صفحات الثقافة

مكارثيّة وتوماسيّة سوريّة

 


زليخة أبو ريشة

لم أصدق عينيَّ عندما قرأتُ خبراً مفاده أن بعض فناني سورية في عالم السينما والتلفاز (بسام كوسا، نجدت أنزور…) قد أعلنوا قائمة سوداء سيُمنَع بموجبها فنانون آخرون من فرص التعاقد مع شركات الإنتاج لأن هؤلاء الآخرين قد انضموا إلى الشعب في مطالباته السلمية للإصلاح وإقامة الحريات والديمقراطية وانتقاد النظام! كان التهديد الذي أعلنه هؤلاء، أو طالبوا بتنفيذه، يتطابق مع ما صار يُعرَفُ بالمكارثية والتوماسية (الأولى نسبة إلى نائب الكونغرس الأميركي جوزيف ريموند مكارثي، والثانية إلى بارنيل توماس، رئيس لجنة النشاطات المعادية لأميركا في مجلس النواب، اللذين دعيا في خمسينات القرن الماضي، إلى اضطهاد شخصيات عامة بتهمة الشيوعية). وكانت هذه التهمة وحدها ومن دون أي دليل، كافية للسجن أوالعزل من المنصب والمقاطعة الاقتصادية.. وقد أجازت المكارثية، التي تخصصت بتنظيف وزارة الخارجية، والتوماسية بتطهير هوليوود –ثم بقية الولايات- “من أعداء أميركا!!”، التنصت على الهواتف ومراقبة البريد والاجتماعات والتحقيق مع الشخصيات والفنانين والنقابات التي كانت تريد إصلاح ظروف العمل والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في أميركا، لا غير.

وكان مكارثي قد ضخَّم أخباراً عن نشاطات شيوعية داخل وزارة الخارجية، فحقَّق مكتبُ التحقيق الفيدرالي مع أكثر من ثلاثة آلاف دبلوماسي. وفصل وزير الخارجية آنئذٍ، مائة شخص تقريباً، كانت غالبيتهم يسارية أو ليبرالية أو نقابية.

ثم بدأ مكارثي سلسلة تحقيقات من داخل الكونغرس، وأرسل لجنة إلى أوروبا لإعداد قائمة سوداء لكتاب وفنانين وأكاديميين، ممن يشتبه أنهم شيوعيون. واتهمت المكارثية، مثلما فعلت قبلها “التوماسية”، هوليوود بأنها إما شيوعية أو تنشر الشيوعية عن طريق أفلامها.

وفي البداية أيدت غالبية الأميركيين الحملة، وذلك لأنها خافت من الخطر كما صُوِّرَ لها. لكن قَلَّ، فيما بعد، التأييدُ لعدة أسباب: أولاً، لأنَّ الشعب اكتشف أن مكارثي لم يكن سوى غوغائي لا يملك أدلة الإدانة. ثانياً، إخفاقه في إثبات وجود “جيش من الشيوعيين والجواسيس” في وزارة الخارجية. ثالثاً، ظهور سياسيين وصحافيين وأكاديميين عندهم شجاعة كافية لينتقدوه، وهو في قمة جبروته.

أما توماس فقد نجح في زرع الفتنة بين مشاهير هوليوود ضد بعضهم، وأقنع وولت ديزني (مؤسس ديزني لاند)، ولويس مايار (مؤسس متروغولدين ماير)، وجاك وارنر (مؤسس شركة وارنر) بأن يشهدوا ضد المشتبه فيهم من الزملاء. وكان توماس يبادر المستجوبين بسؤاله الشهير: “هل أنت عضو، أو كنت عضواً، في الحزب الشيوعي؟” الذي رفض كثير منهم الإجابة عنه، لأنهم رفضوا أن يجرموا أنفسهم وأن يجادلوا في حق التعبير عن آرائهم، فحوكم بعضهم بالسجن، لمجرد الامتناع عن الجواب.

وأثارت الأحكام والتحقيقات عاصفة احتجاج وسط مشاهير هوليوود، منهم: همفري بوغارت، غريغوري بيك، جين كيلي، جيمس ستيوارت، فرانك سيناترا، ريتا هيوارث، آفا غاردنر… وساروا في صف طويل في شوارع واشنطن، ودخلوا مبنى الكونغرس ليعبروا عن احتجاجهم.

وإذ ما أشبه اليوم بالبارحة (!!)، هل سيصل الحال بلجنة بسام كوسا ونجدت أنزور (التي عليها أن لا تنسى مآل مكارثي وموته منبوذاً ومدمناً وهو في سن 48) إلى محاكمة زميلات المهنة وزملائها بتهمة “التآمر مع “جهات خارجية”؟؟ أم أن المعارضة الشريفة ستتمكن من الوصول إلى البرلمان احتجاجاً؟ للوصول إلى صيغة كريمة تحقن دماء السوريين، وتحقق العدالة والديمقراطية في هذا البلد الجميل؟؟

دعونا لا نفقد الأمل…

http://alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/25700.html?sd=0

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى