صفحات الثقافة

مقطع من رواية «الضفادع» للصيني مو يان (نوبل الآداب 2012)


حالما تصيبهم الشهرة يتحولون إلى أحصنة هرمة

ترجمة فوزي محيدلي

عليّ الاعتراف انني رغم عدم إعلاني الأمر أمام الآخرين، إلا أني كنت شخصياً معارضاً لخطط عمتي بخصوص الزواج. شاركني مشاعري هذه والدي فضلاً عن أشقائي وزوجاتهم. لم ينطوِ الأمر على ملاءمة بين الشخصين في نظرنا. منذ يفاعتنا ونحن نتطلع إلى الأمام لتجد العمة زوجاً لها. علاقتها بوانغ كزياوتي عادت بمجد كبير على العائلة، لكن لينتهي الأمر بشكل شائن. كان وانغ لين هو التالي. ورغم أنه لم يكن يرق إلى الشريك المثالي الذي كان لوانغ كزياوتي يمثله، إلا انه كان بالمقابل موظفاً حكومياً، وهذا ما جعله مرشحاً مقبولاً للزواج بحق جهنم. كان بمقدورها أن تتزوج كي هي الذي شغف بها حتى استحوذت على كامل تفكيره، ولكان أفضل لها من أن تكون لهاو داشو… كنا بدأنا نعتقد انها ستنتهي عانساً عجوزاً وأنها تدبرت لنفسها ما يناسبها من خطط. كما وأننا كنّا ناقشنا من سيعتني بها حين تبلغ الشيخوخة. لكن عندها، ومن دون مقدمات دالة، تزوجت هاو داشو. «الأسد الصغير» وأنا كنا نعيش في بكين يومها، وحين سمعنا الخبر، بالكاد صدقناه. حين تهادت الحقيقة غير المعقولة، كان الحزن قد تملكنا.

بعد سنوات ظهرت العمة في برنامج تلفزيوني بعنوان «طفل القمر» الذي كان يفترض أنه عن النحات هاو داشو، لكن الكاميرا كانت دائماً موجهة إليها، متحدثة وملوحة بيديها وهي تستقبل الصحافيين إلى باحة هاو ومن ثم تأخذهم في جولة داخل محترفه الفني وكذلك داخل الغرفة حيث يحتفظ بأشكاله الطينية الصغيرة جميعها، فيما كان هو جالساً بكل هدوء على مقعد الشغل، وعيناه لا تتحركان ونظرة خالية من التعبير على وجهه، مثل حصان عجوز حالم. هل يتحول كل الفنانين المكرسين إلى أحصنة هرمة حالمة عندما تصيبهم الشهرة؟ تساءلتُ بيني وبين نفسي. راح اسم هاو داشو يرن قوياً في أذني، مع انني لم ألتقِ به سوى بضع مرات. بعد أن رأيته في وقت متأخر ليلة إقامة زيانغوان، ابن أخي، عشاء للاحتفال بقبوله كطيار؟ مرت سنوات قبل أن أراه ثانية، وهذه المرة على التلفزيون. كان شعره ولحيته قد مالا إلى الشيب لكن بشرته متوردة كالمعتاد. تبعاً لرباطة جأشه وهدوئه بدا كائناً يتجاوز الوجود. من خلال ذاك البرنامج التلفزيوني علمنا لماذا تزوجت العمة هاو داشو.

أشعلت عمتي سيجارة، سحبت نفساً عميقاً منها، وبدأت تتكلم فيما راح الحزن يزحف إلى صوتها. «الزيجات»، قالت، «تصنع في السماء. قولي هذا لا يعني أني أروّج للمثالية لديكم أيها الشبان، فقد مر يوم كنت فيه مؤمنة متحمسة بالمادية كنظرية، لكن فيما خص الزواج، عليكم الوثوق بالقدر. إسألوه هو «قالت وهي تشير إلى هاو داشو» أتعتقدون انه حلم يوماً في أن أصير زوجته؟».

«في عام 1997، حين كنت في الستين»، قالت، «طلب مني رؤسائي التقاعد، سواء رغبت بذلك أم لا، كانت قد مضت خمس سنوات أساساً على سن تقاعدي، ولم يكن ما قد أقوله سيغير شيئاً. انه شخص معروف، مدير المستشفى، ذاك الوغد الجاحد هيانغ جان، ابن هيانغ بي من قرية هكسي. من تعتقدون أخرج ذلك القذارة الصغيرة لقّبوه البطيخة هيانغ من بطن أمه؟ حسناً، لقد أمضى عدداً من الأيام يتعلم في كلية للطب، وحين تخرج ظل غبياً كيوم دخوله الكلية، لم يستطع ايجاد شريان لإدخال إبرة حقنة ولم يستطع تحديد مكان القلب بواسطة السماعة، ولم يكن قد سمع بعد تعابير «بوصة»، وغيرها أثناء قياس نبض المريض. لذا من الأفضل منه لتعيينه كمدير للمستشفى!! قُبِلَ في الكلية بفضل توصيتي الشخصية إلى مدير مكتب الصحة السيد شين. وكان نصيبي ان يتجاهلني حين تسلم المسؤولية. لهذا المخلوق البائس مواهب محدودة: أداء دور المضيف، توزيع الهدايا، لحس المؤخرة كانتهازي وإغواء النساء».

عند هذه النقطة قامت العمة بالضرب على صدرها بيدها وعلى الأرض بقدمها. «يا لي من حمقاء»، قالت حانقة، «سمحت للذئب بدخول عتبة البيت. سهلت عليه ايجاد الدرب إلى كل بنات المستشفى كان هناك وانغ كزياوتي، فتاة في السابعة عشرة من قرية وانغ، تتمتع بجدائل كثيفة وناعمة، ووجه بيضاوي جميل، وبشرة عاجية اللون. أما أهدابها فتتراقصان كأجنحة الفراشة، وعيناها تكادان تتكلمان، وكل من يراها يؤمن أنه في حال وقعت عينا المخرج زانغ ييمو عليها، ستكون سلعة أكثر إثارة مما كانته كل من غونغ لي أو زانغ زيي. إلا انه ولسوء الحظ تمكن شيطان الجنس ميلون هيوانغ من اكتشافها قبل غيره. أسرع إلى قرية وانغ حيث وبلسانه الذرب الذي بمقدوره إعادة الموتى من القبر، تكلم مع والدي إكزايومي لإرسالها إلى مستشفاه لتتعلم مني أنا كيفية معالجة مشاكل النساء. قال لهما إنها ستكون تلميذتي أنا لكنها لم تمض يوماً واحداً معي. بالمقابل أبقاها الداعر لنفسه كرفيقة يومية نهاراً وعشيقة في الليل. وإذا لم يكن ذلك كافياً فإنه كان يخرجها من المستشفى خلال النهار وقد رآهما الناس سوية. ولما شبع منها ذات مرة ذهب إلى عاصمة المقاطعة، حيث أقام مآدب لمسؤولين كبار، مسؤولين عن الموارد المالية، على أمل أن يُنقل إلى مدينة كبيرة. الأرجح انه لم تقع عيناك على ما يشبه منظره: وجه طويل كحمار مع شفتين داكنتين، ولثّة دموية المظهر، وأنفاس سامة. حتى مع وجه كهذا تصوّر ان بمقدوره امتلاك الفرصة ليصبح مساعد المدير في «مكتب الصحة» وقد عمد مراراً إلى جر وانغ إكزايومي لتنادم شرباً ومأكلاً الرسميين وتدخل البهجة إلى نفوس أولئك الموظفين الرسميين، ويرجح انه قدمها لهم أيضاً كعطية من أجل ملذاتهم. الشر هو. هذا ما كانه، الشر الكامل!

«ذات يوم دعاني هذا البائس الحقير إلى مكتبه. النساء الأخريات اللواتي كن يعملن في المستشفى شعرن بالخوف من التواجد في مكتبه، لكن ليس أنا. تدبرت أمر جعل خنجر في متناولي، ولم أنوِ التردد في استخدامه ضد اللعين. حسناً، قام بسكب الشاي، ابتسم، وقدمه كثيفاً». «فيم أردت رؤيتي أيها المدير هيوانغ؟ أدخل مباشرة في الموضوع». هيه، هيه، إفترّ ثغره عن ابتسامة عريضة «يا العمة الكبيرة» ليلعنني الله إذا كنت أكذب بأنه ناداني «يا العمة الكبيرة» «أنتِ ولّدتني يوم خروجي من بطن أمي، وشاهدتني أتقدم نحو البلوغ. يا إلهي، كان يمكن أن أكون ابنكِ. هيه هيه… «لا أستأهل هذا الشرف»، قلت له «أنت مدير مستشفى كبير، في حين أني مساعدة طبيب. لو كنت ابني لمت أنا وهذا من التشريف. لذا، أرجوك، ماذا يدور في ذهنك؟ المزيد من هيه هيه هيه، قبل أن يلتف في الكلام ليكشف السبب الوقح الذي استدعاني من أجله.

«اقترفت الغلطة التي يأتيها كل الكادر القيادي عاجلاً أم آجلا عبر إهمالي صارت وانغ كزياومي حاملاً». «تهانينا!» قلت له «بما أن كزياومي تحمل بذرة التنين خاصتك، فقد ضمنا للمستشفى ديمومة القيادة». لا تهزئي بي، أيتها العمة الكبيرة، لقد مضت عليّ الأيام الأخيرة متكدراً إلى أبعد الحدود بشكل لم أذق طعم النوم أو الطعام؟» من يصدق أن هذا اللعين يقول حقاً انه يجد صعوبة في المأكل والنوم؟» طلبت مني أن أطلق زوجتي وإذا لم أفعل فإنها تهدد برفع أمري إلى لجنة التأديب في المقاطعة».

«حقاً؟» تساءلتُ «تبادر إلى ذهني أن وجود زوجة ثانية أمر شائع بينكم أيها الموظفون الكبار هذه الأيام. اشتر فيلا، أسكنها فيها، وتكون تدبرت الأمر». «طلبتُ منكِ ألا تهزئي بي، «يا العمة الكبيرة»، قال لها لا يمكنني أن أظهر إلى العلن برفقة زوجة ثانية أو ثالثة حتى ولو كان بحوزتي المال لشراء فيلا. «إذن، هيا أقدم واحصل على الطلاق»، قلت له. مطّ وجه الحمار، المرتسم على محياه، أكثر من أي وقت آخر وقال، «يا العمة الكبيرة» أنت تدركين جيداً أن والد زوجتي وأشقاءها الجزارين إنما هم سفاحون عنيفون، لن تبقى لي حياة إذا علموا بهذا الذي جرى». «لكنك المدير، موظف رسمي كبير!». «على رسلكِ، يا العمة الكبيرة، هذا يكفي. أنا أعلم واقعاً انه بنظرك مدير مستشفى في بلدة غير مهمة هو بالقدر ذاته لضرطة عالية الصوت، لذا بدلاً من السخرية مني، لماذا لا تساعديني بالخروج من الورطة؟» «ما الذي أستطيعه من أجلك ولا أقدم عليه؟» «أخبرتني وانغ كزياومي انها معجبة بك»، رد عليها «قالت لي ذلك مرات عدة. أنتِ الشخص الوحيد الذي تصغي هي إليه».

«ما الذي تريدني أن أفعله؟» «كلميها لتجري إجهاضاً».

يا هيوانغ الشمامة، «احتجيت بالشد على أسناني». «لن أقدم ثانية على تلويث يدي بذلك العمل الشنيع! على مدار حياتي كنت مسؤولة عن أكثر من ألفي عملية إجهاض، ولن أفعل ذلك ثانية. انتظرها، لتغدو والداً لطفلها، كزياومي فتاة جميلة، والمرجح أنها ستعطيك صبياً أو بنتاً جميلة، وهذا يجب أن يجعلك سعيداً. هيا، اذهب وقل لها إنه عندما يحين الوقت سأكون موجودة لأولّد الطفل».

مع قولي هذا استدرتُ ثم خرجتُ من المكتب مسرورة من نفسي. لكن ذلك الشعور لم يدم إلا حتى عودتي الى مكتبي وشربي كوب ماء. غدا مزاجي عكراً. ليس ثمة من هو بسوء الشمامة هيوانغ ويستأهل أن يكون له وريث، ويا للعار أن كزياومي كانت حبلى بطفله. علّمتني عملية توليد كل أولئك الأطفال أن جوهر الشخص سواء كان جيداً أم عاطلاً تحدده طبيعته أكثر من تربيته. يمكن انتقاد قوانين الوراثة كما يشاء الشخص، لكن ما أقوله هو معرفة مستندة الى التجربة. بالإمكان وضع إبن من ذاك الشرير الشمامة هيوانغ في معبد بوذي، وسيكبر ليغدو راهباً داعراً. بمعزل عن شعوري بالأسف تجاه وانغ كزياومي أو عدم استعدادي لزرع بعض الأفكار في رأسها بخصوص الموقف، لم يكن بمقدوري السماح لذاك الشيطان الرجيم أن يعثر على مخرج من محنته. إذا كان مقدراً للعالم أن يكون لديه راهب داعر آخر، ليكن ذلك.

لكن حتى كزياومي نفسها جاءت إليّ، لفّت ذراعيها حول ساقيّ، ولوّثت سروالي بدموعها وسيلان أنفها. «يا العمة»، راحت تنشج، «يا العمة العزيزة، لقد خدعني، كذّب عليّ. لا أريد الزواج من ذاك الوغد اللعين حتى لو أرسل لي محفة يحملها ثمانية رجال. ساعديني في تنفيذ الأمر، يا العمة، لا أريد تلك البذرة الشريرة في داخلي».

«على هذا النحو جرى الأمر بالتمام». أشعلت العمة سيجارة ثانية ونفثت الدخان بشدة حتى لم أعد أستطيع رؤية وجهها من الدخان. «ساعدتها في التخلص من جنينها. ذات يوم كانت وردة توشك أن تتفتح، الآن صارت وانغ كزايومي إمرأة محطمة، طريحة الأرض». اقتربت العمة منها وكفكفت دموعها. «أقسمت ألا أفعل ذلك الإجراء ثانية، لم أعد أقدر على تقبّله، ولا لأي شخص. ولا حتى لإمرأة تحمل جنيناً لشمبانزي. لن أفعل ذلك»…

أنت على حق في أني استطرد خلال حديثي أنا عجوز. بعد كل تلك الثرثرة، لم أخبرك بسبب زواجي من هاو داشو. حسناً، كنتُ قد أعلنتُ تقاعدي في اليوم الخامس من الشهر القمري، لكن ذاك اللعين الشمامة هيوانغ شاء إبقائي في المستشفى مع الطلب مني بإلحاح أن أتقاعد شكلياً لكن مع بقائي في جدول القبض براتب مقداره ثمانمئة يوان شهرياً. بصقت في وجهه، «لقد عملتُ كالعبدة طويلاً لديك، أيها اللعين. عليك أن تشكرني لكل ثمانية من كل عشرة يوان حصّلته المستشفى طوال تلك السنوات، حين تأتي النساء والبنات من كل الأرجاء الى هنا، فإنهن يأتين لمقابلتي. لو كان المال هو غايتي، لحصّلتُ ألف يوان يومياً على أقل تعديل. أتعتقد أن بمقدورك شراء جهدي مقابل ثمانمئة شهرياً، يا هيوانغ الشمامة؟ عامِلة مهاجرة تستحق أكثر من ذلك المبلغ.

لقد كددت كالعبدة نصف سنوات عمري، وآن الأوان الآن لكي أرتاح، لأعود الى دياري شمال شرق بلدة غاومي». إستاء مني وأمضى القسم الأكبر من السنتين الأخيرتين وهو يحاول أن يجعلني أعاني. أنا، أعاني؟ أنا إمرأة، مرتْ بالكثير. عندما كنت فتاة صغيرة لم أعرف الفزع من الشياطين اليابانيين، لذا ما الذي جعله يعتقد أنني خائفة من لعين تافه مثله الآن وقد غدوت في سبعينات عمري؟ كلام صحيح، كلام صحيح، لنعد الآن الى ما كنتُ أقوله.

«إذا أردتَ أن تعرف لماذا تزوجتُ من هاو داشو، عليّ عندها البدء بالضفادع. إجتمع عدد من الأصدقاء المحبين لتناول العشاء معاً في الليلة التي أعلنتُ فيها تقاعدي، وانتهى بي الأمر بأن سكِرتُ لم أشرب الكثير، أقل من زبدية، لكن الشراب كان من النوع الرخيص. ومن أجل تكريمي، قام إبن صاحب المطعم بتناول زجاجة من النوع الفاخر القوي لكنها كانت مغشوشة، وراح رأسي يدور وأنا أترنّح. وسرعان ما راح الجميع يترنّحون، وخرج الزبد من فم ابن المطعم حتى دارت عيناه متدحرجة صوب الأعلى».

قالت العمة أنها خرجت متمايلة من المطعم وقصدت مباشرة مهجع المستشفى، لكنها قبل أن تصل علقت في منطقة محاطة بمستنقع وتخترقها درب ضيقة محاطة من كلا الجانبين بقصب بارتفاع الرأس. أشعة القمر انعكست على الماء التي حولها والتي كانت تومض كما المرآة. نقيق الضفدع والعلجوم أعلن عن نفسه أولاً في أحد الجانبين ومن ثم في الآخر وكان متواتراً كما لدى كورس الترتيلة التجاوبية التناوبية. ثم جاءها النقيق من كل الجوانب في الوقت نفسه، أمواج وأمواج منه تتلاقى لتملأ السماء. فجأة حل صمت كامل، لا يقطعه سوى أصوات الحشرات. قالت العمة أنه طوال عملها في المجال الطبي، مسافرة صعوداً ونزولاً على الدروب البعيدة حتى أوقات متأخرة من الليل، لم تشعر مرة بالخوف. لكن تلك الليلة دهمها الفزع. غالباً ما يتم توصيف نقيق الضفادع ضمن لغة قرع الطبول. لكن تلك الليلة بدا لها النقيق أشبه بصراخ إنساني، وكأن آلاف المواليد الجدد يبكون. كان ذاك بالنسبة إليها على الدوام واحداً من الأصوات الأثيرة الى قلبها. بالنسبة لعاملة في مجال التوليد لا شيء في العالم يضاهي الموسيقى المحركة للروح المنبعثة من بكاء مولود جديد. الشراب الذي تجرعته تلك الليلة جعل جسمها أقرب الى إفراز العرق البارد. «لا تفترض أني سكرتُ ورحت أهلوس، لأنه حالما خرج الشراب نزاً عبر مسامي، تاركاً إياي مع صداع بسيط، عاد ذهني الى الصفاء». وفيما هي تسير فوق الدرب الموحل، كل ما كانت تتمناه الهروب من ذاك النقيق. لكن كيف ذلك؟ مهما حاولت الابتعاد جاهدة فإن أصوات النقيق التي يقشعر لها البدن والموحية ببكاء محزون أحاطتها من كل الجهات. حاولت الركض، لكن لم تستطع. السطح اللزج للدرب علق بنعلي حذائها، وبدا عملاً مجهداً حتى رفع قدم والإفلات من الخيطان الفضية التي تربط حذائها بسطح الدرب ولكن ما أن تنزل قدمها، يتشكل المزيد من الخيطان. لذا قررت نزع حذائها للسير حافية، لكن ذلك زاد من إحكام قبضة الطين على قدميها. هنا رأت العمة، حسب قولها، إنزال يديها وركبتيها على الأرض، كما ضفدع ضخم، وبدأت تدب على الطين. بالطبع راح الطين يعلق بركبتيها ويديها، لكنها لم تكترث بل تابعت الدبيب. في تلك اللحظة، حسبما تتذكر، قفز عدد لا يحصى من الضفادع من بين الستار الكثيف للقصب ومن بين إضمامات الزنبق التي كانت تومض تحت ضوء القمر.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى