صفحات العالم

مكابرة نظام ينازع


سناء الجاك

تفيد الوقائع ان النظام السوري وقّع بروتوكول الجامعة العربية القاضي بإرسال بعثة تتحقق من كل ما ارتكبه خلال الاشهر العشرة المنصرمة وبالنص الواضح الذي يشير الى الشبّيحة والضحايا والمعتقلين ومخيمات اللجوء وكل ما يرتبط بالثورة واحوالها، على ان تتعهد الحكومة السورية تقديم كل التسهيلات والسماح بإدخال المعدات الفنية اللازمة والعمل على توفير الحرية الكاملة للبعثة لزيارة السجون والمعتقلات ومراكز الشرطة والمستشفيات، وفي الوقت الذي تحدده البعثة، مع ضمان عدم معاقبة أي شخص وأفراد أسرته أو مضايقتهم أو إحراجهم، لتواصلهم مع البعثة أو تقديم شهادات ومعلومات لها.

هذا بعض ما ورد في الوقائع، لكن في التحليلات والمكابرة قراءة أخرى، فأدوات العصابة الحاكمة في سوريا من محللين ومخبرين، يتباهون بأن النظام لعب لعبته واحرج الجامعة والدول العربية التي تغرق في شبر ماء. السبب ان الانسحاب الاميركي من العراق فتح له جبهته الشرقية ليرتاح في امتداده وتوسعه من طهران الى بيروت، الامر الذي اجبر الامين العام للجامعة نبيل العربي على اجراء مئات الاتصالات وتوسّل الخارجية السورية التوقيع بعد الرضوخ للتعديلات المطلوبة، التي تتعلق باستبدال كلمة المدنيين بالمواطنين.

في انتظار وصول بعثة المراقبين، العمل جار لسيناريوات رديفة تطيل عمر النظام، منها تنظيم المسيرات المؤيدة في كل مكان ينوجد فيه المراقبون، ولا بأس بإخراج مسيرات معارضة مسلحة، وبأكسسوارات “سلفية” على الموضة.

مخبر، ممّن يتصفون بالفطنة وسرعة الخاطر، يصر على وجوب مراقبة المراقبين، بعدما صنّفهم عملاء، تقتصر مهمتهم كما تقضي “المؤامرة” على كشف اسرار النظام النووية وتسليمها الى اسرائيل. كلنا خبرنا الاتهامات الجاهزة التي يمكن ان تصيب أفراداً في البعثة بالتجسس والعمالة والمؤامرة، وربما التحرش بالنساء والقاصرين…

مخبر ثان، ألمعي أكثر من رفاقه، اعتبر ان الادارة الاميركية هي القطبة المخفية، فكشف ان الاميركيين توسلوا الحكومة الروسية لتقنع العصابة الحاكمة بقبول تسوية يجري الاعداد لها في مجلس الامن، ما دفع الجامعة الى الاسراع في التعديلات حتى لا تخرج من المولد بلا حمّص. فالهرب الى الامام هو الورقة الوحيدة الباقية للنظام الغارق في فساده واجرامه واللعب على عامل الزمن، مع تغذيته بالتحليلات والتصريحات المكابرة للتأكيد ان التوقيع انتصار على الجامعة، وتوزيع الادوار لحفظ ماء الوجه يترافق مع الترويج أن الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في الغرب قررت أن تتبع مع سوريا سياسة أخرى تقوم على استنزافها وإرهاقها من مختلف النواحي ولأمدٍ طويل، الا انها صدمت وخذلت عندما اكتشفت ان سوريا مصممة على الدفاع عن نفسها، ولا بأس من الاشارة الى المناورة الصاروخية الناجحة التي اخافت قوى الاستكبار، وأقلقت إسرائيل بسبب ردود الفعل السورية ومعها أطراف محور الممانعة.

قمة المكابرة وعرض العضلات، في الاستعانة بتقارير إعلامية تتحدث عن إقامة جسر جوي تركي- قطري لنقل المتطوعين من “القاعدة” والأسلحة من ليبيا إلى تركيا للقتال. وليست خفية على أحد فاعلية “البعبع السلفي” عندما يحاول طاغية ما تقديم اوراق اعتماد الى المجتمع الدولي.

لكن هذه المكابرة لا تلغي الوقائع التي تُظهر ان النظام وافق على البرتوكول لأنه مأزوم ولأن الروس جلبوا نائب الرئيس السوري فاروق الشرع و”نصحوه” من دون ان يربّتوا كتفه بضرورة التوقيع. العراقيون حملوا رسالة تهديد واضحة بتدويل القضية السورية بعد عودة رئيس حكومتهم نوري المالكي من واشنطن. لذا كان لا بد من التوقيع كمحاولة من النظام الشاطر لشراء الوقت ومنع التدويل. هذا من دون ان نغفل المصادر التي تتحدث عن ان الخلافات وصلت إلى القصر الرئاسي وتمهد لانشقاق في صفوف القوات المسلحة السورية، وما الى ذلك من احداث مرتبطة، منها تجميد العميد مناف طلاس، ابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس لفشله في إخراج أهالي مدينته الرستن من صفوف الثوار، مع الاشارة الى ان الجسم الهائل من مجندي الخدمة الإلزامية وقوات الاحتياط يمثل اليوم “الخاصرة الرخوة” للنظام السوري وقواته المسلحة.

الاهم من البروتوكول وتوقيعه والمجتمع الدولي ومواقفه والروس ومعهم الصينيون، ان الشعب السوري يريد اسقاط نظام العصابة الحاكمة التي توقّع بيد وتقتل وتغتصب باليد الاخرى، وتتابع الكذب على نفسها وعلى الناس، ولا تصدّق ان المكابرة لا تنفع النظام الذي ينازع.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى