صفحات مميزة

ملف ثاني لرصد مؤتمر سمير أميس التشاوري المعارض، مقالات متنوعة

 


الملف الأول

حول مؤتمر المعارضين في سميراميس دمشق.

غسان المفلح

“تعقد اليوم شخصيات سورية مستقلة، بينها معارضون، اجتماعا في العاصمة السورية دمشق لبحث سبل الخروج من الأزمة الراهنة في البلاد. فيما وسع الجيش السوري الأحد نطاق عملياته العسكرية في بلدة القصير الحمصية القريبة من لبنان ما دفع بالعديد من السكان الى اللجوء إلى الجانب الاخر من الحدود”.

بهذه اللغة العبارة افتتحت البي بي سي البريطانية الحديث عن آخر التطورات في سورية، وربطت طرفي المشهد السوري هذا اليوم، بين جيش قاتل يجتاح المدن ويهجر أهلها خوفا من القتل والاعتقال واغتصاب النساء، وبين مؤتمر يزمع عقده هذا اليوم في دمشق، وبحضور شخصيات معارضة معروفة كالصديق فايز سارة وميشيل كيلو وعارف دليلة ولؤي حسين، ويعقد “تحت شعار “سورية للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية” فهل هذا الربط بين طرفي المشهد يحتاج إلى تعليق؟

أنا لا أعتقد أن هذا الربط خافيا على الأصدقاء وعلى المؤتمرين وعلى النظام السوري. لكنني أعتقد أن الجميع يحاول تحقيق أهدافه من هذه المؤتمر، وعلى رأس هؤلاء نظام القتل بالطبع، لن يعقد المؤتمر ولن يسمح به ولن يعطى أصحابه ضوءا أخضرا كما أشار الأصدقاء، دون رؤية أن هنالك فائدة ما للنظام، وعلى هذا الأساس سمح النظام لوسائل الإعلام العربية والأجنبية أن تأتي لتغطية المؤتمر فقط!! ودون أن يسمح لها بالخروج إلى برزة ودوما والمعضمية والقابون فمابالنا درعا وجسر الشغور والقصير لتصوير الشبيحة واعتداءاتهم على أملاك الناس وأرواحهم!! أما الأصدقاء من المعارضة الذين ينوون حضور المؤتمر ومن دعوا له، فأني في الواقع بعد أن تابعت مادار من نقاشات على صفحات الفيسبوك، بأنهم في وضع لا يحسدون عليه، فليسوا هم من يبررون القتل وتشريد السوريين وهم يريدون بناء دولة ديمقراطية مدنية تحت سقف النظام.. ولا أعتقد أن هنالك أحد منهم قد غير موقفه أو أنه يريد أن يعطي غطاء للنظام بعد المؤتمر للقتل أكثر، لأن من مقاصد النظام هو التالي: أنه بعد المؤتمر والذي لن يعني له شيئا، سوى أنه يمكن أن يشكل غطاء له لاستمراره في القتل بحجة أن المتظاهرين لم يتبنوا ما طرحه المؤتمر أو نتائجه التي ستدعو بالتأكيد للتهدئة لكي يبني النظام والمؤتمرون الدولة المدنية. اتمنى أن يدرك أصحابنا هذا الأمر.

أنا لا اخون أحدا اطلاقا ولا أسمح لنفسي بذلك، وأنا مع اجتهاد يحقن الدم ويحقق أهداف الشهداء، لكن هل هذا الاجتهاد من الأصدقاء يمكن أن يحقن الدماء وبحقق الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري في دولة مدنية ديمقراطية؟

كنت أنوي أن انتظر حتى نهاية المؤتمر لكي أكتب عنه، لكنني فضلت الكتابة الآن قبله لكي أقول للأصدقاء رأيي المتواضع، متمنيا ألا يخدموا عن غير قصد نوايا النظام.

ثمة أمر آخر لابد من توضيحه للذين هاجموا هذا المؤتمر بأنه سيخدم النظام سلفا، أقول” أن هذه المجموعة من الأصدقاء لن يكفوا عن محاولة عقد مثل هذا المؤتمر عاجلا أم آجلا، ولهذا قلت فليعقدوه الآن ربما أفضل من وصول عدد الشهداء إلى أكثر من عشرة ألاف ووصول أعداد المعتقلين إلى أكثر من 50 ألف معتقل ووصول المهجرين إلى مئات الألوف.. عندها سيكون وقع الأمر أسوا فيما لو خدم هذا المؤتمر النظام!! فليعقدوه الآن ولنر ماذا سينتج عنه وعلى أساس النتائج نحكم.

حقن الدم يحدده أولياء الدم وهم الشباب السوري في الشارع…

الخوف من حرب أهلية يجب أن يكون موضحا من يوصل البلد إلى هذه الحافة؟

وليس لي أي طلب من الأصدقاء في المؤتمر سوى أن يتذكروا أن الشهداء هم ضحايا سوريين والمجرم سوري أيضا. متمنيا لهم النجاح في مسعاهم” لبناء سورية مدنية ديمقراطية”

معارضون , مؤتمرات وتشتيت

حسين عيسو

انتفاضة الشباب السوري السلمية , والتي استطاعت خلال أيام قلائل أن توحد الشعب خلفها , بعد عقود من الاستبداد الذي أدى إلى خلق شروخ كبيرة داخل المجتمع السوري , بحيث وصل الأمر في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن كل مدينة تحتاج إلى عقود لإعادة التطبيع بين مكوناتها , لما عانته من التخويف والترهيب ونشر ثقافة الريبة والتشكيك , بين أطياف المجتمع , فإذ بهذه الانتفاضة وفي وقت قصير جدا تستعيد كل ما فقدناه ويعود التلاحم والتضامن الوطني خلال أيام لتؤكد أن ثقافة الشعب السوري وحضارته الضاربة في عمق التاريخ لم تكن يوما ثقافة استعلاء طيف أو إقصاء آخر, وأن هذا التشتت والتفكك طارئ ويزول بزوال أسبابه.

هذا الفعل الحضاري السلمي أدى إلى خلق أزمة كبيرة ليس للنظام وحده بل للمعارضات السورية بأفرعها الداخلية والخارجية وانشقاقاتها وأمراضها المزمنة , فبعض المعارضات الخارجية التي وصلت بسبب ضعفها إلى يقين راسخ بأن التغيير غير ممكن إلا بتدخل خارجي , فأخذت غفوة على أمل العودة يوما على ظهر دبابات ؟…, نراها اليوم وقد فوجئت بهذه الهبّة الشبابية التي قلبت كل آمالهم رأسا على عقب , ودون محاولة أخذ العبر من الثورتين التونسية والمصرية , التفت قسم منهم صوب ما يجري في ليبيا فقاموا بتأسيس ما سمي بالمجلس الانتقالي السوري تقليدا لما جرى في ليبيا , آملين أن يعترف الغرب بقيادتهم للحركة الشبابية كما حصل هناك , ولما فشلوا في ذلك سارع بعضهم إلى عقد مؤتمرات لم يحن أوانها بعد , فلم يزدهم ذلك إلا انشقاقات جديدة , هنا يجب ألا ننسى أولئك المعارضين الذين حاولوا نقل صورة ما يجري في الداخل إلى الفضائيات والمنتديات العالمية خدمة لأهداف الانتفاضة دون تدخل في شئونها أو تنظير لها عن بعد .

أما أزمة السلطة فهي في إصرارها على عدم قراءة الواقع والتطور الذي حصل في المنطقة والعالم , ومازالت تصر على الحل الأمني من جهة , والعمل على تفتيت معارضة الداخل , ومحاولة خلق شرخ بينها وبين شباب الانتفاضة , من جهة أخرى , فبعد لقاءاتها مع شخصيات  من كل محافظة وتلبية بعض مطالبهم , مثلا : بعد قرار إعادة الجنسية السورية للكرد الذين تم تجريدهم منها منذ نصف قرن ظلما , خرج الشباب الكرد في اليوم التالي هاتفين “بدنا حرية ما بدنا جنسية” هنا وحين رأت أن تلبية بعض المطالب لم تؤد إلى أي تأثير على احتجاجات الشارع تحولت إلى بعض أقطاب المعارضة باستدعائهم إلى لقاءات مع بعض رموز السلطة لتقديم مطالبهم , هنا أيضا حاولت السلطة العمل بأسلوب فرق تسد , فتمت لقاءات مع بعض أحزاب المعارضة العربية , ثم تلتها دعوة الأحزاب الكردية لمقابلة رئيس الجمهورية , ورغم رغبة بعضها إلا أنها تراجعت عن تلبية تلك الدعوة , تحت ضغط الشارع , واليوم يبدو أن هنالك محاولة جديدة لتفتيت المعارضة , بأسلوب يستحق أن نطلق من خلاله تسمية سويسرا الشرق على بلدنا سوريا “بعد الاعتذار من الأخوة اللبنانيين” فهاهي المعارضة “المستقلة” تجتمع في قاعةٍ , في إحدى فنادق الدرجة الأولى “للتشاور” تحت أعين السلطة ورغما عنها ! , ألا يعني هذا أننا نعيش في سويسرا , عفوا سوريا الديمقراطية , اليوم ! , أليس هذا تأكيدا على أن شباب الانتفاضة كلهم مندسون متآمرون على البلد الذي يسمح بعقد جلسات المعارضة في وسط العاصمة , لقد قدم “المتشاورون” خدمة جلّى للنظام أيا كانت درجة قسوة بيانهم تجاه السلطة فان هذه السلطة  لم تهتم يوما بأمر الداخل السوري , وإنما كل ما تريده هو محاولة الإثبات للخارج بأن السوريين يعانون من ديمقراطية مزمنة والدليل : ها هي المعارضة تجتمع وتطلق اسم الاستبداد على السلطة الحاكمة دون أن تقوم هذه السلطة بقتلهم , كما يحصل في شوارع مدننا كل يوم , ألا يعني هذا منتهى الديمقراطية , وهذا كل ما تريده هذه السلطة , وكل من يقول غير ذلك , فهو ليس أكثر من متآمر أو مندس .

على فكرة كنت مدعوا إلى هذا المؤتمر , لكني رفضت تلبية الدعوة , يبدو أنني من جماعة المندسين أو المتآمرين على الديمقراطية التي نعاني منها , عفوا , أقصد ننعم بها في بلدنا سوريا !!!!! .

الحسكة في : 27/6/2011

المؤتمر التشاوري لمثقفي الداخل السوري وتشكيك معارضين!!!..

الطاهر إبراهيم

(انعقد في دمشق بتاريخ 27- 6-2011 اللقاء التشاوري الأوّل، بحضور شخصيات ثقافية واجتماعية تمثّل طيفاً من المجتمع السوري، وقد تمّ افتتاح اللقاء بالنشيد الوطني العربي السوري). بهذه الكلمات بين هلالين استهل البيان الختامي للقاء التشاوري الأول المنعقد في فندق سميراميس بدمشق تحت شعار: (سورية للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية).

ووسط عجز البيان عن استخدام بعض الكلمات المعبرة عما يمور به الشارع السوري، التي كان يمكن أن تجلب على المؤتمرين غضب النظام، من دون مردود، صاغ المؤتمرون بيانهم للقاء التشاوري الأول. وعند صياغة البيان، كانوا كأنما يمشون في أرض ذات شوك. عليهم أن يصوغوا بأمانة ما تتعرض له سورية من بطش النظام وتنكيله بالمعارضين والمحتجين، وفي نفس الوقت عليهم أن يتجنبوا الجمل التي تستثير النظام، وقد أحاطت “الشبيحة” وأجهزة أمن النظام من كل الجهات، بفندق “سمير أميس”، الذي انعقد فيه المؤتمر، حيث زرع النظام عيونه من صحفيين وعملاء داخل المؤتمر وخارجه.

لا يتسع المجال لإيراد نص البيان كاملاً لذا أقتطف بعض ما ورد في “العهد” الذي جاء في ختام البيان: (من أجل بلادنا التي نحب، نتعاهد: بأن نبقى جزءاً من انتفاضة شعبنا السوري السلمية في سبيل الحرية والديمقراطية التعددية، يؤسس لدولة ديمقراطية مدنية بصورة سلمية وآمنة، ونعلن رفضنا اللجوء إلى الخيار الأمني لحل الأزمة السياسية البنيوية العميقة التي تعاني منها سورية).

كما نورد، باختصار، بعض البنود التي وردت في البيان:

1-“دعم الانتفاضة الشعبية السلمية” -2 “إنهاء الخيار الأمني وسحب القوى الأمنيّة من المدن والبلدات والقرى” 3- “ضمان حريّة التظاهر السلمي بدون أذن مُسبق” 4- “إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي، والمعتقلين على خلفيّة الأحداث الأخيرة دون استثناء”. 7- “إعادة اللاجئين والمهجرين إلى منازلهم، وحفظ أمنهم، وكرامتهم وحقوقهم، والتعويض عليهم”. 8- “إدانة أي سياسات أو ممارسات أو دعوات تشجع على التدخل الأجنبي”.

هذا باختصار ما يمكن أن يقال عن المؤتمر من ساعة افتتاحه، وحتى صدور بيانه الختامي، من خلال ما أوجزناه آنفاً. إلا أن ما سبق المؤتمر، تميز بتشكيك غير مبرر. نعتقد أن أجهزة النظام لم تكن بعيدة عن بعض التشكيك، لإيقاع الفتنة بين المؤتمرين وبين الشارع ومعارضة الخارج. إلا أن البيان أشاد به كثيرون بعد صدوره ورجع قسم كبير عن تشكيكه.

فالناشط اللامع “محمد علي عبد الله” منسق فعاليات الثورة خارج سورية، وجّه من واشنطن نقداَ للمؤتمر قبل انعقاده، كما فعل “عامر الصادق” مسئول تنسيقيات الثورة داخل سورية. إلا أن “محمد العبد الله” تخلى، بعد إذاعة البيان، عن كثير من ملاحظاته التي كان أبداها وأبقى على نقده لحضور أناس المؤتمرَ، كانوا أساؤوا للثورة مثل الممثل “عباس النوري”.

أنا أعذر شباب الثورة على خوفهم من انعقاد أي مؤتمر داخل سورية. هم يعتقدون أن النظام السوري لن يسمح بانعقاد هكذا مؤتمر إلا وأن يكون قد قبض ثمن السماح مقدماً، إما تساهلاً في بيان المؤتمر، أو إثارة للبلبلة في صفوف المعارضين داخلاً وخارجاً. هؤلاء الشباب بلغوا مراتب متقدمة في تكتيك الكر والفر أثناء المظاهرات في كل حي وشارع. لكن حداثة أسنانهم ( 16– 25 سنة) تجعلهم لا يعرفون حقيقة هؤلاء المعارضين الذين تناوبوا على المعتقلات جماعات وأفراداً، فلا يمكن أن يخونوا قضيتهم التي اعتقلوا من أجلها أو يبذلوها رخيصة. لكني لا أعذر بعض معارضي الخارج الذين انتقدوا المؤتمر، وليس كلهم فعل ذلك. وللأمانة لا بد أن نذكر هنا أن أكثر من عضو من أعضاء المؤتمر أكد قبل المؤتمر وبعده: أنهم ليسوا بديلاً من أحد. وأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. بل إن المؤتمرين عبروا في أكثر من مناسبة، أن الفضل يعود، أولاً وأخيراً، إلى الشارع المنتفض بأن المثقفين استطاعوا، منذ أكثر من أربعة عقود، عقد مؤتمرهم هذا في قلب دمشق.

هؤلاء المثقفون ما كانوا ينتظرون أن يسمعوا من أحد كلمة “عفارم”، وقد اخترقوا الحواجز، بكل ما يمكن أن يندرج تحتها مادياً ومعنوياً، حتى وصلوا إلى عقد المؤتمر في فندق سمير أميس بدمشق. وربما انتظروا أن ينالهم الأذى من النظام، لكنهم أبداً ما كانوا يتوقعون أن ينالهم الأذى من معارضين أمثالهم، خدمهم الحظ أن “ينفذوا بجلودهم” خارج سورية، وبقوا هم في داخلها ليتعرفوا على أكبر عدد ممكن من ضباط الأمن ومن السجون.

هذا المؤتمر الطويل العريض انحشر فيه أكثر من 200 عضو في قاعة لا تتسع، في أحسن حالاتها، إلى أربعين عضواً. ولكم أن تتخيلوا كيف تدبروا دفع 58000 ليرة سورية (1100 دولار) أجرة للفندق، فقد توزعوا المبلغ بين البعض منهم ممن قدر على دفع جزء منه.

كما أسلفت فقد نقبل نقد الشاب “محمد العبد الله”” ونقد “عامر الصادق”، لكنا لا نقبل من كهول المعارضة –الذين أنعم الله عليهم فنفذوا بجلودهم- أمثال “حكم البابا” (المقيم حالياً في دبي)، حيث استبق المؤتمر وسماه مؤتمر “بثينة شعبان”. ولا من الأستاذ “هيثم رحمة” الذي ساهم في مؤتمر “بروكسل”، حيث يبدو أنه اختلط عليه الأمر بين مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا النظام إلى عقده في10 تموز الجاري برئاسة نائب الرئيس “فاروق الشرع” وبين هذا المؤتمر التشاوري الذي عقده المثقفون في27 حزيران الماضي، فأصدر “رحمة” في 26 حزيران الماضي بياناً عن المؤتمر التشاوري جاء تحت عنوان: “الحوار الوطني المسموم في دمشق”.

وقد علقت في حينه على بيان “هيثم رحمة” بالقول: (هؤلاء الذين تداعوا إلى عقد مؤتمر لهم داخل سورية، معظمهم ممن اعتقلهم النظام، فلا يحق لنا أن نصادر عليهم سعيهم قبل أن نعرف إلى ما يتوصلون إليه. وإذا كان هناك من أحد يحق له أن يعترض عليهم، فهم شباب الداخل الذين يكشفون كل يوم عن صدورهم ونحورهم أمام نيران أجهزة النظام. علينا أن نحترم إرادة الآخرين ولا نصدر إلا عن بينة مثل عين الشمس). وقد تبين صدق نظرتي للمؤتمر من خلال المناقشات التي جرت فيه ومن خلال البيان الذي أصدره.

على كل حال، كان هناك مثقفون أنصفوا المؤتمر أمثال البروفيسور “برهان غليون” رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر في باريس حيث علق على نتائج المؤتمر بقوله: “إنه صفعة للنظام الذي راهن على شق صف المعارضين”. كما عنون “صبحي حديدي” الكاتب السوري المعارض مقالاً له في القدس العربي يوم الجمعة 1 تموز بالقول: “لقاء دمشق التشاوري: محاسن كثيرة تُذهب المساوئ القليلة”.

كنت أتمنى أن أستفيض في التعليق على ما جاء في بيان المؤتمر الذي كانت فقراته صورة عما يطالب به الشباب المحتجون، ولكن بشكل موارب. ولو أعدنا قراءة الشعار الذي اتخذه المؤتمر: “سورية للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية”، لوجدنا أنه يوصل إلى الشعار الذي يردده المتظاهرون السوريون: الشعب يريد إسقاط النظام”. حيث أن النظام الحاكم يرفض أن تصبح سورية دولة ديمقراطية، ما يعني أنه ينبغي إزاحته من السلطة، بأي أسلوب، كما جاء في شعار المؤتمر.

كاتب سوري

المركز الإعلامي

بينما يموت سوريون من أجل الحرية هناك يلعب من تحت الطاولة مع الأمريكان !!

حكم البابا

عندما قلت رأيي في مؤتمر سميراميس للمعارضة الجميلة لم تكن لدي المعلومات التي عرفتها اليوم، ولم أكن أعرف أن السفير الأمريكي في دمشق فورد كان شريكاً لبثينة شعبان في ترتيب هذا المؤتمر، فحسب ماعرفته اليوم التقى سفير الولايات المتحدة الأمريكية بعدد من المعارضين السوريين الشرفاء قبل حوالي عشرين يوماً أتحفظ عن ذكر أسمائهم الآن، وكان رأيه بأن على المعارضة السورية أن تبدأ حواراً مع النظام في أقرب وقت ممكن، لأنه لايوجد بديل عن الحوار، فالمعارضة لن تحصل على كل ماتريد، والنظام لن يستطيع أن يحتفظ بالسلطة ويديرها بنفس الأسلوب السابق، ولذلك لابد من قبول الحلول الوسط، لأن الغرب لن يتدخل في سورية كما تدخل في ليبيا أو أي مكان آخر، على حد تعبير السفير الذي تابع قائلاً بأنه يستطيع بطريقة أو بأخرى تسهيل هذا الحوار، وعندما أجابه المعارضون الذين وصفتهم بالشرفاء سابقاً لأنهم حقيقة شرفاء بالقول أن هذا النظام قد فقد صلاحيته، وأنه غير قابل للاصلاح، وأن الناس على الأرض في سورية لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال باستمراره، قال السفير بأنه يخشى من أن المعارضة لن تستطيع الوصول إلى هذه الأهداف، فانتهى اللقاء على هذا..

وبعد عدة أيام حسب رأي نفس المصدر الذي روى لي القصة السابقة قد يكون السفير التقى بمن ساهم في تنظيم مؤتمر سميراميس والدعوة إليه، لأن الهدف منه والاستثمار الأمريكي له (الذي عبر عنه تصريح الخارجية الأمريكية التي رحبت بعقد مؤتمر سميراميس واعتبرته خطوة ايجابية ليس لها سابقة منذ خمسين عاماً) جاء مطابقاً لما جرى في لقاء السفير مع المعارضين الذين رفضوا اللعب بخطة السفير الأمريكي!!

هذه القصة التي نقلها لي مصدري الثقة كونه كان شاهداً على أحد فصولها، تحتاج إلى تأكيد أو نفي لأنها تقول شيئاً خطيراً، فبينما يموت سوريون دفاعاً عن الحرية، وييتم أولاد وتثكل أمهات وترمّل زوجات من أجل الكرامة، هناك من يقتسم مغانم ويوزع أدوار، ويبيض وطنية في حديثه عن معارضة داخلية (نظيفة) ومعارضة خارجية (وسخة) بينما هو يلعب من تحت الطاولة مع الأمريكان !

مؤتمر المعارضة في دمشق، انسجام مع الثوار أم تلميع لنظام بشار ؟

د أحمد بن فارس السلوم

لا يحق لأحد أن يحكر العمل السياسي المعارض على جهة أو شخص ما في سوريا، فكم شكونا من استبداد النظام الشبيحي وتفرده بإدارة شؤون البلاد، فكيف نقبل به في العمل المعارض.

لكل أحد الحق أن يقول برأيه – إن كان ذا رأي – في ما يحصل في سوريا، وله الحق أن يدلي بدلوه – على طريقته -للمساهمة في إصلاح البلاد، فسوريا للجميع وعلى الجميع أن يخدمها.

أرفض الوصاية على العمل السياسي المعارض ولكني أرفض كذلك الاستبداد فيه، فكما قيل: دعوا الأمر يبلغ أناه فلا خير في الرأي الفطير!

فليس كل عمل معارض يعني سلامته مطلقا، ولا يلزم صحة إجراءاته.

لم أكتب عن هذا المؤتر فور الإعلان عنه ولا بعد انتهاء أعماله كي لا أظلمه، ولكن الآن بعد أن وضحت الصورة سأتأبط رأيا أكتبه – غير مستحقبٍ إثما  من الله ولا واغلِ -:

قد رابني في هذا المؤتمر أمور:

1- غياب رجلين كبيرين في العمل المعارض الداخلي وهما هيثم المالح وحسين العودات، وهذان الشخصان – الكبيران سنا وقدرا – أكثر الأشخاص تناغما مع مطالب الثوار،

وتصريحاتهما المتكررة عبر وسائل الإعلام لا يوجد فيها تراجع ولا تخاذل في قضية الشعب السوري،  فهما لسان الثوار الناطق في الداخل بقوة.

2- توقيت  هذا المؤتمر – الذي يعقد لأول مرة في تاريخ النظام القائم داخل دمشق، بعد خطاب بشار الأسد الثالث، وخطاب وليد المعلم الإلحاقي – غير موفق، ولا أشكك في نوايا المؤتمرين، ولكن

طيلة ثلاثة أشهر من الثورة لم يقم النظام بأي عمل سياسي حقيقي، كل ما قام به هو القمع والإرهاب، ثم فجأة صحا النظام على ضرورة التعاطي السياسي، وجاء هذا المؤتمر على أعقاب هذه الصحوة

المتأخرة، فهل جاء هذا المؤتمر ليكون جزءا من التعاطي السياسي للنظام؟؟

3- النظام الشبيحي في سوريا أرسل شبيحته خارج الحدود إلى انطاليا ليفسدوا أجواء المؤتمر المنعقد هناك، في حين قامت الاخبارية السورية بنقل مقتطفات من هذا المؤتمر، دون مونتاج كما يقولون، ماهذه الثقة الكبيرة بالمعارضة؟؟

الذي يريبني أن النظام الشبيحي ينوي عقد حوار وطني – كما سماه – مع أطياف المعارضة، والذي أخشاه أن يكون قد وجد شريكه في هذا الحوار من خلال هذا المؤتمر.

4- النظام الشبيحي كان قبل عقد المؤتمر في أسوء أوضاعه، والضغوط العالمية عليه تزداد، ولم تنله كلمة ثناء على تعاطيه مع الثورة طيلة ثلاثة أشهر، ثم فجأة ظهر الثناء الأمريكي على هذا النظام

من خلال هذا المؤتمر المنعقد في دمشق، قد كان النظام في أمس الحاجة لمثل هذه التهدئة من قبل الغرب، وقد وجدها وعلى طاولة المعارضة.

5- لست خائفا على الثورة، قلت ذلك مرارا، فالثورة شبت عن الطوق، والثورة هي الحاكمة على كل عمل سياسي، فكل ما لا يتوافق مع أدبياتها ستضج به ساحات الثوار، وقد رأيت الثوار غير مكترثين بهذا المؤتمر ولا راضين عنه.

6- الخطاب الختامي للمؤتمر  لا يتوافق مع شعارات المتظاهرين المطالبة بإسقاط النظام، وإسقاط رموزه، وليس الحوار معه، على أن مطالبة المؤتمرين بالديمقراطية هي مطالبة جوفاء لا يمكن تطبيقها على أرض

الواقع فالنظام الشبيحي لا يمكن إصلاحه، لأنه لا أمان له ولا فكر لديه، ولا يمكن أن يقبل بأي تنازل عن السلطة المطلقة التي يتمتع بها، لأن أي تنازل عنها يعني محاكمته وإعدامه، فجرائمه تفوق الخيال.

7- على المعارضة في الداخل والخارج أن تكون عونا للثورة لا كلاًّ عليها، متناغمة مع شعاراتها لا طارحة لأفكار وحلول معارضة لها، فالعمل المعارض الناجح هو ما يلبي مطالب الشعب ويحقق تطلعاته.

أكاديمي سوري

لقاء المعارضين في دمشق: رفض وتخوّف… وتأييد

انعقد في دمشق يوم 27/ 6 لقاء لعدد كبير من المثقفين والفنانين والسياسيين المعارضين والمستقلين، تحت وقع سيل من التخوين والاتهام من جانب أطراف «معارضة»، وتشكيك في أنه تمهيد للحوار الذي دعت إليه السلطة، وأنه جرى بالتالي بالتنسيق معها وبموافقتها

سلامة كيلة

ربما لم يكن متخيلاً عقد لقاء لعدد كبير من المعارضين في وسط دمشق (فندق سميراميس)، حيث إن السلطة تلاحق كل لقاء أو اجتماع أو تجمّع منذ زمن بعيد. على الأقل هكذا اعتاد السوري منذ أن أعلنت الأحكام العرفية وخضع الحيّز السياسي لسلطة حزب البعث كواجهة لسلطة أدق، وأصبح «مؤمماً». لا شك في ذلك، ولا شك في أن هذا الشكل من الاجتماع سيبدو غريباً وشاذاً، وبالتالي «موافقاً عليه»، أو «موحى به». لكن ألا يشير الوضع الذي دخلته سوريا منذ 15 آذار الفائت إلى أن منطقاً جديداً أصبح يحكم كل حراك؟ ربما لم يجرِ تلمس هذه المسألة بعد!

في كل الأحوال، كان الاتهام الأساسي هو أن اللقاء يجيء في سياق الإعداد للحوار «الوطني» الذي دعت إليه السلطة، وتشكلت لجنة من أجل متابعته، وأنه جزء من النشاط الذي تقوم به هذه اللجنة. اتحاد تنسيقيات، الذي يعبّر عن بعض لجان التنسيق التي تتابع الحراك، اتهم مباشرة وكذلك بعض أطراف المعارضة في الخارج (واتحاد اللجان هذا ليس بعيداً عنها). ولجان التنسيق المحلية في سوريا اتخذت موقفاً ايجابياً. آخرون رأوا أن اللقاء هو اجتهاد من بعض النخب التي لا يشك أحد في موقفها من النظام، فقد قضت سنوات في السجون، وأن من الأفضل ألا يعقد لكي لا تستفيد السلطة منه لتسويق دعوتها إلى الحوار. وآخرون تخوّفوا من أن يصدر اللقاء بياناً يدعو إلى الحوار نتيجة ما أثير حول الحوار من نقاش، وخصوصاً أن بعض الداعين إلى اللقاء التشاوري وردت أسماؤهم في لقاءات مع بعض أطراف السلطة، رغم أنهم أوضحوا بأنهم لم يكونوا في وارد الحوار، وأن موقفهم من الحوار هو ما قررته التنسيقيات، هذه التي حددت ضرورة أن يسحب الجيش والأمن من المدن والبلدات وأن يحاسب الذين أصدروا أوامر القتل، وإطلاق كل المعتقلين السياسيين والذين اعتقلوا على خلفية الحراك، والسماح الكامل بالتظاهر السلمي.

لكن كل ذلك لم يكن لينهي التخوّف أو يوقف الاتهام. وهو الأمر الذي جعل كثيرين ممن دعوا إلى اللقاء يغيبون عنه. المسألة الأساس كانت تتمحور حول هل يخرج اللقاء ببيان يشير إلى الحوار أم يكون شكلاً من أشكال النشاط الذي تمارسه الانتفاضة الشعبية، ويكون تحت سقفها وليس تحت سقف السلطة؟

إذا تناولنا النخب في سوريا، نلحظ بأن هناك رأياً جديراً بالنقاش ينطلق من أن الوضع يمكن أن ينزلق إلى صراع طائفي ويقود إلى الدمار، ولقد وردت إشارات حول ذلك في اللقاء، وانطلاقاً من ذلك يشار إلى ضرورة ألّا نصل إلى هذا المنزلق من خلال عدم إغلاق باب الحوار مع السلطة، لأن الحل لن يكون إلا بالتفاوض ولكن ليس بأي شروط، ولهذا تلتزم بالشروط العامة المطروحة، لكنها تصرّ كذلك على الحوار. وإذا كان يمكن نقاش مسألة المسار الذي يمكن أن يتطور إليه الوضع، وهل سيصل إلى الحرب الطائفية، أو هذه الفرضية ليست حقيقية، فإن النتائج التي انبنت عليها لاحقت اللقاء من خلال القول إن الدعوة تهدف إلى الحوار مع السلطة.

في المقابل كانت الدعوة تبدو كتحدٍّ بأنه يجب التقدم خطوة في سياق تطوير نشاط الانتفاضة من خلال القول العلني والمباشر بأن هذه النخب هي جزء من الانتفاضة وأنها تستطيع أن تعلن ذلك في وسط دمشق، حيث لا بد من كسر حاجز التخوف من المشاركة لدى قطاعات لا تزال متخوفة ومتفرجة، ومشككة في طبيعة الانتفاضة نتيجة ما يبثه الإعلام الرسمي و«الخارجي» من صور ومقابلات توحي بطابع طائفي معيّن للانتفاضة. فمن ينطلق مما يرد في الإعلام يتوصل إلى أننا مقبلون على صراع طائفي أو أن الانتفاضة هي «أصولية» تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين. ولا شك في أن الإعلامين يتقصدان ذلك، السلطة من أجل تخويف «الأقليات» خشية انضمامها إلى الانتفاضة، و«الإسلاميون» الذين يودون أن تكون انتفاضة «إسلامية». وهذا ما كانت تعبّر عنه مواقع على الفايسبوك، ويقال في المقابلات، وينشر في بعض الفضائيات. لهذا لا بد من تأكيد الطابع المدني للانتفاضة، وأنها تهدف إلى تأسيس دولة ديموقراطية مدنية، رفضاً لمنطق التجييش الطائفي وتأكيداً على أنها انتفاضة كل الشعب (الذي ظهر في شعارات كثيرة قيلت، مثل لا سلفية ولا إخوان الثورة ثورة شجعان، والشعب السوري واحد ..).

كل هذه الأجواء كانت تلف اللقاء، وربما كان البعض يريد أن يخرج اللقاء بما يشير إلى الحوار، لكن «الجو العام» في اللقاء كان يشير إلى غير ذلك. لقد كان دم الشهداء وصلابة الشباب في وجدان الذين حضروا، ولهذا أتت مداخلاتهم على الأوراق التي قدمت واضحة في هذا السياق. فقد قدم الكاتب ميشيل كيلو ورقة شفوية طرح فيها تصوره للإجراءات «الفورية» بعد شرح لعمق الأزمة استناداً إلى عمق المشكلة الاقتصادية، وكان يشير إلى ضرورة السير إلى وضع يؤسس لنظام يقوم على الطبقة الوسطى، لأن ذلك وحده هو الذي يؤسس لنظام ديموقراطي ويخرجنا من الشرق الاستبدادي والمنتج للاستبداد إلى العالم الحديث. وكذلك قدّم الدكتور منذر خدام ورقة مكتوبة تشير إلى مستلزمات المرحلة الانتقالية، وبالتالي كيف يمكن أن تقود الانتفاضة إلى تحقيق الانتقال إلى الدولة المدنية الديموقراطية التي كانت شعار اللقاء التشاوري، ثم قدم الدكتور حسان عباس ورقة عن دور النخب والمثقفين في الانتفاضة وفي عملية الانتقال.

في كل الأحوال مثلت الأوراق المقدمة وجهات نظر مقدميها، ولقد طرحت للاستنارة، وفتح أفق النقاش حول مسألة بالغة الأهمية تتمثل في صيغة «المرحلة الانتقالية»، حيث إنها مسألة إشكالية حتى في تونس ومصر، وهي إشكالية في اليمن. فقد فرضت القوة التي سيطرت على السلطة (الجيش) إيقاع المرحلة الانتقالية وحدودها، وكان يتوضح أن هدف ذلك هو إعادة إنتاج السلطة القديمة، لكن بوجوه جديدة وشكل جديد. وهو ما جعل الصراع مستمراً إلى الآن في كل من مصر وتونس. وشباب اليمن يطرحون اليوم بديلهم المتمثل في تشكيل مجلس انتقالي يقود المرحلة الانتقالية، وبالتالي يبتعد عن بنى السلطة القائمة، ما يجعله أقرب إلى تحقيق المطالب الشعبية (على الأقل على المستوى الديموقراطي). بهذا المعنى كيف يمكن أن تكون المرحلة الانتقالية في سوريا في ضوء مطالب الانتفاضة التي بات شعارها هو إسقاط النظام؟

هذه مسألة يجب أن يفتح النقاش حولها، وربما كانت قيمة اللقاء أنه قدم تصوراً يمكن أن يكون أرضية للنقاش الأعم، أو يحرّض على تقديم تصورات أخرى. ولهذا لم يلجأ اللقاء إلى إقرار الورقة المقدمة، ولم يكن هدفه ذلك، فهذا موضوع يحتاج إلى النقاش أولاً.

البيان الختامي، بالتأكيد كان مفاجئاً للمخونين والمتخوفين معاً، وفرض على الإعلام السلطوي العمل على تشويه ما جرى. فقد جرى التأكيد على دعم الانتفاضة الشعبية، والتزام مطالبها، في سياق العمل على تأسيس دولة مدنية ديموقراطية. كذلك شدّدد على إنهاء الحل الأمني والتجييش الإعلامي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والذين اعتقلوا على خلفية الانتفاضة، و..إلخ. لكن الأهم فيه هو هذه النقطة الأولى التي أظهرت انحياز المشاركين إلى الانتفاضة، الذي ظهر أن خطوة مهمة قد قطعتها «النخب» في طريق الانخراط فيها، ومحاولة لعب دورها الموضح لمضامين الانتفاضة، وطبيعتها. وهو ما أوضح بأن المشاركين ينطلقون فعلاً من أنهم جزء داعم للانتفاضة، وليسوا في وارد الحوار أو «قطف ثمار» الانتفاضة من أجل دور ليس لهم، أو يحاولون أن يحلّوا محل بعض من يعتقد بأنه «قائد» الانتفاضة و«ممثلها الشرعي». فالانتفاضة يقودها شباب وهم من سيحدد وجهتها، ومن سيقرر نهايتها. وكل من ظن بأن المسألة تتعلق بتنافس على «ركوب الانتفاضة» سيخذل لأن اللقاء لم يفكر في هذا الدور، وظل يعتقد بأنه دور من يدفع الدم: الشباب.

لهذا ربما توضّح أن عقد اللقاء تحقق بفعل الدم الذي قدمه الشهداء، والذي فرض الحاجة إلى التقدم لكسب المواقع على الأرض وليس في «الفضاء الافتراضي»، فالسيطرة على الأرض تتحقق هكذا. لا شك في أن السلطة علمت باللقاء، لكن ما فرض أن يتحقق (بموافقتها) هو هذا الصراع الكبير الذي يقوم به الشعب، والذي يفرض «التنازل»، ربما على أمل الامتصاص، لكن في المقابل يفضي إلى تحقيق تقدم في الفاعلية على الأرض. والنشاط والنقاش والصراع يجري في هذه الأجواء، وبالتالي سيخضع لميول ومواقف الأطراف المختلفة، ورؤيتها لأثر كل خطوة على سياساتها، أو كيف تخضعه لسياساتها. لكن تبقى الأهمية للنتائج التي خرج بها اللقاء.

تنسيقية أحياء دمشق التي تعنى بنشاط الانتفاضة أصدرت تصريحاً داعماً للقاء. والسلطة حاولت أن تلعب في طابعه، وبعض الدول الإمبريالية رأت أنه «خطوة في الاتجاه الصحيح» للنظام. لكن سيتضح أنه كان خطوة مهمة في سياق تطور الانتفاضة.

الأخبار

مثقفو سميراميس: إعادة صناعة معنى الداخل السوري

جهاد الزين

أثار اجتماع فندق سميراميس المعارض ردود فعل متعددة. نص جهاد الزين التالي يدخل على السجال من زاوية الإشكالات المتعلقة بدور المثقفين وموقع السجناء السياسيين السابقين.

تتبلور في سوريا اليوم، وتحديدا في دمشق، “مرجعية” معنوية هامة هي واحدة من المرجعيات (المعلنة اوالخفية) التي سلط الحراك الشعبي الضوءين الداخلي والخارجي عليها  ولا بد انها ستتعدد اذا كان لسوريا ان تنتقل الى نمط آخر للحياة العامة.

انها “مرجعية” لا تزعم لحظة انها ذات تمثيل شعبي مباشر او حتى انها ذات تمثيل شبابي مباشر في هذا العالم “الافتراضي” الذي بات شديد التأثير التحريضي في شوارع المدن المدينية والمدن الريفية العربية.

انها “مرجعية” مثقفين يساريي الجذور، ليبراليي التحول ولكن الأهم من كل ذلك انهم صنعوا قيمتهم الاساسية  بين غرف اجهزة الأمن وزنازين السجون منذ افتتح “اعلان دمشق” مرحلة النضال الديموقراطي في سوريا بعد العام الفين مع بداية عهد الرئيس بشار الاسد.

لقد كان لوجودهم داخل سوريا المعنى الاول في هويتهم السياسية النضالية. لا يعني الأمر في بلد كسوريا ان من كان في الخارج من المثقفين المعارضين أمثالهم كان في وضعية “منقوصة”. على العكس هناك كثيرون لم يغادروا إلا مرغمين إما هربا من ملاحقة أو تلافيا لملاحقة  او حتى غادروا بدون أي ضغط … لكن هؤلاء الذين نعنيهم تحديدا هنا بقوا في النتيجة وواجهوا على ارض سوريا ودخلوا السجون في هذه الحركة العامة التي أخذت تجمعهم منذ أكثر من عقد سعيا الى إصلاح أو تغيير وفي كل الحالات محاولة دائمة لتوسيع بل استحداث مساحة للحريات.

اعرف عديدين منهم وتعاملت معهم طويلا ككُتاب في فترات صعبة واعرف يقينا أنهم فقراء، فخورون، ويحمل بعضهم فيما كان يأتي من دمشق الى بيروت لتسليم مقال او للمراجعة بمقال على متن سيارة اجرة  كل ذكاء الشخصية السورية المعاصرة ولماحها وقوتها  حتى لو ان احدهم – وبصمت لم يكسره مرة – كان يعوِّل على “مكافأة” (وهذا التعبير ليس لي بل ورثته من بيروقراطيات الصحف اللبنانية) مالية متواضعة عن مقال واحد فعلا ليوازن بها مصروفه لشهر كامل. لم اسمع حتى من اقرب أصدقائي بينهم أي اعتراف من هذا النوع في أي وقت من الأوقات. واجزم بذلك.

كنت امازح غسان تويني عندما كان يصلني من احدهم مقال موفق في ألمعيته اننا نحن الصحافيين اللبنانيين أصحاب مصلحة  خاصة كبرى في عدم وجود نظام ديموقراطي في سوريا. فيسأل ماذا تقصد بذلك؟ قلت له لو كانت هناك ديموقراطية لازدهرت الصحافة السورية ولكشفت وأتاحت المجال لعودة بروز كفاءات مهنية صحافية سورية هائلة كانت ستؤدي بالصحافة اللبنانية إما للاستغناء عن كثير من الصحافيين اللبنانيين أو لتخفيض رواتبنا بوجود بدائل أفضل و”ارخص”! كانت المناسبة يومها مقالا هو مدرسة في التحقيق الصحافي الكاشف عن التفاوتات السياسية والاجتماعية وبالتالي الطائفية بين سكان مدينة اللاذقية وكان مبنيا “فقط” على قراءة  المعلومات التي تتضمنها اوراق نعي المتوفين الملصوقة على حيطان أحياء المدينة المختلفة. وهذا طبعا غيض من فيض ألمعي منشور او لم ينشر بعد او حتى-لأضيف – لم يكتب بعد بانتظار ايام سورية أفضل.

 

كنا ننشر لعدد لا بأس به من الكتاب المعارضين لكن كان المقال الآتي من داخل سوريا له أفضلية شبه مطلقة. ببساطة كان سبب التفضيل الذي اعتمدناه بشكل شبه منهجي – الا في بعض الحالات- ان الكاتب المعارض الذي يوقع  اسمه الصريح من داخل سوريا لا يشاركنا (في النصف الثاني من التسعينات والنصف الاول من العقد المنصرم)  مسؤولية مجازفة النشر في بيروت فحسب، بل يضع نفسه قبلنا في “بوز المدفع”. وهذا يعطيه مبدئيا أحقية حتى أخلاقية في النشر. ولا ازعم اننا التزمنا تماما بذلك إلا اننا بدون شك سرنا عموما تحت هذه الخيمة ولو مع استثناءات لأن بعض المقالات كان يتخطى كل “السقوف” الممكنة للنشر يومها (بما فيها مرة سقف الغلاظة الشخصية عند احدهم ممن احترف شتم رفاقه وتخوينهم)!

… بين هؤلاء الذين اجتمعوا في فندق سميراميس في دمشق يوم الاثنين الماضي بل في قيادة الاجتماع، مثقفون علمانيون اصبحوا رموزا للحراك الديموقراطي قبل سنوات من ان يصبح هذا الحراك شعبيا في العالم العربي… سبقوا حركة “كفاية” الريادية المصرية وان لم يسبقوا طبعا النضالات النقابية والاعلامية التي كانت  تحتقن بها مصر بل النخبة المصرية منذ الثمانينات. وأنا هنا في خلفية كلامي أميّز على مستوى العالم الثالث حقبة النضال الديموقراطي غير الايديولوجية التي تلت الانتصار الاميركي الذي أدى الى سقوط الاتحاد السوفياتي  ومعه جدار برلين … أميّزها عن الصراعات الايديولوجية بين أحزاب في السلطة وأحزاب خارجها في فترة “الحرب الباردة” ومن ضمنها سوريا في العالم العربي. كما اعتبر على المستوى  السوري الصرف “إعلان دمشق” نقطة التحول الرمزية الكثيفة في هذا المسار الليبرالي الذي افتتحه مثقفون من أجيال مختلفة حتى لو كان بعضهم موصولا من حيث تاريخه السياسي بالحقبة الايديولوجية المنتهية . لكن “إعلان دمشق” كان حركة من زمن مختلف وسيظهر لاحقا انه كان “حركة ” آتية من المستقبل.

لم يُصغِ النظام الامني طويلا الى هؤلاء بعد العام الفين بل اضطهدهم وسجنهم احيانا. ها هو اليوم “يكتشف”، وهم المعارضون  السلميون العنيدون، كم هي اهميتهم في البحث عن مخرج . والانصاف العميق يتطلب القول ان نوع لقاء سميراميس الأخير وبيانه الختامي يعكسان ما كان دائما  هو مشروع هؤلاء المثقفين العلمانيين، الا ان الرفض العاتي الذي كان يصدر عن  النظام الامني منع افتتاح مدى سلمي ديموقراطي لسوريا عل الأقل منذ العام 2002.

على اي حال هذا شأن مضى من حيث خسارة سوريا، عبر تجاهل بل رفض مشروع هؤلاء،  لسنوات ثمينة من تطورها السياسي في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين.

اتحدث عن “مرجعية” وليس بأي شكل من الأشكال عن “مؤسسة” ولا عن مشاريع تحالفات حزبية قد ينخرط فيها بعض هؤلاء المناضلين وهذا طبعا من حقهم سواء اتفق او اختلف معهم آخرون في عملية إعادة التشكّل الحالي، ولو التي لا تزال غامضة، للحياة السياسية السورية. ما أنا بصدده هنا هو هذا التبلور المعنوي لوضعيات أفراد ذوي مصداقية شخصية نضالية تقدمت الى واجهة المسرح للعب دور سياسي معنوي هام – واشدد على معنوي – كما لو انه كان ينتظرها  في لحظة تحول كبرى بقابلياتها الخصبة ومخاطرها في آن معا.

لهذا الأهم هنا هو ملاحظة ان هؤلاء المناضلين يجدون انفسهم  حاملين في لحظة تاريخية مفاجئة ليس فقط  هَمّ مشروع التغيير الديموقراطي – وهو شأن هائل – بل وفي الوقت نفسه شأنا قد يكون أكثر هولا هو وحدة الكيان السوري كما نجحت في تأمينها نضالات الحركة الوطنية السورية في الثلاثينات كوحدة بين أربع دويلات واستكملتها في النصف الأول من الاربعينات قبل انجاز الطرد النهائي للانتداب الفرنسي خلال وبعد الحرب العالمية الثانية.

لا يدّعي قادة لقاء السميراميس أي تمثيل شعبي – مثلما لم يدّع ذلك  علاء الاسواني وجورج اسحق ورفاقهما في مصر- ولكن كونهم أفرادا “يتشاورون” لا يقلل أبدا من الأهمية بل الحاجة الى أمثال هذه الرموز التي تعلن صوتها من الداخل – وهذا جوهري – وصنعت مصداقيتها في الزنزانات او في ظلها الكابوسي في الشارع وفي البيت.

الآن سوريا في حقبة جديدة أظهرت أو ظهّرت قيمة هذه الرموز للاتزان الوطني نفسه من ضمن معركة التغيير الذي لم يعد ممكنا إعادته إلى الوراء بكل المعايير. ولذلك فان السميراميس اصبح عنوانا لولادة مرجعية لا تقاس في هذه المرحلة الانتقالية بمعايير تقليدية. فمعها يولد – بتواضع ولكن بكثافة رمزية- إمكان داخل سوري  افتراضي تغييري وعقلاني.

هؤلاء الكتاب الفقراء، الذين لا يملك اغلبهم سيارة خاصة تقي صاحبها الركض وراء باصات المازوت في شوارع دمشق وحمص  وغيرها، يصنعون  معنى  أكثر منطقية للداخل السوري.

الشعوب – في مقدمها النخب- تصنع التغيير لكن المثقفين يصنعون معناه.

جهاد الزين

jihad.elzein@annahar.com.lb

النهار

سوريا: بين “القصر الجمهوري” و”فندق سمير أميس

سليمان يوسف يوسف

المسافة الجغرافية بين (القصر الجمهوري) المطل من احدى تلال قاسيون على دمشق وبين فندق(سمير أميس), الذي احتضن اللقاء التشاوري الأول لأكثر من 200 من السياسيين والكتاب والمثقفين والنشطاء الحقوقيين السوريين جلهم من المعارضين المستقلين, ليست ببعيدة(بضعة كيلومترات). بيد أن المسافة “السياسية/الفكرية” بين من يقيم في هذا القصر(المسمى بقصر الشعب), وبين من التقوا في فندق سمير اميس يوم 27 حزيران الماضي, تبدو طويلة وشاسعة جداً.هذه المسافة التاريخية الزمنية تخفي في ثناياها أسرار وأسباب الأزمة الوطنية السورية المتفجرة في الشارع. صحيح أن ما بات يعرف بـ”معارضة فندق سمير أميس” لا تمثل كل المعارضات السورية. لكن الصحيح أيضاً,أن بيانها الختامي, الذي أكد على “دعم الانتفاضة الشعبية السلمية من أجل تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والكرامة والدولة المدنية. وإنهاء الخيار الأمني, وسحب القوى الأمنيّة من المدن والبلدات والقرى”,تقاطع مع مطالب بقية تيارات وفصائل المعارضة الوطنية,في الداخل والخارج. طبعاً باستثناء المعارضة الميدانية المنتفضة في الشارع التي يبدو حتى الآن أنها لن تقبل باقل (من رحيل الأسد وسقوط النظام),الشعار الذي مازلت تتحفظ عليه وتتخوف منه المعارضات التقليدية.

المقيمون في القصر الجمهوري, جلهم من العسكر وجنرالات الدولة الأمنية,يسهرون ليلاً نهاراً على “مملكة الخوف” التي بنوها والتي بدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً تحت ضغط صرخات وهتافات السوريين المنتفضين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية. فيما من التقوا في قاعة المؤتمرات داخل “فندق سمير أميس” هم جمع وطني حر, ضم من مختلف الطيف السوري,القومي والديني والأثني والسياسي والاجتماعي والفكري والمناطقي.تنادوا للتشاور حول سبل تفكيك “مملكة الخوف” واعادة بناء جمهورية المواطنة ,والانتقال بسوريا الى دولة مدنية دمقراطية لكل أبنائها وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الهاوية بسبب الخيار الأمني الذي “سيأخذ البلد إلى كارثة لن يخرج منها”وفق ما قاله المعارض البارز ميشيل كيلو في ورقته المقدمة الى اللقاء التشاوري.

ثلاث خطب للرئيس بشار الأسد, منذ انطلاق حركة الاحتاجات في آذار الماضي, لم تحسم الجدل المثار حول موقعه في القصر وفيما اذا كان يمارس كامل صلاحياته الرئاسية التي يمنحها له الدستور؟. نفي الرئيس صراحة في خطابه الأخير لكل ما يشاع في الاعلام حول”أهل البيت”وبشكل خاص حول سلطته وعن دوره في ادارة الأزمة الراهنة, لم يبدد شكوك المشككين بحقيقة تموضعه السياسي كرئيس وسط الاصطفافات السياسية,التي ستحصل لا محال في قمة هرم السلطة,ان لم تكن قد حصلت بالفعل, على خلفية الأزمة الراهنة والمرشحة لمزيد من التصعيد والتفاقم.الى أية جبهة سيميل الرئيس بشار في النهاية؟.الى جبهة القصر, حيث حراس مملكة الخوف وقادة النظام الأمني والمنظرين لديمومة الاستبداد والمسؤولين عن قتل الأبرياء؟. أم أنه (الرئيس) سيلتحق بجمهور وأنصار تيار “فندق سمير أميس”, – من المتوقع أن يشهد هذا الفندق في الأيام القادمة لقاءات ومؤتمرات لقوى سياسية سورية أخرى- المطالبين ليس بتغير المادة الثامنة من الدستور (حزب البعث قائد الدولة والمجتمع) , وانما الثالثة أيضاً المتعلقة (بدين رئيس الدولة والفقه الاسلامي مصدر أساس للتشريع).لا بل أنهم يريدون دستوراً وطنياً مدنياً عصرياً جديداً, ويؤيدون مشروع “الحوار الوطني” الذي سيرعاه الأسد, شريطة أن يفضي هذا الحوار الى انهاء حالة الاستبداد القائمة والى تداول السلطة والانتقال بسوريا الى جمهورية جديدة لا مكان فيها للاستبداد والقمع.لأن حقيقة أية مقاربة وطنية للأزمة الراهنة ما لم تستجيب الى تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وتداول السلطة,ستكون مقاربة عقيمة ومن غير ذات جدوى ومجرد دوران في حلقة مفرغة.

بموازاة هذه التساؤلات المهمة المتعلقة بحقيقة ما يدور ويخطط له في “القصر الجمهوري” والتي عليها قد يتوقف ويتحدد مصير البلاد, ثمة تساؤلات مشروعة واشارات استفهام كبيرة حول ظروف وسر انعقاد اللقاء التشاوري في فندق سمير أميس , وحول أسباب غض السلطات النظر عن انعقاده على وقع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام وحملات القمع والتنكيل بالمدنيين؟. اللقاء الذي أثار ومازال جدلاً حامياً في مختلف الأوساط السياسية والشعبية والثقافية السورية في الداخل والخارج,خاصة وقد خلا بيانه الختامي من المطالبة الصريحة باسقاط النظام أو حتى تغييره.البعض شكك بنوايا وأهداف الداعين لهذا اللقاء. والبعض الآخر اعتبر مجرد انعقاده في هذا الظرف وبالطريقة التي عقد بها هو لتجميل صورة نظام مأزوم والتفافاً على المطالب الأساسية للشارع السوري المنتفض في وجه هذا النظام.وقد ذهب البعض للقول بأن السلطة أرادت من هذا اللقاء شق صفوف المعارضة وتشتيتها, فيما الأوضاع والتطورات تتطلب رص صفوف المعارضة وتوحيد كلمتها في وجه الاستبداد.

لا شك, لم يكن صعباً على السلطات السورية منع انعقاد لقاء سمير أميس,خاصة وأن المبادرين اليه لم يحصلوا أو بالأحرى لم يطلبوا من السلطات المعنية موافقة مسبقة بعقد هذا اللقاء. لكن يبدو أن النظام وجد فائدة سياسية ودعائية له في انعقاده,خاصة لجهة تشجيعه على الحوار الوطني.وربما,هو(النظام) حصد بعض النقاط الاجابية لصالحه من هذا اللقاء. لكن أعتقد بأن لقاء فندق سمير أميس, وبصرف النظر عن دوافع ونوايا الداعين والمبادرين اليه ,شكل ببيانه الختامي الداعم لمطالب الانتفاضة السورية صفعة سياسية قوية للنظام. مع التسليم بأن انعقاد هذا اللقاء الغير مسبوق في تاريخ المعارضة السورية وعودة الحياة والحيوية للحراك السياسي الديمقراطي المعارض في سوريا هو بفضل دماء شهداء وجرحى ومعتقلي ولاجيئي ونازحي الانتفاضة السورية في وجه الاستبداد. فما أنجزته هذه الانتفاضة الباسلة خلال أشهر,عجزت عن انجازه المعارضات السياسية التقليدية خلال عقود.

وسط الشكوك بمواقف المجتمع الدولي من النظام السوري,نشرت يوم الجمعة 1 تموز صحيفة “الغارديان” البريطانية تقرير, أعده إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط, بعنوان “الولايات المتحدة تضغط من أجل حوار المعارضة مع الأسد”, أعتقد بأن هذا التقرير كشف عن بعض الأسرار والألغاز التي أحاطت انعقاد لقاء فندق سميرأميس.اذ أشارت الصحيفة الى ما سمته بـ”خارطة طريق للإصلاح مثيرة للجدل”.وفق هذه “الخارطة” سيبقى الأسد في السلطة في الوقت الحالي و سيشرف على “انتقالا سلميا وآمنا إلى الديمقراطية المدنية”.وتشير الصحيفة إلى أن الوثيقة موقعة من قبل (لؤي حسين ومعن عبد السلام)- هما من أبرز الداعين لهذا اللقاء- اللذين تصفهما بأنهما “مثقفان علمانيان” في مجموعة تسمى “لجنة العمل الوطنية.

كاتب سوري

“شارك في لقاء فندق سميرأميس”

ايلاف

عن مؤتمر “سميراميس” وأفق العمل الديمقراطي السوري

ياسين السويحة

ما زال الجدل الذي سبق ورافق ولحق مؤتمر “سوريا للجميع في ظل دولة ديمقراطيّة مدنيّة”، والذي عُقد في دمشق اﻻثنين الماضي، قائماً. ففكرة عقد لقاء تشاوري بين شخصيات مُعارضة ومستقلّة نقديّة في دمشق أثارت الترحيب واﻻستياء معاً، ففي حين رأى فيه البعض فرصة لإثبات الوجود العلني على الأرض وطرح خطاب معارض على الناس بالقرب منهم رأى البعض الآخر فيه (أو في بعض تفاصيله) فرصةً مهداة للسلطة لتحسين صورتها وتسويقاً إعلامياً لأطروحات الإعلام الرسمي وشبه الرسمي حول حوار مفترض في ظل الأحداث الراهنة وتداعيتها ورد الفعل الأمني العنيف عليها.

كل الآراء المتضادّة الموجودة لها أسبابها و معطياتها التي تستند عليها، والجدال فيما بينها صحّي ومطلوب، فالبناء الديمقراطي هو عملية تراكميّة تنهل قوتها من النشاط الفكري والسياسي، وتباين الآراء المتعددة (وليس فقط الثنائيات المتناحرة) حتّى لو اختلفت وتخالفت بشدّة. من حضر أو شارك أو دعم له أسبابه الوجيهة، كذلك الأمر مَن غاب أو اعترض أو توجّس. المهم هنا هو أن يأخذ هذا الاختلاف شكلاً نقاشياً يساهم في عملية التراكم الفكري والسياسي وليس طابع التخوين وإلقاء اﻻتهامات الذي لجأ البعض إليه للأسف، إما ﻷنهم ﻻ يتقنون غيره، أو ﻷن الضغط النفسي المتولّد عن الوضع العام يولّد نزعة متشنجة. لا ننسى أيضاً مدمني العدم و العدميّة من أصوات بروباغندا القمع و الإلغاء، الذين يرفضون بعنف كلّ شيء إﻻ سيادة قولهم وفعلهم وموقفهم وحده، حتّى لو كانت سيادة على صحراء قاحلة خاوية.

أختلف مع الذين قسوا على المؤتمر والمشاركين فيه بنقدهم، مع احترامي لكل آراء الذين لم ينجرّوا إلى لغة التخوين و اﻻتهامات و الإلغاء و تفهّمي للأسباب التي يوردونها في آرائهم. أعتقد أن عقد هذا المؤتمر في دمشق كان، شكلاً و مضموناً، خطوة إيجابية في طريق إحياء و بناء حياة سياسية سليمة و حيوية، بعد عقود من الخواء، نحتاجها بشدّة في ظل اللحظة التاريخية التي نعيشها. وأتمنى أن تلحقها خطواتٌ أخرى مشابهة تساهم في تحقيق أساس لأصوات مدنيّة ديمقراطيّة (أقول أصوات و ليس صوت، فلا يوجد رأي مدني ديمقراطي واحد بل آراء كثيرة تجمع على نقاط أساسيّة، و من هذه النقاط الأساسيّة تتفرع آراء مختلفة بشكل حيوي و سليم) يراها الناس على الأرض ويعرفونها ويعرفون قائلها. هذا ليس انتقاصاً من أحدٍ و إنما تعبير عن رأي يعتقد أن جزءاً كبيراً من الشارع يشعر بنوع من الأمان عندما يتمكّن من سماع وضوح وثقة هذه الأصوات بجانبه (مكانياً). ليس السواد الأعظم من المشاركين في المؤتمر مستجّدين على العمل المدني الديمقراطي، فمنهم من ضحّى بسنواتٍ طويلة من عمره في سبيل مبادئه و أفكاره، لكن اجتماعهم العلني في دمشق هو مرحلة جديدة من هذا النضال يجب أن تستمر و تتطوّر.

لعلّ مكان اﻻجتماع هو أبرز النقاط التي أثارت السجال و الخلاف. هل سُمح بالمؤتمر كخطوة إعلامية لتحسين الصورة، و بالتالي تصرّف المشاركون به بما يعارض مصلحة الحراك الشعبي المُطالب بالتغيير؟ علينا أن نتذكّر أنه لم يسبق أن اتسع الصدر لهكذا لقاءات في الداخل إﻻ في حقبة قصيرة جداّ من “ربيع دمشق” مطلع العقد السابق، و أعتقد أنه لو كان منع المؤتمر ممكناً، إعلامياً وسياسياً، لتم منعه. لقد تمّ هذا اللقاء لأن هناك شيئاً يتغيّر في سوريا دون توقّف و دون عودة، وهذا اللقاء هو نتيجة (لن أقول أنه إنجاز) وتعبير عن هذا التغيير الذي يحدث دون توقف. ﻻ شك أن ثمة محاولات للاستثمار الإعلامي الموالي للمؤتمر قد حدثت، لكن حدوثها كان متوقعاً و أعتقد أنّ المشاركين في المؤتمر نجحوا في تجنّبها إلى حدّ كبير، كما أنها ﻻ يجب أن تشكّل سبباً لإلغاء هكذا خطوة.

لم يدّع المؤتمِرون تمثيل أحدٍ، كما لم يضعوا أنفسهم في موقع القادر على طرح أي مبادرة سياسيّة باسم الشارع أو الحوار والتفاوض باسم الحراك الشعبي، بل عبّروا عن مواقف اتخذوها كأفراد مستقلين. وإن خرجت مبادرة أو تشكّل تجمّع أو ائتلاف في المستقبل من مؤتمرات مشابهة فبإمكان من يشاء أن يعتبر نفسه مُمَثّلا فيها أو لا، فحجمها و حجم صوتها لن يأتي مما تقوله، بل من مدى سعة القاعدة الشعبية الموافقة على هذا القول. هذا هو ألف باء الحياة السياسية “الطبيعية” التي يجب أن نعمل بقوّة على ترسيخها لإنهاء أوضاع “غير طبيعيّة” عشناها طيلة عقودٍ خلت.

أكّد البيان النهائي للمؤتمر على دعم المساواة بين جميع السوريين دون أي تمييز ديني أو عرقي أو جنسي في دولة مدنيّة ديمقراطيّة تعددية، كما نبذوا كلّ أشكال الخطابات الطائفية والجهوية، وأدانوا كل الخطابات والمواقف الداعية للتدخل الأجنبي في سوريا. رغم ذلك لم ينجوا، و لن ينجوا، من هجوم التشكيك و التخوين و اتهامات العمالة من قبل محترفي خطاب الكراهية اﻻستئصالي، داخل و خارج الإعلام. ﻻ يعرفون إﻻ هذه اللغة وهذه الاتهامات المعلّبة ومسبقة الصنع. هنا ﻻ لغة للعقل، بل كراهية شديدة لصوته.

سوريا المستقبل، سوريا العدالة والكرامة والمساواة، تُبنى لحظة بلحظة في عملية شاقة و صعبة و مؤلمة. التحديات كثيرة و الأخطار كبيرة. لكن العمل المشترك بين كل المؤمنين و المؤمنات بمبادئ الديمقراطية المدنية التعددية كأسلوب بناء للدولة ومؤسساتها وبالمواطنة الديمقراطية منهجاً للعلاقة بين المواطنين و الوطن، بغض النظر عن اختلاف الرؤى والآراء، هو السبيل للوصول إلى برّ الأمان، بقطيعة كاملة مع الماضي وأشباحه وكوابيسه.. ونُخبِ

http://www.syriangavroche.com/

المعارضة السورية بعد سميراميس.. الربح والخسارة

مركز الجزيرة للدراسات

كان مجرد عقد اجتماع شارك فيه نحو مائتين من المستقلين السوريين، ذوي الميل المعارض، خبراً مذكوراً. ولقد اهتمت به وسائل الإعلام بالفعل على نطاق واسع. وبينما أثار هذا “اللقاء التشاوري الأول” تحفظ معظم ناشطي الانتفاضة والمشاركين فيها، فقد وصفته متحدثة أميركية بأنه “حدث مهم”. وقال مثل ذلك متحدثون فرنسيون وبريطانيون. أما السلطات السورية فتبدو راضية عن انعقاده، وإن تكن عملت عبر وسائل إعلامها على السخرية منه ومن المشاركين فيه.

* الاجتماع وما تمخض عنه

تمثلت الصورة الأولى عن اللقاء في نقل مشاهد -قالت القناة الإخبارية السورية إنها دون مونتاج- لدخول المشاركين إلى قاعة الاجتماع، وحوارات فوضوية واتهامية، أشبه باستجوابات، مع بعضهم من قبل مراسلي الإعلام المحلي المرضي عنه. وكان بين من رآهم المتابعون أشخاص ليسوا فقط غير معارضين، ولا غير مستقلين، بل هم من المقربين إلى أجهزة الأمن. ولقد قيل عنهم فيما بعد: إنهم حضروا دون دعوة شخصية، لكنهم فرضوا أنفسهم بطريقة ما، رغم إعلان الداعين إلى المؤتمر أن الدعوة إلى الحضور اسمية، وأن شخصاً واحداً على الأقل لم يُسمح له بالمشاركة لعدم ورود اسمه بين المدعوين.

هذه المشاهد المبكرة دفعت إلى خفض سقف التوقعات من اللقاء. وقد ساهم كذلك في خفض هذا السقف عقده في مكان نخبوي، وحرص منظمي المؤتمر على دعوة وسائل الإعلام إلى تغطيته. لقد بدا أن المؤتمر عرض show  مطلوب من أجل جهة ما، وقد قيل: إن هذه الجهة هي طرف ما من النظام السوري، وربما طرف أميركي. ولكن ليس هناك دلائل حاسمة في هذا الشأن.

ولعل صورة اللقاء الإعلامية، والسياق السياسي الذي اندرج فيه، والترحيب الفوري به من قبل الإدارة الأميركية، تُحدِّد دلالته ودوره أكثر من الوثائق التي صدرت عنه. وقد تسوِّغ ما قالته صحيفة “الغارديان” البريطانية عنه في اليوم التالي لانعقاده من أنه: تمرين في العلاقات العامة.

صدر عن الاجتماع بيان من نقاط عشر، منها: “دعم الانتفاضة الشعبية السلمية من أجل تحقيق أهدافها في الانتقال إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية”، ومنها: “إنهاء الخيار الأمني”، ثم “ضمان حرية التظاهر السلمي دون إذن مسبق”، و”إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي”، و”رفض التجييش الإعلامي” مع مطالبة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بعدم التمييز بين المواطنين، ثم “إدانة جميع أنواع التحريض الطائفي والجهوي، والتأكيد على وحدة الشعب السوري”، و”إعادة اللاجئين والمهجَّرين”، ورفض التدخل الأجنبي وأية سياسات أو دعوات تشجع عليه، ثم الدعوة إلى “السماح للإعلام العربي والدولي بتغطية ما يجري في سوريا بكل حرية”، وأخيراً “عقد لقاءات مماثلة في مختلف محافظات سوريا، تنظمها وتدعو إليها هيئة تنسيق دائمة تنبثق عن هذا اللقاء”. الهيئة المشار إليها في هذا البند الأخير لم تتشكل بعد، لكنها بصدد التشكل حسب معلومات مباشرة من أحد أبرز المشاركين في اللقاء.

وفضلاً عن البيان، أصدر الاجتماع نصاً صغيراً بعنوان: “عهد من أجل بلادنا التي نحب”، يعلن عزم المشاركين على البقاء جزءاً من انتفاضة الشعب السوري السلمية، ورفض الخيار الأمني، وإدانة التمييز بين السوريين على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي، ورفض التدويل والتدخل الخارجي، وتغليب مصلحة الوطن وحرية المواطن على أية مصالح أخرى.

مضمون هاتين الوثيقتين أسهم في موازنة التوقعات السلبية، لكن ليس إلى درجة تعديل الوظيفة السياسية للقاء، التي قد تتمثل في خلق مسار سياسي وسطي، متميز عن النظام وعن الانتفاضة في آن واحد.

* عن حال المعارضة السورية

أثار الاجتماع سجالاً فورياً في أوساط الطيف السوري المعارض، فالمعارضة التقليدية المنظمة في أحزاب -وهي لم تُدْعَ إلى الملتقى- لم تأخذ موقفاً معلناً من الاجتماع. لكن “إعلان دمشق”، وهو ائتلاف سياسي معارض يضم تنظيمات عربية من أصول يسارية وقومية عربية مع تنظيمات كردية، بدا أقرب إلى التحفظ على اللقاء. وظهر موقف أشد تحفظاً، بل أقرب إلى الإدانة؛ إذ أصدر “اتحاد تنسيقيات الثورة السورية”، وهو أحد التشكيلات الشبابية المنخرطة في حركة الانتفاضة، بياناً يدين فيه اللقاء ويتهمه بالتواطؤ مع النظام. وبدا موقف أكثر المعارضين في الخارج سلبياً أيضاً حيال اللقاء. وعكست نقاشات على صفحات موقع الفيسبوك رغبة عامة في عدم تخوين المشاركين في المؤتمر، والفصل بين تحفظ قد يكون مشروعاً وبين إدانة لا مسوغ لها، وقد تنعكس سلباً على البيئة العامة للانتفاضة.

وبرزت كذلك مواقف أكثر تحليلية، ترى أن اللقاء هو ثمرة لكفاح الشعب السوري، وأنه محاولة لملء فراغ لم تستطع أو لم تعمل المعارضة التقليدية على ملئه. وهذا صحيح، وإن كان لا يقول شيئاً عن الوظيفة السياسية لهذا اللقاء. علماً أن هذه قد تكون مستقلة إلى حد بعيد عن نيات وإرادة المشاركين فيه، ونتاجاً لعلاقات قوة داخلية وخارجية بين أطراف أقدر على توظيفه لأغراضها.

على أن اللقاء كان مناسبة ظهر فيها التكوين الطيفي، المفتقر إلى متن أو كتلة مركزية جاذبة للمعارضة السورية. هناك ضروب متنوعة من التمايزات والاستقطابات ضمن هذا التكوين الطيفي، منها ما يتصل بتمايزات أيديولوجية موروثة، بين إسلاميين وقوميين ويساريين، مع شقاقات داخل كل واحدة من هذه المراتب؛ ومنها التمايز بين حزبيين ومثقفين مستقلين، وقد كان لافتاً الدور السياسي المهم الذي قام به مثقفون سوريون منذ أيام “ربيع دمشق” مطلع هذا القرن، ومنها التمايز بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، وهو ما يحاول النظام اللعب عليه بإسباغ صفة الوطنية على الداخليين وإنكارها على الخارجيين، ومنها أخيراً التمايز بين معارضة تقليدية ذات أصول حزبية وأيديولوجية منحدرة من أزمنة ما بعد الاستقلال الوطني، وبين معارضة جديدة تتمثل في جمهور الانتفاضة الواسع، غير المنخرط في أطر تنظيمية أو إيديولوجية محددة.

بفعل تكوينها الطيفي هذا، لم تستطع المعارضة التقليدية السورية القيام بمبادرة موحدة، توفر غطاء سياسياً ضرورياً للانتفاضة، أو ضرباً من القطب السياسي المقابل للنظام، والمؤهل لتوظيف الكفاح الشعبي.

هناك جهود تبذل هنا وهناك لبناء إطار تنسيقي جامع للمعارضة التقليدية، يكون سنداً للانتفاضة، لكن إيقاع العمل بطيء بدرجة كبيرة.

وقد أُعلن عن تشكيل إطار تنسيقي شاركت فيه أحزاب داخلية وشخصيات معروفة مقيمة خارج البلاد (برهان غليون وهيثم مناع وآخرون)، لكنه لا يبدو جامعاً، ويصعب تقدير مدى فاعليته اليوم.

ولعل هذا ما حدا بشباب التنسيقيات إلى القيام بدور سياسي مباشر، وإلى التعبير عن مواقف سياسية، على نحو ما فعلت “لجان التنسيق المحلية” حين أصدرت رؤية سياسية لمستقبل سوريا في 11 يونيو/حزيران الماضي، أو الموقف المناهض للقاء سميراميس (مكان انعقاد المؤتمر) الذي عبر عنه “اتحاد تنسيقيات الثورة”. وهو أيضاً ما خلق الفراغ السياسي الذي جعل لقاء سميراميس نفسه ممكنا.

* هل من كاسبين وخاسرين؟

تعطي المواقف الدولية المرحِّبة بلقاء سميراميس انطباعاً بأن النظام سجل نقطة أولية في صراعه مع الانتفاضة، دون أن يتخلى ذرة واحدة عن اعتماده الحاسم على الحل العسكري والأمني في مواجهة الاحتجاجات الشعبية. لكن لهذا السبب بالذات قد يثبت أن هذا المكسب قصير الأمد، ولن يلبث أن تذروه عاصفة الاحتجاج الشعبي القوي وما تستثيره من تنبه دولي قوي إلى سلوك النظام السوري.

ولقد تسبب اللقاء في بلبلة نسبية في أوساط ناشطي الانتفاضة، أولئكم الذين وُجِّهت الدعوات لبعضهم للمشاركة فيه ورفضها أكثرهم. لكن جانبا من هذه البلبلة ربما يعود إلى حداثة التجربة وليس بالضرورة إلى مآخذ قطعية عليها. وعلى أية حال، يبدو أن الجميع في بيئة الانتفاضة مدركون أن استعادة زمام المبادرة تتم في الشارع وعبر تصعيد النشاط الاحتجاجي. ويبدو أن انتهاء امتحانات الشهادة الثانوية والجامعات بشير في نظر الناشطين بتوسع أكبر للانتفاضة ومشاركة شبابية أكبر.

في المحصلة، يمكن اعتبار لقاء سميراميس مبادرة جانبية لم يستطع النظام الاستفادة منها بسبب تصلب بنيته ورهانه الكلي على أداوته القمعية، وكذلك لصعوبة ترويض وشراء ذمم أكثر المشاركين في اللقاء أيضاً. ولم يُضعِف هذا اللقاء الانتفاضة التي تتواتر أنشطتها في بؤر الاحتجاج المنتشرة في طول سوريا وعرضها. كما لم يغير اللقاء شيئاً أساسياً في وضع المعارضة التقليدية التي لا تأثير مباشراً لها على الأنشطة الميدانية للانتفاضة. ولا هو أخيراً، بالشيء الذي تستطيع أية قوى دولية فاعلة أن تعوّل عليه جدياً أو تبني عليه سياسات جديدة حيال “المسألة السورية”.

* هل من انعكاسات سياسية وأمنية؟

بعد يوم من اجتماع سميراميس اعتقلت الجهات الأمنية نحو 400 طالب جامعي من المدينة الجامعية في حلب. ومضت في انتشارها العسكري في جبل الزاوية وفي قصف قراه. وتواترت معلومات عن اعتقالات واسعة في مناطق متعددة من البلد، من التل قرب دمشق إلى بلدة القصير التابعة لحمص إلى قرى إدلب في الشمال الغربي إلى مدينتي الرقة ودير الزور في الشمال الشرقي. كل هذه شواهد على أن النظام ماض في سياسته ذاتها دونما تعديل، وأن تعويله الأساسي هو على حسم الصراع مع الانتفاضة بالقوة.

على أنه من المحتمل جداً أن يفكر النظام في كيفية ربط اجتماع سميراميس بمسار “الحوار الوطني” الخاص به هو، الذي يُفترض أن ينطلق في 10 يوليو/تموز. ولكن المواقف المعلنة لأبرز المشاركين في اللقاء التشاوري الأول ترفض الحوار مع النظام حالياً. وليس هناك أي مبرر للشك في ثبات المعنيين على هذا الموقف، وإن أمكن استدراج بعض المشاركين فيه غير المعروفين إلى حوار النظام، بغرض القول: إن النظام يتحاور مع المعارضة.

يبقى أن العامل الحاسم في الحكم على انعكاسات لقاء سميراميس هو فاعلية الانتفاضة من جهة، ونهج النظام في مواجهتها من جهة ثانية. وهذان هما العنصران المقرران لتحولات المشهد السياسي السوري منذ أكثر من ثلاثة شهور ونصف. وكل القرائن تشير إلى أن الانتفاضة ماضية في سبيلها، ولن تحيد عن هدفها المتمثل في “إسقاط النظام”؛ وأن النظام في المقابل ماض في سبيله، ولن يحيد ما استطاع عن هدفه في تحطيم الانتفاضة وإعادة الشعب السوري المطالب بالحرية إلى “بيت الطاعة”.

* تقديرات ختامية

قد تكون نقطة الضعف الأكبر لاجتماع سميراميس أن المشاركين فيه لا يسيطرون على صيغ توظيفه. وهذا ليس فقط لأنهم طرف ضعيف نسبياً قبالة كل من النظام والانتفاضة والقوى الدولية المعنية بالشأن السوري، وإنما أساساً لأنهم لا يبدون قادرين على إطلاق سلسلة من التحركات السياسية التي تفرضهم طرفاً سياسياً فاعلاً في المشهد السوري. لو أمكنهم القيام بذلك لكانوا أفضل تحكما بنتائج أعمالهم، وأقدر على حمايتها من توظيفات تتعارض مع مقاصدهم الخاصة.

ويعتزم المشاركون إقامة “هيئة متابعة” لكن ليس واضحاً إن كانت هي ذاتها هيئة التنسيق الدائمة التي تكلم عنها بيانهم، والتي يُفترض أن تكون معنية بعقد اجتماعات أخرى في المحافظات السورية. من شأن ذلك أن يكون خطوة نحو إمساك اجتماع سميراميس بمصيره وتحكمه بأعماله.

وبينما تتواتر شواهد على أن البلاد السورية ستشهد مزيداً من اللقاءات والمبادرات والهيئات السياسية في الأيام والأسابيع القريبة القادمة، فإنه قد يُنظر إلى لقاء سميراميس كبادرة أولى في الداخل باتجاه نشوء حياة سياسية سورية جديدة، دفع السوريون ثمناً عزيزاً من أجلها، ولا يزالون.

الجزيرة نت

لقاء دمشق بعض قطاف الانتفاضة

عماد شيحة *

أثار لقاء مثقفين ومعارضين مستقلين ومهتمّين بالشأن العامّ زوبعة جدلٍ هي في المحصّلة النهائية، وبمعزلٍ عن فحوى اللقاء ونتائجه، بدايةٌ صحيحةٌ وضروريةٌ لتأسيس حوارٍ ديموقراطي حقيقي يمنح جدل الفــكر/الــممارســة بعده الواقعي في سياق تخطّي الحائط المسدود الذي انتهت إليه المقاربة الأمنية العسكرية والذي حالت صلادته دون تحقيق أهدافها المبتغاة. إذاً، دمشق ليست خارج العاصفة، بل تمهّد الدرب أمام الساعين للتغيير بمختلف توجّهاتهم وتلاوينهم وفاعلياتهم لعقد مؤتمرهم الوطني فوق تراب بلادهم.

ربّما لا يجرؤ ممسكو زمام السلطة على الاعتراف بفشل محاولة وأد بؤر الانتفاضة الشعبية، لكنّهم يلتفون حولها، دون تخلٍّ عن الرهان عليها، في سعيٍ لفتح نافذة السياسي واكتساب مزيدٍ من الوقت. لم يكن السماح بعقد ذلك اللقاء إلّا جزءاً من هذا الالتفاف في إطار الدعوة إلى حوارٍ مبهمٍ تروّج له أجهزة الدعاية المحلّية. مع ذلك، فاللقاء وعلانيته وليدٌ جديدٌ، لم يكن ليبصر النور في يومٍ من الأيام إلّا بفضل الحراك الشعبي المتنامي.

لم تستطع حركة الاحتجاجات الشعبية حتّى اليوم أن تنتزع اعتراف السلطة بوجودها ومشروعيته، لكنّها انتزعت بتضحيات مناضليها البطولية اليومية ودماء شهدائها، رافعة تصعيد مواقفها، الاعتراف العملي بحقوقهم ومطالبهم وفي زمنٍ قياسي. وإلّا، ما الذي تعنيه التنازلات المتتالية التي أكره النظام على تقديمها ولا يزال، وآخرها عقد ذلك اللقاء العلني؟ لم ينتزع المحتجّون لأنفسهم حقّ التظاهر والتعبير عن الرأي فحسب، لكنّهم انتزعوا كذلك للمجتمعين وللمرة الأولى حقّ اجتماعهم جهاراً وضمان سلامتهم ولو إلى حين.

هكذا، لم تكن الموافقة على عقد اللقاء تجسيداً واقعياً لاعترافٍ غير منطوقٍ بوجود أزمةٍ حقيقيةٍ بين النظام والمجتمع (في قطاعاتٍ واسعةٍ منه) فحسب، بل العجز عن حلّ الأزمة بالوسائل المعتادة، والاضطرار للإقرار بوجود «آخر» لطالما جرى إنكار وجوده وإقصاؤه وتغييبه، وكذلك الحاجة إليه للمساهمة في حلّ الأزمة بطريقةٍ أو بأخرى.

لا يعني ذلك أنّ السلطة لن تستفيد بكلّ الوسائل الممكنة من تلك الموافقة في تبييض صفحتها داخلياً وخارجياً من طريق إظهار جدّيتها في مباشرة تنفيذ ما وعدت به من إصلاحات، ومحاولة شقّ صفوف معارضيها وفتح معارك جانبية بينهم تتيح لها فرصة التقاط الأنفاس، وكذلك استماتة أجهزة الإعلام المحلّية في دفعهم لوصم الاحتجاجات بالعنف وبالتالي تبنّي الرواية التي تضفي شرعيةً على آلة البطش استباقاً لاحتمال تجريمها اللاحق.

احتواء ذلك وعكس اتجاهه هو مهمّة الحراك الشعبي والمعارضين والمجتمعين كلٌّ في ميدانه الخاصّ ومن خلال توسيع الهامش المنتزع وتعميقه والانتقال به إلى الشوارع والساحات العامّة معاقل التظاهر والاعتصام، هناك حيث تتصارع إرادتا تغيير النظام وتأبيده.

لا يضير الحراك الشعبي، الذي لم يخضعه التنكيل والتخوين، عقد لقاءاتٍ أو حتّى إجراء حواراتٍ طالما أنّ القول الفصل له، ولن تفتّ في عضده محاولات قراءة المشهد أو إيجاد حلولٍ قد يتّفق معها أو يختلف، فهو من يضبط في نهــاية المــطاف إيقاع تلك الجهود – ناهيك عن أنه يغتني من تلك المحاولات بقدر ما يغنيها. وما هو أهمّ، تأثير ذلك في استقطاب مزيدٍ من الصامتين أو المنتظرين أو المحايدين، وفي إثراء مشروع التغيير السياسي الذي يجرى على الأرض بشتّى الآراء والرؤى التي قد تفترق على تــصوّر المخارج الممكنة، لكنّها تجتمع على عبور عقلانيّ للمنعطف بأقلّ الخسائر وأقصر زمن.

يقدّم النموذج الليبي في آخر تطوّراته مثالاً ساطعاً عن العواقب الكارثية لمحاولة التشبّث بنظامٍ تجاوزه العصر وبأدواتٍ عفا عليها الزمن وأضحت، فضلاً عن ذلك، عرضةً لمساءلة القضاء الدولي. كما يقدّم النموذج اليمني مثالاً آخر لديناميات استقطاب شباب الثورة أو ثورة الشباب، عبر آليات الحوار وتحديد الأولويات وتحييد التناقضات الثانوية، لقطاعاتٍ واسعةٍ (تضمّ حتّى مؤيدين للنظام القديم) من مجتمعٍ بدا لوهلةٍ طويلةٍ مغرقاً في التخلّف ويحتوي في جنباته على ما يفرّق أكثر ممّا يوحّد.

هذا وذاك أمام اختبارٍ حقيقيٍ في سورية على محكّين على ما يبدو، أولهما جدل النظري والعملي الذي يفتح الآفاق واسعةً أمام حوارٍ ديموقراطي داخل أطياف قوى التغيير أولاً وبينها وبين السلطة حين تخرج من ورطة الأمني – إن استطاعت – وتدخل حقل السياسي، وثانيهما ورطة الأمني ذاتها بكلّ ما فيها من انسداد أفقٍ ربّما يدفع المسؤولين عنها إلى مراجعةٍ تتجاوز مناورة السماح باللقاء وتحلّ محلّها استراتيجية الحوار السياسي بصفتها المدخل الواقعي الوحيد والممكن لحلّ الأزمة خارج دائرة العنف.

فما لم يترافق الزخم المتواصل للحراك الشعبي مع مزيدٍ من الحشد والتعبئة لخلق وقائع جديدة على الأرض تحدث تغييراً ملموساً في ميزان القوى ينقل زمام المبادرة إليه، سيظلّ بالغ الأهمّية استثمار كلّ ما يعزّز موقفه ويحسّن شروط عمله.

لقاء دمشق إحدى ثمار الانتفاضة ومكسبٌ حقيقيٌّ لتضحيات صانعيها. قد تتباين الآراء حوله وتتعارض، لكنّه جزءٌ من الحراك السياسي المتنامي ولحظةٌ ستكون إحدى علامات دربه إن لم تترسّخ بصفتها استطالةً للحراك الشعبي، تمهّد أوّلاً لاختبار قبول الآخر على رغم الاختلاف معه ومحاورته بدل إلغائه داخل طيف المعارضة الوطنية وخارجه، ولعقد مؤتمرٍ وطنيٍّ علني للتغيير على تراب سورية ثانياً.

* كاتب سوري

الحياة

لا تخنقوا المعارضة

حسّان القالش *

حين نرى، اليوم، وبعد مؤتمر المعارضة الذي عُقد أخيراً في أحد الفنادق الدمشقية، هذا الاختلاف في وجهات النظر بين أفراد المعارضة، نكون أمام ردّي فعل نفسيّين يفسّران هذا الاختلاف. فإمّا أننا نرى فيه انقساماً وفرقة وتشظّياً، وهي الحالة النفسية الأسرع مباشرة ولحظيّة. أو أننا، إذ نتمهّل، نرى فيه تعبيراً عن فاعليّة المجتمعات السوريّة، بتنوعها وكثرة مصادرها الثقافية. ذلك أنه سبق للكيان السوري الحديث، إبّان الاستقلال، أن شهد مثل هذا الاختلاف، الأمر الذي فرز حياة سياسيّة نابضة ومتحرّكة، كانت تأثيراتها تظهر في الشارع، وتمارس دورها في بناء الهويّة الوطنيّة السورية قيد التشكيل في ذلك الوقت، لولا أن فتحت الأفكار الأيديولوجيّة الكبرى الباب واسعاً أمام حكم عسكري بامتياز.

والقول بأن المعارضة الحالية في سورية، الفاعلة والناشطة، تتشكل في جُلّها من أفراد، يعبّر عن شكل أكثر اتساعاً وانتشاراً لفكرة المعارضة والآراء الحرّة، مما يوحي به مصطلح المعارضة في الفهم العربي المعاصر، المتأثر بالدعايات الرسمية وفقر المناخ السياسي.

ذاك أن الإقرار بأن المعارضين السوريين، هم في معظمهم أفراد، مستقلون ومتنوّعو الأفكار ويمتلكون قدراً هائلاً من المبادرات والطاقات، يجعل الشعب السوري، لا سيما الشباب المتعلم، أقرب إلى المعارضة بدوره، إلى الفكر المعارض الحديث، المتحرّر من أية التزامات عقائديّة أو حزبيّة.

وهذا ما نراه اليوم حقيقة في الانتفاضة الشبابيّة السلمية في سورية. هؤلاء الأفراد قادرون بمرور الوقت على أن يشكلوا أحزاباً بالمعنى الحديث لفكرة الحزب، ابتعاداً عن الأيديولوجيّات الخلاصيّة وتفسيرات الكون ومحاربة المختلف والتّعالي الحُلُمي على الكيان السياسي الحالي وإهماله، واقتراباً من أفكار العمل السياسي اليومي والمواكب لإعادة تشكيل البلاد وبناء دولة – أمّة حديثة ومتحضّرة.

من هنا، يمكننا أن نفهم قضيّة الاختلاف بين المعارضين، وعدم النظر إليها على أنها انقسام ومخاصمة. وهذا أمر جيّد وحيويّ في ما لو تسنّى للأفراد المعارضين، في هذا الوقت العصيب والضاغط، استيعابه، ومن ثم الاتفاق على الإفادة منه واستثماره وقطع الطريق على أي كان لجعله منفذاً لتفريق الصفوف وبث العداوات، وهو ما ظهر خلال تجربة العمل المعارض العلني الأول في تاريخ حكم البعث، في لقاء سميراميس.

والحال، أننا مسؤولون عن التعبير عن ترحيبنا بهذا التنوع والاختلاف البنيوي لأفراد المعارضة، ومطالبون بواجب أخلاقي ووطنيّ بحماية هذه الروح المعارضة الحرّة. من دون أن ننسى التذكير بحساسيّة الموقف والأزمة الوطنيّة الحادة والمتفجّرة. ذاك أن التزاماً مبدئيّاً جامعاً بين أفراد المعارضة على الخطوط العريضة الواضحة لشكل الهويّة الوطنيّة ومقوماتها، وتحديد خصوم هذه الهويّة والأخطار التي تعترض إعادة تأسيسها وتجذيرها، يفتح الباب أمام الاختلاف الحرّ والخلّاق.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

ملاحظات حول لقاء السميراميس التشاوري السوري

جورج كتن

علينا أن ننتظم في مدرسة الانتفاضة، ديمقراطيون قدماء يتعلموا النهج الديمقراطي من جديد ويتخلصوا من افكارهم التي تجاوزها عصر انتفاضة الشعوب وربيع الحرية، ومنتفضون ملؤوا الشوارع والمدن والبلدات والاحياء يتعلمون السياسة التي منعها عنهم النظام لنصف قرن مضى.

ما نتعلمه من مؤتمر السميراميس ومؤتمرات قادمة، دروس عديدة منها الا ننزلق لتخوين من يخالفنا الرأي فالتخوين في السياسة الديمقراطية لا يصح إلا بمحاكمة عقلانية تنظر في اثباتات ملموسة. أي رأي في السياسة مهما كان غريبا او مستهجنا يظل رأياً نختلف معه ننقده، نبين خطأه، لا نقبله…

ونتعلم ان ننظر إلى الوقائع وليس للافكار المسبقة، فاللقاء في نتائجه الختامية وليس في آراء انشائية قالت انه لصالح النظام دون ان تبين كيف. فائدة النظام الوحيدة من سماحه للقاء، توقعه أن رؤوس حامية في المعارضة ستشن حملة على منظميه مما يشق صفوفها. الاختلاف طبيعي إذا كان جدلاً من اجل الافضل ولكنه ضار بخروجه عن اطاره العقلاني لسوق اتهامات لا تستند لوقائع بل تتجاهلها.

لقد تسرع البعض في اتهام المجتمعين بانهم مسيرون من النظام. فإذا كان النظام قد مرر اللقاء دون قمع فبيانه الختامي صدمه فسارع لمهاجمته وأرسل شبيحته لتهديد منظميه بالقتل. وهم معارضون بارزون لا يشك في وفائهم لمبادئهم الديمقراطية التي اضطهدوا بسببها طويلاً، كما لا مجال للشك في وقوفهم مع الانتفاضة ودعمها لتحقيق الانتقال السلمي لنظام ديمقراطي. هم خصوم السلطة وحلفاء الانتفاضة حتى لو جرى الاختلاف معهم حول بعض الأمور، فالخلاف طبيعي طالما الحديث عن ديمقراطية وديمقراطيين، والمعارضين ليسوا نسخ لصورة واحدة وإلا بماذا يفترقوا عن نظام القائد والحزب الواحد؟.

هم معارضون وليسوا كل اطياف المعارضة واحزابها ومنظماتها، وآرائهم معروضة للاطراف الاخرى المعارضة لتبدي رأيها، ليمكن التوافق على نقاط موحدة لتأتي ممثلة لمعظم اطياف المعارضة في الداخل والخارج. إن حملة تشهير من معارضين آخرين يتوهمون أن هذا اللقاء من إعداد السلطة مجانب للحقيقة وخطأ يضر الحراك الشعبي والأحزاب المعارضة والشعب والبلد.

من حقهم الاجتماع علناً فعدم تعرض النظام لهم ليس منة بل رضوخ لحق المواطنين في التجمع والتداول في الشؤون العامة مما كفله الدستور ومنع تنفيذه النظام الاستبدادي لعقود. انعقاد اللقاء انتصار للانتفاضة التي قدمت تضحيات من دماء ابنائها ليصبح عقده ممكنا دون أن تجرأ السلطة على منعه، الانتفاضة فرضت على النظام القيام بإجراءات ليست لمصلحته. ليس كل من لا يتعرض له النظام هو مسير من قبله وإلا لغرق الجميع في اتهامات متبادلة تمزق وحدة الصف في مواجهة اجهزة القمع. لا يكفي ان نرفض نظرية المؤامرة ثم ننزلق اليها دون أن ندري. فعندما يقال ان اللقاء “مسرحية للنظام” دون الاهتمام بما صدر عنه، فذلك هو تفسير المؤامرة. التفسير العقلاني يذهب للحقائق، لما صدر عن اللقاء يحاكمه وينقده، يرفضه او يعدله.. إذ لا يمكن الاكتفاء بتفسيرات مسبقة. ولمن لم يقرأ بعد ربما يفيد تلخيص النقاط العشر التي وافق عليها اللقاء:

1 دعم الانتفاضة الشعبية السلمية لتحقيق اهدافها بالانتقال الى دولة ديموقرطية مدنية. 2 انهاء الخيار الامني وسحب القوى الامنية من الشوارع والمدن وتشكيل لجنة ذات مصداقية للتحقيق في جرائم القتل. 3 ضمان حرية التظاهر السلمي دون اذن مسبق وسلامة المتظاهرين. 4 اطلاق سراح المعتقلين السياسيين دون استثناء. 5 رفض التجييش الإعلامي وفتح الإعلام المحلي أمام الموالين والمعارضين على حد سواء. 6 إدانة جميع أنواع التحريض الطائفي والتأكيد على وحدة الشعب. 7 اعادة اللاجئين والمهجرين وحفظ امنهم وحقوقهم وتعويضهم. 8 ادانة اي دعوات للتدخل الاجنبي. 9 السماح للاعلام العربي والدولي بالتغطية بكل حرية. 10 عقد لقاءات مماثلة في المحافظات السورية.

اللقاء أعلن انحيازه للانتفاضة وحدد ما على النظام القيام به كمقدمة ضرورية لمرحلة انتقالية تؤمن انتقالاً سلمياً للبلاد إلى حكم ديمقراطي مبني على دستور جديد يوفر الحريات ويضمن تطبيقها.. هل هذا الكلام لا يقصده اصحابه بل يمثلون مسرحية يديرها النظام ؟؟؟ هذه هي نظرية المؤامرة بعينها.

كما يمكن ان نتعلم ألا يجرنا الحماس، الضروري، ولكن وحده لا يكفي، لاعتبار ان إسقاط الحراك الشعبي لشرعية النظام يعني ان النظام قد سقط فعليا، فالإنشاء لا يصنع وقائع، الإنشاء يعبر عن الوقائع ويكون صحيحا بقدر ما يقترب منها. نظام الامر الواقع ما زال قائما ومتماسكا وربما يقلد النظام الدموي الليبي دفاعا عن بقائه. ما زلت الثورة في مراحلها الاولى، فلكي يتفكك النظام يجب كسب قطاعات واسعة حيادية او مترددة أو صامتة او قلقة على مصيرها او مفضلة للاستقرار المزعوم..

هؤلاء ملايين من الشعب يمكن كسبهم بتقديم اللقاء ولقاءات اخرى قادمة داعمة للانتفاضة نموذجا سياسياً مقبولاً لديهم يطرح حلولا “للأزمة”، مع عدم اضاعة هدف الانتقال من الاستبداد للديمقراطية. فلا يسر احد سقوط القتلى اليومي والخراب المادي والاقتصادي الذي سيؤثر على الفئات الشعبية. سيقول البعض ان نظام الامر الواقع لن يقبل بذلك، ليكن، فليرفض وتكون المعارضة قدمت طريقا لحل سلمي بدل الحل العنفي للنظام، واظن ان ذلك قد يؤدي لكسب حياديين ومترددين إلى جانب الانتفاضة، مما يسرع تفكك النظام ويسهل انتصارها. والمقصود بتسمية “أزمة” أنها ليست بديلا عن تسمية “انتفاضة” كما يظن، فهناك السلطة وهناك الثورة، الازمة هي عجز السلطة عن وقف التظاهرات، ولا المتظاهرين فرضوا على النظام الرحيل، ويمكن ان تستمر هذه الحالة، “الأزمة”، طويلاً.

لا يمكن قبول حوار مع النظام دون شروط، فالحوار في ظل الوضع الحالي حيث يستخدم النظام قواه المسلحة لمحاولة القضاء على الانتفاضة هو إملاء الطرف المدجج بالسلاح لشروطه. لقد حددت التنسيقيات والمعارضين المشاركين في اللقاء الحد الادنى المطلوب من النظام لبدء حوار مجدي لتأمين انتقال سلمي نحو الديمقراطية، أي انهم ليسوا ضد الحوار من حيث المبدأ ولكن قبوله دون شروط تضمن الحد الادنى لنجاحه، ستبقي الاوضاع دون تغيير.

إلى جانب أصحاب الحوار بلا شروط، والقابلين بحوار ضمن شروط، هناك من يرفض أي حوار من الأساس وهو الموقف الذي يعبر عنه منتسبون لتنسيقيات، معتمدين على اعتقاد بان النظام قد سقط فعلا ويبحث فقط في طريقة ترحيله، وهو موقف يتجاهل الوقائع حول أنه لم يسقط بعد وأن قطاعات لا يستهان بها من الشعب تريد حلاً وسطاً بين النظام والمعارضة. والنظام قادر على الاستمرار لفترة طويلة دون ان يجبره الحراك الشعبي أو الضغوط الخارجية بمستواها الراهن على التنحي وخاصة انه يعتمد على قوى عسكرية وأمنية متماسكة حتى الآن بغطاء دولي توفره روسيا والصين وإيران..

إن التجريب هو سمة للحراك الشعبي غير المسبوق وهو لا يمكن ان يصل إلى نهاياته حسب أي مثال كالتونسي أو المصري أو الليبي أو البحريني أو اليمني، فقد يختط طريقا سورياً خاصا، إلا ان السعي لحلول تختصر الزمن والخسائر، دون إضاعة الهدف الرئيسي، الحرية، أمر ممكن والنقاش حوله يجب أن يبقى مفتوحا للوصول للحل الامثل دون تشهير او تخوين. احترام دماء الشهداء يفترض العمل لوقف سفك المزيد من الدماء والاصرار على محاسبة عادلة لمرتكبي القتل، فرفض اي حوار مشروط مع نظام الامر الواقع، عدمية ضارة.

لا تقديس لاي طرف، فالقطاعات الشعبية المنتفضة نفسها قد تخطئ في بعض خطواتها والنقد والحوار حول كافة القضايا هو المفضل لتصحيح الاخطاء. لا خلاف بين أطراف المعارضة والشارع الشعبي على الهدف الرئيسي، نظام ديمقراطي مدني، ولكن الاختلاف مشروع حول وسائل الوصول لذلك الهدف باسرع وقت وباقل الخسائر.

توالي الاحداث والتجارب في الايام الثورية الراهنة سيرجح الحل الأمثل. الديمقراطية مؤكدة ولكن الطريق إليها يختلف حسب الواقع والقوى والمؤثرات المحلية والاقليمية والدولية… الانتفاضة لتأكيد الاختلاف وليس لقمعه باسم دماء الشهداء الأبرار، وليس من حق أحد ان يعتبر موقفه الحقيقة المطلقة. الانتفاضة مجموعة ألوان تتآلف لتعطي لوحة رائعة بالوانها المختلفة.

لقاء دمشق التشاوري: محاسن كثيرة تذهب المساوئ القليلة

صبحي حديدي

يوم الإثنين الماضي، 27/6/2011، كان قد سجّل مرور ثلاثة أيام على إضراب مفتوح عن الطعام، نفّذه في سجن عدرا المركزي، قرب العاصمة السورية دمشق، مجموعة من معتقلي الرأي، من الناشطين السياسيين أو الحقوقيين، المهندسين والأطباء والإعلاميين، الذين يمكن إدراجهم في خانة ‘المثقف’ من جهة، وفئة الطبقة الوسطى من جهة ثانية.

بين هؤلاء أسماء مثل مازن عدي، أمجد بيازي، حسام أسود، هاشم عبد الحكيم غزالة، راتب الزعبي، أحمد مصلح، وكمال اللبواني. وفي عداد المضربين عن الطعام نجد، أيضاً، أحمد عسكر (صناعي)، منير نصر الله (حرفي)، أنس هواش، باسم الحراكي (عمل حرّ)، ماجد قلوش (حلاق)، وسرور الرفاعي (إمام مسجد). بيان الإضراب أشار إلى إخضاع المعتقلين إلى فترات تحقيق دامت أسابيع عدّة، في أقبية أجهزة أمنية مختلفة، وتعرّضهم لشتى صنوف التعذيب، وذلك قبل أن يستلموا أي قرار اتهام، في تناقض فاضح مع حال رفع قانون الطوارىء.

في اليوم ذاته، ليس في سجن عدرا هذه المرّة، بل في قاعة الروابي، فندق ‘سميرامس’، في قلب دمشق، اجتمع قرابة 175 مواطنة ومواطناً سورياً، ينتمون بدورهم إلى خانة ‘المثقف’ العريضة ذاتها، من جهة؛ وإلى فئات الطبقة الوسطى، من جهة ثانية. ولقد ميّز الكثيرين منهم أنهم معتقلو رأي سابقون، حتى عهد قريب أو وسيط او بعيد، وهم اليوم ناشطون سياسيون أو حقوقيون، بهذه الدرجة او تلك من الإستقلالية عن أحزاب المعارضة، أو القرب منها. هذا اللقاء، الأوّل من نوعه منذ عقود، حمل صفة ‘التشاور’، وانعقد تحت شعار ‘سورية للجميع في ظلّ دولة ديمقراطية مدنية’، وخرج ببيان ختامي، أقرب إلى إعلان سياسي جيّد إجمالاً، وممتاز في بعض فقراته. كما أصدر وثيقة أخلاقية النبرة، لكنها ذات روحية وطنية وديمقراطية جلية، بعنوان ‘عهد من أجل بلادنا التي نحبّ’، تعيد في الواقع استئناف نصّ مماثل، سبق أن تداولته المواقع الإلكترونية سنة 2006.

وأيضاً، في اليوم ذاته، كانت دبابات النظام تواصل زحفها على قرى إدلب وأريحا وجسر الشغور وجبل الزاوية، وستودي العمليات العسكرية بحياة ثمانية مواطنين في جبل الزاوية، وأربعة في قرية الرامي، واثنين في قرية مرعيان، واثنين آخرين في قريتَيْ سرجة وكفرحايا. وسيسقط المزيد من الشهداء في مناطق أخرى (علي مندو، من حيّ برزة في دمشق، برصاص الشبيحة؛ وحازم محمد عبيد، من الرستن، قرب حمص، بعد التمثيل بجثته؛ بين شهداء آخرين). وستخرج مظاهرات في حي الصليبة، اللاذقية؛ والمعضمية، والزبداني، وعربين، والقابون، والميدان، في دمشق وريفها؛ والبوكمال، وجامعة الفرات، في دير الزور، وساحة العاصي، في حماة؛ وفي قارة، منطقة القلمون؛ وعشرات المناطق الأخرى.

هذه مشاهد ثلاثة من وقائع نهار واحد يدشّن، ليس دون مفارقة ذات دلالات خاصة، دخول الإنتفاضة السورية يومها المئة؛ كما يعيد، في جانب آخر، التشديد على أنساق صارت مألوفة على صعيد مسارات الحراك الشعبي وخيارات النظام في قمع الإنتفاضة، سواء بسواء؛ وعلى أنساق وليدة، أو تبدو هكذا للوهلة الأولى، بينها لقاء دمشق التشاوري على سبيل المثال الأبرز. وهذا نسق فرضه امتزاج جدلي، على نحو ما، بين زخم الإنتفاضة وتضحيات الشعب السوري، في قطب أوّل؛ وإمعان النظام في خيارات العنف القصوى، ثمّ اضطراره إلى المراوحة بين القوّة والمناورة، وما يترتّب عليهما من تراجعات بيّنة أو خافية، في القطب الثاني النقيض.

حال الجدل هذه، التي تدور ضمن ذلك المعنى الماركسي الكلاسيكي الأبسط الذي يتفحص ديناميات الظواهر الاجتماعية ـ السياسية، تفترض سلسلة من علائق الشدّ والجذب بين القطبيين، ولا مناص من أن تنتهي إلى ميزان قوى تبادلي، حيث تتحوّل خسائر قطب إلى مكاسب للقطب الآخر، والعكس صحيح عند قلب المعادلة. وهكذا، في العودة إلى لقاء دمشق التشاوري، يبدو من المنصف، والمنطقي في ضوء حال الجدل ذاتها، التسليم بأنّ النظام كسب من سكوته عن عقد اللقاء (وهذا، بالطبع، يرقى إلى مستوى الترخيص له، حتى إذا كان منظّمو اللقاء لم يستأذنوا السلطة في انعقاده). لكنّ المجتمع المدني السوري، في صبغته المعارضة والحقوقية والوطنية والديمقراطية المنحازة إلى الشعب والإنتفاضة، وليس ضمن أية صبغة حيادية أو مجرّدة أو موالية للنظام، قد كسب من حدث الإنعقاد في ذاته، ضمن مواصفاته وملابساته، ومن حيث مجرياته ومداولاته، ثمّ أدبياته وخلاصاته. وبذلك فإنّ السؤال اللاحق، الذي لا تكتمل هذه الدائرة من دون طرحه والإجابة عليه، هو هذا: مَنْ كسب أكثر، أو أقلّ؛ ومَن خسر أكثر، أو أقلّ، هنا أيضاً؟ وهذه السطور لا تتردّد في المساجلة بأنّ الكاسب الأكبر هو الإنتفاضة السورية، والمجتمع المدني السوري كما مثّلته الغالبية الساحقة من المشاركين في اللقاء التشاوري. والأرجح أنّ ميزان الربح والخسارة ـ إذا توجّب التفكير في موازنات كهذه ـ يمكن أن يختصره هذا الإفتراض: ثمة الكثير من المحاسن والمزايا التي سبقت، واكتنفت، وستعقب انعقاد الملتقى؛ وهذه تذهب بالمساوىء القليلة، أو ينبغي لها أن تفعل تدريجياً، في زمن تقتضي الضرورة أن يكون وجيزاً، كلما أحسن المشاركون تحويل اقوالهم إلى افعال على الأرض، وكلما عمّموا التجربة بحيث تتكرر سريعاً في مختلف محافظات القطر.

كذلك في الوسع الحديث عن شريحة خاصة، داخل المجتمع المدني السوري تحديداً، جنت مقداراً أكبر، ملموساً على نحو أوضح، من مكاسب لقاء دمشق التشاوري. وهذه هي فئة المثقف السوري الذي لاح، طيلة أسابيع من عمر الإنتفاضة، أنه في واحد من جملة تصانيف: مشارك خجول، أعلن موقفاً مؤيداً، في بيان أو مقال، وعفّ عن النزول إلى مظاهرة؛ وصامت، يكتم موقفاً متعاطفاً، أو حائراً، أو خائفاً، أو متواطئاً؛ ومؤيد للنظام، مروّج لأكاذيب السلطة حول اعتبار المتظاهرين مندسين وسلفيين وعصابات مسلحة، مارس ‘التشبيح’ الثقافي في هذا المضمار أو ذاك. وإذا صحّ تماماً القول بأنّ استعادة المجتمع المدني السوري، أو إحداث ما يشبه ‘الصدمة’ لإيقاظه من سبات، عميق أو سطحي، حقيقي أو كاذب، كانت سمة مركزية طبعت اللقاء؛ فإنّ السمة الأخرى المركزية، الرديفة اللصيقة، هي أنّ الغالبية الساحقة من الحاضرين في ‘قاعة الروابي’ كانوا من فئة المثقفين.

وحين يلحّ على المشاركة أمثال نبيل صالح وعباس النوري، وللرجلين ما لهما من مواقف منحازة إلى النظام، ومناهضة للإنتفاضة والحراك الشعبي ـ ضمن مفردات أُريد لها أن تكون مقذعة أحياناً، ديماغوجية غالباً، تحاكي خطاب أبواق النظام على نحو اقرب إلى طبق الأصل ـ فذلك لأنّ ميزان الربح عندهم أخذ ينقلب إلى خسارة. لم يكن مفاجئاً أن يركب أمثال صالح والنوري هذه الموجة الوليدة، وأن يقتحموا اللقاء دون دعوة، وأن ‘يشبّح’ أحدهم حول مفهوم ‘المعارضة تحت سقف النظام’، وأن يغادروا القاعة بعد برهة قصيرة، إذْ من العسير عليهم أن يقطعوا الخطوة الحاسمة التالية، وأن يضعوا تواقيعهم على خلاصات اللقاء.

لم يكن هذا خيار بعض المشاركين، من السينمائيين بصفة خاصة، الذين وضعوا تواقيعهم على الوثيقتين، رغم أنهم كانوا في عداد الموقّعين على بيان سابق، صدر في أواسط أيار (مايو) الماضي، يخوّن زملاءهم السينمائيين السوريين الذين أصدروا بياناً مشرّفاً، جمع أسماء دولية كبيرة، وتجاوز الـ 700 شخصية. في بيان التخوين قال هؤلاء إنّ ‘التظاهر السلمي لأجل الإصلاح لايتمّ بالتلطّي بالمساجد وانتهاك حرمتها، ولا بقتل أفراد من شعبنا العظيم وجيشنا العربي السوري البطل والتمثيل بجثثهم، ولا بقطع الطرقات أو حرق قصور العدل والممتلكات العامة والخاصة ولا بالشعارات المذهبية والطائفية’. وأمّا في بيان لقاء دمشق فقد وقّعوا على نقيض هذه الروحية، وهذه اللغة، وهؤلاء خسرهم صفّ النظام، في المدى المنظور على الأقلّ، وقد تصحّ المراهنة على أنّ الإنتفاضة اجتذبتهم، أو كسبت الكثير منهم بصفة نهائية.

لكنّ اللقاء قام على جهود مشاركين لا تحتاج سجلاتهم النضالية إلى شهادة حسن سلوك من أحد، وهم أصلاً في صفّ الشعب، وأسهموا في صناعة واحد من أهمّ منجزات الإنتفاضة: تحديد عنوان سياسي جديد، علني وتعددي، ينضمّ إلى عناوين أخرى سبق أن حدّدتها مجموعات المتظاهرين، واتحاد تنسيقيات الثورة السورية، وعشرات لجان المشاركة والدعم والمساندة، وأحزاب المعارضة الديمقراطية… أنها اليوم تأتلف، جميعها، من أجل فكّ حال التجميد السياسي، التي يحرص النظام على إبقاء الإنتفاضة أسيرة لها؛ وتحويل الحراك الشعبي من محض ممارسات بطولية في التظاهر والإحتجاج والتضحية والإستشهاد، إلى مشروع سياسي ناضج ومتكامل يتطلع إلى سورية المستقبل، الكريمة الحرّة الديمقراطية التي لا يمكن لهذا النظام أن يكون قادراً على توفيرها، أنّى ذهبت مناوراته الإصلاحية.

ولعلّ هذه الإشكالية، لأنها كذلك بالفعل، كانت كبرى معضلات اللقاء التشاوري في دمشق، إذْ أنّ تفاصيل الوقائع الأخرى في مشهد الإنتفاضة السورية، والتي تصدّرت هذه السطور؛ فضلاً عن هتافات المتظاهرين، وشعاراتهم ولافتاتهم، كانت ـ في مسألة تغيير النظام، على وجه التحديد ـ أوضح بكثير من الصياغات الغائمة، أو اللائذة بنبرة اعتدالية تختزن بعض اللبس في المعنى أو الزيغ في الدلالة، والتي انتهى إليها البيان الختامي. ولكن… مَنْ كان ينتظر العكس، في الأساس؟ ولماذا لا يكون خطاب التظاهرة متقدّماً على خطاب القاعة، ما دامت الأخيرة تقرّ ـ كما جاء في كلمة منذر خدام، رئيس اللقاء التشاوري ـ بأنّ الفضل في التئام القاعة إنما ‘يعود إلى انتفاضة شعبنا السوري الباسلة، إلى مئات الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن يصير كل ذلك ممكناً’؟

وفي نظرة أخرى على المعادلة ذاتها، لماذا لا يكون التباين بين خطاب التظاهرة وخطاب القاعة مسألة وضوح أقصى تفترضه طبيعة، وطبائع، الفعل الجماهيري الأوّل، واشتراطات التعبئة والحشد والتنظيم والتنفيذ عند الخروج إلى الشارع؟ ولماذا لا يكون الوضوح أقلّ، فيخضع لألعاب مشروعة في تطويع اللغة وتسخير المفردات، سعياً إلى تفاوض أكثر سلاسة بين المشاركين، وإلى توافق أعرض؟ وهل يُفهم من نصوص البيان الختامي أنّ النظام القائم هو الذي سوف يتولى بناء ‘دولة ديمقراطية مدنيّة تعدديّة، تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين السوريين السياسية والثقافية والاجتماعية’؟ أو أنّ النظام هو الذي سوف ‘يضمن العدالة والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات بغض النظر عن العرق والدين والجنس’، كما جاء في البند الأوّل من البيان الختامي؟

لم ينصّ البيان على عبارة ‘إسقاط النظام’، إذاً، وهذا ما أغضب بعض التظاهرات، لأسباب يتوجب تفهمها؛ مثلما يتوجب الترحيب برحابة صدر المتظاهرين الذين لم يتعرّضوا بسوء لللقاء فندق ‘سميرامس’، رغم أنهم أنذروا ضدّ الحوار مع النظام. وفي هذا برهان جديد على جدل من طراز آخر، يوحّد القوى أو يجمع شتاتها، فتتكامل حتى حين تتعدد، وتتقاسم الأدوار والوظائف، فتتقارب عناصر المشهد، لكي تقترب من الشعار الأكثر تكريماً للشهداء: الشعب يريد إسقاط النظام!

 

‘ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى