صفحات الناسعلي جازو

مقالين تناولا التعديلات الاخيرة على خدمة العلم في سورية

 

 

 

خدمة العلم التي أخرجها النظام من أدراجه/ أيمن الشوفي

سنوات خدمة العلم الإلزامية في سوريا صعبٌ تفاديها، والتداوي منها يستلزم سنواتٍ أخرى تلي إنهاءها. قدرٌ ليس سهلاً شطبه، وعلى الشباب السوريين المنتمين إلى أسرٍ متوسطة أو فقيرة الدخل تحصين جيوبهم للإنفاق على أنفسهم خلال أشهر خدمتهم الطويلة، ويد الصدفة ترسلُ بهم إلى «مجاهيل» لم يعرفوها قبلاً، تعلّقهم في مداراتٍ لم تكن في حسبانهم: فرقٌ عسكرية لها أرقامٌ كانوا يسمعون بها فصارت لهم، دورةٌ عسكرية تحمل اسم «الاغرار»، تزيد من منزلةِ القلق لديهم، وتحيلهم إلى خرسانةٍ بشرية. لاحقاً يحسّن مستوى الشهادة الدراسية جزئياً من ظروف واشتراطات تلك الخدمة. وتبقى النجاة منها بأقل الأثمان زادَ من يجرّبها، حتى يعيد الهويّة العسكرية من حيث جاءته، ويسّترد هويّته المدنية.

لكن أيّ التعديلاتِ الجديدة على قانون خدمة العلم في سوريا هي من شرّعَ باباً جديداً للتبصّر والجدل؟ أو لمزاولةِ القلق كمهنةٍ رديفةٍ لمهنة الحياة اليومية في سوريا؟

العودة إلى الخدمة

بعدما قوّضت الرغبة الدولية حراك عام 2011 في سوريا، وتقصّدت استبداله التدريجي بنزاعٍ مسلّح أطالت عمره عن قصد، لم تعد حسابات الخدمة العسكرية عند الشباب السوريين هي حسابات عامين مشطوبين من حياتهم، بل صارت حسابات تخصّ الشطب من دفتر الحياة نفسه. صارت تعني الذهاب إلى الموت، وإن بمضامينَ مختلفة.

ليث شاب يعمل موظفاً في إحدى الدوائر المالية، وهو ليس من الذين يستأجرون أحلاماً مفخخة، يكفي أن يعتبر نفسه جزءاً من تقاليد العيش في سوريا. يقول: «أنهيت خدمتي الإلزامية عام 2008، كانت مثل أي خدمةٍ إلزامية أخرى، ثم توظفت لدى الدولة مثل معظم السوريين القادرين على ذلك، وما يقلقني الآن هو احتمال عودتي إلى الحياة العسكرية».

ليث كان يعتقد أن أعوام الحياة العسكرية قد طواها بعنايةٍ في درج مقفل. توظّف لدى الدولة ليرتاح، غير أن التعديلات الأخيرة على قانون خدمة العلم أعادت فتح ذاك الدرج وفتح سواه. صار بالإمكان إنهاء خدمة الموظف الحكومي إن تخلّف عن الالتحاق بالخدمة الاحتياطية، وذلك بقرارٍ من رئيس مجلس الوزراء يبنيه على اقتراحٍ من وزير الدفاع، فالحرب الطويلة في سوريا تحتاج الى «هرموناتٍ» متنوعة تبقيها على قيد الحياة ما أمكن.

الخارجون هم الناجون

تعود أحكام قانون خدمة العلم الحالي في سوريا إلى العام 2007، وقد لحقت بها بعض التعديلات، آخرها خفّض قيمة البدل النقدي للمكلّف بالخدمة الإلزامية وهو خارج القطر من 15 ألف دولار إلى ثمانية آلاف، وتقليص مدّة إقامة المكلّف خارج الأراضي السورية من خمس سنوات إلى أربع.

جمال المقيم في دولة الإمارات أضاف له ذاك التعديل مباهج لا تحصى، ووفّر عليه جني 7 آلاف دولار إضافية لدفع البدل النقدي والبقاء خارج تلك الخدمة. يقول: «أعمل منذ عامين لدى شركة متخصصة بمستحضرات التجميل، وهدفي الأقصى هو جمع قيمة بدل الخدمة الإلزامية. لدي أخ يخدم حالياً وهو قد أنهى خدمته الإلزامية، غير أن الدولة لم تسرّحه بعد كآخرين كثر تحتفظ بهم، وأعلم يقين العلم، حجم معاناتهم، وقلقهم من المجهول».

شقيق جمال يتواصل معه على «فايبر» أو «واتس أب» حال يتسنّى له ذلك، وتحديداً حال يحظى بإجازة مبيتٍ قصيرة، يرسل له صوراً له بذقنٍ غير محلوقة منذ شهر، يقول له نحن في حربٍ لا تنتهي، و«داعش» الدولة الإسلامية في العراق والشام تنمو مثل السرطان.

جمال وهبهُ الحظّ منحة الخروج من محنِ الوطن. لقد تشبّث بآخر تأجيلٍ دراسي حصل عليه من شعبة التجنيد التي يتبعها، وكأنه زورق نجاته الأخير. حالياً لا يفكر بالعودة، وربما لن يفعل ذلك في المدى المنظور. يقول: «من ذا الذي يعود إلى الشقاء برجليه». لم تعد تعنيه خسارة دراسته في كلية الحقوق في جامعة دمشق، ويبقى ما ينغصّه بحق هو مصير شقيقه، وعجزه عن تقديم شيءٍ ملموس يعينه على تبديد قلقهِ ووساوسهِ القاسية حيال ما قد يصيبه.

وحدها الحرب من يستطيع الإفصاح عن وجهه الحقيقي في الداخل السوري المرير بلا خجل، وأن تداهم أيّ وهمٍ يتنبأ بانتهائها الوشيك، أو أن تسمح بحياةٍ مرتّبة فتعيد فتح الأدراج القديمة التي تشاء، ووحدها من يحقّ لها أن تشدّ آذان الجميع، وأن تشير بإصبعها إلى بلدٍ خَرِب، لم يعد أحدٌ يشفق عليه، أو على من تبقّى من قاطنيه.

 

(دمشق)

السفير

 

 

 

فيديو من شاب سوري إلى الأسد.. “بدّي باسبور”/ علي جازو

انقلبت العلاقة بين آلاف الشبّان السوريين ونظام الأسد منذ أكثر من ثلاث سنوات. فالنظام كشف عن حقيقته الهمجية، وتمسّك بأكثر وجوهها بشاعة: القتل والخطف والتهجير والتدمير. فيما تحوّل أيّ شاب سوريّ إلى فردٍ بنفسه، بعد أن كان مجرد شخص “نكرة” و”معزول” بين آلاف من أمثاله.

لهذا يحرص النظام، أكثر من أيّ وقت مضى، على مماثلة الجميع بالجميع. وهنا تتبدّى لامعقوليته إزاء عدم اعتبار الإنسان فرداً قبل أن يكون تابعاً لأحد، ومواطناً قبل أن يكون معارضاً أو موالياً، وصاحب حقّ طبيعي قبل أن يكون محلّ جدل سياسي أو أخلاقي، فيما إذا توافرت في الأصل شروط معقولة وبديهية لخوض جدل كهذا.

من السوريين من فقد أحلامه كلّها، ولم يعد يأمل بغدٍ أفضل، بعدما حاصره ضغط الشأن اليومي والحاجات الملحّة من كلّ صوب، وبات حلم الرجوع إلى البلد بالنسبة إليه أمراً مؤجّلاً إلى أَمَدٍ غير معلوم.

لكنّ هؤلاء يُعتَبَرون سوريين من وجهة نظر قانونية، ولم تزل وثائقهم الرسمية وشهاداتهم، وأيّ أوراق تثبت ملكاً لهم أو سمة قانونية، مرهونة ومعتقلة لدى مؤسسات تابعة للنظام السوري، سواء داخل سورية أو خارجها.

يُظهِر الفيديو المرفق مطلباً بسيطاً: الحصول على جواز سفر، أو تجديد جواز سفر موجود. ويخاطب الشاب بشّار الأسد باللهجة العامية الشامية، قائلاً إنّه يمثّل نفسه، ومن خلاله ينقل حال عموم السوريين خارج سورية “تركنا البلد، وهاد الفيديو فشّة خلق، يستر على أختك”.

بشار الأسد هنا موظف يعوق حصول مواطن سوري عادي على جواز سفر عادي “لسنا أغنياء”، يكرّر الشاب أكثر من مرّة، ساخراً من الأسد، بعدما أصدر قانوناً يخفّض بدل الخدمة العسكرية من خمسة عشر ألفاً إلى ثمانية آلاف دولار أميركي.

ويسأله من جديد إن كان قد قام بجولة على صفحات الفيسبوك والتويتر كي يرى حال السوريين “ما تشوفنا هيك، نحنا شعب بنحبّ الفَشْوَرَة (التظاهر بالثراء)، حقّ سندويشة ما معنا، وين عايش إنتَ، ما عندك عيون، ما عم تطلّع حواليك، ما عم تشوف، ما معنا مصاري. ما عاد بدنا شي، بسّ جدّدلنا الباسبورتات”.

هكذا بات جواز السفر السوري الصلة الوحيدة لهذا الشاب مع بلده. وحتّى هذه الصلة باتت في طور البتر على يد جزّار دمشق.

 

رسالة من شاب سوري مغترب إلى بشار الأسد بمناسبة مرسوم ” بدل العسكرية ” الجديد

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى