صفحات سوريةعدي الزعبي

ملاحظات حول هيئة التنسيق: هل صحيح ان الثوار لا يمثلون الشعب السوري؟


عدي الزعبي

أود مناقشة بعض النقاط التي أثارها المعارض السوري هيثم مناع، النقاط متعلّقة بالتمثيل الشعبي، وبالعلاقة مع الإسلاميين.

يرى مناع أن المجلس الوطني مكوّن من ثلاثة تيارات رئيسية، هي التيار الديني، أي الإخوان المسلمون، واليمين الليبرالي، واليمين المتطرف الإسلامي. أما هيئة التنسيق فتمثل الوسط واليسار السوري. يتابع مناع: ‘هدفنا من الاتفاق مع المجلس… هو أن يكون التيار الديمقراطي هو الأكثر بروزاً… نحن لدينا ثقة كاملة في أن التيار الأكثر حداثة وتنوراً في المجلس الوطني سيدافع عن الوثيقة’. يضيف مناع: ‘من في الشارع السوري اليوم أي من يسمى الثوار والثورة لا يمثلون الشعب السوري، لأن الجزء الأساس والأكثر ديناميكية والأكثر جذرية في المطالبة بالتغيير وبناء الديموقراطية تعرض لضربة في الصدر’.

أولاً، أين هو التيار الديمقراطي الأكثر حداثة وتنوراً في المجلس، من بين التيارات الرئيسية الثلاثة؟ يبدو أن ما يريد مناع قوله هو أن هناك تياراً ثانوياً في المجلس، هو التيار الديمقراطي، سوف نراهن عليه. يتفق هذا التحليل مع اتّهام مناع للمجلس منذ تأسيسه بأن الإسلاميين يسيطرون عليه. المشكلة هنا هي في وجود هذا التيار في المجلس، من وجهة نظر مناع. على مناع أن يختار بين طريقين: إما أن يكون لهذا التيار الديمقراطي وجود رئيسي في المجلس، وبالتالي أن يكفّ هو وأقطاب الهيئة عن اتهام المجلس بأنه مجلس الإسلاميين، أو أن لا يسعى للمراهنة على تيار، يراه هو ثانوياً. منذ أشهر، ومناع لم يحسم موقفه في هذه النقطة.

ثانياً، هل تمثّل الهيئة الوسط واليسار السوري؟ في ظل غياب الانتخابات، يبدو أن مناع يريد القول أن الهيئة تسعى لأن تمثّل الوسط واليسار السوري. في هذه الحالة، تستثني الهيئة الإسلاميين. بكل الأحوال، هذا يحتاج إلى توضيح وإعلان صريح. ليس في الأمر خطأ سياسي. يحق للهيئة دعوة اليسار والوسط السوري أن يلتحق بها في هذه الظروف العصيبة. ولكن، في هذه الحال، سوف تكون أفضل طريقة لتوحيد المعارضة هي الحوار مع الإسلاميين في المجلس، بما أن الهيئة تقدّم نفسها على أنها ممثّلة للوسط واليسار السوري. إلا، ونتمنى ألا يكون هذا صحيحاً، إذا كانت الهيئة تريد أن تستثني ‘اليمين’ (كما تسميه) والإسلاميين السوريين من المفاوضات. هنا قد نسأل، لماذا قامت الثورة؟ أليس الهدف هو مشاركة كافة التيارات السورية في الحياة السياسية؟

تطرح هذه النقاط أسئلة جدية حول علاقة الهيئة مع الإسلاميين. ما الذي تريده الهيئة بالضبط منهم؟ وما هو مستقبل وجود الإسلاميين في سوريا، تبعاً لرؤية الهيئة؟ ربما كانت إحدى العلامات الفارقة للثورات العربية هي قبول الإسلاميين بالانتخابات، وقبول العلمانيين لوجود الإسلاميين في الانتخابات. إلا أن الخلاف بين العلمانيين والإسلاميين في سوريا مشتعل قبل سقوط النظام. هذه علامة سوداء في سجل المعارضة. الأهم، كما يبدو، أن المناضلين الميدانيين لا يفكرون، ولا يقبلون، بوجود هكذا صراع إسلامي – علماني يمنعهم من مواصلة عملهم. الصراع الإسلامي – العلماني يحتل مكاناً ثانوياً في العمل الميداني. ربما لأن الجيل الذي يناضل على الأرض لا يرى بأن هكذا صراع يجب أن يعيقنا في معركتنا لبناء سورية حرة.

ثالثاً، يخشى مناع من سيطرة تيارات مذهبية على الثورة، لأن ‘الضربة التي تعرض لها الجزء الأساس في الثورة السورية تمثلت في الاعتقالات واغتيال الكوادر الرئيسية للثورة.’ لذلك فما يسمى بالثوار لا يمثلون الشعب السوري. هنا تحديداً تكمن المشكلة في حديث مناع. بوضوح وبصراحة، بعيداً عن المجلس والهيئة، الثوار على الأرض هم من يمثلون الشعب السوري.

التحذير من مخاطر الاقتتال الطائفي، يدفع البعض، من العلمانيين، إلى التخوّف من الثورة ككل، وإلى التشكيك بالثوار. أو ربما كان التخوف من الإسلاميين، يدفع البعض إلى التشكيك بالثورة، ورؤية مخاطر الاقتتال الطائفي عند كل منعطف. يبدو أن مناع أحد العلمانيين المتخوّفين. كيف نستطيع تفسير كلامه عن العرعور في حديثه مع الحياة، وكأن العرعور الرئيس الخفي للمجلس؟ أو كأن العرعور هو أمير حمص؟ ولماذا هذه المقارنة بين العرعور من جهة وبرهان غليون وصادق جلال العظم من جهة ثانية؟ إذا فهمنا هذه المقارنة، يبدو أن العرعور يختزل وينمذج الحراك الإسلامي بمجمله في سوريا. من هنا، يبدو تخوّف مناع مفهوماً. لكن التخوّف مبني على تعميم ظالم ومرتبط بحقبة سابقة، ترى في الإسلاميين الشر المطلق، وتختار عمداً، كما يفعل نظام دمشق، الوجه الأكثر تشدداً لتقديمه على أنه ممثل الإسلاميين. لماذا لا يتم المقارنة بين غليون والإسلامي هيثم المالح؟ المالح الذي حاوره مناع كما قال. بمقارنة غليون مع المالح، سنجد ما يجمعنا بالتيار الإسلامي. ما يجمعنا مع إسلاميين كالمالح هو النضال لبناء سورية حرة ديمقراطية.

ليس المراد هنا هو الدفاع عن المجلس. لكن طرح أسئلة حول إشكالية قديمة في نظرة جزء من العلمانيين السوريين لتيارات الإسلام السياسي. كان الحديث الذي أدلى به مناع فرصة لمعاينة هذه الإشكالية في إحدى تجلّياتها. يبدو أن التخوف من الإسلاميين، ما زال يسيطر على تفكير جزء من العلمانيين السوريين. هذا التخوّف يربك الثورة ويؤخرها. ليس المطلوب من العلمانيين السوريين أن يقبلوا بمبادئ الإسلام السياسي. لكن المطلوب هو تحويل الصراع معهم إلى صراع سيـــــاسي تحكــــمه الانتخابات والقبول بالآخر. الأستاذ هيثم مناع جاهر بهذا الطرح عدة مرات. ربما كان لظروف المرحلة وللتوتر السائد عذر في التناقضات الواردة أعلاه في حديث مناع.

أود في النهاية أن أسجل تقديري واحترامي لمعظم أعضاء الهيئة ولكفاحهم الطويل والمستمر لبناء سورية حرة.

‘ كاتب من سورية يقيم في بريطانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى