صفحات سورية

ملاحظات على الطرح الفيدرالي في سوريا/ نبراس دلول

 

 

لم يتفاجئ الشارع الشعبي السوري بإعلان حزب الإتحاد الديمقراطي PYD ومنظومته قيام فيدرالية في شمال سوريا وذلك كخطوة أولى نحو الإنفصال عن البلاد. و الذي تفاجئ حقيقةً كان الشارع السياسي وقبله الشارع الأكاديمي وذلك لما للفيدرالية أصول وأسس لم يراعيها حزب الإتحاد الديمقراطي في خطوته أحادية الجانب هذه، ما استرعى الإنتباه إلى الفقر المفاهيمي والفكري والقانوني الذي يعاني منه الحزب، وغياب أي صوت ضمن صفوفه يصحح له كثيراً من تلك الحيثيات والأسس الخاطئة التي يبني دعوته عليها. ولأن القضية هي قضية رأي عام سوري بالدرجة الأولى والأخيرة، لذلك كان لابد من الملاحظات التالية على مايطرحه حزب الإتحاد الديمقراطي ومنظومته، وهي حصيلة الطروحات الرسمية للحزب أو طروحات حاضنته التي يسكت عنها الحزب كعلامة رضا. طبعاً إننا وإذ نضع هذه الملاحظات آملين النظر بها من الجميع، فإن الهدف الأول والأخير ليس الدخول في نقاش سفسطائي، وإنما التوصل إلى قناعات مشتركة تضع لبنةً وتضيف مساهمةً إلى جهود التوصل لسوريا المستقبل كدولة لاتقصي أحداً من أبناءها الأفراد أو الجماعات.

1- بدايةً، من المهم القول أن الفيدرالية (وتعني الإتحادية باللغة العربية) هي أساساً حالة تجميع واتحاد بين دول وكيانات كانت بالأساس مستقلة عن بعضها البعض (الولايات المتحدة الأميركية)، وتتمتع بمساحات واسعة وكثافة سكانية مرتفعة (الهند)، تقوم بالإتحاد فيما بينها طوعياً لتأسيس دولة جديدة تكون فيها عناوين السيادة الرئيسية (الجيش والموازنة  والعلاقات الخارجية) هي من صلاحيات حكومة فيدرالية، على أن تكون للكيانات أو الولايات حرية التصرف في مواردها وإدارة شؤونها الداخلية بعيداً عن المساس بعناوين السيادة الرئيسية تلك، ووفق حالة من التعاون والتنسيق والإستفادة المتبادلة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية.

إذاً من هنا يمكننا تلمس أن الطرح الفيدرالي تاريخياً لم ينشأ لحلحلة مشاكل دولة مركزية موحدة وإنما لحلحلة ضعف دويلات مستقلة عن بعضها البعض. لذلك هذا ينفي ، ولو نظرياً ، مايذهب إليه إعلام حزب الإتحاد الديمقراطي ، وحلفاؤه، وتصريحات مسؤوليه من أن الفيدرالية ستصلح الوضع السوري المتهالك، خصوصاً إذ ما أخذنا بعين الإعتبار أن الدول الفيدرالية في العالم تتمتع بحس عابر لتقسيماتها المحلية وتستخدم الشكل الفيدرالي لتيسير شؤونها لا للتعبير عن نزوع قومي.

2- إن استعمال كلمة الفيدرالية يعني أن الدولة مشكّلة من عدة ولايات لها صلاحيات واسعة بعيداً عن الحكومة المركزية، وهذا ما لاينطبق على سوريا. إذ وعلى الرغم من سنين الحرب الطويلة وماخلفته من دمار وأهوال عظيمة، وعلى الرغم من الشرخ المجتمعي والإقتتال العنيف بين الحكومة المركزية في دمشق وبقية فصائل المعارضة المسلحة التي اقتطعت لنفسها كثير من المناطق السورية إلا أن أحداً منهم ، أي لا الحكومة ولا قوات المعارضة المسلحة، قد طرح مسألة الولايات الفيدرالية، وجميعهم يقولون بسوريا واحدة موحدة مع لا مركزية إدارية فقط. وبما أن الجميع يريدون سوريا موحدة إلا حزب الإتحاد الديمقراطي والأحزاب المتحالفة معه فهذا يعني أننا أمام حالة من منطقة الحكم الذاتي لا الفيدرالية. وهذا أكبر خطأ مفاهيمي/قانوني وقع فيه حزب الإتحاد الديمقراطي. إذ لايجوز أن يسمي مناطق سيطرته بالفيدرالية لأن الفيدرالية تُطلق على الدولة ككل وليس على جزء منها.

3- ليست الأحزاب هي من تحدد شكل الدولة ، أياً كانت قوة هذه الأحزاب وجماهيريتها، وإنما الشعب . فالشعب هو الوحيد المخول بهذا الأمر. من هنا، فإن حزب الإتحاد الديمقراطي وبقية الأحزاب القومية يتلطون وراء شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن كما هو واضح فإن اسمه: حق الشعوب وليس حق الأحزاب!! . إن للحزب ، أي حزب، الحق في أن يرفع ليس فقط شعار الحكم الذاتي لمناطقه وإنما له أيضاً أن يدعو للإنفصال، لكن دوره هنا يتلخص فقط في أن يحشد أنصاره ومحيطه لذلك، لكن لايحق له أن يفرض هذا الأمر على أحد لا على الدولة التي ينتمي إليها ولا على سكان المناطق التي يسيطر عليها عسكريا،ً حتى ولو تحالف مع كل أحزاب المنطقة، لأنهم جميعاً يبقون أحزاب. فمن يقرر هذا الأمر هو الشعب بعد التوصل إلى تفاهم ودي مع الحكم المركزي في الدولة كما حدث في اسكتلندا 2014 على سبيل المثال.

4- إن شكل الدولة بالعموم والمطالبة بحكم ذاتي على الخصوص يحتاجان إلى عمليات سياسية ومجتمعية تُكسبه ” الشرعية والمشروعية”، وهذا كله يحتاج إلى خطوات أساسية تبدأ بإيقاف الحرب السورية والتوصل إلى حل سياسي ينتج عنه حكومة إنتقالية لمدة لاتقل عن عامين ولاتزيد عن خمسة ، يرافق ذلك إنتخاب جمعية تأسيسية تكون أولى مهماتها وضع مشروع  دستور جديد للبلاد يُطرح على الإستفتاء الشعبي العام، ويتضمن المشروع الدستوري عموماً شكل الدولة وفلسفتها الإقتصادية والإجتماعية وسلطاتها وأليات الفصل بينها الخ. وبذلك يكون الحكم الجديد يتمتع بـ ” الشرعية والمشروعية ” مما يتيج له ديمومة طويلة وإجماع شعبي لا أحد يطعن به أو ينقلب عليه. أما إن كان الحكم الجديد يتمتع فقط بالمشروعية ، نتيجة القوة التي يمتلكها، دون الشرعية فإنه دائماً يواجه الثورات عليه والإنقلابات، لأن غياب هذه الشرعية هو دائماً مرتبط بهيمنة الحزب الواحد وفكرة الحزب القائد التي ترفضها جميع شعوب العالم بالفطرة قبل ان تلفظها بالممارسة، علماً أن هذا الأمر واضح منذ الأن في شمال شرق سوريا من خلال كون حزب الإتحاد الديمقراطي يلقى معارضة من شرائح كردية واسعة ومن طيف حزبي مهم لأنه تعبير عن حالة الحزب القائد الذي لايتردد في فرض هويته الأيديولوجية على مايعتبره مؤسسات الإدارة الذاتية.

وبالعودة إلى الأسس والمراحل، ففي هذه المرحلة وكونها ناتجة عن وضع مابعد حرب أهلية، فمن يريد حكماً ذاتياً عليه أن يحصل على تفويض شعبي من المناطق التي يدعي أنه يتحدث باسمها مايستلزم إجراء استفتاء شعبي برقابة ديمقراطية في تلك المناطق، وذلك  حول سؤال واحد: هل تؤيد قيام حكم ذاتي للمنطقة كذا؟ نعم/لا.

في حال فاز الإستفتاء بكلمة نعم عندها يجب أن تحصل في هذه المناطق نفس خطوات إكتساب الشرعية الدستورية المنوه عنها أعلاه فيما يخص الدولة ككل. وهنا يجب الإتفاق بين الحكومة المركزية وبين الحكومة المؤقتة في تلك المناطق على حدود إقليم الحكم الذاتي وفق معايير معينة بعيداً عن معيار التواجد بالقوة العسكرية. وفي الحالة السورية، فإن هذا الموضوع لوحده سيخلق إشكاليات ومناحرات عديدة خصوصاً إذ ما كانت المطالبة بالحكم الذاتي وفق المنطلق القومي (كما هو واضح من خلال فرض إسم روج آفا كردستان، ومن خلال فرض علم بألوان تراثية كردية، وكلا الأمرين يعبران عن منطلق قومي يقصي بقية المكونات من سريان وعرب ويضرب بشعورها بالإنتماء عرض الحائط) فهنا قد تدخل إعتبارات تاريخية وجغرافية وبشرية، قد تفتح الباب على مصراعيه نحو حروب طويلة إن لم يجري حلحلتها بالحوار والتفاوض الدائم والمستمر.

5- إن هذا يقودنا للحديث عن التخبط في صفوف حزب الإتحاد الديمقراطي لناحية تحديد وجه المطالبة بمنطقة حكم ذاتي!! إذ على حزب الإتحاد الديمقراطي أن يقرر هل مطلب الحكم الذاتي الذي يريده (أو الفيدرالية كما دحضنا أعلاه) هو مطلب أكراد شمال سوريا أم أنه مطلب كل مكونات تلك المنطقة؟  ( على أنه في الحالتين يحتاج الى تفويض شعبي عبر استفتاء وليس باجتماع أحزاب من هنا وهناك).

فإن كان مطلباً لجميع مكونات شمال سوريا من سريان وعرب وأكراد وغيرهم (نضع هذه الفرضية تجاوزاً للمنطق الدستوري الشرعي لكن فقط بهدف التوصل الى نتيجة منطقية) فعلى حزب الإتحاد الديمقراطي أن يتقبل فكرة معارضة الكثيرين لها سياسياً والتوقف عن استجداء العواطف من خلال إتهام نقادهم ومنتقديهم وخصومهم بأنهم شوفينيون عرب عنصريون ضد الشعب الكردي كشعب ، وغير ذلك من هذه الأسطوانة المستهلكة سلفاً.

أما إن كانت مطلباً كردياً خالصاً، فهذا يعني أننا بحاجة الى قيام كيانات وحكم ذاتي فرعي لكل من العرب والسريان إذا أردنا أن نكون منسجمين مع أنفسنا ومع المنطق السليم سياسياً وعقلياً. إذ من غير المعقول أن  تطالب بالحكم الذاتي ( أو الفيدرالية سمها تجاوزاً ما شئت) كبداية للإنفصال لأنك لاتريد أن تكون أقلية قومية في دولة ما في حين تأخذ الدنيا غلاباً وتحكم في دولتك أو كيانك المزعوم أقليات قومية أخرى!!. فهؤلاء يحق لهم لاحقاً ، وبنفس منطقكم، أن يطالبوكم بالإنفصال في قراهم ومناطقهم رافعين شعار حق الشعوب في تقرير المصير.

إن مالايدركه حزب الإتحاد الديمقراطي وحلفائه وغيرهم من الأحزاب القومية أنه لايوجد قومية واحدة في العالم تعيش في دولة تضم كل أبناءها، وذلك فقط باستثناء أيسلندا. فكل قوميات العالم مشتتة في دولة أو دولتين أو أحياناً أكثر. وإذ ما استثنيا أيسلندا ،كما ذكرنا أعلاه، فإن أياً من دول العالم لايمكنها أن تدعي أنها دولة قومية خالصة. كما أن القانون الدولي وخصوصاً قراراتت الأمم المتحدة جميعها تنادي بعدم تغيير الحدود بالقوة لذلك لايحق لأي دولة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأن أن تنادي بضم إقليم في دولة أخرى إليها بحجة أن فيه جزءاً من شعب قوميتها..والسبب أن العالم لو فتح هذا الباب فلن تسلم من الحروب والصراعات التي يسببها سوى أيسلندا، في حين ستذهب شعوب أكثر من 192 دولة مهب الصراعات والموت. إذ لا العرب يسكنون في دولة واحدة (هذا عداك عن أنهم موجودون في دول ليست بغالبية عربية كتركيا وإيران وتشاد) ، وأيضاً لا الألمان كلهم موجودون في ألمانيا، بل موزعون في عدة دول ومثلهم الإنكليز و كذلك الطليان والأتراك والصينيون والروس الخ.

6- من كل ذلك يمكننا تلمس أن المطالبة بالحكم الذاتي وفق طرح الفيدرالية لايمكن إلا أن يكون بهدف الإنفصال لاحقاً خصوصاً إذ ما أخذنا بعين الإعتبار ماجاء في العقد الإجتماعي الصادر في كانون الثاني 2014 والذي كنا قد أرسلنا رسالة إلى حزب الإتحاد وأخرى مطابقة إلى حركة المجتمع الديمقراطي “تافدام” حول إشكاليته ومخالفته في بعضها لكل أشكال الطرح الفيدرالي في العالم . وقد طالبنا في الرسالتين ، ولاحقاً في زيارتنا إلى القامشلي نهاية نيسان 2014، بالعمل للتوافق حول تصور مشترك لمبادئ فوق دستورية تؤسس لفهم صحي للعلاقة بين الدولة المركزية وبين إقليمهم في حال تم توصل السوريين إلى حالة من السلم الأهلي والحل السياسي. وقد قمت شخصياً يصياغة ماتضمنته الرسالتين من مقترحات لمواد فوق دستورية أخذاً بعين الإعتبار الإشكاليات وبعض المخالفات الواردة في العقد الإجتماعي ومنها على سبيل المثال لا الحصر  الفقرات التالية وماشابهها من مواد والتي تنسف مفهوم الفيدرالية أو الحكم الذاتي لصالح استقلال كامل:

* الباب الثالث (الحقوق والحريات ) المادة 40 ( الثروات)- المادة 55 ( فقرة إعلان الحرب والسلم) و ( فقرة تحديد مناطق الإدارة الذاتية والعلاقة بينها وبين المركز بقانون). * الباب التاسع ( أحكام عامة) المادة 93 فقرة أ (التعليم) المادة 96 الطوارئ. المادة 97 (هيئات المجلس التنفيذي) – هيئة العلاقات الخارجية.

7- إن كل هذا التخبط المذكور أعلاه يعود برأي لعاملين إثنين، الأول: هو اعتقاد حزب الإتحاد الديمقراطي أن القوة هي كل شئ، وكأننا نعيش في القرن التاسع عشر، متناسين كل التطورات القانونية الدولية في القرن العشرين خصوصاً منذ الحرب العالمية الثانية وماطرأ بعدها على العلاقات الدولية من أسس وأصول لايمكن للقوة العسكرية مهما بلغ حدها تجاوزها، ولاننسى أن من أهم ما طرأ على النظام الدولي في القرن الماضي كان ضرورة إعتراف دول الجوار والشرعية الدولية بأي تغييرات في شكل الدول. اليوم مثلاً، ماقيمة وجود دولة إسمها شمال قبرص لا أحد في العالم يعترف بها سوى تركيا؟

أما الأمر الثاني فهو: إستسهال كل شئ وهذا عملياً مرتبط بالأمر الأول. فحزب الإتحاد الديمقراطي ومنظومته  يستسهلون كل الأمور المرتبطة بشكل الدولة ومستقبلها لأنهم ببساطة يقيسون الموضوع بماحققوه في القامشلي والحسكة من سيطرة سريعة وسلسة متناسيين أن هذه السلاسة كانت بدايةً نتيجة توجه وتكتيك سياسي لدى النظام كي لايحارب على أكثر من جبهة، هذا من جهة، ومن جاهة ثانية كي يهدد الجانب التركي عبر الورقة الكردية. ولا أدل على قناعة الإستسهال هذه وربطها بمنطق القوة سوى ما يقوله إعلاميون محسوبون على حزب الإتحاد الديمقراطي ويحصلون على رواتب منه لقاء نشاطهم. أحد هؤلاء ، وهو عضو في مجلس سوريا الديمقراطية ويقيم في أوربا، طالب في ربيع العام الماضي 2016 الرئيس السوري بشار الأسد أن يصدر مرسوماً يعترف فيه بفيدرالية روج آفا !!! هذه المطالبة لاقت رواجاً كبيراً من أنصار الحزب وجمهوره وأعضاءه وحلفائه، هذا على الرغم مما تحمله هذه الدعوة من قحط فكري وقانوني وسياسي وماتتصف به من بلاهة وسذاجة. فحقيقةً كنت أتمنى أن تتناهى هذه الدعوة الى مسامع رئيس الجمهورية وأن يصدر مرسوماً بذلك، فهؤلاء لايدركون أن الإعتراف “بفيدراليتهم أو حكمهم الذاتي” عبر مرسوم رئاسي يعني تحولهم إلى محافظة جديدة تحت القانون الإداري، أي ليس تحت القانون الدستوري. هل نضحك هنا؟ . بمعنى أن مايطالبون به لن يكون جزءاً من شكل الدولة ومصان دستورياً، وإنما جزءاً من التقسيمات الإدارية للدولة، والتي كما أقرها رئيس الجمهورية بمرسوم فإنه يستطيع إلغائها أيضاً بمرسوم. هل نتابع الضحك؟ .

8- ومن دلائل الإستسهال أيضاً، ماصدر مؤخراً حول تقسيمات إدارية لمناطق شمال شرق سوريا التي يسيطر عليها حزب الإتحاد الديمقراطي ومنظومته. فبعيداً عن مناقشة شرعية هذه الإجراءات أقله بالنسبة لأبناء تلك المناطق ، فإن فرض هذه الإجراءات بحد ذاته هو ترف فكري كبير ومحاولة لبيع الوهم لجمهور الإتحاد الديمقراطي، وذلك عبر إقرار مسألة لا تقدم ولا تؤخر هذا بالإضافة إلى أنها لن تغير في واقع المواطنين شيئاً، أي تماماً كإجراءات مايسمى بالحكومة السورية المؤقتة التابعة للإئتلاف في اسطنبول، والتي لاتعدو كونها حبراً على ورق، أو نوع من السباحة في الخيال واللاواقع. ذاك أن إعادة تقسيم المناطق إدارياً في وقت لايمكن فيه لمن فرض هذا الإجراء ولايستطيع إصدار هوية شخصية  أو جواز سفر أو إخراج قيد مدني أو عقاري معترف به عالمياً لصاحبه، هي بحد ذاتها فانتازيا. وهذه الفانتازيا قد تبيع المتعة للمتفرج لكنها أبداً لاتغير علاقته بالواقع والوقائع. فما الذي سيجنيه إبن القامشلي عندما تقول له أننا اجتمعنا وقررنا أنك منذ اليوم قد بت إبناً لمنطقة الفرات وليس لمحافظة الحسكة؟ وعندما يسألك إبن القامشلي هذا أن تمنحه إخراج قيد أو ورقة ثبوتية (يمشي بها بين الناس في الداخل والخارج)  تقول له لا أملك الصلاحية ولا أستطيع، فأنت إبن محافظة الحسكة قانونياً و أمام دول العالم!! أمام هذه اللوحة من التخبط والفانتازيا غير الممتعة، والتي لايدفع ضريبتها قيادات حزب الإتحاد الديمقراطي ومنظومته السياسية والعسكرية وإنما المواطنون البسطاء في شمال شرق سوريا الذين يُجبرون على العيش بهويتين إحداهما حقيقية ودستورية وصالحة للإستعمال في كل دول العالم، وأخرى خيالية لاوجود لها إلا على الأوراق التي كتبت عليها ذات صباح تموزي حار.

طبعاً مازال هناك الكثير من التكتيكات الإعتباطية وغير المفيدة  التي يقوم بها حزب الإتحاد الديمقراطي ومنظومته والمدفوعة كلها بمبدأ القوة غير المترافق مع أي منطق سياسي أو قانوني أو فكري ولو حتى وفق إجراء محاكمات بسيطة كالأخذ بمنطق الربح والخسارة، أو حول ماهو ممكن وماهو لا ، ماهو مفيد وعملي وما هو لا، ماهو كائن حقيقةً وما يجب أن يكون. فالمحاكمة العقلية الوحيدة التي يجريها حزب الإتحاد الديمقراطي ومنظومته قبل إتخاذ أي قرار أو القيام بأي تحرك سياسي هو التالي: هل هذا القرار أو هذا التحرك سيجلب الإعلام والأضواء أم لا؟ هل الضجة الإعلامية تلك ستزيد من تماسك حاضنتنا الوهمي وراءنا أم لا؟ فطالما أن القرار أو التحرك سيجلب الأضواء والضجة الإعلامية والبهرجة، ومايرافق ذلك من بهجة في النفس، إذاً هذا القرار أو ذاك التحرك صحيح وعلينا القيام به حتى لو لم يكن مفيداً عملياً لأبناء مناطقنا ، وأيضاً بغض النظر عما سيسببه من زيادة في الشرخ بيننا وبين حلفائنا وبقية الأطراف أو بيننا وبين الدول المجاورة…. فلم لا ونحن نحاول أن نأخذ الدنيا غلاباً  !!.

9- أما أكثر التوجهات إعتباطاً ومعابةً لدى الحزب ومنظومته، فهي ربط إحقاق مطالبهم بعدد شهدائهم، وكأن لادماء سورية تنزف وتراق إلا في صفوف الجناح العسكري لحزب الإتحاد الديمقراطي!! على أنه لو ارتضينا بعدد الشهداء مقياساً (وهنا نحن طبعاً نخفّض من قيمتنا الأخلاقية في دخول هذا النقاش البديهي، لكن مضطرين تجاوزاً فقط لإيضاح الفكرة) فماهي نسبة هؤلاء الشهداء قياساً بشهداء الحكومة السورية أو شهداء المعارضة الإسلامية المسلحة؟؟ إذ أننا لو ارتضينا بهذا المقياس لانحصرت المنافسة بين مشروع الحكومة السورية ومشروع المعارضة الإسلامية اللذان قدما مئات الألاف من الشهداء إن من مقاتليهم على الأرض أو من حاضنتهم الشعبية، ولكانت سوريا ، وفق استحقاق الشهادة، إما بعثية او إسلامية سلفية. أضف إلى ذلك أن اعتبار عدد الشهداء مقياساً لمشروعية قضية معينة يحيلنا إلى عامل مشابه قد يطلب به طرف أخر ألا وهو الدمار والتهجير والنزوح وصرخات البكاء والعويل، وهذا العامل طبعاً غائب عن مناطق سيطرة حزب الإتحاد الديمقراطي وسيطرة منظومته (طبعاً حمداً لله أنها كذلك). بالتأكيد أمام هذا الطرح المعيب والذي لايحترم أكثر من 400 ألف شهيد سوري وأكثر من 8 مليون سوري مشرد في الداخل وأكثر من 4 مليون مشردين في بقاع الأرض في مواجهة الذل، لايمكننا إلا أن نقول: عيب يا رفاق… أنتم أكبر من ذلك.

المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى