صفحات مميزة

مقالات وتحليلات مختارة لكتاب عرب وأجانب تناولت المفاوضات السورية المحتملة في جنيف

الأزمة السورية: اتجاهات التدافعات إقليمية-دولية

مركز الجزيرة للدراسات

ملخص

تندرج الأحداث الثلاثة: قطع العلاقات السعودية-الإيرانية، وزيارة بايدن لأنقرة، ومحادثات جنيف حول الأزمة السورية، في منطق واحد؛ فالسعودية وتركيا والمعارضة السورية، يعتقدون أن مصالحهم لم تعد تجد المراعاة المنشودة من القوى الغربية، بل إن هذه القوى الغربية باتت، من أجل قتال تنظيم الدولة والقاعدة، أقرب إلى الاتفاق مع خصومهم في طهران وموسكو ودمشق، وليس قطع السعودية علاقاتها إلا اعتراضًا على قبول الغرب بدور إيراني متزايد في شؤون المنطقة، وليست زيارة بايدن إلا محاولة لإقناع تركيا بقبول أكراد سوريا شريكًا في الحرب على تنظيم الدولة، وليست محادثات جنيف إلا محاولة أميركية غربية للتقرب من المحور الإيراني-الروسي على حساب الثورة السورية.

مقدمة

يناير/كانون الثاني هو أكثر شهور العام برودة في الشرق الأوسط. ولكن يناير/كانون الثاني 2015 هذا العام كان حافلًا بالأحداث الساخنة، التي وضعت المشرق كله على سطح صفيح ساخن، سواء في علاقات دوله البينية، أو في دور القوى الكبرى في قضاياه التي تزداد تعقيدًا. ولأن سوريا تحولت إلى محدِّد رئيس لمستقبل المشرق وقواه، فقد انعكس مجمل هذه التطورات على المسار البطيء والمتعرج للأزمة السورية.

وربما يمكن رصد ثلاثة أحداث مهمة، ومترابطة، شهدها يناير/كانون الثاني:

قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران؛ وزيارة نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن للعاصمة التركية، أنقرة؛ وتوجيه ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، الدعوات للمباحثات السورية بين النظام والمعارضة، التي تَقَرَّر عقدها في جنيف يوم الجمعة، 29 يناير/كانون الثاني.

ستحاول هذه الورقة قراءة الخيوط التي تربط هذه الأحداث الثلاثة معًا، وما الذي تعنيه لمسار أزمة السنوات الخمس في سوريا.

السعودية وإيران: انفجار متأخر

سارعت وزارة الخارجية السعودية، مساء يوم الأحد 3 يناير/كانون الثاني، إلى الدعوة لمؤتمر صحفي عاجل، تضمَّن بيانين منفصلين. حمل الأول، الذي تلاه ناطق باسم الوزارة، سردًا لسلسلة أحداث، اعتبر على ضوئها سياسة إيران عدوانية تجاه السعودية ودول الخليج.

أمَّا الثاني، فتلاه وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، وأعلن عن قطع العلاقات بين طهران والرياض، وعودة البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران إلى البلاد، والطلب من البعثة الدبلوماسية الإيرانية مغادرة السعودية خلال 48 ساعة. ويبدو أن قرار قطع العلاقات لم يُعلَن حتى تأكدت السلطات السعودية من مغادرة دبلوماسييها وعائلاتهم إيران.

تتعلق الخلفية المباشرة للتدهور الكبير في العلاقات السعودية-الإيرانية بإعلان الرياض، 2 يناير/كانون الثاني، عن قرارها إعدام 47 متهمًا بالإرهاب، أغلبهم من المواطنين السعوديين، بعد أن استنفدت إجراءات استئناف قضاياهم. الأغلبية العظمى من هؤلاء من المسلمين السُّنَّة، ولكن بينهم أيضًا العالم السعودي الشيعي، نمر النمر. أثار قرار إعدام النمر على وجه الخصوص ردود فعل شيعية واسعة، سيما في إيران والدوائر الشيعية الموالية لها في العراق ولبنان؛ بما في ذلك تهديد واضح من الناطق باسم الحكومة الإيرانية بأن السعودية ستدفع ثمن إعدام النمر. وخرجت تظاهرات غاضبة في العاصمة الإيرانية طهران، حاصرت السفارة السعودية، ثم أشعلت النار ببعض أجنحتها ونهبت بعض محتوياتها؛ كما حدثت احتجاجات أمام القنصلية السعودية بمدينة مشهد، شمال إيران.

أكَّدت المصادر السعودية أن مسؤولين في السفارة السعودية بطهران قد اتصلوا مبكرًا بنظرائهم الإيرانيين للمطالبة بتعزيزات أمنية في محيط السفارة، ولكن الإيرانيين لم يستجيبوا لهذه المطالب. وبالنظر إلى اللغة التي استخدمها مسؤولون إيرانيون، حاليون وسابقون، في التعليق على قرار إعدام النمر، وما هو معروف من تحكم السلطات الإيرانية في التجمعات الاحتجاجية، جزم السعوديون بأن الاعتداء على سفارتهم في طهران كان عملًا منظَّمًا وموجَّهًا من دوائر الحكم الإيراني. وهذا، على الأقل ما تم التوكيد عليه، في مؤتمر وزارة الخارجية السعودية الصحفي، باعتباره السبب المباشر في قرار قطع العلاقات.

بيد أن السرعة التي اتُّخِذ فيها قرار قطع العلاقات، وما رافقه من أمر السفير الإيراني وطاقمه الدبلوماسي بمغادرة  الرياض، يشير إلى أن القرار السعودي مفكَّر فيه جيدًا، وقُصِد به إفهام الإيرانيين أن السعودية باتت تعتبر إيران عدوًّا ينبغي مواجهته وليس جارًا يمكن التفاهم معه. والحقيقة، أن العلاقات بين البلدين، التي لا يبدو أنها احتلَّت موقعًا بارزًا في سُلَّم الأولويات السعودية إبَّان عهد الملك الراحل عبد الله، أصبحت موضع اهتمام خاص في الرياض منذ تولَّى الملك سلمان الحكم في يناير/كانون الثاني 2015. وتشمل عوامل التوتر في علاقات البلدين سلسلة من الأزمات، بما في ذلك الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي؛ الدور الذي تلعبه إيران عبر حلفائها في لبنان؛ والدعم الذي تقدمه إيران للحوثيين في اليمن؛ والمقاربة الإيرانية الطائفية للأقليات الشيعية في دول الخليج، وتزايد الاتهامات لطهران بدعم تشكيل خلايا مسلحة في البحرين والكويت؛ والتناقض بين موقفي الدولتين من الصراع على سوريا، المستمر منذ أعلنت السعودية موقفها الرافض لنظام الأسد في نهايات 2011.

قرار قطع العلاقات بين الدول، بالطبع، هو قرار دراماتيكي، ويصبح بالتأكيد أكثر أثرًا عندما يقع بين دولتين تعتبران قوتين رئيستين في إقليم يزدحم بالأزمات ذات الصلة المباشرة بسياسات الدولتين. وقد جاء القرار بعد توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، وقبل أسابيع قليلة من موعد رفع العقوبات الغربية عن إيران، الذي يُنظَر إليه باعتباره بداية تطبيع دور إيران الدولي، وعودة العلاقات الطبيعية بين إيران والدول الأوروبية، على الأقل. وليس ثمة شك أن الرياض، التي لم تعترض علنًا من قبل على الاتفاق النووي، لم تكن سعيدة بالطريقة التي تناولت بها إدارة أوباما الملف برمته، ولا موقفها من دور إيران الإقليمي، ولا السياسة الأميركية تجاه الأوضاع في العراق ولبنان وسوريا. وكان واضحًا أن واشنطن، التي تأمل بتعاون سعودي-إيراني لدفع عجلة الحلِّ السياسي للأزمة السورية، بصورة خاصة، فوجئت بقرار السعودية قطع علاقاتها مع إيران.

ولذا، فلابد أن يُنظر إلى خطوة قطع العلاقات مع طهران باعتبارها رسالتين، وليست رسالة واحدة؛ رسالة للنظام الإيراني وأخرى للحليف الأميركي. بمعنى أن السعودية لا تقول إنها ستعتمد سياسة مواجهة صريحة مع إيران وحسب، بل وإنها أيضًا لم تعد تثق بمظلة الحماية الأميركية وصلابة الاعتماد على سياسة واشنطن في المنطقة.

خلافات تركية-أميركية

أجرى نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، زيارة رسمية لتركيا يومي 22 و23 يناير/كانون الثاني. وبالنظر إلى أن تفاقم الملفات الإقليمية موضع اهتمام البلدين، وأن الزيارة تأتي بعد فوز العدالة والتنمية الكبير في انتخابات نوفمبر/نشرين الثاني 2015، وأنها قد تكون الزيارة الأخيرة لمسؤول أميركي على هذا المستوى إلى تركيا قبل نهاية ولاية أوباما في البيت الأبيض، كانت احتمالات الاتفاق والخلاف في مباحثات بايدن مع المسؤولين الأتراك موضع اهتمام كبير لمراقبي العلاقات التركية-الأميركية.

كرَّر بايدن خلال لقائه بقادة أتراك من البرلمان والمجتمع المدني انتقادات إدارة أوباما لما تراه من قيود على حرية التعبير في تركيا؛ وهو الأمر الذي استدعى قيام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتذكير بايدن بأن أحدًا لا يجب أن يساوي بين دعم الإرهاب وحرية التعبير. ولكن بايدن لم يتردد، سواء في لقاءاته غير الرسمية أو في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الحكومة التركية، أحمد داود أغلو، في وصف حزب العمال الكردستاني بالإرهاب، والتوكيد على أن تركيا تواجه خطرًا إرهابيًّا مزدوجًا من الحزب ومن تنظيم الدولة. وأشارت تقارير إلى أن الطرفين اتفقا على تعزيز تعاون البلدين في الحرب ضد تنظيم الدولة، لاسيما فرض رقابة صارمة على الحدود التركية-السورية. كما أشارت التقارير إلى أن الجانب الأميركي وافق مبدئيًّا على مقترح تركي لإيجاد حلٍّ للخلاف حول قاعدة التدريب العسكري التركية في بعشيقة العراقية، التي طالبت بغداد بإغلاقها وسحب القوات التركية من الأراضي العراقية. ويتضمن المقترح التركي وضع القاعدة ضمن جهود التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة، ووجود مراقبين عسكريين عراقيين في القاعدة بوصف العراق أحد الأطراف الرئيسة في التحالف.

إنْ وُضِع الخلاف حول مسألة حرية التعبير جانبًا، وهي التي لا تُعتبر مسألة جديدة أو ذات تأثير كبير على علاقات البلدين الحليفين في الحلف الأطلسي، على أية حال، فلابد أن تُعتبر زيارة بايدن تطورًا إيجابيًّا في هذه العلاقات، التي شابها بعض التوتر وعدم الوضوح خلال العامين الماضيين. ولكن الحقيقة أن زيارة بايدن أعادت التوكيد على واحد من أهم أسباب الخلاف بين أنقرة وواشنطن: الدور الكردي في سوريا. من زاوية نظر الحكومة التركية، لا يوجد فارق بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وحزب العمال الكردستاني في تركيا. الأول، كما قال داود أغلو في 23 يناير/كانون الثاني، هو فرع للثاني، وقد باتت سوريا مصدر معظم السلاح الذي يقاتل به العمال الكردستاني الدولة التركية. وبالنظر إلى التوافق بين الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد على تقاسم الأدوار في منطقة شمال غربي سوريا، وإلى العلاقات المتزايدة بين الحزب والقوات الروسية في سوريا، تعتبر أنقرة الاتحاد الديمقراطي ليس خطرًا على تركيا وحسب، بل وخطرًا إقليميًّا، يهدد دور تركيا في سوريا.

المشكلة، أن الولايات المتحدة لا ترى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا كما تراه تركيا؛ بل إن واشنطن لم ترَ مانعًا من التعاون العسكري مع قوات الاتحاد الديمقراطي (وقوات حماية الشعب، التابعة له)، ودعمه عسكريًّا ولوجستيًّا في الحرب ضد تنظيم الدولة. وليست هذه بسياسة أميركية طارئة، بل هي سياسة مستمرة منذ معركة عين العرب (كوباني) في 2013، على الأقل. ما حدث في الشهور القليلة الماضية أن التعاون الأميركي للاتحاد الديمقراطي ودعمه قد تصاعد، بعد أن أصبحت قوات الحزب تمثِّل العمود الفقري لما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية المناهضة لتنظيم الدولة. وتشير تقارير إلى أن القوات التابعة للاتحاد الديمقراطي تجهز قاعدة جوية سورية قريبة من القامشلي لاستخدام الأميركيين.

بدايات متعثرة للمباحثات حول سوريا

عقد المبعوث الأممي لسوريا، ستيفان دي مستورا، مؤتمرًا صحافيًّا يوم 25 يناير/كانون الثاني، اليوم الذي كان يُفترض أن تبدأ فيه المباحثات بين النظام السوري وقوى المعارضة لإيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السورية. اعترف دي ميستورا بالصعوبات التي منعت بدء المفاوضات في وقتها، وأعلن أنه سيقوم في اليوم التالي، 26 يناير/كانون الثاني، بتوجيه الدعوات للأطراف المعنية، وأن المباحثات ستنطلق أخيرًا بجنيف، يوم الجمعة 29 يناير/كانون الثاني. ويعتقد أن إعلان دي ميستورا جاء بعد صدور الإشارة الخضراء من وزيري الخارجية الأميركي كيري والروسي لافروف، سيما بعد أن أجرى الأول سلسلة من الاتصالات الهاتفية بنظرائه في روسيا وتركيا والسعودية خلال الساعات التي سبقت مؤتمر دي مستورا الصحفي.

بيد أن إعلان المبعوث الأممي عن موعد مباحثات جنيف لم يُخفِ التعقيدات التي لم تزل تحيط بمساعي الحل السياسي للأزمة السورية. لم يوضح دي مستورا قائمة أسماء من سيُدعَوْن للمباحثات من المعارضة؛ ولم يكن محددًا في حديثه عن جدول أعمال المباحثات وهدفها النهائي؛ ولا قدَّم إجابة صريحة لما تراه قوى المعارضة السورية من ضرورة لتطبيق إجراءات بناء الثقة قبل انطلاق التفاوض. الحقيقة، أن حديث دي مستورا حمل إشارات ضمنية كان لابد أن تثير الكثير من القلق لدى المعارضة السورية، مثل ضرورة الذهاب للمباحثات بدون شروط مسبقة، واعتقاده أن قرار مجلس الأمن الخاص بالأزمة السورية، القرار 2254، قد منحه حق وضع اللمسات الأخيرة على وفد المعارضة.

المسألة الأساسية أن موقع دي مستورا يكتسب قوته ليس من التفويض المجرد من مجلس الأمن، بل من التوافق الأميركي-الروسي. قضى دي مستورا فترة طويلة ممثِّلًا أمميًّا لسوريا، ولكنه لم يبدأ في إحراز تقدم ملموس إلا بعد بياني فيينا الصادرين في 30 أكتوبر/تشرين الأول و14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، اللذين عكسا التوافق الأميركي-الروسي على بدء مباحثات المعارضة والنظام، وصدور قرار مجلس الأمن 2215  الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015، الذي منح التأييد والشرعية الدولية للتوافق الأميركي-الروسي. روسيا، كما اتضح طوال مراحل الأزمة السورية، مثَّلت نظام دمشق ودافعت عن وجوده واستمراره. والمفترض أن الولايات المتحدة تقف خلف المعارضة، وتدفع في اتجاه تغيير ديمقراطي في سوريا. المشكلة، أن شيئًا من الغموض والتردد شاب الموقف الأميركي في الشهور القليلة السابقة على بدء مباحثات جنيف.

ما إن بدا واضحًا أن الأزمة السورية تتجه نحو مفاوضات بإشراف دولي بين النظام والمعارضة حتى بادرت المملكة العربية السعودية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لعقد مؤتمر في الرياض، ضمَّ طيفًا واسعًا من قوى المعارضة السياسية والعسكرية، لحل مشكلة التمثيل الموحَّد للمعارضة. خرج المؤتمِرون باتفاق على تشكيل هيئة عليا للتفاوض، تقوم بالإشراف على العملية التفاوضية وتُسمِّي الوفد المفاوض للمعارضة. وبالرغم من أن كافة الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، رحَّبت بمؤتمر الرياض ونتائجه، إلا أن روسيا، التي تدعم معارضين آخرين، وأسَّست لعلاقات وثيقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، اعتبرت أن الهيئة العليا للتفاوض لا تمثِّل كل أطياف المعارضة وأنها تضم عناصر من مجموعات إرهابية. في الأيام القليلة السابقة على بدء المفاوضات، ستشكل هذه المسألة واحدة من أبرز العثرات في الطريق إلى جنيف.

في 23 يناير/كانون الثاني، عقد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لقاءً مهمًّا مع رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للتفاوض، في العاصمة السعودية الرياض. طبقًا لمصادر المعارضة السورية، لم يحمل اللقاء ما يُطمئن المعارضين السوريين. قال كيري في اللقاء: إن دي ميستورا قد يدعو معارضين آخرين للمباحثات؛ وإن المباحثات لابد أن تبدأ بغضِّ النظر عن تطبيق النظام والروس لإجراءات بناء الثقة، مثل رفع الحصار عن المناطق المحاصرة ووقف قصف المدنيين؛ وإن الأسد سيبقى رئيسًا خلال الفترة الانتقالية ومن حقه المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ستتلو نهاية المرحلة وكتابة دستور جديد؛ وإن الهدف الأساسي للمفاوضات الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. وطبقًا للمصادر نفسها، لم يُشِرْ كيري أبدًا طوال ساعتي اللقاء إلى “هيئة حكم انتقالية، كاملة الصلاحيات”، التي وردت في بيان جنيف الأول بين الولايات المتحدة وروسيا في صيف 2012، الذي تعتبره المعارضة المرجعية الأولى لعملية التفاوض. استخدم كيري في لقائه مع حجاب لغة تهديدية، بما ذلك التلويح بأن عدم الذهاب إلى جنيف سيؤدي إلى إيقاف المساعدات الأميركية للمعارضة.

خلال اليومين التاليين، تسرَّبت محتويات اللقاء إلى العلن؛ فصدرت ردود فعل غاضبة من أوساط المعارضة السورية، السياسية والعسكرية على السواء. يُعتقد بأن السعودية وتركيا سارعتا إلى بذل ضغوط جديدة على الأميركيين؛ وهذا ما أدَّى إلى أن يعقد مايكل راتني، المبعوث الأميركي إلى سوريا، لقاءات مع عدد من قيادات المعارضة السورية، وإصدار بيان على موقع السفارة الأميركية في سوريا، 26 يناير/كانون الثاني، لتوضيح الموقف الأميركي. قال راتني في بيانه: إن الولايات المتحدة ترى أن الهيئة العليا للمفاوضات هي التي تمثِّل المعارضة السورية؛ وأنها لا تقبل مفهوم حكومة الوحدة الوطنية على النحو الذي يطرحه النظام وبعض الجهات الأخرى (يقصد إيران وروسيا)؛ وأن إقامة هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة وبموافقة متبادلة هي الطريق الوحيد لحل دائم في سوريا؛ وأن السلام لا يمكن أن يتحقق مع سعي بشار الأسد للتمسك بالسلطة؛ وأن ترتيبات الحكم الانتقالي تتطلب موافقة متبادلة؛ وأنه في حال تسبب النظام بإفشال عملية التفاوض فإن المعارضة ستحظى بدعمنا.

اعتبرت لجنة المفاوضات العليا، المجتمعة في الرياض بصورة دائمة منذ ما بعد لقاء حجاب وكيري، أن التوضيحات الأميركية تبعث على الاطمئنان؛ ولكن تلك التوضيحات لم تكن كافية لتذليل كافة العقبات في الطريق إلى المفاوضات. الأهم، أن رسالة كيري للمعارضة السورية، حتى بعد توضيحات راتني، عززت الشكوك في الرياض وأنقرة في المراهنة على موقف الحليف الأميركي.

مسائل الخلاف

أصبح واضحًا، قبل ساعات من توجيه دي مستورا الدعوات لأطراف التفاوض، أن هناك عددًا من مسائل الخلاف التي قد تمنع انطلاق العملية في 29 يناير/كانون الثاني:

من سيقرِّر دي مستورا دعوتهم من جانب المعارضة.

حقيقة الموقف الدولي من إجراءات بناء الثقة.

ما إن كان هدف المفاوضات تشكيل هيئة حكم انتقالي، كاملة الصلاحيات، أم أن الهدف أصبح أكثر تواضعًا ويتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل بقاء الأسد على مقعد الرئاسة.

وما إن وجَّه دي مستورا الدعوات بالفعل، مساء يوم 26 يناير/كانون الثاني، حتى انكشف المشهد عن التالي:

وجه دي مستورا الدعوة للهيئة العليا للتفاوض، داعيًا إيَّاها لتسمية وفد المعارضة لجنيف، ولكن دي مستورا قام بخطوة أخرى لترضية الجانب الروسي، عندما وجَّه الدعوة لعشر شخصيات سورية أخرى، بصفتها الفردية، كمستشارين للمبعوث الأممي. وأفادت مصادر مكتب دي مستورا أن مقر هذه الشخصيات الاستشارية سيكون على الأرجح زيورخ وليس جنيف. تضم هذه الشخصيات أسماء مثل الكردي، الماركسي السابق، المقيم في موسكو، قدري جميل، والعلوي فاتح جاموس، ومازن مغربية، وهيثم منَّاع، وجميعهم من المقربين لموسكو. كما تضم الشخصية العشائرية عباس حبيب؛ إلى جانب النشطة في المجمتمع المدني رندة قسيس، والناطق السابق باسم الخارجية السورية جهاد مقدسي، وماجد حبو، وثلاثتهم من خلفية مسيحية. إضافة إلى سليم خير بك والممثل جمال سليمان، وكلاهما من خلفية علوية. وفي استجابة أخرى لتهديدات تركية بأن دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ستؤدي إلى تراجع أنقرة عن دعم مفاوضات جنيف، لم يوجِّه دي مستورا الدعوة لرئيس الحزب، صالح مسلم، الذي ترددت شائعات حول احتمال دعوته.

حدَّد دي مستورا الدعوة للمفاوضات على أساس بيانَيْ فيينا الصادرين في 30 أكتوبر/تشرين الأول و14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقرار مجلس الأمن الدولي 2215، الصادر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015. ولم تأتِ الإشارة إلى بيان جنيف 2012 إلا في صورة غير مباشرة، عندما نصَّت الدعوة على أن مهمة المبعوث الدولي ستكون “تسيير مباحثات حول عملية الانتقال السياسي بشكل عاجل عملًا ببيان جنيف وتماشيًا مع بيان فيينا الصادر عن الفريق الدولي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015”. كما ذكرت رسالة الدعوة أن المخرجات المحددة للعملية التفاوضية هي “إقامة حُكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على أسس طائفية، وجدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وانتخابات حرة ونزيهة تُجرَى عملًا بالدستور الجديد في غضون 18 شهرًا، تحت إشراف الأمم المتحدة”. بمعنى، أن دي مستورا لم يستخدم مصطلح “هيئة حكم انتقالي، كاملة الصلاحيات”، ولكنه أدخل مصطلحًا جديدًا: “حكم ذي مصداقية، يشمل الجميع …”.

أمَّا فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة، فقد اعتبرتها رسالة الدعوة، إضافة إلى سيناريوهات وقف إطلاق النار، موضوعًا للمشاورات الأولية التي ستجري بصورة غير مباشرة في اللقاء الأوَّلي، وليست خطوات يُفترض أن تطبَّق قبل بدء العملية التفاوضية.

بخلاف مسألة وفد المعارضة، التي يبدو أنها اعتُبرت نصرًا حقيقيًّا للهيئة العليا للمفاوضات، على أساس أن المبعوث الدولي سمَّاها جهة وحيدة لتمثل قوى المعارضة وأن لها الحرية في تشكيل وفدها في جنيف (بالرغم من احتمال وجود ضغوط سرية على الهيئة لتغيير بعض أسماء الوفد المفاوض)، أثارت المسائل الأخرى المتعلقة بهدف العملية والتساهل في إجراءات تطبيق الثقة قلقَ الهيئة العليا للمفاوضات. وهذا ما أدَّى بالهيئة إلى توجيه رسالة إلى دي مستورا وأخرى للأمين العام للأمم المتحدة، يوم 27 يناير/كانون الثاني، تطلب فيها توضيحات حول المسألتين. بانتظار هذه التوضيحات، لم تعلن الهيئة بصورة قاطعة بعد مشاركة وفدها في المفاوضات.

بديل عن الضمانة الأميركية

تندرج الأحداث الثلاثة: قطع العلاقات السعودية-الإيرانية، وزيارة بايدن لأنقرة، ومحادثات جنيف حول الأزمة السورية، في منطق واحد؛ فالسعودية وتركيا والمعارضة السورية، يعتقدون أن مصالحهم لم تعد تجد المراعاة المنشودة من القوى الغربية، بل إن هذه القوى الغربية باتت، من أجل قتال تنظيم الدولة والقاعدة، أقرب إلى الاتفاق مع خصومهم في طهران وموسكو ودمشق، وليس قطع السعودية علاقاتها إلا اعتراضًا على قبول الغرب بدور إيراني متزايد في شؤون المنطقة، وليست زيارة بايدن إلا محاولة لإقناع تركيا بقبول أكراد سوريا شريكًا في الحرب على تنظيم الدولة، وليست محادثات جنيف إلا محاولة أميركية غربية للتقرب من المحور الإيراني-الروسي على حساب الثورة السورية.

ولعل الأزمة السورية تعد الميدان الرئيسي لهذه الصراعات، فلقد تحولت القضية السورية خلال السنوات الخمس الماضية من ثورة شعب من أجل الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد، سلْمًا في البداية، ثم حركة مقاومة مسلحة بعد أشهر من انطلاقها، إلى ساحة صراع إقليمي، ومجال تدخلات دولية حثيثة. ولم يكن ثمة مفر، في النهاية، من تداخل المحلي بالإقليمي، وارتباط كليهما بالبُعد الدولي؛ بل إن الدولي أصبح العامل الأكثر أثرًا في مجريات الأزمة منذ بدأ التدخل العسكري الروسي في نهاية سبتمبر/أيلول 2015. ولم يكن ممكنًا، بالتالي، أن يبرز الحل السياسي للأزمة خيارًا جادًّا، وأن تبدأ الاستعدادات لعقد مباحثات جنيف، لولا التفاهم الأميركي-الروسي في لقائي فيينا نهاية 2015.

المشكلة أن التفاهم الأميركي-الروسي حمل منذ البداية تراجعًا في الموقف الأميركي من الأزمة، حتى عمَّا أعلنه ووقَّع عليه مسؤولون أميركيون من قبل. لم يعد الموقف الأميركي واضحًا من تشكيل هيئة حكم انتقالي، كاملة الصلاحيات، لتقود المرحلة الانتقالية في سوريا، ولا من مستقبل ودور بشار الأسد في حكم سوريا. وربما يمكن القول: إن تحول المقاربة الأميركية من العمل على انتقال سوريا إلى حكم حُرٍّ، ديمقراطي، وغير طائفي، إلى الحرب على تنظيم الدولة، أدَّى إلى متغيرات تدريجية وحثيثة في الموقف الأميركي من الصراع المحتدم على سوريا ومستقبلها، بما في ذلك الموقف الأميركي من التدخل الروسي العسكري في الصراع.

لم يكن خافيًا، سواء لقوى الثورة السورية، السياسية والعسكرية، أو للدول المؤيدة للشعب السوري، مثل: تركيا والسعودية وقطر، منذ الشهور الأولى للثورة، أن ثمة خلافًا مع إدارة واشنطن تجاه الموقف من سوريا. رفضت واشنطن، مثلًا، التدخل العسكري المباشر، عندما كانت حظوظ هذا التدخل كبيرة في وضع نهاية للأزمة؛ ورفضت السماح بتزويد الثوار السوريين بسلاح نوعي لمواجهة بطش آلة النظام العسكرية؛ كما رفضت تأييد إقامة شريط آمن لحماية اللاجئين السوريين. ولكن، وبالرغم من ترحيب أغلب القوى السورية، وتركيا والسعودية وقطر، بمشروع الحل السياسي-التفاوضي، لا يبدو أنها علَّقت كثيرًا على التراجعات الأميركية في التفاهمات الأميركية-الروسية في فيينا. الآن، وقبل أيام على انطلاق العملية التفاوضية، تبرز هذه التراجعات حجر عثرة أمام بداية صحيحة ومتكافئة وباعثة على الأمل للمفاوضات.

الأرجح، وبالرغم من أن الهيئة العليا للتفاوض لم تستلم الرد الأممي على استفساراتها بعد، أن الهيئة ستذهب في النهاية إلى جنيف، وأن مفاوضاتٍ ما ستنطلق. والمشكلة أن الهيئة لا تدرك، كما يبدو، مصادر قوتها وأنها بالفعل تستطيع أن توقف المفاوضات قبل بدايتها. ولكن، ومهما كان الأمر، يبدو أن حظوظ نجاح مفاوضات جنيف لا تزيد كثيرًا عن حظوظ فشلها. المسافة بين الطرفين لم تزل شاسعة، والتغييرات التي وقعت، مهما بدت طفيفة ولغوية، في أهداف عملية التفاوض، إضافة إلى التدخل الروسي العسكري، تشجعِّ النظام على الاعتقاد أن بإمكانه المحافظة على وجوده. وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، وجود أغلبية سورية معارضة تقبل بأن يكون نظام الأسد جزءًا من مستقبل البلاد.

من جهة أخرى، لم يعد ثمة شك في أن سوريا أصبحت لدول مثل تركيا والسعودية إحدى أهم ساحات تجلي التوازن الإقليمي، وواحدة من أبرز معايير قياس الموقف الأميركي في المشرق. وتبدو مراوحات واشنطن بين عدم الوضوح في الموقف من سوريا، تارة، والتراجع عن مواقف مسبقة، تارة أخرى، سببًا إضافيًّا في عدم الاطمئنان للحليف الأميركي. وربما يمكن القول: إن حلفاء واشنطن في المشرق ارتكبوا خطأً كبيرًا عندما وافقوا على الاندراج في الحرب ضد تنظيم الدولة، بدون أن يحصلوا على موقف أميركي أكثر وضوحًا والتزامًا في سوريا. وإلى أن تُسلَّم مقاليد البيت الأبيض لإدارة جديدة، واتضاح ما إن كانت مقاربة إدارة أوباما لشؤون الشرق الأوسط مرحلية أو استراتيجية، فالأرجح أن عدم الاطمئنان هذا سيتعمق. السؤال الأهم في هذا السياق هو ما إن كانت دول مثل تركيا والسعودية، والدول الأخرى الصديقة لهما في الإقليم، ستستطيع إقامة تحالف إقليمي يحمي مصالحهما، بغضِّ النظر عن الموقف الأميركي؟

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 

“لكم سورية ولنا إيران”… ماذا عن الأسد والمعارضة؟/ جورج سمعان

أن تعلن المعارضة السورية وفداً للمفاوضات تدرك سلفاً أنه لن يكون مقبولاً يعني أنها تبعث برسالة إلى روسيا. عنوانها أنها لم تستسلم بعد. لن ترضخ للضغوط والمساومات بين موسكو وواشنطن. ولن تنتظر أن يسمي المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ممثليها إلى «جنيف 3». ليس المقصود بخيارها المتشدد أن تطيح المفاوضات. فهي تريد أيضاً المساومة حيال تهديد الكرملين وخياراته وبدائله الجاهزة والمعلنة. أي أن اختيارها هذه الأسماء ليس نهائياً. فإذا تقدم الآخرون خطوة نحوها تقدمت هي نحوهم بتبديل في تشكيلتها. إنها تخبئ أسماء أخرى. يعني أنها تحمل بيد وفداً متشدداً وباليد الأخرى وفداً معتدلاً. لكنها لا يمكن في نهاية الأمر أن تتجاهل توافق الأميركيين والروس وبعض المعنيين الآخرين مباشرة ورغباتهم، خصوصاً في وجوب حضور «الاتحاد الديموقراطي الكردي» لما له من تمثيل على الأرض يكاد يوازي عملياً حضور الفصائل الإسلامية المعتدلة و «الجيش الحر». إضافة إلى أن الكرملين والبيت الأبيض يراهنان على ذراعه العسكرية، «قوات حماية الشعب»، أداة رئيسية في المواجهة مع التنظيمات الإرهابية من «داعش» إلى «جبهة النصرة». فضلاً عن وجوب حضور «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» برئاسة قدري جميل، و «مجلس سورية الديموقراطي» برئاسة هيثم مناع. والأخيران من رموز مؤتمري موسكو والقاهرة.

يستند «الائتلاف الوطني» وشركاؤه في مؤتمر الرياض في المساومة والمواجهة مع موسكو إلى «الأصدقاء». والواضح تماماً أمامه أن المعنيين بالأزمة السورية لا يتحركون في إطار قراءته للتسوية السياسية أو لبيان «جنيف 1». فهو لم يكن حاضراً لا في لقاءي فيينا وما خرجا به من قرارات، ولا في مجلس الأمن عندما أصدر بالإجماع القرار 2254. القراءة الدولية للبيان هي الإطار ولا مناص من التحرك في هذا الإطار. والواقع أن خيارات الائتلاف ضيقة جداً: إما التسوية السياسية التي يرسمها الرئيس فلاديمير بوتين بتفاهم ضمني مع نظيره الأميركي باراك أوباما، وإما الحل العسكري على الطريقة الروسية التي تتحرك على أساس لائحة واحدة للحركات الإرهابية، لائحتها هي فقط لا غير مهما صدر من اعتراضات ومناشدات من هنا وهناك لم تلق حتى الآن آذاناً صاغية! خلاصة القول إن المعارضة لم تعد تملك باعاً سياسية طويلة يمكنها فرض أجندتها أو قراءتها لمسار الحل أو المرحلة الانتقالية وشكل الهيئة التي ستدير هذه المرحلة. كل شيء رسمه الآخرون في الخارج ودعوها إلى المشاركة. كذلك الأمر على الصعيد الميداني. لم يعد مجال للرهان على خروج الروس من سورية بعدما منحهم النظام قواعد ثابتة ودائمة في البلاد. وبالتالي بات الحديث عن خيار الحسم العسكري مستحيلاً. وهو في الأصل قبل التدخل الروسي لم يكن أحد يتوقع مثل هذا الخيار، لا من جانب النظام ولا من جانب خصومه. ليس هذا فحسب، فالفصائل المعتدلة التي تقاتل النظام تواجه اليوم الآلة الروسية. وتواجه أيضاً التنظيمات الإرهابية. قد تجد نفسها غداً في مواجهة مع «الإدارة الذاتية» لمناطق الكرد. وهؤلاء لديهم قوة عسكرية لا يستهان بها ستتعزز بوجود القاعدة الأميركية التي ستنشأ في شمال البلاد، في محافظة القامشلي. فكيف يفاوض المعارضون ويدهم السياسية قصيرة والذراع العسكرية للآخرين أقوى؟

أما أن تهدد المعارضة بالتخلف عن الحضور إلى جنيف فتلك أمنية الرئيس بشار الأسد الذي لا تعنيه المفاوضات لا من قريب ولا من بعيد. من دون أن يعني ذلك أن مستقبله بات مضموناً أكثر من أي وقت مضى بعدما أخذت روسيا على عاتقها إدارة مسرح العمليات. واستعادت قواته بعض المعنويات. واطمأن أهل الساحل ومجموعات ومكونات من طوائف أخرى تمسكت بالنظام إلى أمنها ومصيرها. هذا ليس كل شيء. فهو يدرك أن البيئة الشعبية التي وقفت معه تعاني من الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وتراقب بنقمة قلةً من المحيطين تدير اقتصاد حرب وتراكم ثروتها على حساب الناس وقوتهم اليومي. وهذه بلا شك ترى إلى فلاديمير بوتين «رئيساً». مثلما ترى إليه مكونات أخرى في الوسط السني وغيرها منقذاً لها من سطوة الإيرانيين وميليشياتهم، وسطوة الحركات المتشددة… وإن كانت لا تخفي غضبها من رأس النظام الذي أخرج البلاد من احتلال إلى احتلال. فضلاً عن القتل والتهجير والتدمير. ويدرك الرئيس السوري أيضاً أن تفاهم الكبار وإطلاق يد روسيا في التسوية لن يمرا من دون ثمن. وهذا مبعث قلق دائم له أين منه مخاوفه السابقة من المعارضة. وسواء أجريت انتخابات أم لم تُجر فإن سيد الكرملين يبقى هو المرجع أو الناخب الأكبر. وقد لا يخذل أهل النظام وليس الأميركيون وحدهم حين يحين الاستحقاق. وحتى إيران المرتابة قد تسير في ركب التخلي عنه إذا توافرت لها الضمانات المطلوبة. فماذا يتغير إذا تولى القيادة رأس من أهل السنة وظلت إمرة الجيش لأهل الساحل العلوي مثلاً؟

لا تجري الريح بما تشتهي سفن المعارضة. فحتى عندما تتحدث عن إجراءات لبناء الثقة، عندما تطالب برفع الحصارات ووقف سياسة التجويع ورد البراميل المتفجرة وإطلاق الموقوفين ومنع سياسة التهجير وتغيير الديموغرافيا وتسهيل إيصال المساعدات ووقف البراميل… يرفع الروس وغيرهم بوجهها شعار رفض الشروط المسبقة. كأن هذه المطالب لم تنص عليها ستة قرارات وقعها الكبار في مجلس الأمن! لا يتوقف الأمر عند هذا الحد. موسكو تبدو مصممة على المضي في عقد «جنيف 3» بشروطها المسبقة هي. فما لم يستجب «أهل مؤتمر الرياض» ويعيدوا النظر بأسماء وفدهم إلى المفاوضات والقبول بوفد مختلط ستدفع بوفد آخر اختارته ولم تعد أسماء أعضائه سراً. لعلها تراهن على إحراجهم فإخراجهم. عندها تنفتح الطريق أمامها لمواصلة سياسة الأرض المحروقة. وتتخلص من إحراجات اتهامها باستهداف الفصائل المعارضة بدل تركيز الحرب على تنظيمي «داعش» و «النصرة». وتمضي قدماً في تسوية لا تتجاوز قيام حكومة موسعة بديلاً من الهيئة الحاكمة الكاملة الصلاحيات، تشرك فيها من تعده مطواعاً أو حليفاً. ولعلها تراهن هنا على وهن «الائتلاف الوطني» وشركائه، مما يسهل ضرب صفوفه وشقها، ومغازلة بعض القوى العسكرية وطمأنتها لضرب الفصائل وزعزعة صفوفها المهتزة أصلاً. عندئذ لن يكون أمام المعترضين سوى اللحاق بركب القطار… أو إحالتهم إلى «لائحة قوى الإرهاب»!

أحد أكبر العوامل في مأساة المعارضة السورية أن التحولات الجذرية في المشهد الاستراتيجي الإقليمي هي جزء من تحولات كبرى على مستوى العلاقات الدولية والنظام الدولي قيد التشكيل. وما دام أن الأزمة السورية تحولت باكراً عنصراً أساسياً في الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، فإن مآل تسويتها سيبقى بأيدي الكبار وتفاهماتهم وتبادل مصالحهم هنا وهناك. ولا يجدي «الائتلاف» أن يشعر بأن الأميركيين خذلوه. إنه شعور كثيرين من أهل الإقليم الذين كانوا لعقود شركاء أساسيين للولايات المتحدة. فليس سراً رهان هذه على إيران. بل لعلها تعد لمقايضة أو تفاهم مع روسيا: لكم بلاد الشام ولنا الجمهورية الإسلامية! لا يعود بعدها همٌّ ماذا يبقى للأسد وماذا يبقى لخصومه. مصير المعارضة السورية لا يعني روسيا لا من قريب ولا من بعيد ما دام الكرملين لا يعير اهتماماً أو وزناً لمعارضته هو في الداخل. والأهم أن هذا المصير لم يعد ولم يكن أساساً الشغل الشاغل لواشنطن وشركائها الغربيين. إنها الحرب على إرهاب بعثته «دولة الخلافة» مجدداً، فتجددت حركاته وتنظيماته ووسعت دائرته في كل القارات. كأنها في سباق أو تنافس في القتل والأعمال الوحشية. لم يعد مكان آمناً لا في الشرق ولا في الغرب. ففي مقابل الحرب الدولية على «داعش» يشن الإرهاب حرباً دولية، وإن اختلفت الأهداف والظروف بين تنظيم وآخر.

أمام هذه المعطيات، لا يبقى أمام المعارضة السورية سوى تقديم مزيد من التنازلات. ولن تعدم الديبلوماسية الدولية في إيجاد مخارج لإطلاق «جنيف 3» خلال يومين أو ثلاثة. فماذا لو قدم «أهل مؤتمر الرياض» لائحة معتدلين»؟ وماذا لو ارتضت روسيا بممثلين من لائحتها أعضاء في الهيئة الاستشارية للوفد المفاوض؟ وماذا لو ترك الأمر للمبعوث الدولي؟ فهل يملك الصلاحية أو القدرة على الاختيار بدل أن يظل ينتظر الفرج من واشنطن وموسكو وهو يعلم أن عيونهما تنظر أبعد من بلاد الشام وهي تراقب الرئيس الصيني يجول في المنطقة!

الحياة

 

 

 

 

 

مؤتمر جنيف الثالث/ زيـاد مـاجد

وجّه الزملاء في مجموعة “الجمهورية” نداءً الى المعارضة السورية مطالبين إيّاها بعدم الذهاب الى مؤتمر جنيف الثالث، حيث يسعى ما يُسمّى “مجتمعاً دولياً” الى تصفية القضية السورية ويتصرّف على نحو يؤّكد عقليّته الكولونيالية، إن من خلال استمرار تدخلّ دوله الكبرى العسكري في سوريا بحجّة “محاربة الإرهاب”، أو من خلال مواقف أطرافه المؤثّرة المعادية لحرّية السوريّين وكرامتهم والمفضِّلة التعامل مع جهاز يضبطهم ويقتلهم منذ سنوات.

وأشار النداء، المنشور الثلاثاء، الى افتقاد جنيف الثالث “أدنى مقوّمات العملية السياسية الحقيقية، إذ لا سياسة في أن يُفرض على أحد طرفَي المباحثات المفترضة كل شيء، بما في ذلك كيفية تمثيله لنفسه، في حين لا يُطلب من النظام أدنى إجراء لإثبات استعداده لعملية سياسية”.

وقد أيّد مثقّفون وناشطون سوريّون هذا النداء وكتبوا في وسائل التواصل الاجتماعي رسائل تدعو لعدم المشاركة في المؤتمر المرعيّ أميركياً وروسياً. وليس جليّاً تماماً بعدُ موقف المعارضة وداعميها الإقليميّين الثلاثة، السعودية وتركيا وقطر، من الموضوع، خاصة أن ضغوطاً أميركيةً تُمارس عليهم لإلزامهم بالمشاركة والتخلّي عن شروطهم، وأهمّها وقف الغارات الجوية والقصف ورفع الحصار التجويعي عن مناطق كثيرة والإفراج عن معتقلين والتأكيد على مقرّرات مؤتمر جنيف الأول لجهة تشكيل هيئة حكم إنتقالي (وليس حكومة وحدة وطنية)، إضافة الى عدم التدخّل بتشكيل وفد المعارضة من قبل روسيا ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، إن جرى التوافق على رفض الذهاب الى المؤتمر، هو ماذا ستخسر “المعارضة” وبماذا “سيعاقبها” الأميركيون؟

تميل الإجابةُ الى اعتبار الخسائر من عدم الذهاب محدودةً بالنظر الى ما يُرافق المؤتمر أصلاً من تطوّرات على الأرض، وبالنظر الى الخسائر السياسية الفادحة إن جرى الذهاب ثم الدخول في “حوار” وِفق القواعد الروسية التي لا تُبدي واشنطن أي حزمٍ في رفضها.

فعلى الصعيد الميداني، لم يعد بمقدور أحدٌ التهديد بالمزيد من التدخّلات لصالح الأسد بعد مضيّ أربعة أشهر على بدء العدوان العسكري الروسي، وبعد وصول العدوان الإيراني بواسطة الميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية الى ذروته. وهذان العدوانان، الروسي والإيراني، مستمرّان أصلاً بمعزل عن اجتماع جنيف في ظلّ ادّعاء موسكو، وصمت الآخرين، أن للأمر صلةً بالإرهاب وأن قرار مجلس الأمن الأخير يَفصل “قتال الإرهابيين” عن باقي السياقات الحربية.

وعلى الصعيد السياسي، لن يكون هناك أسوأ من القبول بسياسيّين تسيّرهم موسكو بوصفهم معارضين ذوي صدقية إلّا التشارك في حكومة “وحدة وطنية” مع بشار الأسد، بما يمنحه أوسع مشروعية سياسية وأهمّ صلاحيات أمنية، في مرحلةٍ يعرف الجميع أن الأجهزة العسكرية والأمنية فيها ستبقى – إن بقيَ الأسد ومن خلفه الروس والإيرانيين – أدوات قتل وتعذيب للمعارضين ولعموم السوريين المتمرّدين.

أكثر من ذلك، يمكن القول إن الذهاب الى جنيف من دون وقف النار (على الأقلّ) سيؤدّي الى انقطاع الصلة بين المفاوضين السياسيّين ومعظم القوى المقاتلة على الأرض بما يجعل أي اتفاقات بلا طائل ويزيد من تشتّت المعارضة.

لهذا كلّه، وبعد تجربتَي جنيف الأولى والثانية وبعد تجارب لقاءات فيينا ونيويورك، وبناءً على تجارب مريرة مشابهة (لا سيّما تلك التي خاضها الفلسطينيون على مدى عقدين من الزمن)، لم يعُد لأي اجتماعات أو مفاوضات جديدة جدوى ما لم تكن شروطها واضحة، وما لم يرافقها وقفٌ لجرائم الحرب ولانتهاكات مواثيق الأمم المتّحدة والقانون الدولي الإنساني.

وفي أي حال، يُفيد التفكير اليوم بالذات، بمناسبة الدعوة لجنيف وعشية الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة، في سبُل إطلاق حملة إعلامية كبرى في الصحف العالمية ووسائل الإعلام للتركيز على ثوابت الكفاح السوري والدعوة لاعتصامات ومظاهرات داخل سوريا وحول العالم رفضاً لمحاولات تحويل قضية السوريّين الى مسألة تقنية والى تغييب كفاحهم خلف شعار “الحرب على الإرهاب” المقيت.

قد يكون لاستحقاق جنيف الثالث فضل وحيدٌ هو إعادة التواصل بين مكوّنات سورية عدّة وإطلاق نقاشات غابت في الآونة الأخيرة. ليُستفَد من الأمر إذاً، وليُقَل لا لإملاءات موسكو ولِوضاعات كيري ودي مستورا وأضرابهما.

موقع لبنان ناو

 

 

 

روسيا في سورية… حكاية الأهداف والحدود/ رياض طباره

عندما تسلّم الرئيس فلاديمير بوتين حكم روسيا، أراد أن يعيد إليها مجدها أيام الاتحاد السوفياتي الذي وُصِف انهياره بـ «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين». محاولاته الأولى كانت في سبيل إنشاء الاتحاد الأوراسي ليضم كل الجمهوريات التي، مع الاتحاد الروسي الحالي، كانت تشكل الاتحاد السوفياتي. المواجهة التي حصلت في أوكرانيا أوصلته إلى العقوبات الاقتصادية المؤلمة التي فرضتها الدول الغربية على بلده.

توقف الحلم الأوراسي موقتاً بعد أن وصلت الأمور إلى حافة الهاوية، وجاء دور تأمين موطئ قدم في البحر المتوسط الذي يعتبر ضرورياً لروسيا كدولة عظمى. كانت للاتحاد السوفياتي في ذروته أربع دول صديقة، بل حليفة حول المتوسط: الجزائر وليبيا ومصر وسورية. لم يعد لروسيا اليوم سوى القاعدة البحرية الصغيرة قرب طرطوس التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي، لذلك فلا مجال للتخلي عنها بل يجب تثبيت موطئ القدم هذا وتوسيعه إذا أمكن.

القوة الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه هذا التوجه هي طبعاً الولايات المتحدة. لكن أميركا كانت تحاول الخروج من حربين مكلفتين وغير محسومتين، في العراق وأفغانستان، عندما تولى رئاستها باراك أوباما الذي وعد حينذاك أن يسحب جيوشه من هاتين الدولتين. كانت الثورة اندلعت في سورية في آذار (مارس) 2011، وتحولت إلى ثورة مسلحة بعد نحو أربعة أشهر، لكن الرئيس أوباما سحب جيشه من العراق في آخر العام نفسه قبل أن يقضي بالكامل، بمساعدة عشائر الصحوة، على ما كان يسمّى حينذاك «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق»، إذ كان ما زال لدى التنظيم حوالى 700 مقاتل. الفوضى في سورية سمحت للتنظيم بإعادة ترتيب صفوفه بقيادة أبو بكر البغدادي. بقي أوباما يتفادى التدخُّل في سورية لأربع سنوات على رغم نصائح كبار معاونيه وأجهزة استخباراته بضرورة حل النزاع في سورية قبل أن يدخل تنظيم «القاعدة» إليها ويتمدّد فيها. خلال هذه المدة، أعلن أبو بكر البغدادي «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» في نيسان (أبريل) 2013، ومن ثم «الخلافة» في حزيران (يونيو) 2014.

لم يغيِّر أوباما موقفه إلا بعد نشر الفيديو حول ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي في 19 آب (أغسطس) 2014، وانقلاب الرأي العام الأميركي لمصلحة التدخُّل، فبدأ، مع تحالف شبه صوري، شن غارات على مواقع «داعش» في سورية والعراق. كان من ضمن الخطة التي أعلنها تدريب سوريين لمحاربة «داعش»، ولكن من دون التعرُّض لجيش النظام السوري. فشلت الخطة في تدريب الكوادر الفاعلة فصُرف النظر عنها بعد سنة بينما نجح التنظيم في هذه الأثناء، على رغم غارات التحالف، بالتوسع، ليصبح لديه ما يقدّر بمئة ألف مقاتل وليحتل مساحة تقارب مساحة بريطانيا يقطنها أكثر من 10 ملايين نسمة.

في هذه الأثناء، بدأت العمليات الإرهابية الكبيرة في أوروبا وأميركا، إما من جانب التنظيم مباشرة أو بوحي منه، ما نشر الرعب في هذه الدول. تزامن ذلك مع تدفُّق مئات الآلاف من المهجّرين السوريين والعراقيين وغيرهم إلى أوروبا مخترقين حدودها. وبما أن الغالبية الساحقة من المهجّرين هم من المسلمين، تفاقمت الإسلاموفوبيا وزادت من اضطراب هذه الدول إلى حد الهستيريا في بعض الأحيان، كما شهد مثلاً بعض الحملات الانتخابية الحالية في الولايات المتحدة، أو النجاح المفاجئ لبعض الأحزاب المتزمتة في الانتخابات الأوروبية.

أوروبا مرتعدة من الإرهاب وترزح تحت وطأة الهجرة التي لا تعرف كيف تتعامل معها، وأميركا من دون استراتيجية ناجحة أو مقنعة في محاربة «داعش»، شكّلتا التقاطع المثالي لتدخُّل روسيا آخر أيلول (سبتمبر) الماضي في الحرب القائمة في سورية. السبب المعلن كان مساندة النظام ومحاربة الإرهاب وعلى رأسه تنظيم «داعش». مساندة النظام لأن سقوطه قد يحرم روسيا من موطئ القدم الأخير لها في البحر المتوسط، ومحاربة التنظيم لتطمين أوروبا المرتعدة وأميركا المترددة، لذلك لم يلق هذا التدخُّل أية مقاومة من هذه الدول.

لا شك في أن الهدف الرئيسي للتدخل الروسي، أقلّه حتى اليوم، هو تثبيت موطئ القدم في سورية والتأكد من استدامته.

الإشارة الأولى إلى ذلك هي القواعد المستحدثة في منطقة الساحل السوري. فبإضافة إلى توسيع القاعدة البحرية في طرطوس، هناك قاعدتان جديدتان هما في طور البناء شمال اللاذقية، إضافة إلى قاعدة شعيرات قرب حمص التي شارفت على الاكتمال. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي صرّح الجنرال أندريه كارتوبولوف، نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، لجريدة «كومولسكايا برافدا»، أن القيادة تدرس إنشاء «قاعدة تشمل مكونات بحرية وجوية وأرضية».

الإشارة الثانية هي الاتفاق بين الحكومتين الروسية والسورية الموقّع في 26 آب الماضي الذي يؤمّن الوجود، إلى أجل غير مسمى، للقوات المسلحة الروسية في سورية وحريتها واستقلاليتها الكاملة، كما يمنع الدولة السورية من الدخول إلى المواقع العسكرية الروسية المستحدثة إلا بإذن من المسؤولين الروس.

أضف إلى هاتين الإشارتين أن القصف الروسي حتى اليوم يتركز على منطقة واحدة ما بين حمص والحدود التركية شمالاً، حيث لا وجود واسعاً لتنظيم «داعش»، وهو نادراً ما يشمل معاقل التنظيم في محافظة الرقة أو شرقها. هناك أيضاً تقارير من مصادر عدة ذات صدقية بأن بعض هذه الضربات الجوية يستهدف مدنيين، ما كثف الهجرة إلى خارج هذه المنطقة. ويعتبر الكثيرون أن هدف القصف واستهدافاته هو السيطرة الكاملة على المنطقة الممتدة من جنوب دمشق مروراً بالحدود اللبنانية وصعوداً إلى الشمال في محاذاة نهر العاصي لتشمل حمص وحماة حتى الحدود التركية. إن تحقيق السيطرة على هذه المنطقة، ستكون له ميزتان أســــاسيتان: من جهة تعزيز القوة التفاوضية الروسية مع الغرب بخصوص الحل النهائي، ومن جهة أخرى إجبار الغرب على الانضمام إلى روسيا في ائتلاف لمحاربة «داعش»، إذ لن يكون هناك وجود فاعل على الأرض سوى لروسيا والنظام من جهة، و «داعش» وأخواته من جهة أخرى.

وأياً يكون الهدف، فمن الواضح أن على روسيا أن تحققه بسرعة أي خلال أشهر قليلة إذا أمكن. السبب الرئيسي هو أن الاقتصاد الروسي يئن اليوم تحت وزرين متزامنين: العقوبات الاقتصادية الغربية وانخفاض سعر النفط. فعندما بدأت العقوبات الاقتصادية في آذار ونيسان 2014، كان سعر برميل النفط نحو المئة دولار. ولكن، بعد شهرين انهارت الأسعار فانخفض سعر البرميل بسرعة ليصل اليوم إلى 28 دولاراً. قطاع النفط، تجب الإشارة، يشكل ما بين 15 و20 في المئة من الناتج المحلي الروسي وأكثر من 50 في المئة من موازنة الدولة و70 في المئة تقريباً من الصادرات الروسية. أما الأرباح الناتجة من صناعة النفط والغاز ومشتقاتهما فتشكل نحو 98 في المئة من مجمل أرباح القطاع الخاص الروسي وفق صحيفة «موسكو تايمز» الأسبوعية. ونتيجة لكل ذلك، انخفض سعر صرف الروبل من نحو 35 روبل للدولار في أوائل علم 2014 إلى أكثر من 80 للدولار عند كتابة هذه السطور، وتضاعف تضخم الأسعار من 6 في المئة إلى ما بين 12 و17 في المئة، وانخفض نمو الناتج المحلي من 1,3 في المئة عام 2013 إلى ناقص 3,8 في المئة العام الماضي وفق التقديرات الأخيرة.

في وقت سابق من هذا الشهر (في 11 كانون الثاني – يناير) تكلم الرئيس بوتين في مقابلة طويلة مع صحيفة «بيلد» الألمانية حول هذا الموضوع قائلاً: «إن العقوبات تضر روسيا بقوة… [لكن] الضرر الأكبر سببه حالياً التراجع في أسعار الطاقة. نحن نعاني من خسارة خطيرة في مواردنا من النفط والغاز التي نستطيع جزئياً [فقط] أن نعوضها من جهات أخرى».

لا شك في أن الرئيس بوتين يحسب حساب ما حصل في الثمانينات في عهد الرئيس رونالد ريغان، عندما انهارت أسعار النفط بسبب سياسة ريغان الاقتصادية والمالية. انخفض سعر برميل النفط من 85 دولاراً عام 1981 عند تسلُّم ريغان الرئاسة إلى 28 دولاراً عند انتهاء عهده بعد ثماني سنوات، ما أوصل الخزينة الروسية إلى حافة الإفلاس، وما ساعد بالتالي على انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وعندما أكمل سعر النفط انخفاضه ووصل عام 1998 إلى حدود الـ16 دولاراً، اضطرت روسيا للتخلف عن سداد الديون الداخلية والخارجية. معظم الخبراء في سوق النفط اليوم يعتقدون أن سعر برميل النفط سيكمل تراجعه، وبعض منهم ينتظر أن يصل خلال هذا العام إلى 20 دولاراً أو أقل، خصوصاً بعد أن دخلت إيران سوق النفط بقوة بعد رفع العقوبات ذات الصلة عنها.

إطالة الحرب تضاعف أيضاً الخطر على التدخل الروسي ولهذا أيضاً جذور تاريخية. ففي السنوات الأخيرة من حرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان التي دامت من 1979 إلى 1989، كان المجاهدون على وشك الانهيار عندما قامت أميركا، بقيادة الرئيس ريغان أيضاً، بتسليمهم أسلحة استراتيجية وتدريبهم عليها، ما أعاد التوازن على الأرض وجعل الرئيس ميخائيل غورباتشوف يقتنع بأن تلك الحرب أصبحت تشكل مستنقعاً للاتحاد السوفياتي يشبه المستنقع الذي وقعت فيه أميركا في حربها في فييتنام، إضافة إلى وزر الحرب على مالية الدولة المنهكة كما ذكرنا، فانسحب عام 1989 من أفغانستان، ما ساهم أيضاً في تفكك الاتحاد السوفياتي بعد سنتين.

إلا أن الرئيس بوتين، كبير الخبراء في نفسية أوباما، يعلم أن أوباما ليس ريغان. فعقيدة ريغان كانت «الاحتواء» وهو أن يلاحق الاتحاد السوفياتي أين ما كان في مواجهة، ومساعدة أعدائه لإنهاكه أو التغلب عليه. هكذا، فعل بنجاح في أنغولا عام 1989 ضد التدخل السوفياتي الكوبي، وكذلك في كمبوديا ضد التدخل الفييتنامي في العام نفسه وطبعاً في أفغانستان. أما أوباما فعقيدته هي الانسحاب من العالم قدر الإمكان وعند الاضطرار «القيادة من الخلف»، وهو بالتالي لا يشكل خطراً محدقاً على التدخل الروسي في سورية. لكن عهد أوباما سيصل إلى نهايته آخر هذا العام، والكل يعلم أن ما بعد أوباما ليس كما في عهده، كان من كان رئيس أميركا المقبل، فأوباما الذي أخذ رقاص الساعة من أقصى اليمين في التدخل الخارجي في عهد بوش الابن، إلى أقصى اليسار، سيخلفه من سيعيد هذا الرقاص إما إلى الوسط إذا كان ديموقراطياً، أو إلى اليمين ثانيةً إذا كان جمهورياً، وفي الحالين ستعود أميركا إلى قيادة الغرب، من الأمام هذه المرة.

ماذا سيحصل خلال هذا العام الحرج؟ هل ستتمكن روسيا من تحقيق أهدافها بالسرعة المطلوبة أم إن حربها ستطول إلى أن تتغلب الاعتبارات الاقتصادية فتنسحب عند ذلك؟ هل سيجيء من يسلّح المعارضة بأسلحة استراتيجية فيحقق الستاتيكو على الأرض ويحول الحرب إلى مستنقع سوري وفييتنام أخرى أم إن عملية السلام ستصل إلى خواتيمها قبل ذلك ما سيسمح لروسيا بتثبيت أقدامها في سورية؟ من سيكون رئيس الولايات المتحدة في أوائل العام المقبل وكيف سيتعامل مع الأزمة السورية إذا طالت إلى ذلك الحين؟ أسئلة لا أحد سوى الوقت يستطيع الإجابة عنها.

* سفير لبنان في واشنطن سابقاً.

الحياة

 

 

 

الحارس السري» ينضم إلى «الحرس الثوري/ حسان حيدر

قبل يومين من البداية المزمعة غداً لمحادثات جنيف بين النظام والمعارضة السورييْن، وفي خضم شد الحبال المحتدم والضغوط الهائلة لتحديد أحقية تمثيل المعارضة وتشكيل وفدها وأولويات التفاوض وأهدافه، أعلنت إسرائيل في شكل غير مسبوق انضمامها إلى الحلف الروسي- الإيراني الذي يتولى حماية بشار الأسد، وشنت هجوماً حاداً على تركيا التي تقاوم، لأسبابها الخاصة بالطبع، جهوداً روسية وأميركية لضم أصدقاء الأسد الأكراد وسواهم إلى وفد المعارضة.

شكلت إسرائيل منذ بداية الانتفاضة الشعبية قبل خمس سنوات «الحارس السري» لنظام دمشق، ودخلت لذلك في حسابات كل الدول والأطراف المنخرطة في النزاع السوري، لكنها لم تجاهر من قبل بتحالفها المباشر مع المدافعين الآخرين عنه، وبينهم «الحرس الثوري»، مثلما فعل وزير دفاعها موشي يعالون باتهامه تركيا بتمويل «داعش» في مقابل الحصول على نفط سوري رخيص، وبتسهيل عبور المتشددين من أوروبا إلى سورية والعراق وبالعكس، في تبنٍّ صريح لاتهامات موسكو وطهران.

لم يعبأ الوزير الإسرائيلي بمحاولات أنقرة المستجدة لرأب الصدع بين الدولتين وإقرار أردوغان بـ «حاجة تركيا إلى إسرائيل»، ورغبته في تقليص جبهة «الأعداء» التي باتت تقودها موسكو، فالمصالح الكبرى المباشرة للدولة العبرية، وخصوصا الأمنية، تفوق أهمية بكثير ما يمكن أن تقدمه تركيا في هذا المجال.

فالأتراك يركزون علاقتهم الفلسطينية بقطاع غزة المحاصر بلا حول، والذي لا يقلق إسرائيل كثيراً. وجُل ما يستطيعون القيام به دفع «حماس» و «الجهاد» الى مزيد من «الاعتدال» لوقف «الصاروخ الشهري» الذي يطلق من القطاع تذكيراً بوجوده. أما نظام الأسد، فمنح إسرائيل على مدى أكثر من أربعة عقود يداً طولى على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين أنفسهم، وسالمها في الجولان، وأكمل مهمتها في «تطهير» لبنان من منظمة التحرير، ثم ضمن لها البديل «الحزب إلهي» على حدود هذا البلد، لا يتحرك إلا بإيعاز منه وبالتنسيق معه، بما في ذلك «اضطراره» إلى افتعال حرب تموز (يوليو) 2006 لرد الاعتبار إليه بعد خروج جيشه من لبنان.

ومن الواضح أن توقيت تصريح يعالون يتزامن مع بدء تطبيق الاتفاق النووي بين طهران والأميركيين وتوابعهم الأوروبيين، ورفع العقوبات وما يعد به من عقود وصفقات ليست إسرائيل وشركاتها المتعددة الجنسية بعيدة منها، بعدما أقلقت العالم طوال أكثر من عشر سنوات وهي ترغي وتزبد وتحذر من «التهديد الإيراني»، فيما هي عملياً تبرر لطهران تدخلاتها في العالم العربي تحت ستار «المعركة مع الشيطان الأصغر».

كانت الولايات المتحدة تدرك منذ بداية الثورة السورية أهمية نظام الأسد في المعادلة الأمنية الإسرائيلية التي ساهمت في صياغتها، وعندما كانت تعلن أنه فقد شرعيته وتدعو إلى رحيله لم تكن تهدد الإسرائيليين بل كانت تتفاوض مع إيران. ومن بين كل «الخطوط الحمر» التي رسمت في المنطقة، بدا أن «الخط الإسرائيلي» في الدفاع عن حاكم دمشق الخدوم هو الوحيد الذي يلتزمه الأطراف جميعاً ويحرصون عليه.

أما تركيا، فليست في وضع يسمح لها اليوم بفرض شروطها، باستثناء -ربما- «تجميل» المشاركة الكردية في محادثات جنيف، بعدما أوكلت واشنطن أمر التسوية في سورية الى موسكو وبات دورها يقتصر على نقل «رسائل» الروس إلى حلفائها.

الحياة

 

 

 

أميركا تختار «رحيل الشعب السوري» بدل «رحيل الأسد”/ عبدالوهاب بدرخان

كشفت الولايات المتحدة عن وجهها وخياراتها وانحيازاتها في سورية: لا للشعب السوري نعم لبشار الأسد، لا للسعودية وتركيا نعم لروسيا وإيران. لعبة الأمم وموازين القوى تنتصر للظلم في سورية. الأولوية لمحاربة الإرهاب، كما يقولون. لكن، مع «حل سياسي» كالذي تطبخه «تفاهمات كيري – لافروف»، لا تسألوا غداً لماذا هناك تطرّف، ومن أين يأتي، لأن تلك «التفاهمات» تؤسس لتوّها إرهاب «ما بعد داعش».

شطبت أميركا يوم 23 كانون الثاني (يناير) 2016 كل ما قاله مسؤولوها، بدءاً من باراك أوباما، عن النظام الذي فقد شرعيته، والأسد الذي يجب أن يتنحّى، وأن يرحل، ولا مستقبل له… بل شطبت «بيان جنيف». لم يعد له وجود، كما أراد الروس، وكما أراد الإيرانيون. أسقطت الغموض والأوهام التي اكتنفت «بيانات فيينا»، وسلّمت للتفسير الروسي للقرار 2254 الذي تلاشت مرجعيته لأي مفاوضات، فـ «الحل السياسي» المزعوم، وفقاً لإملاءات جون كيري على المعارضة، يعود الى مشيئة النظام وزمرته و «معارضته» المزيفة و «النقاط الأربع» الإيرانية وأنياب «الدب الروسي». تلك كانت حصيلة «عملية فيينا» التي ترافقت باللازمة القائلة أن أميركا لا تزال مختلفة مع روسيا على «رحيل الأسد»، غير أن لقاء كيري مع المعارضة في الرياض أظهر أن أميركا وروسيا اتفقتا أخيراً، لكن على «رحيل الشعب السوري».

إذاً، فلا حل بل مجرد دعوة للاستسلام وعرض للإذعان يكلفان المزيد والكثير من الدم والدمار. وما جاء به كيري الى المعارضة هو تهديد بـ «حسم عسكري» لن تتدخّل الولايات المتحدة للجمه ولن تساعد على مواجهته، أي أنها موافقة عليه ومساهمة فيه. لم تكن هناك أي سياسة في كلامه، بل إبلاغ فاقع الوقاحة بأن أميركا حسمت خياراتها بالانقلاب على الشعب السوري، وليست لديها أي ضمانات له. فلا «انتقال سياسي» ولا «هيئة حكم انتقالي» ولا «حكومة بصلاحيات كاملة»، لا لوم للنظام ولا محاسبة معه إن أفشل المفاوضات، إذا جرت، ولا دعم للمعارضة بعد اليوم سواء ذهبت الى المفاوضات أم لم تذهب… وذلك كلّه لا يشكّل «شروطاً مسبقة»، في نظر الوزير الأميركي، إذ إنه اتفق مع نظيره الروسي على «مفاوضات بلا شروط مسبقة». لا يمكن أن تكون هناك مقدمات أكثر غرابة بل وحشية لمفاوضات يراد منها إنهاء صراع دامٍ كالذي يدور في سورية.

لمن لا يزالون يسألون «عما بعد الاتفاق النووي»، ويترقبون مؤشراته متسائلين هل ستتغير إيران، جاءهم الجواب مدويّاً: أميركا هي التي تغيّرت. الى حدّ إظهار وجه أكثر قبحاً من ذلك الذي اكتسبته في حقبتها الفيتنامية. فعلت ما كان متوقّعاً منها، فكل الشكوك التي ساورت الحلفاء والأصدقاء حيال مواقفها تحقّقت الآن: لم تكن يوماً من «أصدقاء الشعب السوري»، بل كانت تخادع وتراوغ. اتخذت هذا الشعار ستاراً للتفاوض مع الروس. ولم تكن لديها استراتيجية فانخرطت في استراتيجية موسكو. فعلت ذلك بعد فضيحة السلاح الكيماوي، وكررته في مختلف المراحل، وواظبت عليه على رغم القطيعة بسبب أوكرانيا. بل خرقت تلك القطيعة فجأة لاستدعاء الدور الروسي الى أن أصبح تدخلاً مباشراً، كأنه ينوب عنها الى سورية.

في الشهور الماضية، قبل لقاءات فيينا، سكتت واشنطن وتركت الروس (والإيرانيين) يديرون الأزمة وحدهم. وإذا تدخّلت فلمساعدتهم، لا لمعارضتهم، أو حتى لتحسين عروضهم. وقد ركّز الروس (والإيرانيون) على مصادرة مهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وتوجيهها، وسط تجاهل أميركي تام لكون المبعوث حسم قناعاته الشخصية لمصلحة وجهات نظر النظام وروسيا وإيران، ولم يعد يرتاح الى ما يسمعه في الرياض أو في أنقرة والدوحة. وعندما أدلى أوباما بآرائه الساخرة عن المعارضة، كان يعلم أن دي ميستورا في صدد تغيير خريطة المعارضة المقبولة روسياً (وإيرانياً) في المفاوضات، معوّلاً على مشاورات طويلة أجراها خلال الربيع الماضي في جنيف، مع هيئات وشخصيات سورية أفضت به الى اعتبار أن ما تُسمّى «معارضة» هي جزء يكاد يكون «هامشياً» في الصراع لولا الفصائل المقاتلة التي كانت آنذاك ماضية في انتزاع مناطق من سيطرة النظام، وأن أي مفاوضات يجب أن تشمل طيفاً أوسع مما يقدمه «الائتلاف» أو «هيئة التنسيق» ليضم «معارضات» موسكو والقاهرة وأستانا (كازاخستان).

لذلك جاء الروس مصمّمين، منذ بداية تدخلهم، على ضرب الفصائل المقاتلة وإقصائها من المعادلة. كان مفترضاً أن يأخذوا في الاعتبار ما عناه حضور مندوبين عن هذه الفصائل مؤتمر الرياض، إذ جاء معبّراً عن استعدادهم للانخراط في حل سياسي، وعن إرادة الدول الداعمة للمعارضة إنهاء الصراع سلمياً. لكن اغتيال زهران علوش، قائد «جيش الإسلام»، والاغتيالات الأخرى التي أعقبت ذلك المؤتمر، واستمرّت مع صدور القرار 2254 وبعده، أوضحت أن الروس يريدون استفزاز المعارضة العسكرية ودفعها الى الانسحاب من أي عملية تفاوضية، وبالتالي ترك المعارضة السياسية وحيدةً ومستضعفةً وعرضةً للضغوط والعبث بوفدها وموقفها، سواء من خلال دي ميستورا أو بالشروط الروسية التي أكد كيري الموافقة الأميركية عليها.

منذ البداية، قرّرت روسيا وإيران والنظام أن لا مجال لأي منطق في الأزمة السورية، والألاعيب التي تُخاض حالياً تكاد تضع المفاوضات في مهب الريح، كأن التدويل في فيينا ثم في مجلس الأمن لم يقدّم ولم يؤخّر بل أبقى الأزمة في كنف استبدادية الأسد. والواقع، أن المعارضة اعتبرت المناورات الروسية – لاختراق وفد المعارضة أو استنباط وفد «معارض» ثانٍ، لتصبح المفاوضات ثلاثية شكلياً أو بالأحرى ثنائية بين المعارضة ووفدَي النظام و «معارضته» – هي وصفة مكشوفة للتلاعب المبكر بمسألة «الانتقال السياسي»، وبالتالي لإفشال المفاوضات والمصادرة المسبقة لنتائجها، طالما أن الضغط الدولي، خصوصاً الأميركي، يندر أن يلعب لمصلحة المعارضة، ويهجس دائماً بإرضاء الروس، سواء بذريعة الأولوية لمحاربة «داعش»، أو بدوافع أخرى تتكشّف بين حين وآخر عن نيات واشنطن.

اتضح الآن، أن تحليل المعارضة هذا لمواقف روسيا كان ساذجاً الى حدٍّ ما، وفيه مراهنة ضمنية على «صلابة» ما في الموقف الأميركي. لكن كان هناك مَن يردّد باستمرار «فتّش عن التفاهمات الأميركية – الروسية»، محذّراً دائماً من وجود حلقة مفقودة لا بد أن تظهر في لحظة حاسمة. تلك اللحظة كانت اقتراب استحقاق التفاوض. فطوال الأسابيع الماضية لم يكن ممكناً أن تتصرّف موسكو الى هذا الحدّ ضد القرار الدولي 2254، وأن ترتكب مباشرة مجازر يومية في حق المدنيين في مناطق المعارضة، وتؤمّن تغطية كاملة للحصارات التجويعية والقصف بالبراميل، من دون أي اعتراض أميركي، لأن عدم الاعتراض هنا عنى تفاهماً وموافقة. لم يكن صحيحاً على الإطلاق أن هناك اختلافاً حقيقياً بين نظرتَي الأميركيين والروس الى الفصائل المقاتلة وتمييز «المعتدلة» منها عن «الإرهابية». كان تقويمهم متقارباً، ومتطابقاً أحياناً، إذ عمدوا معاً الى استخدام التجويع وسيلة للضغط لانتزاع تنازلات مسبقة من المعارضة قبل ولوجها في التفاوض.

هذا ما تولاه الوزير كيري، باسم «التفاهمات»، عندما أنذر المعارضة بأن خيارها الوحيد هو الذهاب الى مقامرة خاسرة مسبقاً في جنيف، قد تصبح خاسرة أكثر، بل كارثية إذا قادها الانفعال الى تعطيل المفاوضات. ثم قيل للمعارضة أن بين الخيارين السيئين، يبقى دخول المفاوضات أقلّهما سوءاً، لأنها ستجد فرصة لطرح رؤاها ومطالبها، ولأن حضورها وحده سيجرّ النظام نفسه الى عملية التفاوض التي يكرهها وطالما تهرّب منها، وعندئذ فقط ربما تستطيع واشنطن أن تساعدها، أما اذا قاطعت فستؤدّي خدمة للنظام وتضع حدّاً لأي دور أميركي قد يخفف من إجحاف الشروط الحالية. سبق أن قيل ذلك للفلسطينيين كي يُقبلوا على التفاوض، وقد فعلوا على رغم أنهم كانوا متيقّنين بأن الأميركيين سيخذلونهم، وهو ما حصل. لكن الشعوب التي يحاصرها الظلم من كل جانب لا تستطيع أن تفوّت أي فرصة مهما بدت سرابية وكاذبة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

هل تخضع المعارضة السورية للاملاءات الأمريكية ـ الروسية؟

رأي القدس

ذكرت مصادر سياسية مختلفة، بينها الناطق الإعلامي باسم المعارضة السورية، د. رياض نعسان آغا، أنه في زيارة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الرياض التي التقى فيها رئيس هيئة التفاوض للمعارضة السورية رياض حجاب طالب كيري المعارضة السورية بقبول طلبات روسية محددة تتعلق بإزاحة العميد الجوّي المنشقّ أسعد الزعبي، ومحمد علوش، ممثل «جيش الإسلام»، من هيئة التفاوض، وإدخال اسماء اقترحتها موسكو بينها قدري جميل، الوزير السوري السابق المحسوب على موسكو، وهيثم مناع، رئيس حركة «قمح» المتحالف، مؤخراً، مع قوات «الاتحاد الديمقراطي» الكردية، والقريب الصلة بموسكو والقاهرة، وصولاً إلى قبول فكرة حكومة «وحدة وطنية» تحت قيادة الرئيس السوري بشار الأسد خلال «مرحلة انتقالية» تنتهي بإعادة ترشيحه للرئاسة مجددا، على أن تقوم المعارضة السورية، حينها، بالتنافس «الديمقراطي» مع الأسد على منصب الرئاسة.

على المقلب الآخر للدبلوماسية العالمية، طالعنا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس بخطاب مطوّل عن إنجازات الدبلوماسية الروسية عام 2015 خصص جزءا كبيرا منها للقضية السورية، ركز فيها على النقاط التي ذكرها كيري معتبراً استبعاد اعضاء في «المعارضة السورية» انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، والمقصود باستبعاد أعضاء في المعارضة السورية ليس فصائل «الجيش الحر» التي يمثلها أسعد الزعبي، ولا «جيش الإسلام» الذي يمثله علوش، ولا «أحرار الشام»، التي تحاشت المعارضة السورية تمثيلها في هيئة التفاوض، بل المقصود بالطبع هو فرع المعارضة السورية المدلل عالميا والمتمثل بـ»الاتحاد الديمقراطي» إيّاه، والذين اعتبرهم لافروف ممثلي الأكراد، متجاهلا وجود طرف كرديّ ثان هو المجلس الوطني الكردي الممثل في هيئة التفاوض.

تستند الخطة الروسية ـ الأمريكية التي اتضحت أركانها إلى تسليم الملفّ السوريّ الشائك عسكرياً وسياسياً إلى روسيا التي ستعيد تأهيل النظام دولياً وتفرض حكومة «وحدة وطنية لمحاربة الإرهاب»، لتنهي بذلك المأساة السورية المستمرة والتي قارب عدد ضحاياها من القتلى نصف المليون، ومن الجرحى أضعاف هذا الرقم، ومن اللاجئين والنازحين اكثر من نصف عدد السكان، ودمار ما يقارب سبعين بالمئة من البنية العمرانية مع مستتبعاتها من كوارث اجتماعية واقتصادية ونفسية.

المشكلة الرئيسية في هذا السيناريو شديد التفاؤل لتصفية المسألة السورية هو ارتكازه على أساس باطل بمقاييس المنطق الإنساني البسيط، قبل أن نتحدث بمقاييس القانون الدولي الذي يتذرع به لافروف، فلو أن الأمر يحلّ بحكومة «وحدة وطنية» تستلم فيها المعارضة السورية وزارات النقل والأوقاف والسياحة لما كان هناك ضرورة أو معنى لانشقاق عشرات الآلاف من جيش النظام، ولا لامتشاق المواطنين العاديين السلاح دفاعا عن مدنهم وقراهم وعائلاتهم وأطفالهم من الذبح الطائفي بالسكاكين (والذين سخر منهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بوصفهم بالجيش الذي يقوده فلاحون وأطباء أسنان!)، ولا لخوض المعارك العسكرية والدبلوماسية، ما دام المعروض عليهم، في النهاية، استسلاما علنيّا.

لقد صدعت الدول «الصديقة للشعب السوري» رؤوس السوريين بإعلان سقوط شرعية الرئيس السوري وبمطالباتها المستمرة له بالرحيل، وصدرت مئات التقارير من منظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني حول ارتكاب هذا النظام جرائم حرب تنتهك القوانين العالمية، وها هي اليوم، بدافع من هروب مئات آلاف اللاجئين إلى أوروبا، ومن الخوف من انتقال عمليات تنظيم «الدولة الإسلامية» إليها، (وهي التي ساهمت كل هذه الدول في صنعه، بتركها وحشية النظام منفلتة من عقالها، ومنع الأركان القانونية والسياسية والعسكرية والاقتصادية لحكومة معارضة سورية حقيقية من الظهور)، تستعجل «سلق» حلّ للمسألة السورية على حساب الشعب السوري ومطالبه بنظام لا يهاجم شعبه بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والتجويع حتى الموت.

من دون دعم عربيّ وإقليمي للمعارضة السورية، قد لا يكون هناك أمل كبير لها برفض إملاءات الروس والأمريكيين، ولكنّ هذا «الحلّ الافتراضي» الذي يسوّقه الروس، وتقبله إدارة أوباما التي تستعد للرحيل، لن يكون إلا محاولة تجميل للكارثة المستمرة.

رأي القدس

 

 

 

هل يستقيل دي ميستورا؟/ فادي الداهوك

عندما انتهى مؤتمر “جنيف-2” في العام 2014، خرج المبعوث الدولي السابق إلى سوريا الاخضر الابراهيمي وقال: “لم نحقق أي شيء.. حتى في الموضوع الإنساني لم نتمكن من فعل أي شيء. منذ تسلمي مهامي في أيلول من عام 2012 والوضع في سوريا سيء وهذا الوضع يزداد سوءاً”. كان الابراهيمي متصالحاً مع حقيقة العبثية التي قامت المفاوضات عليها، فاستقال بعدها.

لا يبدو أن مؤتمر “جنيف-3″ والمبعوث الحالي ستيفان دي ميستورا سيلاقيان مصيراً أفضل. فالخضّات التي شهدها المؤتمر المفترض أن ينطلق بعد 24 ساعة، كافية لوقف الخوض في هذه المغامرة الخاسرة. لكن واشنطن وموسكو تعوّلان على نجاح الترهيب الغربي، والترغيب الخليجي، لإعلان الهيئة عن قبولها بالمشاركة، بأي صيغة كانت. ومن أجل هذا الأمر، تعمّد المبعوث الدولي إرسال الدعوات، بشكل فردي، إلى 15 عضواً في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والهيئة العليا للتفاوض، ومن غير المستبعد أن تجد تلك البطاقات لـ”حفل جنيف” إقبالاً داخل الائتلاف أو الهيئة.

مخاطر كبيرة ترافق قبول أي شخصية من الائتلاف حضور “جنيف-3” بصفة فردية، وإنقاذ صريح للمؤتمر الذي وقع في مأزق التمثيل. فحتى الآن، استبعد رئيس حزب “الاتحاد الديموقراطي” صالح مسلم، بعد التلويح التركي بالانسحاب من مجموعة دعم سوريا، ومن المفاوضات نفسها، أما رئيس “مجلس سوريا الديموقراطية” هيثم مناع فقد أعلن أيضاً أنه لن يشارك من دون مسلّم، نظراً للاتفاق القائم بين مكونات “مجلس سوريا الديموقراطي” الذي يضمّ مناع ومسلم.

وبينما لا يزال المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض رياض حجاب، بانتظار رد من الأمم المتحدة على استفسارات تتعلق بالدعوة وبآليات وضعت للتباحث حولها في جنيف، تدرك الأمم المتحدة جيداً، أنها مجبرة للرد على رسالة الهيئة العليا التي تسلمتها قبل يومين، إلا أن بان كي مون ودي ميستورا لا يجدان ضيراً في أن يكون الرد في آخر لحظة، لربما تحققت “معجزة” وقرر وفد الهيئة العليا المشاركة. لكن ماذا لو ثبتت الهيئة العليا على موقف المقاطعة؟

غياب معارضة وازنة عن “جنيف-3” يفرغ المؤتمر من أهدافه. وهذه النكتة لا رغبة لأحد في أن يضحك عليها، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، إذ إنهما على الرغم من جشعهما باتجاه عقد المؤتمر، لن تضيعا وقتاً لفتح أحاديث مع المعارضين الذين دعتهم موسكو، وربما لن تجدا ما يمكن الحديث عنه مع أولئك، كما أن المتواجدين في لوزان، منذ يومين، بدأوا بإثارة المشاكل، وتكذيب دي ميستورا وكيري بأنهم مدعوون كمفاوضين أساسيين وليس كمستشارين.

من جهة ثانية، فإن انعقاد المفاوضات بالشروط الروسية، سيحمل عواقب وخيمة على الجميع، ودخول سوريا في منحدرات خطيرة بعد أن تعلن فصائل المعارضة الممثلة في مؤتمر الرياض انسحابها من المجموعة، وهذا ينذر بانفكاك العلاقة بين المقاتلين على الأرض والداعمين الإقليميين، ولن يكون بمقدور أحد بعدها أن يؤثر على ضبط المعارك عندما تنحو باتجاهات غير مفضلة، أو أن يقول للمقاتلين: تقدموا هنا، ولا تقتربوا من هناك.

ولأن لا أحد يرغب في تعقيد الأمور أكثر، لا تبدو خيارات الأمم المتحدة كثيرة، وهي تدرك تماماً أن لقاءات المعارضات التي جرت في موسكو والاستانة والقاهرة، لم تكن سوى تمضية للوقت، وإيجاد ما يمكن لدي ميستورا أن يفعله ريثما تكتمل صورة “جنيف-3″، وإلا فليس أمامه سوى الاستقالة، التي ستكون ممراً إجبارياً له بعد “جنيف-3” إذا لم يعلن عن تأجيله.

المدن

 

 

 

سوريا واللعبة الروسية ـ الأميركية/ صالح القلاب

ما تسرب عن لقاءات جون كيري الأخيرة مع بعض قادة المعارضة السورية في الرياض يشير إلى تهديدات أطلقها وزير الخارجية الأميركي ضد هؤلاء قال فيها إنَّ الولايات المتحدة ستوقف دعمها لهم إن هُمْ بقوا يصرون على مواقفهم ولن يقبلوا بإعادة تشكيل وفدهم إلى (جنيف3) ويوافقوا على ما تم الاتفاق عليه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يتمسك بصيغةٍ في غاية السوء إنْ وافق «المعارضون» عليها فإن هذا سيعني الاستسلام لنظام بشار الأسد والعودة إلى وضع ما قبل مارس (آذار) عام 2011.

وبالطبع فإن آخر ما قيل في هذا المجال هو أن المعارضة لن تذهب لا إلى (جنيف3) ولا إلى غيره وفقًا لوجهة النظر الأميركية – الروسية هذه، وأنها لن تقبل بأي تغيير على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254، وأنه إذا أراد الروس إشراك من يعتبرونهم معارضة داخلية فإن عليهم إدخالهم في وفد نظام بشار الأسد إن كمشاركين مثلهم مثل أعضاء الفريق المكون من «17» عضوًا برئاسة بشار الجعفري، وإن كمستشارين لهذا الفريق وبالصفة التي يريدونها.

والحقيقة أنَّ المعارضة السورية، التي غدت بعد مؤتمر الرياض العتيد تكوينًا واحدًا، سياسيًا وعسكريًا، قراره واحد وكلمته واحدة باتت تشعر أنَّ الأميركيين ليس خذلوها وتخلوا عنها وفقط بل وتآمروا عليها، وهنا فالمفترض أنه بات واضحًا أن هناك اتفاقا روسيا – أميركيًا على هذا الصعيد وأن واشنطن لم تكتف بالتخلي عن مواقفها السابقة ووضع نفسها في القاطرة الروسية، بل هي أيضًا لم تعد تتورع عن ممارسة ضغطٍ حقيقي على الأطراف العربية والأوروبية المعنية مباشرة بهذا الصراع لحملها على الاقتراب من وجهة النظر الروسية.

يريد الروس حتى الآن، نسْف قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254 وتغيير تركيبة وفد المعارضة الذي تم تشكيله وفقًا لهذا القرار والمعروف أنهم، أي الروس، كانوا نسفوا (جنيف1) في (جنيف2) بحجة أنَّ الأولوية يجب أن تكون لمقاومة الإرهاب وليس لتغيير نظام بشار الأسد، وحقيقة فإنهم نجحوا في هذا والدليل هو أنَّ جون كيري بات بالنسبة لكل هذه الأمور تابعًا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بل وأكثر حماسًا منه للعبة الاتفاق على تشكيل ما يسمى: «حكومة وحدة وطنية» التي كان طرحها الإيرانيون منذ البدايات وبقي وزير خارجية هذا النظام وليد المعلم يتمسك بها للتهرب من الاستحقاق الذي دفع الشعب السوري من أجله كل هذه التضحيات الجسام.

والملاحظ في مجال إثبات أنَّ هناك تحولاً فعليًا وحقيقيًا في موقف واشنطن تجاه ما يسمى: «الأزمة السورية» ولحساب الروس ونظام بشار الأسد أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قد أطلق تصريحًا خلال زيارته الأخيرة لتركيا قال فيه إن «الولايات المتحدة ستلجأ إلى العمل العسكري إذا فشلت الحلول السياسية في سوريا» لكن هذا التصريح ما لبث أن تغير بعد تدخلٍّ عاجل من إدارة الرئيس باراك أوباما، وأصبح إن «أميركا ستلجأ إلى العمل العسكري ضد (داعش) في سوريا» وكأنها لم تلجأ إلى العمل العسكري ضد هذا التنظيم الإرهابي حتى الآن ولم تشكل هذا التحالف الدولي الذي يواصل غاراته الجوية على دير الزور والرقة وعلى كثير من مواقع «داعش» في العراق.

ألا يعني هذا يا ترى أنَّ مع المعارضة السورية الحق كله عندما تتحدث عن انقلاب في الموقف الأميركي لحساب وجهة النظر الروسية التي بات واضحًا أن هدفها ومنذ البدايات هو إعادة صياغة نظام بشار الأسد، وإعادة تكريسه مرة أخرى ومن جديد، وهو القضاء على هذه المعارضة وعلى غرار ما جرى بعد مذابح حماه الشهيرة في عام 1982، حيث تواصل هذا النظام في عهد الأب وعهد الابن منذ ذلك الحين وحتى الآن؟!!

لقد اعترض الروس، بالإضافة إلى اعتراضاتهم الكثيرة، على وجود عسكري هو العميد الطيار أسعد الزعبي على رأس وفد المعارضة السورية إلى (جنيف3) ووجود أحد قادة جيش الإسلام في هذا الوفد بل وهم، أي الروس، قد اعترضوا وما زالوا يعترضون على مشاركة التنظيمات المسلحة في العملية السياسية المتعثرة لحل الأزمة السورية، وهذا يعني أن موسكو تريد تفجير هذه المعارضة من الداخل، وأنها تريد أيضًا دفع هذه التنظيمات إلى مزيد من التشدد، وربما إلى التحالف مع «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» وباقي التنظيمات الإرهابية.

وهنا فإن المفترض أنه معروف أنَّ التنظيمات المسلحة، التي أصبحت منضوية في المعارضة السورية (المعتدلة) على أساس مؤتمر الرياض، الذي كان بمثابة نقلة نوعية هائلة بالنسبة لهذه المعارضة، قد حذَّرت من أن الذهاب إلى (جنيف3) وفقًا لما يطرحه الروس والأميركيون سيعني خروجهم الفوري من هذا الإطار المعارض مع الاستمرار بالتصعيد العسكري والاستمرار بمواجهة «التدخل الروسي» ومواجهة الإيرانيين وحزب الله، وبالطبع بمواجهة هذا النظام حتى إسقاطه والقضاء عليه.

ويقينًا أنه إذا نفذ الروس والأميركيون ما يصرون عليه فستكون هناك خريطة سياسية وعسكرية جديدة في سوريا، وأنه غير مستبعد أن يكون هناك تحالف بين كل هذه التنظيمات المسلحة، التي كلها (معتدلة) حتى الآن، وبين «النصرة» وأيضًا ربما «داعش» و«القاعدة» وكل هذا، ويجب أن يكون معروفًا أن العرب السنة في هذا البلد المنكوب الذي يشكلون أكثر من 70 في المائة من شعبه، من غير المستبعد أن يتحولوا إلى بيئة حاضنة للإرهاب، وعلى غرار ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، وبعد المعادلة البائسة المعروفة التي فرضها سيئ الصيت والسمعة بول بريمر ومعه الذين اعتبروا أنفسهم منتصرين على الشعب العراقي وعلى بلاد الرافدين.

يجب أن يكون معروفًا ومنذ الآن أنَّ تمرير اللعبة الروسية – الأميركية بالقوة وبالتهديد والوعيد وفرض هذا الاتفاق الأميركي – الروسي على المعارضة السورية، سيعني تحول سوريا إلى عراق جديد وإلى قاعدة كبيرة لتنظيم داعش، الذي نما وترعرع في البيئة التي استجدت بعدما تعرض العرب السنة في العراق إلى ما تعرضوا إليه، والذي ما زالوا في حقيقة الأمر يتعرضون إليه في «المقدادية» وفي «ديالى» وفي مناطق كثيرة من بلاد الرافدين.

مرة أخرى يجب أن يكون واضحًا ومعروفًا منذ الآن أنَّ سنة سوريا سيشعرون بمرارة ما بعدها مرارة، إن استطاع الروس والأميركيون تمرير هذه اللعبة الخطيرة التي يلعبونها الآن وإعادتهم إلى بيت طاعة هذا النظام الاستبدادي بعد كل هذه التضحيات التي قدموها خلال الأعوام الخمسة الماضية، وبعد كل هذا التشريد وكل هذه الويلات.. إنَّ بديلهم سيكون «داعش» وسيكون التنظيمات الإرهابية وعلى أساس ذلك المثل القائل: «لا يدفعك إلى المرِّ إلَّا الأمر منه»!!

الشرق الاوسط

 

 

 

جنيف 3».. إشكاليات تنذر بالفشل في سوريا/ عثمان ميرغني

«جنيف3» قد تكون آخر طلقة في جعبة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الفشل فيه سيعني نهاية مهمته ليسير بذلك في الطريق الذي سبقه إليه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، اللذان دفعهما الفشل والإحباط إلى الاستقالة من الأزمة السورية. حتى الآن لا يبدو أن دي ميستورا لديه أي أمل في تحقيق اختراق جدي، ورهانه الوحيد هو جمع الأطراف حول الطاولة بأي وسيلة، وبغض النظر عن عدم وجود توافق على خريطة طريق واضحة للحل، على أساس أن الأطراف إذا بدأت تتحدث وتتفاوض فإن ذلك قد يساعد في فتح نوافذ صغيرة لحلحلة العقد تدريجيا ولبدء عملية «بناء الثقة» التي يراها المبعوث الدولي ضرورية لإنجاح المفاوضات.

توجيه بطاقات الدعوة إلى جنيف تحول بسرعة إلى مشكلة معرقلة، لأنه لا يوجد توافق حول من يدعى أو يغيب، وحول من يكون حول الطاولة كمشارك ومن يكون موجودا كـ«مستشار». كل الجهود التي بذلت حتى الآن لتوحيد المعارضة السورية لم تؤدِّ إلى وحدة الصفوف المطلوبة لإنجاح المفاوضات، أضف إلى ذلك أن موازين القوة على الأرض لا تنعكس على طاولة «جنيف 3»، والصراع الإقليمي والدولي ينعكس أيضًا على قوائم المشاركين والمستبعدين. كل ذلك يعني أن هذه الجولة لن تختلف كثيرا في النتيجة عن سابقاتها، بينما معاناة السوريين تتفاقم وأحوالهم تسوء إلى الحد الذي جعل منظمات الأمم المتحدة تصنف أزمتهم بأنها «الأسوأ في القرن الحادي والعشرين»، وهو قرن لا يزال في بداياته على أي حال، والآتي قد يكون أسوأ قياسا على حاضر المنطقة.

الخلافات حول الدعوات ليست مسألة إجرائية أو شكلية، بل تعكس عمق الأزمة، وتعقيداتها، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، وتضارب الدوافع والحسابات. فبينما كانت الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة المنبثقة عن اجتماعات الرياض تتباحث حول تشكيل وفدها واستراتيجيتها للتفاوض، دفعت روسيا بقائمتها الخاصة إلى دي ميستورا ودخلت في اشتباك مع تركيا التي ترفض أي مشاركة لـ«الاتحاد الديمقراطي الكردي» مهددة بمقاطعة «جنيف3» إذا وجهت الدعوة لممثليه، فأنقرة تعتبر الاتحاد الديمقراطي «منظمة إرهابية» لصلاته العميقة مع حزب العمال الكردستاني التركي الذي تخوض ضده حربا ضارية. روسيا من جهتها تصر على المشاركة الكردية على أساس أن الاتحاد الديمقراطي فصيل مهم سياسيا وعسكريا وضروري في جهود محاربة «داعش». هذا التجاذب الروسي – التركي يعكس في الواقع حجم التوتر بين البلدين الذي فاقمته حادثة إسقاط تركيا الطائرة الحربية الروسية. أنقرة ظلت لفترة تنظر بعين الشك والغضب إلى الموقف الروسي، لا سيما بعد المساعدات التي قدمتها روسيا للأكراد في فترة حصار كوباني، فوفقا للمصادر الغربية فإن الأكراد عندما لم يتلقوا الدعم الذي طلبوه لفك الحصار عن كوباني لجأوا إلى موسكو التي أمدتهم بشحنات من الأسلحة، وهو الأمر الذي دفع أميركا أيضًا لتقديم العون للأكراد رغم التحفظات التركية.

دي ميستورا قرر تجاوز العقدة الكردية في الوقت الراهن بعدم توجيه دعوة للاتحاد الديمقراطي، وهو موقف أيدته فيه أطراف غربية لأسباب تكتيكية، وأخرى في المعارضة السورية ترى أن الأكراد وإن حاربوا ضد داعش إلا أنهم لا يحاربون ضد قوات النظام السوري. السؤال هو هل يمكن تجاهل المسألة الكردية في أي مشروع للتفاوض أو للحل في سوريا؟ الأمر لن يكون سهلا، خصوصا بعد أن قويت شوكة الأكراد وباتوا قوة لا يستهان بها على الأرض، وتزايدت مخاوفهم وطموحاتهم بعد أن طغت الطائفية والإثنية على الصراع في سوريا، وتشابكت على أرضها المصالح الإقليمية والدولية.

هناك أيضًا مشكلة التنظيمات المتطرفة التي تمثل قوة على الأرض تفوق قوة المعارضين المدعوين إلى «جنيف3»، فإذا كان هناك اتفاق على محاربة «داعش» و«النصرة» فإن التنظيمات المتطرفة الأخرى تبقى عقدة لا يستهان بها، ولا مناص من مواجهتها إن عاجلا أم آجلا. فهذه التنظيمات ترفض مبدأ التفاوض، وقد تدخل في مواجهات مع فصائل المعارضة المتفاوضة، لتضعف بذلك الآمال في حل سلمي قريب. النظام السوري يستشعر أزمة المعارضة وتشتتها، وبالتالي يرى أن الوقت في مصلحته، خصوصا أنه يستعيد مزيدا من الأراضي والمدن مستعينا بدعم إيران وحزب الله وبعض الميليشيات الشيعية العراقية، والغطاء الجوي الروسي.

«جنيف3» لكي يسفر عن أي تقدم حقيقي في اتجاه حل الأزمة السورية يحتاج إلى ثلاثة عناصر مفقودة في الوقت الراهن، هي توحد أطراف المعارضة تحت راية واحدة ورؤية موحدة، وتوافق إقليمي أصبح بعيد المنال مع التأجيج الحاصل على عدة جبهات، وتوافق دولي حقيقي حول الأهداف ليس متاحا الآن مع عودة أجواء الحرب الباردة بين روسيا والغرب. لكل هذه العوامل، إضافة إلى أن أميركا ستدخل في «بيات انتخابي» اعتبارا من الصيف المقبل، فإن حل الأزمة السورية لا يزال بعيدا.

نقلاً عن “الشرق الأوسط”

 

 

 

 

الفخ» في جنيف والصِّفر المكعَّب/ زهير قصيباتي

الروس والأميركيون يحرصون على «مبادئ» في إدارة ملف الحروب السورية، على الأقل هذا ما اجتهد الرئيس فلاديمير بوتين للإيحاء به، وبَذَلَ الجانب الأميركي جهداً دؤوباً لتبديد انطباع حول «عصا» روسية قيل إن وزير الخارجية جون كيري لوّح بها للمعارضة السورية في الرياض.

لا جديد في دفاع بوتين عن «القيادة الشرعية» في دمشق، ولا تبدُّل في حديث واشنطن عن «فقدان» الرئيس بشار الأسد «شرعيته». وإذا كان الاشتباك الروسي- التركي عشية مفاوضات جنيف انعكاساً للتأزُّم المستمر بين موسكو وأنقرة، كما دفاع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن مشاركة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري في المحادثات، فالمضحك هو إصرار الكرملين على انه لا يتدخَّل في الشأن السياسي لسورية.

نكتة ثانية سوداء في نفق النكبة السورية، أن يتحدى لافروف مَنْ يجد دليلاً على قتل الطيران الحربي الروسي مدنيين، خلال غاراته التي تعتمد نهج الأرض المحروقة… تدكّ أبنية سكنية، لكنّ صواريخها تميِّز بين «الإرهابيين» الدواعش والأطفال والنساء الذين يلتحفون ركام وطن.

كان هدف الوزير قبيل ساعات من حسم الهيئة التفاوضية العليا للمعارضة قرارها في شأن الذهاب إلى جنيف، افتعال عقدة جديدة في وجه الهيئة، موجّهاً في آن رسالة أخرى لا تخلو من تهديد مبطّن: التسوية تريدها موسكو نهائية. فإذا انطلق قطار المفاوضات بمن حضر، أمكن الروس اتهام الهيئة بعزل نفسها، وبرفضها إيجاد حل لمآسٍ عمرها خمس سنوات… وأمكنهم أيضاً تقديم وجوه معروفة متَّهمة بعلاقة مع النظام السوري، بأنها الممثل الشرعي للمعارضين الذي سيتقاسم مع الحُكم تشكيل «حكومة الوحدة الوطنية».

حقل الألغام أمام الهيئة لا يبدأ ولا ينتهي عند تمثيل حزب الاتحاد الديموقراطي، أو قبول بدء التفاوض في ظل محاصرة النظام مدناً منكوبة والغارات التي يتباهى بها الجيش الروسي، والتخلّي عن وقف النار أولاً. ومهما فعلت واشنطن أو كيري، فالشبهة الكبرى لدى فصائل معارضة عديدة هي أن التوافق الروسي- الأميركي في زيوريخ، عشية رحلة كيري إلى الرياض، يعزّز القلق من احتمالات جر الهيئة التفاوضية العليا إلى «فخ» في جنيف، حيث السقف الأعلى قبول التعايش مع نظام الأسد في «حكومة وحدة»، ومصير الرئيس مؤجل، وأي إصلاح لا يمر إلا بموافقته.

قد يكون من المبالغة، بعد توضيحات المبعوث الأميركي مايكل راتني ملابسات ما حصل خلال اجتماع كيري والمنسق العام لهيئة المعارضة رياض حجاب، اتهام الوزير بـ «تواطؤ» مع لافروف الذي يدرك ما هو «منصف» وما هو «مجحف» في تشكيلة وفد الهيئة الى جنيف… ورغم تطمين كيري المعارضة إلى استمرار دعمها ولو فشلت المفاوضات، فالسؤال محوره امتناع واشنطن عن تقديم أي ضمان لمن كان يُفترض أن يعدّوا لهيئة انتقالية في الحكم، كاملة الصلاحيات. هكذا بات مصير الأسد «شأن السوريين»، واقتلاع «الإرهاب» في بلادهم مهمة الروس، ولو سقط في غارات «السوخوي» عشرات من القادة الميدانيين الذين يقاتلون النظام.

إذاً، بات التوافق الأميركي- الروسي، بعد زيوريخ يشمل مصير الأسد الذي لم تَعِد موسكو بمنحه اللجوء، ولا النظام طلبه. وإذا كان السوريون قاتلوا خمس سنوات وضحّوا بربع مليون شخص، وملايين شُرِّدوا، فكيف تستقيم «جنيف 3» وما بعدها، بعد ستة أشهر، وخصم المعارضة باقٍ بقوة هراوة بوتين وصواريخه؟ كم من السوريين مرشّحون للإبادة بالصواريخ والبراميل، قبل أن يطمئن سيد الكرملين إلى انتصاره على «داعش»… من سورية إلى أفغانستان وجورجيا؟

لعل كيري المتعب بجولات الاتفاق النووي الإيراني، والتطبيع الأميركي- الكوبي، وعناد بغداد الذي ضيَّع الموصل في عتمة ليل، طلب من سيرغي «الرأفة» بالمعارضين السوريين بعد إقناعهم بـ «البديل المرعب» للتفاوض… في «قفص» جنيف الروسي مزيد من الغرف للوفود، وستة أشهر كافية لتفتيت أي منها.

رغم كل ذلك، موسكو «لا تتدخل» في السياسة، يقول بوتين منتشياً بتفويض أميركي عابر للقارات. وهو حتماً لا تقلقه برامج واشنطن لتدريب المعارضة، ولا مرارة إيران التي سحب منها بساط الشام إلى حين.

في أزهى فصول جنيف، حال المعارضة أنها مهما فعلت لن تمرّر أي بند إلا إذا قبله النظام السوري، وبافتراض تنازلها عن ورقة مصير رأسه. أي مفاوضات إذاً؟ ستة أشهر أخرى كم ستكلّف من القتلى الأبرياء، ودمار مدن، وتقطيع ما تبقى من أوصال وطن، بعدما تنقّل من احتلال إلى احتلال؟

الكرملين لم يقل كلمته النهائية، وليس بين السيناريوات المحتملة أن ينجز مهمته مع «داعش»، ويعيد سورية المنكوبة إلى أحضان إيران «المنتصرة» في حضن التطبيع مع الغرب.

جمهورية المرشد تتبادل الغزل مع «أعداء» الأمس، وتبني أساطيلها. تشتري طائرات «الشيطان»، فيما نشتري النعوش، ولا نحصي… في سورية كما في العراق.

الحياة

 

 

 

عملية سلام صورية في سورية/ ريتشارد غوان

«تظاهر الى أن تحققه (النجاح)!»، هذه لازمة أو نصيحة تقدم الى الممثلين المبتدئين والمقاولين الذين يضطرون الى التظاهر بذيوع الصيت والثراء. ويبدو ان هذه اللازمة يرددها صناع السلام الدوليون في مقاربة الحرب السورية. ويرعى هذا الاسبوع ديبلوماسيون ومسؤولون من الامم المتحدة مفاوضات بين الحكومة السورية وعدداً من المجموعات المعارضة. وأُجل اللقاء من الاثنين الى نهار آخر (الجمعة)، ويرجح ان الفشل في انتظاره. فالنظام السوري أعلن انه لن يقدم تنازلات، وحمّلت مجموعات المعارضة حكومة بشار الاسد وموسكو مسؤولية فشل المفاوضات قبل ان تبدأ. وعلى رغم الخلاف على تمثيل المعارضين بين الرياض وأنقرة وموسكو، واصل جون كيري مساعي تذليل العقبات عن طريق اللقاء.

ولكن ما الغاية من السعي الى ملتقى يتناثر قبل انعقاده؟ يقال إن ما يترتب على إلغاء الحوار هو اقتناع الجميع بأن لا بديل عن القتال في الجبهات المسدودة والدموية. وهذا الإلغاء ينفخ في معنويات «داعش»، فهو دليل على انقسام معارضي هذا التنظيم انقساماً لا عودة عنه. ولكن التظاهر بعملية سلام يوجه رسالة الى الحكومة السورية مفادها بأنها لن تحاسب على مواصلة العنف المستشري والتصلب الديبلوماسي.

ولكن ثمة دواعي جغرافية – سياسية وراء مواصلة مساعي الحوار: حاجة روسيا والولايات المتحدة الى رعاية نوع من عملية سلام في سورية تساهم في تخفيف التوتر بينهما. وإذا تعذرت عملية سلام فعلية، فالتظاهر برعاية واحدة يعزز التقارب الاميركي- الروسي. ولا شك في ان كلاً من موسكو وواشنطن سعى الى انعقاد المفاوضات في جنيف. ولطالما ارتبطت الوساطة الاممية في سورية بالدعم الروسي والاميركي. وفي النصف الثاني من 2015، ساهمت 3 تطورات في دفع هذه المساعي قدماً: 1) بدا ان الاتفاق النووي الايراني المبرم في تموز (يوليو) المنصرم أرسى انفراجاً يمهد الطريق امام ديبلوماسية بناء في الشرق الاوسط. وإثر تدخلها في سورية في أيلول (سبتمبر)، برزت مؤشرات روسية الى رغبتها في حد تدخلها العسكري. 2) رأى القادة الغربيون ان هجمات تشرين الثاني (نوفمبر) في باريس سلطت الضوء على الحاجة الى استراتيجية جديدة في مكافحة «داعش». وهذه الاستراتيجية تنضوي على تسوية في سورية. وبدا فجأة ان مصالح القوى الكبرى بدأت تتقاطع على دعم السلام في سورية. 3) في مفاوضات فيينا في تشرين الثاني، رسم لاعبون بارزون، منهم ايران والسعودية، خططاً لوقف اطلاق النار في سورية وإرساء اسس عملية سياسية تطوي الحرب. وأذاع مسؤولون استخباراتيون غربيون معلومات عن تملق موسكو الاسد لحمله على الاستقالة. ولكن كيف انفرط عقد هذه المساعي؟ رفض الاسد التنحي. وعوض ان تتركه معلقاً من غير دعم، واصلت روسيا الهجمات الجوية ودعمت قواته البرية. وفي الوقت نفسه، استأنفت القوى الاقليمية شد حبال القوة بينها. وحال الاقتتال الداخلي في صفوف المعارضة السورية وافتقار هذه (المعارضة) الى مشروع سياسي دون الإعداد للمفاوضات. ولا شك في ان الفشل ينتظر مفاوضات جنيف. ووراء تأييد عملية ديبلوماسية تقودها الامم المتحدة 3 مسوغات، منها:

– كافحت الامم المتحدة من اجل اغاثة من يعانون في سورية، ووســعها من حين الى آخر تدبير وقف موقت لإطلاق النار في المدن المـــحاصرة. وعلى رغم ان مساعي الإغاثة لم تفلح في تخفيف أهوال الحرب، حري بالمــسؤولين مواصلة السعي لتخفيف معاناة السوريين.

– رؤية سياسية طويلة الأمد مفادها بأن عملية أممية، مهما كانت متعثرة، ينبغي ان تكون في متناول السوريين كلهم للحوار متى شاؤوا. فالامم المتحدة لم توقف مفاوضات السلام في قبرص في العقود الخمسة الاخيرة بين الاتراك واليونانيين. وساهم السعي الاممي الى جمع الاجنحة الصومالية المتباينة منذ منتصف التسعينات في خطو خطوات بطيئة نحو ارساء الاستقرار في الصومال في الاعوام الاخيرة. والصومال هو نموذج مأساوي ولكن قد يكون الاحتذاء عليه في سورية في محله. وقد تمضي الامم المتحدة اعواماً طويلة وربما عقوداً وهي تحاول رتق اواصر سورية.

– ثمة مؤشرات ايجابية صغيرة الى رغبة موسكو واشنطن في حد التنافس بينهما. وأعلن كيري أخيراً ان الأزمة الأوكرانية لم تعد تؤجج توتر العلاقات الاميركية – الروسية. ويرغب باراك اوباما في أن يسلم الرئيس الاميركي القادم علاقات مع روسيا أقل اضطراباًَ. وفي موسكو، ينشغل المسؤولون في جبه احوال اقتصادية قاتمة وثيقة الصلة بهبوط اسعار النفط. ولكن الصدام مع واشنطن والعقوبات الاميركية اثر الازمة الاوكرانية يفاقم المشكلات الروسية. لذا، ترغب كل من موسكو وواشنطن في تهدئة التوترات بينهما. وطالما يوحي جون كيري ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، انهما يتعاونان من اجل السلام في سورية، وسعهما الحؤول دون تقويض الحرب السورية خطوات المصالحة بينهما حول اوكرانيا والازمة الاقتصادية الروسية، ودون اطاحتها (الحرب السورية) مصالحهما المشتركة في الاتفاق الايراني.

* باحث، استاذ في جامعة كولومبيا، معلق، عن «وورلد بوليتكس ريفيو» الاميركية، /1/2016، اعداد منال نحاس

الحياة

 

 

لا يصدّقون أن لا استراتيجية أميركية واضحة! واشنطن في سوريا تقترب من الموقف الروسي/ روزانا بومنصف

سارعت الديبلوماسية الاميركية الى توضيح ما نقل عن اللقاء الذي عقده الوزير جون كيري لدى زيارته الرياض ولقائه وفد المعارضة السورية فيها، والذي أظهر تراجعا في الموقف الاميركي لمصلحة التقاء هذا الموقف أكثر مع المنطق او المقاربة الروسية من موضوع المفاوضات. وقد صدر بيان عن المبعوث الاميركي الى سوريا مايكل راتني حمل جملة توضيحات تظهر وجود مغالطات في ما نقل على نحو بدا مفيدا وفق بعض المتابعين الديبلوماسيين. والمحصلة التي تمثلت في الحصول على توضيحات او ضمانات مكتوبة وعلنية كانت جيدة بالاستناد الى البيان، نظرا الى الخشية التي اثارها، وهو ما يمثل تراجعا في الموقف الاميركي من التطورات السورية. والتراجع الذي شهده الموقف الاميركي من موضوع الرئيس السوري بشار الاسد على الاقل، واضح، وقد تدرج من وجوب رحيله وصولا الى فقدانه الشرعية ثم الى تقرير السوريين مصيره واحتمال ترشحه للانتخابات المقبلة على نحو يظهر اقترابا أكثر للموقف الاميركي من موقف روسيا على هذا الصعيد، خصوصا انه تم الاخذ بشروط موسكو ايضا في شأن وفد المعارضة الذي يدور في فلكها واعتباره استشاريا للموفد الدولي ستافان دو ميستورا. وهؤلاء المتابعون يخشون في الواقع تغييرا في الموقف الاميركي في ضوء جملة عناصر، من أبرزها أن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية محددة لها في سوريا على عكس ما تقوم به روسيا. وهناك ما دأب الرئيس الاميركي باراك اوباما على التعبير في شأنه طيلة السنوات الخمس الماضية من ان الموضوع السوري لا يكتسب اهمية كبرى بالنسبة اليه، وهو لا ينوي الانخراط فيه، باستثناء رغبته في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية. كما يخشى هؤلاء ان اوباما قد يحتاج في السنة الاخيرة من ولايته الثانية الى ان يختتمها بإنجاز يقول فيه ان مسارا للعملية السياسية السورية بدأ في الاشهر الاخيرة من عهده، وهو ما قد يدفعه الى مسايرة روسيا في طموحها لقيادة المسار السياسي وفق ما يناسب مصالحها واهدافها في سوريا. فالاداء الاميركي من الموضوع السوري لا يوحي الثقة، حتى لأبرز الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة لجهة التمسك بموقف صلب من الاساس في وجه الشروط الروسية أمام وفد المعارضة. اذ ان مجرد تخصيص وزير الخارجية الاميركية الجزء الاكبر من زيارته للرياض من اجل ايصال رسالة من هذا النوع الى المعارضة السورية يعني وجود خطأ جوهري انطلاقا من تنكب كيري بنفسه هذه المهمة، بدلا من التصدي للارادة الروسية في فرض شروطها على تشكيلة المعارضة. والمآخذ الاوروبية على الموقف الاميركي هو الحجم المتزايد من التنازلات، فيما تفتقد اوروبا القيادة الاميركية من جهة وعدم قدرة اوروبا في ذاتها على قيادة سياسة مختلفة أو أكثر صلابة في الشرق الاوسط. والواقع أن عددا من وزراء الخارجية الاوروبيين لم يخفوا تأييدهم لوفد المعارضة الذي تألف في الرياض وعدم مسايرة شروط موسكو، أكان ذلك مسايرة للراعي المعنوي لهذه المعارضة، أي المملكة السعودية، أم اقتناعا بأحقية أن تشكل المعارضة وفدها من دون أن يفرض الخارج، أي خارج، شروطا عليها، خصوصا متى كان كروسيا، باعتبارها طرفا منخرطا في الحرب وليس وسيطا حياديا.

والمشكلة وفق ما تظهر لهؤلاء المتابعين هي عدم استيعاب الاوروبيين كما دول عدة في منطقة الشرق الاوسط اختلاف الدور الاميركي في شكله الجديد مع ادارة اوباما، على رغم مشارفة الولاية الثانية لهذا الاخير على الانتهاء. ولا يزال هؤلاء جميعهم يحاسبون الولايات المتحدة او ينتقدونها بناء على ما هو متوقع منها. فمع أن هناك دراسات كثيرة تحدثت عن ذلك، فضلا عن ان محطات عدة أثبتت ان اميركا التاريخية ما بعد الحرب العالمية الثانية ليست هي نفسها اميركا التي لم تعد ترى مصالح كبيرة لها في المنطقة، اللهم باستثناء بعض المصالح كـأمن اسرائيل في الدرجة الاولى والعلاقات الجيدة مع المملكة السعودية. فمنذ تراجع الولايات المتحدة عن قيادة الغرب في محطة بارزة أكثر ما تجلت إبان الحملة الغربية لدفع معمر القذافي الى التنحي والرحيل، وسرى ما بات يعرف بالقيادة الاميركية من الخلف، لا يزال ذلك قائما. والتسليم لروسيا في سوريا، أيا تكن طبيعة الاتفاق في ما بينهما، وان كان يتضمن ان تتخلى روسيا لاحقا عن بشار الاسد او تدفعه الى الرحيل بغض النظر عما إذا كانت روسيا ستلتزم ذلك او تبدله على الطريق الى الحل السياسي، فإن ما يبدو واضحا على الاقل ان الادارة الاميركية لا تزال تعتمد الاسلوب نفسه، بمعنى ان سوريا غير مهمة بالنسبة اليها، خصوصا بعد نزع السلاح الكيميائي الذي كان يمكن ان يهدد اسرائيل. وسوريا نفسها لم تعد تشكل أي تهديد، فيما تعول الادارة الاميركية على انتخابات ايران لكي تأتي بالفريق الاصلاحي، على أن يساهم وصول هذا الاخير في هدايا معينة بعد حين تضمن أمن اسرائيل، أكان الأمر يتناول اسلحة “حزب الله” أم سوى ذلك.

النهار

 

 

 

رصاصة في رأس “جنيف – 3″؟/ راجح الخوري

قبل وصول تصريح ستافان دو ميستورا عن ان مفاوضات “جنيف – ٣” بين السوريين ستبدأ يوم ٢٩ الجمعة المقبل، تعمّد فلاديمير بوتين ان يضع رصاصة في رأس هذا المؤتمر وفي رأس مهمة هذا المبعوث الدولي الطويل البال الذي كان يلوّح بالاستقالة قبل يومين، لكنه على ما يبدو قرر ان يلاحق الفشل الى آخر خطوة… حرام!

في محاولة لامتصاص صدقية الخبر الذي نقلته “الفايننشال تايمس” عن ان بوتين أبلغ الأسد جدياً ان عليه ان يستعدّ للرحيل، ادّعى بوتين أمس ان “روسيا لا تنوي التدخّل في الشأن السياسي السوري… وان المهمة الرئيسية لموسكو هي مساعدة القيادة الشرعية لسوريا على القضاء على الارهابيين”… ملائكة الكرملين؟

طبعاً في هذا الكلام ما يدعو الى السخرية، فلا الجيش الروسي مجرد مرتزقة يساعد النظام السوري ويقيم المطارات ويوسّع المرافئ ويقصف الارهابيين والمعارضين وحتى المدنيين أحياناً، من دون هدف سياسي محدد، ولا موسكو هاوية عداوات مجانية مع تركيا وغير تركيا في المنطقة، ولا علاقة لها البتة بسياسة نظام الأسد الذي استجلب العالم تقريباً للقتال في سوريا معه وضده!

إذاً علينا ان نصدق ان “القدير” أرسل الرفيق بوتين من الفضاء الخارجي لمقاتلة الارهابيين مجاناً ومن أجل عيني الأسد فحسب، لكن هذا لن يغيّر حرفاً واحداً من صدقية رواية “الفايينشال تايمس” التي تعمدت قبل نشر الخبر ان تسأل وزارة الخارجية الروسية ثم وزارة الدفاع، فلم تحصل على جواب وقت كانت مصادرها تؤكد ان بوتين أوفد رئيس استخباراته السابق ايغور سيرغون ليبلغ الأسد ان عليه ان يستعد للرحيل!

لنتصور ان بوتين لم ينفِ هذا الخبر الصحيح، ماذا ستكون النتيجة على المحادثات في “جنيف – ٣”، وهل كان من المفترض ان تعقد في وقت يظنّ المعارضون مثلاً ان الأسد منهمك فعلاً بحزم حقائبه؟

ثم ان المرء يحتاج الى مقدار كبير من الحماقة ليصدّق ان حظوظ “جنيف – ٣” ستكون أفضل من حظوظ المؤتمرات السابقة، سواء كانت في جنيف أو في موسكو عينها، وفي هذا السياق يبدو ان محتوى القرار ٢٢٥٤ قد أُفرغ من مضمونه أكثر من مرة، فلا روسيا أو ايران أو النظام قبلت بوفد المعارضة الذي شكّل في الرياض، وهو ما دفع الى تمرير أسماء يفرضها الروس كوفد ثالث، مهمته تخريب المفاوضات بموافقة اميركية ضمنية واضحة.

والدليل ان جون كيري لحس كل ما قيل سابقاً عن المسألة الانتقالية، فالحديث الآن عن حكومة وحدة وطنية تبقى تحت سيطرة النظام ولا تشير من قريب او بعيد الى مصير الأسد… وبوتين لا يتدخل في السياسة الداخلية السورية… والقصة طويلة والموت أطول!

النهار

 

 

قطار جنيف السوري… مفخّخ/ موناليزا فريحة

ليس ثمة فريق في النزاع السوري يريد البقاء بعيداً من عملية السلام التي يفترض انطلاقها في جنيف. النظام منهك بعد خمس سنوات من الحرب، وإن تكن معنويات جيشه انتعشت أخيراً بفضل التدخل الروسي. مجموعات المعارضة المسلحة، أو معظمها على الأقل، تدعم وقفاً للنار مع النظام واقامة مناطق آمنة بين الجانبين للسماح بدخول المساعدات الانسانية. القوات الكردية التي حققت “انتصارات” على جبهاتها لم تعد تريد أن تكون وقوداً لمدافع الأميركيين الذين يسارعون الى التخلي عنها عند أول اشارة تركية. وحتى “داعش” غير المدعو الى جنيف أصلاً، يبدو اشد انكسارا تحت الغارات الدولية والروسية، وإن يكن بعيداً من الانهزام بعد.

إذاً، بات الانهاك قاسماً مشتركاً بين الجميع في الميدان السوري. ولأن حروباً كثيرة انتهت عند وصول المتقاتلين الى وضع مشابه أكثر مما الى اتفاقات جدية، تبدو الظروف مثالية لاطلاق محادثات السلام. لكنّ العقدة الرئيسية التي يفترض أنها لا تزال تعوق انطلاق قطار جنيف ليست في تركيبة الوفد المعارض، وإنما في الهدف الحقيقي للقاءات السورية – السورية. بكلام آخر، إنه هدف المحادثات الذي يجب أن يحدد تشكيلة المعارضة السورية، لا العكس. فاذا كانت غايتها حلاً يرسي وقفاً للنار وتشكيل قوة مشتركة لمقاتلة “داعش” أو منعه من التوسع، تصير الجماعات السورية المقاتلة، بما فيها “جيش الاسلام”، شريكاً اساسياً في هذه اللقاءات. أما اذا كان مغزاها اجراء جراحة “تجميلية” للنظام برعاية روسية – أميركية – ايرانية، حينذاك يمكن قطار جنيف أن ينطلق بمن يحضر الجمعة. وهكذا من الافضل أن تكون المعارضة التي تحظى برضا النظام وموسكو ومعهما أميركا على ما يبدو، في الصفوف الأمامية، والا تعذّر اعلان “نجاح” جنيف الثالث وواجهت العملية مصير سابقتها.

خطيئة كبيرة تُرتكب في حق سوريا والسوريين اذا فرض اتفاق باهت تنبثق منه حكومة سورية لا تعكس توازناً داخلياً واقليمياً حقيقياً. حكومة كهذه تحظى بدعم روسي – أميركي قد تكون ولا شك قادرة على استدعاء تدخلات دولية ضد “داعش” و”النصرة” وغيرهما، الا أنها لن تكون قادرة على ضمان عدم خروج عشرات من التنظيمات الاخرى التي لا تقل عنها وحشية وفتكاً. ولعل أحداً لم ينس بعد كيف هزمت واشنطن الجيل الثاني من “القاعدة” بتعاون مع الحكومة العراقية لتعود وتكتشف بعد سنوات أن تنظيماً آخر ولد من رحم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، وأن مقتل أبو مصعب الزرقاوي لم يحل دون “تفريخ” قيادات أخرى لا تقل دموية عنه مثل أبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني وغيرهما.

النهار

 

 

 

 

تركيا تستنفر سياسياً قبل جنيف السوري/ إسطنبول ــ باسم دباغ

لم تبدِ الحكومة التركية أي تحفّظات على مشاركة وفد المعارضة السورية في محادثات جنيف، على الرغم من الشروط الأميركية ـ الروسية الجديدة والمجحفة، التي تمّ فرضها على المعارضة السورية. وبينما حافظت على موقفها الرافض وبشدة لمشاركة حزب “الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب “العمال” الكردستاني في وفد المعارضة في جنيف، تعيش أروقة اتخاذ القرار في أنقرة نوعاً من الاستنفار السياسي، تمّت ترجمته باجتماع غير اعتيادي لمجلس الأمن القومي، اليوم الأربعاء، بقيادة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أن يبدأ رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، جولة خارجية بدءاً من السعودية، يوم الجمعة، لمدة ثلاثة أيام، سيكون التفاهم على القضية السورية أحد أهم محاورها. ويتمّ ذلك بالتزامن مع تعزيز التعاون العسكري الأميركي ـ التركي في الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على قدم وساق.

ويجري مجلس الأمن القومي التركي، اليوم، اجتماعاً غير عادي بقيادة أردوغان، إذ كان معتاداً إجراء اجتماعات دورية كل شهرين. الاجتماع هو الأول من نوعه الذي يعقد، في شهر يناير/كانون الثاني منذ 12 عاماً، وذلك لمناقشة عدد من القضايا، من بينها المعارك مع الكردستاني في جنوب شرق البلاد، وكذلك التطورات المتسارعة التي شهدتها القضية السورية، خلال الأسبوع الماضي، لتحديد الأسس والركائز التي ستُبنى عليها السياسة الخارجية التركية في هذا الملف خلال الأشهر المقبلة.

” في هذا السياق أكد داود أوغلو، أمس الثلاثاء، خلال كلمة ألقاها في اجتماع كتلة “العدالة والتنمية” النيابية، على دعم أنقرة لوفد المعارضة السورية في محادثات جنيف، مشدداً على “ضرورة مشاركة كافة الأطياف السورية المتمثلة بالعرب والتركمان والأكراد والسنة والعلويين والمسيحيين”.

وأضاف داود أوغلو، “ندرك تماماً أهمية مشاركة كافة الأطياف السورية في المحادثات التي ستجري، خلال الأيام المقبلة، إلّا أننا لا نسمح ولا نقبل بمشاركة التنظيمات الإرهابية في هذه المحادثات بين صفوف المعارضة المعتدلة التي تمثل عامة الشعب السوري، فإذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يرغب في المشاركة بهذه المحادثات، فعليه أن يشارك إلى جانب النظام السوري الذي يقوم بالتعاون معه لقتل الشعب السوري”. مع العلم أن صالح مسلم، أحد رئيسي حزب “الاتحاد الديمقراطي” توقع أن “تتمّ دعوة الحزب للمشاركة في المحادثات”.

يأتي ذلك في الوقت الذي تتسارع الخطى بين أنقرة وواشنطن لتعزيز التعاون العسكري بينهما فيما يخص الحرب على “داعش”، وبينما يبدو الطرفين متقاربين فيما يخص ملف محاربة التنظيم في العراق لتواجد قوات “البشمركة” التابعة لمسعود البارزاني حليف تركيا، وبسبب الخطوات التي اتخذها الأميركيون في تسليح عشائر العرب، يبقى “الاتحاد الديمقراطي” عقدة تعوق تحقيق أي تقدم جديد على الجبهة السورية.

وبعد أيام من زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى إسطنبول، يبدأ قائد القيادة المركزية لسلاح الجو الأميركي الجنرال، تشارلز براون، زيارة إلى أنقرة، في الأول من فبراير/شباط المقبل، تستمر يومين، يلتقي خلالها نظيره التركي الجنرال، عابدين أونال، وعدداً من المسؤولين الأتراك. فيما سيقوم وزير الأمن الداخلي الأميركي، جيه جونسون، في فبراير، أيضاً، برئاسة وفد من عدّة وكالات أميركية، ليعرض على الحكومة التركية قائمة بالتكنولوجيات التي يمكن أن تستخدم في ضبط الحدود، من المرجح أن تشمل بالونات المراقبة وتكنولوجيا كشف الأنفاق، وكذلك إتاحة وسائل رصد المواد المستخدمة في صناعة العبوات التفجيرية.

” ومن المقرر أن يزور براون القاعدة التركية الجوية في مدينة دياربكر جنوب شرق البلاد، والتي تعتبر إحدى أكبر القواعد العسكرية في المنطقة، لبحث إمكانية استغلالها في شنّ هجمات على “داعش”، بعد أن كانت على قائمة قواعد العمليات الثانوية لاستخدامها في حالات الطوارئ وعمليات الإنقاذ. كما سيناقش براون إمكانية تحرير الأراضي السورية المحاذية للحدود التركية، والممتدة بين مدينتي جرابلس ومارع من قبضة التنظيم، إذ يضغط الأتراك على الإدارة الأميركية لتقديم غطاء جوي لعناصر المعارضة السورية المعتدلة، ممثلة بـ”الجبهة الشامية” وعدد من كتائب الجيش الحر، المرابطة على خطوط التماس مع “داعش” في المنطقة، بعد أن توقف سلاح الجو التركي عن دخول الأجواء السورية، تلافياً لأي احتكاك مع روسيا، إثر قيامه بإسقاط طائرة روسية على الحدود السورية.

وبعد الخلافات مع الحكومة المركزية في العراق، يسعى الأتراك لتغطية قاعدتهم العسكرية في منطقة بعشيقة (زليكان)، شمال العراق، عبر الضغط على الأميركيين لضمها واعتبارها إحدى القواعد التابعة للتحالف الدولي ضد التنظيم. الأمر الذي أكده وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يوم الاثنين، قائلاً إن “تواجدنا في العراق يهدف إلى تقديم الدعم في القتال ضد داعش، وكذلك تدريب قوات البشمركة وقوات الحشد الوطني المتواجدة في الموصل”. وتابع “في الزيارة الأخيرة لبايدن إلى إسطنبول، ناقشنا كيفية دمج قواتنا مع باقي قوات التحالف المتواجدة على العراق، كون العراق يضم قوات أميركية وقوات من دول أخرى في التحالف، تعمل على تقديم الدعم والتدريب، وتستمر لقاءاتنا حول كيفية دمج قواتنا بباقي قوات التحالف والعمل على قتال داعش بشكل فعال”.

العربي الجديد

 

 

 

المفتاح السوري في الخليج/ عبد الرحمن الراشد

وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي كثَّف نشاطه في الأيام القليلة الماضية من أجل عقد مؤتمر جنيف الموعود، يحاول أن يحصل على تنازلات تؤدي في الأخير إلى حل سياسي للأزمة والمأساة السورية، في مشوار طويل من المفاوضات. وهي مهمة نبيلة لولا أن الوزير كيري لن يحصل على الحل الذي يتمناه، ويتمناه معظم دول العالم، بوقف القتال هناك. فالإصرار على تهميش دور المعارضة السورية الوطنية الحقيقية، وأي قبول باستمرار بشار الأسد في الحكم، لن يجلب سوى الفشل، حتى وإن تم التوقيع على اتفاق مبدئي في المفاوضات المقبلة.

والنقطة التي يجب ألا ينساها هؤلاء، لن يكون هناك حل مقبول للشعب السوري ما لم تؤيده دول الخليج وتركيا. لن يستطيع وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا فرض حل من دون دعم وترويج له من قبل هذه الدول، لأنها الوحيدة التي يوثق بوعودها عند غالبية السوريين في الداخل والخارج، بحكم تضامنها والتزامها معهم منذ بداية محنتهم. وبالتالي مفتاح الحل موجود في الخليج وتركيا، وليس في جنيف. وفي الوقت نفسه هذه الدول لا يعقل أن تقبل بتوقيع اتفاق، والدفاع عنه، يبقي الأسد رئيسًا. أمر لن يرضى به أحد في معظم العالم العربي، الذي يعتبر الأسد أعظم مجرم عرفته المنطقة. هذا بالنسبة لمشاعر ملايين الناس الغاضبة هنا. أما من حيث الحسابات السياسية للحكومات فإن دول الخليج تعرف أنه من قبيل الانتحار لها أن تترك سوريا أيضًا للنظام الإيراني الذي يتمدد في منطقتها مثل السرطان.

وربما، من المفيد أيضًا تذكير الوزير كيري كيف تبدو الصورة من الجانب العربي. الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن إيران، وتعطيها دفعة أولى خمسين مليار دولار. وتتعاون معها عسكريًا في العراق. وتغمض عينيها عن إدارتها للميليشيات من أنحاء العالم للقتال في سوريا. ولا تكتفي بالتعامل مع نظام الأسد، بل تسكت عن تزوير الإيرانيين هوية المعارضة السورية، التي تريد فرض قائمة شخصيات ومنظمات تدعي أنها معارضة، وهي جزء من النظام السوري؛ أي من خلالها.. الأسد يفاوض نفسه!

لم نعرف في تاريخ حوار الأزمات أن يقرر طرف على الطرف الآخر من الطاولة من يمثلهم!

وحتى لو ساقوا المعارضة مرغمة إلى النهر فإنهم لن يستطيعوا أن يجبروها على أن تشرب منه. ولو وقَّعت اتفاقًا يقضي بتشكيل حكومة مشتركة مزورة، كما يأمل الإيرانيون، فإن هذه الحكومة لن يسمح لها بجمع القمامة؛ أي لن يعترف أحد بشرعيتها، فما بالنا في وقف القتال وجمع السلاح وعودة اللاجئين، وإجراء مصالحات متعددة.

السوريون قد يقبلون بحكومة مشتركة مع نظام يكرهونه حبًا في السلام، لكن لا يعقل أن يطلب منهم أيضًا القبول بأن يستمر في حكمهم بالذي قتل أكثر من ثلث إنسان. وأستبعد أن ترضى بهذا الحل حكومات الخليج وتركيا التي تعرف أن هذا الحل سيرفع من وتيرة الحروب في المنطقة.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

لماذا تصر روسيا على التدخل بوفد المعارضة السورية؟/ افتكار مانع-موسكو

مع اقتراب موعد عقد محادثات جنيف بين النظام والمعارضة السوريين، يبدو أن الانقسام الدولي بشأن تشكيلة وفد المعارضة ما زال يشكل العقبة الأولى تجاه انعقادها، فضلا عن نجاحها، بينما تصر روسيا على إقحام شخصيات تُحسب على النظام في وفد المعارضة.

وكثيرا ما صرح مسؤولون روس بتمسك روسيا بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2256 بخصوص تشكيل وفد شامل للمعارضة السورية، مع إصرارهم على عقد المفاوضات دون تأجيل.

وفي حين أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروف أن الولايات المتحدة تراجعت عن مواقفها إزاء تشكيل وفد المعارضة، أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف اليوم ضرورة مشاركة الأكراد في الوفد، وهو أمر ترفضه تركيا بشدة.

وكان وزير الخارجية الألماني فالتر شتاينماير دعا إلى مشاركة جماعات “المتمردين الإسلاميين” في مفاوضات جنيف، كما تؤيد فرنسا مشاركة جيش الإسلام لتمتعه بنفوذ عسكري وميداني واسع، مما يزيد من شرعية وفد المعارضة.

ضرورة دولية

ويقول المستشرق والخبير الروسي يوري زينين للجزيرة نت إن تشكيلة وفد المعارضة السورية تشكل حجر عثرة أمام عقد أي مفاوضات، فروسيا عندما عقدت لقاءات موسكو1 و2 كانت تسعى للمساعدة في تشكيل وفد للمعارضة، ولكن جهودها تصطدم بالجهات الداعمة للمعارضة السورية، حسب رأيه.

وأشار إلى أن اشتراط المعارضة رحيل رئيس النظام بشار الأسد لا يلقى قبولا روسيا، وأن العديد من قادة العالم لم يحسموا أمرهم بهذا الشأن، مبينا أن بعض قيادات المعارضة ترى أن إيقاف الحرب في سوريا سيمنع انهيار “الدولة السورية” بغض النظر عن مصير الأسد.

أما عضو أكاديمية العلوم الروسية فيكتور ميخين فقال إن “التنظيمات الجهادية المتطرفة التي يُراد القضاء عليها تزداد تمددا ونفوذا”، مؤكدا أنه يجب على المجتمع الدولي إيجاد حل لذلك، وأن هذا ما دفع روسيا سابقا إلى عقد مؤتمر يجمع النظام والمعارضة.

وألقى ميخين باللائمة على السعودية في إفشال هذا المسعى الروسي، بوصفها ترعى عددا من فصائل المعارضة السورية مثل جيش الإسلام وأحرار الشام، وأنها ترفض أيضا إشراك فرقاء “مهمين” في المعادلة السورية، مثل هيئة التنسيق الوطني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري “وحدات الحماية”، وقوات سوريا الديمقراطية.

طرف بالنزاع

في الجانب الآخر، عبّر المعارض السوري المقيم في روسيا محمود الحمزة عن أسفه من تحول الدور الأميركي إلى تبني وجهة النظر الروسية، وقال إن وزير الخارجية جون كيري أصبح يروج للمطالب الروسية بشأن تشكيل وفد المعارضة السورية.

واتهم الحمزة روسيا بأنها تريد معارضة “مدجنة” مقربة من نظام الأسد، بحيث يضم وفدها شخصيات مثل قدري جميل وصالح مسلم وهيثم مناع، بهدف منح صك براءة للنظام وإعادة تدويره هذه المرة لمكافحة الإرهاب، حسب قوله.

وأعرب المعارض السوري في حديثه للجزيرة نت عن قناعته بوجود صفقة عُقدت بين الجانبين الروسي والأميركي على حساب قضية الشعب السوري، مضيفاً أن موسكو لا تملك أي حق في تحديد من يفاوض النظام، وذلك “لأنها طرف في النزاع، حيث تلقي طائراتها مئات القنابل والصواريخ فوق المدن السورية”.

الجزيرة نت

 

 

 

قراءة في «الاتفاقية» الروسية مع الأسد/ محمد مشموشي

ليس تفصيلاً، ولا هو أمر عادي في هذه الفترة بالذات، أن يعمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توقيع اتفاقية عسكرية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. ففي كلام بوتين نفسه، غداة إرسال قواته إلى سورية في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، أن مهمتها الأساسية هي محاولة إنقاذ هذا النظام من السقوط، بل حتى أن شعار محاربة الإرهاب لم يكن إلا ذريعة للتغطية على هذا الهدف.

إذاً، فلهذه الاتفاقية عنوان واحد لا غير: إنقاذ نظام الأسد، إن لم يكن إنقاذ الشخص تحديداً. أما في التفاصيل، حيث النص في الاتفاقية على أن مدة بقاء القوات الروسية مفتوحة «لأمد غير محدد»، وأنه «في حال رغب أحد الجانبين في إنهاء العمل بأحكامها، يتوجب عليه إبلاغ الجانب الآخر خطياً… لكي يسري إنهاء العمل بعد مرور عام كامل على تلقي الإشعار الخطي»، فلا حاجة إلى القول أن لذلك أهدافاً سياسية وحتى استراتيجية كبرى. وفي الحال السورية الراهنة، بخاصة إذا ما أضيفت سنوات أخرى في عمر النظام، يكون «انتداب» القوات الروسية على سورية، أرضاً وشعباً ودولة، مرتبطاً بشخصين فقط لا غير: فلاديمير بوتين وبشار الأسد.

لكن، هل هو «انتداب» فقط؟ الواقع أنه يبدو أبعد من ذلك، وقد يرقى إلى مستوى «احتلال»، وإن لجزء من الأرض فضلاً عن احتلال الأجواء والمياه الإقليمية، إذا ما نظر إليه من زاوية أن أحد الموقعين عليه (الأسد) يقمع ثورة شعبية مستمرة ضده منذ قرابة خمس سنوات وقد قتل من شعبه مئات الآلاف وشرد الملايين. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فلأن تعبير الانتداب (mandate) في حد ذاته له علاقة بالقانون الدولي، كما كانت حال الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان مطلع القرن الماضي، والذي تم بقرار من «عصبة الأمم»، بغض النظر عن أحقية هذا القرار أو موقف الشعب السوري منه.

أكثر من ذلك، فإذا كان «ممثلو هياكل السلطة السورية لا يحق لهم دخول أماكن انتشار المجموعات الجوية الروسية من دون موافقة قائدها»، كما نصت الاتفاقية التي نشرها موقع «العربية.نت»، وكانت هذه المجموعات تمتلك «جميع الحصانات التي تمنع محاكمة أفرادها أو اعتقالهم أو استجوابهم»… أو حتى تفتيشهم من جانب الأجهزة الأمنية أو الجمركية السورية، فإن ما أرادته موسكو منها يكون أبعد من الأحكام الواردة في الاتفاقية، وحتى من العنوان المعلن أيضاً (إنقاذ نظام الأسد من السقوط) إياه.

يؤكد ذلك، مباشرة أو في شكل ضمني، عدد من الوقائع التي كشفتها نصوص الاتفاقية كما يأتي:

أولاً، إن التوقيع على الاتفاقية تم في 26 آب (أغسطس) 2015، أي قبل أكثر من شهر من الكشف عن وصول الطائرات والمعدات الروسية إلى طرطوس، والقول أن هدفها حماية النظام ومكافحة الإرهاب… وأنها (لمن يمكن أن يعترض؟!) تمت تنفيذاً لـ «معاهدة الصداقة والتعاون» المعقودة بين الاتحاد السوفياتي السابق وسورية في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 1980.

وفي ما يعنيه ذلك، من ضمن معانٍ أخرى، أن الاتفاقية الجديدة ستستمر لعقود كما هي حال معاهدة 1980.

ثانياً، إن مواقع العمل هي «المنشآت والعقارات الواقعة في أماكن انتشار المجموعات الجوية الروسية وبينها المباني وملحقاتها وكل المنشآت الأخرى القائمة على الأراضي… التي يتم تسليمها إلى الجانب الروسي، أو التي تقع أصلاً في ملكية روسيا الاتحادية».

واللافت هنا، ليس فقط الكلام عن منشآت وعقارات ومبانٍ وملحقاتها إلخ… إنما أيضاً عما «تقع أصلاً في ملكية روسيا الاتحادية»، بما قد يعني احتمال بيع أو تمليك أراض جديدة لروسيا، فضلاً عن عدم تعيينها أو تحديد مساحاتها.

ثالثاً، على عكس المتعارف عليه دولياً، كما هي الحال بالنسبة للقواعد العسكرية التي تقيمها دولة ما على أراضي دولة أخرى، تنص الاتفاقية على ألا تدفع أي أموال كبدل إيجار على سبيل المثل. وقد ورد ذلك حرفياً في شأن مطار حميميم (ريف اللاذقية) الذي يستخدم «بكل منشآته التحتية وملحقاته وكذلك الأراضي اللازمة لتنفيذ المهمات التي يتفق عليها فيه من دون أي مقابل».

رابعاً، إن واقع أن ما وصف بـ «إدارة وتنظيم نشاط وعمل المجموعات الجوية الروسية» تتم بتخطيط وإقرار من الجانب الروسي الذي يقوم بـ «إشعار الجانب السوري»، يكشف في الواقع طبيعة الاتفاقية وكونها تقيم «دولة روسية» ضمن الدولة السورية. في الوقت ذاته، تقدم إحدى المواد الدولة الأخيرة في صورة من يتحمل الغرم، كل الغرم، عندما يتعلق الأمر بأطراف ثالثة يمكن أن تتضرر نتيجة أعمال الدولة الأولى. تقول المادة المشار إليها في هذا المجال: «تأخذ الجمهورية العربية السورية على عاتقها تسوية أي مطالبات أو شكاوى يمكن أن ترفعها أطراف ثالثة إذا ما تعرضت لأضرار بسبب نشاطات المجموعات الجوية الروسية في سورية».

وفي الأمرين منتهى التسليم السوري بسلطة «الاحتلال»: أولاً، لجهة أخذ العلم فقط، وبعد التنفيذ، بما تقوم به القوات الروسية. ثانياً، تحمل تبعات هذه الأعمال أمام العالم الخارجي ودول الجوار.

ويجوز الظن أن لا مثيل لذلك في العلاقات بين دول العالم. وقد يكون مفيداً في هذا الصدد التذكير بأن تركيا رفضت استخدام قاعدة إنجرليك الأطلسية (وتركيا عضو في الحلف) القائمة على أراضيها للإغارة على العراق أثناء غزوه عام 2001، وأن الولايات المتحدة (وليس اليابان مثلاً أو كوريا) هي التي دفعت تعويضات لفييتنام عن الخسائر التي ألحقتها بها مقاتلاتها التي كانت تنطلق من البلدين للإغارة على فنوم بنه.

في أي حال، يبدو جلياً أن في الاتفاقية، كما في القصف الروسي المتعمد للثوار، ما يؤكد أن أهداف بوتين في سورية (أوكرانيا ثانية في الشرق الأسط) تتعدى كل ما قاله من قبل ومن بعد في هذا الشأن.

لكن، فيها ما هو أفدح من ذلك: استعداد بشار الأسد لبيع كل شيء من أجل البقاء في السلطة… من لواء الاسكندرون، إلى القاعدة البحرية في طرطوس، إلى القاعدة الجوية في ريف اللاذقية وغيرها من المواقع، حتى لا نتحدث عن تسليم سورية كلها إلى «الولي الفقيه» في إيران.

الحياة

 

 

 

النخوة الأميركية/ امين قمورية

منذ بدء الأزمة السورية، حيرت واشنطن بمواقفها حتى المنجمين. كلامها في الليل كان يمحوه سلوكها في النهار. أيدت المعارضة السورية لكنها لم توفر أي دعم ملموس لها. شدّدت على رحيل الأسد لكنها خلصت الى ضرورة بقائه لفترة انتقالية قد تطول أو تقصر. رسمت خطوطاً حمراً سرعان ما أسقطتها بنفسها. غضت النظر عن التدخل الروسي مع انها تدرك ان موسكو جاءت لتحسم عسكرياً أقله في منطقة الساحل امتداداً الى ريف دمشق لارغام المعارضة على القبول بشروطها على طاولة المفاوضات اذا التأمت، كما تدرك ان الكرملين يتطلّع من خلال التفاوض الى صفقة دولية تضمن له دوراً استراتيجياً أكبر من سوريا، في حين أنها لم تكلف نفسها عناء التخلي عن دولار واحد من أجل سوريا فكيف اذا كان الأمر يتعلق باثمان استراتيجية يتعيّن عليها دفعها لأبرز خصومها؟

آخر المفارقات، أوباما يتجاهل أي ذكر للازمة السورية في خطابه الأخير عن حال الاتحاد ولم ترد كلمة سوريا على لسانه ولا مرة واحدة، وفي الوقت نفسه تبدو ادارته بين كل الأطراف الفاعلين على الأرض السورية الأكثر حماسة لاطلاق المسار السياسي في جنيف. تضغط على المبعوث الأممي لتفعيله. تسعى الى جر الجميع للمشاركة. ويكاد كيري ان يكسر الجرة مع المعارضة السورية بتهديده اياها بالعقاب إذا رفضت المشاركة في المحادثات. أما بايدن، فيضغط على تركيا لسحب اعتراضها على اشتراك اكراد سوريا في المفاوضات، وفي الوقت نفسه يغريها بابداء استعداد واشنطن لعمل عسكري في سوريا في حال فشل الحل السياسي وبالبحث عن سبل المعارضة العربية “السنية” السورية.

هل هبط الوحي فجأة على الادارة الاميركية وما سرّ هذه النخوة ؟ وهل آن الأوان لغفران خطاياها تجاه السوريين بعدما استنكفت طويلاً عن مد يد العون اليهم؟ وما الذي تغير كي تقبل بمفاوضات تحدد سقفها روسيا بتلبية مطلبها اشراك وفد ثان من المعارضة قريب من موسكو وبتنحية شرط رحيل الأسد؟

الأرجح ان الادارة الاميركية الحالية تدرك صعوبة انجاز تسوية شاملة في سوريا في الفترة الباقية من اقامتها في البيت الأبيض نظراً الى شدة تعقيداتها وتشابك ملفاتها، لذا لا يضيرها في مرحلة الانتخابات الرئاسية ان تظهر أمام الأميركيين مظهر الحريص على حل المشكلات العالمية الصعبة من دون التضحية بدم أي جندي أميركي. فالى نجاحها في طي الملف النووي الايراني وانفتاحها على اعدائها السابقين في ايران وكوبا وفيتنام، ها هي تنجح أيضاً في وضع الملف السوري على مسار التفاوض.. وليس مهماً بعد ذلك النتائج أو على حساب من ستكون التكلفة!

النهار

 

 

 

“تطمينات” كيري تكرّر حكاية إبريق الزيت وتصعيد الضغوط لتنازلات في الملف السوري/ روزانا بومنصف

اكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال زيارته للمملكة العربية السعودية ولقائه نظراءه من دول مجلس التعاون الخليجي غداة رفع العقوبات الاميركية والدولية عن طهران تنفيذا للاتفاق النووي الذي وقع بين ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا، وجود تحالف وصداقة قوية بين واشنطن والرياض، وان علاقتهما لم تتبدل نتيجة لتوقيع الاتفاق النووي مع ايران. وسبق للولايات المتحدة أن توجت تطميناتها للدول الخليجية في مؤتمر كامب ديفيد في ايار من العام الماضي مع التقدم الذي كانت تحرزه الدول الغربية في المفاوضات مع طهران وبعد زيارات مكوكية للوزير كيري للدول الخليجية، بمجموعة من الالتزامات المعنوية التي نسفها أو كاد اداء اميركي مقلق وغير مريح في المنطقة. ومن المرجح ان تستمر الولايات المتحدة في حاجة الى تأكيد تحالفها مع الدول الخليجية مع الانفتاح المرتقب على طهران في الاشهر المقبلة، وقد باتت التسريبات الاعلامية عن الصفقات المتعلقة بشراء الطائرات وما الى ذلك تطغى على محاولات الطمأنة من أي دولة من الدول الغربية التي تسعى الى موازنة علاقاتها بين الدول الخليجية وايران، من دون ان تؤذي الدول العربية ولا تهمل ما يمكن أن تشكله إيران المتعطشة الى العودة الى المجتمع الدولي بكل ما يتطلبه ذلك. فرئيس الديبلوماسية الاميركية أعاد في الرياض تكرار ما سبق ليس للمملكة السعودية ان كررته طوال العامين الماضيين مما تعتبره دعم ايران للارهاب، بل هو اطاح المخاوف او حتى التحذيرات الاسرائيلية في هذا الاطار، وسط تساؤلات كبيرة عما إذا كانت اسرائيل قد تقاضت ثمنا أو ستتقاضى أثمانا لقاء رفع العقوبات عن طهران. ففي خضم الصراع العربي الفارسي في المنطقة، لا تبدي اسرائيل قلقا كبيرا يستوقف الولايات المتحدة او سواها في ظل واقع يشي بعدم رغبة اسرائيل في اشاحة الانظار في اتجاهها ما دام الاهتمام مركزا على الصراع في دول المنطقة وبينها. وقال كيري ان بلاده لا تزال ترتاب في نشاطات ايران في المنطقة، مشيرا الى أن الاسلحة لـ”حزب الله” أتت من ايران عبر دمشق وان الحزب يملك ما بين 70 الف الى 80 الف صاروخ، متسائلا لماذا يحتاج الحزب الى كل ذلك؟ هل أسمع كيري الرياض ما ترغب في سماعه في موضوع التهديدات التي تشكلها طهران عبر تدخلاتها في المنطقة من أجل طمأنتها، بعدما تصاعد الصراع بين السعودية وايران الى أقصى مدى يمكن أن يبلغه من دون الدخول في حرب مباشرة بين الطرفين أو يترك انطباعا أنه تلقى ضمانات من طهران حول سلاح “حزب الله” وطبيعة استخداماته في المرحلة المقبلة، بمعنى حصوله من ايران على ضمانات في شأن أمن اسرائيل، بما يجعل هذه الصواريخ غير ذات أهمية بعد الآن، او انه يقول ان ذلك سيكون من ضمن اي ملف يفتح مع طهران في المرحلة المقبلة في اطار طمأنة المملكة الى ان واشنطن مدركة لذلك ولا يغيب عن اولوياتها.

يقلق الموقف الاميركي من طهران، على عكس ما يوحيه كلام كيري في السعودية، رغم ان ما يربط البلدين قوي من حيث المصالح والعلاقات. فهذا الجزء الاخير يحتمل الدقة بنسبة كبيرة لمبررات بديهية، بحيث لا يمكن واشنطن التخلي عن علاقاتها التاريخية مع السعودية. لكن في النهاية ثمة افعال واجراءات على الارض. ومراقبون كثر نظروا بريبة الى انه في مقابل تأكيد متانة التحالف مع المملكة السعودية وتطابق وجهات النظر في موضوع اليمن والقلق من نشاطات طهران في المنطقة، حمل كيري مطالب ضاغطة في اتجاه ضرورة تعديل وفد المعارضة السورية الى المفاوضات المرتقبة مع النظام في ظل الشروط التي تضعها روسيا، مشددة على ضم قائمتها من المعارضين القريبين من النظام او المقبولين منه الى وفد المعارضة، على نحو يفخخ إذا صح التعبير مكونات هذا الاخير، والتي التأمت في الرياض واتفقت على تشكيل الوفد. هذه الشروط يستفيد منها النظام والمحور الداعم له، ويستهدف الرياض من ضمن رعايتها لاجتماع المعارضة واتفاقها على ارضها. وبدا بالنسبة الى المراقبين الديبلوماسيين انه فيما كان منتظرا من واشنطن ان تستفيد من الضغط الذي تواجهه موسكو من اجل انطلاق المفاوضات حول الحل السياسي في جنيف كما من الوضع الصعب الذي يواجهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في روسيا نتيجة انخافض سعر عملته ازاء الدولار وانخفاض اسعار النفط، بدت الولايات المتحدة كأنها تؤدي دور الوسيط الذي يهمه إنجاح المفاوضات في مقابل الضغوط على من تمون عليه، علما أنها يجب ان تتمسك هي بمطالب المعارضة. فهذا التنازل من الخارجية الاميركية على نحو يريح روسيا الداعمة لنظام بشار الاسد، يترك المجال واسعا أمام التساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة لا تضغط على حلفائها لمطالبتهم بالمزيد من التنازلات. وهذه التنازلات من واشنطن في موضوع وفد المعارضة السورية يبرره البعض بحرص واشنطن على اطلاق المفاوضات في موعدها وعدم السماح بتطييرها وفق ما يناسب النظام وداعميه، لكن ما يقلق هو الاداء التراجعي لواشنطن الذي يصب في مصلحة خصوم الحلفاء في المنطقة التي تقول انها تشاركهم الاهداف نفسها.

النهار

 

 

 

بوتين رأس الحربة وأوباما الوسيط/ محمد ابرهيم

المرشحة الديموقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون وعدت وفدا من المعارضة السورية بأنها في حال وصولها الى البيت الأبيض ستعود الى فكرة فرض حظر جوّي فوق سوريا لإيجاد ملاذات آمنة للمعارضة. وفي ذلك عودة الى نقطة الخلاف الرئيسة بينها وبين الرئيس باراك أوباما بشأن سوريا عندما كانت وزيرة للخارجية.

وزير الخارجية التركي داود أوغلو دخل على خط تشكيل وفد المعارضة السورية الى محادثات جنيف المرتقبة، من بوابة الاعتراض على التمثيل الكردي، الذي يحظى بدعم روسي أساسي ويشكل من ناحية أخرى مرتكزا للحملة الأميركية على “داعش” في سوريا.

من جهتها تقاوم السعودية التدخل الروسي في تشكيل وفد المعارضة من بوابة تمثيل القوى الأخرى التي لم يشملها مؤتمر الرياض لأطياف المعارضة، في محاولة روسية لجعل المفاوضات ثلاثية بين النظام ومعارضتين إحداهما تحظى بغطاء روسي.

في شدّ الحبال الجاري تلعب إدارة أوباما دور الوسيط فهي من ناحية تضغط على روسيا للمساعدة في تحييد قضية مستقبل الأسد وحلقته المباشرة، بما يسمح للمفاوضات أن تنطلق من جدول أعمال يجمع بين البحث الدستوري والخطوات العملية الآيلة الى وقف ولو جزئي للنار، ومن ناحية أخرى تضغط على حلفائها، في موضوع تأليف الوفد المعارض، وصولا ربما الى تطعيم وفد الرياض بممثلين للقوى المعارضة التي تحظى بمباركة روسية.

عدم التوازن بين موقف روسيا وأميركا، حيث تلعب الأولى دور رأس الحربة في صمود النظام وفي سعيه الى استعادة معظم المواقع التي خسرها عند خط درعا-حلب، وتلعب الثانية دور الوسيط بين حلفائها الإقليميين وروسيا؛ عدم التوازن هذا يرشح الحرب السورية لسنة كاملة من المبادرة العسكرية للنظام ومن المفاوضات المتعثّرة، هي السنة التي تفصلنا عن وصول رئيس أميركي جديد لا يمكنه، أيا تكن هويته الحزبية، أن يستمر في سياسة أوباما السورية الفريدة.

وقد يكون مفتاح التغيير في التوازنات، دون أن يعني ذلك انتصارا حاسما لمعسكر على معسكر، ما أشارت اليه كلينتون من مناطق حظر جوّي تعني تقاسما فعليا للأجواء السورية بين روسيا وأميركا، بما يجعل المفاوضات تدور بين طرفين متكافئين. وبما يسمح لكل من روسيا وأميركا أن تعيد تشكيل منطقة حظرها الجوي بما يناسب رؤيتها لمستقبل سوريا. وهذا يعني دورا متعاظما لموسكو في تحديد مستقبل الأسد، مثلما يعني حربا فعلية تشنها واشنطن على “داعش” بدعم من حلفائها الإقليميين، بما يغير في تركيب المعارضة نفسها ويفتح الطريق أمام مفاوضات فعلية في جنيف أو في غيرها.

النهار

 

 

 

 

روسيا والوفد المعارض البديل/ مطلق بن سعود المطيري

أن تؤجل المفاوضات بين وفد المعارضة السورية ووفد نظام الأسد المزمع عقدها نهاية هذا الشهر، أو أن يكون اللقاء غير مباشر بين الوفدين كما ذكر وزير الخارجية الأميركي، لن يغير شيئاً من طبيعة مستقبل الأزمة السورية، التي أصبحت لا تعرف إلا اتجاهاً واحداً؛ إما القبول بنظام بشار أو الاستمرار في عمليات التهجير والتدمير والتجويع..

المسار التفاوضي الذي تسلكه جميع الأطراف المتنازعة من معارضة ونظام إضافة للرعاة غير المحايدين من روس وأميركان، يفضي لنتيجة واحدة ان المطلوب تسليم كامل سورية إلى روسيا وهي وحدها التي تقرر مستقبل سورية، وغير ذلك سيكون مضيعة للوقت والجهد والأرواح، فموسكو هي من تسيطر على الأرض والنظام وتعمل بكل إمكانياتها للسيطرة على المعارضة، فوزير خارجيتها عندما هدد بدعوة وفد معارض بديل للحضور كممثل للمعارضة في المفاوضات يقدم إشارة واضحة أن المعارضة إن لم تلتزم بالرؤية الروسية لن يكون هناك حل أو معارضة خارج السياسة الروسية، فدولة تحارب المعارضة على الأرض وتعترض على تشكيل وفدها وتقترح وفداً بديلاً، لن تكون دولة راعية للمفاوضات بين أطراف متنازعة، تسعى عن طريق المحادثات لأن يتوصل الطرفان لصيغة نهائية سلمية يقبلون بها وتكون منطلقا آمناً يتجه منه السوريون إلى الاستقرار واختيار قيادته باستقلالية تامة بعيداً عن التدخلات الخارجية.

موسكو هي من تمثل إرادة الشعب السوري ومستقبلة سواء كان ذلك اغتصاباً أو احتلالاً أو مصالح، وعدم الانصياع لهذا الواقع سيجعل من الحرب هو الخيار الوحيد للفصل في هذا النزاع الدامي، فبعد أن أخذ الدب الروسي الموافقة الإسرائيلية على وجوده العسكري في سورية، أصبحت جميع العقبات الدولية أمامه سهلة التجاوز، فموسكو تحارب اليوم نيابة عن بشار وعن إسرائيل إضافة إلى تمثليها لمصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا الواقع المرير ينبئ بأن الحرب ربما تستمر لأكثر من خمس سنوات قادمة، وبهذا يكون تأسيس واقع دولي جديد، تحدد به أقطاب القوة ونفوذها، سيكون لإسرائيل وموسكو وإيران اليد الطولى به، وستزيد المليشيات العربية التي تعمل لصالح هذا الطرف وذاك، وتزداد كذلك قوة الإرهاب وعملياته في المنطقة، هل هذا يعني وفاة عرب الشام كدول، ليصبحوا قبائل ومليشيات تبحث عن ملاذات آمنة، من هذه المخاوف والتوقعات التشاؤمية، قد يكون من المناسب أن تتعامل المعارضة الروسية مع موسكو وكأنها النظام الحاكم في سورية وليس وسيطاً منحازاً للنظام، حتى لا تتحول إلى قبيلة مطاردة في عواصم العالم ومهددة بالقتل بسورية، الوضع خطير جداً، فروسيا تقتل الأبرياء وتهجرهم من ديارهم بدون أن تجد قانوناً دولياً يردعها أو يحاسبها، فانتهاكاتها المرعبة بالشام مثبتة عليها وتم التنديد بها من واشنطن وباريس ولندن والأمم المتحدة، بدون أن يكون لهذا التنديد أذرع قانونية تحاسب المعتدي أو على أقل احتمال تمنعه ولو لفترة قصيرة من الزمن، لذا يجب مصارحة روسيا ومطالبتها بإعلان ماذا تريد أن تعمله في سورية كصحابة القرار الوحيد في هذه الأرض المسكينة، وبعدها يقرر الشعب السوري إما القبول به أو خيار المواجهة المسلحة حتى النهاية.

الرياض

 

 

 

 

تطمينات كيري في الرياض مرة أخرى/ عبدالعزيز العويشق

المواطن الخليجي والمفكرون والكتاب في الخليج ما زالوا متخوفين من “التحول الأميركي نحو إيران”، على الرغم من عدم وجود دلائل واضحة حوله. فإلامَ تعود هذه الشكوك في النوايا الأميركية؟

ربما كان جون كيري من أكثر وزراء خارجية الولايات المتحدة في العصر الحديث كفاءة في التواصل مع حلفاء أميركا وأصدقائها، وخصومها أيضاً. وهو متحدث لبق، قادر على شرح الموضوعات الصعبة بلغة واضحة ودقيقة، ومنذ توليه منصبه قابل وزراء خارجية دول مجلس التعاون فرادى وجماعات مرات عدة، وفي عهده تم تطوير التعاون الإستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة ليصل إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية” التي تم الإعلان عنها في قمة كامب ديفيد في شهر مايو 2015. وكان آخر تلك الاجتماعات الاجتماع الوزاري الذي عُقد في الرياض يوم السبت الماضي (23 يناير)، وهو الأول الذي عقده كيرى مع الوزراء الخليجيين مجتمعين منذ دخول الاتفاق النووي مع إيران حيز التنفيذ يوم السبت قبل الماضي (16 يناير).

بعد الاجتماع الوزاري يوم السبت، قابل كيري خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. ثم قابل رئيس وفد المعارضة السورية الذي تم اختياره لقيادة وفدها في محادثات جنيف.

كان الغرض من اجتماع الوزراء يوم السبت مناقشة تداعيات تنفيذ الاتفاق النووي، خاصة فيما يتعلق بتأثيره على علاقات إيران بدول المجلس والمنطقة، ومناقشة القضايا الإقليمية، مثل سورية والعراق واليمن وفلسطين، والجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب، ومراجعة سير العمل في تنفيذ اتفاق قمة كامب ديفيد.

وبموجب اتفاق قمة كامب ديفيد أوكل إلى “منتدى التعاون الإستراتيجي الخليجي-الأميركي”، الذي أسس في مارس 2012، مهمة تسيير دفة “الشراكة الإستراتيجية” بين الولايات المتحدة ومنظومة مجلس التعاون، حيث يرأس الوزير كيري الجانب الأميركي في هذا المنتدى، وشُكلت لتنفيذ الشراكة الإستراتيجية مجموعات عمل عالية المستوى يختص كل منها بتطوير جانب من جوانب هذه الشراكة، فهناك مجموعة عمل لمكافحة الإرهاب، وأخرى للدفاع الصاروخي ونظم الإنذار المبكر، وثالثة لحماية الفضاء الإلكتروني، وغيرها، بما في ذلك المواضيع الاقتصادية والفنية.

في الملف السوري، النقطة الملحة هي كيفية مشاركة المعارضة السورية في الاجتماعات التي ستعقد قبل نهاية الشهر في سويسرا، حيث تطالب روسيا بضم أعضاء إضافيين إلى الوفد التفاوضي الذي شكلته المعارضة في مؤتمر الرياض في 8-10 ديسمبر 2015، في حين ترفض المعارضة فرض أعضاء في وفدها.

وكان واضحاً أن ثمة تطابقاً كبيراً في وجهات النظر بين أميركا ومجلس التعاون بشأن مواضيع المنطقة، بما في ذلك الموقف الموحد الرافض للاعتداءات الإرهابية على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، والموقف من بشار الأسد، ودعم المعارضة السورية المعتدلة، والتأكيد على عقد مفاوضات السلام قبل نهاية الشهر، وهي مفاوضات ستكون كما قال كيري غير مباشرة في بادئ الأمر، بل من خلال الوسيط الأممي.

وأكد كيري بوضوح “أن العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون علاقة متينة مبنية على المصالح المشتركة والدفاع المشترك”، مضيفاً أنه يجب ألا يكون هناك أي شك في ذهن أحد بأن الولايات المتحدة “ستقف بقوة مع دول المجلس أمام أي تهديد خارجي”.

وأوضح الوزير الأميركي مرة أخرى بأنه ليست لديه أي أوهام بشأن تصرفات إيران في المنطقة، خاصة دعمها للإرهاب، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وأنشطتها التي تزعزع الاستقرار في كل مكان، وأنه سيعمل مع دول مجلس التعاون لردع تلك التصرفات، مؤكداً أن الولايات المتحدة تقوم بالفعل بذلك، منفردة ومع حلفائها ما أمكن، إذ أشار إلى فرضها عقوبات جديدة هذا الشهر على إيران بسبب اختباراتها الجديدة للصواريخ، كما أشار إلى العقوبات القائمة بالفعل والمفروضة على إيران وحلفائها، خاصة حزب الله، والتي ستظل قائمة فلا ترتبط برفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي.

وفي الشأن السوري، قال كيري إنه على الرغم من بعض الخلافات حول تمثيل المعارضة، خاصة موقف روسيا، إلا أنه أكد التوصل إلى “تفاهمات” ستسمح بعقد مشاورات السلام الأسبوع القادم.

ولدفع محادثات السلام، أوضح كيري، ربما للمرة الأولى، أن “المجموعة الدولية لدعم سورية”، المشكلة من نحو عشرين دولة ومنظمة، ستجتمع حالاً بعد الجولة الأولى من المباحثات بين المعارضة والنظام، لتقييم النتائج ودفع عملية السلام قُدُماً.

كانت أجواء الاجتماعات إيجابية، وهناك تقدير خليجي واضح للدور الأميركي في المنطقة، وتعهداته المتعلقة بالدفاع المشترك عن دول المجلس أمام التهديدات الخارجية، ووقوفه أمام المحاولات الرامية للإبقاء على نظام الأسد، وتأكيده للوقوف أمام محاولات إيران توسيع نفوذها في المنطقة من خلال دعم التنظيمات الإرهابية، مثل حزب الله، والميلشيات الطائفية.

ولكن المواطن الخليجي، والمفكرين والكتاب في الخليج، ما زالوا متخوفين من “التحول الأميركي نحو إيران”، على الرغم من عدم وجود دلائل واضحة حوله. فإلامَ تعود هذه الشكوك في النوايا الأميركية؟ ربما كان السبب الأول هو فشل “الدبلوماسية العامة” التي كانت أميركا في الماضي تتميز بها، ففي سعيها لإقناع إيران بقبول الاتفاق النووي، تجاهلت الجمهور الخليجي ولم تحاول طمأنته. السبب الثاني لتزايد تلك الشكوك البطء الملحوظ في تنفيذ مخرجات قمة كامب ديفيد. والسبب الثالث والأهم أن “التفاهمات” الحالية قد تتغير بعد تغير الإدارة الأميركية في شهر يناير 2017، حين يبدأ رئيس أميركي جديد في البيت الأبيض، خاصة أنه ليس هناك اتفاقيات رسمية تلزم أميركا بتنفيذ ما تعهدت به في كامب ديفيد، باستثناء بعض مذكرات التفاهم والاتفاقيات المتعلقة بالتعاون العسكري.

الوطن السعودية

 

 

 

الأزمة السورية تزيد الفجوة بين الرياض وواشنطن/ نواف عبيد

مَن يراقب المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط عن كثب يُدرك الانسحاب التدريجي للنفوذ الأميركي من الشرق الأوسط، خصوصاً منذ عام ٢٠١٠، وهو الأمر الذي أدّى إلى عجز واضح للولايات المتحدة في فهم القضايا الإقليمية للمنطقة، ومواكبة تطلعات شعوبها.

وواكب هذا الانسحاب الأميركي من المنطقة زيادة الفجوة بين المملكة وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة بعد أن ربطتهما علاقة حميمة استمرت عشرات السنين، وأصبح أقل ما تُوصف به العلاقة بين الحليفتين أخيراً أنها فاترة أو مضطربة. وجاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الرياض (الثلثاء) الماضي تأكيداً لهذا الفتور في العلاقة، وتسريعاً لوتيرة ازدياد الفجوة بين الرياض وواشنطن؛ فقد جاء كيري ليصرّح من العاصمة السعودية بالتقارب بين وجهات النظر الإيرانية الروسية وسياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه الملف السوري. وأبلغ كيري الهيئة التفاوضية للمعارضة السورية، ومنسقها رياض حجاب، باتفاقه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على قبول الحكومة الأميركية الخطة الإيرانية الرباعية لحل الأزمة السورية، وهي: تشكيل حكومة ائتلافية عبر انتخابات وليست حكومة انتقالية، والسماح بترشح بشار الأسد في هذه الانتخابات من دون تحديد فترة زمنية لرحيله، وفرض أسماء وشخصيات معينة لتمثيل المعارضة السورية؛ كصالح مسلم رئيس الاتحاد الديموقراطي الكردي، وهو ما يشكل استهدافاً لخطة العمل التي أنجزها ائتلاف المعارضة السورية في الرياض قبل نهاية العام الماضي. والنقطة الرابعة الأهم هي إقرار البيت الأبيض بعدم التدخل، سواءً كثفت روسيا من تدخلها وعملياتها العسكرية في سورية أم أوقفتها.

لا تدرك الإدارة الأميركية الحالية إلى الآن عاقبة مثل هذا الموقف، ولا تستوعب منهج المملكة ولا الرأي العام للشارع العربي؛ فالمملكة يحكمها في التعامل مع الأزمة السورية مبدأ أخلاقي لا يمكنها أن تحيد عنه أبداً طلباً لمصلحة سياسية؛ لذلك لا يمكنها قبول مثل هذه التصريحات الأميركية، أو دفع المعارضة السورية إلى حضور مفاوضات حُدِّدت نتائجها الفادحة مسبقاً. وستضطر المملكة وفق هذا المنهج الأخلاقي إلى الإقرار علانيةً بدعمها ووقوفها غير المشروط مع المعارضة السورية بجميع فصائلها، بل ستضطر المملكة في ظل شح الدعم الغربي لثوار سورية أو غيابه إلى مضاعفة دعمها من عدة وعتاد ومال وقوة سياسية؛ لتصل بهذه المعارضة السورية إلى بر الأمان.

إن هذه المستجدات، التي تستظل بظلّ الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، تشير إلى دلالات عدة، أولها أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تكشف بهذا التصريح حقيقة مصالح وأجندات حكومية قصيرة المدى، وتؤكّد للعرب أنها ليست الشريك المناسب، وأنها لن تكون حليفاً موثوقاً به حتى مغادرة أوباما البيت الأبيض. وثانية هذه الدلالات أن الديبلوماسية الأميركية فشلت فشلاً ذريعاً في فهم واستيعاب جُل الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط، وتكللت اجتهاداتها وتدخلاتها في المنطقة بخسائر مهينة تتمثل في غزوها العراق، وسلسلة من السياسات التي لا صلة لها بالواقع المحلي والإقليمي.

لذلك تترقب منطقة الشرق الأوسط بأسرها إدارةً أميركيةً جديدةً في العام المقبل؛ لعلها تعيد المياه السعودية الأميركية إلى مجراها المعروف، وخصوصاً أن الدور القيادي الجديد الذي حملته المملكة على عاتقها يحتم عليها إزاحة العوائق أمام تحقيق أمن المنطقة واستقرارها. ونصيحتي للسيد كيري هي أن التاريخ لن ينسى وأن الشعب السوري لن يغفر.

* كاتب سعودي.

الحياة

 

 

كيف تصمد المعارضة السورية ل 10 أشهر؟/ حسين عبد الحسين

في تغريدة واحدة، لخصت الصحافية الأميركية لورا روزن، من حيث لا تدري، والتي تعمل في موقع إخباري يموله سوري – أميركي موالٍ للأسد، واقع المفاوضات السورية المتعثرة. وكتبت: “انتخابات الرئاسة الأميركية في عشرة أشهر، ما الذي يدفع القوات المعارضة (للرئيس السوري بشار) الأسد على المساومة قبل أن ترى من هو الرئيس المقبل؟”. وأضافت: “يمكن (للمعارضة) تمرير الوقت حتى ذلك الحين”.

روزن محقة في تساؤلها، فإدارة الرئيس باراك أوباما صارت بحكم المنتهية، وهي لا يمكنها ضمان تنفيذ حتى قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي عملت مع روسيا على اصدراه، والذي ينص على ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية في سوريا منتصف العام 2017.

لكن الادارة الاميركية المقبلة غير ملزمة بالقرار 2254، ولا برؤية أوباما، ولا سياسته الدولية، ولا انحيازه لإيران ضد خصومها العرب، ولا تأييد أوباما للأسد، الذي لم يعد تأييداً ضمنياً، بل تحول علنياً على مدى الاسبوع الماضي، مترافقاً مع تقذيع الرئيس السوري، من باب ذر الرماد في العيون.

ويعرف المتابعون انه بعد 4 سنوات على اقفال الروس لمجلس الأمن، لم يكن القرار 2254 ليصدر لو لم تتراجع — لا موسكو حسبما يزعم المسؤولون الاميركيون — بل واشنطن. والتراجع الاميركي صار بادياً للعيان، على الأقل منذ زيارة وزير الخارجية إلى الرياض، السبت الماضي، حيث بدا جلياً أن الولايات المتحدة لا تشترط خروج الأسد، لا قبل مفاوضات جنيف ولا بعدها، ولا تشترط استبعاده عن اي انتخابات مقبلة، ولا ترضى مشاركة المعارضة السورية المسلحة — من غير داعش والنصرة — في المفاوضات، على الرغم من ان القرار 2254 ينص على مشاركة سورية متعددة.

ولأن لا حياء اميركياً بعد الآن في معاداة المعارضة السورية وداعميها العرب والاتراك، هدد كيري بوقف دعم المعارضة في حال امتنعت عن المشاركة في مفاوضات جنيف. أما المفارقة الأكبر، فتكمن في السؤال التالي: إذا كانت ادارة أوباما تعتبر أنها على مدى الاعوام الماضية كانت تدعم المعارضة السورية، فكيف يكون الحال في حال أوقفت واشنطن دعمها؟

منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في تموز/يوليو الماضي، أصبحت ادارة الرئيس أوباما في صف واحد مع كل من روسيا وايران والأسد، لا في سوريا فحسب، وإنما في عموم المنطقة. روسيا تدرك ذلك، لذا سارعت الى تنفيذ عملية عسكرية لمساعدة الأسد في القضاء على الثوار عسكرياً، فيما تسعى موسكو لاختراق صفوف المعارضة بفرض معارضيها ديبلوماسياً.

وفي خضّم حملتها لفرض انتصار الأسد، تعرف موسكو، وربما طهران، أن أمامها 10 أشهر، أو 12 شهراً في أبعد تقدير. بعد ذلك، يأتي رئيس أميركي جديد، فإذا كان رئيس من الجمهوريين، لا بد أنه سيظهر قسوة ضد الروس والايرانيين في سوريا والعالم، وإن كانت الديموقراطية هيلاري كلينتون، فهي لا شك ستعكس سياسة أوباما الخارجية على الرغم من تظاهرها التماهي معه في حملتها الانتخابية من أجل كسب أصوات الكتلة الاميركية من أصل افريقي ضد خصمها بيرني ساندرز. وحده السناتور ساندرز سيكمل سياسة أوباما بالاستمرار في التماهي مع روسيا وايران، على حساب حلفاء أميركا التقليديين، في حال انتخابه.

على أن مهلة سنة طويلة جداً في عالم السياسة والعسكر، وسلسلة الانتصارات التي يحققها الأسد شمالي اللاذقية، وجنوبي حلب، تنذر بأن الحملة الروسية قد تنجح في حمله على استعادة معظم ما خسره امام المعارضين على مدى السنوات الاربع الماضية، باستثناء المناطق الجنوبية التي تحظر اسرائيل، بالاتفاق مع روسيا، على حلفاء الأسد — مثل حزب الله — القتال فيها، في وقت يعتقد الخبراء الاميركيون أن لا مقدرة للأسد على استرداد الجنوب بمفرده ومن دون الميليشيات المتحالف معها.

هكذا، يصبح سؤال روزن محقاً، فيما اجابتها عن السؤال تقتصر على كونها من باب التكهنات.

نظرياً، الافضل للمعارضة السورية أن تتجاهل أوباما بالكامل، وأن تركز على ادائها العسكري علّها تنجح في صد الحملة العسكرية الروسية، أو على الاقل احتوائها بأقل خسائر ممكنة على الارض. لكن واقعياً، تحتاج المعارضة السورية الى الكثير من مقومات الصمود، ومن غير الواضح إن كان داعموها سيخضعون لضغط الادارة الاميركية المنتهية صلاحيتها، أم أنهم سيستمرون بدعم المعارضة من دون الاكتراث لرئيس صارت قصته معروفة وسياسته مكشوفة وصلاحيته منتهية.

المدن

 

 

الروس تمادوا كثيراً والعرب معظمهم صامتون!/ صالح القلاب

لأنها تجاوزت كل ما يمكن احتماله والصبر عليه فإنه لا يجوز ترك روسيا تتلاعب كل هذا التلاعب بوحدة سورية واستقرارها وبمستقبل شعبها، فصمت العرب على ما يفعله الروس في هذا البلد العربي والرئيسي شجعهم ويشجعهم على التمادي في ما بقوا يفعلونه على مدى نحو خمسة أعوام ماضية، ما سيعرض هذه المنطقة كلها لأخطار فعلية جسيمة.

كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد حذر أكثر من مرة، دون سامع أو مجيب، من أن هدف احتلال روسيا لسورية هو إنشاء دويلة طائفية ومذهبية (علوية) في منطقة اللاذقية وما حولها، مع شريط أرضي يحاذي حماة وحمص من الغرب، ويصل إلى دمشق، وله تماس مع تواجد حزب الله (الاحتلالي) على الجانب اللبناني من الحدود السورية – اللبنانية.

وحقيقة إن هذا الذي قاله الرئيس التركي لا يحتاج إلى المزيد من الأدلة والبراهين فالروس، الذين أعلنوا في بداية غزوهم لهذه الدولة العربية أن بقاءهم لن يستمر أكثر من نحو ثلاثة أشهر، ها هم يلغونها تدريجياً ويصادرون سيادتها ويسحبون كل صلاحيات حكومتها ورئيسها، وهذا يعني أن الهدف هو إقامة كيان طائفي في المناطق المشار إليها آنفاً، ومدها لاحقاً في اتجاه لواء الإسكندرون الذي أطلق عليه الأتراك بعد ضمه عام 1939 اسم “هاتاي”، حيث يشكل بعض سكانه امتداداً للطائفة العلوية في منطقة اللاذقية والقرداحة وجبال النُّصيريين.

كان الروس قد أفرغوا بيان “جنيف 1” من مضمونه، بل وألغوه نهائياً عندما أفشلوا “جنيف 2″ بالإصرار على أن الأولوية ليست لمرحلة انتقالية ولا لإقصاء بشار الأسد لحساب بديل يُجمع عليه الشعب السوري بمعظمه إن لم يكن كله، وإنما لمواجهة الإرهاب، وبالطبع فإنهم لم يقصدوا بـ”الإرهاب” لا “داعش” ولا “النصرة”، وإنما المعارضة السورية (المعتدلة) التي أثبتت حضورها الفاعل بعد مؤتمر الرياض العتيد الذي أغضب نجاحه روسيا وإيران وكل الأطراف التي تتلاعب بمصير هذه الدولة العربية وبمصير هذه المنطقة كلها.

والآن فإن الروس بادروا، بعد نجاح مؤتمر الرياض الآنف الذكر، إلى ركْل مقررات مجلس الأمن الدولي الأخير، المتعلقة بالعودة إلى “جنيف 1″، كركيزة ومنطلق لحل الأزمة، بأرجلهم والإصرار على “اختراق” الوفد المعارض الذي شكلته الهيئة العليا وفقاً لقرارات مجلس الأمن الآنفة الذكر، بممثلين لهم ولباقي ما تبقى من النظام السوري، والهدف ما أعلنه سيرغي لافروف وهو تشكيل ما اعتبره: “حكومة وحدة وطنية” تابعة لروسيا وليس لبشار الأسد، وإلغاء المرحلة الانتقالية نهائياً.

وبالطبع فإن الواضح حتى لأعمى البصر والبصيرة سياسياً أن الروس يسعون إلى إلحاق قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة ببيان “جنيف 1″، وأنهم بالفعل ماضون في إنشاء الكيان الطائفي الذي تحدث عنه وحذر منه رجب طيب إردوغان، والمشكلة هنا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري لايزال يتصرف بالطريقة البائسة التي بقي يتصرف بها منذ بداية هذه الأزمة، وذلك مع أن جو بايدن قد هدد في آخر تصريحات له كان قد أطلقها من تركيا بأن فشل الحلول السياسية في سورية سيدفع الولايات المتحدة إلى اللجوء إلى القوة العسكرية.

الجريدة

 

 

 

 

 

 

دي ميستورا يراهن على حاجة روسيا إلى الانسحاب من سورية/ راغدة درغام

إذا كان هدف رسالة المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص قبل 48 ساعة من موعد إجراء المفاوضات في جنيف اليوم الجمعة، هو طرح المواقف والمطالب بصورة واضحة، حسناً يكون اتخاذ هذه الخطوة في سياق استراتيجية التفاوض وفنه. أما إذا كان الدكتور رياض حجاب جدياً بقوله أن الهيئة العليا للمفاوضات تشترط مسبقاً أن يكون «بيان جنيف» لعام 2012 هو «المرجعية للمفاوضات» وأن يتم تنفيذ القرار 2254 لعام 2015 «من دون أي استثناءات أو انتقائية» في التنفيذ على أرض الواقع «قبل بدء جلسات» المفاوضات – من رفع الحصار إلى إيصال المساعدات الإنسانية ووقف الهجمات والاستخدام العشوائي للأسلحة وإطلاق سراح المعتقلين وسجناء الرأي – فإنه بذلك إما يتملص نيابة عن الهيئة العليا من حضور اجتماعات جنيف، أو أنه يرتكب خطأً تكتيكياً في استراتيجية التفاوض. فمهما كانت مطالب المعارضة السورية محقّة، إنسانياً وسياسياً وعسكرياً، فعليها ألا تتصرّف مغمضة العيون. فنحن لسنا في عام 2012 عندما تم إقرار بيان جنيف – قبل تمييعه في مجلس الأمن، روسياً وأميركياً على السواء. بيان جنيف تضمن الدعوة إلى تشكيل «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة بقبول متبادل»، بين ممثلي الحكومة والمعارضة. وواقع الأمر أن أميركا وروسيا والأمم المتحدة استبدلت مسيرة جنيف، فعلياً وعملياً، بعملية فيينا بمبادئ ومرجعية مختلفة، نحن الآن في دفن «عملية فيينا» التي هي أساساً ذات ملكية روسية أتت بتزامن مع الانخراط الروسي ميدانياً في الحرب السورية. وهذا ما غيّر المعادلات على صعد عدة حيث بات القصف الروسي يترافق مع الغارات الديبلوماسية الروسية. أننا في زمن الانبطاح الأميركي أمام إيران ودفن الرؤوس في الرمال إزاء إدارتها الميليشيات المحاربة لمصلحة رئيس النظام السوري الذي تدّعي إدارة أوباما أنها تريده أن يرحل. إننا في محطة من مأساة سورية تتطلب منطقياً مراجعة صادقة لِمن وَعَد وتملّص، ومَن صعَّد وتراجع، ومَن ثابر في ولائه لبشار الأسد لأسبابه الاستراتيجية ومصالحه الوطنية مثل روسيا وإيران و «حزب الله» ومَن انقسم على ذاته في صفوف المعارضة وتنافس لمصالحه الذاتية. إننا اليوم في زمن ضرورة الاختيار بين تكثيف القصف الجوي الروسي أطرافَ المعارضة السورية تدعيماً لإنجازات النظام على الأرض بفضل روسي – إيراني، وبين التوجه إلى جنيف بوفد معارضة محنّك وقدير يثبت الجدية ليجبر روسيا والنظام في دمشق على وقف النار ويفرض مكانه في الصفقة السياسية.

سيسرع كثيرون إلى القول أن هذه دعوة إلى الاستسلام أمام تراجع الأمم المتحدة عن «مرجعية جنيف» الواضحة الأفق لمصلحة مرجعية عائمة لم يتم تحديدها في «عملية فيينا». عائمة بسبب الاختلافات الجذرية بين أقطاب جنيف الـ20، وبينهم السعودية وإيران، بالذات حول مصير بشار الأسد وما إذا كان باقياً في السلطة لخوض الانتخابات بعد 18 شهراً من العملية السياسية، أو أنه سيتلاشى بقرار روسي – أميركي – إيراني قبل عقد الانتخابات، فلا يخوضها.

سيقال أنه إفلاس أخلاقي أن توضع المعارضة السورية أمام اختيار، إما الإذعان للمطالب الروسية – الإيرانية المدعومة أميركياً وتلبيها الأمم المتحدة، أو تحميلها ليس فقط مسؤولية إفشال «عملية فيينا» وإنما أيضاً مسؤولية تكثيف القصف الجوي الروسي وإطلاق اليد العشوائية والهمجية لقوى النظام والميليشيات الداعمة لها.

وسيحتج المعارضون لأنماط التراجع عن الحزم في المطالب على أي تلميح إلى وفاة «بيان جنيف» أو أي اقتراح بأن وفاته أتت عند ولادة «عملية فيينا» وكان الأجدى بالجميع أن يدرك ذلك حينذاك ويستدرك إفرازاته وتداعياته.

والأهم، هو صرخة الاحتجاج على غض النظر المتعمّد، أميركياً ودولياً، عن تجاوزات وتهجير قسري تبدو جزءاً من التفاوض في «عملية فيينا» ومن خطط التغيير الديموغرافي.

كل ذلك صحيح. إنما السؤال هو، ما العمل؟ فإذا ارتأت المعارضة السورية أن المزيد من التنازلات أمام أمر واقع تلو الآخر سيؤدي إلى هدر المرجعيات بلا مقابل، فالأفضل لها وضع استراتيجية تتضمن تشخيص الأولويات وتشخيص المصير في حال رفضها من جانب اللاعبين في سورية. هذا يتطلب أمرين: أولاً وضوح مواقع قوى المعارضة المتعددة ومدى إمكانية جمع الصفوف والتوافق على أولويات المطالب. ثانياً، وضوح هامش الدول الداعمة أطرافَ المعارضة، السياسي منه والعسكري، ذلك أن الغموض والمطاطية في هذا المجال يعززان التنافس المستقر – الآن على الاستقطاب والوصاية – وكلاهما مضرّ جدّياً بالمعارضة السورية وسمعتها.

قد ترتأي المعارضة السورية أن يجبرها ما آلت إليه الأمور داخل سورية من كارثة ومأساة إنسانية، على الأخذ بخيارات كانت لا تتمنى أن تُوضع أمامها من بينها القبول بالصفقات الناقصة في «عملية فيينا» والتوجه إلى محطة جنيف اليوم الجمعة – كما يود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا – لبدء التفاوض والحصول على وقف النار أثناء المفاوضات. بكلام آخر، قد ترتأي المعارضة السورية أن الأفضل لها ألا تقدّم إلى بشار الأسد أو إلى فلاديمير بوتين هدية مقاطعة المعارضة محادثات جنيف وتحميلها المسؤولية ذات الشقين: مسؤولية إحباط البحث السياسي في عملية انتقالية سياسية في سورية، ومسؤولية استمرار القصف الروسي – السوري بلا اتفاق على وقف إطلاق النار وما لذلك من تأثير ميداني كارثي، إنساني وعسكري.

فإذا قررت المعارضة السورية الممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات أن تتوجه إلى جنيف، أول ما عليها أن تقر به ضمناً هو أن هذه ليست جنيف – 3. إنها جولة أولى من «عملية فيينا» وليس الجولة الثالثة من جنيف.

في وسعها، ومن حقها، التوجه إلى المفاوضات بكل مطلب ترتأيه طالما أنه يتسم بالواقعية السياسية وطالما ترى فيه مرجعية أساسية. وبكل تأكيد، يجب أن تتأبط استراتيجية إنسانية واعية كي لا يستمر هذا الاستهتار الدولي الرهيب بالأرواح السورية. إنما الخطوات الأولى تبقى أولاً، في لم الشمل وحنكة التفاوض، وثانياً، في وضوح مواقف الحلفاء للمعارضة بدلاً من دوامة الاستقطاب والوصاية. ثالثاً، في وضع رؤية وتصور واضحين لخريطة الطريق الواقعية.

الواقعية السياسية هي أن العنصر الجديد الحاسم في الساحة السورية هو الدور الروسي المباشر في المعارك العسكرية دعماً لبقاء النظام في دمشق مهما كلّف ذلك من مال أو أرواح. يرى البعض أن سورية ستصبح أفغانستان روسيا إشارة إلى موقع قدم انزلاق الاتحاد السوفياتي في أفغانستان قبل عقود، وأن انتصار روسيا ميدانياً اليوم سيتبخر في مستنقع الغد. هذا وارد. لكن الواقع الميداني لا يوحي بأن المعارضة السورية المسلحة أو تنظيم «داعش» سينتصران في الحرب الروسية – الإيرانية لمصلحة النظام في دمشق بمباركة أميركية واضحة لما يقوم به المحور الروسي – الإيراني – السوري بذريعة أولوية القضاء على «داعش» و «جبهة النصرة».

الواقعية السياسية تفيد بأن تبني الولايات المتحدة الأميركية سياسة النأي بالنفس عن سورية، لا سيما أثناء الانتخابات الرئاسية، هو عنصر حاسم في مشهد إقحام روسيا بالنفس في المعركة السورية. فكلاهما له الأثر ذاته، تقريباً.

ما يقوله كبار المسؤولين المعنيين بهذا الملف في الأمم المتحدة هو أن ستيفان دي ميستورا وفريقه يراهنون على حاجة روسيا للانسحاب من الحرب السورية قبل أن تصبح فعلاً مستنقعاً لها. بالتالي يرى المبعوث الدولي وفريقه أن النافذة مفتوحة الآن على تنازلات روسية في إطار مفاوضات «عملية فيينا»، وأن الفرصة متاحة لمحادثات خلاقة إذا توافرت الحنكة السياسية لدى وفد المعارضة، وأن التغيير الإيجابي على الأرض وارد أكثر في ظل عقد المحادثات وإجراء المفاوضات فيما التغيير السلبي وتكثيف القصف سيكون سيد الساحة لأن أولئك الأقوى حالياً سيتصرفون بحرية عشوائية إذا فشل المسار السياسي في جنيف.

الخيارات المتاحة أمام المعارضة السورية ليست سهلة، لا سيما في ظل انقساماتها ووعود بائسة لبعض الداعمين لها، كما يدّعون. ما آلت إليه الأوضاع في سورية لا أحد أبداً بريء منه، باختلاف النسب، والمعارضة تتحمل جزءاً من المسؤولية.

ما آلت إليه الأمور في سورية ليس من نماذج الربح والخسارة أو الهزيمة والانتصار. فلا أحد منتصر في سورية الممزقة – لا النظام ورئيسه بشار الأسد، ولا تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة، ولا روسيا ولا إيران وميليشياتها. بالتأكيد أن المعارضة السورية ليست منتصرة ولا هي رابحة.

سذاجة أن يقال أن الأسد باستمراره هو الرابح والمنتصر لأنه أحسن البقاء في السلطة وجلب روسيا وإيران إلى الحرب بجانبه والتمسك ببقائه رئيساً – بموافقة دولية أقله لـ18 شهراً وفق البرامج الزمنية لـ «عملية فيينا». فلا ربح ولا انتصار لِمن يحوّل بلاده إلى مغناطيس للإرهاب والميليشيات ومَن يوجّه دعوة مفتوحة للتدخل العسكري الأجنبي كي تبقى كرسي الرئاسة مقعده.

الحياة

 

 

 

مكاسب المعارضة السورية/ وليد شقير

السؤال الذي يطرح نفسه بعد التطورات المتعلقة بالمفاوضات على الحل السياسي السوري في جنيف هو ما إذا كانت المعارضة السورية المتمثلة بالهيئة العليا للتفاوض مع النظام السوري، المنبثقة من مؤتمر الرياض، ستربح شيئاً لمصلحة قضية الشعب السوري في حال حضرت هذه المفاوضات بالشروط المذلة التي طرحها عليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال اجتماعه مع منسق الهيئة رئيس الوزراء السوري المنشق عن النظام رياض حجاب، على رغم البيان التوضيحي للمبعوث الأميركي مايكل راتني الذي حاول فيه التخفيف من صلافة الموقف الأميركي.

لم يعد السؤال المهم هو ماذا تخسر المعارضة إذا لم تحضر، على أحقية طرحه، في ميزان الربح والخسارة. بات واضحاً أن التوافق الأميركي – الروسي على إدارة ما يسمى العملية السياسية في سورية، وتنفيذ القرار الدولي 2254 الذي وضع خريطة طريق لها وحمل في نصوصه التباسات حول مرجعياتها، بين بيان جنيف 2012 وبياني فيينا الأول والثاني… لم يهدف الى إنهاء المأساة السورية.

أرادت موسكو وواشنطن من وراء مفاوضات جنيف والتفسيرات التي فرضتاها لنصوص القرار الدولي، تحويل هذا القرار والمفاوضات غطاء لتفاهمات واتفاقات جانبية بينهما، ومع بعض اللاعبين الميدانيين في بلاد الشام، خصوصاً إيران، لا علاقة لها بالحل السياسي السوري، ومظلة لاستمرار التقدم الميداني للحملة الروسية الجوية والنظام السوري وحلفائه من الميليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية ومن سائر الجنسيات. وانضمام واشنطن إلى موسكو باعتبار الفقرات 12 و13 و14 من القرار 2254، عن إيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة ووقف الهجمات ضد المدنيين والعودة الآمنة للنازحين، مادة تفاوض وليست إجراءات للتنفيذ من جانب النظام، كشف عن أن سلاح استهداف المدنيين البشع سيبقى مباحاً بمظلة المفاوضات التي أريد لها أن تستمر 6 أشهر، وبموافقة واشنطن.

بين ما كشفته وقائع الأيام الماضية عن أهداف الشروط الروسية – الأميركية على المعارضة أيضاً يمكن ذكر الآتي:

1 – إن المبعوث الدولي استافان دي ميستورا برهن أنه خلافاً لسلفيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، موظف بلا أفكار هدفها الحل السياسي، ينفذ إملاءات التفاهم الروسي – الأميركي لا غير، وإرضاء المطالب الإيرانية. وحسناً فعلت المعارضة بالتوجه الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدل حصر التواصل مع دي ميستورا، الذي بات واحداً من «الموفدين الخاصين»، الذين تحركهم طموحاتهم لكسب رضا الكبار من أجل التأهل لمنصب الأمين العام.

2 – ما يهم موسكو والنظام ليس ضم «معارضين» آخرين الى وفد المعارضة (مثل صالح مسلّم وهيثم مناع وقدري جميل…) بل استبعاد من يتمتعون بقدر عالٍ من الحنكة والخبرة بألاعيب النظام ومكره (وحلفائه)، أو لتعطيل وجود هؤلاء أمثال حجاب وأسعد الزعبي وخالد خوجة وهادي البحرة… وغيرهم كثر من ذوي كفاءة تنزع عن المعارضين ما أشاعه مشككون بالمعارضة تارة بسبب قربهم من دول تساندها، وأخرى لأنهم «سذج». وبرهن هؤلاء في الأيام الماضية عن براغماتية وصلابة واستقلالية في التعاطي حتى مع دول صديقة وحليفة وداعمة، أثناء تعاطيهم مع شروط التفاهمات الأميركية – الروسية – الإيرانية.

3 – تمكنت المعارضة للمرة الأولى من توحيد قادة الخارج مع معظم قادة الداخل السياسيين والعسكريين، وبات التنسيق بين هؤلاء محققاً أكثر من أي وقت ما يسقط تهكم واشنطن وغيرها بأن المعارضة لا تمثل الداخل. بل ان الأخيرة باتت أمام معادلة تقول: بين اختيار استمرار العلاقة مع واشنطن وبين الحفاظ على مكسب وحدة الموقف مع الداخل السوري الخيار الحاسم هو لمصلحة الداخل، لا سيما أن التنسيق معه أخذ زخماً كبيراً أخيراً.

4 – إن تهديد واشنطن بوقف دعمها المعارضة إذا لم تذعن للمشاركة في جنيف وفق مطالب موسكو والنظام لن يغير الواقع. فالأميركيون لم يقدموا في المرحلة الماضية دعماً يحدث فرقاً ميدانياً.

5 – إن بين نصائح كيري وأعوانه للمعارضة والتي تبلغتها قبل 4 أشهر هو طمأنة إيران الى مصالحها في سورية وهي القبول بالممر الآمن لطهران من مطار دمشق الى بيروت. فكيف يمكن للمعارضة أن تذعن لهذا الطلب في وقت تستمر الميليشيات التابعة لـ «الحرس الثوري» و «حزب الله» في مقاتلة المعارضة المسلحة وتشارك النظام في المجازر وحصارات التجويع والقتل؟

الحياة

 

 

 

جولة الدور الروسي/ حسام عيتاني

ربما يجدر بجهة ما، توجيه نصيحة إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالتخفف من عبء الأسفار المتلاحقة وهموم الإعداد للمفاوضات بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية.

ذلك أن ما يُنشر ويتسرب عن مضمون لقاءاته في المنطقة يقول إن كيري قرر تعيين نفسه مساعداً لنظيره الروسي سيرغي لافروف، في ظل الانكشاف الشديد لغياب أي استراتيجية أميركية في سورية باستثناء الحرب على الإرهاب التي يبدو أن واشنطن لا تمانع في ضم الأسد إليها. فيبرز السؤال عن الجدوى من كل هذه الرحلات واللقاءات ما دامت لا تشكل غير صدى للموقف الروسي من الحرب في سورية.

وإذا أُزيحت مسألة الحرب على الإرهاب «الداعشي»، يعسر الحديث عن رؤية أميركية للحل السياسي بعد خمسة أعوام من الحرب التي شنها النظام على الشعب والمجتمع السوريين. لا قيمة هنا لـ «فضح» ازدواج المعايير الأميركية ولا للحديث عن التخلي عن الثورة السورية ولا لتوصيف التراجع الأميركي منذ جنيف -1 إلى اليوم. الشرق الأوسط لم يعد يعني الشيء الكثير للولايات المتحدة مع بداية نهاية عصر النفط واختفاء أي تهديد جدي لوجود وأمن إسرائيل.

بهذا المعنى، لا مصلحة أميركية في استمرار أو في نهاية النزيف السوري، حيث يتساوى الخياران ما داما لا يولدان تهديداً صريحاً ومباشراً يشكله الإرهاب. ينخفض تبعاً لذلك الاهتمام الأميركي إلى الحد الأدنى حيث يسود اعتقاد أن أية تهدئة أو حتى وقف طويل لإطلاق النار على جبهات القتال مع النظام، ستفضي إلى تعزيز الجهود وتضافرها للقضاء على «داعش».

بقاء الأسد أو رحيله، الحكومة الانتقالية أو التشاركية، وقف القصف المتعمد من طائرات روسيا والأسد، فك الحصار عن المناطق التي تتعرض إلى عملية إفناء منهجية، سحب القوات الأجنبية أو بقاؤها، إنهاء حالات التطهير الطائفي وتغيير الطبيعة السكانية، مسائل لا تثير انتباهاً يُذكر في واشنطن التي لا ترى إلا «داعش» وخطرها، متابعة (هذه الإدارة) الرؤية الوحيدة الجانب لإدارات سابقة.

قد يدفع هذا الإصرار الأميركي على تجاهل النكبة السورية وتركيز الاهتمام، في المقابل، على الإرهاب، إلى ظهور آراء عدمية تعتبر أن تنظيم «داعش» هو ما يستحقه هذا العالم المنافق الذي تخلى عن مسؤولياته السياسية والأخلاقية حيال الشعب السوري. بيد أن أصواتاً كهذه لا تفيد سوى في تعميق نكبة السوريين وتفاقم التجاهل العالمي لمطالبهم المحقة بالكرامة والحرية.

وإذا بدا من السذاجة الاستمرار في هجاء إدارة باراك أوباما بعد خمسة أعوام من الثورات العربية التي لم تلتزم واشنطن حيالها بأي أمر ملموس، فإن الاعتقاد أن بقدرة جولة مفاوضات واحدة في جنيف على حسم الموقف لمصلحة النظام أو المعارضة ينطوي على سذاجة أكبر. ما سيجري في المفاوضات المقبلة لن يزيد عن تظهير موازين القوى وإعادة صوغ المشهد السياسي بعد التدخل الروسي الكثيف وتراجع إيران عن أداء دور الراعي الأول لبشار الأسد لمصلحة موسكو.

عليه، تكتسي السجالات في شأن تشكيل الوفد المعارض وإملاءات لافروف وكيري والمبعوث دي ميستورا سمة غير واقعية ما دام الجميع متفقاً على فشل المفاوضات من قبل أن تبدأ. هي جولة لتكريس الدخول الروسي الثقيل من دون أي أفق لتسوية التناقضات التي أدت إلى انفجار الثورة السورية في المقام الأول.

الحياة

 

 

 

من ينقذ سوريا ويحكمها؟/ عبد الكريم أبو النصر

“الحقيقة الأساسية التي تفرض ذاتها على العملية التفاوضية السورية أن الصراع في سوريا ليس مجرّد صراع بين النظام والمعارضة وليس عسكرياً فحسب بل ان جانبه العسكري جزء من المشهد. وليس كافياً أن يتغلّب أحد الطرفين عسكريّاً على الآخر لكي يحكم سوريا ويقرّر مصيرها بقطع النظر عن أن الحسم العسكري لأي طرف بالغ الصعوبة والتعقيد. فمن يستطيع أن يحكم سوريا فعلاً

وأن يقرّر مصيرها يجب أن يربح في وقت واحد الحرب ومرحلة ما بعد الحرب وهي الاكثر أهمية وصعوبة. ولن يستطيع طرف واحد أن يربح الحرب ومرحلة ما بعد الحرب معاً استناداً إلى المعطيات والوقائع الحقيقية والموضوعية. فنظام الرئيس بشار الأسد يستطيع أن يواصل القتال ضد المعارضة فترة طويلة غير محدّدة ويلقى الدعم الكبير من حلفائه الروس والإيرانيين، لكن ذلك لن يحقّق له النصر لأنه فقد القدرة على أن يحكم سوريا فعلاً. فالحكم ليس القتل والتدمير بل القدرة على حل المشاكل الهائلة لسوريا وإنقاذها من الجحيم واعادة الحياة الطبيعية اليها وإعمارها وإخراجها من العزلة الواسعة والمؤثّرة الإقليمية والدولية. بل إن الأسد لن يستطيع تقرير مصير سوريا وهل تبقى دولة موحّدة أم تتّجه الى التفكّك والتقسيم. فالسلام الحقيقي الشامل وحده يحفظ البلد موحّداً ويعالج مشاكله وينهي المعاناة الفظيعة لشعبه ونظام الأسد عاجز عن انجاز هذا السلام”.

هكذا اختصر مسؤول أوروبي بارز في باريس الوضع وقال: “إن مبادئ حل الأزمة السورية المتفق عليها دولياً وإقليمياً تتطلّب من المعارضة تبنّي الواقعية والمرونة وسياسة التنازلات المتبادلة في المفاوضات مع النظام، كما ان هذه المبادئ المنصوص عليها في تفاهمات اجتماعات فيينا بين الدول المعنيّة مباشرة بالأزمة وفي قرار مجلس الأمن الأخير الذي يحمل الرقم 2254 تتطلّب خصوصاً انهاء نظام الأسد بتركيبته وتوجّهاته الراهنة من أجل العمل على قيام نظام جديد تعدّدي ديموقراطي يحقّق الاهداف والتطلّعات المشروعة لكل مكوّنات الشعب في رعاية الأمم المتحدة وفي إشراف الدول المؤثّرة” وبضغط منها.

وأوضح “أن المعركة الحقيقيّة الكبرى التي يخوضها نظام الأسد هي مع الشعب والمجتمع والبلد. وهذا ما تدركه سائر الدول المعنيّة. فمعركة النظام هي أولاً مع الشعب السوري وتكفي الأرقام الآتية المستندة الى معلومات الأمم المتحدة لتوضح حجم المأساة والتحديات الهائلة: فحرب النظام ضد شعبه المحتج شرّدت أكثر من 12 مليون سوري من منازلهم فباتوا لاجئين في الداخل والخارج، وجعلت 18 مليون سوري فقراء يحتاجون الى المساعدات الإنسانية، وأكثر من نصف السكان يعيشون تحت مستوى الفقر، إضافة إلى سقوط أكثر من 400 ألف قتيل ومليون جريح ومصاب. ومعركة النظام هي ثانياً مع المجتمع السوري الذي مزّقته الحرب البالغة الشراسة وضربت مكوّناته بعضها بالبعض وزرعت الأحقاد والكراهية بين أبنائه. وليس ممكناً اعادة توحيد الشعب وإحلال السلام الأهلي الضروري لضمان الاستقرار في ظل القيادة السورية القائمة المسؤولة الأولى عن تفجير الحرب وتصعيدها. ومعركة النظام هي ثالثاً مع سوريا ذاتها، إذ إن حربه ألحقت الكوارث بالبلد وفي كل المجالات وتسبّبت بدمار وخراب هائلين غير مسبوقين، منها تدمير أكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية إضافة الى المنشآت النفطية والصناعية والزراعية والمؤسّسات المدنيّة والعسكرية وآلاف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، الأمر الذي جعل المبعوث الدولي ستافان دو ميستورا يقول “إن الحرب أعادت سوريا أربعين سنة الى الوراء وهي تحتاج إلى أربعين سنة إضافية من أجل إعادة بنائها وإعمارها”. وتفيد تقديرات الخبراء الدوليين أن سوريا تحتاج إلى أكثر من 400 مليار دولار لاعادة بنائها وإصلاح الأضرار التي أصابتها ونظام الأسد ليست لديه الامكانات والموارد المالية الضرورية لتوفير الخبز والمواد الضرورية الأولية لمواطنيه بأسعار مقبولة ومعقولة، إذ انه خفض الدعم عنها”.

وخلص المسؤول الأوروبي إلى القول: “هذه الوقائع والأرقام تعكس حقيقة الصراع في سوريا وحجم مأساتها التي ليس لها مثيل في العالم العربي، وتظهر أن انقاذ البلد وتحقيق السلام والاستقرار فيه لن يتحقّق ما لم تتولَّ إدارة شؤونه قيادة سورية جديدة تكتسب شرعية حقيقية داخلياً وخارجياً وتعمل على تحقيق المطالب المشروعة لكل مكوّنات الشعب وتمنح السوريين من طريق انتخابات تعددية حرّة حق تقرير مصيرهم بأنفسهم وتحصل على دعم دولي وإقليمي كبير ومتواصل. وهذا الواقع يعكس المصاعب والتعقيدات والتحديات الجسيمة التي تواجهها العملية السياسية التفاوضية الهادفة إلى إنهاء الحرب وحل الأزمة”.

النهار

 

 

 

على واشنطن خلق الظروف للتفاوض: دعم المعارضة السورية عسكريا وإنهاء سياسة «الجوع أو الركوع»… والتنازلات للروس والإيرانيين والنظام عقبة أمام تحقيق تسوية شاملة/ إبراهيم درويش

قصة تعاون الأمم المتحدة مع دمشق للتقليل من حدة الكارثة الإنسانية في المناطق المحاصرة

في عدد 21 كانون الأول/ديسمبر 2015 من مجلة «نيويوركر»، كتب ديفيد رمينك عن مسيرة وزير الخارجية رقم 68 للولايات المتحدة الأمريكية جون كيري.

وقدم فيها صورة عن إنجازاته في الدبلوماسية الأمريكية وتجربته في الحرب الفيتنامية حيث حصل على أوسمة وتقديرات، وزواجه من إبنة رجل الأعمال الذي يملك ماركة «هاينز» لتعليب المواد الغذائية.

وقدم الكاتب إضاءات عن شخصية كيري المتفائلة دائما وعمله الدؤوب ومراحل حياته الدبلوماسية وخسارته في عام 2004 الحملة الانتخابية ضد جورج دبليو بوش، الذي يعتبر أسوأ رئيس في التاريخ الأمريكي.

ولاحظ الكاتب أن كيري قرر القبول بالهزيمة رغم الشكوك حول عملية إحصاء الأصوات في أوهايو. ومع ذلك لم يتخلص كيري من جراح تلك التجربة حيث ظل غاضبا على رئيس حملته والمخطط الإستراتيجي، روبرت شرامب.

ويبدو أنه تعافى من آثار تلك التجربة عندما عين وزيرا للخارجية عام 2013 بعدما خدم 28 عاما في مجلس الشيوخ.

ولدى كيري ما يمكن أن يتحدث عنه في مسيرته منذ توليه ملف الدبلوماسية الأمريكية، وأهمها الملف النووي الإيراني العام الماضي وتدخله في حل مشكلة الخلاف بعد الانتخابات الأفغانية وتقاسم الفترة الرئاسية بين أشرف غني (الرئيس الحالي) وعبد الله عبد الله (رئيس ينتظر). لكنه فشل في تحقيق أي تقدم على ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

التحدي السوري

وتساءل رمينك إن كان بيد كيري مفاتيح الحل للأزمة السورية. فمن جنيف إلى فيينا إلى جنيف مرة أخرى لا يزال يحاول كيري إقناع الأطراف بالجلوس على طاولة واحدة.

ففي تشرين الثاني/نوفمبر كان كيري متفائلا جدا عندما قال إن سوريا لا تبتعد «سوى أسابيع» عن مرحلة انتقالية كبيرة.

ويبدو أن رغبته في تنظيم مفاوضات دبلوماسية حاسمة جعلته كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها، يتنازل هو والمبعوث الدولي الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا عن الكثير.

فهما، كما تقول، لم يعودا يطالبان بمفاوضات مباشرة بين النظام السوري والمعارضة واقترحا عوضا عن ذلك «محادثات تقريبية» سيقوم فيها دي ميستورا بالتحرك بطريقة مكوكية بين القاعة التي يجلس فيها وفد الحكومة وتلك التي يجلس فيها وفد المعارضة.

ولم يعد، مشاركة، نظام بشار الأسد بدخول المواد الإنسانية إلى المناطق المدنية التي لا تزال تحت حصار قواته، رغم أن هذا مطلب أممي ونص عليه قرار مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي.

ومن هنا تشكك الصحيفة في إمكانية عقد المفاوضات أو «المحادثات التقريبية» التي أعلن دي ميستورا أنها ستبدأ اليوم خاصة أن فصائل المعارضة السورية التي وجهت إليها الدعوة لم تحسم أمرها بعد.

والسبب في كل هذا ما تراه الصحيفة فشلا من جانب النظام في احترام الشروط التي حددها قرار الأمم المتحدة. وتضيف أن تقدما لن يحدث حتى لو عقدت المحادثات في موعدها المقرر بسبب التنازلات التي قدمت لنظام الأسد ولداعميه الروس والإيرانيين.

الانتقال الكبير

كل هذا لا يعني عدم متابعة الأزمة السورية والتوصل لتسوية دبلوماسية لها. فلا يزال «الإنتقال الكبير» الذي تحدث عنه كيري «سرابا» إلا أن الاتفاق على وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة غير الجهادية يمكن أن يعتبر نجاحا.

ويأمل مسؤولو الأمم المتحدة أن تؤدي محادثات جنيف إلى رفع الحكومة الحصار عن المناطق المدنية.

ومع ذلك ترى الصحيفة إن دمشق وداعميها ليس لديهم اهتمام في هدنة. وعلى خلاف هذا يقومون بالدفع باتجاه حملة عسكرية لاستعادة مناطق واقعة في شمال وجنوب سوريا.

ويحصل الجيش السوري على دعم الطيران الروسي، الذي يقوم بضرب المناطق المدنية، مع أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 نص بشكل واضح على وقف استهداف المدنيين. وتتهم الصحيفة موسكو بوضع مطالب تهدف إما لإبطاء عملية السلام أو تخريبها.

وحاولت استثناء بعض الجماعات المسلحة، المدعومة من السعودية أو تركيا، في الوقت الذي تدفع فيه باتجاه «المعارضة» المكونة من أشخاص يقبلهم النظام وضم الأكراد السوريين.

ومن هنا تعلق الصحيفة بأن حماسة كيري لعقد المفاوضات جعلته يستجيب وبشكل متكرر لمطالب روسيا التي تريد شطب موضوع تنحي زمرة الأسد عن السلطة من الشروط. وكانت الحماسة سببا لعدم الإصرار على مطلب رفع الحصار عن المناطق المدنية والتوقف عن قصف المدنيين والتي تعتبر في حد ذاتها شروطا مسبقة لتسوية سياسية.

ولهذا ترى الصحيفة أن على الولايات المتحدة العمل أولا على خلق الظروف لنجاح المحادثات بدلا من التعجل بعقدها بأي ثمن.

ومن أجل هذا يجب دعم المعارضة بالسلاح الذي تحتاجه من أجل وقف وردع الهجوم العسكري السوري – الروسي. وهذا يعني الإصرار على وقف سياسة الجوع أو الركوع وكذا القصف الروسي للمدارس والمستشفيات مرة وللأبد.

التجويع مستمر

وفي هذا السياق علقت صحيفة «نيويورك تايمز» على تصريحات مسؤولين كبيرين في الأمم المتحدة، يوم الأربعاء، عن عدم قدرة المنظمة الدولية إيصال المساعدات الإنسانية للمحرومين السوريين العالقين في مناطق الحرب، وقالا إن عدد المناطق المحاصرة ارتفع في الأسابيع الماضية من 15 بلدة إلى 18 وإن هناك ما يقرب عددهم من نصف مليون شخص على حافة الجوع أو الموت.

وجاءت تحذيرات كل من ستيفن أوبرين وإيرثرين كزين في شهادة لمجلس الأمن الدولي قبل يومين من انعقاد اجتماع جنيف الذي يهدف لوقف الحرب السورية التي تدور منذ خمسة أعوام.

وقال أوبرين، منسق جهود الإغاثة الإنسانية في الأمن المتحدة، إن هناك حوالي 4.6 مليون سوري يعيشون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها وأن المتقاتلين تجاهلوا مطالب قرار المجلس الذي يطلب منهم تسهيل مرور قوافل الإغاثة الإنسانية.

وقالت كزين، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي، إن هناك «ما يقرب من نصف مليون «سوري مقطوعين تماما عن المساعدات. ودعت كزين لتحرك كل أعضاء المجلس «لمنع الناس من مجاعة باتت محتومة».

وتوقع المسؤولان ظهور صور مريعة كتلك التي شاهدناها قبل فترة وخرجت من بلدة مضايا التي حاصرها الجيش السوري وميليشيات «حزب الله» اللبناني لأشهر ومنع عنها الغذاء والدواء.

ورغم وصول المواد الإغاثية لمضايا ولثلاث بلدات أخرى، وهي الفوعة وكفريا والزبداني، إلا أن هناك توقعات بأن ينفد الغذاء والدواء سريعا.

ويرى أوبرين أن الحرمان، الذي تم الكشف عنه، هو «طرف كرة الثلج». وعلقت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سامنثا باور قائلا: «لا نستطيع التفكير ولو لدقيقة واحدة أن الوضع قد تحسن».

خطة رد أم تواطؤ

وبنفس الإطار فتحت مجلة «فورين بوليسي» ما كشف عنه بداية الشهر الحالي عن تواطؤ مسؤولي الأمم المتحدة مع نظام الأسد حيث قاموا بتغيير «خطة الرد الإنساني» التي صدرت في 29 كانون الثاني/ديسمبر.

وكتب روي غوتمان في المجلة يصف التقرير بالقول: «عنوانه ركيك ومحتوياته جافة. ولكن الإحصائيات الصارخة في الملخص السنوي الصادر عن برامج الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقدم قصة الكابوس الإنساني السوري، فهذا بلد يعيش فيه على آلة التتنفس الصناعي أو الإنعاش 13.6 مليون بحاجة للمساعدة الإنسانية.

وفي كل ساعة تشرد 50 عائلة من بيوتها وعلى الأقل هناك مليون شخص مشرد في المخيمات لا يتلقون مساعدات من المؤسسات الدولية». كل هذا مثير لكن بالنسبة للقارئ المتفحص فالمثير في «خطة الرد الإنسانية» هو ما لم تذكره.

فقد قامت الأمم المتحدة بعد التشاور مع الحكومة السورية بتغيير عدد من الفقرات وحذف عدد من المعلومات الهامة وذلك لتقديم حكومة بشار الأسد بصورة جيدة.

وعندما قارن الصحافي النسخة النهائية التي تم نشرها بالنسخة الأًصلية التي حصلت عليها مجلة «فورين بوليسي»، يتضح حذف 10 إشارات إلى مناطق تتعرض لـ «حصار» أو «محاصرة» مثل بلدة مضايا التي مات فيها 23 شخصا من الجوع خلال الأشهر الماضية. وتجنب التقرير ذكر «ألغام» أو «الذخيرة الحية» مثل «البراميل المتفجرة» التي يرميها النظام وبطريقة لا تميز على مناطق المدنيين.

ولم يذكر التقرير جماعات الإغاثة السورية التي نقلت المساعدات للمدنيين في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة.

وأشار مكتب تنسيق شؤون الإغاثة الإنسانية إلى أن التحوير بالتقرير جاء بناء توصية من الحكومة السورية. ونقل الكاتب هنا ما ذكرته المتحدثة باسم المكتب ليندا توم «هو أمر طبيعي أن تقوم الأمم المتحدة بالتشاور مع حكومة البلد».

وأكدت المتحدثة الرئيسية باسم مكتب التنسيق وشؤون الإغاثة الإنسانية أماندا بيت: « أفترض أن هذا تم عمله مع شركاء لنا بمن فيهم الحكومة وهي ممارسة عادية».

ويعلق الكاتب هنا بأن حذف أي ذكر للحصار جدير بالاهتمام لأن أزمة مضايا لم تنته بعد. صحيح أن الحكومة السورية سمحت في 11 كانون الثاني/يناير لوكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر العربي السوري بإدخال الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والأدوية، إلا أن ميليشيات حزب الله والنظام منعا إجلاء مئات المرضى الذين يقول الأطباء إن حالتهم خطيرة وتستدعي نقلهم إلى المستشفيات.

وقيد النظام وحزب الله أيضا إدخال الوقود وسمحا بجزء قليل من الكميات التي خططت الأمم المتحدة لإدخالها.

ونقلت المجلة عن محمد يوسف، منسق الوحدة الطبية في مضايا، قوله إن 13 شخصا توفوا بعد دخول قوافل الإغاثة. ومات طفل أمام أعين مسؤولي منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

دبلوماسية هادئة

وتشير المجلة إلى أن الأمم المتحدة لا تتحدث إلا بقدر يسير عن أوضاع البلدات المحاصرة مفضلة «الدبلوماسية الهادئة».

ولم تنجح هذه في عام 2015 عندما رفضت الحكومة السورية الاستجابة لتسعة طلبات، من بين عشرة، من أجل إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة أو تلك التي يصعب الوصول إليها.

وتعرضت المنظمة الدولية للانتقاد لأنها آثرت الصمت على الجوع الذي عانت منه مضايا ولأشهر، ولم تتحرك إلا بعد ظهور صور الأطفال الجياع أو صور من ماتوا على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي «معلومات سريعة»، أعلنت الأمم المتحدة عنها عبر موقعها في 17 كانون الثاني/يناير، كشف مسؤولو الأمم المتحدة أنهم لم يستطيعوا الحصول على إذن لإجلاء المرضى.

وجاء في المعلومات الجديدة: «في الوقت الذي تم فيه إجلاء 10 أشخاص في الأيام الماضية، إلا أن الموافقة على إجلاء الباقين تنتظر الرد» من الحكومة السورية.

ونقلت المجلة عن ممثلين لمنظمتي إغاثة سورية قولهم إن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أساء تقدير عدد الأشخاص الذين يحتاجون لعناية طارئة وقالوا إن هناك حوالي 400 شخص بحاجة لتلقي العلاج خارج مضايا. وقالت منظمات غير حكومية إن حزب الله قام بتشديد الحصار في الأيام القليلة الماضية، مما أجبر عشرات العائلات التي تعيش في الطريق إلى الزبداني على الفرار نحو مضايا. وتشير المجلة إلى أن الانتقاد للأمم المتحدة لا يتعلق فقط بمضايا بل واتهمت خمس منظمات سورية المنظمة الدولية بأنها شكلت «سابقة خطيرة» في التفاوض على صياغة التقرير مع الحكومة السورية.

وقالوا إن حذف الإشارة للمناطق المحاصرة «يقلل من شدة الإنتهاكات» للقانون الدولي، التي يمارسها نظام الأسد.

ويفسر عدد من عمال الإغاثة الدولية أن استعداد الأمم المتحدة للقبول بشروط الحكومة السورية مرتبط بخوف منعها من العمل في دمشق. وفي رسالتين اطلعت عليهما المجلة وموجهتين إلى أوبرين، منسق شؤون الإغاثة في الأمم المتحدة، ومؤرختين في 13 كانون الثاني/يناير، اشتكى 112 عامل إغاثة من مناطق تحاصرها الحكومة بمرارة، وقالوا إن فريق الأمم المتحدة العامل في دمشق إما قريب من النظام أو يخشى من إلغاء تأشيراتهم.

وكتب عمال الإغاثة قائلين: «لماذا تقمعون معاناتنا؟ فرفض رفع الحصار ليس كافيا والآن تخشى الأمم المتحدة النطق بالكلام».

ورد أوبرين موجها كلامه «للمجتمع المدني السوري» حيث نفى أن تكون الأمم المتحدة قريبة من النظام السوري، ولا تتصرف والحالة هذه بطريقة تشجع من خلالها أساليب الحصار.

وأكد أن المنظمة الدولية طالبت، بشكل متكرر وبدون شروط، بالتوقف عن استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين وفتح الممرات لوصول المساعدات للمناطق المحاصرة أو تلك التي يصعب الوصول إليها.

وعبر عن «غضبه وإحباطه من الوضع في المناطق المحاصرة في سوريا». وكان موقع «ميدل إيست آي»في لندن قد كشف في 15 كانون الثاني/يناير عن تعاون مكتب تنسيق الإغاثة في تغيير كلمة «محاصر» و»حصار» واستبدال كلمة «نزاع» بـ «أزمة»، وحذفت الإشارات كلها حول برنامج الأمم المتحدة لتفكيك الألغام في خطة الأمم المتحدة لعام 2016 للرد الإنساني، وذلك بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني، شاهدها الموقع وتأكد له من مصدرين.

وقال الموقع إنه تم استبدال كلمتي «حصار» و»محاصر»، الواردتين في قرارات 2139 و 2165 و 2191، اللذان تبناهما مجلس الأمن الدولي بإعادة «توطين».

وكشف الموقع أن موظفين في مكتب الأمم المتحدة للتنسيق والشؤون الإنسانية في دمشق، قاموا بنشر التقرير مع التعديلات التي قامت بها الحكومة السورية، بدون عرضه على مكاتبها في الأردن وتركيا، بحسب البريد الإلكتروني. وكشف الموقع عن أن الأمم المتحدة قللت من حجم جرائم الحرب هذه.

مشيرا إلى أن المكتب قدر عدد المحاصرين في سوريا بحوالي 393.700 شخص، ولكن «سيج ووتش»، وهي شبكة للرقابة، تقول إن العدد أكبر وقد يصل للملايين، فيما تقدر منظمة «أطباء بلا حدود» العدد بحوالي مليون شخص.

ويشير التقرير إلى أن التباين ذاته حصل في عدد المناطق المحاصرة، حيث يقول مكتب الأمم المتحدة إن عددها 15 منطقة، أما «سيج ووتش» فتقول إنها 52 منطقة.

ولم يتعامل مكتب الأمم المتحدة مع مضايا، التي وصلت إليها قوافل الإغاثة كونها منطقة محاصرة.

القدس العربي

 

 

اجتماع «جنيف» اليوم .. بداية معركة طويلة!/ صالح القلاب

المفترض أن تبدأ اليوم الخطوة الأولى لحل الأزمة السورية، التي تحولت إلى كارثة بعدما شرع نظام بشار الأسد أبواب “بلده” أمام كل عابر سبيل، لكن الواضح أن هذه الخطوة المرتبكة غير المضمونة ستكون بداية طريق وعر وطويل، غير معروف إلى أين سيؤدي ما دام أنَّ اللاعبين الرئيسيين يشدُّ كل واحد منهم في اتجاه معاكس للاتجاه الذي يشد فيه الآخر، وما دام أن الروس متمسكون ببقاء بشار الأسد، غير معروف إلى متى، خلافاً لبيان “جنيف1” وللتوجُّهات التي تم الاتفاق عليها في “فيينا” وأيضاً لقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

كان يجب أن تأتي المعارضة الفعلية المنبثقة عن مؤتمر الرياض، والتي تشارك فيها خمسة تنظيمات عسكرية كلها فاعلة ومقاتلة ولها وجود في معظم الأراضي من بينها الجيش السوري الحر إلى جنيف، وتأخذ موقعها على مائدة المفاوضات، وسواءً كانت هذه المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة فهي صاحبة الحق، وهي التي تمثل الشعب السوري، وبالتالي فإنها الأحرص على ألَّا تستمر هذه الأوضاع المأسوية، والأحرص على وحدة سورية ووحدة شعبها.

كان الطرف الآخر، نظام بشار الأسد والروس والإيرانيون وكل من هبَّ ودب، يراهن على أن المعارضة السورية “المعتدلة” ستستجيب لاستفزازاته، وأيضاً لاستفزاز المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا وتقاطع اجتماع اليوم، وتغيب عنه، لكن ولأنها “أم الولد”- كما يقال- ولأنها صاحبة الحق، والأكثر حرصاً على وضع حدٍّ لمسيرة الآلام هذه المستمرة منذ نحو خمسة أعوام، فإنها جاءت إلى جنيف وحرصت على حضور هذا الاجتماع الذي حتى وإن هو شكل ولو بصيص ضوء ضئيل في نهايات نفق مظلم، فإنه بالإمكان البناء عليه وتحقيق إنجازات سيكون تحقيقها بمثابة معجزة في زمن لا معجزات فيه.

سيتمسك وفد النظام وفقاً، ليس لتوجيهات “الرفيق” سيرغي لافروف بل لتعليماته، بكل الهذيان التفاوضي الذي تم الإعلان عنه أكثر من مرة، والذي يهدف إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل مارس 2011، وهذا لا يمكن أن يتم ويحصل، فحركة التاريخ تجاوزت تلك اللحظة، وهناك حقائق فعلية غدت متجسدة على الأرض والشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات، والذي غدا جزءٌ منه مشرداً في أربع رياح الأرض لا يمكن أن يعود ليخضع لأوضاع كان خضع لها قرابة خمسين عاماً، وكانت النتيجة هذه الثورة الباسلة التي أصبحت لا خيار أمامها إلا خيار الانتصار.

إنها ليست المرة الأولى التي تجلس فيها المعارضة إلى مائدة التفاوض مع ممثلين من هذا النظام، يديرهم المايسترو سيرغي لافروف، فقد كان هناك “جنيف 2” التي فشلت فشلاً ذريعاً لأن اللاعب الروسي أصر، خلافاً لما جاء في “جنيف1″، على أن تكون الأولوية لمواجهة الإرهاب وليس لإزاحة بشار الأسد وإسقاط نظامه، وهنا فإنه غير مستبعد على الإطلاق أن يكون مصير “جنيف 3” كمصير “جنيف 2″، وأن تنتهي هذه المحاولة إلى الفشل… لكن ما العمل طالما أنه ليس أمام المعارضة السورية ومن يؤيدونها إلَّا هذا الخيار.

وهكذا، وكما أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى، كما قال المنظر العسكري الاستراتيجي كارل فون كلاوْزفيتر، فإن السياسة امتداد للحرب أيضاً، وهذا يعني أن مفاوضات “جنيف 3” التي من المفترض أن تبدأ اليوم هي اشتباك في معركة كبيرة، ولذلك فإنه كان لابد من أن تأتي المعارضة السورية إلى هذا الاشتباك الذي ستترتب على نتائجه مواجهات مصيرية مقبلة كثيرة.

الجريدة

 

 

 

عن جدل «جنيف 3» الذي.. لن ينتهي!/ محمد خروب

عبثاً يحاول وفد ائتلاف اسطنبول الذي أفرز هيئته العليا ووفده التفاوضي العتيد، تعديل الصيغة التي اعتمدها الطرفان الروسي والاميركي عبر بيان فيينا’ ولاحقاً تكريسه في قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومحاولة إحياء «جنيف1» الذي بات من الماضي, ليس فقط لأن الميادين العسكرية أسقطتها وانما أيضاً ودائماً لأن الذين التقوا في جنيف وقتذاك,في حزيران من العام 2012، من «اصدقاء» سوريا ورعاة الارهاب ومَنْ أخذوا على عاتقهم تدمير سوريا وتقسيمها وإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم في الاساس المشروعين الاسرائيلي والعثماني الجديد، لم يعودوا على تلك الدرجة من التماسك او القوة او حتى الحماسة, بعد ان سقطت رهاناتهم وبعد ان اكتشفوا ان أدواتهم في المعارضات المزيفة التي فبركوها والمنظمات الارهابية التي اغدقوا عليها الاموال والسلاح والمعلومات الاستخبارية، لم يكونوا سوى هواة وسُراّق وآفاقين وتُجّار مخدرات وآثار.

وسواء انطلق ماراثون جنيف3 غداً الجمعة بـ»مَنْ حضر» أم اضطر المنظمون ومَنْ ارسل الدعوات (دي ميستورا) الى تأجيله لأيام معدودات او الى اجل غير مسمى, نتيجة «زعل» إحدى الدول المدعوة مثل تركيا التي لا تُبدي اي تساهل ازاء حضور صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وذراعه العسكرية «قوات حماية الشعب» التي تُسيطر على مساحات وبلدات مهمة وتُواجه داعش في اكثر من جبهة، وإصرار الرئيس المُشارك لمجلس سوريا الديمقراطية هيثم مناع, على المقاطعة ما لم يحضر المُكوِّن الكردي (أي صالح مسلم)، فإن الثابت حتى الان أن ما بات يعرف بوفد الرياض اي الذي أفرزه اجتماع المعارضات في العاصمة السعودية الشهر الماضي، قد أظهر منذ البداية عدم وحدته وانقسامه وهيمنة روح المَحاوِر و «المعسكرات» عليه, تبعاً للمرجعيات والرُعاة والمُموِلين, بل ثمة من تحدث عن تَشدُّد الجناح التركي في هذه المعارضات ورغبته في مقاطعة جنيف3 مقابل من يريد الذهاب وان كان غَلّفها بمطالبة المبعوث الأُممي دي ميستورا بتوضيح بعض النقاط والعبارات التي وردت في نص الدعوة التي وجهها، كغطاء او تبرير للحماسة التي يُبديها للجلوس على طاولة المفاوضات سواء كانت مباشرة مع وفد الحكومة السورية ام في غرفة منفصلة يقوم المبعوث الدولي بالتنقل بين الغرفتين (وربما الغرف الثلاث اذا ما ذهب معارضو ما يوصفون بمعارضة القاهرة وموسكو والاستانة الى هناك, وتم التعامل معهم كوفد ثالث او صيغة اقرب الى ذلك)… بل ثمة تسريبات اوردتها صحف لبنانية قالت إن التصويت في اجتماع المعارضة بالرياض جاء 12-17 لصالح من يُريدون الذهاب الى المفاوضات, فيما الذين عارضوا هم من «العسكريين» الذين يُمثِلون جيش الاسلام واحرار الشام مضافا اليهم رئيس مجلس اسطنبول جورج صبرا، ما اضطرهم الى تأجيل ذلك الى الاربعاء (يوم امس) كي يتم حسم المسألة.

استذكاء المعارضة المجتمعة في الرياض ومحاولتها الظهور بمظهر المُحترف والمُدقق في التفاصيل واظهار بعض القدرات التفاوضية، كي تخفي مراهقتها السياسية وتراجع مكانتها وفقدانها الكثير من الاوراق التي كانت تُراهن عليها ولجوئها الى المطالبة بما تسميه اجراءات بناء الثقة وفقا للبندين 12 و13 من قرار مجلس الامن فضلا عن استفسارها من المبعوث الاممي حول العبارة التي جاءت في نص الدعوة وهي «اقامة حكم ذي مصداقية»..كذلك في معرفة صفة مَنْ تمت دعوتهم من تيارات المرة الاخرى وهل هم «محاورين ام مستشارين», لن تُسهم الا في دورانها حول نفسها وانعدام قدرتها على المضي قدما في ايجاد حل سياسي للازمة، في ظل يقينها بان هامش المناورة امامها قد تقلص كثيرا, وان ما تفرزه الميادين والحقائق الجغرافية الآخذة في التجسد على الارض، لن تمنحهم القدرة ولا الامكانية على اقناع احد، وخصوصا رُعاتهم في الاقليم، بانهم جديرون بالدعم او الرهان عليهم، ولهذا لن يكون مفاجئا ولا غريبا ان يقوموا باعلان انسحابهم من المفاوضات بعد الجلسة الاولى او افتعال اي مشكلة للاحتجاج واظهار «المظلومية» وتوجيه الاتهامات لموسكو وربما واشنطن سعيا لاستدرار دعم من باريس ولندن وخصوصا انقرة وبعض دول الاقليم العربية.

جنيف3 محكوم بالفشل، ليس فقط لان وفد المعارضة الذي يقوده الجنرال اسعد الزعبي، لا يتمتع بأي قدرات او رغبة باخراج سوريا وشعبها من مأساتهما الراهنة, وانما ايضا لانهم يفتقدون الى اي اوراق ذات وزن, يمكن ان تُسهم في تمرير منطقهم الارهابي, بعد ان انكشفوا وباتت مؤامرتهم – ومن دَعَمَهم ويدعمهم – مكتوبة على الجدار، بعُريِها المفضوح.

الرأي الأردنية

 

 

الأزمة سورية وخيبة الأمل أميركية/ سلمان الدوسري

كان الله في عون الشعب السوري، لم تتناقض المواقف الدولية ولم تعرف الازدواجية كما فعلتها في قضيتهم. وقف العالم مع الثورات العربية كلها، فلما جاء الدور عندهم، تغيرت الموازين والمعادلات والمواقف. أصبح قاتل مئات الآلاف حاكمًا يُغض النظر عنه، والإرهابي يسمح بالتعامل معه، والميليشيات تشرعن عملياتها، أما صاحب الثورة الحقيقي فلا بأس من قصفه وقتله وتهجيره وتجويعه، في أسوأ أزمة بالتاريخ الحديث، بالطبع لا أحد يسأل أين هي حقوق الإنسان التي تظهر متى ما أريد لها في المجتمعات الغربية، لكنها تختفي وتنمحي من الوجود متى ما كانت المصالح السياسية تقتضي ذلك.

الضغط الرهيب الذي تتعرض له المعارضة السورية للقبول بمشاركة شكلية وغير متوازنة أمام وفد النظام في مؤتمر «جنيف3»، مؤشر جديد على خذلان العالم للثورة السورية، فكل الطرق إلى جنيف تؤدي إلى مصلحة النظام السوري ومن خلفه روسيا، بل إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 المتعلق بالحل السياسي في سوريا، يمكن القول إنه شكل تراجعًا عن وثيقة جنيف التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات، قبل أن يحوّر الحديث عن «حكومة وحدة وطنية»، وحتى عندما اجتمعت أخيرًا المعارضة – التي كان يقول الغرب إنها «بلا رأس» وإن المشكلة الأساسية في سوريا لأن معارضتها مفتتة – تحت لواء الهيئة العليا للتفاوض بعد مؤتمر الرياض، ظهرت مساعي تشتيتها وتكسيرها كما تفعل روسيا حاليًا وبمباركة وضغط مهول من الولايات المتحدة الأميركية. الأمم المتحدة تضغط من باب أن عدم حضور المعارضة للمفاوضات هو خسارة لهم ومكسب للنظام، وهو أمر صحيح، إلا أن السيد دي ميستورا يعلم والولايات المتحدة تعلم وروسيا أيضًا تعلم، أنه متى ما أقصيت أو همشت المعارضة الحقيقية التي تمثل روح الثورة، فإن أي حل سياسي قادم ليس أكثر من خدعة سينمائية سينكشف زيفها سريعًا.

للأسف صلابة الموقف الروسي وتذبذب الموقف الأميركي، أفضيا إلى أن يصل الحال بالأزمة السورية لأن تسعى موسكو لتنفيذ خطتها بتسلم مفتاح الأزمة السورية، بموافقة واشنطن، بحيث يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية بوجود رئيس النظام السوري من أجل «محاربة الإرهاب»، وهو الهدف الأسمى لدى إدارة الرئيس أوباما، طبعًا لا أحد يسأل كيف تتم محاربة الإرهاب ولا يزال بشار الأسد على هرم السلطة؟ لا أحد يسأل من سيقبل بهذه الخطة العجيبة على أشلاء 300 ألف قتيل و12 مليون لاجئ مشردين حول العالم؟ لا أحد يسأل كيف سيقبل الثوار السوريون على الأرض (الذين سخر منهم أوباما بأنهم جيش يقوده فلاحون وأطباء) بمثل هذه الحكومة، ويتعاملون معها مستقبلاً؟!

العقدة الأساسية في الأزمة السورية لم تأتِ من الدب الروسي، فموقفه معروف منذ البداية وصامد عليه لم يتزحزح كثيرًا، العقدة أتت للأسف من الولايات المتحدة، التي طوال خمس سنوات هددت وأزبدت وأرعدت، وحذرت، عبر رئيسها، من الوصول للخطوط الحمراء، وعندما انتهكت هذه الخطوط حركت قواتها، ثم وبأسرع انعطاف سياسي في التاريخ تنازلت، فقبلت، أقوى دولة في العالم، أن تسير في نفس المسار الروسي الذي كان معاكسًا لها ونقيضًا.

كم من خيبات الأمل باقية أمامنا من الإدارة الأميركية؟!

الشرق الأوسط

 

 

جنيف 3″ ..”إما أن تتواجدوا و إما أن تكونوا خارج المعادلة/ عامر سبايلة

بالرغم من المحاولات الواضحة لتعطيل عقد اجتماع “جنيف 3” الا ان الرغبة الامريكية الروسية في عقد الاجتماع تجاوزت قدرات الراغبين بتعطيل الاجتماع او تغيير شروط انعقاده.

السعي الامريكي الروسي لانجاز هذا الاجتماع بحضور معارضة سورية ممثلة من جميع الاطياف هو بمثالة اعلان انطلاق لفكرة الحل السياسي بعد انجاز مهمتين اساسيتين، الاول استصدار قرار دولي للحل في سوريا عبر مجلس الامن الدولي و الثاني تجريد الدول الاقليمية المعطلة للحل من ادواتها في المعادلة السورية خصوصاً المقاتلة على الارض، وذلك عبر الغطاء العسكري الروسي الذي ترجم اليوم بحجم الانجاز العسكري و التقدم اللافت للجيش السوري على الارض.  و ان كانت موسكو قد قدمت الغطاء العسكري فمن الواضح ان واشنطن عملت في الاسابيع الاخيرة على انجاز عملية عزل المعارضات السورية المتعددة عن داعميها الاقليميين و اخراج فكرة المعارضة من ارتهانها لهذه الدول و بالتالي اعادتها لفكرة “لرؤية الواحدة” و “الحل الوحيد المتوفر”.

في اطار السعي لإنجاز هذه الخطوة يلمس المراقبون حجم التنازلات التي قدمتها الادارتين الروسية و الامريكية في قبول وجهات نظرهمها المختلفة سواء في شكل الوفد و تمثيله و حتى المسار المفترض للامور و اولوياتها.  فقبول موسكو لمشاركة ممثلين تصنفهم هي نفسها في خانة الارهاب مثل “جيش الاسلام” سينعكس بلا شك على الولايات المتحدة التي ستضطر أيضاً الى قبول رؤية موسكو بشأن ضرورة مشاركة قوى أخرى ترفضها واشنطن او حلفاءها كالحزب الديمقراطي الكردي على سبيل المثال. هذا المناخ المتشكل على الصعيد الدولي يشير الى ضرورة ايجاد الية توافق لانتاج معادلة شاملة لتمثيل المعارضة السورية في جينيف، و هي رسالة لا يقتصر مداها عل الاطراف السورية المترددة او الرافضة للمشاركة بل تتعداها الى الاطراف الاقليمية الساعية لتعطيل ترتيبات البدء في صياغة الحل السياسي. هذه الرسالة تأتي في وقت تفقد الدول الاقليمية الراعية لبعض اطياف المعارضة كثير من قدرتها على المناورة و التأثير على المعادلة السورية سواء بسبب الاوضاع السياسية التي تمر بها هذه الدول او بسبب حالة الاجماع الدولي على ضرورة انجاز الحل و التي تفوق قدرة هذه الدول على التعطيل.

لهذا فان مشاركة المعارضة السورية في جنيف هي بمثابة تلبية لدعوة اجبارية يقول نصها: “اما ان تتواجدوا و اما ان تكونوا خارج المعادلة”. هذا ما يثبت ان موسكو وواشنطن يسعون جدياً اليوم لبناء هيكلية للمعارضة تكون قادرة على الاندماج في عملية الحل السياسي المستقبلي في سوريا.

قد لا يحمل “جنيف 3” اي حل عملي للازمة السورية الا انه بلا شك يعد اولى الخطوات الحقيقية لاعادة رسم شكل الحل السياسي عبر سياسة “الفرض  و فك الارتهان” فرض رؤية واضحة على الجميع بضرورة البدء في عملية الحل السياسي و فك ارتهان قوى المعارضة لرؤى متعددة و بالتالي اعادتها الى مربع التعامل مع الواقع السوري الذي تشير خارطته الى تحول لافت في معادلته العسكرية. هذه المعادلة ستفرض انعكاساتها أيضاً على العلاقة مع دول الجوار السوري خاصة الاردن و تركيا. الرسالة الابرز في هذه التحولات هي ضرورة انهاء الازمة ووقف خطوط امدادها مما يعني ان التعامل القادم مع المعطيات السورية لابد ان يكون بتبني “اسلوب الحسم” وهو ما يفرضه ايضا الواقع الميداني. الاردن مثلا لابد ان يستعد للتعامل مع تداعيات التحولات السياسية والميدانية على الاقل في الجهة المحاذية لحدوده التي تشهد عملية اخراج واسع لكافة التنظيمات والمسلحين من درعا ومحيطها الامر الذي يفرض على الاردن مواجهة حتمية مع فلول هذه التنظيمات و مسلحيها. الرسالة الاردنية كانت واضحة في الايام الاخيرة الماضية حيث اعلنت القوات المسلحة في بيان لها عن استهدافها لمسلحين حاولوا الاقتراب من الحدود الاردنية و هي رسالة يمكن قراءتها على انها  رسالة  اردنية حاسمة، لكن لابد من التفكير الجدي في شكل التعامل المستقبلي مع هذا الواقع الذي سيتجاوز بلا شك المواجهة مع اعداد محدودة من المسلحين و يتطلب رؤية للتعامل مع احتماليات تطور الامور و انعكاسها على الاردن و حدوده و داخله الامر الذي يجعله مضطراً أيضاً  لتفعيل قناة تنسيق فعلية مع الواقع الجديد في سوريا فهل يكتفي في هذه المرحلة بقناة موسكو ام انه مضطر أيضاً لتفعيل قناة دمشق؟

 

 

 

 

سورية: الحرب الصعبة والسلام المستحيل!/ عادل مالك

استمرت حالة التجاذبات الخاصة بانعقاد مؤتمر جنيف السوري حتى اللحظات الأخيرة من الموعد المحدد، وكانت المشهدية حتى كتابة هذا المقال (ظهر أمس الجمعة) على الشكل التالي:

ظلّ مصير المؤتمر بين الشك واليقين حتى الساعات الأخيرة التي سبقت انعقاده الجمعة. فقد حاول كل طرف فرض شروط معيّنة للمشاركة، حتى جاء تصريح الناطق باسم الخارجية الأميركية، الذي طالب فصائل المعارضة على اختلافها بحضوره «من دون شروط مسبقة»، فيما كان بعض المعارضات السورية يطالب بوقف إطلاق النار، وفك الحصار عن بعض القرى والمناطق، ونقل المواد الغذائية والطبية إليها. لكن، لم يتم التجاوب مع هذه المطالب.

وقد واجه الممثل الدولي ستيفان دي ميستورا، صعوبة كبيرة في سياق التحضير للمؤتمر ولمن يجب دعوته، نظراً الى تعدّد فصائل المعارضة وتعارض انتماءاتها، حيث تؤكد معلومات موثوقة وجود 500 فصيل مسلّح على مختلف الأراضي السورية، لمعظمها علاقات وارتباطات مع بعض القوى الإقليمية.

فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أصرّ على توجيه الدعوة الى أحد الأطراف الكردية، ما أثار جدلاً كبيراً حول «التمثيل الكردي»، وكانت تركيا الأكثر رفضاً لمشاركة أي طرف كردي، ما اضطر دي ميستورا لاستبعاد هذا الأمر وسط ارتفاع في منسوب مطالبة كردية بالحصول على نوع من الاستقلال الذاتي على غرار «كردستان العراق». وقد تم التفاهم في مؤتمر الرياض على من سيشارك، على اختلاف وجهات نظر المشاركين.

ما المطلوب والمرتجى من المؤتمر؟

لقد ورد في صياغة الدعوة الدولية للمشاركة ما حرفيته:

«مطلوب التوصل الى نتائج محددة ينبغي تحقيقها، وأهمها إرساء حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي، وإطلاق عملية صياغة دستور جديد ضمن مهلة سته أشهر، وإجراء انتخابات حرة وعادلة بعد صياغة الدستور الجديد، على أن يتجدد موعدها ضمن فترة ثمانية عشر شهراً وتكون خاضعة لإدارة الأمم المتحدة وبإشرافها».

وفي نص الدعوة بعض التعابير والمفردات اللافتة، ومنها مثلاً لا حصراً: «إرساء حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي»، وأن المرحلة الآتية ستكون خاضعة للتدويل، و «إدارة الأمم المتحدة».

ما هي الخطوة الأولى المرتقبة؟

الإجابة عن هذا التساؤل في الفقرة التالية: «فيما تنطلق هذه المفاوضات، علينا تسليط الضوء على أهمية أن تتخذ الأطراف كلها تدابير من شأنها بناء الثقة. ولهذه الغاية، سأتشاور – يقول دي ميستورا – ليس حول أنماط وقف إطلاق النار ومتطلباته (…) بل أيضاً حول تدابير بناء الثقة التي يمكن تطبيقها». ويضيف الوسيط الدولي: «على الممثلين كلهم أن يكونوا على استعداد لخوض وفاق يضم الجميع ويستمر ستة أشهر».

ولن تكون المحادثات مباشرة، بل إن الوسيط الدولي سينتقل بين غرفتين أو ثلاث لنقل الأفكار المختلفة. وتستطيع «الحياة» التأكيد أن التركيز الأول سيكون على ضرورة التوصل الى وقف لإطلاق النار وحل الأزمات الإنسانية بتأمين المساعدات الغذائية منها والطبية، نظراً الى وجود بعض المناطق المطوقة، سواء من قوات النظام، أو من جانب المعارضة، منذ بضعة شهور، ويعاني مدنيوها من عدم الحصول على غذاء ولا دواء.

لجنة الوفد الرسمي سيرأسها السفير بشار الجعفري، سفير سورية في الأمم المتحدة، إضافة الى خبرة آخرين، والمقرر للفترة الأولى أن تستمر عشرة أيام يتم خلالها الاتفاق على الخطوات اللأولية، فيما تتواصل المحادثات في الأشهر الستة المقبلة. ومع تعليق بعض الأوساط الآمال العريضة على انعقاد المؤتمر، فبلوغ مرحلة السلام دونها الكثير من العقبات.

ومع افتتـــاح المؤتمر، يدور نزاع آخر علــى الأراضي السورية بين الوجود الأميركي والنفوذ الروسي سنعرض له لاحقاً. وفـــي هذه الأثناء، سئل وزير الخارجية الأميــركي جون كيري عن تعرّض المعارضة لضغوط، فأجاب: «من الأفضل الإعداد الجيد للمحادثات لتجنيب انهيارها في اليوم الأول. ما نحاول القيام به، التأكد من أنه عند بدء المحادثات يكون لدى الجميع الوضوح حول ما يحدث حتى لا يتم الذهاب الى المحادثات وينتهي الأمر بالفشل».

ورداً على اتهام المعارضين بممارسة كيري ضغوطاً عليهم، أجاب في موقف دفاعي: «موقف الولايات المتحدة لا يزال كما هو لم يتغير، وما زلنا ندعم المعارضة سياسياً ومالياً وعسكرياً… وللسوريين حق تقرير مستقبل بلادهم وتحديد مصير الرئيس بشار الأسد». وهذا أمر خلافي كبير بين الأطراف المعنية، وهو موقف أميركي جديد يحاط بالالتباس، بخاصة إشارته الى ان مصير الأسد يقرره السوريون، فيما ركزت سابقاً المواقف الأميركية على ضرورة رحيله الفوري.

وأثارت تعليقات كيري تعليقات أخرى مثيــــرة للاهتمام لبعض المعارضين، منها رد سفــير «الائتلاف» في باريس منذر ماخوس بالقـــول: «المعارضة لن ترضخ لضغوطات كيري»، مشيراً الى أن اجتماع مختلف الفـــصائل في الرياض حدّد مصير موقف هذه المعارضة من انعقاد مؤتمر جنيف، واعتبــر أنها على قلب رجل واحد! وتعتزم بلورة موقفها من إشكاليات وتحديات عدة. ولوحظ أن كيري ربط استمرار الدعم الأميركي للمعارضة بالذهاب الى جنيف، ما انتقدته المعارضة. واتهم ماخوس تصريحات كيري بأنها «نتاج ضغوط روسية – إيرانية كرستها الأمم المتحدة».

وكشفت الأيام والساعات التي سبقت انعقاد مؤتمر جنيف، العديد من الخلافات بين فصائل المعارضة والولايات المتحدة، ما يشير الى وجود علاقات متوترة بينهما، إضافة الى الخلافات العميقة بين النظام السوري والمعارضات. فالنظام يتحدث عن حكومة وحدة وطنية فيما المعارضة تتحدث عن عملية انتقال سياسي. والتقت تصريحات كيري حول مصير الأسد مع تصريحات أخرى للافروف أكد فيها أن موسكو «لم ولن تطلب من الرئيس بشار الأسد التخلّي عن الحكم»، ما يعني انتصار وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان ولا يزال يطالب بمشاركة الأسد في انتخابات عامة يتقرّر على ضوئها مصيره.

وبعد…

أولاً: يبدو مجدداً ومع استئناف مؤتمر جنيف، أن الوضع هو كالتالي: إنها الحرب الصعبة، في حال استمرارها، والسلام الأصعب، إذا تم التوصل إليه.

ولهذه المعادلة التي لا تزال في عالم الافتراض حيثيات ومبررات، منها أن استمرار المواجهات العسكرية لن يكون عملية سهلة على الفصائل لجهة الحصول على نوعيات معينة من الأسلحة تستطيع مواجهة قوات النظام المدعومة بالطيران الروسي، ثم إن ارتباط بعض الفصائل بـ «داعش» لا يفيد قضية الشعب السوري في شيء. فـ «الدولة الإسلامية» لن يسلم لأي فصيل معارض بالاستيلاء على السلطة في أي من مناطق سورية، وتجربة «المعارضة المعتدلة» التي وعدت الولايات المتحدة بتسليحها وتدريبها فشلت، إذ أصيب البرنامج الأميركي الخاص بهذا الشأن في الصميم بعد اختصار عدد الذين تدربوا على القتال الى ما لا يزيد عن أربعة أو خمسة أشخاص.

ثانياً: كل الطروحات المتداولة راهناً لا تشــي بحيثيات واضحة عن استعادة سورية وحدتها ككيان مستقل، بل تتّجه الأمور نحو التقسيم على رغم ما يواجه هذا المخطط من معارضات واعتراضات. وإذا لم يكن هذا «الحل» هو المطلوب لتدعيم وحدة سورية، فهو الحل «العملي» وسط الانقسامات القائمة بين مجموعات المعارضات والنظام.

ثالثاً: إن الصراع الأميركي – الروسي على امتلاك زمام القرار السوري يشتد ويستعر، وتفيد معلومات في هذا الشأن بأن القوات الروسية تعمل على بناء قواعد عسكرية لإقامة قواتها، إضافة الى قاعدة خاصة للطيران.

ويقابل ذلك، نشاط أميركي لإقامة قاعدة جوية أو بحرية تنوب عن عدم التدخل المباشر في أي منطقة مشتعلة في الشرق الأوسط. لكن الصراع التقليدي بين واشنطن وموسكو يستدعي عدم الاستسلام للضغوط الروسية في سورية.

وسط هذه التطورات، صدرت للمرة الأولى تصريحات أميركية تنطوي على الكثير من التحدّي للقوات الروسية ولغيرها، وتشير الى استعداد أميركا لدعم «حرب برية» في سورية. وهذا الخيار، على صعوبته اللوجيستية، قد يشكل عاملاً حاسماً لمستقبل الحرب. لكن هذا الخيار لا يمكن أن يتم إلا بدعم تركيا ومعرفتها ومساعدتها، واستخدام الحدود المترامية الأطراف بينها وبين سورية، فهل تركيا على استعداد لهذه المغامرة؟

وأخيراً: استمرار المعـــارك فــــي ســـوريــــة نـوع من الحرب العبثية التي لن تفــــضي الى أي فوز عسكري بارز. وإذا كانت الأمم المتحدة تشدد في دعوتها لانعقاد المؤتمر على أن «عامل الثقة» هو الأساسي للحل، فأين يمكن العثور على بناء الثقة بعد كل ما حدث ويحدث وسيحدث في سورية؟

إن بعض التقارير ذات الطبيعة العسكرية، والتي كتب عليها «سري للغاية»، تتحدث عن «منتصرين» في سورية: النظام في جانب، و «داعش» في جانب آخر، حيث تخرج الحرب عن قواعد لعبة الحروب التقليدية. وليس الحديث هو عن رابح وخاسر، بل إن فرادة القتال ستنتهي الى «فرادة» الحل: لا النظام استطاع استرجاع المناطق التي خسرها، ولا المعارضون على تعدّدهم تمكنوا من إسقاط النظام. والحل المتاح، وليس الحل الأمثل، هو تقاسم النفوذ بين النظام والمقاتلين لأي اتجاه انتموا.

في العـــادة، أنواع الحروب كالتي تشهدها سورية لا تنتهي بحلول سحرية ولا أحادية. والنتائـــــج تؤشر الى حقبة تاريخية معينة تكــون فيها سورية «مقسمة»، بانتظار نشوب حرب أخرى أو أكثر لاستعادة وحدتها! لذلك، وضعنا عنواناً لهذا المقال: «سورية: الحرب الصعبة والسلام المستحيل».

ويبقى السؤال: هل سيسفر عضّ الأصابع بين فصائل المعارضة، والنظام، والأمم المتحدة، عن انعقاد مؤتمر جنيف، أم أنه فرصة من الفرص الضائعة بحيث يؤجل المؤتمر الى مؤتمر آخر؟

* إعلامي لبناني

الحياة

 

 

 

 

 

“ديموقراطية عالمية”/ مصطفى زين

عالم أكثر ديموقراطية. هذا أفضل عنوان يمكن إعطاؤه للمؤتمر الصحافي السنوي الذي عقده سيرغي لافروف الأسبوع الماضي حين استعرض إنجازات العام الذي مضى. استفاض وزير الخارجية في شرح سياسة موسكو الساعية إلى التعددية القطبية، من «تجاوزها» الأزمة الأوكرانية إلى محاربة الإرهاب، مروراً بالموقف من قضايا الشرق الأوسط والعلاقة مع الصين ودول «بريكس» و»الشركاء الأوروبيين والأميركيين». لم يفصل القضايا عن بعضها. تماماً مثلما لا يفصل لاعب الشطرنج بين القطع على الرقعة إلا لضرورات تكتيكية، لكنه في نهاية الأمر يحركها كلها، خدمة للهدف النهائي: «كش ملك».

لتحقيق «الديموقراطية» العالمية تخوض موسكو حروباً حقيقية، مثلما تفعل في أوكرانيا وسورية، وأخرى سياسية، من خلال الحوار مع «الشركاء» الأوروبيين، مشترطة أن يكون على أساس المساواة والندية وتبادل المصالح، لأن «سياسة الردع التي استخدمها الغرب مع روسيا انتهى زمنها ويجب إحالتها على أرشيف التاريخ»، على ما قال الوزير.

واقع الأمر أن النظام العالمي الذي استمر من أربعينات القرن الماضي إلى بداية التسعينات، كان «ديموقراطياً»، في معنى أنه كان متعدد الأقطاب، إذا لم نستبعد الصين التي كانت في بداية صعودها على المسرح الدولي. وأشعل التنافس بين القوتين العظميين حروباً إقليمية مدمرة (حرب فيتنام على سبيل المثال) وأخرى أهلية برعايتهما. ولم تكن الأمم المتحدة التي يفترض بها أن تشرف على تطبيق هذه «الديموقراطية» أكثر أهلية لذلك منها الآن. بل كانت خاضعة للإرادة الأميركية، وكانت موسكو تصارع هذه الإرادة، مستخدمة الأيديولوجيا الماركسية – الستالينية مقابل الليبيرالية الأميركية المتوحشة. أي لم يكن العالم في خير. لكن يسجل لتلك المرحلة أن الحرب لم تشتعل خلالها بين «الجبارين»، على ما كان يطلق عليهما، ليس بسبب «ديموقراطية» المؤسسات الدولية»، بل بسبب «ديموقراطية» الردع النووي. «ديموقراطية» ما زالت قائمة، بعدما تخلت روسيا عن الماركسية، وصار بوتين ينتقد اللينينية التي أوصلتها إلى ما هي عليه الآن، طارحاً القومية الروسية بديلاً، في محاولة لاستعادة أمجاد ماضية. واستطاع أن يبث الروح في مواطنيه الذين أهينوا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وغرقوا في «الفودكا» مع بوريس يلتسن. وحاصرهم الحلف الأطلسي عسكرياً واقتصادياً، وأزاحهم عن المسرح العالمي.

الإنجازات، في عصر القومية الروسية، على صعيد السياسة الخارجية عدّدها لافروف. أهممها تحقق في أوكرانيا، حيث استطاعت موسكو ضم جزيرة القرم إليها، والصمود في مواجهة الأطلسي، على رغم العقوبات الاقتصادية. ومنها أيضاً المساهمة في إقرار الإتفاق النووي الإيراني، ونشر قوات كبيرة في سورية «لمحاربة الإرهاب»، وخلق واقع جديد على الحدود التركية، وتشكيل المجموعة الدولية الجديدة من دول «بريكس» لمواجهة التحالف الغربي… إلى آخره.

لكن هل تحقق هذه الإنجازات «ديموقراطية دولية»؟ وهل سيصبح مجلس الأمن أكثر عدالة وأقل عدوانية بالنسبة إلى شعوب العالم الثالث؟ بمعنى آخر، هل سيتحول التنافس بين «المعسكرين» سياسياً؟ وهل ستنهي هذه الديموقراطية الحروب المشتعلة على مساحة الشرق الأوسط، وتتخلى أميركا، مثلاً، عن العراق والخليج؟ وهل ستردع إيران والدول الأخرى الطامحة إلى تعزيز نفوذها بالقوة؟

لا تعثر في مطالعة لافروف على جواب لأي من هذه الأسئلة. فكل ما قاله يؤكد وجود حرب باردة جديدة لن تنهي الصراعات، بل تزيدها تعقيداً. أما الديموقراطية المنشودة فتصبح «ميديوقراطية» (Mediocratie)، على ما يقول الكاتب ألان دينو.

الحياة

 

 

 

 

المعارضة السورية تتمسك بالوهم/ سميح صعب

الضغط الاميركي على المعارضة السورية لا يأتي حباً بالنظام السوري أو علامة تغيير في موقف الرئيس بشار الاسد. إنما هذا الموقف نابع من حرص اميركي على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المعارضة السورية التي لا تملك على الارض من القوة ما يمكنها من فرض خياراتها وفي مقدمها الانتقال السياسي.

اللاعبون الاقوياء في سوريا هم الجيش السوري من جهة وجهاديو “داعش” و”جبهة النصرة” من جهة أخرى. وبرزت في الاشهر الاخيرة “قوات سوريا الديموقراطية” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري وتحظى بدعم جوي أميركي وأحياناً روسي. ولعل “انقلاب الوضع” على حدّ تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منذ بدء التدخل الروسي الجوي، هو ما يملي الضغط الاميركي على المعارضة السورية كي تذهب الى “جنيف 3″ ولا تضيع ما وصفته وزارة الخارجية الاميركية بـ”الفرصة التاريخية”.

وما صدر من مواقف عن الهيئة العليا للتفاوض مع النظام المنبثقة من مؤتمر الرياض، يفترض ان تكون الفصائل المسلحة التابعة لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” هي التي تملك اليد العليا على الارض وان ما على النظام سوى التفاوض على رحيله وتسليم السلطة بالاستناد دوماً الى بيان “جنيف 1” الصادر في 30 حزيران 2012.

وتقتضي الواقعية السياسية من المعارضة ان تبني الان على ما صدر عن مؤتمر فيينا الذي بات المرجعية للعملية السياسية في سوريا وليس “جنيف 1”. أما التمترس وراء بيان “جنيف 1” فيستلزم من المعارضة ان تكون هي في موقع الهجوم وان يكون النظام مقتنعاً بأن لا أمل له في الاستمرار. وهذه ليست الحال.

والواقع الميداني والسياسي المتغير بسرعة منذ العملية الجوية الروسية، جعل واشنطن تقتنع بأن من الافضل البحث عن حل سياسي مع النظام عوض المضي في السياسة التي انتهجتها أميركا منذ 2011 والتي كانت تراهن على اسقاط النظام بالقوة. وهذا ما يجعل واشنطن تبحث اليوم عن انقاذ المعارضة من وهم المضي في الخيار العسكري.

ويتصرف بعض المعارضة السورية وكأن لا خطر داهماً اسمه “داعش” أو “القاعدة” بمسمى “جبهة النصرة”. ولا يزال هذا البعض يرى ان النظام هو من أوجد كل هذه المجاميع الجهادية وأتى بها من أربع رياح الارض كي يشوه صورة المعارضة. وهذه نظرية تجاوزها الزمن ولم تعد تخفي تقصير الكثير من المعارضين السوريين في التصدي للخطاب الجهادي وكأن هؤلاء سيكون لهم موقع فيما لو أسقط الجهاديون دمشق.

النهار

 

 

 

جنيف 3» وعفاريت سايكس ـ بيكو!/ محمد نور الدين

لن يكون «جنيف 3» الأخير في سلسلة مؤتمرات السعي لحل الأزمة السورية، مثلما لم يكن الأول، ولا الثاني.

ومثل جنيف كان هناك فيينا وكان هناك أكثر من موسكو. اجتماعات ومؤتمرات فيما الحرب السورية تستمر في مأساتها للعام السادس على التوالي.

وبرغم ذلك فإن المناورات السياسية لا تتوقف عشية المؤتمر، ولن تتوقف أثناءه ولا بعده، وهذا أمر طبيعي في غمرة سعي القوى الإقليمية والكبرى لاقتطاع كل منها كسرة في كعكة الجغرافيا والمصالح في سوريا.

المفاوضات والمساومات التي سبقت انعقاد «جنيف 3» توحي كما لو أن سوريا والمنطقة على أبواب تطوّر تاريخي، قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً، حيث لم تكن «حروب» اختيار مَن سيتمثل في جنيف أقل شراسة من حدة المعارك في ريف اللاذقية والشيخ مسكين والبغيلية.

التطور الجديد عشية المؤتمر هو أنه ينعقد على أساس قرار دولي من مجلس الأمن يحمل الرقم 2254، وهو اول قرار دولي حول سوريا منذ اندلاع الأزمة، ويضع عناوين لمسار حل سلمي في سوريا، طاوياً بذلك كل البيانات والمقررات التي كانت تصدر عن اجتماعات هنا وهناك.

المساومات الشاقة في اختيار الممثلين في «جنيف 3» مرتبطة مباشرة بكون القرار 2254 هو المرجعية الوحيدة للمؤتمر. وهذا يعني بكل وضوح أن القوى والدول التي تقف خلف المجموعات المسلحة المعارضة في سوريا تذهب إلى المؤتمر وهي فاقدة للورقة الأكبر التي كانت تطالب بها بل تضعها شرطاً أول، وهي تنحية الرئيس السوري بشار الأسد أو في أحسن الأحوال اعتباره جزءاً من مرحلة انتقالية قصيرة جداً (تركيا كانت تقترح ستة أشهر).

تذهب هذه القوى وهي خاسرة سلفاً هذه الورقة، التي لم يشر اليها قرار مجلس الأمن الدولي لا من قريب ولا من بعيد. كما أنها تذهب في ظل موازين قوى متغيرة جداً على الأرض ومرشحة لمزيد من التغير لمصلحة النظام السوري وحلفائه من روسيا وإيران و «حزب الله». لذا هي أرادت أن تعوّض هذا الإخفاق من خلال تركيبة الوفود المشاركة وفرض شروط على مشاركة فلان او رفض مشاركة علتان أو فرض مشاركة آخرين.

الهدف الأساسي هو تحقيق بعض الانتصار الديبلوماسي من جهة، ولكن من جهة أخرى الوصول إلى الهدف الأساسي وهو تفخيخ عملية الوصول إلى حل تمهيداً لتخريبها وتفجيرها، وبالتالي تعطيل مفاعيل القرار الدولي تمهيداً لمرحلة جديدة تأمل في أن تتمكّن خلالها أن تتغير بعض المعادلات الميدانية.

لم يكن فرض بعض الأسماء الفجة من قبل المعارضة السورية، كما فرض شروط مثل وقف النار والقصف سوى وسيلة لمثل هذا الفرض والتفخيخ.

لكن أيضاً يمكن أن يكون أكثر فجاجة في هذا السياق محاولة تركيا الرفض الكامل لمشاركة «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي.

موقف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش اوغلو من أنه إذا حضر ممثل عن «حزب الاتحاد الديموقراطي» مؤتمر جنيف فسوف تقاطعه تركيا، فتح الباب على مصراعيه أمام توجسات كردية بعيدة المدى قد تصح وقد لا تصح.

كانت الأمور حتى نهار الثلاثاء تسير في اتجاه دعوة رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم وشخص آخر من الحزب. وقد أعلن مسلم أنه في طريقه الى جنيف. لكن اجتماع المعارضة السورية في الرياض لاتخاذ قرار المشاركة ومن ثم تأجيله الى الخميس كان مرتبطاً بجانب منه بمسألة تمثيل الأكراد.

انتظرت تركيا قدوم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إليها في الأسبوع الماضي لتبني على الشيء مقتضاه.

عرض رئيس الحكومة أحمد داود اوغلو «بالوثائق» صلة «حزب الاتحاد الديموقراطي» بـ «حزب العمال الكردستاني»، وطلب منه عدم تزويده بالأسلحة التي تذهب الى «حزب العمال الكردستاني» في الداخل التركي. وطلب داود أوغلو من بايدن التعامل مع «حزب الاتحاد الديموقراطي» على أنه منظمة إرهابية، ومنعه في محاولة التوسّع غرب الفرات في اتجاه جرابلس او غير جرابلس. وسعت تركيا لدفع بايدن الى الموافقة على السيطرة عسكرياً على منطقة «داعش» بين جرابلس ومارع عبر عملية عسكرية تركية ـ أميركية مشتركة أو عبر مجموعات مسلحة من التركمان وغيرهم.

تجاوب بادين كان محدوداً وغير واضح بالنسبة الى العملية العسكرية، واكتفى بالقول إن الخيار العسكري ضد «داعش» قائم إذا فشل الحل السياسي، لكنه لم يحدد أين وكيف.

لكن بايدن كان سلبياً تجاه المطلب التركي حول «حزب الاتحاد الديموقراطي». كرر بايدن لازمة أن «حزب العمال الكردستاني» تنظيم إرهابي ويشكل تهديداً لتركيا. لكن هذا الأمر معروف لأنقرة التي كانت تنتظر موقفاً تجاه «حزب الاتحاد الديموقراطي».

لم يغيّر الأميركيون موقفهم، وهم لا يزالون يعتبرون هذا «حزب الاتحاد الديموقراطي» تنظيماً يحارب من أجل الحرية ضد تنظيم «داعش». وأكدوا بذلك على استمرار دعمهم له.

مجمل الزيارة كانت سلبية في كل عناوين المحادثات.

كان يمكن للموقف الأميركي أن يوفر غطاء لمشاركة «حزب الاتحاد الديموقراطي» في «جنيف 3»، لكن انقرة لعبت كما يُقال «صولد»: إما أنا وإما الأكراد.

بين الموقفين كان الحرج الأممي للموفد ستيفان دي ميستورا. وكانت المفاضلة أن تركيا بلد مركزي في حل الأزمة السورية وربما تتغير الظروف ليمكن لاحقاً ضم الأكراد الى مؤتمرات جنيف 3 او 4 او 5، او غير ذلك من مسمّيات.

لعبت تركيا على رغبة الأطراف الكبرى بعقد المؤتمر. وبين نسف المؤتمر قبل انعقاده أو استيعاب تركيا داخل المؤتمر، فكان الخيار الثاني لنزع كمائن التفجير. لكن في المحصلة الظاهرة فإن تركيا نجحت في تحقيق انتصار ديبلوماسي، لكنه غير كاف لاستثماره لا على الأرض ولا في نتائج المؤتمر.

غيّرت تركيا في شكل المفاوضات، لكنها غير قادرة على تغيير الوقائع على الأرض.

أول ردة فعل لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» كانت إعلان رئيسه صالح مسلم أنه لن يعترف بأية قرارات قد يتخذها مؤتمر جنيف. وهذا أمر طبيعي، إذ من غير الجائز أن يكون أحد أكبر المكونات السورية المعارضة خارج محادثات يفترض أن ترسم ملامح سوريا المستقبلية.

لذلك فإن الغطاء الأميركي ـ الروسي لمشاركة الحزب الكردي لن يتأخّر في المؤتمرات المقبلة.

مع ذلك، فإن التوجّس لا يغادر المكوّن الكردي. حتى الآن ليس من طرف سوري معارض واحد أعلن رغبته في أن تكون سوريا بلداً فدرالياً او أن يكون على الأقل للمنطقة الكردية وضع إداري مختلف أو مميّز عن سائر المناطق السورية. كذلك فإن النظام والقوى المؤيدة له تكرر الإشارة الى وحدة التراب السوري وترفض أي نوع من أشكال يشتمّ منها تفكك في وحدة سوريا.

أكثر ما يتردّد على ألسنة المفكّرين والكتاب الأكراد في سوريا وفي تركيا أن الأكراد قد يكونون من جديد ضحايا خريطة أو حل يرسم على غرار سايكس ـ بيكو، ويأخذ في الاعتبار مصالح القوى الكبرى والإقليمية ولكنه يُضحّي، كما قبل مئة عام، بالأكراد.

الحرب التركية على «حزب العمال الكردستاني» في الداخل التركي، والقائمة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، جزء من منع أكراد سوريا من المضي في تحويل شمال سوريا الى شمال عراق جديد.

إضعاف «حزب العمال الكردستاني» وكسره في الداخل التركي هو مرحلة أساسية من إضعاف «حزب الاتحاد الديموقراطي» في سوريا ومنعه من إقامة إدارة ذاتية سواء بحل أو من دون حل.

اعتبار تركيا لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» تنظيماً إرهابياً يحمل تضليلاً وازدواجية تغطي أهدافاً تركية أخرى وأكثر خطورة من مشاركة او عدم مشاركة الحزب في مؤتمر جنيف.

قبل عام ونصف العام، وخلال معركة عين العرب/ كوباني، استضافت تركيا صالح مسلم بالذات في مقر وزارة الخارجية. عرضوا عليه شرطين لمساعدة أكراد كوباني بوجه حصار «داعش»: الأول فك ارتباطه بالنظام السوري والثاني الانضمام إلى قوات المعارضة. لم يُقَلْ له إنه إرهابي وامتداد لـ «حزب العمال الكردستاني»، لأن الهدف التركي هو دمشق أولاً وأخيراً. لكن بعد رفض مسلم الشرطين، خصوصاً أن الشرط الأول غير صحيح، بدأت أنقرة تصف «حزب الاتحاد الديموقراطي» بأنه إرهابي وامتداد لـ «حزب العمال الكردستاني»، أي إن أنقرة تصنف الحزب الإرهابي متى شاءت، ولا تفعل ذلك متى وافق ذلك مصالحها.

كذلك فإنّ تركيا ناقضت نفسها بنفسها عندما سمحت لقوات كردية قادمة من العراق بالمرور عبر أراضيها الى كوباني لمساعدة «إرهابيي» قوات الحماية الكردية.

لا يشذّ عن بال تركيا أن وضعها في سوريا أصبح ضعيفاً جداً. وهي تبحث الآن عن طريقة تحفظ بها ماء الوجه وإظهار أنها لا تزال موجودة. التدخل الروسي كان جذرياً في إخفاقات تركيا ولا سيما في ريف اللاذقية ومستقبلاً في ريف حلب الشمالي.

وفي حال تحقق معركة حلب الكبرى، تكون تركيا خرجت نهائياً من المعادلة السورية. ومن هنا فإن هدف تركيا الملحّ اليوم هو منع عبور قوات الحماية الكردية الى غرب الفرات وجرابلس لمنع خلق أمر واقع جديد هناك ومن ثم اتخاذ تلك المنطقة من جانب تركيا مبرراً، بسبب «داعش» للسيطرة المباشرة عليها ومنع إسقاط حلب.

من هنا يظهر أن المعطيات الميدانية هي أساس رسم أي حل سياسي في سوريا.

ومع أن جنيف يمكن أن يطلق دينامية معينة لمسار سياسي لكن الواقع الميداني سيبقى ضاغطاً، وهو الذي سيرسم الحل النهائي الذي سيكون «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي فيه وجزءاً منه، لا مناص؛ إذ من غير المقبول تكرار سايكس ـ بيكو وأن يكون الأكراد ضحيته من جديد، وهم الذين حاربوا «داعش» وبشجاعة، وقدّموا مثالاً على التمسك بالأرض، وكانوا من أهم عوامل إضعاف المشروع التكفيري بكل رعاته الإقليميين وفي مقدمهم تركيا.

لذا فإن الأخذ بهواجس الأكراد في سوريا وغير تركيا هو حق من حقوقهم وهو من شروط الاستقرار المستقبلي، كما في سوريا، كذلك في المنطقة.

السفير

 

 

 

 

لماذا يلومون المعارضة ؟/ وائل عصام

■ عندما تتوجه الانتقادات للمعارضة السورية بخصوص أدائها في عملية التفاوض مع النظام السوري، فإنها تبدو وكأنها تمتلك قرارها.

تتوزع ولاءات قادة المعارضة لعدد من الحكومات العربية والغربية، التي كانت وراء تشكيل وتمويل كل مؤسسات المعارضة السورية، وبينما يرى البعض أن الدعم الإقليمي لثورة ما امر لا بد ان يحدث لاي حراك صاعد، فان هناك فرقا كبيرا بين الدعم والسيطرة، وهناك فرق بين أن تكون مرتبطا بتحالف ما، وبين أن تكون مرتهنا وتابعا، ففي الحالة الأولى تكون مرجعيتك الذاتية هي من تحدد علاقتك بالحليف، ويكون مشروعك الخاص هو من يستفيد من قوة الحلفاء، أما في الحالة الثانية فأنت لست سوى أداة ضائعة تائهة، وجد لها الاخرون مكانا لاستخدامها في مشروعهم الخاص.

ولعل أحد المؤشرات التي تظهر طبيعة العلاقة الخارجية لكيان معارض ما، بالتحالف أو الارتهان، هي طبيعة علاقة هذا الكيان المعارض بالكتلة الشعبية المعارضة التي يمثلها.. فلو بحثنا عن مدى عمق وارتباط علاقة معظم قادة المعارضة السورية بالمناطق المعارضة اليوم لوجدناها علاقة محدودة، سواء في ما يتعلق بضعف تمثيلهم للتيارات الحركية أو الفكرية في مناطق المعارضة، أو بمحدودية تأثيرهم على الفصائل وقوى المجتمع الفاعلة في تلك المناطق، وحتى إذا وجدنا احدهم يمتلك نفوذا على احد الفصائل فسيظهر أن تأثيره محدود في عدة قرى او منطقة ريفية لا أكثر. في الحقيقة ان من يمتلك قدرا من التأثير في جزء ليس بقليل من مناطق المعارضة، هي الحكومات الداعمة للمعارضة، قطر والسعودية وتركيا، وحتى إن كان هذا التأثير لا يشمل كل مناطق المعارضة إلا انه يغطي مساحات لها اهمية من خلال وجود فصائل مقربة وتتلقى دعما من تلك الحكومات في حلب وريف دمشق بالذات. فنحن إذن نعود للمربع الأول.

سياسيا لا يملك معظم ممثلي المعارضة من امرهم شيئا بقدر ما يملى عليهم من المنظومة الحكومية العربية الداعمة لهم، التي منحتهم الشرعية الدولية من خلال «مجموعة الاصدقاء»، وعلى الأرض فإن من يستطيع التأثير هي الحكومات العربية وتركيا وليس قادة المعارضة، فلماذا نلوم المعارضة وقادتها اذن بينما نعرف من يحركها ويمولها ويتحكم بقراراتها؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

 

 

حين يدعو دي ميستورا المدنيين المستهدفين إلى إنجاح “جنيف”/ محمود الريماوي

خاطب مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، السوريين، عشية انعقاد جنيف 3، قائلاً: “نعوّل عليكم لرفع صوتكم، لتقولوا لجميع من يحضر المؤتمر إن هناك توقعات منهم”. وكان ينقص دي ميستورا القول: إرفعوا أصواتكم من تحت الأنقاض، أو من تحت أمواج البحر الهادرة. فحسب السيد المبعوث، فإن السوريين الضحايا مدعوون للإسهام في إنجاح المؤتمر، بدل أن يكون المؤتمر مدعواً لأن ينجح في وقف الفظاعات ضد ملايين السوريين داخل وطنهم وخارجه. مع ذلك، حسناً أن الرجل تذكرّ السوريين، وخاطبهم بنبرةٍ تشي بالاحترام والتعاطف معهم، بعد أن كاد العالم ينسى الضحايا المدنيين، فيقترن الحديث عن السوريين فقط بالأعباء والمتاعب التي يتسببون بها لدول العالم. وأكثر من ذلك، فإن دي ميستورا أثنى على مطالب الهيئة العامة للمعارضة بوضع المطالب المتعلقة بالجانب الإنساني خارج التفاوض، باعتبارها من ديباجة قرار مجلس الأمن 2254 الذي يشكل، إلى جانب جنيف 1 يونيو/حزيران 2012، مرجعاً للمفاوضات. أما الخارجية الأميركية فيروق لها الوقوع في التناقضات، هذه الأيام، بخصوص الملف السوري، فهي تعتبر مطالب المعارضة مشروعة، وتدعو، في الوقت نفسه، هذه المعارضة للحضور من أجل التفاوض، و”بدون شروط مسبقة” حول إجراءات بناء الثقة، ومنها رفع الحصارات.

أعاد التركيز قبل المفاوضات، وفي مستهلها، على الوضع الإنساني، وتظهير الجانب الأشد شذوذاً في الصراع الدموي القائم، وهو استسهال استهداف المدنيين، وعدم التورّع عن ارتكاب الفظائع ضدهم، وإحكام الحصار وفرض التجويع حتى الموت على آلاف المدنيين المحاصرين، وهو نموذج لهذا الاستهداف المنهجي، الذي بدأ مع الأيام الأولى لموجة الاحتجاجات في مارس/آذار 2011، ولم يتوقف حتى تاريخه.

انتهاء المحنة السورية منوط بوقف استهداف المدنيين وتجريمه وعودة المشرّدين داخل الوطن إلى بلداتهم وبيوتهم، ورجوع اللاجئين من المنفى الإجباري. الإرهاب في أبشع صوره وتمظهراته هو الذي تعرّض له المدنيون السوريون طوال السنوات التي تقترب من الخمس. وأية مكافحة للإرهاب تقتضي حكماً ووجوباً حماية المدنيين من الوحوش الذين يستهدفونهم.

نجحت المعارضة في إثارة هذه المسألة الجوهرية قبل أن تبدأ المفاوضات. وفي القناعة أن الهيئة العليا المعارضة سوف تنضم إلى المفاوضات المفتوحة، وغير المباشرة في مرحلتها الأولى، والتي يتم في أثنائها مخاطبة الوسيط الأممي. وتمنح مواصلة التركيز على هذه المسألة للتفاوض معناه، باعتباره وسيلةً للرفع من قيمة الحق في الحياة والكرامة لملايين المدنيين السوريين. تجاهل هذا الواقع أو القفز عنه أو الالتفاف عليه، ومواصلة استهداف المدنيين والمرافق المدنية هو الإرهاب عينه.

والقصد هو إحياء الاهتمام بالوضع الإنساني، وممارسة ضغوط من خارج دائرة التفاوض على

“المهم أن لا يسمح العالم باستمرار الاستعراض الأعمى للقوة في سورية” الطرف، الذي يستسخف أبسط حقوق البشر في الطعام والماء والدواء والكهرباء. تشكو الأمم المتحدة بأن 90% من طلباتها لتقديم مساعدات إنسانية قوبلت بالرفض من الحكومة السورية. هل سيحتاج هذا الأمر إلى جهود أميركية وروسية من أجل إجراء مفاوضات بين الأمم المتحدة والحكومة السورية، تبحث سبل تقديم مساعدات إنسانية للسوريين المنكوبين؟!. علاوة على المنظمة الدولية، فإن عشرات من هيئات الإغاثة حيل بينها على مدى السنوات الماضية وواجب مد يد العون للمدنيين، الذين تُركوا يواجهون مصيرهم على أيدي قوى غاشمة مسعورة، تعتبر هؤلاء أهدافاً سهلة تحقق عوائد سياسية كبيرة.

للجانب الانساني حصة كبيرة في اهتمامات الأمم المتحدة، التي ترعى مفاوضات جنيف السورية الحالية. من واجب هؤلاء الرعاة انتزاع التزاماتٍ من المتفاوضين بعدم استهداف المدنيين، أو حصارهم أو منع الأغذية والأدوية عنهم. وتجريم ذلك، ورفض مقايضة ما هو إنساني بما هو سياسي.. هذا من أجل الانتقال إلى التفاوض حول الوضع السياسي في ظروفٍ ملائمة، وبآمال واقعية. وللأمم المتحدة سجل غني من الخبرات المتراكمة في التعامل مع الجانب الإنساني للنزاعات، والمفاوضات الحالية فرصة للأمم المتحدة كي تُشهد العالم على من يسهل ومن يعيق إنقاذ حياة المدنيين السوريين، ومن يضمن سلامتهم ومن يهددها. روسيا وأميركا الراعيتان السياسيتان لجنيف 3 ملزمتان باحترام القانون الدولي الإنساني في سورية، والكف عن الاستهزاء الفعلي بحقوق الإنسان في هذا البلد، ويتعلق الأمر على الخصوص بتجاوزاتٍ روسيةٍ متكررةٍ وجسيمةٍ، أودت بحياة مئات المدنيين، مما فاقم المحنة السورية.

الآن، إذا أريد لهذه المحنة أن توضع على طريق النهاية، فلتتوقف كل أشكال التجاوزات المشينة ضد المدنيين، وليتحمل الجميع مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية إزاء شعبٍ شهد من المرارات والويلات فوق ما هو متصور، وبما يجعل الإمعان في تجاهل محنة المدنيين من ضروب العنصرية، علماً بأنه يستحيل الفصل بين استهداف المدنيين والإرهاب، وبين مكافحة الإرهاب وحماية المدنيين. فالأمران متلازمان ومتكاملان، أو هما وجهان لعملة واحدة. وفقاً للتعريف البسيط والجوهري للإرهاب بأنه استهداف بالسلاح لمدنيين من أجل تحقيق أغراض سياسية، وفي الحالة السورية، شاع إغراق المدنيين بالدم، من أجل إضفاء طابع نزاع أهلي على صراعٍ، هو في الأصل سياسي، ويرمي إلى تحقيق إصلاحات شاملة. وقد ساهم الشحن الطائفي والتنافس العلني على رفع راياتٍ طائفيةٍ بين أصوليين سنة وشيعة، في جعل المدنيين وقوداً لهذا الصراع، علماً بأن الغالبية العظمى من المليشيات الطائفية وفدت من خارج الحدود. وقلة قليلة منها خرجت من صفوف المجتمع السوري. وفي المحصلة، فإن أبناء الطوائف جميعاً دفعوا أثماناً باهظةً لهذه الحرب، وهؤلاء، بمن فيهم اللاجئون، يستحقون الإنقاذ ونزع عوامل الخطر والتوتير والتفجير التي يتعرّضون لها. وبدون منح هذا الأمل من بداية المفاوضات، فإنه يصعب أن يحقق التفاوض مبتغاه، أو أن تثمر الرعاية الأميركية والروسية ورعاية الأمم المتحدة عن شيء ملموس، ينعكس على حياة السوريين. مع التذكير بأن تسويةً جديةً تستند للمرجعية الدولية، سوف تفتح باباً واسعاً لإنهاء مشكلة ملايين اللاجئين السوريين، في دول العالم، والمهم أن لا يسمح العالم باستمرار الاستعراض الأعمى والمقيت للقوة في سورية من مختلف الأطراف، بما يفتح الباب لهجرات السوريين، ولما لا يحصى من صنوف المآسي.

العربي الجديد

 

 

 

 

القطار الروسي ـ الأميركي/ بيار عقيقي

أسابيع قليلة، وتُصبح مفاوضات جنيف السوري خلفنا. القطار الأميركي ـ الروسي انطلق، وما على الجميع سوى الصعود على متنه، أو تعريض أنفسهم للدهس. هكذا أوحى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خلال اجتماعات أخيرة في السعودية مع المعارضة السورية، وهكذا تبدو الأمور من زاوية “الواقعية السياسية”. من الطبيعي أن تحدث بعض “المناوشات” في سبيل حفظ كرامة المعارضين المفاوضين، خصوصاً مع تخطي الولايات المتحدة، تحديداً، كل خطوطها الحمر السابقة، بدءاً من المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى الدعوة إلى تشكيل هيئة انتقالية، لا يكون للأسد مكان فيها. هكذا الولايات المتحدة: الأعمال أولاً.

بالطبع، لا يسأل الروسي والأميركي عن الدم المُراق، لا في سورية ولا في غيرها. المصالح فوق كل اعتبار. التجارب متعددة بعد الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، من يوغوسلافيا السابقة وأفغانستان والعراق والشيشان وجورجيا وأوكرانيا. أوكرانيا التي نسيها الجميع ستُصبح محطة إعلامية أخرى قريباً، في مطلع الربيع، مع قرب انتهاء الموسم البارد أوروبياً، وإحياء الصراع السياسي، بفعل عدم الحاجة “الماسّة” للغاز الروسي، كما يكون الأمر عليه مطلع كل سبتمبر/أيلول من كل عام. إذ اعتاد الوسط الأوروبي، وخلفه أوكرانيا، على تهدئة الوضع مع روسيا بين سبتمبر والربيع من كل سنة، للحاجة الأوكرانية والأوروبية للغاز الروسي، على الرغم من العقوبات على موسكو. أما الضغط الفعلي على روسيا، فيكون بين الربيع وأشهر الصيف. الآن، وبوحي من “الدرس” السوري، ستدفع أوكرانيا أثماناً باهظة للاتفاق الروسي ـ الأميركي.

ستُكرّس روسيا “سيادتها” على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وهو ما لمّح إليه وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، أخيراً. وهو ما سيعني أن أوكرانيا ستشهد أياماً صعبة، ولن تجد من يدعمها، لا الأميركيين ولا حلف الأطلسي ولا الأوروبيين، حتى لو اجتاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العاصمة كييف.

في حسابات الولايات المتحدة، أن الأدوار الأوكرانية والسورية انتهتا مع إقرار الاتفاق النووي مع إيران، وتحوّل روسيا إلى حليف ضمني، لحاجة موسكو إلى واشنطن في بعض المحطات. تناغم تبدّى في الملف السوري، وسيتمظهر في الملف العراقي والمسألة الكردية. أما في حسابات روسيا، فإن الولايات المتحدة “صديق” ضروري، لتحقيق طموح أحفاد القياصرة بتحوّلهم إلى أحد “أقطاب” العالم، لا إلى مجرّد “أتباع” فيه.

سيفضي التماهي الفعلي بين الروس والأميركيين إلى ترك أوكرانيا وحيدة، خصوصاً أن للأوروبيين مشاغلهم الخاصة، وهم وإن بدأوا بفتح قنوات استخباراتية سريّاً مع نظام الأسد، إلا أن ما يُقدمون عليهم يُشكّل نموذجاً لمرحلة مقبلة. يريد الأوروبيين اللحاق بالروس والأميركيين. لا يريدون المزايدة سورياً، ولا أوكرانياً. يرغبون في كسب الحدّ الأدنى من العملية السياسية الجارية، خوفاً من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والحدّ من تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط. يعني هذا أن الرأي الأوروبي الموحّد غير موجود في الاتحاد الأوروبي، في ظلّ التفاهم الكبير بين ألمانيا وتركيا حول مسألة اللجوء، وتنامي علاقتهما تصاعدياً. لا ينعكس العمل الثنائي بين برلين وأنقرة، بطبيعة الحال، على باقي أوروبا، مع اختيار الفرنسيين والإيطاليين التفاهم مع إيران أخيراً، بينما تدوزن بريطانيا خطواتها بين إيران والسعودية.

لكن للأوروبيين ملفا شائكا سيدفعهم إلى الاتحاد العسكري: ليبيا. هناك المحك الأساسي للقوى العسكرية الأوروبية. بالنسبة إلى ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، يشكل منع “داعش” من التقدّم ليبياً، والتوسّع على الضفة المقابلة لأوروبا في البحر الأبيض المتوسط، هدفاً جوهرياً لـ”الحضارة الأوروبية”. الأمر أشبه بالحروب الرومانية ـ النوميدية في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. وقتها روما انتصرت، أما النصر الأوروبي الجديد في ليبيا (نوميديا الجديدة)، فدونه عقبات.

وسط هذا كلّه، يختفي الحديث عن “جرائم بحق الإنسانية”، أو “مكافحة الجوع عبر فكّ الحصار عن المدنيين في سورية”، قدراً حتمياً لما يُسمّى “دول العالم الثالث”.

العربي الجديد

 

 

 

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟/ سمير التقي وعصام عزيز

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

أثار اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» ورئيس وفد المعارضة السورية في المحادثات الانتقالية الدكتور «رياض حجاب» في 23 يناير/كانون الثاني في الرياض في الرياض رد فعل سلبي للغاية في العديد من دوائر المعارضة. حاول «كيري» نقل رسالة تهدف إلى تخفيض توقعات المعارضة وحزم أهدافها في الإطار العملي خلال المحادثات مع الروس. ولكن لغة وزير الخارجية هددت آفاق المشاركة البناءة من قبل الجماعات التي اقترحت للمشاركة في المحادثات.

كان أمام السيد «كيري» مهمة صعبة للغاية تتمثل في دمج مواقف روسيا – الأسد ضمن خطة تعالج كذلك أهداف المعارضة. ذلك هو التحدي الجوهري المعتاد في محاولة التوصل إلى إطار للتفاوض بشأن وضع حد لنهاية الصراعات الصعبة كما هو الحال في سوريا. وكانت النتيجة هي الميل الواضح لموقف موسكو. ويبقى السؤال الآن: هل يمكن أن تنجح هذه المحادثات؟

أثارت رسائل «كيري» الخلط لدى «حجاب» وكل فصائل المعارضة على حد سواء. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد تم فعل ذلك بشكل عمدي من قبل وزير الخارجية. حيث قال بوضوح أنه لن تكون هناك أي شروط زمنية مسبقة للمحادثات، ولا حتى التزام نحو رحيل «الأسد» في أي وقت في المستقبل. كما بدا متأرجحا بين اعتبار أي من جنيف 1 أو فيينا كمرجعية للمفاوضات. كما أنه قد استخدم مصطلح «حكومة وحدة وطنية» جنبا إلى جنب مع مصطلح »الحكومة الانتقالية» ما تسبب في المزيد من الارتباك.

وعلاوة على ذلك، فإن التدابير التي اقترحها «كيري» لبناء الثقة لا تشمل تبادل السجناء أو وقف الغارات الجوية أو إلقاء القنابل والبراميل على المدنيين أثناء إجراء المحادثات. وقال «كيري»  أيضا إن ممثلي المعارضة الآخرين، الذين اقترحتهم موسكو، وهي فصائل المعارضة شديدة القرب من نظام «الأسد»، سوف تكون حاضرة أيضا خلال المحادثات. وفي مواجهة رفض قوي من قبل المعارضة، فإن تلك المجموعة المقربة من «الأسد» سوف يتم إدراجها تحت مسمى «مستشارين» لمبعوث الأمم المتحدة «ستيفان دي ميستورا» وليس وفد المعارضة الموازي.

بعد تهديدات تركيا بإنهاء تعاونها في العملية حال تمت دعوة الاتحاد السوري الديمقراطي الكردستاني المقرب من حزب العمال الكردستاني، فقد دعا «دي ميستورا» إلى تجنب دعوة المجموعة. سوف يتمركز وفد المعارضة الذي اختارته روسيا في لوزان بينما سوف يتم إجراء المحادثات في جنيف. لم يأت ذكر جنيف 1 بأي شكل في رسالة الدعوة رغم إشارة الرئيس «أوباما» ووزير خارجيته «جون كيري» إلى بيان جنيف 1 باعتباره الأساس لأي حل منذ توقيعه في عام 2012.

الفارق بين البيانين، جنيف 1 وفيينا، هو أن الأول يؤكد على وجود مرحلة انتقالية نحو الحل في حين أن الثاني لا يوضح هذه المرحلة ويركز بدلا من ذلك على ضرورة مكافحة الإرهاب. وهذا ينطبق أيضا على قرار مجلس الأمن رقم 2254. وقد مثل هذا الفارق تراجعا عن الموقف السابق من الإصرار على استبعاد «الأسد» خلال المرحلة الانتقالية. وقد أشار بيان جنيف 1 إلى تشكيل «هيئة انتقالية تتمتع بجميع السلطات التنفيذية». وقد قبلت روسيا بيان جنيف 1 قبل تدخلها العسكري في سوريا. بحكم الأمر الواقع، فقد سحبت تأييدها للبيان في بداية عملياتها العسكرية هناك.

هذا التحول في التركيز اكتسبت مكانا مركزيا في المحادثات التحضيرية في الأسابيع القليلة الماضية، لاسيما مع لغة «كيري» الغامضة بشأن جنيف 1. وقد قال زعيم المعارضة لـ«ميدل إيست بريفينج» أن تأسيس أي محادثات بناء على بيان فيينا لن يؤدي إلى أي نتيجة. عمليا، يعطي بيان فيينا الأولوية للديناميات الإقليمية للأزمة وبهمل تقريبا البعد الداخلي السوري. وهو يفترض مبدئيا استعداد «الأسد» للتوصل إلى اتفاق مع خصومه. ويعكس هذا الافتراض أن القوتين وروسيا والولايات المتحدة، قد توصلتا إلى تفهم مشترك وأنهما يحملانه إلى سائر القوى الإقليمية. ويبقى السؤال: ما هو مدى ملاءمة هذا الأمر بالنسبة إلى السوريين؟ لا أعتقد أن الأزمة السورية كانت مجرد قضية إقليمية أو عالمية. لا نعتقد أن هناك حل يمكن أن يكون مستداما دون الاندماج والمشاركة الكاملة للمعارضة.

من الممكن أن مبالغة «كيري» قد جاء تحت تأثير تفهم تم التوصل إليه مؤخرا مع كل من روسيا والمملكة العربية السعودية. بعد، فمن شبه المؤكد أن هذا النهج، وبغض النظر عن التحجج بكونه النهج الوحيد الممكن، فإنه قد لا يكون مستداما ولا يمثل حلا حقيقيا للأزمة.

سارعت وزارة الخارجية لاحتواء الأثر السلبي لاجتماع «كيري» و«حجاب». قضى «مايكل راتني»، رجل الإدارة في سوريا، ساعات مع قادة المعارضة على الهاتف عقب الاجتماع. حاول «راتني» التهوين من النقاط التي أثارت القلق بين جماعات المعارضة كافة مع الحفاظ على الخطوط الرئيسية للتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا سليمة. ولكن تحذير «كيري» من أن أنه إذا رفضت المعارضة الذهاب إلى المفاوضات، فإن المفاوضات ستبدأ على أي حال، كان يردد بصوت عال بين جماعات المعارضة.

إذا كان للمحادثات أن تبدأ، وهو أمر مشكوك فيه على كل حال، فإنها من المنتظر أن تستمر لمدة 10 أيام. بعد ذلك فإن مجموعة دول أصدقاء سوريا سوف تلتقي في 11 فبراير/ شباط من أجل تقييم نتائج المحادثات وإعداد الجولة التالية. وسوف يكون التركيز الرئيسي للجولة الأولى منصبا على قف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في سوريا. ولن يتم خلال هذه الجولة مناقشة القضايا المتعلقة بالمرحلة الانتقالية ومستقبل البلاد.

ومع ذلك، فقد أكدت الدعوة الصادرة عن «دي مستورا» على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية لوضع جدول زمني لعملية انتقالية. ومن شأن هذه العملية أن تقود في النهاية إلى انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة تهدف إلى تشكيل حكومة شاملة وذات مصداقية وغير طائفية تبدأ في كتابة دستور جديد للبلاد ( لاحظ أنه لا توجد أي إشارة إلى تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة). من الناحية النظرية، فإن «الأسد» قد يكون قادرا على الترشح مرة أخرى من خلال الانتخابات. وقد ألمح «كيري» لدول مجلس التعاون الخليجي وزراء الخارجية خلال اجتماعهم في الرياض أن «الأسد» لن يدير البلاد في المستقبل إذا سارت الأمور وفقا للخطة. كانت هذه ذات الكلمات التي قالها «بوتين» لمحاوريه خلال الخريف الماضي.

الخطة المرتبكة

تعكس الصورة الكاملة تحولا في موقف الولايات المتحدة السابق في سوريا. المنطق غير المشروع لهذا التحول يقوم بإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب على النظر في سورية ضمن حدود الصراع السياسي العام، والذي أدى إلى ظهور الإرهاب. هذا النهج الجديد يعطي الأسبقية للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية. وبعبارة أخرى، فقد نجح «بوتين» في إحداث تأثير أكبر من المتوقع على نهج الولايات المتحدة في الصراع السوري.

على الأرض، مع ذلك، فمن الصعب أن نرى كيف أن هذا النهج من شأنه تحقيق الآثار المطلوبة، سواء في محاربة الإرهاب أو في حل الأزمة السياسية، حتى لو قررت القوى الإقليمية، تحت الضغط، وقف مساعداتها للمعارضة. نقطة الضعف في هذا النهج الروسي الذي يتم تبنيه من قبل واشنطن الآن، تكمن في وقاحته.

بافتراض أنه تم التوصل إلى اتفاق على قواعد تنظر إلى معظم جماعات المعارضة كجماعات إرهابية، حيث يبدو أن هذا الأمر هو جوهر هذا النهج، فإن حربا أوسع سوف تكون بين أيدينا في غضون بضعة أشهر. وهكذا فإن إدارة «أوباما» يبدو أنها تشتري إنجازا رخيصا وسطحيا وقصير الأمد، بينما تفشل في إنهاء الأزمة على أي نحو مستدام. بيت القصيد من هذا النهج هو بالضبط ما يريده «بوتين» طوال الوقت. كل ما حدث أن الولايات المتحدة قد استسلمت إلى حلفائها في الكريملين.

والسبب وراء هذا الاستنتاج ينبع من حقيقة أن النهج يرتكز إلى الجوانب الأساسية التالية:

أولا: فإنه يركز على تحقيق الأهداف العاجلة على حساب الأهداف العامة طويلة الأمد. وهذا واضح في إعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية، وإهمال تأطير هذه الأهداف ضمن حل سياسي يمكن جماعات المعارضة غير الإرهابية من كبح جماح أفرادها.

ثانيا: لأنه يقوم على مرجعيات مختلفة أو متناقضة. ما بين مقررات جنيف 1 المقبولة من فصائل المعارضة الرئيسية، وبين مرجعية فيينا وقرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي يتم الترويج له على أساس كونه المرجعية الوحيدة المقبولة من قبل كل من النظام والروس، والذي يسقط الحاجة إلى إسقاط «الأسد» أو الالتزام بمغادرته كشرط لنجاح العملية الانتقالية.

ثالثا: لأنها تمكن المجموعات الإرهابية مثل «الدولة الإسلامية» وجبهة النصرة أن تسائل الآخرين عن حقيقية ما تم إنجازه فعلا بعد خمس سنوات من القتال؟ هذا السؤال يتحول إلى عامل رئيسي في سحب أعضاء المجموعات الأخرى، الذين رأوا عائلاتهم وأصدقاءهم الذين قتلوا من قبل النظام، للانضمام إلى أولئك الذين يرفضون هذا النوع من الحل الذي يعني عمليا أن «الأسد» قد فاز. وبعبارة أخرى، لا يوجد شيء لقادة المجموعات كي يبرروا لأعضائهم سبب مشاركتهم في هذه المباحثات.

رابعا: هناك ما يكفي من الأسلحة في سوريا لجعل الاعتماد على أي قوى إقليمية أو الولايات المتحدة ضمن حده الأدنى.

خامسا: لا يمكن أن نكون على يقين من أن ما يسمعه «كيري» في جولاته هي أمور صحيحة أو أنها سوف تحدث على أرض الواقع. يمكن للضغط أن يسفر عن موافقات سطحية ي حين أن الحسابات الحقيقية قد تكون مخفية بعناية، في حين يتم العمل عليها.

العملية التي بدأت للتو تحمل مخاطر الانتهاء إلى معارضة منيعة عن تأثير القوى الخارجية، وبالتالي أقل قابلية للسيطرة عليها. والأسوأ من ذلك أنه قد يؤدي إلى توسيع نفوذ «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة، حيث يمتلك كل منهما كما هائلا من الأسلحة التي تم الحصول عليها من الجيوش النظامية السورية والعراقية.

ولكن، هل هناك أي فرصة أن يعمل الأمر.

نعم، يبدو أن هذا ممكن إذا تمت إضاءة نهاية الطريق بالنسبة إلى السوريين. إذا قيل لهم بوضوح أنه سيكون لديهم بلدهم دون ديكتاتورية «الأسد» ودولته البوليسية، ودون المجموعات الإرهابية، حيث يمارس الناس حقوقهم الإنسانية دون عقاب، وحيث الجميع بخير بغض النظر عن طائفته أو دينه.

وقد قدمت واشنطن الكثير من التنازلات في سوريا لصالح وجهات نظر موسكو. الموقف المبدئي لواشنطن من أن سوريا لا يمكن أن تستقر في وجود «الأسد» كان هو الموقف الصحيح. لن يكون هناك استقرار في سوريا لسنوات قادمة إذا تمت إدارة العملية الانتقالية على النهج الذي يرغب فيه السيد «بوتين».

ولكن أي “نجاح” للعملية الحالية سوف يكون قصير الأجل. في أفضل الأحوال، فإن هذا النهج قد يحقق بعض النتائج المؤقتة لعدة أشهر. سوف يكون لدى الإدارة الفرصة للتباهي بتحقيق الاستقرار في سوريا، في حين أن الجميع يعي أنه لم يتم التوصل إلا إلى حلول سطحية. نحن نشعر أننا يجب أن ننبه جميع الأطراف المعنية في وقت مبكر. سوف يكون إسقاط البعد السوري الداخلي بمثابة كعب أخيل في هذه المحادثات.

فاز «الأسد» بالجولة الدبلوماسية بعد التغيير غير المتوقع في تفكير إدارة «أوباما». لكن الانتصار في الحرب على أرض الواقع أمر مختلف تماما. بافتراض أن المعركة سوف تتوقف بالفعل فإنها لن تلبث حتى تندلع سريعا مرة أخرى، فإن الخاسر الحقيقي من هذا الأمر هم المدنيين في سوريا، وفي نهاية المطاف نظام «الأسد». أليس من المخجل أن مجرد توقف إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين لم يتم إدخاله ضمن تدابير «المساعدات الإنسانية» خلال هذه المحادثات؟ من الممكن أن يبقى أي طاغية في السلطة عن طريق القنابل المتفجرة إذا كان سيحظى بمساعدة روسيا والولايات المتحدة معا. تلك الأنواع من القنابل البدائية لا يمكنها تمييز الأطفال عن الإرهابيين.

قام «كيري» بإيقاف محاولاته لتفيك الشفرة الروسية. لم يكن الأمر مفاجئا. فكما أثبتت هذه الإدارة، مرارا وتكرارا، فإنها لا تملك أي استراتيجية. لذلك فقد كان من الطبيعي أن يسير خلف أولئك الذين يملكون رؤاهم الخاصة.

– ميدل إيست بريفينج

 

 

 

كيري مبعوثا لروسيا وإيران في الملف السوري!!/ ياسر الزعاترة

لم يتوقع رموز المعارضة السورية أن يقفوا قبالة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، كأنهم أمام لافروف أو حتى عبد اللهيان (صوت المحافظين في حكومة روحاني)، ففي الرياض سمعوا منه لهجة تهديد أكثر من أي شيء آخر (إما أن تذهبوا إلى جنيف بالشروط المتاحة، وإلا فالعزلة!!).

في الرياض، تبنى كيري المبادرة الإيرانية، ووافق ضمنيا على مطالب الروس فيما خصّ وفد التفاوض وتسميته، ورفض في المقابل كل شروط المعارضة من وقف لقصف طيران الروس وطيران النظام، أو إفراج عن معتقلين أو تسهيل وصول المساعدات.

للتذكير فقط، أعني لتذكير شبيحة بشار ومن يؤمنون بهم وبخطابهم، فهذا الموقف الأمريكي، وهو انعكاس للموقف الإسرائيلي، لم يبرز اليوم أو أمس، وإنما كان كذلك طوال الوقت، فواشنطن هي التي كانت تضغط على الجميع ولا تزال من أجل منع وصول السلاح النوعي، وتحديدا مضادات الطيران للثوار السوريين، ولم تستخدم لهجة التهديد مع النظام إلا من أجل تسليم الكيماوي بحسب المطلب الصهيوني، لكن الشبيحة لم يتوقفوا عن ترديد حكاية المؤامرة من أجل تبرير موقف ساقط في مساندة طاغية ضد شعب خرج يطلب الحرية والكرامة كجزء من ربيع العرب، قبل أن تتحول سوريا لاحقا إلى محطة صراع مع جنون التوسع الإيراني، وبالطبع بعد أن ضُرب الربيع فيها، وأكمل عليه العرب الآخرون، أو كادوا بتعبير ادق.

جديد الموقف الأمريكي وهذا التحول السافر ضد المعارضة، لا يختلف عن المزاج الأوروبي، فهو نتاج الصفقات التجارية التي يحملها روحاني بعد رفع العقوبات، وهي التي يستفيد منها المحافظون في تغيير الموقف من سوريا تحديدا، فيما يستفيد منها روحاني بإنقاذ بعض العوائد لكسب الشارع بدل تركها لخصومه يضيعونها في الصرف على مشروع التوسع.

على أن الموقف الأمريكي الجديد بالضغط من أجل التفاوض، لا يعني أن هناك نية حقيقية وجادة لوقف النزيف السوري، وإن كان المسار الراهن مقبولا في حال تم التوصل إلى حل، وطبعا بوجود اتفاق مع الكيان الصهيوني على بقاء بشار والبنية الأساسية لنظامه، وذلك بوصفه الخيار المريح الذي لن ينبني عليه أي إزعاج، فالرجل سيحصل على بلد مدمّر، وبمرجعية إيرانية متصالحة مع الغرب، وأخرى روسية لن تقبل بأي إزعاج لتل أبيب.

أما الخيار الآخر ممثلا في استمرار المعركة، لزمن طويل آخر، فهو مقبول أيضا، لا سيما أن نهايته لن تختلف كثيرا، مع فارق أن طول المعركة سيفسح المجال أمام استنزاف أكبر لروسيا التي تغطرست أكثر من اللازم، هنا وفي أوكرانيا، ولا بأس من استنزافها من أجل إعادتها إلى حجمها الطبيعي.

في المقابل لم يجد المعارضون السوريون بدا من تحدي الإملاء الأمريكي، أقله إلى الآن، وذلك بضوء أخضر من الداعمين، رغم أن الوضع الميداني أخذ ينحرف لصالح النظام بقوة النيران الروسية، وبالمشاركة الأكبر من إيران وحزب الله، من دون أن يعني ذلك وجود أفق لحسم عسكري.

في ضوء ذلك، لا خيار لمواجهة هذه الموجة الجديدة من الضغوط غير لملمة وضع الفصائل المقاتلة، وتصعيد الدعم من أجل تحسين الأداء، وعندها يمكن تغيير الكثير من شروط اللعبة، بما في ذلك جعل “جنيف” محطة لتغيير حقيقي كما نصت جولته الأولى، وليس محطة لما يسمى حكومة وحدة وطنية، كأن الخلاف هو مع وائل الحلقي، وليس مع البنية الأمنية والعسكرية للنظام، وهي بنية طائفية يتصدرها بشار نفسه.

الدستور الأردنية

 

 

 

الأحجية السورية إلى «جنيف3/ د. نقولا زيدان

ينعقد مؤتمر جنيف3 حول الأزمة السورية في ظل أجواء ضبابية وتوتر وتعقيدات قلما شهد التاريخ المعاصر للبشرية مثيلاً لها. ذلك أن عوامل عديدة تضغط بثقلها على المؤتمر. فلنقرأ بوضوح وموضوعية الإرث إذا صح التعبير الذي خلفته لنا الحرب السورية المشتعلة منذ خمس سنوات ليس لجهة الدمار الهائل الذي اكتسح البلاد ولا لتعداد هذا الكم المخيف من القتلى والجرحى والمعوقين فحسب ولا حتى عدد النازحين والمهجرين الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، بل تحديداً لجهة محاولة جدية جريئة منا لإدراك ماذا تحمل في جعبتنا من معطيات لا بد من عرضها على طاولة أو طاولات أو غرف المفاوضات توطئة لإخضاعها للنقاش ثم استخراج المقترحات بغية الوصول إلى حل سياسي. فالإرث السياسي والديبلوماسي ثقيل ومشبع بالفشل والإحباط والتعثر والتعطيل. فما دام مؤتمر جنيف3 هو دولي، لا بد لنا من التذكير ببيان جنيف1 عام 2013 (3 حزيران) الناص على «وجوب تشكيل حكومة انتقالية سورية كاملة الصلاحيات التنفيذية» والذي أعقبه يومها على الفور تصريح أميركي بوجوب رحيل بشار الأسد وتصريح روسي أعلن رفضه لهذا التصريح معلناً منذ ذلك الوقت أن مصير الأسد يقرره الشعب السوري. فبدأت منذ ذلك الحين عقدة مصير الأسد تتخذ شكل كرة الثلج لتصبح على ما هي عليه الآن عقدة العقد. في جنيف2 عام 2014 كانت هناك منازلة لا هوادة فيها بين معارضة سورية تعرض الوضع أو المشهد السوري على حقيقته من مآس وويلات وكوارث متعددة الجوانب وتتمسك ببيان جنيف1 كأساس للحل وفي المقابل وقد النظام الأسدي الذي انصب جهده بمساعدة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ليصرف أنظار جنيف2 عن مشكلة الأسد ونظامه ووجوب إيجاد حل له كي يتمحور النقاش الدائر يومها حول الإرهاب. ولم يكن تنظيم داعش بعد آنذاك سوى فصيل إسلامي إرهابي صغير. يومها فشل جنيف2 والحرب السورية على أشدها.

نقول أنه يومها بالذات كان السباق منطلقاً على أشده بين معارضة مسلحة يرأسها الجيش السوري الحر وفصائل وطنية إسلاموية ليست بعيدة عنه من حيث الرؤيا والبرنامج والهدف الرئيس ألا وهو إلحاق الهزيمة بالأسد ونظامه الدموي الجاثم على صدور السوريين.

إلا أن قوى عالمية وإقليمية كانت قد بدأت في ساحات القتال تنفذ مشروعها بتحويل سوريا إلى ساحة قتال مذهبي. فقد سارعت إيران ومعها ميليشيات حزب الله بذرائعه المعروفة لتبرير تورطه في الحرب السورية وسائر الميليشيات الشيعية (لواء أبو الفضل العباس، فيلق القدس إلى ما هنالك من المتطوعين الشيعة القادمون من أفغانستان وباكستان وغيرها) للتدخل العسكري إنقاذاً لنظام الأسد وحكم الأقلية العلوية الممسكة بمفاصل سوريا كلها. ولم تكن المعارضة السورية المسلحة لا من حيث مستوى التسليح ولا من حيث وحدة القيادة والتي كانت بأمس الحاجة للدعم النوعي بالسلاح والعتاد قادرة على سحق النظام الأسدي، بل أسوأ من ذلك عندما راحت تبرز في صفوف المعارضة السورية فصائل مسلحة ومجموعات غير واضحة الأهداف. هذا في الوقت الذي كان النظام الأسدي ونظيره نظام نوري المالكي يعملان تحت العباءة الايرانية والدعم الروسي المطلق لاستيلاد وتطوير ودعم تنظيم «داعش» الذي لم يكتف بالتوسع في العراق لتسقط بيده الموصل والانبار ويهدد تكريت وداهوك بل ليصبح على مشارف نينوى واربيل.

أحداث كثيرة بليغة جرت آنذاك برهنت وبالملموس من جهة عن وجود خطة متكاملة ترعاها موسكو وطهران لتحويل سوريا الى ورطة عسكرية وساحة فعلية للارهاب. فاستخدام الاسد للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية تم في خان العسل. وغيرها ما كان ليجري اللجوء اليه لولا التوافق الايراني ـ الروسي. وكان التخاذل الاميركي بالغاً ذروته ليس لجهة احجام واشنطن عن دعم المعارضة بالسلاح النوعي ولا بسلسلة المواقف المترددة المزكمة للانوف التي كانت سياسة اوباما الخارجية تتخبط فيها حيال المشهد السوري المزداد تدهوراً بل لجهة مسارعتها للموافقة على الخطة الروسية لانقاذ الاسد من خلال انضمامه المزعوم الى معاهدة عدم استعمال السلاح الكيماوي وقبوله بتسليم مخزونه من هذا السلاح الفتاك.

تعرضت مدن سورية كثيرة لقصف جوي فاق في ضراوته غارات الجيش الاميركي على فيتنام فلم تعد الصواريخ وحدها تنزل في حمص وحلب وحماه وادلب ودرعا، يواكبها سلاح المدفعية الميدانية المدمر، اشد الخسائر، بل برزت البراميل المتفجرة. وجرى محاصرة البلدات المحررة كالزبداني والقصير، بينما المعارضة كانت تتشرذم ليصل عددها الى مئات الفصائل والمجموعات طبقاً للاحصاء الأردني الشهير.

هذا وداعش تعيش فساداً فتستولي في سوريا نفسها على الرقة والحسكة وتواجه الفصائل الكردية محاولة النفاذ الى الداخل التركي (كوباني) ثم لتستولي على دير الزور وتدمر.

انبرى التحالف الأممي الغربي بطيرانه الحربي التصدي لمواقع داعش هذا التنظيم الاسطوري القادر على الاستيلاء على ما استطاع من منابع النفط يتاجر بها في السوق السوداء.

لم تتمكن قوات الحرس الثوري الايراني ولا ميليشيا حزب الله وأمثاله من سحق المعارضة فجرى استدعاء القوات الروسية مباشرة للتدخل العسكري. والروس لهم حساباتهم الخاصة للسيطرة على «سوريا المفيدة» (اي من اللاذقية الى درعا مروراً بحمص ودمشق)، فقاعدة اللاذقية تهمهم كثيراً وكذلك طرطوس وبانياس وبالامكان تطوير المطارات الصغيرة في العمق السوري لتوجيه ضربات نوعية للمعارضة السورية. فللروس ثارات كثيرة هم في صدد تسديدها باتجاه الغرب بعد استعادتهم بالقوة شبه جزيرة القرم واشعالهم الحرب في دانيسك.

هذه هي باختصار المعطيات أو مواصفات المشهد السوري كما بدا عشية جنيف 3. ولا يغرب عن بالنا عرض كل المحاولات الحثيثة والمتواصلة التي بادرت سواء الجامعة العربية ومراقبوها والاسرة الدولية ومراقبوها ايضا ومحاولات كوفي انان والاخضر الابراهيمي الذين جميعاً جرى تفشيلهم على يد الاسد وحلفائه الايرانيين والروس.

فالروس كانوا يحضرون بدورهم لمعارضة روسية الصنع استضافوها مراراً في اروقة الكرملين تماماً كما هي الحالة بالنسبة لمعارضة الداخل ذات الصناعة الاسدية.

ستيفان دي ميستورا ضد المبعوث الدولي، المتلاعب بامتياز الذي ادرك اهمية الموقف الايراني خاصة بعد عقدها اتفاقها النووي العتيد، ولا تفوته قط اهمية تركيا واجهة حلف الناتو بمواجهة الساحة السورية وهو الذي ليس بمقدوره قط التقليل من أهمية الرياض كعاصمة قوية ذات مواقف شجاعة بمواجهة المد الايراني نحو المتوسط والبحر الأحمر.

وهو بالطبع ينطلق من أهمية التوافق الاميركي ـ الروسي بوجوب عقد جنيف 3 بالصورة التي نشهدها الآن. فعوضاً ان يجري وفد النظام بقيادة وليد المعلم بمواجهة وفد المعارضة بقيادة رياض حجاب الرئيس الاسبق للحكومة فقد عثر على افضل الحلول السيئة الا وهو دعوة اربعة وفود لحضور المؤتمر العتيد: 1) الهيئة العليا للمفاوضات 2) وفد النظام الاسدي 3) وفد المعارضة الرسمية 4) وفد منظمات المجتمع المدني 5) وفد الشخصيات المستقلة السورية التي «طعمها» الروس بل اختارته موسكو من الاصدقاء.

ويظلل جنيف 3 كذلك وفود ومراقبون علاوة على الدول الكبرى (5+1) مراقبون من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي. هذا بالاضافة لقطر وتركيا ومصر ولبنان وبالأخص السعودية التي بذلت جهوداً جبارة حتى يرى انعقاد جنيف 3 النور.

وبحركة بارعة استطاع دي ميستورا وضع لافتة غير مرئية لكنها ماثلة في أذهان الوفود: لا شروط مسبقة بل لا جدول زمني لرحيل الاسد.

تحت الضغوط الأميركية والأوروبية تضطر المعارضة الرسمية للمشاركة في المؤتمر والقبول بالمواصفات الأولى التي حددها دي ميستورا بذكاء.

مدة المؤتمر: 6 اشهر

شكل المؤتمر: طاولات متباعدة يرأسها دي ميستورا هذا، يلقي فيها كلمة الافتتاح امين عام الامم المتحدة بان كي مون، ثم كلمات وفود الهيئة العليا للتفاوض.

حقاً ان ما ردده البعض حيال التعقيدات التي لا تحصى والمتوجب تخليها في حال انعقاد مؤتمر مخصص للأزمة السورية، ان الفترة الزمنية المتوقعة للوصول الى نتائج اولية تتجاوز الستة أشهر، فهم يقترحون بتهكم مرير: المؤتمر الدائم للأزمة السورية.

المستقبل

 

 

واشنطن «تبارك» العملية السياسية في سوريا.. مهما كانت النتائج/ ثريا شاهين

التفاوض السوري السوري مهدّد بالفشل حتى قبل انعقاده. هذا ما تؤكده مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع. فهناك خلاف على جدول الأعمال، بحيث أنّ المعارضة تريد البحث بالانتقال السياسي، في حين أنّ النظام لا يريد ذلك، إنّما يريد البحث بالإرهاب وبحكومة وحدة وطنية.

كذلك في موضوع تشكيل الوفد المعارض، روسيا تريد فرض أسماء إضافية للوفد الذي يمثّل المعارضة التي اجتمعت في الرياض. هناك محاولة لفركشة المعارضة لكي لا يحصل تفاوض. واشنطن لا تمانع الطرح الروسي الداعي إلى أن يشمل وفد المعارضة التي اجتمعت في الرياض شخصيات أخرى معظمها مقرّب من النظام. هناك إرادة دولية لا سيما أميركية روسية لانطلاق العملية السياسية. أي أنّ أي تأخير يجب ألاّ يتعدّى الايام القليلة، بحيث تبقى انطلاقتها قبل نهاية هذا الشهر، وها هي تنطلق اليوم الجمعة.

إلاّ أنّ مصادر ديبلوماسية في موسكو تفيد أنّ هناك ارتياحاً روسياً للتنسيق الحاصل من جانب الولايات المتحدة مع روسيا، وأنّ التنسيق أعاد روسيا لاعباً رئيسياً وقوّة عظمى لها دورها في المنطقة، وأنّ واشنطن باتت تدرك أنّ عليها أن تتعاون معها للتوصّل إلى الحل في سوريا، ومن دون هذا التعاون لن يحصل الحل في سوريا. وقد جرى تخطٍ للدور الأوروبي ولأدوار أخرى في هذا المجال. وكل ذلك بعد أحادية القطب في التعاطي مع أزمات المنطقة. وبموجب هذا التنسيق سُجِّل إصرار دولي روسي على استمرار العملية السياسية وفقاً للقرار 2254. وروسيا تريد أن تكون الشخصيات المضافة من مؤتمرَي موسكو والاسيتانة. إنّما بعض الدول الخليجية، يعتبر أنّ هناك تدخلاً روسياً في التسمية هدفه «الحرتقة» على المعارضة، وسبب تضافر الجهود الأميركية الروسية لحل هذه المسألة يكمن في السعي إلى عدم عرقلة انطلاق التفاوض.

وتفيد المصادر الديبلوماسية الواسعة الاطلاع أنّه من دون وجود ضغوط روسية قوية على النظام السوري، للقبول ببحث كافة بنود القرار بجدّية، فإنّ التفاوض لن يصل إلى نتيجة. النظام غير قابل لبحث الانتقال السياسي، والروس لم يضغطوا عليه لتقديم تنازلات، حتى أنّ الأميركيين لن يلجأوا إلى حلول أخرى، وهم يقبلون بما يطرحه الروس. لن تلجأ الإدارة الأميركية إلى بدائل، ومن الأسهل عليها تقطيع الوقت حتى انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما أي بعد نحو سنة تقريباً. لا مؤشّرات تدلّ على تنفيذ القرار 2254 أو اتفاقات على بنوده، إنّما واشنطن تريد وجود عملية سياسية قائمة، وتتمسّك هي بها وكذلك موسكو، إذ ليس في مقدور أي طرف دولي تحمُّل مسؤولية فشل أفق سياسي للأزمة السورية. الكل يقبل بوجود الأفق السياسي الذي يوفّره القرار 2254 والاثنان يحتاجان إلى عملية قائمة، لكن ليس من ضغوط حقيقية لإحراز تغيير حقيقي في سوريا. وبالتالي، من دون ضغوط وتنازلات ستبقى الأمور على حالها. النظام، ومن ورائه موسكو، لا يريدان تغييراً حقيقياً، إذ لا يزال هذان الطرفان يتحدّثان عن حكومة وحدة وطنية ثم انتخابات يترشّح لها الأسد، وحكومة الوحدة الوطنية يمسك النظام بصلاحياتها. والمعارضة تريد تنفيذ «جنيف1»، أي انتقال الصلاحيات في السلطة إليها. حتى أنّ في بنود القرار 2254 هناك جمع بين أفكار عدّة، في مقدّمها الجمع بين وثيقة «جنيف1«، وبيان فيينا، فضلاً عن الإضافات حول وفد المعارضة، وما حصل هو مزيد من عدم الوضوح والالتفاف على «جنيف1»، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيداً.

ما يحصل من مشاورات لبدء التفاوض وانطلاقة الحل، أكد أن لا نيّة للوصول إلى حل، لكن متى تفشل العملية، وكيف يكون إخراج الفشل كلها أمور غير واضحة، وليس من طرف يريد تحمُّل مسؤولية الفشل. حتى أنّ النظام يعتبر أنّ كل أطراف العسكر على الأرض إرهابية ولا يريد ممثلين لها، هناك خطط لخربطة العملية من الداخل، تلافياً للقول صراحة من جانب مَن يريد التعطيل إنّه يريد ذلك فعلاً.

ثم أنّ العلاقات الاقليمية ليست جيدة، إذ إنّ الدول المعنية لن تضغط كفاية على الأطراف السورية التي تتأثّر بها من أجل الحل، حتى لو لم تحصل قطيعة اقليمية، إنّما المشكلة موجودة والحل في ظلّها ليس سهلاً.

والتفاوض سيتم بشكل غير مباشر إذ سيجلس كل وفد في غرفة على حدة، وسيتولى وفد الأمم المتحدة الانتقال بينهما وتبادل أفكارهما، ومواقف الأطراف الداخلية السورية، وكذلك الأطراف الراعية لها لا تزال بعيدة عن بعضها لدرجة كبيرة.

المستقبل

 

كيف أصبح كيري ناطقاً بلسان الأسد؟/ الياس حرفوش

مثل من يقع بين المطرقة والسندان كان وضع هيئة المفاوضات السورية قبل اتخاذ قرارها الصعب بالذهاب إلى جنيف. الأوراق التي في يدها باتت قليلة، في وجه نظام شرس وجوار ضعيف وعالم غير مبالٍ.

تتسلح هيئة المفاوضات بسلاح المطالب الإنسانية. تدعو العالم إلى نصرة الشعب السوري المغلوب على أمره، وعلى الأقل إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يدعو إلى إيصال الغذاء والمساعدات إلى المدن والبلدات التي يحاصرها بشار الأسد، (أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» أمس عن موت 16 شخصاً آخرين من الجوع في مضايا). كما يدعو القرار إلى وقف قصف طائرات فلاديمير بوتين للمدنيين، بعد أن دخلت الأجواء السورية لمساعدة براميل الأسد على دك البيوت وقتل ساكنيها، والتضييق على مواقع المعارضة ومحاصرتها.

غير أن هيئة المفاوضات، ومعها كل أطراف المعارضة السورية، تدرك الآن أن العالم لم يعد يرى الأزمة السورية إلا من منظار اللاجئين عند الحدود الأوروبية، أو الإرهابيين الذين يحصلون التدريب عند تنظيم «داعش»، ثم يخرجون من الرقة لينشروا الرعب في عواصم العالم.

لهذا السبب لا يُحسد رياض حجاب وفريقه على المهمة التي تنطحوا لها. مفاوضة نظام فقد كل المشاعر البشرية وأصبح يساوم على أبسط الواجبات التي يجب أن يقوم بها تجاه من يُفترض أنهم شعبه.

ليس غريباً في هذا الوضع أن مطالب كثيرة وصلت إلى الفريق المفاوض تدعوه إلى عدم التوجه إلى جنيف قبل أن يقدّم النظام مبادرات توحي بالثقة، من نوع السماح بإيصال الطعام إلى الجوعى، بدل سياسة «الجوع أو الركوع» التي اعتمدها في التعامل مع مناطق المعارضة. لكن خيار عدم المشاركة في جنيف كانت ستكون تبعاته وأكلافه كبيرة، طالما أنه لا يحظى بموافقة وغطاء ممن يفترض أنهم حلفاء المعارضة.

كان يجب أن يكون الأميركيون في طليعة هؤلاء الحلفاء. غير أن التزام إدارة باراك أوباما بتخلي بشار الأسد عن السلطة أخذ في التراجع منذ بيان جنيف لعام 2012 الذي أقر مسألة الحكم الانتقالي بصلاحات تنفيذية كاملة، ووصل التراجع إلى فتح الباب أمام الروس والإيرانيين للمشاركة في قصف السوريين وكذلك في حل أزمتهم (!)، وانتهى التدحرج الأميركي الآن إلى حد إغفال أي كلام عن مصير بشار الأسد، حتى أصبحت رغبة الأسد في تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، برئاسته طبعاً، كمخرج من الأزمة، وهي الرغبة نفسها التي حملها جون كيري إلى هيئة المفاوضات خلال لقائه الأخير معها، متناسياً كل خطب رئيسه وتأكيداته أنه لا يجب أن يكون للأسد مكان في مستقبل سورية بعد أن غرقت يداه في دماء 300 ألف سوري.

هل يجب أن نستغرب بعد ذلك أن يتحول شعار «كيري الشبيح» (KerryTheShabih#) إلى أكثر هاشتاغ انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي، في رد واضح على انحياز وزير الخارجية الأميركي إلى موقف النظام السوري؟ إذ من كان يتصور أن يصبح كيري ناطقاً باسم بشار الأسد والروس والإيرانيين، ينقل وجهة نظرهم ويتبنى مواقفهم في حديثه مع المعارضة عن الحلول الممكنة للأزمة السورية؟

أسوأ الخيارات التي تواجه مفاوضي المعارضة في جنيف سوف يكون إرغامهم على القبول بالحل الذي اختاره النظام لهم ولسورية: خيار الهزيمة الكاملة بعد ما يقارب خمس سنوات من الحرب والدماء والدمار، والموافقة على بقاء بشار الأسد في الحكم، أو حتى القبول بمشاركته في أي انتخابات رئاسية مقبلة؟ هل تستطيع المعارضة قبول حل كهذا، ومن سوف يضمن احترام توقيع من هذا النوع، حتى إذا تم إرغام الفريق المفاوض على الإقدام عليه؟

أما الأطراف الدولية التي تعتبر أن إسراعها إلى إقفال الملف السوري كيفما كان سوف يعجّل في حل أزمة اللاجئين وفي وضع حد لكارثة الإرهاب التي تضرب العالم، فيجب أن تدرك أن أي حل ظالم يتم فرضه على السوريين سوف يكون مدخلاً لأعوام وربما عقود من عدم الاستقرار في سورية وفي المنطقة، كما سيكون هذا الحل ورقة ذهبية في يد «داعش» وأمثاله من الذين يعتبرون أن الإرهاب الذي يقومون به هو الطريقة الوحيدة التي تستطيع مواجهة الإرهاب الذي يرتكبه بشار الأسد وسائر الشبيحة الذين يحيطون به.

الحياة

 

 

 

مفاوضات فاشلة وحضورها مهم/ عبد الرحمن الراشد

تبدو المعارضة السورية أكثر صلابة في وفدها، رغم ما أصابها على الأرض من خسائر بسبب القصف الروسي، وآخرها خسارة بلدة الشيخ مسكين. سبعة عشر معارضًا وصلوا إلى جنيف يرأسهم رياض حجاب، الذي يحظى باحترام معظم القوى والفصائل السورية المعارضة. وحجاب عينه الرئيس بشار الأسد رئيسًا للوزراء في مرحلة الفوضى، يونيو (حزيران) عام 2012، لكنه انشق عليه بعد ثلاثة أشهر، عندما فر بمعاونة الجيش الحر المعارض إلى الأردن. واختار في السنوات الثلاث الماضية العمل السياسي مع قوى المعارضة دون التورط في خلافاتها، وهذا ما جعله اسمًا مقبولاً عند تسميته رئيسًا للوفد الذي انبثق عن مؤتمر الرياض لقوى وفصائل المعارضة.

بحضورها المفاوضات، بكامل الوفد الذي تمت تسميته، تكون المعارضة قد تجاوزت العتبة الأولى فقط من سلم طويل في جنيف تقدر الأمم المتحدة أنه سيستغرق ستة أشهر وفق برنامج تفاوضي معروفة موضوعاته الرئيسية، لكن تفاصيله ليست واضحة. التقديرات الأولية كانت تتنبأ بأن المعارضة لن تفلح في الاتفاق، وها هي اتفقت، وستختلف على قياداتها، وها هي اختارت حجاب، وتجاوزت الاشتراطات الأولية عليها رغم أنها غير معقولة، فسياسة الوفد هي عدم إعطاء فرصة للنظام السوري وحليفيه، الإيراني والروسي، للانفراد بالمجتمع الدولي الذي يمثله فريق الأمم المتحدة ومبعوثها دي ميستورا. ويعلم أعضاء المعارضة أن ستة أشهر كافية لامتحان النيات والمشاريع السياسية، وبإمكانهم في الأخير رفضه والاستمرار في محاصرة النظام.

الموضوعات الرئيسية، المستعجل منها، مثل مشروع وقف إطلاق النار، هل يمكن تحقيقه؟ سيكون سهلاً على المعارضة القبول به في حال حصلت على السماح لها بإدارة مناطقها التي تحت سيطرتها، وهي أيضا لن تكون مسؤولة عن نشاط مناطق التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة». فهل سيستطيع المفاوضون فرض نفس الشروط على نظام الأسد والإيرانيين والروس، بوقف العمليات العسكرية؟ هنا التحدي يقع على فريق الأمم المتحدة والدول الراعية.

ما فعلته المقاتلات الروسية أمس بقصف مخيمات اللاجئين شمال اللاذقية، ورأينا النيران تحرق الخيام، وتدفع آلاف السوريين نحو الحدود على أقدامهم هربًا من جديد يُبين طبيعة التحدي. يجب الاحتجاج على عمليات الروس والإيرانيين وحزب الله التي تستهدف السوريين، وتكون دائمًا لها الأولوية في جنيف، حتى لا يجد الروس والإيرانيون التفاوض فرصة لاستكمال التطهير الطائفي، والتقدم على الأرض.

وبين الهدنة، وفتح الممرات، وحصر مناطق النزاع، والاتفاق على تبادل الأسرى، وإيصال المساعدات، سيمر وقت قبل فتح الحديث عن مستقبل الحكم في سوريا، الذي هو سبب الحرب وغاية مؤتمر جنيف. والحقيقة لا يوجد هناك من هو متفائل من مفاوضات جنيف في حسم النزاع، فهو مؤتمر سياسي له غايات مختلفة غير معلنة. الإدارة الأميركية تريد أن تقضي هذا العام في نشاط دبلوماسي حتى لا تتهم باللامبالاة تجاه أخطر قضية نزاع تؤثر على السلم في العالم اليوم، والأوروبيون كل همهم كبح حركة اللاجئين المتجهة نحو حدودهم، أما الروس فهم يعتقدون أنهم قادرون على فرض حل سياسي يجبر المعارضة على الاستسلام لحكم الأسد، مع منحهم مقاعد هامشية في حكومة رمزية.

أما لماذا تشارك المعارضة طالما أنها عارفة بالأهداف المتواضعة للوسطاء والمفاوضات، أولاً لأنها لن تخسر بحضورها شيئًا، وثانيًا حتى لا ترمم بغيابها شرعية نظام الأسد دوليًا، وتحضر حتى تنازع النظام في كل القضايا وتتحداه. لقد عقد مؤتمر جنيف الماضي قبل عامين تقريبًا في نفس اليوم الذي يوافق المؤتمر الحالي، ووعد نظام الأسد أنه خلال عام سيقضي على المعارضة، لكنه رغم استنجاده بالإيرانيين ثم الروس لا يزال عاجزًا إلى اليوم. وهكذا فإن جنيف والأمم المتحدة لا تستطيعان أن تفرضا على الأغلبية السورية ما ترفضه، وستستمر الحرب التي تأكل من مقدرات الإيرانيين والروس، في وقت لن يتعافى النظام مهما حاول حلفاؤه دعمه، لأنه أصبح مشلولاً بعد أن فقد معظم قواته العسكرية والأمنية.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

المعارضة السورية في جنيف.. حسابات الربح والخسارة/ وليد عباس

تختلف التوقعات بشأن ما يمكن أن تحققه مفاوضات الأطراف السورية في جنيف، خصوصا وقد سبقتها لعبة شد وجذب كبيرة، إلا أن ما يبدو هو أن كافة الأطراف مضطرة بصورة أو بأخرى للتوجه نحو اتفاق سياسي سواء في جنيف هذه أو في جنيف أخرى.

المعارضة السورية المنبثقة عن مؤتمر الرياض وصلت إلى جنيف للمشاركة في مفاوضات السلام مع النظام، بعد سجال طويل شهد الكثير من الصراعات والضغوط الإقليمية والدولية.

القضية هامة، إن لم نقل حيوية، فمن المفترض أن من سيشارك في جنيف، أو ما سيلي جنيف في حال فشلها، هو الذي سيفاوض، وسيحدد، مع النظام السوري، ومع الأطراف الإقليمية والدولية، بنية واليات اللعبة السياسية في هذا البلد خلال السنوات المقبلة. كما سيحدد، بالتالي، بالنسبة لأطراف إقليمية ودولية مثل روسيا، الولايات المتحدة، السعودية، تركيا وإيران وزنها ومدى نفوذها في المنطقة.

لذلك، تبدو صعوبة وتعقيد كافة خطوات هذه المفاوضات أمرا طبيعيا. ولكن اتفاقا سياسيا أصبح، اليوم ضرورة حيوية، أولا بالنسبة للسوريين عموما، وثانيا بالنسبة للمعارضة التي تخسر، يوميا، مواقع جديدة على الأرض بسبب التدخل الروسي، وثالثا بالنسبة للمجتمع الدولي الذي بدا يعاني، بسبب هذا الصراع، من أزمات حقيقية وخطيرة تتمثل في قضية اللاجئين وانتقال الصراع إلى أراضيه في شكل الاعتداءات الإرهابية.

الجميع يضغط من اجل اتفاق سياسي سريع، وبعض أطراف المعارضة التي تعطل الأمر، لا ترفضه من حيث المبدأ، ولكنها تساوم من اجل موقع اكبر في المفاوضات، وبالتالي من اجل حجم اكبر في كعكة السلطة المنتظرة.

ميدانيا، المعارضة تخسر كل يوم على الأرض، مما يحرمها من أوراق هامة لطاولة المفاوضات المنتظرة، والتي ستشهد، على ما يبدو، مستوى أكثر تشددا من النظام، لأنه مقتنع بأنه يتقدم ويحقق انتصارات. إلا أن تأخير التوصل إلى اتفاق سياسي، وإن كان سيتيح للنظام احتلال موقع أقوى للتفاوض المباشر، فإنه يعني، أيضا استمرار القتال والمذابح، ويقلص بالتالي فرص القوى الداعمة للنظام السوري في أن تكون طرفا فاعلا في الحياة السياسية على المدى الطويل، ذلك إنه سواء في سوريا، أو في المنطقة عموما، يدرك الجميع استحالة العودة إلى الأوضاع السائدة قبل خمس سنوات، وإقامة واقع سياسي جديد أصبحت أمرا حتميا، وإن استغرق ذلك بعض الوقت، ولا احد يعرف قواعد اللعبة السياسية الجديدة المنتظرة، ولكن الكل يدرك ضرورة الاحتفاظ برصيد سياسي ما ليتمكن من المشاركة فيها.

على مستوى آخر، يريد الغرب اتفاقا سريعا للتخلص من أزمات أفرزها الصراع السوري وصراعات المنطقة عموما، وتختلف أطراف المعارضة على أهداف العملية التفاوضية بين من يريد وضع حد لمعاناة الحرب والبعض الآخر يتمسك بهدف إسقاط النظام.

المشكلة الرئيسية أن الكل يستخدم الأدوات والمنطق السياسي الذي كان سائدا قبل خمس سنوات، وهي أدوات ومنطق تجاوزهم الزمن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى