أحمد عمرصفحات الناس

ملحمة رائد الفضاء محمد الفارس/ أحمد عمر

 

 

فتحنا أعيننا لنجد أنّ أشهر سوري في “حرب النجوم” السورية هو ابن الوهاج، وليس محمد الفارس.

كان الماتريكس الذي يحكم سورية يرفع المجرمين ويخفض الفاضلين، فإذا بالبغاث بأرضنا يستنسر، واليد العليا في دولة البعث هي التي تغدر، وها هي النتيجة: مأساة فارس الفضاء محمد الفارس تجسّد مقولة المؤامرة “الكونية”.

وكانت في حمص ساحة صغيرة، سميت باسم منير حبيب “رائد القصر” الذي بقي على الأرض، بينما رائد الفضاء هو محمد الفارس. هذا ما يمكن أن نسميه “خطأ فرديا”، حسب قاموس النظام السياسي، أو تشابه أسماء؛ ذهب ضحية التشابه شعب كامل.

نُسب اسم الساحة لغير صاحبها تغييراً ديموغرافياً رمزياً. تابعت عشرات الشهادات لشخصيات سورية، فلم أجد شهادة في الثورة أبلغ من شهادة محمد الفارس. ولو استُشرت في أول فيلم روائي عن سورية بعد الثورة الجريحة، لاقترحت رواية محمد الفارس الذي يحمل وسام بطل الاتحاد السوفييتي قصةً، فهي قصة مكتملة العناصر الدرامية. إنه يذكّر بشخصيات شكسبير الملحمية، وبأبطال العرب، مثل أبي زيد الهلالي سلامة وعنترة بن شداد. وكان لون محمد الفارس الأسود هو طائفته، كما يقول في شهاداته كلها. ومن عجائب المصادفات أن تثار قصة مقتل المخرج الكبير مصطفى العقاد في الأردن، ويوجه الاتهام من محاكم دولية إلى الماتركس السوري السفاح.

سيرته كثيفة مليئة بالمفارقات والدراما والكفاح والعبر، ففي سورية ممثلون ونجوم وفنانون وكتاب وشعراء. لكن، ليس فيها سوى رائد فضاء واحد فقط. تشخص حكاية محمد الفارس هدر سورية.. قصته تذكّر بآية كريمة هي ” وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ”، والموءودة هي سورية كلها. خاض عشرات المعارك، ليس معه سوى إيمانه بربه. حذره الجنرالات الروس، ويأّسوه من الفوز على الخصم والحكم. منير ومحمد كانا يستعيدان قصة قابيل وهابيل في الفضاء هذه المرة. هابيل ليس معه سند سوى ربه، وقابيل مدعوم بالدولة كلها.

كان اختيار رائد فضاء من “الأكثرية” الأسيرة امتحاناً كبيراً لسورية أصعب من اختيار رئيس وزراء، كما قال جنرال كبير. قال للروس الذين حذّروه من نطح الصخر. فقال: أنا أؤمن بقضاء الله وقدره. ويُذكر أنه، ساعة انطلاق المسبار الفضائي، كان نبض زميله الروسي 140 نبضة في الثانية، بينما كان الفارس وكأنه بانتظار لقاء عاطفي.

تعرّض الفارس، بعد اختياره من الروس، بسبب كفاءته، إلى محاولة قتل بالصعق بالكهرباء، وأخرى قتل بالسم، ونجا منهما. كشف له جنرال روسي محاولات الغدر: نحن نتنافس، يا محمد. لكن، لا نغدر ببعضنا. عاد الفارس إلى القفص في سورية مهملاً منبوذاً، وكأنه ارتكب جريمةً بصعود إلى الفضاء، مثله مثل الفارس عدنان قصار. كانت جريمته مثل جريمة بلال الحبشي: إذ قال، والصاروخ ينطلق به إلى الفضاء: يا الله! هذا كفر في دولة الأسد “العلمانية”.

وهو ما أسخط عليه الرئيس”المؤمن”: ألم يغضب منك الروس، لأنك قلت يا الله؟

– بالعكس، الروس فرحوا، يوري غاغارين قالها عندما صعد إلى الفضاء.

الفارس مثقف، جوابه على لسانه، شاعر بالفطرة، ما فِي نفسه شِبْرٌ إِلا وَفِيهِ ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ. ذكر أن أكثر كتاب أثر فيه هو “آثرت الحرية” لفيكتور كرافتشنكو.

يروي الفارس قصة اعتذار الأسد له عن تقبيله، كما تقضي الآداب حتى في أوروبا، فالأسد كان يعرف سعر قبلته السحرية. لم يدرِ الفارس أنه نجا من قبلة الثعبان. كنا معه في الأسر إلى أن صاح فتى درعا: حرية.

يذكّر الفارس بفيلم أميركي عن رحلة فضائية مزيفة إلى المريخ اسمه Capricorn One”. سُميت رحلتنا بالرحلة الفضائية السورية الروسية المشتركة، كان هدفها جعل الأسد رائد فضاء.. لكن الفارس أثبت أنّ سورية كوكب فريد من نوعه. وإنه رائدٌ، ولم يكذّب الرائد أهله.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى