صفحات سوريةغازي دحمان

ملف سوريا في نفق العلاقات الدولية/ غازي دحمان

يسود صمت مطبق بشأن طبيعة الترتيبات الجارية بشأن المسألة السورية، ثمة دائرة مغلقة فعلاً باتت مغلقة تلف الحدث وتخفيه، واشنطن وموسكو أخذتا الأزمة وخبأتاها في لفيف علاقاتهما الشائكة، لدرجة قد يسأل معها أي مراقب أين الملف السوري الذي لم تعد ترى له ملامح في الحقل الديبلوماسي العالمي!.

ثمة من يعتقد أن المسألة ربما تكون محاولة لعزل الملف عن التأثيرات الأخرى، الإقليمية والدولية، وذلك بقصد التوصل إلى مقاربة مهمة يستطيع الطرفان إنجاز تصوراتها على الأرض السورية، حسناً الموضوع له تشعبات وتعقيدات عديدة أعقد من أن يتم حصره ضمن أطراف معينة. لا يمكن لروسيا وأميركا أن يتوصلا إلى حل بدون مساعدة الأطراف الإقليمية.

أيضاً لا يمكن حصره بالجانب الأمني على ما تحاول الديبلوماسية الروسية تصويره ومحاولة اختزاله في شق محاربة الإرهاب، وإنهاء القضية على هذه الشاكلة، تجربة أفغانستان لا زالت ماثلة لفشل المقاربات الأمنية، بمعنى أنه لن تستطيع روسيا وأميركا حل الموضوع على هذا الأساس.

لا يمكننا القول إن واشنطن خضعت لإملاءات روسيا في هذا الملف، غير أننا نستطيع الجزم بأن الملف السوري في الميزان الدولي لم ينضج بعد، يكفي أنه ما زالت السياسات الدولية تتعاطى معه من زاوية أخلاقية ضعيفة، ولم يتم التعاطي معه بوصفه قضية مصلحية بامتياز.

لكن وبما أن السياسات المتبعة في الملف السوري سياسات لا واقعية طالما هي لا تلجأ إلى حل الأزمة بشكل جذري، فإن عناصر الأزمة ذات الطبيعة الانشطارية ستطور نفسها للحد الذي يجعل منها أزمة على مستوى وامتداد أكبر وتدفع بالتالي القوى إلى إعادة صياغة مقارباتها.

لقد تبين، بما لا يدع مجالاً أن الأزمة السورية كانت على الدوام أزمة ولاَّدة ومتحركة بالآن نفسه، إذ أنها، ومنذ انطلاقتها، لم تتوقف على نمط واحد ولم تقتصر على دائرة، أو دوائر محددة، كما أن الاستجابات الناتجة عنها كانت من النمط الأفقي سريع الانتشار والانشطار، فبعد أن انتجت التسلح جراء ظروف ومعطيات داخلية فرضتها كثافة الضغوط الممارسة من قبل النظام، استدعت الصراعات التاريخية الكامنة بين المكونات المذهبية والعرقية، على مستوى المنطقة، وهذه انتجت الصراع السني الشيعي، والتوتر العربي الكردي، ونتج عن كل ذلك ظاهرة الجهاديين، وتزامنت كل هذه الولادات مع ظاهرة اللااستقرار الإقليمي وحالة التوتر الدولي.

بالإضافة لذلك، فإن الأزمة أيضاً، باتت متشعبة لأكثر من أزمة، وباتت تنطوي على جملة من الأزمات: اللاجئون، الإعمار، المفقودون، وهو أمر يحتم وجود هيئة دولية للتنسيق بشأن استحقاقات هذه المسائل كلها، على افتراض وجود حد أدنى من الجدية في التحركات الدولية الجارية، إذ لم يعد ممكناً تلزيم أطراف معينة بإنجاز رزمة الاستحقاقات في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعاني منها أغلب مناطق العالم.

وفي العودة إلى السؤال الرئيسي، لماذا تخبئ واشنطن وموسكو الملف السوري وما هي ترتيباتهما بشأنه؟، الواضح حتى اللحظة أن الطرفين يجريان عملية تدوير لمختلف الزوايا الحادة في الأزمة بقصد الوصول إلى تصور معين للانطلاق نحو الحل الذي يرتئيانه، بمعنى أنهما لا زالا في مرحلة بناء التصور، وثمة تسريبات تفيد بوجود ورشة أميركية روسية تعمل على صياغة هذا التصور، ويعمل الطرفان على استراتيجية خفض سقف توقعات أطراف الأزمة من الحل، كما يعتمدان تكتيك طرح حزمة واسعة من الخيارات السيئة، أولاً بهدف سبر أغوار أطراف الأزمة ومعرفة ردود أفعالها تجاه تلك الخيارت، وثانياً بقصد معرفة أي الخيارات يمتلك حظوظاً أقوى في التطبيق العملي، ومن جهة ثالثة محاولة دفع الأطراف إلى تكييف إشتراطاتها وطلباتها في إطار معين ومحدد لا تتجاوزه، وكمثال على ذلك جرى رسم الخيارات الممكنة حتى اللحظة أمام أطراف الأزمة، النظام والمعارضة، على قوس يمتد من تشكيل حكومة انتقالية من الطرفين إلى التمديد لبشار الأسد عامين تاليين في الحكم.

للحقيقة، يبدو أن نظام الأسد على دراية وإدراك بطبيعة ما يجري في الكواليس الأميركية الروسية، والواضح أنه يحاول جاهداً العمل على تعديل طبيعة الخيارات والتصورات بحيث تأتي لصالحه، من خلال طرح نفسه كبديل عن حالة الفوضى والتطرف، وهو ما يجهد بشار الأسد بإيصاله عبر إطلالاته الإعلامية الكثيرة هذه الأيام، إذ يحاول تصوير نفسه على أنه الطرف المتسامح والحامي للأقليات والضامن للعهود والمواثيق الدولية.

في المقابل لا تنتبه قوى المعارضة لهذا الحراك الأميركي الروسي، ولا تزال تنهمك بممارسة تكتيكات قديمة، ثبت عدم جدواها، مما ينذر بأن تكون الخاسر في أي حل دولي قادم، وينعكس الأمر تالياً على الشعب السوري، بوصفها ممثلاً لقضيته.

الصمت الأميركي- الروسي يخفي وراءه خطراً كبيراً يتوجب الإنتباه إليه، ثمة محاولة لإعادة صياغة القضية السورية وطرحها من جديد، هذه الصياغة لا تبدو مناسبة لطموحات السوريين وتوقعاتهم، والخوف أن يصار إلى العبث بتشكيلات الثورة السورية لكي تتوافق مع هذه الصياغة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى