتهم، ويقفون من جديد على أقدامهم، ليتعلموا من تجاربهم ويتابعوا محاولاتهم، هم وحدهم الناجحون الذين يحققون طموحاتهم.

مرّ نظام الأسد بسقطات عديدة، وظن الكثيرون أنه على أهبة الانهيار، هدف الأسد كفرد، ونظامه كمجموعة، البقاء على سدة الحكم، مهما كلف الأمر، وبالفعل، ضحى هؤلاء بكل شيء في سبيل البقاء، ضحوا بالبلد كله، وصولاً إلى منح الإيراني والروسي امتيازات تقترب إلى حد انتداب جديد، لقاء الدعم، وتمكن هذا النظام بالفعل من البقاء حتى اليوم، ليجلس على طاولة المفاوضات، بإقرار دولي، أنه طرف لا غنى عنه في إنهاء الصراع السوري.

كذلك مرّت الثورة، وأنصارها، بسقطات كثيرة، وكلما حدثت سقطة، هلل البعض بقرب انتصار الأسد الناجز، ليعود حراك الثائرين أقوى، وينحصر نظام الأسد من جديد في زاوية الخطر. اليوم، يقرّ المجتمع الدولي بأن لا غنى عن الثائرين في إنجاز حل للصراع بسوريا، ورغم أن تلك مرارة نسبية لأنصار الثورة، الذين كانوا يريدون الإطاحة بالأسد ونظامه، إلا أن ذلك يعني أن عود الثورة لم ينكسر تماماً، ويعني ذلك أنها قادرة على الاستمرار، يبقى الأمر متوقفاً على أنصارها، وإراداتهم، شريطة أن يتعلموا من سقطاتهم، وأن تبقى إراداتهم صلبة، وأن يبقوا مصرين على أهدافهم.

على طاولة المفاوضات اليوم، أمام فريق المعارضة طيف من الفرص، على خلاف المتشائمين، أبرزها، اللعب على الوتر نفسه الذي يلعب عليه نظام الأسد، فالمعارضة تملك تأهيلاً أفضل للإمساك بزمام هذه اللعبة.

نظام الأسد يلعب على وتر مخاوف الغرب من تداعيات الصراع السوري، التي ظهرت في بعدين: اللاجئين الذين اجتاحوا أوروبا، و”الإرهاب” الذي أطلقه “داعش”.

نظام الأسد يقول للغرب أنه الأقدر على محاربة هذا “الإرهاب”. وإنهاء هذا الصراع، هو السبيل الوحيد لوقف طوفان اللاجئين.

لكن الغرب يعلم، ويُقرّ، بأن الأسد ونظامه وحلفاءه وحدهم، لن يكونوا قادرين على ذلك، إذ أنهم لم يتمكنوا من ذلك مسبقاً، خلال محاولات السنوات الخمس السابقة. ويعلم الغرب أن الحاضن السُني الكبير بسوريا، يجب أن يكون طرفاً في الصراع مع “الإرهاب”، كما أن استقرار هذا الحاضن وأمنه، هو السبيل الأمثل لوقف طوفان اللاجئين.

تلك أوراق قوة المفاوضين من فريق المعارضة، فهم يمثلون جزءاً كبيراً من الحاضن السُني بسوريا، وهم الطرف الأقدر على جرّ هذا الحاضن إلى حل سياسي، وعلى فريق المعارضة أن يلعب بورقة تمثيل السُنة باحتراف، فالغرب والروس يفهمون بهذه اللغة، لغة المحاصصة والنسب والتمثيل.

لكن فريق المعارضة يواجه صعوبات جمّة في مفاوضاته، أبرزها، أنه لا يفاوض نظام الأسد فقط، على أرض الواقع، بل هو يفاوض وراء الكواليس، الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الدولي، ويفاوض دول الغرب ذاتها، وفي مقدمتها أمريكا، كما أنه يفاوض روسيا وإيران، وهو يفاوض أيضاً، وعليه أن يدرك ذلك، حلفاءه الإقليميين.

في مفاوضاته مع الأمم المتحدة، يجب أن يسعى فريق المعارضة إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب على صعيد الملف الإنساني والإغاثي، وهو في موقف قوة أثناء المفاوضات في هذا الملف، فإذا ترافقت المفاوضات في هذا الملف، بحملات إعلامية مكثفة، وإصرار سياسي، وتوضيح بأن الحاضنة الشعبية لفريق المعارضة لن تقبل أية مفاوضات تحت القصف والحصار والتجويع، فإن التركيز العالمي سينتقل إلى ناحية تخفيف وطأة هذا الملف، كما حصل في قضية مضايا.

أما في مفاوضاته مع الغرب، فيجب أن يقنع فريق المعارضة الغرب بأن سُنة سوريا، في غالبيتهم، لن يكونوا في صف حل سياسي، تحت قيادة بشار الأسد، مما يعني أن أي حل سياسي قسري لا يحقق الحدود الدنيا من مطالب هذه الشريحة من السوريين، تهدد باستنزاف كوادرها لصالح التنظيمات المتطرفة، وتهجير جانب آخر منها خارج سوريا باتجاه أوروبا.

أما في مفاوضاته مع حلفائه الإقليميين، فيجب أن يلح فريق المعارضة على أن استثمارات الخليجيين والأتراك في سوريا، باتت الآن على المحك، وسط التدخل الروسي الجامح، وأن تقوية مواقف المعارضة وحلفائها على طاولة المفاوضات، يكون بضخ دعم نوعي لقوى المعارضة الميدانية كي تتمكن من تحقيق إنجازات ميدانية نوعية بالتزامن مع جلسات المفاوضات، على غرار ما يفعل الروس الآن في هجماتهم المكثفة على أكثر من جبهة بالتزامن مع انطلاق صافرة التفاوض.

إذا تمكن فريق المعارضة من تحصيل مكاسب كبيرة في مفاوضاته مع تلك الأطراف الثلاثة، الأمم المتحدة، الغرب، وحلفائه الإقليميين، سيكون أمر التفاوض مع إيران وروسيا أسهل، إذ سيكون التفاوض حينها مشفوعاً بضغط ميداني، وبدعم غربي، وبسند إقليمي قوي.

في نهاية المطاف، لدى فريق المعارضة المفاوض نقاط قوة كثيرة عليه أن يلعب بها بالتوازي. وعلى خلاف المهللين سلباً للمفاوضات، قد تكون الأخيرة سبيلاً ممهداً لتقديم طرفٍ سياسي يمثل أجسام المعارضة، يحظى بتقدير المجتمع الدولي، ومن ثم بثقته، ويفرض نفسه على خريطة العلاقات الدولية، بالتوازي مع مساعي توحيد القوى المعارضة بالداخل.

المدن

 

 

 

 

المعارضة وساعة الحقيقة/ علي العبدالله

كشفت تعليقات عدد من أعضاء في الهيئة العليا للمفاوضات، على لقاء وزير الخارجية الأميركية مع المنسق العام للهيئة، عن توتر وارتباك واضحين أثارا قلقا واضطرابا في أوساط المعارضة إن لجهة رد الفعل الانطباعي الذي اتسمت به هذه التعليقات والتعبير عنه دون تشاور وتنسيق مسبق، وإطلاق مواقف فزعة دون روية وتبصّر أو لجهة غياب إدراك دقيق للسياسة الأميركية وموقفها من الثورة السورية، قبل ظهور “داعش” وبعده، ما أثار أسئلة وشكوكا حول طبيعة تعاطي المعارضة مع الأطراف الإقليمية والدولية واعتمادها على النوايا والأقوال دون تدقيق ومقارنة بين الأقوال والأفعال، خاصة وان الموقف الأميركي معلن على لسان كبار مسؤولي الإدارة بدءا من الرئيس الأميركي الذي تحدث عن المعارضة كمزارعين وأطباء أسنان (أي ليست أهلا لإدارة سوريا) إلى وزيري الخارجية والدفاع وكبار جنرالات البنتاغون في شهاداتهم أمام الكونغرس، ناهيك عن تحولات موقفها من المعارضة المسلحة وضغطها على الحلفاء الإقليميين للالتزام بسقف منخفض للدعم العسكري، حتى لا يتشكل انطباع خاطئ لدى المعارضة بأنه من المسموح إسقاط النظام عسكريا، وصولا إلى تبنيها حلا سياسيا على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب” وعملها الدؤوب لإيصال الجميع إلى قبول المبدأ من خلال التأكيد “أن ليس ثمة حل عسكري في سوريا”، أي لن نسمح بانتصار طرف على آخر. لقد ولّدت هذه التعليقات شعورا سوداويا حول نتائج العملية السياسية وسوريا الجديدة التي حلم بها الثوار، في ضوء هكذا تعليقات متوترة وغير مدروسة.

لم يقف أعضاء في مؤتمر الرياض والهيئة العليا للمفاوضات عند انتقاد الموقف الأميركي بل تعداه إلى الدعوة إلى مقاطعة جنيف والعمل مع الدول الحليفة للتصدي للضغوط الأميركية، ومطالبتها بتنفيذ وعودها السابقة بالوقوف إلى جانبها في كل الأوقات وتحت كل الظروف، من أجل التصدي للعدوان الروسي الإيراني.

لم تكتف واشنطن بالضغط على الهيئة العليا للمفاوضات بل مدّت ضغطها ليطال حلفاءها، السعودية وتركيا بشكل خاص، حيث طرحت مقايضة واضحة من خلال انتقاد مواقف إيران ودورها في دعم الإرهاب وإثارة عدم الاستقرار في دول الجوار وتأييد الموقف السعودي في اليمن الذي أعلنه كيري في الرياض، وتبني وجهة نظر تركيا من حزب العمال الكردستاني، باعتباره حركة إرهابية مثلها مثل “داعش”، الذي أعلنه جو بايدن بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء التركي، كثمن للتوقف عن دعم موقف المعارضة السورية والكف عن تأييد مطالبها السياسية والقبول بالصيغة المطروحة لجنيف3، بما في ذلك إقناع تركيا بسحب تهديدها بالانسحاب من المجموعة الدولية لدعم سوريا إذا ما دُعي حزب الاتحاد الديمقراطي إلى جنيف.

سعت واشنطن لاحتواء رد الفعل وتنفيس الحملة الإعلامية عبر اتصالات، أجراها كيري والمبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني، مع حلفاء للمعارضة (فرنسا، المملكة المتحدة، السعودية، تركيا) ومع أعضاء في الهيئة العليا، لمعرفة إن كانت الحملة منسقة مع دول إقليمية داعمة للمعارضة ولمنع صدور موقف رافض للمشاركة، وقد اصدر راتني بيانا توضيحيا حاول من خلال توضيحات شكلية، ودون تغيير في جوهر ما طرحه كيري، تعديل الانطباع السلبي الذي تركه لقاء الأخير مع حجاب دون أن يفوت فرصة الغمز من قناة أصحاب التعليقات السلبية على اللقاء بالقول:”كان البعض منه ناتجا عن سوء فهم والبعض الآخر بسبب تشويه مقصود”، وفي الوقت نفسه أعطت(واشنطن) ضوءا أخضر للمبعوث الدولي إلى سوريا السيد ستيفان دي مستورا لتوجيه دعوات وفق مقتضى الاتفاق الأميركي الروسي الذي يخوّله دعوة من يراه مناسبا للمشاركة في ضوء محتوى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أي دعوة شخصيات ممن حضروا لقاءات القاهرة وموسكو، كان الأخير قد اغضب السعودية، بسبب تراجعه عن اعتبار مؤتمر الرياض الممثل الوحيد للمعارضة، التي قاطعته ولم ترد على طلباته لزيارتها، ما يعني أن أميركا، بالاتفاق بين كيري ولافروف، قد حسمت موقفها ولن تتراجع عنه.

واقع الحال إن الحل المطروح بخطوطه العامة(مؤتمر جنيف “محادثات”، وليس “مفاوضات”، ستفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا هيئة حكم انتقالية، ومن حق المبعوث الدولي التدخّل في تشكيل وفد المعارضة وتعيين مستشارين له، وإن إجراءات الثقة التي تطالب بها المعارضة قبل اجتماعات جنيف كإطلاق المعتقلين، وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وإيقاف قصف المدنيين، وإدخال مساعدات إنسانية وسواها، هي جزء من المحادثات التي ستجري في جنيف، وان من حق بشار الأسد الترشح للرئاسة في أي انتخابات رئاسية ستُجرى). انقلاب على جنيف1، ويتعارض مع مصالح الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة(السعودية، تركيا، وقطر) لكن  السؤال الكبير هو هل هذه الدول مستعدة للذهاب في المواجهة إلى نهاياتها القصوى ما يبرر دعوة بعض أعضاء الهيئة للذهاب إلى حرب تحرير شعبية ضد الاحتلالين الروسي والإيراني، وهل هي على استعداد للدخول في مواجهة مع واشنطن وموسكو في آن(؟).

تقتضي اللحظة السياسية الدقيقة والمفصلية تعاطيا هادئا بأعصاب باردة وتقرير موقف منطقي وعملي في آن بعد التشاور مع قوى الثورة والمعارضة والدول الشقيقة والصديقة، ودراسة كل الاحتمالات والخيارات، فالمعادلة معقدة، كما ان المقاطعة مثل المشاركة بالشروط الأميركية الروسية تنطوي على خسارة، لكن ثمة فرقاً بين خسارة وخسارة، فالمقاطعة بالاعتماد على وعود قد تكون غير ثابتة، قالت السعودية أنها ستدعم المعارضة دون شروط لكنها بدأت تتعرض لضغوط أميركية وروسية (عكس موقف واشنطن من مخرجات مؤتمر الرياض، استهداف واضح للأخيرة التي رعت المؤتمر، ضغط روسي عبر تحرك مع عُمان لحل في اليمن من خارج قرار مجلس الأمن رقم 2116) قد تدفعها إلى تخفيف دعمها، ما يجعل المقاطعة وصفة انتحارية، والمشاركة مع تحضير جيد وموقف صلب من المطالب المشروعة للثورة بالتغيير والتمسك بها أكثر منطقية وجدوى في ضوء المعطيات المحلية والإقليمية والدولية.

المدن

 

 

 

 

 

المفاوضات السورية تبدأ/ سلامة كيلة

يوم الجمعة سوف تبدأ المفاوضات السورية، كما أعلن دي ميستورا، على أن تستمر ستة أشهر، قبل الولوغ في المرحلة الانتقالية كما هو مفترض. من كل الاتصالات واللقاءات التي جرت في الأيام السابقة يظهر أن المنظور الذي سيحكم هذه المفاوضات هو ما قرّرته روسيا، حيث عمل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على تمرير الرأي الروسي لدى المعارضة، ودفعها إلى المشاركة على هذا الأساس. كما أعلن دي ميستورا أنه هو الذي سيحدد الوفد “المعارض”، كما طالبه به قرار مجلس الأمن 2254، وأوضح أن المفاوضات غير مباشرة، وسوف تكون هناك وفود متعددة في مقابل وفد النظام.

وكما بات يتكرّر، فإن الهدف من المفاوضات هو الوصول إلى حكومة وحدة وطنية، وصياغة دستور جديد، وحق بشار الأسد في الترشح في الانتخابات التي تلي صياغة الدستور. وهو التصور الإيراني الروسي الذي يعني، في الواقع، ليس إبقاء النظام وإزاحة بشار الأسد، بل إبقاء النظام وبشار الأسد.

يلاحظ، أولاً، أن المدة الزمنية للتفاوض طويلة بما يكفي لكي يعتقد الروس والإيرانيون أنهم قادرون على سحق الثورة. وبهذا يكون الحل المطروح “طبيعياً”، لأنه يعني إدخال بعض الأشخاص في بنية السلطة، هم إما قريبون من النظام أصلاً، أو معارضون سابقون، يتملكهم هوس السلطة. لكن السؤال يتمثل في هل إن هذا الحل سوف ينهي الصراع، ويؤسس للاستقرار، و”يوقف الدم” كما يتكرر أولوية؟ فالميل إلى تبرير تحقيق أي حل يقوم على ضرورة “وقف الدم”، والمشكلة، هنا، أن روسيا تريد “وقف الدم” بالدم وزيادة الدم. لكن، هل يؤدي هذا الحل، حتى بموافقة كل المعارضة والدول الإقليمية عليه، إلى “وقف الدم”؟

كل من ينطلق من أن ما يجري هو من فعل المعارضة والدول الإقليمية والدولية (أميركا) يعتقد أن الحل سوف يؤدي إلى ذلك، لأنه يعني توافق القوى “المحرِّكة” على الحل. لكن في ذلك مشكلة فهم، ومعرفة، لأن الأساس في الصراع هو الشعب، والذين حملوا السلاح منه، والقوى الشعبية التي تريد تغيير النظام. وبهذا، وعلى الرغم من الصعوبة التي يعانيها الشعب، والعنف الموجه ضده، والتشريد والجوع والتدمير، فإن كل حلٍّ لا يحظى بموافقة هؤلاء لن يكون ممكن النجاح. وبالتأكيد، لا يعني هذا الحل التغيير الجذري، بل إنه يشابه الحلول في الدول الأخرى التي شهدت ثوراتٍ، وخصوصاً هنا في سورية، بعد أن ارتكبت السلطة كل الفظاعات التي شهدناها. بمعنى أنه من دون ترحيل بشار الأسد ومجموعته (آل مخلوف والأسد، وكبار مسؤولي الأجهزة الأمنية ومسؤولي الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري) لن يستقر الوضع، حتى وإنْ استطاعت روسيا “استعادة” الأراضي التي خرجت عن سيطرة السلطة. على الرغم من أن هذا الأمر الأخير ليس سهلاً، وربما ليس ممكناً، مع الوحشية الروسية التي تقوم على سياسة الأرض المحروقة.

أراد الشعب الإصلاح، لكن وحشية السلطة فرضت عليه أن يريد التغيير، وهذه الوحشية دفعت إلى التحوّل إلى الصراع المسلح. وفي كل هذه المراحل، كانت وحشية النظام تتزايد، تدعمت بعد أن فشلت في سحق الثورة بوحشية إيرانية، عبر قواتها وقوات حزب الله والمليشيا الطائفية العراقية والأفغانية والباكستانية، ثم الآن بالوحشية الروسية. فهل بعد ذلك كله سوف يجري القبول ببقاء النظام؟

يفترض الحل الروسي سحق الثورة، هذا ما يظهر واضحاً في صيغته المطروحة التي تقوم على استمرار الأسد ومجموعته، وروسيا تعتبر المفاوضات الغطاء لتحقيق سحق الثورة، وهذا ما لا يبدو ممكناً، سوى أنه يطيل الصراع، ويزيد القتل والتدمير والتهجير، وهذه جريمة ضد الإنسانية، ترتكبها روسيا.

بالتالي، ربما يتحقق الحل بعد استنزاف روسيا وإنهاك قواها، كما جرى مع إيران وحزب الله، وهذا ممكن بالتأكيد. ولهذا، إذا كانت الأشهر المقبلة هي التي سيحاول الروس حسم الصراع عسكرياً فيها، فهي كذلك مرحلة إنهاك الروس، ووضعهم في مأزقٍ يفرض عليهم خسارة سورية، وليس فقط فرض حلٍّ يحقق مصالح إمبريالية لها.

العربي الجديد

 

 

 

صدمة المعارضة السورية بالموقف الأميركي/ سلامة كيلة

حب أميركي

المفاجأة

تبدو المعارضة السورية متفاجئة بالموقف الأميركي في ما يخص الوضع السوري، و”اكتشفت” أن أميركا هي أقرب إلى الموقف الروسي، وتريد إرضاء روسيا. مفاجأة متأخرة خمس سنوات، رغم أن كل التركيز يقوم على أن تلعب أميركا دوراً مختلفاً.

بمعنى أن المفاجأة لم تؤد إلى “قطع الأمل” في الموقف الأميركي، والتفكير في سياسة مختلفة عما مارسته طيلة السنوات الخمس، وفهم لماذا كانت المراهنة أصلاً على أميركا، ولماذا تبيّن أن تقدير الموقف الأميركي كان خاطئاً؟

حب أميركي

حين بدأت الثورة السورية كانت معظم النخب ترى أنها “الحليف الطبيعي” “للغرب”، وبالأساس لأميركا، هذا ما جعلها تضع كل مراهنتها على دور أميركي، وصل إلى طلب التدخل العسكري.

وإذا كان الصراع مع النظام، الذي كان يعد “اشتراكياً” وحليفاً للسوفيات، قد جعل جزءاً من المعارضة -ومن النخب- يصطفّ مع “الغرب”، فإن انهيار الاتحاد السوفياتي دفع كثيرا من نخب اليسار نحو “الغرب”، حيث انقلبت من “معادٍ شرس” ضد الإمبريالية إلى معادٍ للاشتراكية، ويرى أن الرأسمالية هي “المثال”، والمطلب. لقد انخرطت في التيار الذي “يقدّس” الرأسمالية، ويرى أنه جزء من “الحلف الغربي”.

شهدت مرحلة ما بعد الاشتراكية إطلاق الطغم الرأسمالية مشروع العولمة، الذي يعني في جوهره مصالح الطغم المالية التي أرادت أن ينفتح السوق العالمي أمام حركة الأموال دون قيود، لكي يصبح “الاستثمار قصير الأجل” هو الفاعل الأول، وهذا تعبير مخفف عن عمليات المضاربة المالية التي باتت تطبع النمط الرأسمالي أكثر من أيّ شيء آخر.

ولقد ركّز الخطاب العولمي على “الترابط العالمي” و”الحرية والديمقراطية”، هذه المسألة التي كانت تمسّ بشكل مباشر النخب التي تعيش في نظم استبدادية شمولية؛ لهذا انخرطت تلك النخب في “المسار العولمي”، متبنية خطابه، ومعتبرة أن العولمة “حقيقة” مطلقة، ثابتة ونهائية. وموافقة على أن الرأسمالية هي “نهاية التاريخ”، وأيضاً معتبرة أن هذه “حقيقة مطلقة”.

بالتالي، رأت أنها جزء من هذا التيار العولمي، وكذلك من “الحلف الأميركي” في العولمة، حيث كانوا ينطلقون من محورية الدور الأميركي، وهو ما كانت تؤكده -بالنسبة لهم- سياسات أميركا التدخلية في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مثل التدخل في العراق سنة 1991، وفي يوغوسلافيا السابقة سنوات 1995 و1998. لكن ربما الأهم هو اعتبار أن التغيير الذي حدث في بلدان أوروبا الشرقية (الاشتراكية سابقاً) وفي روسيا، هو من فعل أميركي، ونتيجة العولمة.

هذا “المناخ” هو الذي كان يحكم معظم النخب السورية ومعظم أحزاب المعارضة كذلك، حيث الاصطفاف “الغربي” أولاً، وتبني خطاب العولمة ثانياً، ووضع الأمل في الدور الأميركي ثالثاً.

لهذا حين بدأت الثورة لم يتشكك هؤلاء في أن أميركا سوف تأتي لنجدتهم في مواجهة نظام يعتقدون بأنه ذو جبروت ليس بمقدورهم هم إزاحته، حتى بعد بدء الثورة وانفجار الشعب في حراك مصمم على إسقاط النظام.

هنا استعيدت لحظة “التدخل” في العراق سنة 2003، أي لحظة احتلال العراق دون أن يجدوا في ذلك احتلالاً، وأيضاً لحظة تدخل الحلف الأطلسي في ليبيا مع بدء الثورة السورية تقريباً، ولهذا كانت الإستراتيجية التي حكمت نشاط بعض أطراف المعارضة، وآمال الكثير من النخب والمعارضين، تتمثل في أن “معاداة أميركا للنظام” سوف تدفعها لأن تستغلّ الحراك من أجل التدخل.

لكن كان يجب “ترويض” الشعب لكي يقبل ذلك، من أجل ذلك جرى وضع “إستراتيجية” تنطلق من البدء بالحديث عن “حماية المدنيين” ويتصاعد لكي يردفه الحديث عن “الحظر الجوي” وصولاً إلى الدعوة الصريحة للتدخل العسكري.

هذا ما ظهر من فرض تسمية أحد أيام الجمع “جمعة حماية المدنيين”، لحقتها بعد مدة “جمعة الحظر الجوي”، ومن ثم مال الخطاب الإعلامي لأطراف معارضة نحو القول بضرورة التدخل العسكري.

في هذه الأجواء تشكّل المجلس الوطني السوري من تحالف جماعة الإخوان المسلمين وإعلان دمشق ومجموعة ليبرالية. الذي تشكّل لكي يكون مدخل الدعوة للتدخل العسكري “الغربي”، وأن ينصّب بديلاً عن النظام عبر ذلك.

وكانت المراهنة على تدخل أميركا، خاصة أنه الأساس الذي أقام إستراتيجيته عليه، ونشط لمدة عام لكي يصبح “الممثل الشرعي الوحيد” للثورة، والداعي لإسقاط النظام عبر التدخل العسكري.

ورغم تشكيل الائتلاف، الذي بدا واضحاً أنه أتى في سياق تفاهم أميركي روسي، ظلت الأجواء المنتظرة للتدخل الأميركي، أو بمدّ الكتائب المسلحة  “بسلاح نوعي”، هي المسيطرة، وظل التعلق “بالحبيب الأميركي” قائماً.

المفاجأة

الآن، يتفاجأ هؤلاء بالموقف الأميركي الممالئ لروسيا، والرافض تقديم سلاح نوعي في مواجهة الطائرات التي تقتل الشعب وتدمر المدن والبلدات، ومن ثم قبول المنظور الروسي للحل، الذي يبقي بشار الأسد، على الأقل للسنة القادمة.

مفاجأة كبيرة لنخب ومعارضة ارتبطت “روحياً” بأميركا، وربما يؤدي إلى “جلطة دماغية”، لكن هذه هي الحقيقة التي كانت واضحة منذ البدء، ولكن الانسياق العنيف خلف “الغرب”، والعشق اللامتناهي لأميركا، كان “يعمي الأبصار”، ويدفع إلى تجاهل مواقف أميركية كانت تؤشّر إلى السياسة الأميركية التي لم تكن في وارد التدخل، وحتى الدعم العسكري، أو حتى السياسي.

هذا ما حاولت الإشارة إليه منذ البدء، حيث كان واضحاً أن الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008 انعكست سلباً على مجمل السياسة الأميركية التي جرى اتباعها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً منذ رئاسة جورج بوش الابن، حيث أشّر نجاح باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة إلى سياسة انكفائية، تبلورت منذ سنة 2010، وتحددت سنة 2012، بأولوية منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهو الأمر الذي كان يعني الانسحاب من “الشرق الأوسط”، وأيضاً تغيير السياسة العسكرية القائمة على التدخل والاحتلال، حيث نجح أوباما تحت شعار سحب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، وعدم التورط في حروب جديدة.

ظهر ذلك عملياً في كبح السعي التركي الفرنسي للتدخل عبر الحلف الأطلسي، ورفض إيصال الأسلحة للثورة بعد أن بدأ العمل المسلح ضد النظام، ومنع تركيا من إيصال الأسلحة.

إضافة إلى الموقف الشكلي الذي كان ينتقد عنف النظام فقط، ولم ينطق أوباما برحيل بشار الأسد إلا متأخراً، ولقد طلب أوباما بداية سنة 2012 من روسيا “رعاية مرحلة انتقالية في سوريا، كما حدث في اليمن”، وهي السياسة التي أوصلت إلى صياغة مبادئ جنيف1 في الثلاثين من يونيو/حزيران 2012، والتي باتت السياسة الرسمية للإدارة الأميركية.

وهي التي فرضت السعي الأميركي لتجاوز المجلس الوطني السوري وتشكيل الائتلاف الوطني السوري، الذي كانت مهمته أميركياً القبول بالحل الروسي. ورغم التأكيد الأميركي بضرورة رحيل الأسد، ظل الهمّ الأميركي هو التفاهم مع روسيا، وتقديم التنازلات لها، والتوافق على أرضيتها في ما يتعلق بالحل السوري، مع الاستمرار في منع تسليح الكتائب المسلحة بأهم سلاح ضروري لوقف القتل والتدمير، أي الصواريخ المضادة للطائرات، وتركيز “التدخل” الأميركي على “محاربة داعش” (تنظيم الدولة الإسلامية) فقط، ومحاولة تحويل الذين يقاتلون النظام إلى قتال داعش فقط، تحت عنوان تدريبهم.

وأخيراً دعم “جيش سوريا الديمقراطية” الذي يقاتل داعش، ويقاتل الكتائب المسلحة كذلك.

كل هذه السياسات لم توصل هذه المعارضة إلى أنه ليس في وارد أميركا التدخل العسكري، بل ظلت المراهنة التي تقيم المعارضة سياستها على أساسها تتمثل في أن أميركا سوف تكتشف أن عليها التدخل العسكري.

وكانت تنتظر هذه اللحظة، لتفاجأ أخيراً أن أميركا أقرب إلى روسيا في الحل السوري، وكما كنت أقول: أميركا باعت سوريا لروسيا. هل يعني ذلك إنهاء المراهنة على “الدعم الأميركي”؟ ربما لا، حيث إن المسار الذي صارت هذه المعارضة به لا يسمح لها “بالخروج عن النص”، فقد انحكمت لسياسة الدول الداعمة، وأيضاً للمنظور “الأيديولوجي” الذي انحكمت له واشتغلت على أساسه، أقصد “التعلق بالغرب”.

أميركا إذن تخون مريديها الذين تعلقوا بشعارات الحرية والديمقراطية، لكن المشكلة في هؤلاء المريدين الذين كان منظورهم الأيديولوجي أقوى من قدرتهم على فهم الواقع، ومعرفة وضع العالم بعد الأزمة الاقتصادية الأميركية، وسياسة أميركا للانسحاب، والتفاهم مع روسيا في إطار تحالف عالمي، كانت ترى أنه ضروري لحصار الصين.

وفي هذا السياق، قبلت أن تسيطر روسيا على سوريا، التي لم تعد تعني شيئاً لها، وفي هذا السياق لم تكن معنية بدعم المعارضة، ولا بانتصار الثورة، الثورة التي تشكّل حالة رعب للرأسمالية عموماً، بل كانت معنية بتدميرها.

لهذا لم تعترض على كل القتل والتدمير اللذين مارستهما السلطة السورية، ولا على تطييف الثورة وتشويهها. وبهذا كانت سياسة المعارضة المراهنة على التدخل الأميركي مضرّة بالثورة ومربكة لها، دون أن تستفيد شيئاً، حيث كانت الأوهام هي محرّكها، والسعي للقفز على السلطة هو هدفها.

لقد “كشفت” المعارضة طبيعة السياسة الأميركية، آمل أن تكتشف السبب الذي جعلها تسير نحو الوهم طيلة سنوات خمس، وأن تعرف أن المصالح هي ما يحرّك الدول الكبرى، وأن مصالح أميركا كإمبريالية الآن هي بالتفاهم مع روسيا، وتقاسم العالم معها، وضمن ذلك تعترف بأن سوريا لروسيا، ولهذا تقبل بالحل الذي يفرضه الروس، وربما تقبل بالحل العسكري الروسي.

وربما ما كانت تسعى إليه سابقاً قد تحقق بقوى أخرى، حيث جرى تدمير سوريا وتهجير أكثر من نصف شعبها، وأعيدت إلى عصور سحيقة، كما فعلت هي في العراق، ويجب أن تعرف أن الدول الإمبريالية ليست حليفة لثورات الشعوب، ولن تكون، بل إن خوفها من الثورات في ظل وضع رأسمالي متأزم يجعلها تدعم تدمير الثورات.

الجزيرة نت

 

 

لماذا يستعجل “الكبار” جنيف-3/ مازن عزي

تجري الدعوة إلى مباحثات السلام السورية، في ظل تقدم واضح لقوات النظام على الأرض يدعمها سلاح الجو الروسي. لذا، تبدو الدعوة المستعجلة، استثماراً سياسياً لتراجع المعارضة على الأرض، وهو ما ستتم ترجمته في عملية التقاسم للسلطة السورية القادمة.

انجازات قوات النظام على الأرض، تمتد من السيطرة على بلدة الشيخ مسكين في درعا، إلى جبلي الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية، مروراً بالتقدم على محورين في ريف حلب الجنوبي، والتمكن من إحداث شرخ بين بلدتي داريا ومعضمية في غوطة دمشق الغربية. التقدم على الأرض، هو حصيلة أربعة شهور من القصف الروسي المتواصل، وعشرات آلاف الغارات الجوية، ومليشيات على الأرض بتدريب وتسليح ومشورة إيرانية.

التقدم على الأرض، يراد استثماره سياسياً، ولذلك تبدو العجلة كبيرة في أروقة الأمم المتحدة، لعقد المؤتمر بمن حضر. إلا أن الوضع الحالي، لا يعكس كامل اللوحة. فالإنكسارات الراهنة التي تعيشها المعارضة، هي ضمن السياق العادي، لحرب محلية-إقليمية، تحتمل الكثير من التراجع والتقدم. والسيطرة على مواقع بعينها، قد لا تعني شيئاً، في أطوار تعاقب السيطرة عليها. إلا أن المطلوب دولياً، هو الاستفادة من زخم الإنجاز الروسي-الإيراني على الأرض، لانجاز اتفاق سياسي، على حساب المعارضة الإسلامية، والتنكر لمطالب الثورة السورية.

المشكلة الأساسية، تقع في التصور الإطاري للحل السياسي في سوريا. فعملية السلام، بين الأطراف المتحاربة، ستتضمن نوعاً من إعادة تقسيم السلطة، وإنجاز “دستور جديد”، تعقبه “انتخابات” برلمانية ورئاسية.

التصور الدولي للحل –الذي تقوده شهوة استثمار الانتصار المرحلي الروسي الإيراني- يقوم على تقاسم نسبي للسلطة، يضمنه الدستور الجديد، مع الإصرار على الحفاظ على مؤسسات الدولة.

ولكن، النظام العالمي، بتوافق رغبة الكبار؛ روسيا وأميركا، يغفل نقطتين جوهريتين: الأولى، تتعلق بأن المشكلة ليست في الدستور، بل في “النظم المعيارية” التي تحكمه، كتفاهم غير مكتوب يقوم عليه العقد الإجتماعي. والثانية، أن جذر الأزمة السورية، يكمن في مؤسسات “الدولة الأمنية”، المطلوب الحفاظ عليها، عالمياً.

ففي عملية انتاج “النظم المعيارية” المحددة للدستور، يبدو التقاسم الطائفي-الإثني للسلطة “الظاهرية”، هو النموذج المراد اتباعه؛ على غرار العملية السياسية-الطائفية في العراق، والطائف اللبناني. وهذا التقاسم، عوضاً عن مركزته بين طرفين رئيسيين، فإن رؤية المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، تتجه إلى بعثرته بين أطراف متعددة، بحيث تسهل عملية تمييعه. إيجاد أكثر من وفد معارض مفاوض، بانتماءات إثنية وطائفية مختلطة، يسهل عملية خلط الأوراق؛ فلدى موسكو معارضتها السنيّة، التي تصر على إعطائها جزءاً من حصة السنّة، والتركيز على “الإتحاد الديموقراطي” ممثلاً وحيداً للأكراد يخدم الهدف ذاته، بالتقليل من حصة المعارضة السورية، في السلطة المقبلة. كما أن محاولة حصر “معارضة الرياض”، في صفة هويتهم السنيّة، هو تحايل إضافي على صفتهم التمثيلية للمعارضة السورية، وخفض إضافي لحصة السلطة المنوي تقديمها لهم.

“النظم المعيارية” للعقد الإجتماعي، وإن لم تتضح بعد أسس تأليفها، ستكون في أفضل الأحوال، اقتساماً طائفياً، للسلطة في الدولة السورية الظاهرية، مع مساحة أوسع فيها للمعارضة السنية الريفية. إلا أن المشكلة الرئيسة الأخرى، ستبقى في “الدولة الأمنية” السورية، أو في “استبدادية النظام الشعبوية”، بعد تخليصها نهائياً من شعبويتها، وتحويلها إلى “استبدادية محافظة”. فالشعبوية، كانت الحامل الأساس لصعود حزب “البعث العربي الإشتراكي” كـ”قائد للدولة والمجتمع”، وتمثلت في تعزيز قانون الإصلاح الزراعي، وتوسيع مشاركة الريف -خاصة الأقلوي طائفياً- في القطاع العام، وتهميش القطاع الخاص عبر تحديد سقف الملكية. شعبوية البعث، تجلّت في صنع ميكانيزمات صعود طبقي، للفلاحين والطبقة الوسطى، في “تحالف” صاغ “العقد الاجتماعي” في سوريا، منذ العام 1963 وحتى العام 2000، مع وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد. ورغم ذلك العقد “الشعبوي”، فقد تأسست في ظلاله جذور الاستبدادية القائمة على “الدولة الأمنية”.

منذ العام 2000، توجه النظام السوري، إلى التخفف من تركة “الشعبوية” الثقيلة، المُنهِكة اقتصادياً للدولة العقلانية الحديثة، عبر ما عُرف باسم “اقتصاد السوق الإجتماعي”. ذلك التحول، المشوه، ألغى مشاركة الريف والأطراف والطبقة الوسطى، في اقتسام الثروة، وتحول النظام إلى حامٍ استبدادي، لمصالح طبقة مهيمنة من رجال الأعمال، عُرفت باسم “المئة الكبار”. التحول من “الاستبدادية الشعبوية” إلى “الاستبدادية المحافظة”، ترافق مع ضرب مراكز القوى السنية في “الدولة الأمنية”، على ضعفها التأسيسي التاريخي. وتلك كانت، إلى حد كبير، أسباب انفراط “العقد الاجتماعي” القديم، واندلاع ثورة شعبية قادتها الأرياف السنية.

ولكن ما يظهر الآن، في عملية انتاج “النظم المعيارية”، التي ستقود إلى انتاج “عقد اجتماعي” جديد، هو الاستعداد لتقاسم “الدولة الظاهرة”، بين النظام والمعارضات، وفق نسبة يراها الروس والأميركيون عادلة: النصف للنظام، والنصف لبقية المعارضات. وفي الوقت ذاته، الحفاظ على “الدولة الأمنية”، واستكمال تحويلها إلى “استبدادية محافظة” تدافع عن مصالح النظام.

جذور الأزمة السورية، وفق رؤية “النظام العالمي” للحل، سيتم اخفاؤها عميقاً؛ فالنقاشات، ستغرق في التفاصيل حول؛ دين الدولة ومرجعية الإسلام والعلمانية وحقوق المرأة و”مكافحة الإرهاب” وتصنيف “الإرهابيين”. لكن “الدولة الأمنية” ستبقى في معزل عن المفاوضات الحقيقية، كرغبة من “النظام العالمي” -مُجترِح الحل السياسي- في تركيز النقاش على حصص المعارضات والنظام في “الدولة الظاهرية”.

مقاربة “النظام العالمي” للحل في سوريا، قائمة كلياً على مصلحة الدول الكبرى في ضبط الحدود، ومشكلة تدفق اللاجئين، وحصر خطر “الدولة الإسلامية”، ومواجهة التطرف الإسلامي. لذا، فإن هذه المقاربة، حريصة على التمسك بـ”مؤسسات الدولة الأمنية”، كمنتج “حداثي” يحتكر العنف والسلاح. إلا أن المقاربة ترتكز على “نظرية ثقافية” تعزو تخلف المنطقة إلى الإسلام، وتراه احتمالاً دائماً للانقلاب على “المنظومة العالمية” والتخارج عنها. إلا أن هذه “النظرية الثقافية” لتخلف المجتمعات، هي ما يساهم في زرع التطرف، عبر منع المجموعة البشرية السنية من منافذ وصول عادلة إلى الحكم الفعلي. طبعاً، يكفي النظر إلى التجربة الجزائرية والأفغانية والمصرية، وحتى الفلسطينية، لإدراك هذه المفارقة. كلما زاد رفض “المنظومة الدولية” لوصول الإسلاميين إلى الحكم، زاد التطرف، وزاد فشل الدول. هذا لا يعفي الإسلاميين بأي حال، من مسؤوليتهم، في التواؤم مع الحداثة، وعدم قدرتهم على التعايش مع الديموقراطية، وعدم قدرتهم على انتاج تيارات سياسية تقوم بصياغة إسلام حداثي.

 

لا يبدو بأن المشكلة السورية، قريبة من الحل، في ظل التسريع في استثمار الزخم الراهن للانتصارات الروسية على الأرض. فرؤية الدول الكبرى للحل، ترتكز على إجراءات تقاسمية على أسس طائفية-مذهبية، من دون معالجة جذر المشكلة. وتلك التقاسمات، لو تمت، فلن تتمكن من انتاج بديل عقلاني لدولة حديثة، في ظل الإصرار على التقاسم الطائفي تحت سقف “الاستبدادية المحافظة”.

المدن

 

 

 

 

الجمهورية الروسية الـ 23/ باسل العودات

كان قاسياً إلى حد الصفاقة ذلك التدخل الروسي في تحديد وفرض من يحضر من المعارضة السورية للتفاوض مع النظام في جنيف ومن لا يحضر، وهذا التدخل بالعرف الدبلوماسي كوميديا سياسية سوداء، وقمّة العبث والاستهتار بالقوانين الدولية.

أرادت موسكو أن تُفصّل المعارضة السورية وفق رؤيتها أحادية الجانب، وبما يتلاءم مع مقاس الحل السياسي الذي يريده النظام السوري، بحجّة أنها الأدرى بمكونات الشعب السوري وتركيبته، والحريصة على ضمان تمثيل كل الفئات بالعدل والقسطاس، وأنها الأقدر على تعريف المعارضة الوطنية من غير الوطنية.

لم يكن مفاجئاً تهديد روسيا للمعارضة السورية بأنها ستصنع معارضة سورية أخرى و(وفداً بديلاً) إن هي امتنعت عن حضور مؤتمر جنيف، أو إن وضعت شروطاً لحضورها، فالكثيرون رهن إشارة سيّد الكرملين، وهم جاهزون لتقمّص أي دور يطلبه أو يمنّ به عليهم.

هذا التهديد و(العنجهية) الروسية هو نتيجة طبيعية لتسليم النظام السوري لروسيا زمام القرار السيادي والوطني، السياسي والعسكري، وتلخيصاً لقناعة روسيا بأنها اشترت سورية بمن فيها من بشر مقابل حمايتها للنظام.

من الواضح أن القيادة الروسية لم تعد تُميّز بين الدولة السورية والنظام، وتعتبر الأسد مقدساً، ورحيله غير قابل للنقاش، والمرحلة الانتقالية مرحلة شكلية، والمعارضة كلها إرهابية وجب التخلص منها، وسورية الجديدة يجب أن تكون نسخة عن القديمة، والنظام الأمني جزء من نظامها، والجيش السوري كتيبة من كتائبها، والمسؤولون الحكوميون موظفون عندها، فحوّلت علاقات الصداقة التي كانت قائمة قبل عقود إلى علاقة احتلال وهيمنة، وباتت سورية بالنسبة لها الجمهورية الروسية الـ 23 لا الدولة المستقلة.

منذ أن انطلقت الانتفاضة المناوئة للنظام السوري قبل خمس سنوات، لم يشعر السوريون بأن روسيا حيادية أو أنها تقف على مسافة واحدة، ولم يكن لديهم أي وهم بأنها يمكن أن تلعب دور الوسيط الذي يُعتمد عليه، أو أنها ستكون قوة سياسية أو عسكرية رادعة للفوضى وجاذبة للاستقرار، ولطالما اعتبروا دعمها هو السبب في بقاء النظام السوري واستمراره، لكن مع بدء تدخلها العسكري قبل ثلاثة أشهر ونيف بدأت نظرة السوريين تزداد سلبية ضد روسيا لتصل إلى درجة اعتبارها عدواً وشريكاً للنظام في قتل الشعب، وتحوّلت هذه الدولة العظمى من وسيط مُحتمل في السنة الأولى للثورة إلى عدو وجب قتاله والنضال ضده.

من الأشهر الأولى للثورة وقفت روسيا إلى جانب النظام السوري، ودعمته بحفنة من الـ (فيتويات)، وبأكثر من حفنة من الأسلحة والعسكريين والخبراء، وبذلت جهوداً خلفية لتمييع وتعطيل أي مبادرة لحل الأزمة السورية، سواء أكانت عربية أم دولية، وتجاهلت بشكل تام مطالب ملايين السوريين، وتناست أنها وريثة الاتحاد السوفياتي الذي ادّعى يوماً أنه نصير البروليتاريا وأبو الحريات وإيقونة الثورات.

لم تبخل روسيا بالسلاح والمال على النظام السوري، وأرسلت له خبراءً ومستشارين، وسخّرت وسائل إعلامها لتلميعه ومحي أثار جرائمه، ثم قررت أن تشاركه هذه الجرائم، فأرسلت طائراتها الحربية المدجّجة بالصواريخ لتقصف دون هوادة ولا رحمة، لتقتل المدنيين بعد أن ضمن لها النظام عدم المحاسبة من أي جهة في أي يوم.

رفضت روسيا بإصرار إعادة هيكلة الجيش السوري والأجهزة الأمنية أو إصلاحها، ونفت أن تكون سبب خراب ودمار سورية، ودافعت عن النظام حين ارتكب مجازر وجرائم ضد الإنسانية، وتوسطت له مع الأمريكيين حين استخدم الأسلحة الكيماوية، وتهجّمت على المعارضات السياسية وحاولت خداعها، واتّهمت كل المعارضة بالإرهاب وأرادت تدميرها، ثم أعلنت أنها لن تسمح بتغيير النظام، وقال بطريركها إنها تخوض حرباً مسيحية مقدّسة، وعطّلت كل القرارات الدولية بما فيها الإنسانية والإغاثية، وأقامت قواعد عسكرية هنا وهناك، وشنت آلاف الهجمات الجوية العمياء، وأملت ما تريد على النظام السوري مقابل حمايته، ثم وقّعت معه اتفاقاً سرّياً احتلالياً تبقى قواتها العسكرية بموجبه في سورية إلى أمد غير محدد مُحصّنة من أي محاسبة عن أي شيء ترتكبه مهما كان إجرامياً.

يرى بعض السوريين أن روسيا تتعامل مع سورية كسلطة انتداب، ويرى البعض الآخر أنها تتصرف كمُحتل مُستعمِر، لا يُحلل ولا يُحرّم، مُحتل أراد منافسة إيران التي اعتبرت في وقت سابق أن سورية هي المحافظة الإيرانية الـ 35، فأراد جعلها الجمهورية الروسية الـ 23 أسوة بصديقه الإيراني.

المدن

 

 

 

 

خطورة التصعيد الروسي ومستقبل سورية/ عمار ديوب

فشلت رغبات من عوّلوا على التدخل الروسي في سورية في أنّه سيضع حدّاً لتوسع داعش والجماعات الجهادية، وسيجبر النظام على تقديم التنازلات لصالح الحل السياسي، ويُخرِج الرئيس من الحكم، ويتشكل نظام جديد. قبالة ذلك، تحققت نبوءة المتشائمين من التدخل الروسي، فهو يحرق الأرض التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، ويدمر البنى التحتية، ويشارك في حصار مضايا، ويحاصر ويدمر داريا والمعضمية والغوطة الشرقية، ويصمت عن كل انتهاكات النظام. وبالتالي، يتبنى الروس السياسة نفسها التي يتبناها النظام في اجتثاث البيئة الحاضنة للثورة، وتدمير البنى التحتية للمناطق الخارجة عن النظام، ويراقب، كما التحالف الدولي والنظام وتركيا، تقدم الحالة الجهادية، وما الحرب التي تُشنّ ضد داعش سوى مناوشات هامشية لترتيب شؤون المنطقة بالكامل، وربما إعطاء إيران وإسرائيل دوراً مركزياً، ودخول الروس إلى المنطقة بشكل أكيد.

وافق الأميركان على التدخل الروسي، ويؤشر الدور السلبي لأميركا تجاه تفاعلات إسقاط تركيا طائرة حربية روسية دليلاً واضحاً على أن الأميركان يحبذون التدخل الروسي، وأنهم يريدون مع الروس إعادة إنتاج النظام، وتأهيله مجدداً، والانتهاء كلياً من فكرة الثورة، وتصوير الوضع السوري بأنه جماعات إرهابية، والتحالفات الدولية المشكلة هي من أجل ذلك. يدفع هذا الوضع إلى القول إن هناك تنسيقاً بين التحالف الدولي وروسيا وإسرائيل في الأجواء السورية. داعش والنصرة لا تتأذى كثيراً، بينما بقية مناطق سورية تشهد كوارث حقيقية، ليس فقط منطقة سلمى في اللاذقية، بل وكذلك درعا وبلدت كثيرة في حماة وحمص.

المشكلة التي ما تنفك تتصاعد هي غياب أي دعم جدّي لقوى المعارضة، وتصاعد دور الجماعات الجهادية. وباعتبار الجماعات الجهادية لا يمكن دعمها، ولا توجد أية حجة تسمح بإمدادها العلني، وهي موضوعة على قوائم مجلس الأمن الدولي للاجتثاث، فإن كل الدول مضطرة لكف يدها عن الدعم، وترك الروس وقوات النظام والمليشيات المتحالفة تتقدم. وهنا، ظهرت قواتٌ كرديةٌ جهةً موثوقاً بها، لكنها قوة ليست في صراعٍ مع النظام، وتتحالف مع التحالف الدولي وروسيا، وتتفهم هذه القوة السياسات الدولية التي تتعامل “بلطف” شديد مع داعش وجبهة النصرة، ريثما تترتب شؤون الحكم في سورية والعراق، ويوضع حدٌّ للحرب في اليمن وربما ليبيا؛ وهذا يعني أن حرباً مفتوحة ستظل قائمة، وأن كل دعوات التفاوض بخصوص سورية لن يُكتب لها النجاح.

ناورت روسيا بقضية التمثيل الناقص لوفد المعارضة المنبثق عن مؤتمر الرياض، واعتبرته

“لن يكون مستقبل سورية بيد الروس والأميركان، ولا الجهاديات التي سيتصاعد دورها، إن فشلت المفاوضات” غير صالح للتمثيل، ما دام لم يشمل قوى سياسية سورية، تعتبر حليفة للنظام، وما دامت الفصائل الإسلامية “الإرهابية” ممثلة فيه وفق رأيها، وبالتالي، لا يمكن قبول وفد الرياض. وتتمسك روسيا بذلك، انطلاقاً من أن القرار الصادر عن مجلس الأمن يشير إلى مؤتمرات القاهرة وموسكو للمعارضة. وبالتالي، يجب أن تتمثل. وروسيا تكذب في هذا وفي سواه، فبين الممثَّلين في الرياض من شارك في تلك المؤتمرات التي أقيمت في الدول الحليفة للنظام. وتكذب في عدم تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بفك الحصار عن المدنيين وإدخال المساعدات، أي في الملف الإنساني، والذي شكّل عدم تطبيقه سبباً لمجاعات ضربت مضايا والمعضمية، ومن قبل مخيم اليرموك ومناطق كثيرة في سورية، وحصدت مئات الأرواح جوعاً، عدا عن الإصابات الدائمة بسبب القصف المستمر!

قبل أيام، صرّح الروس بوضوح شديد أن مؤتمر جنيف المزمع عقده يجب أن تتمثل فيه المعارضة بوفدين، وليس بوفدٍ واحدٍ، وفد تابع لروسيا ووفد الرياض. ومن شأن هذا الأمر أن ينسف أسس التفاوض، عدا عن أن التفاوض نفسه لا يمكن أن يتحقق من دون إجراءات ثقة، يفترض بالنظام القيام بها، وهذا ما ضُرِب به عرض الحائط، فلم يفك الحصار الجزئي عن مضايا إلا بعد مناشدات دولية، وفضيحة كاملة لحزب الله الذي يفرض الحصار على مضايا، حيث مات السوريون بسبب “المقاومة”! ولم يفرج عن معتقلين سياسيين، ولم يفصل موضوع المساعدات الإنسانية عن موضوع الحل السياسي. إذاً، ليس لدى الروس خطة سياسية تتقصد فعلاً إنهاء الوضع السوري، وفقاً لبيان مجلس الأمن الدولي، وبتوافقٍ سياسيٍّ مع المعارضة؛ وخطة الروس، كما يبدو، تتحدد بإعادة تأهيل النظام عبر معارضة وفيّة لها وحليفة للنظام.

إذاً وفق هذا المنظور، وفي حال عُقدت جلسات التفاوض، لن يذهب وفد مؤتمر الرياض إليها، ومهما مورست من ضغوطٍ عليه، فلو ذهب سيكون شاهد زور على دماء سورية ودمارها، وبشكلٍ لا يحفظ له أي ماءٍ للوجه. من سيذهب بهذه الحالة هو الوفد الروسي من السوريين ووفد النظام، وربما ستوافق أميركا على هذا الأمر. وربما لن توافق، فالقضية أكثر من معقدة؛ الإشكالية المتعاظمة هي الانحياز المعلن، ليس روسياً فقط، بل وأميركياً أوروبياً، لصالح التدخل الروسي والنظام معاً، فالحديث الدولي أصبح يتركز على محاربة الإرهاب، وليس على تغيير النظام. وما سيساهم في ذلك هو الصفقات الاقتصادية التي ستعقد مع إيران، بعد بدء تطبيق الاتفاق النووي، والإفراج عن أكثر من ثلاثين مليار دولار. وهذا ما سيعطي مناخاً استثمارياً للدول الأوروبية، وكذلك ستقوى أدوات إيران في سورية والعراق ولبنان واليمن. أي سيكون هناك أسباب حقيقية لإدارة الظهر كلياً لوفد المعارضة، وللتحالف التركي السعودي القطري، وسيتهمش هذا الحلف أكثر فأكثر.

لن يكون مستقبل سورية بيد الروس والأميركان، ولا الجهاديات التي سيتصاعد دورها، إن فشلت المفاوضات. سيكون مستقبل السوريين فعلاً من صُنع أيديهم، وبالضد من النظام والمعارضة والجهاديات وكل التدخلات الإقليمية والعالمية بشؤونهم. المسألة في غاية التعقيد. ولكن، ليس سواها السبيل لحل مشكلات سورية، وفكرتنا هذه تظلّ صحيحة، حتى لو فهم الروس أنه من غير الممكن القبول بشروطهم، وأن من يمثل المعارضة هو حصراً الوفد المنبثق عن مؤتمر الرياض.

العربي الجديد

 

 

 

ولكنْ ما الذي تريده موسكو؟!…/ أكرم البني

كان التهديد بتشكيل وفد موازٍ للوفد المفاوض الذي أفضت إليه توافقات مؤتمر المعارضة في الرياض، والتفرد في تحديد ماهية الجماعات المسلّحة التي توصف بالإرهاب، ووضع «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» في خانة التنظيمات الجهادية التي لا حوار معها، والإصرار على فرض رؤية خاصة لطابع المرحلة الانتقالية وموقع بعض رموز النظام فيها…، هي عناوين التشدّد الروسي في إدارة الملف السوري ورفع سقف الاشتراطات تجاه المفاوضات بين السلطة والمعارضة.

والحال أنه ما كان لموسكو أن تحوز هذا الوزن المؤثر في مصير الحل السياسي السوري لولا سببان رئيسان:

أولهما، حضور عسكري مباشر تمكّن من وقف التدهور الميداني ومساعدة قوات النظام على استرجاع بعض المناطق المهمة في أرياف دمشق ودرعا واللاذقية، وزاد الأمر وضوحاً واقع المعارضة السورية المرتبكة التي تعيد تموضعها للتلاقي مع الخطة الأممية للتسوية، بينما يحاصرها نفوذ التنظيمات المتطرفة وتقدّمها على حساب التشكيلات العسكرية التي توصف بالمعتدلة. وثانيهما، استمرار سلبية الدول الغربية واستهتارها بالمحنة السورية، وزاد الطين بلة تبدّل مواقفها نحو أولوية مواجهة الإرهاب الإسلاموي وتنظيم «داعش». وقد وصل الأمر عند واشنطن إلى التنازل عن عدد من النقاط الخلافية والتسليم بما ترسمه موسكو لأفق الصراع، وكأن البيت الأبيض يتقصّد إطلاق يد الكرملين في سورية، ربما كاستمرار لسلبية أوباما المزمنة، وربما عشية انشغاله بالانتخابات الرئاسية المقبلة، كي يغازل مزاج الشعب الأميركي الذي تهمّه الإنجازات الداخلية وليس الأدوار الخارجية، بعد تجارب سابقة دفع ثمنها غالياً من عافية اقتصاده.

وإذا كانت ثمة شعارات معلنة لقيادة الكرملين لتسويغ دورها في إدارة الملف السوري ورعاية تحولاته السياسية، منها الحرب على الإرهاب الجهادي وضرورة الحفاظ على الدولة ووحدة البلاد وتعايش مكوناتها، فالحقيقة أن هذه الشعارات ليست ما يحدّد سياسة الكرملين، بل المصالح وحسابات التنازع على النفوذ والهيمنة، والتي تحدوها أهداف مضمرة تسعى موسكو إلى تحقيقها، تبدأ بهدف سياسي استراتيجي يتوسّل التمسك بآخر موطئ قدم في الشرق الأوسط، كرد على إهمال مصالحها والاستهتار بوزنها في المنطقة وكورقة ضغط على الأطراف الغربية لتحسين شروطها التنافسية في ساحات الصراع الأخرى، بخاصة في أوكرانيا، وفي الطريق تعزيز التوجّه المشترك للنيل من تنظيم «داعش»، على أمل فتح نافذة لتخفيف العزلة وإعادة بناء الثقة.

وهذا مروراً بهدف اقتصادي يزداد حضوراً مع تفاقم المشكلات الاقتصادية في روسيا بسبب العقوبات وتراجع أسعار النفط، تكثفه مرة، حاجة موسكو التقليدية إلى استمرار توريد الأسلحة وزيادة حجم التبادل التجاري مع المنطقة، ومرة ثانية ضمان حصة مجزية في استثمار ثروات النفط والغاز الكامنة في حقول بحرية قرب الشاطئ السوري، ومرة ثالثة قطع الطريق على مشروع مد أنابيب الغاز القطري عبر الأراضي السورية، والذي في حال تنفيذه يحرر البلدان الأوروبية من حاجتها الى الغاز الروسي واشتراطاته. وانتهاءً بالهدف الأمني، وهو توظيف كل ما يلزم من جهود عسكرية وأمنية لضرب الجماعات الجهادية، بما فيها المنظمات المسلّحة ذات الطابع الديني وتحطيم قدراتها، فليس مثل موسكو من يتضرّر من تنامي وزن الجهاديين في سورية ومنهم بالآلاف من أصل روسي! وليس مثل روسيا من يتحسب من خطرهم في حال سقوط النظام وقيام بديل إسلامي، وتالياً تداعيات تعاطف مسلمي القفقاس والبلدان المحيطة بها معهم. وليس من خيار أجدى يقيها أذاهم المباشر ويقطع طريق عودتهم إلى المناطق الروسية التي خرجوا منها سوى مواجهتهم خارج أراضيها وحصر المعركة معهم في سورية والعراق أسوة بتكتيك أميركا وحلفائها.

صحيح أن الموازين الداخلية والخيارات الدولية في اللحظة الراهنة لا تسمح بتنفيذ حل سياسي يحقق آمال الشعب السوري، وصحيح أن موسكو أقدر اليوم على التحكم بمصير هذه البؤرة من التوتر والإمساك بمفاتيحها، لكن الصحيح أيضاً أن المسافة بين شعاراتها المعلنة وأهدافها المضمرة باتت تتّسع وتتّضح أكثر فأكثر، ربما لأن ما يهم موسكو هو توظيف الملف السوري للالتفاف على المشكلات الداخلية والهروب إلى الأمام عبر الإيحاء بأن السياسة الخارجية مكّنتها من استرجاع موقعها كقوة عظمى ونجحت في إجبار العالم على التعامل وفق هذا الأساس، وربما لأن ما تحقق من تقدّم على الأرض أغراها بتغليب الخيار العسكري، وشجّعها على تناسي تجاربها المؤلمة، بخاصة المستنقع الأفغاني، وتالياً إغفال حقيقة تقول باستحالة تسوية أي صراع بمنطق القوة والحرب ومن دون أخذ مصالح مختلف مكوناته بالاعتبار، فكيف الحال إن كان مفتوحاً على مختلف التدخلات العالمية والإقليمية؟

وربطاً بما سبق، يمكن النظر إلى إحجام موسكو عن تقديم أي تنازل حقيقي ينسجم مع روح التوافق بين الأطراف المتحاربة أو يعمل على تقريب المواقف بين بعض السلطة وبعض المعارضة، وأيضاً إلى صدقية الادعاء بالحفاظ على وحدة الأرض والدولة، أمام التسليم بتقاسم النفوذ مع المعارضة المسلّحة والاكتفاء عملياً بضمان أمن مناطق محددة وتحصينها، ثم اختبار حقيقة شعار وقف حمام الدم في ظل تصاعد دور عسكري يبقي الجرح السوري مفتوحاً ويعمّق الاصطفافات والتخندقات!.

وإذ نعترف بأن متابعة السير في طريق الحل السياسي تحكمها ارتباطات ودوافع متداخلة ومعقّدة زادها تعقيداً طول أمد الصراع وما كرسّه العنف المفرط من نتائج مؤلمة يصعب تجاوزها راهناً، ونعترف بأن الرهان يبقى ضعيفاً على نجاح التسوية السياسية مع تصاعد التشدد الروسي، وصعوبة التوفيق بين مصالح متعارضة تمثلها قوى عربية ودولية، وفئات من النظام والمعارضة، لكن لن يتأخر الوقت كي يدرك الجميع أن لا خلاص من المحنة السورية ومن ثقل أعبائها وخطورة تداعياتها، سوى الركون الى مبدأ الحوار والتفاوض القائم على أسس عادلة تحافظ على وحدة البلاد ومطالب الناس بالتغيير وبناء دولة المواطنة، وعتبة الإقلاع، الوقف الفوري للعنف والمعالجة الناجعة للملفات الإنسانية كافة.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

لافروف وتابعه كيري/ بشير البكر

كيف وصل وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى أن يهمّش نظيره الأميركي، جون كيري، ويحوّله إلى وسيط في الملف السوري؟ هذا الأمر يستدعي الكثير من الدرس في الفترة المقبلة، لكي يفهمه العالم على حقيقته. وعلى الرغم من أن قدراً كبيراً من الغموض يكتنف التنازل “المجاني” من واشنطن لصالح موسكو، فإن هذا التحول لم يكن من دون مقدمات، فأبرز ما يميز كيري لدى الشعب السوري أنه رجل لا يحترم الوعود، حيث لم يصدق في أي وعد من الوعود الكثيرة التي أطلقها لمساندة الثورة السورية. هذا الوزير يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن إغراق السوريين في الأوهام. هو وسيده في البيت الأبيض، باراك أوباما، بقيا يردّدان على مسامع هذا الشعب المنكوب إنشاءً بليغاً، يحاكي في عذوبته أناشيد الخلاص في أناجيل الحرية، وكان أقل موقف أطلقه هذا الثنائي العاجز أن الأسد فقد شرعيته، ولا دور له في مستقبل سورية، وعلى هذا الأساس تم تفصيل عملية جنيف من طرف الأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2012. وبانتظار أن يتحقق هذا الوعد الدولي، دفع السوريون فواتير باهظة، دماً ودماراً وشقاء.

صدّق الشعب السوري أن أميركا سوف تساعده للخلاص من الوحش المفترس بشار الأسد، مثلما فعلت في العراق، حين وضعت ثقلها لإسقاط صدام حسين، أو على الأقل ستضغط، كما تصرفت عام 2011 لإجبار حسني مبارك على التنحي، إلا أنه، على الرغم من فداحة الخسارة التي حلت بالشعب السوري، فإن واشنطن لم تجد حرجاً من سحب نفسها من تعهداتها، وأن تنقلب إلى عكس ذلك تماماً، ولم يجد كيري حرجاً في أن يبلغ أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض، الأسبوع الماضي، بأن اللعبة في سورية باتت مفتوحة ومتحرّرة من ثوابت جنيف 2012. وبالتالي، لم تعد هيئة الحكم الانتقالي مطروحة، وحلت محلها حكومة وحدة وطنية، ومن حق الأسد الترشح للانتخابات، وعلى المعارضة أن تنزل إلى الميدان، لتبارزه بالطرق الديمقراطية، ناسياً أن المسألة لا تكمن في الانتخابات، بل إننا أمام حالة مريعة من السقوط الإنساني والأخلاقي، تتمثل في إعطاء شخصٍ قتل نصف مليون، ودمر بلداً، حق الترشح لانتخابات رئاسية. وصف الأمر بالفضيحة أو المهزلة أو السقوط قليل جدا، إنه أقرب إلى الخيانة، خيانة الذات قبل كل شيء. نعم، خان كيري وأوباما الولايات المتحدة والقيم السامية للعالم الحر، قبل خيانة السوريين، وسيكتب التاريخ أنهما سكتا على جريمة العصر، ولم يفعلا شيئاً لإغاثة شعب تعرّض للإبادة.

على عكس كيري، قطف لافروف ثمرة الجهد الذي صرفه في الملف السوري، في السنوات الخمس الماضية، أضعاف ما صرفه على بقية الملفات الدولية التي تهم بلاده. وتبيّنت، في الأيام الأخيرة، خطورة الدور الذي يلعبه ضد الثورة والشعب في سورية. ويمكن تقسيم دوره إلى مرحلتين، قبل التدخل العسكري وبعده. فقبل التدخل العسكري، كان يشتغل من أجل تعطيل كل الحلول الدولية، وتأمين تغطية سياسية للطرف الإيراني الذي وضع ثقله العسكري كله من أجل القضاء على الثورة، ومارس لافروف دورا تخريبيا من أجل شق المعارضة، وتمكّن، على مدى السنوات الخمس، من لعب الدور الذي تعذّر على النظام أن ينهض به، وهو تجميع الهامشيين من المعارضين الذين يعلنون الوقوف في صف الثورة، لكنهم، من الناحية الفعلية، على أرضية النظام، وضد كل التشكيلات السياسية التي نشأت منذ قيام الثورة. وعلى الرغم من أن لافروف أنقذ النظام من عواقب استخدام الكيماوي في الغوطة في أغسطس/ آب 2013 وجنّبه الضربة الدولية، فإن فضله الكبير على النظام يتجلى في حرف مسار الحل السوري من خلع الأسد إلى تثبيته، وبموافقة أميركية.

العربي الجديد

 

 

الوقوف مع سوريا.. وليس شيئاً آخر/ سمير العيطة

ما مصلحة السلطة السوريّة بالانخراط في مفاوضات «جنيف 3»؟ إنّها تتقدّم على الأرض، ولو ببطء، وتعيش نشوة «انتصارات» عسكريّة. بالتالي لن تأتي المفاوضات، أو حتّى المشاورات كما يُطلق عليها، إلاّ بجلوسها علناً، أمام الرأي العام، مع أولئك الذين تتصارع عسكريّاً وسياسيّاً معهم، لتوقف القتال وتتقاسم السلطة معهم. عندها، لن تستطيع النكوص بالعهود التي توقّعها، كما تفعل كلّ يوم على الأرض، حتّى في الهُدن المحليّة. ولن تتمكّن من الاستمرار في الحصار الخانق لهذه البلدة أو تلك إلى ما لا نهاية وفي تجويع السكّان حتّى يستسلموا من دون قيدٍ أو شرط.

كلّ الأضواء مسلّطةٌ عليها، والحلّ السياسيّ لن ينتهي بأن تأتي بمجموعة من «المعارضين» وتُعطيهم بضعة مناصب وزاريّة من دون القدرة على الفعل، وبحيث يغطّون فقط على حلٍّ عسكريّ في بلدٍ مخرّبٍ ومقسّمٍ تمّ إنهاك شعبه إلى حدود اليأس والهجرة.

هناك فرقٌ كبير بين الظروف الإقليميّة والدوليّة لجنيف 2 و3. الفرق الجوهريّ وهو يتمثل بتوافق القوى التي تتصارع على سوريا للانخراط في آليّة الحلّ. إيران تحتاج للعودة إلى المجتمع الدوليّ عبر ملفٍّ تثبت فيه أنّها يُمكن أن تلعب دوراً إيجابيّاً. وروسيا تريد أن تقول عبر تدخّلها العسكريّ، برغم المآسي التي يؤدّي إليها، إنه يُمكِن أن يؤسّس للعلاقات الجديدة التي تبنيها مع المنطقة برمّتها وخاصّة مع دول الخليج. كذلك تحتاج الإدارة الأميركيّة الحاليّة أن تُظهِر قبل نهاية ولايتها أنّ عدم انخراطها مباشرةً في الصراع في سوريا، كما في ليبيا، كان خياراً صحيحاً.

أضِف إلى ذلك أنّ محطّات مهمّة قد استجدّت بين الاستحقاقين، أبرزها أنّ «مشاورات» موسكو لم تأتِ بأسسٍ تناسب السلطة، حتّى تحت خيمة روسيا، وحتّى مع «معارضة» تعمل أغلبيّتها تحت سقفها وترفض الخيار العسكريّ والهيمنة الخارجيّة. ثمّ إن «المعارضة» المتعدّدة توافقت في ما بينها، في حين لم تتّفق مع السلطة.

في المقابل، تخشى «المعارضة» من أن تخذل مصالح الدول في أروقة الديبلوماسيّات الخفيّة قضايا سوريا. ليست قضيّة حريّة وكرامة شعبها فحسب، بل أيضاً معاناته الكبيرة، وحتّى قضيّة وحدة الأراضي السوريّة. كما تخشى من تعدديّتها كـ «معارضات»، كما يحلو للسلطة أن تصفها به. علماً أنّ هذه التعدديّة هي سمة من سمات الشعب السوريّ، يجب التعامل بواقعيّة معها.

من الطبيعي إذاً أن تضطرب «المعارضة» أمام التساؤل عمّن يجلس في وجه وفد السلطة وبأيّ شرعيّة. والإجابة على التساؤل بسيطة. إذ ليس لأيّ وفدٍ «معارضٍ»، مهما بُذِلَ من جهودٍ لتشكيله، أيّ شرعيّة إلاّ بما يستطيع أن يقدّمه لمشروعٍ وطنيّ يخدم جميع السوريين من دون استثناء أو تمييز.

تكمُن المعضلة في أنّ أيّ اجتماعٍ للاتفاق على تمثيلٍ «للمعارضة» ينعقد في دولة بالتوافق مع دولٍ أخرى، وتتدخّل هذه الدول في اختيار مَن تتمّ دعوته ومَن يتمّ إقصاؤه، لأسبابٍ تخصّها. هكذا كان الأمر في مؤتمري القاهرة والرياض في 2015. إلاّ أنّهما، وخاصّة المؤتمر الأخير، شكّلا محطّتين هامّتين لانخراط «المعارضة المسلّحة» في… السياسة. شكّل ذلك خطوة رئيسة لقطيعة لا يُمكن لحلٍّ سياسيّ أن يأتي دونها، بين هذه «المعارضة المسلّحة» وبين تنظيم «النصرة» والتنظيمات المتطرّفة الأخرى.

لكنّ هذه المعضلة تضع مسؤوليّة كبيرة على «المعارضات» في «جنيف 3»، خاصّة من منطلق مشروعٍ وطنيّ، وليس مصلحة الدول المساندة لها. مسؤوليّة تكمُن في الوعي بأنّ الحلّ السياسيّ هو لجميع السوريين وليس لفئة منهم، مهما كان حجمها، والابتعاد عن نهج الإقصاء، والانفتاح على الأطراف الأخرى وإيجاد آليّات للحوار معها، مهما كانت الخلافات كبيرة.

«جنيف 3» قد يفشل مثل محاولات الحلّ السياسيّ الأخرى، حتّى لو كان هناك قرار من مجلس الأمن. فمَن يدري ماذا في خفايا لعبة الأمم؟ إلاّ أنّ ما يجب أن يبقى منه، حتّى في حالة الفشل، هو إثبات أنّ الفعاليّات السياسيّة في سوريا قادرة على حمل مشروعٍ وطنيّ لكلّ السوريين، وقادرة على التوافق بمواجهة السلطة.

الصوت الخافت من الأمل قد ينبعث من قوّة صوت المشروع الوطنيّ. ذلك عندما أعلن بعض المعارضين أنّهم لن يدخلوا في لعبة شرذمة المعارضة، وما أعلنته منظّمات المجتمع المدني بالحكمة نفسها، حتّى في ظلّ التهجّم عليها. هكذا تمّ وضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم للوقوف مع سوريا وطناً لكلّ أبنائها وليس أيّ شيءٍ آخر.

السفير

 

 

 

 

هل آن موعد ذهاب دي ميستورا؟/ فايز سارة

لا يمكن إغفال حقيقة أن مجيء السيد ستيفان دي ميستورا إلى منصبه الحالي مبعوثًا دوليًا إلى سوريا كان مقترنًا بحقيقة فشل مهمة سابقيه السيدين كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي اللذين سبقاه إلى هذه المسؤولية، وعملا كل جهدهما للنجاح في معالجتها أملاً في إنهاء معاناة السوريين، وإيجاد حل لدموية النظام في مواجهة ثورة السوريين، لكنهما فشلا فشلاً ذريعًا، فأنهى الأول مهمته بعد صدور بيان «جنيف1» في عام 2012، ووضع الثاني نهاية لمهمته بعد الفشل الذي أصاب مؤتمر «جنيف2»، فاتحًا الباب أمام دي ميستورا للمجيء إلى مهمته الحالية.

ولأن دي ميستورا عاين فشل سابقيه، قرر الذهاب إلى مهمته وفق معطيات مختلفة، كان الأهمَّ فيها أمران؛ أولهما تغيير قاعدة حركته في التعامل مع معطيات القضية السورية في الانتقال من جوهر القضية في حل شامل للصراع في سوريا والوصول إلى تغيير جوهري في طبيعة النظام، وخلق أطر لسوريا جديدة إلى معالجات جزئية وحلول فرعية، تؤدي كما كان يقول دي ميستورا إلى خلق وقائع تساعد في حل سوري شامل.

والأمر الثاني الذي تبناه دي ميستورا هو تعزيز علاقاته مع الطرفين اللذين يعتقد بأهمية دورهما في القضية السورية، روسيا ونظام الأسد وكل من يدور في فلك موقفهما أو بالقرب منهما، فعزز علاقاته مع الحلقة التي تضم إيران وجماعات وشخصيات تتقارب أو تتوافق مع مواقف النظام وروسيا وإيران، مما جعله في المسافة الأبعد من الأطراف الأهم في المعارضة السورية، والدول الأقرب للأخيرة.

لقد جسد سلوك دي ميستورا في خطته وقف إطلاق النار في حلب عقب مجيئه إلى منصبه جوهر نهجه في التعامل مع القضية السورية. وفشلت الخطة رغم الحجم الكبير من الاتصالات والمشاورات، التي تمت مع مختلف الأطراف، وسبب فشلها طبيعتها الجزئية، وافتقارها إلى عمود فقري واضح، وعدم ارتباطها مباشرة بحل شامل للقضية السورية، وهو ما يمانعه نظام الأسد الذي طالما أكد استمراره في الحل العسكري – الأمني.

ورغم فشل خطة دي ميستورا في حلب، فقد كرر الرجل تجربة مماثلة في إقامة حوار سوري – سوري في مجموعات عمل، يشترك فيها النظام والمعارضة حول موضوعات، يعتقد أنها تفتح الباب أمام تسوية وحل سياسي للقضية السورية من خلال خلق وقائع وتفاهمات بين الطرفين، وأجرى مع فريقه مئات الاتصالات، وعقد عشرات الاجتماعات مع تنظيمات وشخصيات من المعارضة والتشكيلات المسلحة والجماعات المدنية، لم تتمخض عن أية نتائج، ولم تعقد بنتيجتها أي مباحثات أو اجتماعات، كما كان يخطط دي ميستورا، مما أكد فشل كل جهوده في مهمة عجز أن يحقق فيها أي تقدم ملموس.

غير أن التطورات المحيطة بالقضية السورية في الأشهر الأخيرة، وخصوصًا بعد التدخل الروسي الواسع في سوريا، وتمدد نشاط إرهاب «داعش» إلى أوروبا، وتصاعد حركة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، دفعت إلى تحرك دولي – إقليمي في الموضوع السوري، تم بنتيجته عقد اجتماعي فيينا، وإصدار قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لحل القضية السورية، مما جدد أمل دي ميستورا للبقاء في منصبه بعد أن كان أمام خيار الاستقالة أو إنهاء مهمته.

وإذ وجد دي ميستورا فرصته في تجديد دوره في القضية السورية مع التطورات الأخيرة، فقد سعى إلى تعزيز علاقاته مع الروس الذين حازوا تفويضًا أميركيًا لدورهم في سوريا، وأخذ فرصة حضور مؤثر في جهود المجموعة الدولية باعتباره مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا. ورغم فشله في الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي، ليكون مقررًا في الحل السوري، فإنه جعل من نفسه في هذه المكانة طبقًا لما تضمنته دعوته لشخصيات في المعارضة السورية للمشاركة في «جنيف 3»، فأرسل دعواته مركّزًا على حضور أصدقاء الروس والنظام، وخرج بالاجتماعات من طاولة مفاوضات إلى لقاءات ومشاورات ومباحثات، وعلق بيان «جنيف 1» باعتباره مرجعية الحل السوري، ليركز على أوراق فيينا، وكلها أكدت إصراره على المضي في الطريق ذاته والذي أثبت فشله في مرتين سابقتين.

لعل الأبرز في دلالة فشل دي ميستورا في القسم الثالث من تجربته ثلاثة مؤشرات؛ أولها موقف الكتلة الصلبة من المعارضة السورية الحذر في المجيء إلى جنيف وفق مخطط دي ميستورا، والثاني ممانعة أو امتناع حضور أغلب من دعاهم من أصدقاء الروس والنظام إلى جنيف وكل لأسبابه، والثالث انطلاق موقف إقليمي ودولي أبرز دوله السعودية وتركيا معترض على مخطط دي ميستورا الذي بدا أنه يتجاوز دوره كوسيط إلى متصرف في الموضوع السوري.

دي ميستورا اليوم يواجه تحدي فشله للمرة الثالثة، الأمر الذي يضعه أمام خيار الاستقالة أو إنهاء مهمته، وهو تحدٍّ لن تنفع معه كل الروابط التي نسجها مع الروس والنظام، وكل مساهماته التي أعطت مزيدًا من الوقت للنظام والروس في إطالة أمد الحرب في سوريا، وإيقاع مزيد من الضحايا والدمار.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

 

 

 

 

 

أنقرة وجنيف والأكراد/ هوشنك أوسي

لا يختلف كُثر حول علاقة «حزب الاتحاد الديموقراطي» (الفرع السوري للكردستاني) بالنظام السوري، ومدى تنسيقه معه، لأسباب كثيرة. ما لا يمكن فهمه أو تبريره أو شرعنته هو الإصرار التركي المستميت على إبعاد «الاتحاد» عن «جنيف – 3» ضمن فريق المعارضة! هذا العناد كأنّما يراد به الإبقاء على العلاقة بين الحزب الأوجلاني السوري ونظام الأسد، بدلاً من السعي المعاكس! ثم إن التعنّت التركي، يشي بافتراض مفاده أنه في حال انتقل «الاتحاد» فعلاً إلى معارضة النظام ونفض يديه منه، قد تنتقل أنقرة إلى الضفّة المعاكسة، الى جانب موسكو وطهران دعماً للأسد، ليس حبّاً به، بل كرهاً بأكراد سورية!

هذه الاستــماتة التـــركيّة المرفقة بالتهديد والوعيد للمعارضة السورية بأن أنقرة ستتوقف عن دعمهم وتنسحب من مجموعة أصدقاء الشعب السوري، في حال أُدرج «الاتحاد» ضمن فريق المعارضة، تفتقد أبسط درجات الوجاهة والمعقوليّة، وتقترب من العداء والعنصــــريّة العمياء التي يستبد بها الخوف من أن يكون للكـــرد دور في صياغة مستقبل سورية، بقي الأســـد أو رحـــل. وعليه، تبدو حجج الرفض والممانعة التركيّة، فـــي ظاهرها، سخيفة وهشة، أمّا باطنها، فتعبير عن الفاشيّة الطورانيّة المزمنة، المتوارية خلف معسول الكلام، من أن أنقرة «مع مشاركة الأكراد»، لكنها ضد مشاركة «الاتحاد»، وفق ما صرّح به أحمد داوود أوغلو.

فإذا كانت حجّة أن «الاتحاد» هو الفرع السوري لـ «الكردستاني»، سبب الرفض، فأنقرة تفاوض «الكردستاني» منذ 2009، وهي تتهمه بأنه «تنظيم إرهابي»! وإذا كان الحزب الأوجلاني السوري، يسيطر على الشريط الحدودي التركي – السوري، فعلى الأتراك مكافأته على ذلك، لأنه يحمي حدود تركيا من «داعش». هذا إن كانت أنقرة تعتبر «داعش» تهديداً حقيقيّاً لأمنها، وليس «ذراعها الخفيّة» في سورية والعراق!

كان يجدر بالأتراك، أكثر من غيرهم، الدفع باتجاه مشاركة «الاتحاد» في المفاوضات، لا عرقلة ذلك. لأن وجوده، في مقابل النظام، يحرج الحزب نفسه، ويضعه على المحّك، أقلّه على طاولة المفاوضات. وربما يكون ذلك أولى الخطوات في الاتجاه الصحيح، لجهة فك ارتباطه بنظام الأسد.

أصلاً، طالما أن الرأس الأيديولوجي لـ «الكردستاني» وفرعه السوري، أي أوجلان، بيد الأتراك، ومنسجم مع طروحاتهم حيال مناهضة الدولة القوميّة الكرديّة، فهذا يعني أن أنقرة يمكن ان تستفيد من «الكردستاني» وأذرعه في المنطقة. وغير مفهوم لماذا لا تسعى للاستفادة منه بينما تسعى كل عواصم العالم للاستفادة منه ضد أنقرة؟! ربما لأن تركيا تعرف أن ثمن ذلك هو منح الكرد بعض حقوقهم القوميّة والوطنيّة والديموقراطيّة دستوريّاً!

إن من مصلحة المعارضة والثورة السوريّة، ومصلحة تركيا والسعوديّة ودول الخليج، كسب ثقة «الاتحاد» وجرّه (بما يملكه من قدرة قتاليّة)، إلى «فخ» المفاوضات في جنيف، لأن ذلك يحيق هدفين كبيرين: إفقاد النظام أحدَ حلفائه الداخليين الاستراتيجيين، والاستفادة من قدراته القتالية كخط دفاع أوّل في مواجهة «داعش» داخل سورية.

وبما أن ستيفان دي ميستورا لم يوجّه الدعوة إلى صالح مسلم، بعد تلويح الروس بأنه سيُدعى لاحقاً، فعلى «الاتحاد» اغتنام الفرصة لإحراز اعتراف إقليمي ودولي به كطرف معارض، له ثقله الوازن في المعادلة الداخليّة، وأن يقنع العالم بأنه قطع علاقته بنظام الأسد، وأنه جهة سياسيّة وعسكريّة معارضة له، قولاً وفعلاً. على الحزب العمل وفق مبدأ «كرد سورية أولاً»، في إطار «سورية أولاً»، ولا يرجّح كفّة مصالح كرد تركيا، على مصالح كرد سورية. وعليه التوقّف عن هذه الطاعة العمياء لـ «الكردستاني»، في حال تعارضت مصالحه مع مصالح سورية وأكرادها. فقد آن له أن يحرر مصير كرد سورية من سجن إمرالي وكهوف جبال قنديل.

* كاتب كردي سوري

الحياة

 

 

 

 

(غودو) الحل السوري/ سعيد لحدو

مع تصميم القوى الفاعلة في الملف السوري ومبعوث الأمم المتحدة السيد ديمستورا على بدء المحادثات في جنيف في التاسع والعشرين من هذا الشهر بين وفد النظام ووفد المعارضة، تبرز الكثير من إشارات التعجب والاستفهام في آن معاً حول من؟ وكيف ؟ فيما يتعلق بالأشخاص. وأكثر بكثير من ذلك وتلك الإشارات تساؤلات حول الطريقة والهدف والمآلات التي يمكن أن تنتهي إليها تلك المحادثات، إن قُدِّرَ لها أن تنتهي إلى أي شيء ينعكس إيجاباً على حياة ومستقبل الشعب السوري المكتوي بنار الصراع منذ قرابة الخمس سنوات.

ولكي لا ننسى ما يعرفه الجميع، فقد بدأت كثورة شعبية سلمية ضد الاستبداد والظلم من نظام جعل الفرد والعائلة مرتكزاً لكل سياساته. فتم تحويلها مع تطور الأحداث، وبقدرة قادر مدرك، إلى حرب طائفية تسيَّدها زعماء العصابات القدامى منهم وحديثي النعمة، الذين بات همهم كما كان دائماً، السلب والنهب والتشفي، مدفوعين بدوافع مختلفة ليس للوطن فيها من نصيب.

كانت مواجهة بين شعب ثار من أجل الحرية والكرامة ضد نظام سلبه كل وسيلة للعيش الكريم. فتم تجييرها لمعركة ضد الإرهاب والتطرف المولود بعملية قيصرية لتطال شروره الجميع. ولا بد والحال هذه، أن يتكاتف الجميع لمكافحته، بما فيهم أبوه وأمه الشرعيان وغير الشرعيين. إضافة إلى كل المشاركين في عملية الولادة من أطباء وممرضين وحتى عمال النظافة في مشفى العاهات المستدامة في السياسة العالمية.

الحل السياسي السوري الذي يتحدث عنه الجميع ليل نهار، لا أحد يقصده بذاته، وإنما ما وراء هذا الحديث مقاصد وأهداف وغايات أخرى تختلف بحسب المتحدث ودوافعه. وحده الشعب السوري الذي يعي ويعني مايقوله بهذا الشأن، لم تتح له بعد الفرصة ليعبر عن وجهة نظره، بالرغم من أن الجميع يزعم بأن الشعب السوري هو الذي يقرر!!!

أمريكا وروسيا تختلفان فيحبس العالم أنفاسه. ويهمس المواطن السوري بألم: (الله يجيرنا من الأعظم). والأعظم يأتي عندما تتوارد الأخبار بأنهما اتفقتا..!!!!  وتنسحب تأثيرات هذا الاتفاق على الجميع. من يتجاوب معه فهو خاسر لا محالة، ومن لا يتجاوب أو يعترض… فخسارته أكبر!!!

ينطبق هذا الكلام على المعارضة السورية أولاً ، وينسحب تالياً على الدول التي وضعت نفسها في مصاف أصدقاء الشعب السوري بدرجات متفاوتة، دون أن تجد لها هذه الصداقة ترجمة حقيقية، تفرز نتائج ملموسة على الواقع العملي والسياسي في الساحة السورية. ففي الساحة العسكرية لم يستطيعوا، أو لم يرغبوا بتقديم الدعم اللازم والضروري للنصر. ولا في المجال السياسي تمكنوا أو رغبوا في معاضدة الشعب للتمكن من إقرار الانتقال السياسي المأمول، والتحول إلى نظام سياسي ديمقراطي يقرره الشعب عبر أجهزة يختارها بحر إرادته.

وفي الوقت الذي كان الأمريكان يبيعون الشعب السوري وقياداته المعارضه وزعامات الدول من أصدقائه أبلغ التصريحات، كانت التفاهمات تجري في السر وفي العلن بين الروس والإسرائيليين من جهة، وبين الروس والأمريكان من جهة أخرى، من أجل أن تتكامل الصورة. وبالطبع تزداد أهمية تلك التفاهمات بوجود التوكيلات الرسمية التي حملها الروس معهم من موكليهم النظام وحلفائه مع التعهد باتخاذ خطوات وقرارات مستقبلية مريحة طال انتظارها من قبل إسرائيل.

منذ بدء انطلاق الثورة السورية، مروراً بجنيف 1 و2 وصولاً إلى فيينا 1 و2 أيضاً، وكل قرارات مجلس الأمن الدولي التي ارتكزت على إعلان النقاط الست لكوفي أنان، تأتي اليوم الدعوات لمباحثات جنيف 3 أو جنيف “حاف”، كما يحلو لديمستورا وصفه، لتعيد المغزول صوفاً، وتعيدنا إلى ماقبل زمن الثورة بمراحل. وكأن ماحصل في سوريا طوال خمس سنوات ما كان سوى عاصفة ثلجية عابرة ستبزغ شمس التفاهمات إياها لتذيب جليدها وتعود المياه إلى مجاريها.

عندما كان النظام على شفا السقوط بفعل المظاهرات السلمية، جرى تسليح الثورة!!! وعندما بدأت الثورة المسلحة تحقق انتصارات مهمة وباتت تأثيراتها تطال القصر الجمهوري نفسه، جرى التضييق عليها بالسلاح والذخيرة وحصرها في مناطق معينة لكي لا تتقدم أكثر. جرى ذلك بذريعة ضرورة التوجه لمفاوضات وحل سلمي بحجة إيقاف القتل وتوفير الدماء السورية. وعندما تجاوبت المعارضة مع الحل السلمي وذهبت لتفاوض، لم تكن هناك أية نية جدية ولا رغبة حقيقية للقوى العظمى المؤثرة، في الضغط على النظام للتجاوب مع الحل السلمي.

والآن تتم دعوة جديدة لمباحثات وليست مفاوضات، في ظروف جداً مؤاتية للنظام بعد أن وضع الروس كل ثقلهم العسكري إلى جانب النظام، برضى أمريكي واضح. فهل هناك أية فرصة مهما كانت ضئيلة لأي نجاح خارج مصطلح: (عفى الله عما مضى)؟

فإن كان هذا هو المراد من مباحثات اليوم، فلمَ كان كل هذا القتل والدمار والخراب والتهجير… والأخطر من كل هذا، تهديم وتخريب كل إمكانية في النفوس بين السوريين للعيش المشترك؟؟؟

النتيجة التي يمكن أن يخلص إليها أي مراقب لهذا الوضع هي أن الغاية الأساسية هي إدامة أمد حرب الآخرين على الأرض السورية أطول مدة ممكنة، حتى لا يبقى حجر على حجر. وتسعير وإدامة البغضاء والشحن الطائفي والعرقي والديني بين السوريين ماشاء ذلك المغامرون بالدماء السورية.

لقد سُئِلتُ مرة قبل قرابة سنتين ونصف، فيما إذا كان الهدف من هذه المأساة هو تقسيم سوريا؟ وكان جوابي أنني أخشى ما هو أسوأ من التقسيم. ودُهِشَ حينها السائل فرد قائلاً: وهل هناك ما هو أسوأ من التقسيم؟ فأجبت بلا تردد: نعم.

وها نحن نشهد اليوم ما لم يكن أشد المتشائمين يتوقعه في سوريا التي كنا نعرفها.

لقد انتظر السوريون طويلاً (غودو) الحل السوري بلا جدوى. فهلا أتيتم أيها السادة أصحاب المصالح والقرار بتوافقاتكم وحلولكم لتفرضوها وتريحوا هذا الشعب المغلوب على أمره من الأصدقاء قبل الأعداء من هذه المعاناة التي لم يعد يتحملها؟

 

 

 

ما هي أسباب ضبابية جنيف 3/ بهية مارديني

ما تزال محادثات السلام السورية التي تجري برعاية الأمم المتحدة في جنيف، والتي من المفترض أن تبدأ الجمعة المقبلة بين النظام السوري والمعارضة، تكتسب ضبابية كبيرة وخاصة بما يتعلق بمشاركة الهيئة العليا للمفاوضات التي تجتمع في الرياض، الا أنها لم تتخذ بعد قرار بالمشاركة من عدمها.

بهية مارديني: عقدت الهيئة العليا للمفاوضات اجتماعها الرابع مساء اليوم الثلاثاء 26 كانون الثاني 2016 لمناقشة ترتيبات المفاوضات المزمع عقدها نهاية الشهر الجاري، حيث توجه منسق الهيئة رياض حجاب بالشكر للأمم المتحدة والدول الصديقة على الجهود التي تبذلها للدفع بالعملية السلمية والسعي للتوصل إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري.

وأعربت الهيئة في بيان ، تلقت “ايلاف” نسخة منه، عن “استعدادها بناءً على ذلك لأن تنظر بإيجابية في الموافقة على المشاركة في العملية السياسية المفضية إلى بدء مسار الحل السياسي للأزمة السورية استناداً إلى بيان جنيف 30 حزيران 2012، وقرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013 كمرجعية للتفاوض وذلك عبر إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية مع الحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية على أن يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 دون أي استثناءات أو انتقائية في التنفيذ على أرض الواقع، كما أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة أنها أرسلت رسالة إلى المبعوث الأممي لسوريا تطلب منه توضيح بعض النقاط التي وردت في خطاب الدعوة”.

وشددت الهيئة على “ضرورة تحقيق تحسن حقيقي على الأرض قبل الشروع في العملية التفاوضية وذلك من خلال: فك الحصار عن المدن، وإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، وإطلاق سراح السجناء وخاصة منهم النساء والأطفال، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام، مؤكدة ضرورة فصل العملية التفاوضية عن الحالة الإنسانية المروعة التي يجب معالجتها وفق المادتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254، وأن العائق الحقيقي لتحقيق بنود هذا القرار الأممي الملزم هو من يضع شروطاً مسبقة لتنفيذه، وذلك من خلال ربط معالجة القضايا الإنسانية بتحقيق تقدم في المسار السياسي، ولا شك في أن مقايضة المواقف السياسية بمعاناة الشعوب هي سلوكيات لا إنسانية ولا يسوغ للمجتمع الدولي أن يقبل بها تحت أي ظرف”.

انذارات كيري

وحثت الهيئة على” ضرورة وقف الانتهاكات في حق الشعب السوري دون أي قيد أو شرط، والأخذ على يد القوى الخارجية التي تقصف المناطق الآهلة بالسكان بالقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة، وتفرض الحصار الجائر على المدنيين في مختلف المناطق السورية وخاصة في مضايا والزبداني والمعضمية والغوطة وداريا والوعر، منبهة إلى ضرورة عدم السماح لهذه القوى أن تتذرع بتطور المسارات التفاوضية في جنيف كحجة في استمرار هذه الانتهاكات. وأشارت الهيئة إلى أنها تنتظر إجابة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي اعتبر عمليات القصف وسياسة الحصار والتجويع ضد الشعب السوري يوم الخميس 14 كانون الثاني: “جريمة حرب”.

وبعدما سميت انذرارات جون كيري وزير الخارجية الأميركية للمعارضة السورية بضرورة “المشاركة في جنيف والا فقدت المعارضة حلفائها ” أصدر المبعوث الأميركي الخاص لسوريا مايكل راتني  بيانا توضيحيا حول ما تم تداوله بشأن اجتماع كيري مع قادة الهيئة العليا للمفاوضات و أكد أن الهيئة العليا في الرياض هي الجهة المنوطة بالمفاوضات ولكن الدعوة التي وجهها ستيفان ديمستورا المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسورية جاءت شخصية لبعض أفراد المعارضة السورية ، حتى ان اعدادا من الوفد المفاوض الذي حددته الهيئة  العليا لم تصله الدعوة ، كما أنه من المتوقع أن تصل الدعوات الى صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردي في أية لحظة .

من جانبه قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن تركيا تعارض بشدة مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في صفوف المعارضة بمحادثات السلام المقررة هذا الأسبوع.

وأضاف أمام البرلمان أنه إذا انضم الحزب المتحالف مع الولايات المتحدة إلى المحادثات التي تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا فإنه يجب أن ينضم إلى طرف الرئيس السوري بشار الأسد.

فيما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن تركيا ستقاطع محادثات السلام السورية المزمعة هذا الأسبوع إذا دعي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إليها ضمن فريق التفاوض.

وأضاف في مقابلة مع تلفزيون “إن تي في” إن حزب الاتحاد الديمقراطي- الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية ويحصل على دعم عسكري من الولايات المتحدة- هو منظمة إرهابية وليس له مكان مع المعارضة على طاولة المفاوضات.

ومن المتوقع أن يؤثر هذا الموقف التركي المتشدد على موقف الائتلاف الوطني السوري المعارض لجهة رفض الانضمام الى جنيف ، وهو يشكل أحد أجنحة الهيئة العليا للمفاوضات.

مفاوضات غير مباشرة

هذا ووجه المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا دعوة لبعض أعضاء الهيئة العليا للمعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر جنيف 3  المرتقب انطلاقه يوم الجمعة المقبل، اطلعت ايلاف على نصها.

وتقول الدعوة “بموجب بياني فيينا الصادرين في 30 تشرين أول/أكتوبر 2015 و14 تشرين ثاني/نوفمبر 2015 عن الفريق الدولي لدعم سورية (الفريق الدولي)، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015.

ووفقاً للتعليمات الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة، أتشرف بدعوتكم للانضمام إليّ في جنيف، حيث يبدأ مسار المفاوضات في شكل مشاورات حول كيفية انهاء النزاع ووضع أسس لتسوية مستدامة.”.

وسوف تبدأ المفاوضات في مدينة جنيف – سويسرا – اعتباراً من 29 كانون ثاني/يناير 2016 في شكل اجتماعات منفصلة في شكل غير مباشر.

وبحسب النص “يتسق جدول الأعمال مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 (2015) والذي عبر من خلاله المجلس عن بالغ قلقه إزاء استمرار معاناة الشعب السوري، والوضع الإنساني المتردي، والعنف الوحشي والمتواصل، والأثر السلبي للإرهاب والأيديولوجية المتطرفة العنيفة. كما أعاد المجلس التأكيد على أنه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سورية إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”.

وتوضح الدعوة أنه “من أجل هذا الغرض، طلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص لسوريا، بتيسير مباحثات حول عملية الانتقال السياسي بشكل عاجل عملاً ببيان جنيف وتماشياً مع بيان فيينا الصادر عن الفريق الدولي في 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2015. وقد حدد مجلس الأمن مخرجات محددة للعملية، وهي إقامة حكم ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية، وجدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وانتخابات حرة ونزيهة تجرى عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.”.

وقال ميستورا “سوف أقوم بتحديد الآليات وخطة العمل بالتشاور مع المشاركين وتحديد أفضل السبل للتعامل مع هذه القضايا بهدف التوصل لهذه المخرجات في خلال الإطار الزمني الذي تم تحديده.ومع بدء هذه المفاوضات، يجب أن نؤكد على الأهمية والطبيعة الملحة لقيام كافة الأطراف باتخاذ تدابير لبناء الثقة. من أجل تحقيق هذا الغرض سوف أتشاور مع الأطراف ومع أعضاء الفريق الدولي ليس فقط حول طرائق وشروط وقف إطلاق النار، ولكن أيضاً حول تدابير بناء ثقة ملائمة. وأود أن أذكر كافة الأطراف بالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول بشكل سريع وآمن ودون إعاقة إلى جميع المناطق في سورية”.

سوء فهم أم تشويه

ويؤكد ميستورا “على جميع الممثلين أن يبدوا استعداداً للانخراط في عملية مفاوضات مستمرة وشاملة على مدار ستة أشهر. ومن المأمول أن تقوم الوفود بتأمين مشاركة كاملة وفاعلة للنساء بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 1325 (2000). وسيكون مكتبي على تواصل معكم خلال فترة وجيزة لتحديد الموعد المناسب لعقد الاجتماع الأول في جنيف وأتطلع إلى مشاركتكم البناءة في المباحثات السورية ـ السورية المقبلة”.

وفي التوضيح الذي أكده مايكل راتني لما جرى في لقاء كيري والهيئة العليا للمفاوضات قال “لقد كان من دواعي سرور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اللقاء مع المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الدكتور رياض حجاب وممثلي الهيئة العليا الآخرين في عاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، يوم ٢٣ يناير ٢٠١٦ حيث ناقش المشاركون في الاجتماع العديد من القضايا الملحة المتعلقة ببدء المفاوضات المقرر عقدها من قبل الأمم المتحدة قريباً بين المعارضة السورية والنظام السوري، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ وبيان جنيف. “.

واعتبر أن المشاركين بحثوا “عبر نقاش مفتوح وصريح الخطوات المطلوبة لبدء عملية التفاوض التي تعتبرها حكومة الولايات المتحدة أساسية لرفع الظلم عن الشعب السوري وتخفيف معاناته”.

وأوضح المبعوث الاميركي الى سوريا “في ضوء ما تم تداوله من تقارير حول مضمون اللقاء والذي كان البعض منه ناتج عن سوء فهم والبعض الآخر بسبب تشويه مقصود، أود أن أؤكد على المواقف التالية إن حكومة الولايات المتحدة تعتقد أن وفد الهيئة العليا ينبغي ان يكون هو وفد المعارضة الموكل بالتفاوض في جنيف وفي حين أن الأمم المتحدة حرة في التشاور مع اي جهة أخرى، إلا أن المعارضة السورية ينبغي أن يمثلها الوفد الذي عينته الهيئة العليا”.

وأشار راتني الى “إن حكومة الولايات المتحدة لا تقبل مفهوم “حكومة وحدة وطنية” على النحو الذي يطرحه النظام وبعض الجهات الآخرى كما إننا لا نقبل الموقف الإيراني تجاه سوريا وكل تقرير يقول إننا قد تبنينا الموقف الإيراني أو يلمح إلي ذلك عار عن الصحة، فوفقاً لبيان جنيف لعام ٢٠١٢، تعتبر الحكومة الأمريكية أن تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة وفقاً لمبدأ الموافقة المتبادلة هو الطريق الوحيد لتحقيق حل دائم في سوريا وقد أكد الوزير كيري على هذا الموقف بوضوح في لقائه مع الهيئة العليا”.

ولفت المسؤول الأميركي الى أنه “اتفق جميع أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا على أن مستقبل سوريا يجب ان يقرره السوريون انفسهم، ويتفق غالبية أعضاء مجموعة الدعم ومن بينهم الولايات المتحدة–وكل أطراف المعارضة السورية على ان السلام لايمكن ان يتحقق مع سعي بشار الأسد للتمسك بالسلطة على المدى البعيد. أما مسألة مشاركته في ترتيبات الحكم الانتقالي فهي قضية مطروحة للمفاوضات، لكن وفقاً لبيان جنيف، فإن ترتيبات الحكم الانتقالي يجب ان تتشكل بموافقة متبادلة وإن الهيئة العليا لديها حق الموافقة أو عدم الموافقة على أي جانب من تلك الترتيبات وعلى أي دور لبشار الأسد في سوريا”.

وقال “إن تنفيذ البندين ١٢ و١٣ من قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ والخطوات المصاحبة لتحقيق وقف إطلاق النار في عموم البلاد هي أجزاء اساسية من الجهود الساعية إلى حل النزاع السوري. ولدى الهيئة العليا والفصائل الثورية فرصة تاريخية للذهاب إلى جنيف وطرح إجراءات عملية وجادة لتنفيذ وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وغيرها من إجراءات بناء الثقة، وينبغي العمل على ذلك من دون شروط مسبقة”.

وشدد ” إن نصيحتنا للمعارضة السورية هي الآتي: إنتهزوا هذه الفرصة لوضع نوايا النظام تحت الإختبار وإكشفوا أمام الرأي العام العالمي من هي الأطراف الجادة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا ومن هي ليست كذلك. لقد سبق وأن دخلت الفصائل الثورية في مفاوضات مع النظام حول فك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين، فلم لا تغتنهم هذه الفرصة والمكاسب المحتملة منها اكبر بكثير؟”.

وأكد راتني “على أنه في حالة تسبب النظام بإفشال عملية التفاوض فإن المعارضة السورية ستحظى بدعمنا المستمر وأي قول خلاف ذلك لا أساس له من الصحة. لكن يجب أن تبدأ تلك المفاوضات بحسن نية حتى يعلم العالم بوضوح من هو المسؤول عن نجاح أو فشل هذه المفاوضات.”

وأوضح إن الوزير كيري ووزارة الخارجية الأميركية” يتطلعان إلى بدء المفاوضات في جنيف في الأيام المقبلة كما تتعهد الحكومة الأمريكة بالعمل مع أصدقائها في المعارضة السورية من اجل التوصل إلى حل عادل ودائم للأزمة السورية”.

الموقف الفرنسي

الى ذلك قال صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي  إن المسؤولين الأكراد السوريين لم يتلقوا دعوات للمشاركة في جنيف على الرغم من أنها وصلت إلى أشخاص آخرين تدعمهم روسيا.

 

وأكد مسلم لرويترز في إشارة إلى المحادثات الفاشلة عام 2014 “بالطبع نحن نرغب بصدق في المشاركة ونعتقد أنه إذا لم نشارك فإن جنيف 3 سيفشل كما حدث في جنيف 2 حين استبعدوا عددا من الأطراف.”

وأضاف “نحن نمثل عددا كبيرا من الناس على الأرض. وبالتالي فهم لا يسدون خدمة لمسألة التوصل لحل سياسي عبر استبعادنا.”

وكان مسلم ، الذي أكد أن الشخصيات الكردية الأخرى لم تتلق دعوات بدورها، واثقا في وقت مبكر من اليوم الثلاثاء أنه سيتلقى دعوة لحضور المؤتمر.

من جانبها قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن هيئة التفاوض السورية المعارضة التي تشكلت في الرياض الشهر الماضي يجب أن تقود المحادثات المقترحة مع الحكومة السورية.

وقال رومان نادال المتحدث باسم الوزارة “مجموعة المعارضة التي تشكلت في الرياض تضم لأول مرة أطيافا واسعة من السياسيين والعسكريين غير الجهاديين تلتف حول مشروع مشترك لكيان سوري حر وديمقراطي يضم كافة الأطراف ومن ثم ينبغي أن تكون هذه المجموعة هي من يحاور النظام في هذه المفاوضات.”

وكان نادال يرد على سؤال حول ما إذا كان ينبغي أن يشارك المقاتلون الأكراد في المحادثات المزمعة يوم الجمعة كما تطالب روسيا.

فيما كان الموقف الألماني يؤكد على ضرورة حضور مسلم المفاوضات في جنيف في وقت سابق مما يؤكد عدم توافق أوربي كامل بهذا الخصوص.

ايلاف

 

 

 

لماذا تمّ تغييب الصوت الكردي عن مفاوضات جنيف 3؟/ بهية مارديني

“إيلاف” استطلعت آراء بعض الأكراد البارزين العاملين في الشأن العام بما يحصل في مفاوضات جنيف 3 من محاولات تغييب صوتهم باتجاه عدم مشاركتهم في محادثات السلام بين النظام السوري والمعارضة، وتساءلت عن الحل في تشكيل وفد موحد يمثل جميع الأكراد.

الدكتور صلاح درويش عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا قال لـ”إيلاف”: “إذا كانت جنيف محطة للحل في سوريا فيجب حينها الوقوف على الأسباب التي أدت بنا كسورييين إلى هذه الحالة، كالإقصاء والتهميش والإنكار”. أضاف “إذا اعترفنا أن سوريا لكل السوريين  وأننا ذاهبون فعلًا الى تحقيق الحل السياسي والسلام، عندها يجب على الجميع أن يقف ضد تغييب صوت أي مكون سوري او إنكار حقوقه”.

ظلم المكون الكردي

كاميران حاج عبدو سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا اعتبر “أن تغييب أي مكون من مكونات الشعب السوري القومية والدينية، وكذلك المكونات السياسية التي تمثل السوريين، من المشاركة في الحوارات والمفاوضات، الهادفة الى وقف العنف والتمهيد لعملية انتقال سياسي ووضع دستور توافقي ينسجم مع حقيقة سوريا التاريخية والجغرافية، وبناء سوريا علمانية ديمقراطية خالية من “الإرهاب” والإستبداد، لا يخدم البتة مشروع كهذا لطالما انتظره السوريون، وضحّوا بالكثير في سبيله”.

وأكد “أن المكون الكردي، ظلم وغبن كثيراً، ولا يزال، فهو – وإن لم يكن بالشكل والنسبة المطلوبتين – مشارك في مفاوضات جنيف المرتقبة. فالمجلس الوطني الكردي في سوريا، الذي يمثل شريحة واسعة من الكُرد في كردستان سوريا، وبالرغم من تحفظاتنا على مؤتمر الرياض وبعضِ مقرراته وتصريحات البعض من قياداته، كان جزءاً من المؤتمر، وإننا ممثلون في الهيئة العليا للمفاوضات، وكذلك في الوفد المفاوض وهيئاته الإستشارية، وإن كان تمثيلنا غير منصف وغير عادل”.

وشدد على “أن المجلس الوطني الكردي ممثل في مفاوضات جنيف، وهو مسلح بعدالة ومشروعية أهدافه الوطنية والقومية وإيمانه بأنه لا حل للأزمة السورية إلا عبر الحوار والمفاوضات، وصولاً إلى وقف العنف والقتل والدمار، ووضع دستور توافقي يتلاءم مع تعددية سوريا القومية والدينية، وبناء دولة علمانية اتحادية يتمتع فيها شعبنا الكردي بكل حقوقه القومية إسوة بشعوب العالم كافة”.

وجود قوي

وحيد التمو الناشط السوري الكردي قال لـ”إيلاف”: “مع انطلاق الثورة السورية كان للأكراد وجود قوي وفعال، خصوصا ايام سلمية الحراك، ومع بداية العسكرة تحول الكورد الى القوقعة والدفاع عن مناطقهم، مع ظهور التيارات الاسلامية المتطرفة، وانحراف الثورة عن مسارها في هذه المرحلة”.

وأوضح أن “النظام انسحب من المناطق الكردية لاسباب كثيرة، منها عدم رغبته في دخول الكورد الى العسكرة، وهو يعلم حجم تنظيمهم وقوتهم القتالية وللتفرغ للمناطق الثائرة ولاظهار نفسه بمظهر المدافع عن الاقليات وايضا لمحاربة الكورد بطرق غير مباشرة، وذلك عن طريق حليفه وجيشه الرديف وهنا اقصد داعش تحديدا، وايضا لانه اراد زيادة الشرخ في المجتمع السوري، عبر التخوين والتشكيك المتبادل بين الكورد والعرب”.

تياران في البيت الكردي

وقال “هنا ظهر تياران في البيت الكردي الاول، وهو حزب الاتحاد الديموقراطي، وهو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني بأرضيته القوية ورصيده الشعبي وخبرته العالية في التجييش ورفع السلاح، والثاني، وهو المجلس الوطني الكردي، والمؤلف من عدد كبير من الاحزاب التقليدية، وبقاعدة شعبية غير قوية، وبدون وجود قوة عسكرية تلك الاحزاب تختلف كثيرا في ما بينها، لكنها جميعا تتفق على العداء للطرف الاخر”، مشيرا الى أنه “في هذه المرحلة حاول الرئيس مسعود برزاني تقريب وجهات النظر، وتم تشكيل الهيئة الكردية العليا، التي لم تبصر النور على ارض الواقع”.

وسرد أنه “مع تطور الاحداث في سوريا انضم المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف السوري بحثاً عن مكانة له في الخارطة السياسية، وانشغل الطرف الاخر بحربه مع جبهة النصرة في البداية، ومن ثم الحرب الدامية مع داعش، وفي مناطق عدة، ومنها ملحمة كوباني الشهيرة، هذه الحرب اكسبت حزب الاتحاد شهرة عالمية ودعما وتحالفا اوروبيا واميركيا، لم يقتصر على السلاح فقط”.

وقال تمو مع “تطور الاحداث واتساع رقعة الحرب مع داعش تم تشكيل قوات سورية الديموقراطية عمادها القوات الكردية مع مزيج من الاخوة العرب والسريان والاشور، كانت الغاية من تلك القوات حماية المنطقة برمتها من تهديد داعش وصلنا الى جنيف والكورد في سوريا هم القوة العسكرية الحقيقة الوحيدة المنظمة والفعالة والمقبولة دوليا والمدعومة ايضا. الائتلاف وبما انه مزبج من ممثلين عن السفارات التي تموّل وتدعم الحراك، وبما ان الاخوان المسلمين هم عماد الائتلاف، قرروا الابتعاد بنفسهم عن حزب الاتحاد والاكتفاء بالمجلس الوطني، لأنهم لا يريدون وجود قوة حقيقة معهم، لكونهم بحاجة الى ادوات لا اكثر، ولان الائتلاف ومنذ تشكيله وحتى اللحظة تحول من فشل الى اخر طبعا، اضافة الى فضائحه الاخلاقية والمالية والاعلامية، وحتى عدم قدرته على مواكبة الشارع او تمثيله بصورة مناسبة في الخارج، لم يقرر حزب الاتحاد الالتحاق به او حتى الاعتراف به”.

ورأى التمو أن “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والمجلس الوطني الكردي كلاهما يتحدث عن تخوين الاخر واتهامه في الوطنية او القومية، عموما الطرفان في سوريا لا يمثلان الكورد كحالة قومية تناضل من اجل الاستقلال والحصول على حق تقرير المصير، وبالتالي اي اتهام من طرف لآخر….. مردود عليه”.

وأشار الى بقاء ورقة الوطنية و”حتى بهذه الورقة، ورغم التحديات ووجود نظام متربص بهم واعداء من الدواعش والمتدعشنين والجاهزيين للدعشنة لم يخرجوا بصوت واحد، وهو اهم ما نحتاجه اليوم كشارع كردي، حتى نخرج بمكتسبات حقيقة في سوريا الغد في امور تتعلق بالمواطنة والدستور والاعتراف بالقومية واللغة، حزب الاتحاد يعيش جنون العظمة بعد انتصاراته العسكرية ويجد نفسه سيد الموقف”.

حملة جمع تواقيع

وأضاف “المجلس الوطني يحاول رفع حملة تواقيع لاسباب، ومن ثم يظهرها لاسباب اخرى، فقط لكي يبرهن على وجوده، عموما الطرفان، ومع اختلاف الكبير بينهما، لم يرتقيا الى طموحات الشارع الكوردي، رغم المكاسب العسكرية الضخمة جنيف….. عبارة عن مضيعة للوقت وتقسيم لمناطق النفوذ بين القوى الراعية والمستثمرة في الشأن السوري”.

وأوضح التمو “رغم ذلك كنا بحاجة الى نجاح سياسي يوازي الانتصارات العسكرية. اما في ما يتعلق بالمعارضة السورية عموما والائتلاف تحديدا لقد تحولتم من فشل الى اخر، واصبحت الصبغة الطائفية تحرككم، وبات الحراك في الشارع مسلحا تسليحا دينيا بفضلكم بعيدا عن اسباب الحراك الثوري. اعلم جيدا ان تركيا وقطر هم ارباب نعمتكم، واسباب وجودكم واستمراركم، وانتم ساقطون مع بشار، وربما قبله ولتعلموا جيدا…. لا تستطيعون القفز فوق الورقة الكوردية، ولا حل في سوريا ان اردتم ان تبقى موحدة بدون حل للملف الكوردي”.

واعتبر اخيرا ان المحاولات “لاختزال الكورد في المعارضة بمجلس وطني، لا تختلف كثيرا عن محاولة النظام اختزال الكورد في شخص عمر اوسي”.

لا بد من تمثيلهم

عبد العزيز التمو عضو المكتب السياسي في الجمعية الوطنية قال لـ”ايلاف” إن “مفاوضات جنيف الرامية الى رحيل نظام الاسد وتشكيل هيئة حكم انتقالي يجب ان تكون ممثلة لكل اطياف ومكونات المجتمع السوري، وخاصة الكرد، هي نقطة البداية والاساس لبناء سوريا الحديثة”.

واعتبر أنه “كان من المؤسف ألا تتضمن ورقة وجدول المفاوضات أي شيء يذكر بخصوص حل قضايا مكونات المجتنع السوري وضمان حقوقها في سوريا المستقبل، ومنها قضية الشعب الكردي في حفظ حقوقه القومية في سوريا اتحادية ذات نظام فيدرالي، وايضا كان هناك اجحاف بحق التمثيل الكردي بداية من موتمر الرياض، ونهاية بالوفد المفاوض، حيث اقتصر التمثيل الكردي ضمن وفد الائتلاف، رغم محاولة المجلس الكردي الضغط من اجل الحضور كتمثيل كردي مستقل الى جانب الائتلاف، ويكون جزءا من الهيئة العامة للتفاوض”.

استفتاء شعبي

وعن التمثيل الكردي وأن حزب الاتحاد الكردي ممثلا للأكراد اعتبر “ان المجلس الكردي هو اكبر تحالف سياسي كردي يمثل شريحة واسعة من الشعب الكردي في سوريا وتطلعاته القومية، اثبت ذلك بعد الاستفتاء الشعبي على موضوع ادراج القضية الكردية في المفاوضات، والتي تعتبر داعم لجهود الاخوة في الوفد المفاوض، ممثلي للمجلس الكردي، الذي يعتبر جزءا من المعارضة الوطنية، كما انه كان احد اسباب عدم التوافق الدولي على ادراج القضية الكردية هو وجود جناح كردي وممثل في الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبر جزءا من النظام السوري، واحد فروعه الامنية في كردستان سوريا، وهذا ما دفع روسيا وايران الى تبنيه والترويج له على انه ممثل الكرد في مواجهة المجلس الكردي المعارض، والذي يعتبر جزءا من الحالة الوطنية المعارضة المطالبة برحيل نظام الاسد وكل متظومته الامنية، مع ذلك مازالت الجهود الداعمة للاخوة الكرد في الوفد المفاوض جارية شعبيا وسياسيا من اجل ادراج القضية الكوردية في جدول المفاوضات وايجاد صيغة سياسية توافقية على ضمان حل القضية الكردية بما يحقق ويحفظ تطلعات الشعب الكردي في سوريا”.

وأضاف التمو “تعتبر القضية الكردية هي جزء من القضية السورية، ولن يكون هناك حل سياسي في سوريا بدون حل القضية الكوردية وضمان حقوق الشعب الكردي القومية في سوريا المستقبل التي يجب ان تكون الضامن والجامع لكل المكونات”.

ثورة كل السوريين

مروان علي الكاتب والشاعر الكردي أكد لـ”ايلاف” أن “تغييب الصوت الكردي لن يكون لمصلحة أحد سوى المستفيدين من استمرار دوامة الدم السوري.. وقال “قوة المفاوضات في تعدد الأطراف المشاركة فيها، خصوصا التي تحظى بحضور قوي على الارض مثل حزب الاتحاد الديمقراطي أقوى الأطراف الكردية، والذي يملك ذراعا عسكرية قوية (قوات الحماية الشعبية) ألحقت عشرات الهزائم بداعش. إصرار الهيئة السياسة على عدم اشراك هذا الطرف الكردي جاء بطلب تركي، وهذا الإصرار لن يكون ابدا عاملا في إنجاح مفاوضات جنيف 3، بل ربما سبب اضافي باضافة الى أسباب كثيرة اخرى في فشلها. الكرد قوة أساسية في سوريا الجديدة واجهوا بطش النظام منذ سنوات طويلة، ولكنهم لم ولن ينجروا يوما الى صراعات جانبية بائسة لا تخدم أحدا غير نظام القتل والاجرام في دمشق”.

وشدد على أن “على كل الأطراف في المعارضة السورية الوطنية والديمقراطية أَن تدرك لا يمكن حل المسألة السورية وإسقاط الاستبداد وبناء دولة مدنية من دون مشاركة الكورد ومن دون حصولهم على حقوقهم القومية الكاملة في سوريا ديمقراطية مدنية جديدة تكون لكل السوريين. للأسف الشديد حتى اليوم رؤية المعارضة السورية المدعومة تركيا للمسألة الكردية لا تختلف عن رؤية النظام، وهنا الطامة الكبرى”.

وقال “هذه الثورة.. هي ثورة كل السوريين، ولا يجوز لأحد الاستقواء بالقوى الإقليمية على مكون سوري، فيكف اذا كان هذا المكون الكردي السوري الذي اسقط تماثيل الطاغية خلال انتفاضة القامشلى سنة 2004”.

ولفت الى أن “الائتلاف السوري مطالب بتقديم مصلحة الشعب السوري على مصالح الدول الداعمة له، وخصوصا تركيا، اذا كان حريصا على ان يكون ممثلا حقيقيا للشعب السوري، وجادًا في تمثيل أجمل ثورة في العالم هي ثورة الحرية والكرامة في سوريا”.

ليس ممثلا للأكراد

الدكتور زارا صالح عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكُردي اعتبر في تصريح لـ”ايلاف” أنه “هناك خلط حول هذه النقطة”، متفقا مع رأي عبد العزيز التمو على أن “حزب الاتحاد الديمقراطي ليس هو ممثل الأكراد، وحتى مشروعه السياسي غير كردي، بحكم علاقته مع العمال الكردستاني، وكذلك مع نظام الأسد. لهذا فان الإعلام يقع في مغالطة عندما يختصر الأكراد بذلك الحزب”.

أضاف “النقطة الثانية هي ان الأكراد موجودون ضمن الائتلاف كمجلس وطني كردي وضمن الهيئة العليا للتفاوض، وهم يمثلون الحضور الكردي رغم تحفظنا على نسبة التمثيل، وعدم وضع القضية الكردية على جدول أعمال جنيف”.

وقال “كنا نأمل أن تكون الدعوة موجّهة إلى الأكراد بشكل خاص كحضور مثل اي مكون اساسي لتكون معالجة قضية الشعب الكردي بند اساسي في مستقبل سوريا والعلاقة العربية – الكردية وحفظ الشراكة، لكن هناك اكثر من سبب لهذا، منها كردية تتعلق بسياسات ب ي د وخياراته وعلاقته بالنظام وممارسة سلطته الفردية وعدم التزامه بالاتفاقيات الموقعة مع المجلس الكردي للوصول الى جسم كردي موحد، ثم موقف المعارضة السورية من القضية الكردية وادراجها ضمن مفهوم المواطنة فقط والتخوف غير المبرر من (خطر الانفصال الكردي) وعدم التحرر من ثقافة الانظمة في قبول الاخر، وهذا ما يجب اعادة النظر فيه”.

النقطة الاخرى الذي تحدث عنها زارا صالح هي أن “المجتمع الدولي يسعى بكل السبل الى اتمام مفاوضات جنيف في العموميات، ولا يرى حضور التفاصيل الاخرى مثل القضية الكردية حالياً (موقف سلبي وناقص) كي يضمن نجاح مهمته. تبقى جنيف مجرد حوار من دون افاق عملية للنجاح بسبب ما يحدث على الأرض، فكيف تتم المفاوضات والشعب يقتل في الوقت نفسه بالطيران الروسي والنظام وداعش”.

وتمنّى “ان يتدارك الاعلام نقطة اختزال الكرد بحزب الاتحاد الديمقراطي، لانه خطا فادح، وهنا عليه، اي صالح مسلم، ان يراجع حلفائه من الروس والرهان الخاسر”.

واعتبر أن الخيار الانسب هو العودة إلى اتفاقية المجلس الكردي وتفعيله والعمل معاً لتمثيل كردي موحد يلبي الطموح الكردي في اقامة الفدرالية والدولة العلمانية في سوريا. وقال “القضية الكردية يمثلها تواقيع اكثر من 600 الف كردي وتمثيل المجلس الوطني الكردي هناك في جنيف. امل ان تكون النقطة واضحة”، ومن وجهة نظره اعتبر أن “جماعة صالح مسلم اختارت النظام وروسيا، وهم يجنون ثمارها الان”.

ليس مغيبا

المحامي رديف مصطفى الناشط والحقوقي الكردي قال لـ”ايلاف” إن “الصوت الكردي ليس مغيبا في جنيف الصوت الكردي المعارض والمؤيد للثورة موجود عبر ممثلي المجلس الوطني الكردي، الذي يمثل الطبف الأوسع من الشارع الكردي السوري المعارض، والذي بحظى بدعم المستقلين الكرد المعارضين”.

وأكد أن “فؤاد عليكو كردي وحكيم بشار ومصطفى أوسو اضافة الى وجود شخصية كردية أخرى ضمن وفد هيئة التنسيق هي خلف داهود موجودون في جنيف، وهذه المفاوضات ليست مؤتمرا خاصا بالقضية الكردية، بل هي عملية تفاوض بين النظام والمعارضة بكل مكوناتها السياسية والقومية والدينية والطائفية، وبالتالي الحديث عن الغياب الكردي بالاشارة الى جهة سياسية ما رفضت الثورة وآثرت البقاء الى جانب النظام هو حديث عار من الصحة تماما وهو مجرد لعبة سياسية روسية ايرانية لزجّ معارضات تجميع روسي ضمن وفد الهيئة العليا من أجل تفكيكه وتفخبخه وإضعافه وافشاله”.

مكتسبات

ابراهيم ابراهيم مسؤول المكتب الاعلامي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في اوروبا أكد لـ”ايلاف” “أن حزب الاتحاد لا يدّعي تمثيل الاكراد، لكن الواقع يؤكد انه الحزب الأكبر أن له حاضنة جماهيرية شعبية واسعة، ليس بين الشعب الكردي، بل بين جميع مكونات الشعب السوري”. واعتبر” أن هذا حتمي نظرًا الى النضال الذي لن يتوقف منذ تأسيسه 2003 وزادت وتيرته في الثورة السورية حيث حقق المزيد من المكتسبات”.

مؤتمر فاشل بدون الأكراد

أما عزيز عثمان عضو المكتب السياسي لحزب ازادي الكوردستاني ورئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحزب فتحدث لـ”ايلاف” عن اجتماع 18 حزبا في القامشلي داخل سوريا لتقويم تحضيرات مؤتمر جنيف 3 وما يحدث حوله من تجاذبات بين المواقف الاقليمية والدوليّة بهذا الخصوص ومحاولات استبعاد ممثلي الشعب الكرديّ وقضيته عن هذا المؤتمر.

ودان الاجتماع “محاولات إقصاء ممثلي الشعب الكردي من قبل جهات لا تزال تعمل على تأجيج الصراع في سوريا، وأكد على ضرورة الحلّ السياسيّ كمخرج للأزمة السورية بمشاركة كل السوريين بمكوناتهم وكياناتهم السياسية بهدف بناء سوريا دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية”.

وقال عثمان “عبّر المجتمعون عن أن الشعب الكردي وقواه الوطنية والديمقراطية وكذلك قوى ومكونات روج آفا كردستان قد قامت بدور انعطافي وحاسم في دحر “الارهاب” والقوى الظلامية، وكذلك حملت مشروعا ديمقراطيا وطنيا بديلا من الاستبداد والشمولية، وهي بذلك أصبحت من القوى الرئيسة لرسم مستقبل سوريا الديمقراطي، ولا يمكن لأي حلّ سياسي يهدف إلى بناء سوريا الجديدة أن ينجح من دون مشاركة ممثلي الشعب الكردي وأصحاب المشروع الديمقراطي الحقيقيين، ولن تكون نتائج مؤتمر جنيف مجدية ما لم تكن هذه القوى شريكة في تحمّل مسؤولية تنفيذ قرارات هذا المؤتمر”.

واقع مرير

حسن اسماعيل الناشط الكردي رأى “أنه واقع لا بد من الاقرار به، وواقع مهشم لا يمكن ترميمه هو الواقع الكردي في سوريا، وان تمثيل الكورد ضمن وفود المعارضة في جنيف 3 وبصورة هزيلة ومقززة شيء يدعو الى السخرية والتشاؤم”.

وشدد على أنه “اذا لم يتم تمثيل الكورد بجميع اطيافهم كمجموعة واحدة لها خصوصيتها وتمثل الشعب الكوردي في سوريا فلن نجني من مواسم جنيف شيئا”. وقال “لا الائتلاف ولا مجلس سورية الديمقراطية ولا هيئة التنسيق قادرون على تمثيل تطلعات الأكراد وحقوقهم “.

الطريق الى الحل

القيادي الكردي صلاح بدر الدين اعتبر في تصريح لـ”ايلاف “أن الطريق الى الحل” هو بتوحيد الأكراد بطريقة جديدة، وليس بالوسائل القديمة البالية عندما كان الاعتقاد السائد أن وحدة الأكراد بوحدة أحزابهم، علما أن الأحزاب لا تشكل أكثر من 5% في المجتمع الكردي، وهي بالأساس فقدت صدقيتها بعدما عجزت عن تجديد نفسها، وتعاملت سرا وعلنا مع النظام المستبد الحاكم منذ عقود، وليست لها برامج واضحة، ولا مواقف سياسية شفافة من أمور استراتيجية، مثل مستقبل سوريا والنظام والثورة، أي لدى معظمها الحذر من الحركة الوطنية الديموقراطية السورية، وتستسهل أقصر الطرق، وهو التفاهم مع السلطة، هكذا كان تاريخها، ومازالت أقسام منها على الحالة نفسها”.

وأضاف “هناك خطأ شائع، ليس في الوسط الكردي فحسب، بل على الصعيد الوطني أيضا، وهو اعتبار الحركة الوطنية الكردية مقتصرة على الأحزاب، في حين أنها أوسع، وتشمل الوطنيين من مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات والمستقلين (الذين يتضاعف عددهم)”.

واعتبر بدر الدين أنه “منذ اندلاع الانتفاضة وتحولها الى ثورة ظهر قطاع حيوي جديد في صفوف الحركة، وهو الحراك الشبابي الثوري وحركات المرأة ومنظمات المجتمع المدني، وفي الوقت الحاضر هؤلاء مغيبون ومبعدون من الأحزاب والائتلاف وهيئة التنسيق، أي لا وجود لممثلي الشعب الكردي الحقيقيين في الهياكل الراهنة التي تتصارع على الموقع المعارض”.

وقال إن “هناك أزمة حقيقية بنيوية في الساحة الكردية اختل فيها التوازن لعوامل كردية ووطنية واقليمية وظهرت جماعات – ب ك ك – المسلحة لتزيد الأزمة تفاقما عندما تحالفت مع نظامي ايران والأسد، وأرادت قلب المفاهيم الوطنية الكردية بقوة السلاح والعنف والقمع، أي عزل الحركة الكردية عن مجالها الطبيعي الحيوي، وأقصد الاطار الوطني الديموقراطي وحركة الثورة ضد النظام، فلا يمكن، ليس نظريا فحسب، بل بالتجربة، ايجاد حل عادل للقضية الكردية عبر الأنظمة الدكتاتورية المستبدة مثل النظام السوري”.

مؤتمر وطني

وأكد “ان حل الأزمة الوطنية الكردية يستدعي التفاهم من أجل عقد مؤتمر وطني عام وشامل يجمع كل التيارات والحركات والجماعات المؤمنة بالحل السلمي الديموقراطي للقضية الكردية وبالثورة السورية كطريق لاعادة بناء سوريا الجديدة التعددية، ومن خلال التوافق مع الشريك العربي والمكونات الوطنية الأخرى في سبيل تحقيق الحل، بحسب ارادة الشعب الكردي السوري، وحقه في تقرير مصيره القومي والاداري في اطار سوريا الموحدة والكف عن أوهام المراهنة على القوى الخارجية المعادية للشعب السوري ولقضية الثورة أو المغامرة في التورط باستغلال الوضع الوطني العام في ظل محنة الشعب السوري”.

واعتبر بدر الدين “أن الأحزاب الكردية خذلت شعبنا الكردي والسوري مرة أخرى عندما أشعلت ساحتنا فتنًا ومواجهات وصراعات، وتوزعت بين موالاة النظام والجهات الخارجية، وتوزعت على مختلف الأطر السياسية (المعارضة منها وغير المعارضة) وتسببت في عزل الكرد وقضاياهم عن كل المحافل التي تطرح فيها القضية السورية، جادة كانت أم عابرة، ومن المشاهد المقززة أن نجد بعض الأحزاب في وفد النظام، وبعضها متهم بالتعاون سرا مع سلطة النظام، من جانب الكرد والعرب والقوى الخارجية وحتى الأمم المتحدة، وبعضها استحوذ مكانا هزيلا غير فاعل في وفد مؤتمر الرياض، هذه هي نتائج ما زرعته الأحزاب الكردية”.

ايلاف

 

 

 

 

 

معارضون أيضاً!/ عمر قدور

في سوريا، تبدو صفة “المعارضة” كأنها تُكتسب مرة واحدة لا تزول بعدها، فمن عارض النظام ذات يوم تبقى تسميته معارضاً حتى إذا لم يعد يتوجه بالنقد سوى إلى معارضين آخرين، وحتى إذا كان سلوكه ومواقفه لم يعودا يؤديان سوى إلى خدمة النظام عن سابق تصميم. هذه الصفة أيضاً يمكن اكتسابها بالتقادم الإعلامي، فأشخاص اختلفوا مع النظام لأسباب شخصية راح يطلق عليهم الإعلام تسمية معارضين، ثم صارت التسمية من البديهيات فلم تعد خاضعة للنقاش. وآخرون يُفترض أنهم قدّموا أنفسهم كناشطي مجتمع مدني، أو كناشطين حقوقيين، فكانت تلك الصفات توطئة للدخول في نادي المعارضة من دون أدنى تساؤل عن إنجازاتهم في الحقل المدني أو الحقوقي.

مناسبة هذه الإشارة هي محاولة موسكو فرض “معارضتها” الخاصة على الوفد المعارض في جنيف، وصولاً إلى اقتراحها مفاوضات ثلاثية بين وفدها “المعارض” ووفد الهيئة العليا للتفاوض والنظام. وكما هو معلوم تسيطر موسكو على وفد النظام، وتريد من خلال وفدها المعارض السيطرة عملياً على ثلثي قاعة المفاوضات، لترجح رؤيتها الخاصة للإبقاء على النظام السوري بمساعدة من تسميهم معارضين.

لا تقول موسكو مثلاً أن مؤتمر جنيف هو مؤتمر سوري تأسيسي، وعليه من حق السوريين جميعاً، معارضين وموالين، أن يحظوا بتمثيل عادل. فالمؤتمر لن تنبثق عنه وثيقة تأسيسية، وقرار الأمم المتحدة واضح لجهة أن المفاوضات ستجري بين النظام والمعارضة، ولجهة أن الدستور الجديد سيُصاغ في ما بعد، في المرحلة الانتقالية. لذا لا مناص أمام موسكو من طرح قائمة أصدقائها بوصفهم معارضين، بعد أن حظيت في قرار مجلس الأمن باعتراف دولي بما سمي موسكو1 وموسكو2، مع إقرار الجميع بمن فيهم المسؤولين الروس بفشل جلستي موسكو حينها، ومع أن المسؤولين الروس بداعي الفشل قالوا بأنهما كانتا مجرد منبر لتبادل الآراء.

قد يُقال بأن العديد من المعارضين الآخرين لهم ارتباطاتهم الإقليمية أو الدولية، ذلك نصف الحقيقة، ففي الواقع ليس هناك سوى موسكو وطهران والميليشيات الحليفة تنطبق عليهم صفة قوات الاحتلال. ولا مقارنة هنا بين الاحتلال الروسي الإيراني واحتلال داعش أو الاحتلال القاعدي لأن الأخيرين مشمولان بقرار لمجلس الأمن يتعلق بمكافحة الإرهاب. ثم لا داعش ولا النصرة يريدان تمثيلاً لهما في وفد المعارضة في جنيف، ولا يدّعيان أصلاً صفة الوطنية الملازمة لمفهوم المعارضة.

نحن أمام حالة خاصة حقاً، حيث هناك قوتا احتلال دعمتا نظاماً ساقطاً في مواجهة ثورة شعبية، ثم باسم المعارضة تطرح إحداهما قائمتها للتفاوض، أي أننا أمام محتل لا يكتفي بعمالة النظام، بل يريد فرض معارضته أيضاً.

أحد معارضي موسكو، والياء هنا للدلالة على الملكية، يعترض في حديث لوكالة “فارس” على وجود ممثلين للفصائل العسكرية في الوفد، ما لم توقف تلك الفصائل عملياتها “ضد الجيش السوري”، ويتحدث عما يسميه خطر العربدة التركية، بالطبع من دون أية إشارة إلى الاحتلالين الروسي والإيراني. “ألمعارض” يتبنى موقف المحتل الروسي بحذافيره، سواء من جهة العداء المستجد لتركيا أو من جهة الاعتراض على وجود عسكريين في الوفد المفاوض، ويتبنى ضمناً الموقف الروسي بتسمية مقاتلي المعارضة بالإرهابيين عندما يصور عملياتهم بمثابة اعتداء على “الجيش السوري”. المخطط الروسي واضح من وراء هذه الادعاءات، فوفد النظام، في حال إقصاء العسكر، سيعيد ما قاله في جنيف2 متهماً وفد المعارضة بأنه لا يملك تأثيراً ميدانياً. باختصار، الروس والنظام لا يريدان التفاوض مع العسكر، وأي وفد يخلو من العسكر سيُقال إنه من دون صلاحيات، أي أن المطلوب هو إفشال التفاوض برمته، وفي الطريق إلى ذلك زرع شرخ بين الفصائل العسكرية على الأرض والوفد السياسي المفاوض.

معارض آخر من معارضي موسكو سبق أن صرح بأن حسن نصرالله أخبره بعدم تدخل ميليشيا الحزب في سوريا، ذلك في الوقت الذي راحت فيه التوابيت تعود علانية إلى الجنوب وبعلبك. الضيف المفضّل لدى محطات تلفزيونية حليفة للنظام كان في خضم موجة المظاهرات السورية قد اتهم المتظاهرين بالارتزاق وبأنهم يقبضون مبلغاً معلوماً لقاء خروجهم في كل المظاهرة، المبلغ نفسه الذي سيذكره بشار الأسد عقب ذلك في أحد خطاباته. وأن يراسل معارض سلمي، ملأ المحطات الحليفة للنظام انتقاداً للعسكرة، مجلسَ الأمن قائلاً إن القوات التي يمثلها تسيطر على 16% من البلاد فهذا أمر ربما صار اعتيادياً بعد تصريح بشار الشهير بأن أرض سوريا لمن يقاتل دفاعاً عنها! سيكون من نافل القول إذاً أن معارضاً من معارضي موسكو غادر منصبه كنائب لرئيس مجلس وزراء النظام في نهاية عام 2012، أي بعد ما يزيد عن عشرين شهراً من بدء ارتكاب المجازر في حق السوريين، واستقر في موسكو حليفة النظام من دون أن تبدر عنه أية مواقف معارضة. ومن نافل القول أيضاً، أن الشخص الوحيد من قائمة موسكو الذي يملك سلطة أمر واقع على الأكراد متهم بالتنسيق التام مع النظام وتلقي الأسلحة منه، ولم يقصّر في تبرئة النظام من الجريمة التي أقر له بها العالم أجمع وهي جريمة استخدام السلاح الكيماوي في غوطتي دمشق.

إيراد الأمثلة السابقة ليس له بعد شخصي، بل الأمر يتعلق بمفهوم المعارضة نفسه، مع أن المفهوم الأصل يستند إلى وجود حياة سياسية ديمقراطية طبيعية. لكن في حالة مركبة مثل الحالة السورية لا بأس في اعتماد عدة معايير، فوجود الاحتلال يفرز بين موالين له ومقاومين، ووجود الثورة يفرز بين نظام مستبد وحشي والشعب، ووجود الحرب التي يُفترض أنها اضطرارية ينبغي ألا يحجب، أو يتيح التملص من، المفهومين السابقين.

المدن

 

 

جنيف الثالث والوفد الثالث/ فاطمة ياسين

يصر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على قيام عملية سياسية بقيادة سورية، ويحدِّدُ لها توقيتاً في بداية الشهر الأول من العام الجديد 2016. الموعد الذي يتحدث عنه القرار انتهى، والأمل معقود الآن على أواخر الشهر الحالي، بعد ميوعةٍ اكتنفت تحديد التاريخ، ولم تفضِ، حتى الآن، إلى نتيجة واضحة.

يصر وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، على أن المؤتمر سيعقد هذا الأسبوع، لكن الضباب الكثيف يلف القضية برمتها، فالخلاف ما زال على أشده حول طبيعة الوفد الذي سيفاوض النظام، لتشكيل حكومة “ذات مصداقية”، كما جاء في القرار الأممي.

بعد الكشف عن أسماء المشاركين، ارتفعت أصوات من مسؤولي الدول الكبرى، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لفرض أسماء وتيارات جديدة على الوفد المقترح من هيئة المفاوضات الناتجة عن مؤتمر الرياض، وذهبت موسكو إلى حد أبعد، فهدّدت بإدخال وفد ثالث في المفاوضات، إذا تم رفض مقترحاتها.

لا يذكر القرار الأممي شيئاً عن طبيعة الوفود، ولا يحدّد عددها، فهو يقفز، فوراً، إلى ما قد يصدر عنها، لكن العقبة الأولى التي أجلت انعقاد المؤتمر، من أوائل الشهر إلى آخره، وربما إلى أبعد من ذلك، هي طبيعة أفراد ذلك الوفد المعارض.

بدت هيئة المفاوضات واثقةً، وهي تعلن بقوة عن أسماء مرشحيها، وحاسمة أكثر بتسمية ممثل “جيش الإسلام”، محمد علوش، كبيراً للمفاوضين، والعسكري المنشق، الرفيع الرتبة، أسعد الزعبي، رئيساً للوفد، معلنةً بذلك عن نية “هجومية” وأسلوب حوار مر، ستجريه مع وفد النظام. ولقطع الطريق أمام أي تدخلات محتملة بشأن أعضاء الوفد المشاركين في الحوار، أطلق المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، تصريحات قاطعة برفض أي تغيير، أو تعديل، أو إضافة إلى اللائحة المقدمة لعضوية الوفد، تحت تهديد شديد اللهجة بعدم المشاركة.

تزامن وجود كيري في الرياض، تحت عنوان عريض ومسبق الترتيب، للقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، مع وجود نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، في اسطنبول. أعلن كيري من الرياض أن لقاء ممثلي النظام والمعارضة سيحصل هذا الأسبوع. وفي اسطنبول، كان بايدن يقول إن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة! ومن شأن هذا التصريح أن يريح الجانب التركي الذي اقتصر اهتمامه، أخيراً، على أن يكون ممثل الكرد في وفد المعارضة خارج إطار جبهة صالح مسلم، لكن تصريحات سفير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في فرنسا، منذر ماخوس، توحي بتلبد لقاء اللجنة العليا للمفاوضات مع كيري الذي هدد بأن عدم حضور الوفد إلى المفاوضات يعني أن المعارضة ستخسر دعم واشنطن، من دون أن يذكر ماخوس ما إذا كان كيري قد ضغط على حجاب، لإجراء تغيير في بنية الوفد المشارك.

لا يبدو أن كيري أخذ بنداءات موسكو لضم عناصر جديدة ترضى عنها، وربما اكتفى بتقديم “النصح” للمعارضة بالحضور، مع تعهده لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بالعمل على إزاحة الأسد في اليوم التالي. وفي هذه الحالة، ستمضي روسيا في تشكيل وفدها المعارض الخاص، المصمم بنكهة مميزة، لن تخرج عن إطار مؤتمرات موسكو واحد وموسكو اثنين.

يظهر وزير الخارجية كيري مفتقداً للحيلة أمام خطوةٍ من هذا النوع، ولا يستطيع أن يمنع روسيا من تشكيل وفدها، فمهمته انتهت بتقديم واجب النصيحة. وبقي الأمر بيد مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، الشخص المخول بإرسال الدعوات؛ نسف جدية أي مؤتمر والبحث عن هياكل “وطنية” هشّة لملء مقاعد المفاوضات وتخريب أي حل حقيقي، هي مهمات دأبت روسيا على القيام بها، منذ الفيتوهات الشهيرة في بداية الثورة، والفصل الحالي صفحة أخرى جديدة، تحاول إبقاء الأمر كما هو عليه. والوفد الثالث الذي قد يدعوه دي ميستورا سيدمر وثيقة الأمم المتحدة التي نصت على هذا اللقاء، والفشل معناه البحث عن صيغة جديدة لعقد مؤتمر جديد، وهو الوقت المطلوب لاستكمال تدخلات عديدة، بدأت تباشيرها مع أول طائرة روسية خرقت المجال الجوي السوري، وعلى متنها طيار روسي.

العربي الجديد

 

 

 

حول خارجية التمثيل المعارِض وصُوَريَّته/ ورد كاسوحة

لا تنحصر مشكلة التفاوض الجاري حالياً في عدم تمثيله «أكثرية» السوريين، فهذه «الأكثرية» كانت مهمّشة منذ البداية، ولن يضيف تهميشها من جديد شيئاً إلى ما نعرفه عن الآلية المتبعة لاستبعادها. ما يهمّ فعلاً هنا ليس الآلية بحدّ ذاتها ولا الاحتكار الذي تعبّر عنه، بل افتقاد أطر غير تلك التي تضعها باستمرار عواصم مثل الرياض والدوحة وأنقرة.

لا تزال هذه الدول تملك قرار المعارضة، وكلما ازداد تدخّلها ضد النظام وحلفائه هنا توسّعت الأطر التي تهيمن عليها، وهي في الأصل غير موجودة لتمثّل أحداً في الداخل أو في الخارج، وإنما لتثبّت نفوذ هذه الدول وتحوّلها إلى رقم أساسي في معادلة السلطة الجديدة. وهذا يصحّ أيضاً على علاقة السلطة بحلفائها، ولكن بدرجة أقلّ، على اعتبار أنّ النظام يمثّل «بيئته» أكثر بكثير مما تفعل المعارضة، ولا يعتمد في علاقته معها على ارتباطاته الخارجية فحسب. وهو ما يفسّر انحصار النقاش حول تشكيل الوفود في دائرة المعارضة التي تبدو في هذه اللحظة في ذروة أزمتها، بينما النظام لا يعاني من مشكلة مماثلة، ويظهر على العكس مرتاحاً من تخبّط المعارضة واستفحال أزمة تمثيلها. بالنسبة إليه لا توجد أزمة من هذا النوع، وإذا وُجدت يمكن حلّها بسهولة عبر العودة إلى «صانع القرار» الذي يخضع بدرجات متفاوتة لهذه الدولة الحليفة أو تلك، ولكنه في النهاية يحتكم إلى الكتلة الاجتماعية التي يمثّل مصالحها ولا يرى تعارضاً بينها وبين ما تريده الدول الحليفة منه.

جذر المشكلة

مشكلة من يمثّل من قديمة بالنسبة إلى المعارضة، وهي سابقة حتى على مرحلة «الثورة» وبداية الاحتجاجات. لكن سنوات الأزمة كانت كفيلة بمراكمتها وإظهارها على النحو الذي نشهده الآن، حيث تظهر التناقضات داخل هذا المعسكر ليس بوصفها تعبيراً عن قوى سياسية لا جذر لها في الداخل فحسب، بل بكونها أيضاً إشارةً إلى افتقاد هذه القوى أيّ ملمح طبقي أو اجتماعي يمكن على أساسه مواجهة مشروع النظام الذي هو في الأساس تعبير عن تحالف طبقي واجتماعي عريض و»متنوع». طوال الفترة الماضية لم تفهم المعارضة الخارجية هذه «المعادلة البسيطة»، وظنّت أن بقاء النظام مرتبط فقط بالدعم الخارجي الروسي والإيراني له، وعلى أساس هذا الفهم الساذج والمُغرِض والتبسيطي بَنَت تحالفاتها الإقليمية والدولية، واستعانت بالأصدقاء من هنا وهناك لكي يُعينوها على هذا النظام الذي لا يمثّل في رأيها السوريين ولا يعبّر عن توقهم إلى التحرّر والانعتاق من العبودية (بعض هذه المفاهيم يتحمّل مسؤوليتها كتّاب يساريون مرموقون داخل المعارضة). عدم سقوط النظام بسرعة كما كانوا يأملون وبقاؤه طيلة هذا الوقت أصابا هذه الفئة من المرتبطين بالمثلث السعودي التركي القطري بالذهول، وبدلاً من الاستفادة من التجربة ومعاودة قراءة استراتيجية الصراع على ضوء استمرار التحالف الطبقي الاجتماعي الذي يمثّله النظام (على الأقلّ بالشكل الذي هو عليه الآن)، مضوا في سياسة الهروب إلى الأمام، وتمسّكوا بفكرة احتكار التمثيل التي كانت السبب وراء كلّ إخفاقاتهم السابقة. لم يفكروا يوماً في السؤال عن سبب لجوء معظم البيئات الاجتماعية المعارِضة التي حطّمها النظام وحلفاؤه إلى المناطق التي تسيطر عليها السلطة، مع كلّ ما سيحمله ذلك من مساءلات أمنية وملاحقات واعتقالات و… إلخ. كان بإمكانهم أن يطرحوا هذا السؤال على أيّ كاتب يساري يتملّق لهم وينظّر لترّهاتهم بينما هو يعرف ما معنى أن يكون هنالك وجود لدولة فيها حدّ أدنى من «التكافل الاجتماعي»، ولو في إطار ما تسمح به الحرب.

لا تنحصر مشكلة التفاوض الجاري في عدم تمثيله «أكثرية» السوريين

ما معنى أن تستمرّ هذه الدولة حتى الآن في دفع الرواتب لموظّفيها، وبينهم معارضون ومتمرّدون سابقون، رغم أنّ ما يتلقّونه لم يعد يكفي لسدّ رمقهم بعد كلّ التضخم الذي حصل؟ ليس الموقف من النظام هو ما يحكم سلوك هذه الكتل الاجتماعية، بل الشعور بأنّ هنالك دولة لا تزال قادرة على احتضانهم ــ حتى بعد إخضاعهم ــ وتوفير الحدّ الأدنى من احتياجاتهم. عدم القدرة على التفريق بين هذه الدولة والنظام هو الذي يجعل من المعارضة التابعة لقطر والسعودية وتركيا حالة خارجية ومنقطعة عن المجتمع السوري، في حين أنّ التفريق بين الأمرين، وهو ما تقوم به باستمرار المعارضة الوطنية العلمانية، هو الذي يجعل من المعارضة معارضة ويحوّل رموزها إلى ممثّلين حقيقيين للحالة الاجتماعية المعبّرة عن الأكثرية المهمّشة. بهذا المعنى، فإن استبعاد هؤلاء الرموز وتهميشهم باستمرار من جانب المنابر القطرية التركية السعودية يغدوان استبعاداً للمجتمع السوري بحدّ ذاته، بوصفه ليس فقط مصدر الشرعية السياسية لهذا الطرف أو ذاك، بل أيضاً صلة الوصل الوحيدة الباقية بعد الحرب بين الدولة كما عرفها السوريون تاريخياً والسلطة الانتقالية الديمقراطية العلمانية المراد إنتاجها.

صُوَريَّة التمثيل وخارجيته

حين تكون المعارضة الخارجية على هذه الدرجة من الانقطاع عن المجتمع وتحوّلاته، يصبح من الطبيعي أن تنشأ داخلها تناقضات عديدة، فهي لا تتبنى مشروعاً واضحاً للدولة، وتفتقد فضلاً عن ذلك القدرة على إقناع الأكثرية بخياراتها. وحين تُسأل عن البديل الذي تحمله للنظام، لا تجد ما تقوله غير ترداد رطانات «الثورة» التي فقدت بريقها ولم تعد تمثّل الحالة التي وصل إليها المجتمع بعد كلّ التحطيم الذي أصابه. أعضاء هذه المعارضة لا يعيشون هنا ولا يعرفون كيف يدبّر المجتمع أمره في غياب الوجود الكلّي والمهيمن للدولة، ويريدون بعد كلّ ذلك أن يَحظَوا بتمثيله، متناسين أنهم مسؤولون على الأقلّ سياسياً عن تحطيم الأجزاء من المجتمع التي لم يقدر عليها النظام أو لم يرغب في تحطيمها. هذه المسؤولية تتناقض مع الزعم بتمثيل شرائح واسعة من المجتمع هنا، وهي حال النظام أيضاً، ولكن على الأقلّ هذا الأخير يسيطر على أجهزة الدولة ويستطيع من خلالها تعويض الناس جزئياً عمّا فقدوه خلال الحرب، في حين أنّ المعارضة لا تملك أن تفعل ذلك، وفي الحالات القليلة التي استطاعت فيها فعلها أنتجت نماذج في الحكم يخجل المرء أن يتمثّل بها، أو أن يقارنها بنموذج النظام حتى. وهذا بالضبط هو السبب الذي أبقى أطرافاً وازنة في المعارضة الوطنية خارج مظلّة مؤتمر الرياض، حيث لا ترغب هذه الشخصيات في أن يتحوّل التمثيل السياسي «للثورة» إلى ذريعة لإضفاء الشرعية على نماذج فاشية لا تشبه المجتمع هنا ولا تعبّر عن تعدديته الاجتماعية القائمة.

المشكلة لا تنحصر فقط في طبيعة التمثيل، بل تتعداه إلى تحويل الممثّلين أنفسهم، في حال وُجدوا، إلى حالات صُوَرية لا علاقة لها بمجتمعاتها ولا بالوضع الذي تعيشه هذه المجتمعات في ظلّ الحرب. هؤلاء اختيروا فقط لإضفاء شرعية إضافية على نمط التمثيل السياسي الذي تريد السعودية من خلاله تغليب الطرف الذي يواليها على الآخرين. وهذا بالضبط هو تعريف الاحتكار الذي يسمح هنا بوجود «تمثيل متنوع»، ولكن في إطار الوضعية المهيمنة التي يحقّ لها وحدها أن تتكلّم باسم المعارضة وتفاوض النظام، بينما الآخرون لا يحقّ لهم ذلك، وفي حال تكلّموا أو اعترضوا يجب أن يكون اعتراضهم أو كلامهم ضمن السياق المسموح به.

السياق هنا خارجي تماماً ومنفصل عن فكرة التمثيل التي لا تعود كذلك في غياب العلاقة مع المجتمع، وتصبح فقط تعبيراً عن ولاء هذه المجموعة أو تلك للدولة التي تم استبدال المجتمع بها، فأصبحت هي مصدر الشرعية، وهي التي تحدّد من يمثّل من، ومن يتفاوض مع من. على الأقلّ النظام هنا يملك قراره ويعرف أنه يمثّل كتلة اجتماعية يستطيع التفاوض باسمها بمعزل عن تبعيته لحلفائه، في حين أنّ الطرف الآخر لا يعرف على وجه التحديد من يمثّل، أو كيف يمكن التفاوض باسم كتلة لا تتمثّل جيداً، ولا يُسمَح لها إن تمثّلت بالخروج عن السياق السعودي التركي القطري.

* كاتب سوري

الأخبار

 

 

نعسان آغا معارض… ولكن!/ راشد عيسى

بعد أكثر من ظهور إعلامي، كمقابلته مع قناة «روسيا اليوم»، وقناة «العربية» في برنامج «الذاكرة السياسية» أخيراً، تشعر أن المتحدث باسم «الهيئة العليا للتفاوض» السورية المعارضة رياض نعسان آغا، يحمل في أدائه كل تراث الأداء الإعلامي الرسمي؛ هذه الهشاشة، والفصحى المضبوطة، لكن الفارغة من أي معنى، وقبل كل شيء ثقل ظل يسم مذيعي الشاشة الرسمية، الذين احتلوا المنابر بالواسطة وبطرق ملتوية.

لسنا في وارد الحديث عن تاريخ الرجل، ما فعله بـ «وزارة الثقافة» كوزير فيها، ولا ما فعله بالآثار والمتاحف السورية، ونحسب أن ليس في العالم كله سواه من له صلة بالثقافة ويدعو إلى استثمار قاعات المتاحف والبيوت التاريخية في حفلات زفاف أبناء المسؤولين، وهذا مسجل بكتب رسمية، ومساجلات صحافية صريحة، لن نتحدث عن تاريخه كأحد أعمدة النظام، دعونا نصدق أن الثورة تجب ما قبلها، ولو أن عبارة له قالها على «العربية» أخيراً لا تشير إلى أن الثورة مرت على الرجل. قال نعسان آغا، متحدثاً عن «خلية الأزمة»، تلك التي قضى فيها أربعة من أخطر أركان النظام في ما سمي «تفجير الأمن القومي»، وهم العماد حسن تركماني، وزير الدفاع داوود راجحة، نائبه آصف شوكت، رئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، قال هم «ليسوا مجرمين، بل ناس فاضلون، ولكن تورطوا في الأزمة. أعرف حكمتهم، ولكن وجدوا في ظرف خاطئ، عصابي».

لننس كل ذلك، فالمشكلة نفسية محض عند المتلقي. إنه أحد المذيعين الأبرز في تلفزيون النظام عبر عقود، ثم ناطق باسمه، ومن ينسى ظهوره أيام «ربيع دمشق» كأحد طرفي «الإتجاه المعاكس» كممثل للنظام أمام المعارض ميشيل كيلو. يستحيل أن يظهر آغا على الشاشة من دون أن يحضر كل ذلك التراث الإستبدادي.

يخطر على البال هنا مسرحية «الموت والعذراء»، مسرحية الكاتب التشيلي ارييل دورفمان، روى فيها حكاية امرأة معتقلة سابقة تتعرف في صوت رجل، ضيف طارىء في بيتها، على الجلاد الذي كان يعذبها بوحشية في معتقلات الطاغية الرهيب بينوشيه، هي لا تعرف ملامحه، تعرف فقط صوته، ورائحته، بل وتتذكره عبر موسيقى شوبيرت التي تحمل عنوان «الموت والعذراء»، والتي كان يضعها أثناء حفلات التعذيب. كيف لها أن تتصرف إزاء جلادها السابق؟ هي التي لم يتح لها أصلاً أن تعرف إن كان تسنى لثورة ما أن تطهره أم لا؟

لا يستطيع المرء إلا أن يتذكر بطل «الموت والعذراء»، كلما ظهر نعسان آغا على الشاشة.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى