صفحات سورية

ملامح معركة دمشق

 

                                            غازي دحمان

تتهيأ دمشق للمعركة الكبرى الفاصلة. التقديرات، والمشاهدات العينية، كلها تؤشر إلى المعركة القادمة وطبيعتها، بل وخريطة طريقها ومسارح معاركها الأساسية. لكن معركة دمشق القادمة تختلف عن سابقتها التي حصلت في منتصف الشهر السابع من هذا العام، بل هي نقيض لها تماماً.

في هذه المعركة ثمة نمط عسكري مختلف لم يسبق أن تم تطبيقه في أي من المعارك التي جرت على الأرض السورية منذ بداية الأزمة، سواء في طبيعة التكتيكات أو في التجهيز أو حتى في طرق الرصد والاستكشاف، وفي هذا مؤشر واضح على الخبرة التي اكتسبها الجيش الحر في الفترة الماضية.

ولفهم هذا الاختلاف والولوج تاليا إلى معرفة طبيعة هذه المعركة، لا بد من التأكيد على حقيقة أن هذه المعركة قد تم تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى بدأت منذ حوالي شهرين عبر الهجوم على النطاق الإستراتيجي الحامي للعاصمة وخاصة من جهتيه الشرقية والجنوبية وخلق بعض الثغرات العسكرية في المنطقة الغربية، عبر تدمير البنية العسكرية الضخمة والمؤلفة في أغلبها من مطارات عسكرية ودفاعات جوية ومواقع للإشارة والرصد والتجسس، وقد سهلت طبيعة المنطقة المتكونة من بساتين وغوطات عمل الثوار في هذه المنطقة.

وقد عمل الجيش الحر على تنظيف هذه المناطق بشكل كامل من قوات النظام وطردها، حيث لا ينتقل إلى منطقة أخرى قبل أن يعمل على تطهير المنطقة من كل تواجد نظامي، كما يقوم بإقفال كافة الطرق والممرات المؤدية لها بحيث يجعل من إمكانية عودة القوات النظامية لها أمراً مستحيلاً.

فقد دلّت الإنجازات العسكرية الأخيرة التي حققتها المعارضة، من اجتياح العديد من القواعد العسكرية المهمة والإستراتيجية في الشمال والشرق، إلى “تزنير” دمشق بحزام من نار عبر السيطرة على الضواحي وإغلاق مطار دمشق تمهيداً لمعركة الحسم في العاصمة.

كما تعمد الجيش الحر في إطار هذه الإستراتيجية على محاصرة المواقع العسكرية وقطع طرق الإمداد عنها وعزلها عن محيطها كاملاً، ثم الانقضاض عليها بعد أن يكون قد جرى إنهاكها بالحصار وقطع المؤن لفترة طويلة.

وبتدمير البنية العسكرية في هذه المناطق، جرى إلغاء هوامش الحركة والمناورة للقوات النظامية، فقد جرى حصر عملها في المنطقة الغربية من دمشق وهي مناطق جبلية لا يمكن القتال فيها إلا من خلال المدفعية وراجمات الصواريخ، كما تتواجد في هذه المناطق وبشكل حصري قوات الحرس الجمهوري، وهي من الناحية العملاتية قوات مؤهلة لأنواع محددة من القتال كما أن طبيعة تجهيزاتها تشكل عبئاً ثقيلا عليها.

تعتمد إستراتيجية الجيش الحر في معركتها الدمشقية على عنصرين: الأول إنهاك النظام إلى أقصى درجة ممكنة، وذلك من خلال استنزافه على مساحة واسعة شرقي دمشق عبر محاصرة مواقعه الإستراتيجية وقطاعاته العسكرية المهمة، ودفعه إلى محاولة فك الحصار عنها بإرسال المزيد من التعزيزات والقوات التي يتم اصطيادها وتدميرها، أو إيقاعها في الحصار بدورها ليقع معها النظام بدوامة مفرغة من فك الحصار وإسناد القوات المحاصرة.

وهو الأمر الذي تنبه له النظام في حلب وترك مدرسة المشاة وكلية الشؤون الإدارية لمصيرهما دون أن يرسل لهما أية تعزيزات.

وأما العنصر الثاني في هذه الإستراتيجية فهو يقوم على مبدأ القضم المتواصل للأراضي والمناطق بحيث يجري إسقاط المناطق منطقة تلو الأخرى، ويقوم الجيش الحر بتثبيت مواقعه في هذه المناطق ويبدأ في تعزيزاته والتجهيز لقضم المنطقة التالية من خلال إرسال الخلايا النائمة ومناوشة القوات النظامية وإشغاله الدائم عبر عمليات صغيرة لا تحتاج إلى عدد كبير من العناصر البشرية كما أن المخاطرة فيها بالعنصر البشري تكون محدودة ومحسوبة.

وفق هذا المسار تشير التقديرات إلى أن المرحلة الأولى من معركة دمشق قد تم إنجازها وبنجاح كبير لصالح الجيش الحر وهي الآن بصدد الانطلاق إلى المرحلة الثانية من معركة دمشق الكبرى، وهي مرحلة تعتمد على مبدأ الهجوم الواسع من الأحياء الجنوبية والشرقية للعاصمة. وتشير أغلب التقديرات في هذا الصدد إلى أن دمشق ستشهد تقسيما جغرافيا باتت ملامحه شبه واضحة، بحيث تكون هناك دمشق شرقية جنوبية يحتلها الثوار وتشكل قاعدة انطلاق وتموين وإمداد، ودمشق غربية حيث تتجمع هناك قوات النظام ومؤيدوه، وهذه المعركة من المتوقع أن تدوم لأيام قبل أن يفكر النظام بالهرب من دمشق عبر النافذة الشمالية إلى الطريق الدولية باتجاه حمص، وهي النافذة التي تعمد الثوار على تركها مفتوحة لتسهيل عملية الفرار ولتجنب وقوع مذابح كبيرة بين المدنيين.

تقدر أوساط مطلعة أن أعداد الثوار في الغوطتين الشرقية والغربية بين عشرين وثلاثين ألف مقاتل، وهم خليط من عسكريين منشقين ومدنين متطوعين هم في أغلبهم من أبناء المناطق الجنوبية والشرقية في دمشق بالإضافة إلى ثوار من درعا وحمص. وينتمي جزء من هؤلاء إلى جماعات إسلامية محلية غير مرتبطة بالقاعدة، كما يوجد لجبهة النصرة تواجد محدود في منطقة الحجر الأسود. يتركّز النفوذ الكبير في هذه المناطق المحيطة بدمشق من الناحية التنظيمية والعسكرية لمصلحة المجلس العسكري في دمشق وريفها بقيادة المقدم خالد حبوس، والرائد ماهر النعيمي المقيم في أنقرة. وكلا الضابطين هما خارج القيادة العليا الجديدة للجيش الحر رغم أهميتهما على الأرض.

وفي سعيه لمواجهة التطورات المحيطة بدمشق، عمل النظام على استقدام بعض وحداته العسكرية من الجبهات الساخنة في شمالي البلاد وشرقها، ونشرها في دمشق وخاصة الفرق العسكرية الثقيلة التي كانت تشكل النطاق الإستراتيجي الثاني للعاصمة والمنتشرة في درعا والقنيطرة.

كما تقوم قوات النظام بقصف عنيف على كافة الضواحي التي ينطلق منها الثوار بهدف شلّ حركتهم فيها، وإعطاء الجيش النظامي الفرصة لخلق منطقة عازلة بين العاصمة وضواحيها، غير أن ثمة أمرًا بات يلحظه سكان دمشق، وخاصة في تلك الضواحي التي خرجت منها القوات النظامية، وهو فقدان النظام بالفعل المبادرة القتالية وانحدار مستوى معنويات جنوده إلى أدنى درجة جراء الإنهاك المتواصل منذ أكثر من عام من القتال، فضلاً عن تزعزع قناعتهم بجدوى الحرب وأحقيتها، ويتزامن ذلك مع الأخبار التي تتحدث عن قيام النظام بإرسال نخبة من ضباطه المخلصين إلى طرطوس على الساحل السوري لتجهيز المنطقة دفاعيا كي تستطيع الصمود في الهجمات المتوقعة على هذه المناطق بعد الفرار إليها وحماية رجال الأسد الذين لا مستقبل لهم.

ويفسر هذا الأمر استمرار الدعم الروسي والإيراني لنظام الأسد رغم أن تباشير انهيار نظامه في دمشق ودولة حكمه في أغلب أرجاء سوريا، وكذلك التخويف الروسي من إبادة الأقليات، ذلك أن كلا من روسيا وإيران باتتا تدركان أنه بخروج الأسد من السلطة سوف تخرجان بدورهما من سوريا، مما يعني أنهما سوف تواصلان تشجيع نظام الأسد على مواصلة الصلف والتصلب، وستدعمان أيضاً تراجعه إلى المناطق العلوية على الساحل، وهو الأمر الذي لا شك بأن الأسد وحاشيته باتت تفكر فيه بقوة.

هل يلجأ النظام إلى استخدام أسلحته الفتاكة في معركة الحفاظ على دمشق في حال اقتراب مصير السقوط؟.. ثمة رأيان في ذلك، الأول يعتقد أن هذه المرحلة من عمر النظام يقودها ضباط متشددون ومتهورون ومستقبلهم بات وراءهم، وبالتالي لا يستبعد أن يقدموا على عمل انتحاري لاعتقادهم أنهم ميتون في كل الحالات.

الرأي الثاني يرى أن النظام ربما يعمل على تدمير دمشق بالأسلحة التقليدية ويرتكب مجازر كبيرة دون الإقدام على استخدام الأسلحة المحرمة، باعتبار أنه يستطيع تبرير القتل العادي الذي يجري في إطار عمليات القتال وبالتالي فإن المسؤولية يمكن توزيعها على مختلف الأطراف، في حين أن استخدام الأسلحة المحرمة لن يفيده حتى في حال قرر اللجوء والهرب إلى المناطق الساحلية، وأن روسيا وإيران قد تمنعانه من ذلك لأنهما لن تستطيعا حمايته في حال ارتكب مجازر باستخدام الأسلحة المحرمة.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى