صفحات الناس

مقالين عن الفيلم الوثائقي “الدولة الإسلامية – الخلافة”

 

 

من قلب “الخلافة”/ نغم أسعد

كثرت التقارير الصحافية الأجنبية والعربية حول “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، لكنّ أياً منها لم يستطع أن يتغلغل داخل صفوف التنظيم لينقل الصورة الواقعية، الأكثر مرارة ووحشية، كما فعل الصحافي والمخرج الوثائقي البريطاني الفلسطيني الأصل مدين ديريه في فيلم وثائقي استقصائي من 5 أجزاء بعنوان “الدولة الإسلامية – الخلافة” لصالح شبكة “فايس نيوز” الدولية.

ثلاثة أسابيع كانت كافية ليتمكّن ديريه من دخول أراضي “الدولة الإسلامية”، في خطوة نادرة غير مسبوقة، زار خلالها معقل “الخلافة” الرئيسي في الرقة، ومناطق مختلفة داخل حدود “الدولة” حتى حدود مدينة القائم في العراق، حيث كان شاهداً على ما أسمته “الخلافة” “عملية إزالة حدود اتفاق سايكس بيكو” بين العراق وسوريا. وقابل السكان الذين يعبرون الحدود من دون جوازات سفر بعد تدمير نقاط العبور واخلائها من العسكريين والقوات الأمنية.

وزار المحاكم والسجون والمؤسسات العامة والمراكز الإدارية والثقافية والأسواق والمساجد والكنائس وخطوط القتال المتقدمة مع القوات النظامية، كما دخل في تفاصيل حياة المقاتلين ونظرتهم للآخر: النظامين السوري والعراقي، الولايات المتحدة والعالم بأسره.

وصوّر الوثائقي عرضاً عسكرياً كبيراً للقوات المقاتلة التابعة لجيش “الخلافة” في شوارع الرقة، استعرضوا خلاله غنائمهم من القوات العراقية والنظام السوري من دبابات ومدافع ثقيلة وعربات “هامر” وصاروخ “سكود”.

وبين كيف يتوافد المواطنون، ومنهم مجموعات كبيرة من الأطفال والشباب، يومياً إلى المساجد لمبايعة “خليفة المسلمين” أبو بكر البغدادي، في وقت يصل مئات العائلات والأفراد من مختلف دول العالم يومياً للالتحاق بصفوف “الخلافة”، حيث يعرض الفيلم مقابلة مع “عبدالله البلجيكي”، وهو مقاتل من بلجيكا، يعمل على تدريب الأعضاء الجدد في التنظيم.

ويلتحق الأطفال دون الـ 15 عاماً بمعسكر شرعي لمدة 20 يوماً لدراسة العقيدة والدين، وفي عمر الـ15 عاماً يلتحقون بمعسكر عسكري تدريبي لمدة شهر يتدربون خلاله على الأعمال القتالية لينضمّوا بعده إلى صفوف المقاتلين.

ويطبّق رجال “الحسبة”، أي عناصر شرطة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، شريعة “الخلافة”، حيث يقومون بدوريات على الأسواق والمحال التجارية لمراقبة مدى التزام السكان بالقوانين الصارمة التي أصدرتها من منع التدخين وبيع السجائر والمشروبات الروحية والأغاني والموسيقى وفرض النقاب على النساء.

ولا تتمّ عمليات الإعدام والصلب إلا تنفيذاً لقرار من “المحكمة الإسلامية”، ويُشرف على عمليات الإعدام قضاة ولجان عدلية اختصاصية وتصدر الاحكام هذه بحقّ من ارتكب مخالفات كبيرة مثل القتل والاغتصاب. وعرض الفيلم مشهداً لرجل تمّ صلبه وعرضه في أحد الشوارع بتهمة القتل.

وأنشأت “الخلافة” “المحكمة الإسلامية” التي تقوم بالفصل في القضايا العدلية والقضائية وإصدار الأحكام، كما أقامت ديوان المظالم الذي يقوم بالنظر بالشكاوى المرفوعة من المواطنين ضد عناصر “الدولة ” وديوان “أهل الذمة” الذي يقوم برعاية شؤون المسيحيين القانونية والقضائية والعدلية. ويشير الفيلم إلى أن “الدولة” لم توفّر الشيعة كما المسيحيين من الاضطهاد والعقاب، وفرضت “الخلافة” الجزية على المسيحيين، كما دمّروا الكنائس في الرقّة وحوّلوها إلى “مراكز إسلامية”.

وشهد الصحافي على المعارك التي شهدتها الحدود السورية العراقية، والتي انتهت بدخول عناصر “داعش” الأراضي العراقية بعد إجبارها الجيش العراقي على التراجع وفتح الحدود، فيما يستمر زحف مقاتلي “داعش” باتجاه الداخل العراقي مخلّفاً المزيد من النازحين المسيحيين من الموصل و”الإيزيديين” من سنجار.

وهكذا باتت “الدولة الإسلامية” تسيطر على 35 في المئة من الأراضي السورية بما في ذلك معظم مكامن النفط، وجزء كبير من المناطق السنيّة العراقية على الحدود السورية. وتشير بعض التقديرات إلى أن “الخلافة” تسيطر على 35 ألف ميل مربع من الأراضي العراقية والسورية، أي ما يعادل مساحة الأردن.

يُذكر أن “فايس نيوز” منظمة إخبارية دولية تقدّم أفلاماً وثائقية ومعلومات “تصوّر الواقع كما هو”، ونالت انتاجاتها جوائز تقديرية. وسبق لها أن أعدت فيلماً وثائقياً، بعنوان “أمراء الحرب في طرابلس”، يستعرض الأوضاع بين جبل محسن والتبانة على مدى 32 دقيقة.

السفير

 

 

 

وثائقيّ “نشر الخلافة”: البغدادي مونتسكيو عصره؟/ نذير رضا

ليست “الدولة الإسلامية” دولة ميليشياوية. ولا تُقاد بنزعة شخصانية. هي “دولة” بالمعنى الإداري والسياسي، ولو اختلفت أسس تشريعها. بإمكان خليفتها أبو بكر البغدادي أن يتنصل من مبادئ مونتسكيو، وجان جاك روسو، وينتهي بتأسيس دولة “عدل” و”إنجازات” و”فصل السلطات”.. ودولة سياحية أيضاً! هذا ما يحاول المخرج الوثائقي البريطاني الفلسطيني، مدين ديرية، تصويره في الفيلم الوثائقي “نشر الخلافة: الدولة الإسلامية”، متحدياً ذاكرتنا وخوفنا وقلقنا… ليصور الذئب صديقاً ودوداً للغنم.

لا جدال في أن ديرية، أول مخرج يدخل معقل “الدولة”، ويقيم فيها ثلاثة أسابيع بلا أي محاذير سياسية، ولا إنتهاكات. دخل الرقة، وخرج بوثائقيّ، هو الأول من نوعه منذ إعلان الخلافة. لم يتعرّض لاضطهاد. لم يُقتل. لم يُخطف. لم تُطلب فدية لقاء الإفراج عنه، كما الصحافيين الفرنسيين الأربعة قبل أشهر قليلة. سجل وثائقي، وبدأ بعرضه على أجزاء. أولهما صادم. ثانيهما مدهش. والأجراء الأخرى منتظرة.. بفارغ الصبر.

كيف إستطاع ديرية أن يفلت من تنظيم “داعش” وبطشه وسكينه ومقصلته؟ أول الأسئلة التي تتبادر الى الذهن. أسئلة مشروعة، تصل الى اختبار الحيادية المزعومة. حيادي وخرج سليماً من الرقة؟ إنها مفارقة كبيرة، خصوصاً أنه مراسل منظمة “فايس نيوز” المعروفة بأنها أميركية، وينتشر مراسلون لها في مناطق النزاعات حول العالم، من افريقيا الى الشرق الوسط ولبنان ومعاقل الجهاديين… حيث لا يجرؤ أحد على الدخول. وكيف يمكن أن يكون حيادياً، وهو يتجول الى جانب المسؤول الإعلامي للتنظيم “ابو موسى”؟!

تحاول منظمة “فايس” تبرير وجوده، وتأكيد حياديته. تقول مساعدة مسؤول برامجها في أوروبا كيفن ساتكليف لـ”هافينغتون بوست”، إن ديرية لم يتمكن من التحرك كيفما شاء خلال أيام تقريبا قضاها في سوريا الشهر الماضي. تضيف: “كان متشددون اسلاميون مدججون بالسلاح دائما في مكان قريب. وعلى الرغم من هذه القيود، نصر على أننا تمكنا من تقديم قصة مقنعة”.

خرج ديرية سالماً. وأخرج معه ما لم يستطع ناشطو “داعش” أنفسهم إخراجه من صور. تبدو هادفة الى تلميع صورة التنظيم. إظهاره على أنه متفوق، وعادل، ولا يجند الأطفال، ويحترم الآخر.. كما يتفاوض (رغم بطشه) مع المسيحيين الذين يطالبونه بإعادة كنائسهم، مقابل إيقاف تمردهم في دفع الجزية! هل يعني ذلك أن “داعش” ديموقراطي؟ قد يكون كذلك. وعليه يخرج السؤال: من أين جاءت كل تلك الصور المرعبة عن التنظيم، التي بثها بنفسه في السابق؟ هل كانت لعبة فيديو فقط لا غير؟

شؤون “الدولة” وأمور المواطنين تُدار بشكل دقيق. صحيح. كذلك تُوزع المهام على لجان مؤسساتية اختيرت بمهنية شملت على كفاءات وكوادر فاعلة مدربة ومنظمة من جنسيات مختلفة شكلت إدارة الدولة ومقوماتها وعلاقاتها مع السكان. تلك أبرز مؤشرات الدولة التي رصدها التقرير، ويعرفها المتابعون لشؤونها. كذلك القضاء في التنظيم، الذي غالباً ما يصدر أحكاماً تنتهي بالقتل وقطع الأيدي.. وهو ما لم يقله التقرير!

تستحق كل صورة في الفيديو، المناقشة، وسنناقشها في مقالات لاحقة، نظراً لمضامينها التي تبدو كأنها محاولة لتلميع صورة التنظيم بلغات أجنبية. وعلى الأرجح، خضع العمل لعملية رقابة قاسية، أبقت على الصور، وألغت النصوص المرافقة، أو بدّلت فيها، عملاً بنظام الرقابة على الناشطين الإعلاميين الذي أطلقته “داعش” في مناطق سيطرتها. ولا يمكن إستبعاد فكرة التدخل من الفيديو، لأن ما أظهره، مثل القول إن “مجموعات كبيرة من الأطفال والشباب بايعوا البغدادي في الوقت الذي يصل أراضي الدولة الاسلامية مئات العائلات والأفراد من مختلف دول العالم يومياً”، هو مبالغة منافية للحقيقة، إذا ما اقتُرنت بالإشارة الى أعمال الترهيب.

ولم تظهر أدنى عبارة تشير الى ذلك. هل باتت الحياة في دولة “داعش” وردية إلى هذا الحدّ؟ لا. فالوثائقي، لا يمكن فصله عن إستراتيجية “داعش” الإعلامية، وإطلالتها على مختلف حضارات العالم بمخاطبتهم بلغتين على الأقل. العربية والإنكليزية. وقد يكون الفيديو جزءاً من هذه الحملة، عن قصد أو غير قصد، ترهيباً أو مماهاة بدولة الخليفة. صحيح أنه سبق إعلامي، كما أكدت المنظمة، لكنه في الوقت نفسه، تحايل على الذاكرة.. على الصورة اليومية.. على الأنباء العاجلة من العراق وسوريا. وتزداد الشكوك حول تدخل “الدولة” ورقابتها في النصوص، إذا ما نظرنا الى ممارساتها الأخيرة بحق الإعلاميين.

لم تقدم “فايس” في تجربتها، وثائقياً شبيهاً. ففي وثائقي نشرته قبل فترة وجيزة عن سوق بيع السلاح في لبنان، أظهرت حقيقة الحرب العبثية. إنتزعت تصاريح مربكة، ومتضاربة. تماماً مثل ما تنقله في وثائقيات عن النزاعات الإفريقية. وقبلها عن حرب السنتين في لبنان. ويبدو أن التنظيمات الجهادية، بصورتها المرعبة، إستطاعت التأثير على أداء ديرية الذي يسجل له الدخول الى الرقة، كأول صحافي بعد خروج جميع الصحافيين منها (باستثناء ياباني دخل الإسلام) جراء الإضطهاد.

وليس الوثائقي الأخير، إلا سلسلة من مجموعة أفلام وثائقية مشغولة باحتراف، أنجرها ديرية، آخرها “سوريا وطن القاعدة الجديد”، والذي أعدّ لصالح “فايس” مطلع العام الحالي. فالمخرج الفلسطيني، عمل مراسلاً حربياً في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وفلسطين، الى جانب تغطية النزاع الكردي – التركي على حدود العراق الشمالية. وسيكون الفيديو جزءاً من سلسلة يعدها عن الثورة السورية والحركات الجهادية.

المدن

 

The Spread of the Caliphate: The Islamic State (Part 1)

 

Grooming Children for Jihad: The Islamic State (Part 2)

 

Enforcing Sharia in Raqqa: The Islamic State (Part 3)

 

Christians in the Caliphate: The Islamic State (Part 4)

 

Bulldozing the Border Between Iraq and Syria: The Islamic State (Part 5)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى