صفحات العالم

مقالان تناولا اعتقال لؤي حسين

 

 

 

 

لؤي حسين.. معارض “بلا أنياب”/ ربيع بركات

يمكن لزائر صفحة المعارض السوري لؤي حسين على «فايسبوك» أن يلحظ تقاطعاً في وجهات نظر المعلقين سلباً على مواقفه، «الموالين» منهم و«المعارضين». معظم هؤلاء يتهمونه، شأنه شأن رموز المعارضة المدنية الآخرين في سوريا، بالتذبذب، ويعايرونه بضعف التمثيل.

ويميل معلقون كثر من أنصار «الدولة السورية» أو «النظام» – والاثنان متشابكان موضوعياً ولذا يصعب الفصل النظري بينهما ـ إلى اعتبار أن حسين لا يوجه نقداً جاداً للمعارضة، بل يحصر جل هذا النقد بظاهرة «داعش»، من دون سائر التنظيمات المسلحة، وأنه يسعى إلى حجز مقعد لنفسه في المرحلة المقبلة. في المقابل، يمثل حسين بالنسبة لكثير من متابعيه المعارضين ـ ولنسبة أكبر من غير متابعيه على الأرجح – صورة العاجز عن فعل شيء، والذي لا يجرؤ على تسمية الأمور بمسمياتها، فيزن موقفه ألف مرة قبل صوغه، ويتجنب حصر التراجيديا السورية بمنشئها الوحيد برأيهم، أي النظام.

كما يتهمه البعض من هنا وهناك، باختزال الحدث السوري أحياناً بتفسيرات طائفية، وينتقدون شرحه واقع البلاد من هذا المنظار (حديثه لصحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام عن طبيعة العلاقة التي تجمع العلويين ـ وهو منهم ـ بالنظام، مثال على ذلك).

ولؤي حسين، المعارض المدني حتى النخاع، برغم ما سبق من مضابط اتهام، والمعترض على عسكرة الحراك المطلبي السوري وتطييفه، يجتهد في ساحة لا يسهل على المرء، أياً كان، أن يفك خيطها الأبيض عن خيطها الأسود، ولا أن يقترب من حقيقتها من دون تقديم موقف مركّب. لذلك يراه كثير من المعترضين على أدائه، وبعضهم من الطرفين، يجرّح به اليوم كما تجرّح الحرب الأهلية باجتماع أهلها، متذبذباً لا يستقر على رأي أو موقف.

فالإجماع على شخص أو موقف في حرب أهلية هائجة مستحيل. فكيف إذا ما كان صاحب الموقف «بلا أنياب»، أي لا يملك (ولا يرغب) أن ينخرط في صراع دموي، يجد معظم السوريين أنفسهم طرفاً فيه أو وقوداً له، شاءوا ذلك أم أبوا!

رئيس «تيار بناء الدولة السورية»، المعتقل مدة سبع سنوات في ثمانينيات القرن الماضي على خلفية انتمائه إلى «حزب العمل الشيوعي»، والذي وجد نفسه في السجن في أيام الحراك السوري الأولى لتضامنه مع تظاهرات درعا، أُعيد اعتقاله هذه المرة بتهمة «إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة».

وقد بدا حسين من خلال مقالاته الأخيرة، كما كتب البعض ملاحظاً، كمن يُحاول رفع سقف الاعتراض أو يختبر احتمالات ذلك. وقد رأت أجهزة النظام في الأمر على ما يبدو، تجاوزاً لسقوفها التي كان قد اخترقها مراراً، فبادرت إلى اعتقاله كما سبق أن فعلت مع من يشبهه، ممن اعترض على أداء «النظام» و«الثورة» معاً، وفضّل الدعوة إلى تسوية تاريخية تحفظ ما بقي من البلاد واجتماع سكانها، كعبد العزيز الخيّر وأمثاله من رموز «المعارضة المدنية».

بيد أن الرجل، وبمعزل عن رفع سقف الكلام أو عدمه، كان منسجماً مع الإطار العام الضابط لأفكاره ومواقفه. فلا هو ارتمى في أحضان الخارجٍ، ولا انساق وراء دعواتٍ تقوم على منطق الغلبة، بل ظل يقيّم المسألة السورية من زاويةٍ لم تقنع كثيرين، ربما لعدم حيازتها قوة على الأرض، في وقتٍ يحتاج الجميع فيه إلى سلاح.

في آخر موقف له على صفحته الافتراضية، حيا حسين الناشط الحقوقي المعتقل منذ أيام جديع نوفل، الذي «ليس لديه سلاح، ولا هو ينتمي إلى «داعش» أو «النصرة» أو غيرها، ولا يتعامل مع إسرائيل، ولم يرتكب جرماً، بل يتصرف وفق القانون والدستور».

قال حسين إن «جديع ليس الوحيد الذي تعتقله السلطات لأنه معارض، بل هناك مثله عشرات الآلاف»، وهو «لن يحمل السلاح بعدما يُطلق سراحه، إذ إنها ليست المرة الأولى التي يُعتقل فيها». ثم أنهى كلامه متسائلاً «عن عشرات الآلاف الآخرين»، الذين جزم أن «بعضهم سيحمل السلاح لأنه لا يحتمل أن يهان ويعذب مرة أخرى».

لؤي حسين لن يدافع عن خيار السلاح بعد الاعتقال، لأنه لا يؤمن بأن الحل يمر عبر هذا الطريق، بل عبر مسلك سياسي لم يعره رعاة الاقتتال ودعاته أهمية ولا أولوية. وهو يدافع عن الجيش السوري في مواجهة عتاة التكفير، ويعتبر أن «لا مصلحة لسوريا بانهيار النظام، بل باستبداله بنظام يشارك فيه الجميع»، لكنه، في الوقت نفسه، يرى أن أجهزة هذا النظام الراهنة «أكبر مصنّع للمتطرفين»، نتيجة عنفها وتعسّفها.

الرجل يجتهد في دولة تغرق في دمائها. والاجتهاد لا إجماع عليه ولا هو خالٍ من الأخطاء، فقد يتفق المرء مع بعضه وقد يختلف، سواء كان «متمسكاً بالدولة» أم «ثائراً عليها» (أو على أجهزتها)، وهذا من طبيعة الأمور. وهو يرفض أن تلفظ هذه الدولة أنفاسها لأنه، أقله كما تدل مواقفه، متمسك بمعنىً لها يتسع للجميع. وهو يعطي الانطباع بأنه «متذبذب»، لأن المواقف «الحاسمة» أسهل في الحرب وأقرب إلى الفعل اليومي، لكن جزءاً كبيراً منها أبعد عن المستقبل الجامع، الذي يضيعُ المسلكُ إليه وسط قرقعة السلاح وغبار المعارك.

لؤي حسين معارض «بلا أنياب»، لا يقدر على قلب الموازين على الأرض، ولا هو راغب بكسب عيشه أو دوره من لعبة الدم، شأنه شأن أقرانه في المعارضة المدنية «شحيحة التمثيل».

وهذه ليست تهمة، بل وصفٌ يُسقط عنه الاتهام.

السفير

 

 

 

بين لؤي حسين ومعاذ الخطيب/ حـازم صـاغيـّة

اعتُقل لؤي حسين، رئيس “تيّار الدولة السوريّة”، بناء على مقال كتبه ونشرته جريدة “الحياة”. التهمة التي وُجّهت إليه هي التهمة الشهيرة إيّاها: “إضعاف الشعور القوميّ ووهن نفسيّة الأمّة”، وهذا فيما “الأمّة” تنهار عن بكرة أبيها!

صحيح أنّ حسين معارض سوريّ، إلاّ أنّه منذ بداية الثورة كان صاحب رأي خالف فيه معظم المعارضين، كما لم يكن قليل النقد للأنظمة التي يتّهمها النظام بـ”التآمر على سوريّا”. والخلاف بين حسين والمعارضين إنّما استند معظمه إلى مسألة العنف التي اتّخذ منها موقفاً سلبيّاً ليست هذه العجالة المكان الصالح لمناقشته.

لكنْ حين يُعتقل معارض كلؤي حسين، جريمته كتابة مقال، فهذا يشي، للمرّة الألف، بانعدام كلّ استعداد لدى هذا النظام للوصول إلى تسويات سياسيّة. أمّا الذين يشيرون إلى عداء مشترك لداعش والنصرة قد يدفع ذاك النظام إلى فعل ما لم يفعله سابقاً، فهم مرّة أخرى ينقادون وراء أوهامهم. ذاك أنّ النظام السوريّ لا يعنيه من الحرب الجويّة في العراق وسوريّا، على داعش وأخواتها، سوى توفيرها له فرصة ما كي يستجمع أنفاسه ويوالي الانقضاض على شعبه.

ولا يقال هذا من قبيل التزكية السياسيّة لموقف جذريّ ما حيال ما يحصل في سوريّا، بل يقال بأسى وحزن لأنّ فرصاً كثيرة للتسوية قد ضاعت بسبب تعنّت النظام المذكور، وقد كان في وسعها إيقاف الكارثة عند حدّ ما.

فهذه، في آخر المطاف، عصابة استئثار لا تساوم ولم تساوم. وفيما يتولّى اعتقال لؤي حسين تظهير هذه الحقيقة مجدّداً، يتردّد أنّ زيارة القياديّ المعارض السابق أحمد معاذ الخطيب إلى موسكو هدفها إطلاق عمليّة تسوويّة جديدة يكون عنوانها هذه المرّة “موسكو 1”. وهي إهانة أخرى للعقل يكمّلها أنّ العلاقات الغربيّة – الروسيّة، وبسبب أوكرانيا، لم تكن من قبل أسوأ ممّا هي الآن.

وغنيّ عن القول إنّ الضجّة التي أثيرت حول مهمّة المبعوث الأمميّ إلى سوريّا ستيفان دي ميستورا ودعوته إلى “حلب أوّلاً” لا تفعل غير رشّ الملح على جرح الإهانة لعقول السوريّين وعقولنا جميعاً.

بطبيعة الحال فهذا كلّه لا يعفي المعارضة السوريّة، أو ما تبقّى منها، من مسؤوليّاتها التي لم ترتفع مرّة إلى مستواها، لا على صعيد المبادرات ولا على صعيد الأفعال. إلاّ أنّ ذلك لا يغيّر شيئاً في الحقيقة المركزيّة التي تفيد أنّ من يعتقل لؤي حسين لا يمكن أن يقدّم شيئاً لمعاذ الخطيب… حتّى لو كان الأخير شيخ جمعة رصيناً ومؤثّراً.

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى