صفحات الناس

ملايين السوريين يعانون سوء التغذية

سلام السعدي

 انعكس الإنخفاض المتسارع لسعر صرف الليرة السورية، ارتفاعاً جنونياً في الأسعار. ويبدو جلياً عدم قدرة الحكومة السورية على إيقاف نزيف عملتها، وتالياً عجزها عن ضبط ارتفاع الأسعار. الأمر الذي دفعها قبل بداية شهر رمضان إلى “تجريب” تكديس المواد الغذائية وخلق فائض في العرض علّه يشد الأسعار الجامحة نحو الأسفل. هذا في وقت قالت فيه الأمم المتحدة أن 4 ملايين سوري يشكلون خُمس عدد سكان البلاد، لا يستطيعون إنتاج أو شراء ما يكفي من المواد الغذائية لتلبية حاجاتهم.

خلال الأيام الماضية، اتخذت الحكومة السورية سلسلة من الإجراءات استعداداً لشهر رمضان، ولضرورة توفير المواد الغذائية بأسعار مقبولة لدى غالبية السوريين. بدأت إجراءاتها عندما قرّرت استيراد المواد الغذائية بنفسها، وما يعنيه ذلك من سحب الصلاحيات بنسبة معينة من بعض رجال الأعمال الذين يستوردون بسعر الصرف الرسمي (نحو 130 ليرة للدولار)، في حين يبيعون بسعر السوق السوداء (نحو 225)، محققين بذلك أرباحاً فاحشة، وارتفاعاً غير مبرّر في الأسعار. حدث ذلك فعلاً طوال الأشهر الماضية إذ ارتفعت أسعار الحبوب والسكر والشاي والزيوت ومواد أساسية أخرى بمعدلات قياسية.

وتعتمد خطة الحكومة على استيراد تلك المواد وبيعها في منافذ مؤسسة الخزن والتسويق التابعة لها، وبأسعار تنافس السوق، ما قد يحقق انخفاضاً ملموساً بالأسعار. وفيما أشار معاون وزير الاقتصاد والتجارة عبد السلام علي إلى أن “خطوة الحكومة ليست احتكاراً لدور القطاع الخاص بل هي مكمّلة له، ولاسيما أن لهذا القطاع الحرية بالاستيراد من الدول المتعامل معها”، أكد على أن “عمليات الاستيراد ستتم من العديد من الدول، مع التركيز في ذلك على الدول الصديقة”.

ويبدو من تصريحات سابقة، أن الخطوة الاستيرادية التي أعادت وظيفة التاجر للدولة، ستعتمد بصورة رئيسية على إيران، إذ أعلن المدير العام لـ”المؤسسة العامة الاستهلاكية” هاجم الذيب، في وقت سابق، أن المؤسسة بصدد توقيع مذكرة تفاهم مع شركة إيرانية لاستيراد السلع الغذائية من السكر والرز والمعلبات وحليب الأطفال وغيرها بغية الاستفادة من القرض إلايراني الائتماني البالغ مليار ليرة.

وفي هذا السياق، أقرت الحكومة السورية منع اصطحاب المسافرين من سوريا إلى أي دولة، لأي مواد غذائية. وذلك كـ “إجراء احترازي لدعم السوق المحلية بالمواد الغذائية”، كما قالت.

القرار الأهم الذي انعكس بصورة مباشرة على الأسواق، صدر قبل أقل من أسبوع، وهو ‏قرار وقف تصدير الخضار حتى العاشر من شهر آب، أي حتى نهاية شهر رمضان. وذلك بعد ارتفاع أسعارها على نحو غير مسبوق تحت ضغط تدهور سعر الصرف وتراجع الإنتاج الزراعي (بلغت المساحات المخصصة لزراعة الخضر هذا العام 60 في المئة فقط بحسب وزارة الزراعة).

 وبعد يوم واحد على صدور قرار منع التصدير، انخفض سعر كيلو البندورة من 125 ليرة إلى 60 ليرة. ويقول مدير إحدى شركات تصدير الخضار والفواكه أبو عادل لـ”المدن”: “في البداية لم يكن واضحاً لنا أن وقف التصدير هو لفترة محدودة فقط، وفكر العديد من الشركات بالتوقف عن العمل، لكننا نعتمد حالياً على تصدير الفاكهة”. غير أن عقبة جديدة باتت تعترض وصول الفاكهة من الغوطة الشرقية، يقول أبو عادل: “بعد تشديد النظام حصاره على الغوطة، وإغلاق مدخلها من جهة مدينة عدرا، قام الجيش الحر بمنع خروج الخضار والفاكهة وبعض المواد إلى دمشق وأغلق المدخل الآخر المتبقي من جهة المليحة”. ويضيف: “منذ أسبوعين لم تصلنا أي سيارة فاكهة من الغوطة”. وكنتيجة لذلك أيضاً، ارتفعت أسعار الألبان والاجبان في دمشق (كيلو اللبن بـ 140 ليرة) بسبب فقدان الحليب الذي كان يأتي من الريف الدمشقي المحاصر.

 وقد حدد تقرير مشترك صدر أخيراً عن منظـمة “فاو” وبرنامج الأغذية العالمي، أسباب انعدام الأمن الغذائي للأسر السورية بالنزوح السكاني، وتعرقل الإنتاج الزراعي، والبطالة، والعقوبات الاقتصادية، وهبوط قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار الأغذية والوقود. ووقفت البعثة المشتركة التي زارت سوريا بين شهري أيار وحزيران الفائتين، على الأسباب المعيقة لإنتاج الأغذية، ولخصتها بارتفاع التكاليف، وانخفاض كميات المدخلات المتاحة، وتضرر الآليات الزراعية ومرافق الخزن، وتهديدات العنف، ونزوح المزارعين من أراضيهم.

 وحذر التقرير من أن بعض المحاصيل يمكن أن تبور من دون حصاد، متوقعاً أن يشهد الإنتاج الزراعي مزيداً من التراجع في الأشهر القادمة. وفي حين قدر تراجع إنتاج القمح بـ40 في المئة ما سيضطر الحكومة لاستيراد 1.5 مليون طن في موسم 2013-2014، قدّر تراجع إنتاج الدواجن بأكثر من 50 في المئة مقارنة مع العام 2011، وقال بأن أعداد الماشية قد “هبطت بحدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى