إحسان طالببرهان غليونرضوان زيادةصبحي حديديصفحات مميزةطلال المَيْهَنيطيب تيزينيعدي الزعبيعلا شيب الدينعلي العبداللهعمار ديوبعمر قدورعمر كوشغازي دحمانغسان المفلحفايز سارهقصي غريبمحمد دحنونميشيل كيلوهوشنك بروكاوائل السواحياسين السويحة

ملف صفحات سورية عن الضربة الأميركية المرتقبة على سورية – كتاب سوريين

أسد الكيماوي شرعنة الابادة/ غسان المفلح

ارتكب الاسد مجزرة مروعة وغير مسبوقة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، مستخدما الغازات السامة تحت أعين المراقبين الدوليين وخلال وجودهم في سوريا للتحقيق في استخدام الكيماوي، ووصل عدد الضحايا إلى نحو 1300.

من الصعب قراءة الحدث بعيدا عن نقطتين جوهريتين:

الاولى أن المسألة لاتزال تدور في سورية حول تسلط طائفي وفاشي يريد الاستمرار في حكم البلد بنفس الطريقة التي ادت إلى الثورة السورية آذار 2011. هنا مربض الفرس وهذه نقطة يجب أن تبقى حاضرة لدى جميع قوى الثورة، وكل ما استخدمه هذا التسلط المنفلت من اية قيمة وطنية وانسانية، عبارة عن لعب في الفسحة التي تركها له المجتمع الدولي، ليدمر البلد كاملة. هو كل ما فعله في سورية منذ 45 عاما تقريبا هو من أجل أن يأخذ هذا الترخيص في قتل شعبنا وابادته، عند اللزوم. وما تبقى كلها تفاصيل لاقيمة جوهرية لها مقارنة بهذه الواقعة. رغم ما فرضته هذه التفاصيل من تعقيد للمشهد، لأن للمشهد مخرج واحد في الواقع، هو الذي فعل في سورية ما فعله في هذه العقود.

الثانية فرضت الطبيعة الديمغرافية السورية ان يتكون جسد الثورة من الاكثرية السنية، وبالتالي جل الضحايا هم من هذه الاكثرية، بغض النظر عن مشاركة او عدم مشاركة الاقليات في الثورة وأكثرية الاقليات شاركت في الثورة، عدا الطائفة العلوية لم يحدث فيها اي انشقاق عمودي يذكر كبقية الاقليات، إلا أن الضحايا يريدهم من هذه الاكثرية، لكي يبقي من هم معه، خارج المعادلة، لأنه يعتقد أنه من السهولة بمكان اعادتهم للعق حذاءه، مثل بعض تجار دمشق وحلب ومشايخهم، إلى بعض فاعلي الاقليات، بالتالي استخدام الكيماوي يندرج في اطار ابادة جسد الثورة الاساسي. من هنا كانت كلما تقدمت الثورة كلما كان يحاول استخدام اوراقه. فكانت في البداية بعض معارضة سميت لاحقا بهيئة التنسيق، ارادت افقاد الثورة شرعيتها فعقدت مؤتمرات كي تعيد للتسلط بعضا من الحياة بعدما اسقطته التظاهرات وطنيا واخلاقيا، وبقيت هذه المعارضة، خزانا أيديولوجيا لهذا التسلط- الجريمة، إضافة ان كل لقاءاتها مع الدول كانت تلعب على وتر الخطر الاسلامي، معتقدين كالنعامة ان هذا الامر يمكن ان يبقى سرا، تحت مسمى لا للعنف ولا للطائفية ولا للتدخل الخارجي، على أساس هذه الثلاثية الموجهة ضد الثورة منذ اللحظة الاولى تحركت هذه المعارضة ورموزها، كان مندوبي الدول ينقلون مطالبهم التي تتمحور في النهاية حول حل سياسي يبقي التسلط حاكما لسورية، ودون حد ادنى من العدالة الانتقالية، على مبدأ دعوا اهل درعا وحمص والدير وبانياس والبيضا يتحملوا نتائج خروجهم في الثورة التي كانت سلمية حتى ذلك التاريخ وقتل هذا التسلط من سكانها ما قتل، وكان أدونيس خزانهم الفكري العلمانوي. ثم انتقل الوضع في المرحلة التالية، عندما كاد ان ينهار عسكريا، إلى تدخل جحافل المرتزقة من الحرس الثوري ومتشيعي ايران في العراق وحزب الله، ولأن المجتمع الدولي شرعن عمليا هذه الخطوة ولم تؤدي إلى هزيمة الثورة بدأ باستخدام الكيماوي على نطاق محدود قبل عدة اشهر. الآن يقتل مخبري إيران شعبنا تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، وكأن هذا المجتمع موافق على ذلك ولم يقم بأي إجراء، وهذه المعارضة لا تعتبر هذا تدخلا خارجيا إذا قورن بأي تدخل يمكن أن يؤدي لاسقاط التسلط. مع ذلك كل هذا لم يؤدي إلى اسقاط الثورة بل ازدادت تقدما على الارض. لهذا اراد اللعب بالورقة الكيماوية هذه المرة علنا وعلى نطاق واسع، فضرب الغوطة بحضور لجنة تحقيق اممية هزيلة في صلاحياتها. كان القصد من هذه الضربة هي شرعنة استخدام الكيماوي، وتمريرها كما مرر له المجتمع الدولي تدخل حزب الله وإيران. أظن ان مجزرة الغوطة الكيماوية لن تكون الاخيرة في حال لم يتدخل المجتمع الدولي. المجتمع الدولي اكتفى بالادانة لحزب الله، والقصة تحولت إلى خرق عادي بالنسبة لهذا المجتمع الدولي. الآن التسلط الاسدي يريد ابادة جسد الثورة كيماويا كسلاح أخير يمكن له ان يبقيه بمأمن يتنقل بدمشق كهارب من وجه العدالة.

شرعنة الابادة بالكيماوي هو الهدف من ضرب الغوطة الشرقية. وما تبقى من نقاشات لا قيمة لها مقارنة بهذه النقلة في حرب الابادة هذه. لكن ما قبل الكيماوي المعمم غير ما بعده لناحية أننا الآن أمام مواجهة مختلفة وعلى قوى الثورة ان تعي ذلك، والاهم انكشاف العمالة والطائفية نهائيا لدى هذا النوع من المعارضة، إلى غير رجعة.

شرعنة الكيماوي عمليا تتطلب من قوى الثورة، أن تتخلى عن خطابها القديم وتتعامل مع المجتمع الدولي بطريقة مختلفة، كما تتطلب منها وضع حد للارتزاق داخلها. وعدم الانجرار وراء اللعبة الامريكية، في الاستمرار باغراق الثورة بالتفاصيل التي لاقيمة لها، أو الجري وراء وعود بلا ضمانات حقيقية.

إلى الاسلام السياسي في سورية، اتركونا من مصر، ماذا فعل المستوى السياسي المصري الاخواني وغير الاخواني دعما لثورة شعبنا؟ محنتنا تتطلب سورية أولا. شعب مصر اقدر على حل اموره، اعطيتم رأيكم مرة باحداث مصر عندما حصلت وفهمه الجميع، وانتهى الامر- يعني بلاها صور مرسي على وجوهكم وشعبنا يباد-.

المرحلة ما بعد هذه المحاولة من شرعنة استخدام الكيماوي غير ما قبلها، ومن يريد الاستمرار في نفس المنطق عليه ان يتنحى. التركيز على الداخل ووحدة قوى الثورة أهم من الجلوس للاستماع لمندوبي دول وافقت على اجتياح حزب الله للقصير.

ايلاف

هل هنالك هجوم دولي بعد الكيماوي!؟/ غسان المفلح

كل وسائل الاعلام العالمية، وكل المحللين يرون أن الضربة الدولية بقيادة أمريكا ستحصل بين الفينة والأخرى وستطال، البنية العسكرية للاسدية الكيماوية. ما يهمني في هذا السياق وبغض النظر عن حدوث هذه الضربة العسكرية أم لا، هو أجواء السوريين الآن ومنذ اعلنت أمريكا عن ذلك.

( انلعى قلبنا ونحن نقول روسيا عبارة عن مافيا سلاح تمتلك حق الفيتو، وأمريكا هي تقريبا صاحبة القرار الاخير في الشرق الاوسط، وأن أمريكا ومعها إسرائيل هي من تحمي استمرار هذا الاسد الكيماوي في قتل السوريين وتدمير سورية، وعندما تقرر أمريكا فإن إيران وروسيا لا وزنا حقيقيا لهما في ذلك) لكن يصر كثر من السوريين الذين كانوا يزايدون على البشر بالوطنية واليسارية والعلمانية، على الدور الروسي، واستخدمهم الروس واستخدموا خطابهم خير استخدام في تبرير موقفهم، والاستمرار في قتل شعبنا، وهم يحيون روسيا ومواقفها، الداعمة للاسد الكيماوي، بحجة ان روسيا ضد التدخل وتريد حلا سياسيا، وهي طرف مؤثر في هذا الصراع. نعم هي مؤثر بحكم تجارتها للاسلحة على حساب الدم السوري مع المافيا الاسدية، وبحكم الغطاء الامريكي للجريمة، وهو غطاء عملي وليس خطابي. منهم من قال أن أمريكا عاجزة عن توجيه ضربة عسكرية أو التدخل في الشرق الاوسط، لأن الشرق الاوسط اصبح في آخر سلم اولوياتها، بينما هو كان ولايزال في أول هذا السلم لدرجة اننا لم نعد درجته الاولى لأنها اصبحت جزءا داخليا من السياسة الامريكية. الروس يصرحون أنهم يدعمون الاسد لأنهم لا يريدون حكما سنيا في سورية أو أن يأتي الاخوان المسلمين، وهم يذهبون إليها، وعلى أساس أنهم من حملة شعلة دولة المواطنة!! تبين أن شعار دولة المواطنة مرتبط باستمرار سيطرة الطغمة الطائفية على سورية. واصحاب شعار لا للعنف تبين أنهم ضد أي عنف يمكن أن يلجأ إليه السوري الذي قتلت عائلته او دمر بيته، وأنهم ضد السلاح الذي في يد الجيش الحر، أما السلاح الروسي للطغمة الاسدية فهو بيد الدولة والجيش وطلع الجيش الاسدي جيش وطني. وضد التدخل الخارجي فقط الذي يمكن أن يؤدي إلى اسقاط النظام. أما تدخل حزب الله الاجرامي فندينه على استيحاء لزوم الموضوعية” الوطنية” منهم من يدين تدخل حزب الله على استيحاء ويكتب في جريدته الرسمية( الاخبار). في المحصلة كتلة الكيماوي الاسدية الايرانية داخل صفوف المعارضة، تريد أن تلمع صورتها الآن باللعب على وتر الضربة التي احتمال ألا تحصل، وإن حصلت فستحصل على نطاق محدود. المعتقلون بعشرات الالوف واللاجئون بالملايين والمفقودون بعشرات الالوف وأما الشهداء فقد وصل إلى أكثر من 150 ألف شهيد بالسلاح الروسي فهؤلاء لاقيمة لهم. كل هؤلاء لاوزن لهم في قضية وطنيتهم هذه ورفض التدخل. الآن في هذه الاجواء اتضح العمق النهائي لهؤلاء، أنهم ضد أية قوة من أي نوع كان سواء كانت سورية أم غير سورية يمكن أن تسقط اسدهم الكيماوي. هم ووليد المعلم والروس يدافعون عن الدروز والمسيحيين( طيب مدام هيك شو قصة العلوية ولا هم جنود فقط للدفاع عن بقية الاقليات، ولا مصلحة لهم؟)

دمشق التي تواطأ بعض تجارها ومشايخها كحلب، يبتهلون الا تحصل هذه الضربة وإن حصلت فلتحصل في خارج دمشق وحلب. وخرج بعض ارباب الدين المسيحي يهددون بحرب عالمية ثالثة في حال ضربت قوات الاسد الكيماوي. كل هؤلاء كيف للشعب السوري ان ينظر في وجوههم خاصة بعد الكيماوي؟. أما اجواء الثورة وقواها فتحتاج أيضا لوقفة خاصة لاحقة. علق احد الظرفاء(ياخونة..ولك بدكن جيش غريب يدمر بلادكين..؟ بشو قصر عليكن جيشكين الوطني…اااه..؟!)

ايلاف

الضربة لتسريع الحل/عمر العبد الله

أجواء من الترقب والتخوف تسود المجتمع السوري بكل تلويناته وأطيافه قبيل الضربة العسكرية المتوقعة للنظام السوري بين المعارضين والمؤيدين على حد سواء، بين من يشعر أن النهاية اقتربت ومن يظن أن الحرب والمؤامرة تكتمل مشاهدهما.

داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لا يختلف الأمر كثيراً، فأجواء الترقب والاستعداد لما هو قادم تلقي بظلالها على الجميع، وإن كان الائتلاف حسم موقفه بتأييد الضربة. رئيس الائتلاف، أحمد الجربا، طالب عقب لقائه بالرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، “بموقف دولي صارم من قبل حلفائنا تجاه سوريا بعد مجزرة الغوطة”، معتبراً أنه “يجب أن يكون هناك ردع قوي للنظام المجرم في سوريا”. واضاف “الجريمة التي ارتكبها النظام السوري لا يمكن ان تمر من دون عقاب”.

عقاب فسره الجربا، في مقابلة مع صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية، بـ “تسديد ضربات ضد (الرئيس السوري بشار) الأسد وإسقاط نظامه”. وأضاف “الأسد أصبح التهاباً أو فيروساً بالنسبة للمنطقة، وأي عقاب يستحقه رئيس قتل خلال سنتين ونيف أكثر من 300 ألف شخص بالرصاص وصواريخ سكود والأسلحة الكيميائية؟ أي نهاية يستحقها هذا الرجل؟ أطرح السؤال على الرأي العام الغربي”، داعياً إلى محاكمة الرئيس السوري، بشار الأسد الذي وصفه بـ”بشار الكيميائي” في المحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات على النظام.

كما طالب الجربا، بأن يعقب الضربة، تقديم دعم سياسي وعسكري للجش السوري الحر “لأن نظام الأسد يحظى بدعم روسيا وحزب الله وإيران، ونحن ينقصنا كل شيء ولم يقدم إلينا حلفاؤنا ما طلبناه ونحن بحاجة لدعم حقيقي”.

وفيما نبه الى أن الشعب السوري، “مهدد بالابادة”، تطرق إلى التأثير المتوقع للضربة على المسار السياسي للحل في سوريا، قائلاً “هدفنا الرئيسي هو التخلص من النظام للحصول على الديمقراطية، ولكن إذا نجحنا في إضعافه فقد نتوصل إلى حل سياسي”.

وهو نفس ما ذهب إليه الرئيس الفرنسي، بتأكيده بعد لقاء الجربا، أن الحل السياسي للأزمة في سوريا يجب أن يكون محور التركيز، لكن “هذا لا يمكن أن يحدث الا اذا تمكن المجتمع الدولي من وقف القتل وزيادة الدعم للمعارضين”، وإلا “اذا استطاع الائتلاف أن يظهر كبديل يتمتع بالقوة اللازمة خاصة على صعيد جيشه”.

وفيما تتواصل المشاورات الدبلوماسية سواء بين الدول الغربية أو بين هذه الدول وقادة الائتلاف وسط ترقب لما ستسفر عنه، أكد عضو الائتلاف الوطني وعضو لجنة الشؤون الخارجية، موفق نيربية، لـ”المدن”، أن “الترقب ليس في الائتلاف وحده، لدى شعبنا المظلوم كله، هناك استبشار محدود بأن ما كان ينبغي أن يحصل منذ زمن لحماية شعبنا على أساس حقه بذلك حسب القانون الإنساني الدولي “قد” يحصل بعضه الآن”.

وفيما يرى أن الحل كان وسيبقى “على عاتق شعبنا المسالم والمقاوم، وهو نفسه من سيسقط هذا النظام”، اعتبر أن “الضربة يمكن أن تساعد فقط في لجم القدرة العمياء على القتل ببعض الأنواع المجنونة من أدوات القتل، وقد تساعد على إقناع بعض أهل النظام ومناصريه بأنه انتهى وينبغي لهم البحث عن مخرج آخر مع شعبهم”.

وعن التنسيق بين الائتلاف الوطني والدول الكبرى حول الضربة، قال نيربية إن الحل السياسي هو الأساس وهو “تتويج لانتصار الثورة وتحقيق أهدافها”، وأضاف الحل السياسي هو فقط من أجل البحث في أفضل آلية لانتقال سوريا الى دولة ديموقراطية بعد الخلاص، “والإقرار أن الاستبداد انتهى ولن يعود مرة أخرى” على حد تعبير نيربية.

وفي سؤال عن مدى التعاون بين الجيش السوري الحر والدول الكبرى، والتنسيق العسكري والاستخباراتي، نفى نيربية امتلاكه أي معلومة عن ذلك، لكنه شدد على أن الضربة محددة ودقيقة، “واجبنا الآن أن نقوم بكل ما ينبغي استعدادا للضربة وانعكاساتها”.

وفيما تشير كافة التوقعات والتسريبات الى أن الائتلاف يستعد لإعلان حكومته المؤقتة قريباً، من أجل تسلم السلطة من الأسد والاستعداد لإدارة البلاد، إلا أن الائتلاف لم يعلن عن أي خطة حتى اللحظة لإدارة المرحلة الانتقالية. ولم يعلن إذا ما كان سيقبل بالخطة التي اقترحها بيت الخبرة السوري حول إدارة المرحلة الانتقالية، وكيفية التعامل مع الأجهزة الأمنية والجيش النظامي، بالإضافة الى الجماعات الإسلامية المتشددة كجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام.

المدن

الأبعاد السياسية للكيماوي الأخير للأسد/ كرم يوسف

رغم كل ما حدث في الغوطة الشرقية والغربية بمحافظة ريف دمشق لا زال هناك من يشكك في أن المعارضة السورية هي من قصفتهما بالأسلحة الكيماوية رغبة من المعارضة في إدانة النظام بشكل مباشر بعد وصول الوفد الأممي المختص بالأسلحة الكيماوية إلى دمشق، في مقابل هذا لم يتوانَ النظام هو الآخر عبر الناطق باسم مؤسسته العسكرية – وللمرات القليلة كبقية دول العالم ـ عن التصريح في هذا الموضوع ونفي مسؤوليته عن الأمر متهماً المعارضة باستخدام الكيماوي ضد المدنيين.

‘لكن كيف يمكن افتراض أن النظام لم يفعل تلك المجزرة المروعة والتي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص وآلاف المصابين عبر استخدام غاز السارين لأول مرة بهذه الكمية في الغوطتين بريف دمشق، ولا يعمد إلى إعلان الحداد مثلاً في البلد، أو وضع شريط أسود على شاشة فضائيته كما عودنا أي بلد أن يفعل بعد كل مصيبة كبيرة تلم بالبلد ما دام يعز على النظام أن أبناءه راحوا ضحية لهجمات المعارضة؟ هذا بصرف النظر عن الفرضية التي تؤدي إلى امتلاك المعارضة لهذا السلاح وألا تلقيه على النظام ورئيسه في عقر دارهم فيما لو تجاوزنا طبعاً كيفية الحصول عليها من قبل المعارضة، وكيفية قيام المعارضة بقصف المنطقة بالغازات السامة بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي على المنطقة.

كان للنظام قبل مجزرة الغوطتين عادة في أن يقوم بتفجيرات بالتزامن مع وصول أي وفد حتى في أيام وفد الجامعة العربية أو المبعوث الأممي السابق المستقيل كوفي عنان وذلك في دمشق أو حلب على اعتبار أن الوفد لا بد أن يتأثر بالحدث كونه قريباً منه إلى جانب أن تلك المناطق التي كان يتم فيها التفجير لا تزال تحت سيطرته وبإمكانه تقديم شهود من مخابراته لتلك الوفود يحكون للوفد القصة التي يريدها هو، لكن هذه المرة المنطقة التي تم قصفها بالكيماوي وهي الغوطة الشرقية والغربية بالتزامن مع وصول الوفد الأممي المختص بالأسلحة الكيماوية كانت خارج سيطرة النظام، وهذا ما يحمل الكثير من التأويلات المتعلقة بسياسة النظام إزاء مجزرة الغوطتين.

النظام لا شك يعي تماماً بأنه بقصف الغوطتين بغاز السارين أو الأعصاب أو الأسلحة الكيماوية لن تمكنه من السيطرة عليها فمقاتلو المعارضة لن ينسحبوا منها لأنها باتت شبه خالية من سكانها نتيجة الاشتباكات والقصف المستمر وهذا الأمر يقتضي بأن هناك رسالة سياسية من وراء القصف، لكن ما هي هذه الرسالة؟

الرسالة السياسة التي أراد النظام إيصالها عبر قصف الغوطتين بالغازات السامة بهذا الشكل الكبير ومعرفته بنتائج القصف الذي ستكون ضحاياه بالآلاف كانت لأمريكا وللدول الأوربية التي تصرح بأنها مناصرة للثورة السورية ولإسرائيل بالدرجة الأولى بأنه يملك أسلحة كيماوية وتذكرهم به من جديد كي لا ينشغلوا بحلول أخرى من شأنها أن تعيد التوازن ببينه وبين المعارضة المسلحة بتسليحها مثلاً’قبل أي مؤتمر سلام ربما يضطر النظام فيها للجلوس على طاولة المفاوضات مع المعارضة التي حتى وأن تقدمت على الأرض وأحرزت نتائجاً فأنها لن تمتلك الأسلحة الكيماوية.

ما يدفعنا للمضي في سياق تصور أبعاد سياسية لمجزرة الغوطتين التصريحات التي جاءت بداية على لسان رئيس أركان الجيش الأمريكي مارتن ديمبسي الذي أوضح في وقت سابق من الشهر الحالي أن معلومات استخباراتية أكدت أن النظام يقوم بتأمين أسلحة كيماوية ونقلها من مواقع إلى مواقع أخرى، وهو ما رأى فيه ديمبسي تحركات غريبة تثير القلق من الإعداد لضربة بالكيماوي لا يمكن منعها.

بالإضافة إلى تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون عقب مجزرة الغوطتين أنَ نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي أكثر من مرة؛ وهو ما يمكن فهمه بأنه تصريح متمم وداعم للضربات التي كانت إسرائيل تستهدف فيه مراكز الأسلحة الكيميائية في سورية في نفس الوقت الذي كان يصرح فيه مسؤولون إسرائيليون بأن الأسد والإبن هم خير حماة لحدودها الشمالية وكأنهم خير حماة لهذه الحدود بلا أسلحة كيمائية

النظام الذي استخدم غازات الأعصاب والسارين وربما الأسلحة الكيماوية قبلاً و أدين فيها ومن ثم لم يحدث أي إجراء ضده، يعي تماماً بأنه لو قصف كل شبر من سورية ما لم يتأثر به المواطنون الاسرائيليون فلن يحدث أي تحرك ضده أكثر من بيان إدانة ،إلى جانب هذا فلا الغرب يصدق ولا النظام صدق نفسه أو حتى موالوه صدقوه في روايته القائلة باستخدام المعارضة للكيماوي، لكن الدول المدعية بمناصرتها للثورة كانت بحاجة إلى مهرب من الحرج الذي وقعت فيه أمام مجزرة بهذا الحجم ليعتمد تصريحات النظام التي تنفي مسؤولية عنها.

لا شك لو كان القصف بهذه الأسلحة على منطقة حدودية وذهب ضحيتها إسرائيلي أو أردني أو تركي لكانت المعادلة على غير هذا الشكل، وما كانت لتمر بهذه السهولة ولكن دقة النظام في اختيار مناطق غير حدودية توصل بنا إلى نتيجة في أن النظام يعرف أن حياة شخص إسرائيلي ستغير التوازنات الدولية فيما يخص الملف السوري وستقيم الدنيا ولن تقعدها في الوقت الذي تتفق كل القوى الكبرى على حماية إسرائيل إلى الأبد بسوريا مدمرة ولذلك يُمنع أي تدخل أو مساعدة صغيرة إلا بعد غض النظر أمريكياً.

مجزرة الغوطتين بالغازات السامة كما مجازر أخرى مرت في سورية بالقصف أو الغازات السامة بحق مدنيي هذا الشعب ستمر دون محاسبة نظام الأسد لا الآن ولا بعد سقوطه ففي الوقت الذي لا يزال النظام على رأس الحكم هو ينفي هذا المجازر وروسيا تسانده في ذلك والغرب يعرب عن قلقه بدرجات متفاوتة ويدعو إلى محاسبة المرتكب دون تسميته، أما بعد سقوط النظام فلن يحاسب النظام ولا أركانه لأن نهاية الصراع في سوريا ستكون بموت أحد الطرفين دون أي حلول سياسية تسمح بإحالتهم إلى المحاكم لمقاضاتهم.

 ‘ كاتب سوري

رد واشنطن على الخطوة الروسية/ علي العبد الله

شكل الهجوم الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية، والذي استهدف بلدات ومدن دوما وسقبا وعين ترما وزملكا وجوبر وعربين وكفر بطنا ومعضمية الشام، وراح ضحيته آلاف المواطنين الابرياء بين قتيل ومصاب، احراجا كبيرا للإدارة الامريكية التي سبق وغضت النظر عن عمليات القتل الوحشية التي نفذها النظام باستخدام الاسلحة التقليدية من دبابات وراجمات صواريخ ومدافع ميدان وهاونات وصواريخ بالستية (سكود) وطائرات مروحية وقاذفة قتلت وجرحت مئات آلاف المواطنين ودمرت مدنا وبلدات وشردت الملايين، ولكنها اعتبرت استخدام الاسلحة الكيماوية خطا احمر.

كانت واشنطن قد أعلنت في شهر حزيران الماضي استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، ولكنها ميعت الموضوع، وابتلعت تجاوزه خطها الاحمر كي تبقي خطوطها مفتوحة مع روسيا لاعتبارات تتعلق بعقد صفقة شاملة لعدة ملفات عالقة بين الطرفين، بالتقليل من أهمية الضربة والتغطية عليها بفتح موضوع آخر: تسليح المعارضة، والذي تراجعت عنه بالذريعة “المفحمة”: الخوف من وصول هذه الاسلحة الى ايدي المقاتلين التابعين للقاعدة.

تعكس التصريحات الامريكية المتواترة حول الضربة الكيماوية في الغوطتين تباينا وتناقضا يعكس مدى حراجة الموقف الامريكي ودقته، فمن القول بضرورة التأكد وجمع المعلومات قبل اتخاذ أي موقف، الى الجزم باستخدام النظام للأسلحة الكيماوية، ومن الاتفاق مع الروس على السيطرة على ردود الافعال عبر الضغط على الطرفين( النظام والجيش السوري الحر) للقبول بالتفتيش وتسهيل عمل المفتشين، الى الإعلان عن تعزيز القطع البحرية شرق المتوسط لتكون جاهزة لتنفيذ اوامر الرئيس اذا ما قرر الرد على تجاوز خطوطه الحمر، مرورا بنقل انباء عن خلافات بين أعضاء فريق الأمن القومي الذين اجتمعوا في البيت الابيض بعد يوم من الضربة لدراسة الموضوع واتخاذ الموقف المناسب، والتركيز على استغراق الاجتماع لمدة طويلة (3.30ساعة) للإيحاء بمدى اهتمام الإدارة، ومدى تعقيد الموضوع الذي جعل وصول فريق الأمن القومي الى قرار بشأنه، رغم مناقشته لهذه المدة الطويلة، صعبا.

ينبع حرج الموقف الامريكي من تردد سيد البيت الابيض وحذره المبالغ فيه، واستثمار الروس لهذا التردد والضغط عليه في اكثر من ساحة(سوريا، البحرين، مصر) للقبول بصفقة مؤداها التسليم بانتصار النظام والروس والإيرانيين في سوريا، وقد عبروا عنها باقتراحاتهم غير المنطقية مثل دعوة لافروف لاتحاد النظام والمعارضة في القتال ضد “الجهاديين” واعتباره مدخلا للمصالحة والاتفاق على شراكة سياسية، وعودة روسيا الى رفض اية شروط مسبقة للمشاركة في جنيف2، ما يعني البدء بالمفاوضات من دون محددات أو مرجعيات بما في ذلك مرجعية بيان جنيف1.

في هذا المناخ جاءت ضربة الكيماوي على الغوطتين والروايات الروسية البائسة والمعدة سلفا عنها باتهام المعارضة بتنفيذها، والقيام بحملة اعلامية لتشتيت الانتباه الدولي بالحديث عن صور اقمار صناعية روسية تؤكد انطلاق الصواريخ من مواقع تابعة للمعارضة( لواء الاسلام تحديدا) وإشغال المجتمع الدولي بالحديث عن سيناريو مدبر للإيقاع بالنظام لحظة وصول فريق المفتشين الدوليين الى دمشق للتحقيق في اتهامات سابقة باستخدام اسلحة كيماوية، وهي رواية بائسة الى حد الجنون لان روسيا تعلم ان دولا مثل ايران والعراق قد عجزت عن تركيب رؤوس كيماوية لصورايخها او لقذائف مدفعيتها، وأن النظام السوري نفسه لم ينجح في ذلك وان المتوفر لديه من صواريخ وقذائف مدفعية أستوردها من الاتحاد السوفياتي في العام 1972 كعامل ردع لموازنة السلاح النووي الاسرائيلي في اطار خطة الرئيس السابق لإقامة توازن استراتيجي مع اسرائيل، فكيف بكتيبة عسكرية ليس فيها خبرات عسكرية جيدة ناهيك عن خبرات علمية(؟!) والحديث عن صواريخ انطلقت من مواقع لواء الاسلام في الغوطة وفق الرواية الروسية التي نقلها الصحافي اللبناني محمد بلوط ( السفير23/8/2013)لا يفسر ما حصل لان الرواية تتحدث عن انطلاق صاروخين وأنهما سقطا في حي جوبر حيث مواقع الثوار في حين طال القصف 8 مدن وبلدات متباعدة بما فيها معضمية الشام في الغوطة الغربية التي تبعد عن حي جوبر عشرات الكيلومترات وتفصلها عنه احياء كثيرة من العاصمة لم تتعرض للغازات السامة. وفبركت رواية عن الكشف عن اسلحة كيماوية في مواقع للثوار في جوبر وتصوير القبو والاوعية البلاستيكية(البيدونات) والحرص على ابراز مصدرها من خلال طباعة عبارة صنع في السعودية على أحدها، واضح ان الكتابة جديدة على بيدون قديم( قال معلق روسي على قناة روسيا اليوم ان صحافيا روسيا هو اول من كشف المستودع وصوره).

يبدو ان الضربة الكيماوية وما تلاها مباشرة(دعوة روسيا للضغط على المعارضة للقبول بالتفاوض مع النظام) خطوة في سيناريو روسي لقلب المعادلة بعد ان لمست عجز النظام عن تحقيق انجازات كبيرة على الارض واحتمال انقلاب الوضع ضده في ضوء اقتراب انهاء تدريب عناصر الجيش السوري الحر على القتال ودخولهم في المعركة ناهيك عن وصول اسلحة متطورة الى الثوار، باستثمار لحظة دقيقة ومعقدة ومربكة للإدارة الامريكية بسبب انفجار الوضع في مصر وتونس، وعجزها عن اجبار ايران على التنازل في الملف النووي، وتراجعها امام الرفض الاسرائيلي لحضورها في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، واستمرار الازمة المالية… الخ، والضغط على اوباما، باستثمار تردده ومخاوفه، ودفعه لقبول مطالبها عبر تضخيم هذه المخاوف بإتباع النظام لخيار شمشون، ووضعه امام الاختيار بين هزيمة في اكثر من معركة والتنازل في سوريا.

فهل تنجح روسيا بدفع اوباما لرفع الراية البيضاء في سوريا؟.

يكمن ضعف التصور الروسي في سوء تقديره لرد الفعل الامريكي عندما يتعلق الامر بالمصالح الأمريكية العليا والمس بسمعة وهيبة الولايات المتحدة الامريكية والذي برز في محطات مشهودة في التاريخ المعاصر من بيرل هاربر 1941، الى مواجهة تحدي هتلر في الحرب العالمية الثانية 1939- 1945، وأزمة الصواريخ في كوبا عام 1962، وغرينادا 1983، وبنما 1989، والكويت 1991. لذا فان الأرجح، بحسب عدد من المعلقين، ان تستجيب الادارة الامريكية للتحدي وترد على النقلة الروسية على رقعة الشطرنج بالعمل، تحت ضغط قعقعة السلاح، على نزع الاسلحة الكيماوية السورية أو القيام بحملة تأديب للنظام وفق احد خيارين اما بشكل منفرد مثل قصف السودان عام 1998 او بشكل جماعي بقرار من حلف الاطلسي مثل قصف كوسوفو عام 1999.

المدن

حرب على قاعدة الحرب! / طيب تيزيني

يأتي «الحدث الكيميائي» الأخير في سوريا، ليسجل واحدة من أفظع المراحل في التاريخ البشري الحديث والمعاصر، ناهيك عن القديم. وأحد أوجه خطورته يتمثل في أن ضحاياه من الأطفال، والذين ما أن يصابوا به حتى يكونوا وجهاً لوجه أمام الحالات الأخيرة من موتهم أو من افتقادهم كبشر أسوياء. وفي العموم والإجمالي، فقد قرأنا في السابق أخباراً تُعلمنا عن «الحدث الكيميائي»، حين يتحوَّل إلى كتل من نار تلتهم الصغار والكبار. وتوافق الناس، وبينهم محاربون، على أن وصول حرب أو صراع ما إلى مرحلة «الحرب الكيماوية»، إنما هو خروج عن قواعد لُعبة الحرب ذاتها، أو بالأحرى هو حرب على قاعدة الحرب. وشيئاً فشيئاً اكتشف البشر أمراً فظيعاً، وذلك في سياق تقدم المجتمعات الحديثة الرأسمالية، وهو أن التقدم العلمي عموماً إنما هو -في أحد انزياحاته- عملية ملوثة بالدماء، خصوصاً حين يتم ذلك في حضور نمط من التقدم في العلوم الطبيعية والبيولوجية، وحين يجد هذا التقدم نفسه في تناقض وتنازع مع مظاهر التقدم الأخرى في الحياة الإنسانية والعلوم الاجتماعية.

في تلك اللحظات تنقضّ الكشوف العلمية الأولى (الطبيعية والبيولوجية) على الكشوف الأخرى الاجتماعية، لتحول دون وصول فضائل تلك إلى هذه، عبر تدخّلٍ من المصالح المادية والاقتصادية في الصراع الناشب بين الفريقين. لقد ظهر هذا حين وجد العالم الكبير «ألفريد نوبل» نفسه محاصراً باكتشافه نفسه، والذي قاد إلى القنبلة الذرية والذي وقف في تناقض هائل وفظيع مع الكشوف العلمية الاجتماعية والاقتصادية التي قدّمها علماء بارزون، خاصة حول أفكار العدالة في توزيع الثروة والحرية الإنسانية في الإبداع… إلخ.

لقد شعر نوبل بأسى وندم كبيرين ظهرا بعمق في تأسيسه لجائزته، جائزة نوبل. وقد ظهرت الإشكالية المعرفية والأخلاقية المريرة في السؤال التالي: هل كان على نوبل أن يتجنَّب، قدر ما يستطيع، الاقتراب من اكتشافه الذي ظهرت خطورته على البشرية في وقائع دامية مثل هيروشيما في اليابان أواخر الحرب العالمية الثانية؟! إن هذا السؤال كان ولا يزال يعشش في عقول ملايين البشر، الذين يحملون همّ البشرية المعذبة على أيدي تجار الحروب والساعين إليها في الاقتصاد والحرب والسياسة، وكذلك في العلم، إضافة إلى الباحثين عن وسائل للقتل الجماعي، بزعم أن هذا «يُريح البشرية من آثام الخارجين على القانون». وهنا نضع يدنا على مفارقة ضخمة تعادل في ضخامتها أوهام من يسعون إلى «تطهير العالم» بأقصى أشكال الإبادة. كيف يحدث ذلك؟ كيف يحدث في سوريا؟ وهل الأمر الذي بدأ بخربشات على جدران في شوارع درعا من قبل أطفال، ينتهي بهذا الحدث الإجرامي الفظيع؟ لم يعد الصمت ممكناً، إنه العار الذي يهتك كل أنماط العار. نحن نرى أن العالم كله معني بما حدث في الغوطتين، وهو مسؤول كذلك، حتى يبلغ مرحلة وضع القتلة في لاهاي، وينبغي أن يتحوَّل الحدث إياه إلى مناسبة لمراجعة الفكر السياسي والتأمل في الجرائم السياسية التي أسست لأولئك القتلة محفزات قتلهم الأطفال والنساء والرجال… الذين وجدوا أنفسهم جميعاً في ساحة الموت. إن المطلوب، والحال كذلك، هو تعميم الحدث الخطير عالمياً، واستخلاص النتائج، ودراستها في المؤسسات العلمية، ولكن كذلك استخلاص ما يتعين على المرجعيات القضائية والأخلاقية أن تستخلصه في هذه المرحلة، مرحلة تدفق الظواهر الإجرامية في العالم العربي والإسلامي وبقية العالم: إنها الطائفية والعرقية والثأرية والتدميرية… وكل ما يتصل بحجب الحياة عن الأحياء. ولن نجد أنفسنا قادرين على الصمت، طالما أن هنالك من يصر على خربطة خرائط العالم، لصالح الشر والجريمة والنظر إلى الأوطان بمثابتها ثكنات عسكرية تؤسس لموت دائم مفتوح.

الاتحاد

هذيانات النظام الكيميائية/ برهان غليون

 ينفق النظام السوري عشرات ملايين الدولارات اليوم على مكاتب العلاقات العامة وشركات الدعاية والإعلان كي يبريء نفسه من تهمة استخدام السلاح الكيماوي. في البداية، وخلال اليومين الأولين، نفى تماما وجود آثار لاستخدام السلاح الكيماوي. بعد أن ظهرت الصور، ورأي العالم بأم عينيه آثار الجريمة المروعة، غير خطابه، واعترف باستخدام سلاح كيماوي في غوطة دمشق، لكنه رمى التهمة على المعارضة. واخترع نظريات لا يقبلها إلا الحمقى، ليؤكد أن مقاتلي الجيش الحر أطلقوا شحنات كيماوية على بلداتهم وحيث تسكن عائلاتهم  وأبنائهم.

ومنذ يومين يحاول، بمساعدة مكاتب العلاقات العامة المستأجرة في معظم البلدان الكبرى، وكل الدعم السياسي واللوجستي لروسيا وايران، أن  ينسحب من فرضية المعارضة ويقنع العالم بأن من أطلق الغازات الكيماوية ليست المعارضة نفسها ولكن جماعات مندسة في صفوفها، تم تمويلها من قبل دول معينة.

هذه الأكاذيب التي لا تمر إلا على من يريد أن يصدقها، وبعض الناس الذين اكتووا أيضا بنار الأكاذيب الدولية منذ زمن طويل، لا يمكن لصاحب عقل يتابع الحدث السوري منذ شهور أن يصدقها.

لا يكذب هذه الإدعاءات ما عرف به النظام من الكذب الصريح والدائم والشامل، الذي يعرفه الشعب السوري والعالم، وفي كل شيء، حتى، كما قال الشاعر المرحوم ممدوح عدوان، في نشرة أحوال الطقس، وإنما أكثر من ذلك الوقائع الواضحة التالية :

اولا رفض النظام دخول مفتشي الأمم المتحدة في اليوم نفسه إلى مكان الإصابة للتحقق من الأوضاع، وإصراره على رفض دخولهم حرصا على أرواحهم. ولم يغير موقفه إلا بعد الضغوط الكبيرة التي مارستها حليفته روسيا عليه.

وعندما قبل بذلك حاول أن يتوه المفتشين. فأخذهم في طريق غير المتفق عليها، وأدخلهم في مناطق المعارك الحامية، حتى يعرضهم للنيران ويخيفهم ويثنيهم عن الاستمرار

وثانيا، إصرار النظام، بعد أشهر من المفاوضات مع الأمم المتحدة على السماح لفريق المفتشين بالمجيء إلى سورية، للتحقيق في استخدامات سابقة للكيماوي طالت ٢٨ موقعا، على تقليص صلاحية لجنة التحقيق، بحيث حرم عليها البحث في تحديد من المسؤول عن إطلاق السلاح الكيماوي، وحصر مهمتها في تقرير في ما إذا كانت هناك آثار للغازات المستخدمة أم لا، وذلك بعد أشهر من استخدامها.

وثالثا، الجميع يعرف أن التعامل مع الأسلحة والغازات السامة ليست مسألة سهلة يتقنها من يشاء، ولكنها تحتاج لتقنيات ومختبرات ووسائل لا يملكها إلا النظام، وأن المعارضة لا تملك اسلحة كيماوية، وهو لم يعلن عن سرقة مثل هذه الأسلحة، بل أعلن دائما أنها تحت حمايته وسيطرته التامة.

وأخيرا لو امتلكت المعارضة مثل هذه الأسلحة، وكان لديها إرادة استخدامها، وهو أمر مرفوض تماما، لما استخدمتها ضد نفسها، وضربت بها مواقعها، وإنما، وهذا عين المنطق، ضد مواقع خصومها وأعدائها.

يبقى أن هناك طرفا ثالثا هو الذي دخل على الخط كما نقول، وفي هذه الحالة على النظام الذي يملك هذه الأسلحة ويحميها أن يكشف عنه ويتحقق من هويته ويخبر عنها قبل أن يتهم المعارضة. وهو لم يكلف نفسه حتى التحقيق باستشهاد مئات الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء، وبعض أنصاره وزعوا الحلوى على مرآى مشاهد الجريمة النكراء. ومهما كان الحال، وحتى لو أن طرفا ثالثا هو الذي سرق السلاح الكيماوي واستخدمه، يبقى لا يخفف هذا من مسؤولية النظام، واتهامه بأنه أخفق في حماية شعبه من استخدام أسلحة محظورة تقع تحت سيطرته. ولا شيء يمنعنا أيضا، لو كان هذا هو الحال، أن نأخذ باحتمال أن يكون هو من سربها واشترى خدمات فريق ثالث حتى يحقق أهدافه منها من دون أن يناله الاتهام المباشر.

أما آخر الأطروحات التي سمعتها عن الموضوع، فهي الأغرب. يقول بعض أنصار النظام وداعميه ماذا لو أن دولة أو دولا نجحت في أن تخترق قوات الأسد نفسه، وتدفع بعض جنوده لإطلاق مثل هذه الغازات، لتوريط النظام في هذه الجريمة. لم يبق إلا أن نشك في أن بعض أجناس الجان تتآمر على الأسد وتبحث عن هلاكه وتكبيله بتهم هو منها براء كبراءة الذئب من دم يوسف.

كل ذلك كان من الممكن تصديقه، أو تصديق بعضه، لو لم يكن نظام بشار الأسد قد أدمن الجريمة واستمرأ القتل بكل الأسلحة، بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل، وأتقن الذبح بالسكاكين، وولغ في دماء السوريين منذ ما يقارب السنوات الثلاث، على مرأي العالم كله وبصره. لكن لسوء حظ السوريين وخيبة أمل أنصار الأسد وولاة أمره، ليس هذا هو الواقع.

يحكى أن رجلاً نفخ في قربة و ربطها ثم نزل بها يسبح في النهر. و كانت القربة ضعيفة الوكاء ( أي الرباط )، فتسرب هواؤها، و أوشك الرجل أن يغرق، فاستغاث برجل كان واقفاً على الشاطئ فقال له الرجل :

 ” يداك أوكتا و فوك نفخ “

 وذهبت هذه الجملة مثلا يضرب فيمن يقع في سوء عمله

ونحن نقول للأسد تماما: يداك أوكتا وفوك نفخ

في احتمالات الوضع السوري/ فايز سارة

 ليس للنظام ما يفعله سوى انتظار مصيره! هكذا يفكر البعض في المعارضة السورية وفي أوساط متابعي الوضع السوري. وتستند رؤية كهذه إلى أن النظام السوري، فعل كل ما يمكن فعله منذ بدء الثورة من أجل إخضاعها بالقوة، مستغلاً كل الظروف المحيطة ومن بينها الظروف الإقليمية والدولية التي جعلته مستمراً في دائرة الصراع. أبرزها اثنان، الأول هو تراخي الدول “الخصم” سياسياً وعسكرياً، والثاني هو الدعم المطلق الذي قدمته الدول “الحليفة” وأنصارها من السلاح والمساعدات والخبراء إضافة إلى جنود قاتلوا ضد الشعب الى جانب قوات النظام وإعادته إلى بيت الطاعة.

لقد قلبت التطورات التي أعقبت مجزرة السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، تلك المعطيات. حيث غادر دول “خصم” النظام تردّدهم، وانتقلوا  الى مسار مواجهة عسكرية – سياسية أخذت ملامحها تتشكل من خلال مظاهر، أبرزها تحركات عسكرية واجتماعات سياسية – عسكرية وخطط وسيناريوهات محتملة وتصريحات معادية. فيما غادر “حلفاء” النظام مواقفهم ولو بصورة جزئية، منسحبين من الوقوف في صف النظام في حال اندلاع هجمات عسكرية عليه وضد قواعده الإستراتيجية وخاصة في دمشق ومحيطها. رافق ذلك الانسحاب تصريحات استنكار وتحذير، وسحب الروس سفنهم المرابطة في قاعدتهم البحرية بمدينة طرطوس الساحلية السورية، وأعلن الإيرانيون أن النظام في دمشق قادر على الدفاع ويملك كل مقومات الدفاع عن النفس، وهي مجرد ادعاءات  معروفة، يبرّر فيها الإيرانيون تراجعهم عن إعلانات سابقة تؤكد أنهم ذاهبون حتى النهاية في دعم ومساندة النظام.

نعم ربما كان للتقديرات القائلة إن ليس للنظام ما يفعله، حجج داعمة. غير أن تلك الرؤية، لا تلاحظ أن للنظام السوري، قدرة كبيرة على المراوغة من جهة، ولديه قدرات يمكن أن يدخل عبرها بوابة مساومة مع الأطراف القوية من خصومه من جهة ثانية. إن مثال المراوغة عند النظام، قد يكون في استيعابه غضب خصومه، بتحمل كل ما يمكن من مواقف وخطوات لن تؤدي الى كسر ظهره وتسليمه للشعب الذي يتابع ثورته منذ عامين ونصف أملاً في إسقاط النظام أو تغييره، ومثاله القديم في ذلك هو الموقف من العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، والتي كان آخرها الهجمات الصاروخية على مركز البحوث ومخازن أسلحة ومقرات عسكرية، وكان الرد السوري شجب وإدانة وتهديد برد لاحق، وعلى هذا النحو سوف يتعامل النظام مع هجمة عسكرية غربية مرتقبة، وسيمرّرها مع الإدانة والاستنكار، وقد يضيف إليها شكوى في الأمم المتحدة، ويطلق تهديدات بأن الردّ سيأتي لاحقاً، غير أنه لن يفعل أبداً، ليس فقط لأنه عاجز عن القيام بذلك ولا يملك الإمكانيات المناسبة، بل لأنه يعرف أن ذلك سيكون سبب دماره الكامل.

أما في موضوع الإمكانيات، فإن لدى النظام ما يفعله مباشرة أو بواسطة الغير. ورغم أنه درج على استخدام الغير بوصفهم أدوات طيّعة  له على نحو ما كان فلسطينيون ولبنانيون وعراقيون وغيرهم، فإن لديه الآن بعضاً من هؤلاء كما هو حال مليشيات حزب الله اللبناني ومثيلاتها الطائفية القادمة من العراق ومليشيات أخرى متشدّدة ومنظمة، تنتمي إلى أخوات القاعدة أمثال النصرة ودولة الشام والعراق ومليشيا (pad) الكردية، التي تعمل مثل شقيقاتها جماعات التطرف الإسلامي بالتنسيق مع النظام في المناطق الخارجة عن سيطرته بالتعاون مع أجهزته وتوافقاً مع أجندته السياسية والأمنية، وهذه كلها أو بعضها يمكن أن يدفعها النظام للقيام بما يمكن القيام به على نحو ما فعل في العراق في العقد الماضي، وما فعله قبل ذلك في لبنان وغيرها.

والإمكانية الأخرى التي يملكها النظام في التعامل مع احتمالات العمليات العسكرية ضده، هي استخدام ما يملكه من أسلحة ومنها السلاح الكيماوي، وهو صاحب أكبر ترسانة معروفة في المنطقة، وهو قد يذهب في هذا الخيار، إذا ما واجهته شجاعة الانتحار، وقد سدت السبل جميعاً في وجهه للخروج بحل يحفظ رأسه وبعضاً من بطانته اللصيقة، فيذهب الى خيار التدمير الشامل. وقد أثبت أنه لا يمانع في ذلك، طالما كان الأمر لا يتعلق بثمن يدفعه على نحو ما بدا عليه الحال في سوريا خلال عامين ونصف، لكن الوضع حالياً فيه اختلاف أساسي، يتعلق بثمن مباشر لمثل هذه السياسة، وهي النهاية المؤكدة والحاسمة لرأس النظام وبطانته.

إن الوضع السوري بما فيه من معطيات راهنة واحتمالات، يضع العالم كله، ولاسيما “خصوم” النظام أمام خيارات، سوف تتوقف عليها خياراتهم وقراراتهم بصدد المواجهة العسكرية والسياسية المقبلة. فإما أن تكون مواجهة حاسمة، تطيح النظام، أو تكون هجمة محدودة، تجبره على الذهاب إلى تسوية سياسية مؤكدة يقبل فيها ما كان يرفضه في السابق بكل عنجهية نتيجة ظروف تبدلت كثيراً منذ هجومه الكيماوي على الغوطة التي سببت مجزرة قلبت الطاولة عليه. ولا يحتاج الأمر إلى تأكيد أن كل واحدة من العمليتين، ستكون لها معطيات ومسارات ونتائج مختلفة.

المدن

كيماوي الأسد…/ محمد دحنون *

لا تقول مشاعر الدهشة والمفاجأة والصدمة التي انتابت أنصار الثّورة السوريّة شيئاً عن انعدام توقّعهم قيام نظام السلالة الأسديّة باستخدام السلاح الكيماوي ضد «شعب الثّورة». الأمر قد وقع مسبقاً، وبصورة موضعيّة، في ثلاثة عشر موقعاً سورياً. لكنها تشي بشعور يهدّد بانتزاع شيء من إنسانيتهم قد يقودهم إلى طرح سؤال كبير وإشكالي كالآتي: هل جميع البشر بشرٌ حقّاً؟!

ليس ثمّة سبيل إلى تأكيد حتمي يقضي بانتماء نظام الأسد، السلالة مع ميليشياتها العسكريّة والاستخباراتيّة والتشبيحيّة، والمصفقين لهم، إلى عالم البشر بصفته فضاءً للحياة بمعانيها المختلفة. وإن كان إخراجهم من «الصنف البشريّ»، بناء على صورتهم التي اشتغلوا على صنعها بحرفيّة عاليّة فأوصلتهم إلى مصاف «الشر المطلق الدنيوي»، يخفض من القيمة الإنسانيّة للقائل به، فربما تمثّل المخرج الوحيد من هذا المأزق الأخلاقي في اعتبارهم: أحطّ الحثالات… البشريّة طبعاً!

لا يشكّل استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماويّة في حربه التي يشنّها على عموم السوريين نقطة تحوّل في الموقف الأخلاقي والإنساني منه. فالأمر لا يعدو أن يكون تصعيداً في مستوى الإجرام الكامن في طبيعته نفسها، وإمكانيّة تحوّله، في كل لحظة، من «وجود بالقوة» إلى «وجود بالفعل».

نظام الأسد، في البنيّة والممارسة والخطاب، هو نظام الإبادة الجماعيّة منذ اللحظات الأولى لتأسيسه. يشهد على ذلك، في الممارسة مثلاً، «إبادة» الأسد الأب زملاءه العسكريين من الذين صعد على ظهورهم إلى رأس السلطة علماً أنّه كان أصغرهم وأقلّهم شأناً. لينتقل في مشروع إبادته هذا، بعد توطيد أركان حكمه، إلى الجار الصغير لبنان حيث «تحالف مع الجميع وقتل الجميع»، ثمّ ليعاود افتتاح فرع جديد لنظام الإبادة الجماعيّة، على مستوى وطني هذه المرّة، في سورية الثمانينات وما تلاه من عقود.

مع اندلاع الثوّرة السوريّة في 18 آذار (مارس) قبل عامين، باتت الإبادة الجماعيّة «سياسة» النظام السوري المنهجيّة واليوميّة.

وفق التوصيف الدولي لجريمة الإبادة الجماعيّة وهو «أيّ من الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية»، ارتكب نظام الأسد جميع أنواع الجرائم الموصوفة في الاتفاقيّة الدوليّة حول هذا النوع من الجرائم والموقّعة في 1948، ثلاثة منها بصورة مباشرة: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشيّة يراد بها تدميرها كليّاً أو جزئياً. أمّا الجريمتين الأخيرتين وهما: فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى، فيمكن القول إنّ نظام الأسد قد تجاوزهما عبر توحيدهما معاً في تركيب إجرامي «أرقى»: قَتلْ أطفال الجماعة (قرابة الثمانية آلاف طفل موثّقين بالاسم وفق مركز توثيق الانتهاكات).

لمرّة واحدة، يغدو التأني والتساؤل وانتظار التقارير الصحافيّة والاستخباراتيّة، مشاركة في جريمة الإبادة الجماعيّة. ودائماً وأبداً، يغدو تجهيل الفاعل، حين يكون هذا معروفاً للجميع، جريمة إبادة «معنويّة» تقتل الضحايا مجدداً.

لا يمكن أن تكون روسيا، ومن يدور في فلكها، جديّة في شأن اتهام بعض كتائب الجيش الحر بإطلاق صواريخ محمّلة برؤوس كيماويّة على مناطق تسيطر عليها هي نفسها. هذا أمر فوق طاقة الاحتمال على التصديق، تكذّبه في آن واحد ثلاثة أحاديث: حديث الوقائع وحديث الإمكانات وحديث المصالح.

الغاية المباشرة والمطلب العملي من وراء هذا النوع من الاتهامات هو أوّلاً تجهيل الفاعل «المعروف»! بالتالي الوقوع في مطب المماحكات والنقاشات التي لا تنتهي حول «حقيقة» هويّته، الأمر الذي سيقود أوّلاً إلى نسيان الضحيّة وتالياً إلى نوع من «الإنكار» لوقوع الجريمة.

ما نريد قوله هو الآتي: إغراق الضحايا في ثرثرات عالم الأحياء «الباحثين عن الجلاد»، وصرف النظر عنهم، لا بدّ أن يكون مدخلاً أنسب وأشدّ فعاليّة لصرف النظر عن الجلاد نفسه أوّلاً وعن الجريمة تالياً، تجهيل الفاعل مقدّمة لنسيان الضحيّة، وحصيلة الاثنين تتمثّل في وضع جريمة الإبادة الجماعيّة على رفوف الانتظار وفي النهاية: «إنكار» وقوعها بمعنى يتصل بامتناع «القصاص».

هل ثمّة ضرورة للقول إنّه كلما ارتفع الجدل في شأن هويّة الفاعل فإن هذا يشكل مؤشراً إلى معرفته ووجوده الفاضح والفظ!

لن تشكّل جرائم الإبادة الجماعيّة الموصوفة التي ارتكبها نظام الطغمة الأسديّة، والذي أقرّ للمرة الأولى في 23 تموز (يوليو) 2012 بامتلاكه أسلحة كيماوية، منعطفاً في الموقف الأخلاقي منه. فهل ثمّة منعطف سياسي، أخلاقي في الجوهر، يشكّل نقطة تحوّل في الموقف الدولي من الصراع العنيف الجاري في سورية؟ هذا هو أقصى المأمول، ولسبب يتعلّق أوّلاً بأنّ موقفاً دوليّاً حازماً، من أوّل جريمة إبادة جماعية تُرتكب في مطلع القرن الحادي والعشرين، هو وحده ما يمكنه أن يُعقلن اللامعقول إذ يضفي، بصفته ردَّ فعلٍ سياسيّاً، شيئاً من «البشريّة» على فعلة بحجم جريمة إبادة جماعيّة.

موقفٌ دوّليٌ حازمٌ في شأن نظام الإبادة الجماعيّة السوري هو فقط ما يمكن أن يسمح بشيء من التوازن النفسي والروحي في مواجهة كلّ عدميّة قائمة أو محتملة. لكن، وقبل كلّ شيء، في مواجهة كلّ هذا العدم الذي يتخذ الآن اسماً واضحاً: كيماوي نظام الأسد!

* كاتب سوري

الحياة

سؤال التدخل العسكري الاميركي/ عمر قدور

 لا تُعرف بعد الوجهة التي ستتخذها السياسة الأميركية في سوريا بعد مجزرة الكيماوي، فالتسريبات التي توالت يومي الجمعة والسبت اللذين أعقبا المجزرة تحمل التناقضات المعتادة بين إدراج الخيار العسكري على أجندة الإدارة واستبعاده في آن، باستثناء ما أشيع عن اتخاذ القطع البحرية في المتوسط وضعيات قتالية، وهي سابقة في الملف السوري لكنها قد لا تعدو كونها رسالة ضغط سياسية فحسب. أوباما وأركان إدارته لم يستخدموا ألفاظاً قاسية لإدانة المجزرة، وكان ملفتاً أن يتصل وزير خارجيته بوزير خارجية النظام السوري بعد انقطاع طويل، لأن دلالة هذا الاتصال تصب في منحى مختلف عن التصعيد العسكري، إلا إذا قررت الإدارة تغيير نمط أدائها عموماً واستبعاد الوسيط الروسي عن مهمة نقل الرسائل بين الطرفين.

التدخل العسكري ليس صعباً تقنياً على نحو ما توحي به تصريحات قيادة الأركان الأميركية، إذ من المتوقع أنه أعدت له سيناريوهات مختلفة قبل ما لا يقل عن سنة من الآن. هو تدخل غير مرغوب فيه لأنه يتنافى مع السياسة العامة للإدارة الحالية، لذا تبدو معوقاته سياسية بالدرجة الأولى، وما لم يطرأ تغير شبه جذري على رؤية الإدارة لمصالحها في المنطقة فإنه لن يحدث، أقلّه في الأيام القريبة. وهو إلى ذلك، تدخل لا يحظى بشعبية ما لم تعتبر الإدارة أن ما يحدث في سوريا يهدد الأمن القومي، فأحد استطلاعات الرأي الأخيرة يشير إلى رفضه من قبل 60 في المئة من الأميركيين، حتى لو ثبت استخدام النظام للسلاح الكيماوي.

 التسريبات ذاتها تقول إن التدخل، إذا حصل، سيكون على غرار ما فعلته إدارة كلينتون (الديموقراطية أيضاً) في كوسوفو، وهذا يؤشر على مدى العملية التي ستقتصر على الجو، والتي تتوخى اتفاقاً شبيهاً باتفاق دايتون، ولعل السقف هذه المرة يكون “جنيف 2”  لا أكثر. وإذا صح ذلك فهو يؤشر أيضاً على قلة الاستعدادات الحقيقية لنتائج مغايرة لما حصل في كوسوفو، فبنية النظام السوري تختلف إلى حد كبير عن بنية نظام ميلوسوفيتش، وهي أقرب فعلاً إلى بنية نظام صدام حسين الذي لم تنفع معه الضربات الجوية والصاروخية المتكررة.

 وجه الشبه بين نظامي البعث أن كليهما لا يكترث بموازين القوى ولا يبنيان سياستهما عليها، وعلى وجه الدقة يتلخص مكسب النظام السوري كما فعل شقيقه العراقي، في البقاء في السلطة، وما دون ذلك لا يُعتبر خسارة. وما لم يسقط النظام تماماً فإنه مستعد لتقديم كافة التنازلات باستثناء تنازله عن السلطة. غير أن الفارق بين النظامين يكمن في الوضع المتداعي الحالي للنظام السوري، وفقدانه السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، فضلاً عن الإنهاك الذي أصاب مؤيديه جراء المواجهة المستمرة منذ سنتين ونصف؛ الأمر الذي قد لا يؤدي إلى سقوط الحلقة الضيقة للنظام بفعل الضربات الجوية والصاروخية، لكنه قد يتسبب في تداعي القاعدة التي يرتكز عليها، وربما في حالات هروب واسعة في صفوف قواته وأجهزته الأمنية. هذا احتمال وارد جداً، ولا يبدو أن الإدارة الأميركية تحبّذه لأنه يخلّ بتصوراتها عن الحل السياسي الذي يحتفظ بجزء معتبر من النظام بعد تنحية رموزه، ولأنه أيضاً قد يؤدي إلى سيطرة شبه تامة لكتائب المعارضة غير الموحدة وغير المتفقة على البديل.

غير أن العامل الأهم في موضوع التدخل هنا هو العامل الإسرائيلي، ولا يقتصر حضوره، بحسب ما تشيع التحليلات، على مدى مصلحة إسرائيل في سقوط نظام الأسد. العامل الإسرائيلي مهم لأنه لا يمكن تحييده على النحو الذي جرى في حرب الخليج، بل لا يمكن القيام بأي عمل عسكري أميركي ما لم تكن إسرائيل موافقة عليه ومساهمة في الاستعداد له، لأنها مهددة مباشرة بصواريخ حزب الله وبشكل يجعل تهديدات صدام حسين لها في ما مضى مجرد مزحة. على ذلك يحضر السؤال عن مدى استعداد إسرائيل للدخول في حرب واسعة في لبنان، وتالياً مدى استعداد الإدارة الأميركية والقوى الإقليمية الأخرى لتحمل كلفة إدخال لبنان في الحرب؟

 المعطيات السابقة ترجح عدم اللجوء إلى الخيار العسكري حالياً، وإذا حصل فيصعب تصوره على شاكلة القصف الكثيف المتواصل الذي تعرض له نظام ميلوسوفيتش. ربما سيكون على شكل قصف متقطع كلما اقتضت ضرورة ضبط النظام عند مستوى محدد من العنف، وبالتالي عدم دفعه مع حلفائه إلى المقامرة الكبرى. في الواقع، إن أي خيار آخر يقتضي أن يخرج أوباما أخيراً من جلده.

المدن

 هل من عمل عسكري دولي ضد الأسد؟/ فواز تللو

بعد مجزرة النظام السوري بالسلاح الكيمياوي في غوطة دمشق مؤخرا كثرت التكهنات -التي باتت تعامل كحقائق- عن قرب تدخل عسكري دولي في سوريا. وهنا بات من الضروري توضيح بعض النقاط المبنية على المعلومات والتحليل معا، والتي يمكن أن تساعد في فهم ما يجري، وما يمكن أن يترتب عليه، وشروط حصوله. فدون ذلك قد تبنى الأفعال على أوهام، وتضيع الفرص كما حصل خلال عامين من الفشل السياسي المريع الذي كلف الثورة السورية كثيرا.

1- هناك صراع داخل الإدارة الأميركية ما بين تيار يقوده جون ماكين والجمهوريون في الكونغرس الأميركي، ومعهم جزء من الديمقراطيين يؤيد تقديم مساعدة عسكرية للثورة، تبدأ بتسليح المعارضة بالتعاون مع الدول الإقليمية (تركيا والسعودية وقطر والأردن) وتصل إلى حد توجيه ضربات عسكرية جوية وصاروخية للنظام بهدف إسقاطه عسكريا، وهي شراكة تتيح بناء علاقات وثيقة مع النظام الجديد.

بالمقابل هناك رأي تيار الأمر الواقع الحالي الذي لم يتغير منذ بداية الثورة، والذي يمثله أوباما شخصيا ومعظم أركان إدارته الرئيسيين (الدفاع والمخابرات والأمن القومي والخارجية) حيث يتجنب إسقاط النظام السوري عسكريا، ويصل إلى حد ممارسة الضغوط على الدول الإقليمية لعدم تسليح المعارضة، أو تخفيف الكميات وعدم التزويد بسلاح نوعي.

وأكثر من ذلك، فإن السيد أوباما يتجنب توجيه أي رسالة علنية أو غير علنية بتلويح جدي بعمل عسكري ضد النظام، تحسبا لإثارة الهلع بين أنصار النظام وأركانه، خاصة في أوساط الطائفة العلوية التي تسيطر على البلاد عسكريا وأمنيا. فمثل هذا الهلع قد يؤدي لانهيار النظام، وهو ما لا يرغب فيه.

إن أوباما يأمل بحل سياسي بالشراكة مع النظام، يضمن استمرار الطائفة في حكم البلاد مع شراكة من قبل تيارات سياسية “سنية” تبقى ضعيفة لكونها ستبقى بعيدة عن السيطرة على الجيش والأمن ومفاصل البلاد الرئيسية، وذلك بحجة حماية مؤسسات الدولة من الانهيار.

فالنظام بشكله الحالي مطلب إسرائيلي ودولي، كما أن انهياره قد يؤدي إلى معاودة تسونامي الربيع العربي، وهو ما سيطيح بالاستقرار المستنقعي الاستبدادي الذي صممه الأميركيون في العالم العربي قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية.

2- هناك تململ فرنسي من استبعادهم -ومن خلفهم الأوروبيين- عن الملف السوري وحصره بالتفاهم الأميركي الروسي، كما أن الأوروبيين غير قادرين على التحرك عسكريا دون قيادة أميركية، لذلك دأبوا على إحراج أوباما بالمزايدة عليه مع العجز عن التنفيذ، وهذا ما حصل في موضوع تسليح الثوار الذي تراجعوا عنه بعد سبعة أشهر من التلاعب بالملف، وهو ما يحصل اليوم من تصريحات حول الكيمياوي بهدف إحراج أوباما بخرق خطوطه الحمر.

ولكن الأوروبيين في الواقع غير راغبين بتاتا بمثل هذا التدخل العسكري، أما الدور البريطاني فلا يختلف عن كونه تابعا مكملا للدور الأميركي ضمنا، لتخريب أي استقلالية أوروبية، وهو الدور الذي لعبته بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

3- تصريحات واجتماعات أوباما بعد استخدام الكيمياوي كانت أولا لمحاولة امتصاص الضغوط على إدارته نتيجة تراجعه عن خطوطه الحمر في الملف السوري. وما طرح كان مجرد وضع سيناريوهات متعددة لكن تنفيذها مرتبط بتفويض دولي عبر مجلس الأمن، وهو دوران في حلقة مفرغة بسبب الموقف الروسي الذي يختبئ خلفه. وتمكن ملاحظة الاقتراب الكبير من الموقف الروسي حسب ما يخطط في جنيف2.

أما السبب الثاني فكان وضع سيناريوهات التدخل العسكري وفق شروطها، وهي سيناريوهات لا ينفي بعضها بعضا، بل تتكامل، وبالتالي يمكن تنفيذها على التسلسل أو على التوالي، وفقا لما سيرد في النقاط التالية:

4- السيناريو الأول يتعلق بالسيطرة على السلاح الكيمياوي حصرا أو تدميره لا أكثر من ذلك، بضرب مواقعه، والاستعانة ببعض كتائب الجيش الحر، تمهيدا لنقل هذه الأسلحة خارج سوريا، مع إمكانية تنفيذ ضربات جوية محدودة لتلك المواقع حصرا للسيطرة عليها، تمهيدا لنقل هذه الأسلحة إلى خارج سوريا، وهو سيناريو سينفذ غالبا عند ظهور ملامح انهيار النظام فقط، خوفا من تسرب الأسلحة إلى جهات غير مرغوبة، وبالتالي استخدام تلك الأسلحة ليس شرطا لتنفيذه. ويتضح من ذلك أن استخدام الكيمياوي ليس سببا كافيا للتدخل العسكري كما يتوهم أو يصور البعض، وبالتالي لابد من الدفع بأسباب أخرى ضمن بعض السيناريوهات التالية.

5- السيناريو الثاني هو توجيه رسالة للنظام السوري عبر ضربة عسكرية محدودة جدا، لا تهدف لإسقاطه ولا حتى إضعافه عسكريا، بقدر ما تهدف إلى جره لطاولة المفاوضات في جنيف2، وتقديمه تنازلات محدودة جدا لتبرير حضور المعارضة للمؤتمر الهادف لإجهاض الثورة.

وهذا السيناريو ليس كبير الاحتمال كما يعتقد البعض، ويسعى أوباما إلى تجنبه ما استطاع، وما اتصال كيري بالمعلم إلا لتنبيهه إلى حرج الإدارة الأميركية، واضطرارها للتحرك إن لم يقدم النظام تنازلات بالسماح للمفتشين بالعمل، لكن توثيق استخدام الكيمياوي لا يعني تحديد الجهة التي استخدمته، فذلك خارج إطار صلاحيات لجنة التفتيش، ناهيك عن تمرير الوقت والتلاعب الذي يتقنه النظام نتيجة تقييد عمل اللجنة بما قد يسمح بامتصاص الضغط على إدارة أوباما المحرجة.

6- السيناريو الثالث هو امتداد الصراع إقليميا إلى دول الجوار في العراق ولبنان.

إن بقاء الصراع محصورا داخل سوريا -مهما طال حتى اقتناع الأطراف وخاصة الثوار بقبول الحل السياسي وفق جنيف 2، أو ما سيأتي بعدها- وتدميرها في تلك الأثناء منهجيا بمرافقها المدنية والعسكرية هو أمر مرغوب، لكونه سيسمح بإضعاف أي سلطة (أو سلطات) قادمة بما يسمح باستتباعها بشكل كبير.

أما امتداد الصراع فسيدفع بالأميركيين والأوروبيين إلى توجيه ضربة عسكرية محدودة، هدفها أيضا جر النظام إلى طاولة المفاوضات مع بعض التنازلات، وربما دفع العلويين إلى تنظيم انقلاب عسكري ضد رأس النظام، لكن ذلك لا يعني ذهاب العائلة لأن رفعت الأسد يقوم بجهد محموم لتقديم نفسه لدى الطائفة واللاعبين الإقليميين والدوليين، وهي جهات تحمل الأمر محمل الجد، وبات في إطار المفكر به.

7- إن انتشار الصراع إقليميا أمر مفيد في أكثر من ناحية، لكنه أمر قد يتعارض أيضا مع مصالح جهات إقليمية ودولية، وهو حتما من مصلحة الثورة السورية، كما أنه من مصلحة بعض الجهات في الدول المعنية، وبشكل أدق السنة في العراق ولبنان، بما ينعكس إيجابا أيضا على المنطقة بإفشال المخطط الإيراني بشكل كامل. فبدون ذلك لا يمكن قلب الطاولة على المشروع الإيراني، بذراعيه الأهم في هاتين الدولتين، في إطار الأوضاع السياسية الجديدة التي ستنشأ بعد انتصار الثورة السورية.

ففي العراق يمثل الأمر فرصة لإعادة التوازن بعد أن تم تهميش السنة واضطهادهم، وهي فرصة قد لا تكون متاحة في ظروف أخرى، أما في لبنان فانتصار الثورة السورية أو انكسارها سيدفع الإيرانيين إلى وضع كل بيضهم في سلة حزب نصر الله الذي بدأ فعلا بالسيطرة علنا على لبنان، وبالتالي فإن الصدام العسكري السني الشيعي هناك قادم لا محالة، ومن الأفضل أن يتم اليوم بشروط أفضل بدلا من أن يأتي وقد استفرد حزب إيران بسنة لبنان، أما إن انكسرت الثورة -لا سمح الله- فستصبح المواجهة صعبة ومكلفة جدا، واحتمالات نجاحها ضعيفة.

إن هذا المنطق يزعج بعض القوى اللبنانية، لكنه في الواقع يتفق مع مصالح الثورة السورية، ومصالح اللبنانيين بكل طوائفهم، بمن فيهم الشيعة الذين سيتخلصون من سيطرة إيران بعد رفع وصايتها عنهم، وغشاوتها عن عقولهم التي لوثتها طائفيا، وهو منطق يخالفه أيضا كثير من المعارضين الذين يهتمون ويقدمون ما يراه آخرون على مصالح الثورة.

8- السيناريو الرابع يتمثل بتدفق اللاجئين إلى تركيا أو الأردن، وهو ما سيجبر الغرب (الأميركيين والاوروبيين) على إقامة مناطق عازلة في شمال وجنوب سوريا.

ففي تركيا يبدو الأمر مرغوبا، وتسعى لدفع حلفائها الغربيين للوقوف بجانبها لفرض هذه المناطق العازلة، وتوسيعها تدريجيا لتصل في النهاية لإسقاط النظام السوري دون تدخل بري مباشر، لكن حلفاءها يناورون.

أما المعارضة السورية فقد كان من المفترض أن تعطي الغطاء السياسي والمبرر للرغبة التركية تلك، بالدفع باتجاه وضع اللاجئين في الجانب التركي من الحدود، وعدم تركهم في الجانب السوري (مخيم أطمة مثلا) بدون مساعدات الأمم المتحدة وتحت القصف.

فدفعهم إلى الجانب التركي أمر مفيد للاجئين، كما أنه يعطي المبرر للأتراك -الذين سيستقبلون عددا كبيرا من اللاجئين- لإحراج الناتو ودفعه للتدخل كما ينص نظامه الداخلي، مما يسمح بإقامة مناطق عازلة في سوريا، أو فرض حظر جوي على مناطق أوسع في سوريا لحماية المدنيين. وهو أمر يحتاج إلى طلب سوري رسمي (من المعارضة) واضح ومباشر بهذا الشأن (وهو ما لم يحصل إلى اليوم) لإعطاء غطاء سياسي سوري، ثم غطاء عربي عبر الجامعة العربية ثم الأمم المتحدة تمهيدا لقيام تحالف دولي (بهذا التسلسل المشابه للحالة الليبية).

والمؤكد أن تدفق اللاجئين بهذا السياق السياسي سيعطي تركيا الحجة في وجه حلفائها في الناتو لإقامة مثل هذه المناطق الآمنة، والتي تستدعي إقامتها تدميرا واسعا لقوة النظام الجوية، بما سيساعد بالضرورة بشكل غير مباشر على إسقاطه عسكريا.

9- أما بالنسبة لتدفق اللاجئين إلى الأردن، فالأمر مختلف عنه في تركيا، فتدفقهم سيجبر الأميركيين والأردنيين على إقامة مناطق آمنة على جزء من محافظة درعا (وليس كلها) خوفا من انهيار محتمل للنظام الأردني الحساس ببنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي فإن تدفق اللاجئين الذين باتوا يشكلون ما يقارب 20% من سكان الأردن يشكل خطرا، وهو ما استدعى إغلاق الأردن لحدوده أمام تدفق اللاجئين، وبات اليوم عشرات الآلاف منهم عند خط الحدود.

وهنا يلحظ أن عملية استخدام الكيمياوي في دمشق ومحيطها سيدفع مليونا ونصف مليون لاجئ في تلك المناطق للنزوح مع منعهم من العبور، وهو ما سيدفعه مجبرا بالتعاون مع الأميركيين لتنفيذ هذه المنطقة العازلة المحدودة.

ومن هنا كان التحرك الأميركي الجدي هذه المرة، واجتماع رؤساء الأركان في الأردن، لا بسبب الدماء السورية، ولا بسبب استخدام الكيمياوي الذي سيكون حجة يمكن تجاهلها أو استخدامها حسب الطلب، بل بسبب الخوف من نتائجه المتمثلة بالنزوح الجماعي الناتج عنه، ومن المؤكد أن مئات الآلاف منهم قد يتجهون للأردن، وهنا يبدأ الخطر، فقد لا تتمكن الحكومة الأردنية من منعهم من الدخول حتى باستخدام القوة التي لا يمكن أن تكون غير محدودة خوفا من ارتدادات ذلك داخليا.

ومن هنا سينحصر السيناريو بفرض هذه المنطقة العازلة غالبا بتنسيق روسي لإبلاغ النظام السوري للتعاون حتى لا تحتاج العملية لضربات عسكرية موجعة قد تضعف النظام السوري لدرجة الانهيار، وهو ما لا يرغبه الأميركيون والأردنيون، وبالتالي تظل المنطقة العازلة محدودة الغرض باستيعاب اللاجئين، لكنها لن تشكل قاعدة انطلاق عسكرية للمعارضة (كما يأملون) وقد يكون ذلك ضمن اتفاق الأطراف الروسية السورية الأردنية الأميركية.

مع الأسف، فإن بعض الكتائب المسلحة المعارضة تعمل على منع اللاجئين من الوصول إلى الأردن، وتركهم تحت القصف والمجاعة مما يؤخر إقامة المنطقة العازلة التي ستضعف النظام إن أُحسِن استغلالها.

10- السيناريو الأخير يتمثل بتدخل عسكري جوي وصاروخي واسع في حال تأكد الغرب أن النظام على وشك الانهيار بضغط المعارضة عسكريا، وسيكون ذلك في أيام النظام الأخيرة، والهدف منه تدمير ما تبقى من بنية عسكرية سورية أولا، ومن ثم وضع الغرب نفسه شريكا في التغيير الذي سيكون تحصيل حاصل، وبالتالي سيفرض نفسه طرفا للتدخل بالخيارات السياسية لسوريا، وبما يسمح له أيضا بحماية بقايا النظام الطائفي، وإبراز وجوه جديدة منه ومحاولة تأهيله ليكون شريكا قويا للتعويض عن هزيمته العسكرية، وإبقاء وجود سياسي ما له في دمشق، بالإضافة لحماية مناطقه من سيطرة الثوار.

كان ذلك هو ما يخطط له كثير من الأطراف، أما الإستراتيجيات المقابلة المطلوبة من قبل المعارضات والثوار فهي غير موجودة مع الأسف.

عجز النظام الأسدي وفتك الكيميائي/ عمر كوش

يبدو أن النظام الأسدي اختار توقيت شنه هجوماً بربرياً واسعاً بالأسلحة الكيميائية على مناطق في غوطتي دمشق، مدروس بدقة، من جهة شعوره بأن المجتمع الدولي بات يتعامل مع جرائمه وفق سياسة الإفلات من العقاب، وانشغال ساسة العالم بالتهاب الأوضاع الداخلية في مصر، ومعرفته بأن ردود الفعل الدولية لن تكون حاسمة ضده، في ظل تخبط سياسات الولايات المتحدة الأميركية حيال الأزمة السورية، وعدم سماحها لأي دولة أخرى بالمضي قدماً في دعم وتسليح الجيش السوري الحر بسلاح نوعي. فضلاً عن استناد النظام إلى الدعم اللامحدود من طرف روسيا الاتحادية وإيران وتوابعهما، حيث يعرف النظام الأسدي الدموي تماماً أن كلا من روسيا والصين ستقفان في وجه أي إجماع دولي ضده.

ولعل أقصى ما قام به المجتمع الدولي كرد فعل أولي على المجزرة هو دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد، مع معرفة الجميع بأن أي جلسة تعقد بخصوص الشأن السوري لن تتمخض عن أي قرارات يمكن أن تسهم في وقف الحرب القذرة التي يشنها النظام ضد غالبية السوريين منذ عامين ونصف عام، بسبب وجود الروس والصينيين، بوصفهما عاملي تعطيل لأي قرار ملزم للنظام بهذا الخصوص.

وبالفعل، فقد اكتفى مجلس الأمن الدولي، بعد اجتماع خصص للملف السوري، بالإعراب عن “قلقه من مزاعم استخدام السلاح الكيميائي”، ولم ينسَ أعضاؤه الإشارة إلى أن “أي استخدام للسلاح الكيميائي هو انتهاك للقانون الدولي”، مع دعوة بائسة “للطرفين” للسماح لفريق التحقيق الأممي بالذهاب إلى مناطق مجزرة الغوطتين، والأدهى من ذلك هو أن الدول الغربية الفاعلة تعاملت مع المجزرة بوصفها “إدعاءات” تحتاج إلى براهين، في حين أن صور أجساد الأطفال والنساء والرجال، المصفوفة في صفوف طويلة، لم تكفِ لتحريك ضمير ساسة الغرب.

ولا ينسى ساسة موسكو وطهران أن يسجلوا على الدوام انفراد موقفهما، حيث يتولون على الدوام مهمة تبرئة النظام من جرائمه، كونهم شركاء فيها، ولا يختلفون عن أشباههم في النظام الأسدي، من جهة النهج والممارسات، وتاريخ جرائم النظام الروسي في الشيشان شاهد عليه، أما ساسة ملالي إيران فالشواهد على جرائمهم كثيرة، وليس آخرها قمع الثورة السلمية الخضراء.

ولعل حيثيات استخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيميائية، تذهب أيضاً إلى اطمئنانه لوجود تفاهم بين كل من ساسة روسيا والولايات المتحدة الأميركية على تفضيل “حل سياسي” مزعوم، يبقي على النظام ويعيد له الشرعية، في وقت تظهر الوقائع على الأرض أن هذا النظام بات في حكم الماضي، ولا يمكنه الاستمرار في حكم السوريين.

وقد اتبع النظام استراتيجية لاستخدام السلاح الكيمياوي ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، تنهض على سياسة الإنكار، والتضليل، ومحدودية الاستخدام، بغية تحقيق مكاسب في منطقة بعينها، تمكنه من اختراق صفوف المقاتلين المعارضين، وترويع المناطق المدنية الحاضنة للثورة.

وليست مجزرة الغوطتين الأولى من نوعها، التي يستخدم فيها النظام السوري السلاح الكيمياوي ضد المناطق الثائرة، إذ سبق وأن استخدمه مرات عديدة، لكنها جاءت ترجمة مباشرة لأقوال رأس النظام الأسدي الأخيرة، التي أعلن فيها أنه سيستخدم كل الوسائل في حربه على ما وصفه “الإرهاب” و”الجماعات التكفيرية”. وهي تعبيرات درج النظام المجرم على استعمالها في إطار حملته التضليلية والكاذبة، والمستمرة منذ بداية ثورة الخامس عشر من آذار / مارس2011.

ويكشف استخدام النظام الأسدي المتكرر للسلاح الكيمياوي ضد المناطق الثائرة، عن عجز قواته وتهافت وحداته القتالية، خصوصاً بعد المكاسب التي حققها الجيش السوري الحر في أكثر من مكان، حيث أظهرت التطورات الأخيرة حجم الهزائم وثقل الخسائر التي تعرضت لها قوات النظام، سواء في أحياء دمشق وحلب، أم في أحياء دير الزور ومناطق درعا واللاذقية وسواها، وذلك بالرغم من امتلاكها التفوق الناري، ولجوئها إلى كل أنواع القصف بالطائرات والراجمات والصواريخ والدبابات والمدافع الرشاشة.

ومع التقدم السريع لوحدات الجيش الحر في مناطق الساحل السوري، اتضح مدى الذعر الذي أصاب جيش النظام وقادته، إلى جانب انهيار المعنويات وتردي الأداء والتنظيم، الأمر الذي استحال إلى ذعر مسعور لدى قادة النظام الأسدي، وانعكس في صورة رد فعل، جسدها استخدام السلاح الكيمياوي بشكل انتقامي، بما يجعله انتقام العاجز بسلاح فتاك في مجزرة الغوطتين.

ويعتقد قادة النظام أن كيمياوي العجز، الذي استهدف أطفالاً ونساء ورجالاً، يمكنه أن يرفع من معنويات أفراد جيشهم العاجز، ظناً منهم أن الهمجية والبربرية يمكنها أن تنقذهم من العجز الذي أصابهم في أعماقهم. ولكن هيهات، فالثورة أدخلت هذا النظام المجرم في دائرة بركان ثائر، لن تتوقف حممه إلا بسقوط النظام ومحاكمة كافة رموزه عن مختلف الجرائم التي ارتكبها.

ولا شك في أنه لا يمكن انتظار ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي حيال استخدام النظام للسلاح الكيمياوي، ذلك أن قادة الغرب تحدثوا في أكثر من مرّة عن خطوط حمراء وضعوها، ثم تجاوزها النظام في تحدّ سافر لهم، ولم يفعلوا شيئاً حياله، وبخاصة الخط الأحمر الذي وضعه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، باراك أوباما. لكن المفارقة في الأمر أن إدارة أوباما، بعد أن تأكدت من أجهزة استخباراتها من استخدام النظام للسلاح الكيميائي، راحت تتحدث عن ضرورة الحل السياسي، وفي ظل بقاء الأسد في السلطة، بعدما كانت تشترط رحيله قبل استخدام كيمياوي العجز. وكأن عجزاً من نوع آخر أصابها أيضاً، ويمنعها عن فعل أي شيء ضد النظام.

وإن كان المجتمع الدولي عاجز عن ردع النظام ومنعه من الاستمرار في حربه الهمجية ضد غالبية السوريين، فإن الثوار السوريين يزدادون عزيمة وأصراراً على إسقاط النظام، ومحاسبة أركانه، آجلاً أم عاجلاً. وسيذكر التاريخ حجم العار الذي طاول قادة العالم الحر، الذين يتشدقون بحقوق الإنسان ليل نهار، ولم يلتفتوا إلى حقوق ضحايا النظام الأسدي. إنه عار يطاول إنسانيتهم وعجزهم المخاتل.

الموقف الروسي حجر الزاوية في الحدث السوري/ احسان طالب

    لماذا وإلى أي حد تغير الموقف الروسي :

    على أعتاب القرار الأمريكي الأوروبي بتوجيه ضربات عقابية للسلطة السورية برز تطور هام جدا لفت نظر المراقبين والمحللين وأثار تساؤلات عديدة ألا وهو الموقف الروسي تجاه حليفه السوري: حيث جاءت تصريحات السيد لافروف وزير خارجية روسيا تعليقا على الأنباء الواردة من واشنطن وباريس ولندن بنية بناء تحالف دولي للدول المؤيدة لقرار مرجح بتنفيذ ضربات موجعة ومؤلمة لدمشق ، عقابا لما تأكد لهم القيام به من هجوم بالسلاح الكيميائي على الريف الدمشقي وتحديدا الغوطتين الشرقية والغربية ما أسفر عن سقوط المئات من الضحايا والآلاف من الاصابات. 21-8-20013.

    كان الوزير لافروف كعادته باردا كقطعة ثلج في مؤتمر صحفي عقد بعد الهجوم بأيام . وجاء رده مخيبا لآمال الموالين للرئيس بشار الأسد: لن ندخل في حرب مع أحد في حال تم توجيه ضربة عسكرية غربية للنظام السوري وأكد ذات العبارة مرتين . وكان من المتوقع ـ على الأقل لمن رفعوا شعارات شكر روسيا في الساحات والميادين السورية الموالية لحكم الأسد أن يكون الرد حاسما وحازما وقويا بالوقوف لجنب حليفهم الرئيس كما كان عليه الحال طيلة سنتين ونصف والتصدي في مجلس الأمن ثلاث مرات ضد قرارات تدين نظام الأسد، وربما سيقف الفيتو الروسي مرة رابعة وخامسة ألا أن ذلك لن يحول دون الوصول للاحتمال الراجح بتوجيه ضربات غربية ضد النظام في سوريا .

    كما يعلم الكثيرون فإن أكبر مخاوف روسيا الاتحادية المسيحية هي وصول المد الإسلامي لجمهورياتها الاتحادية وتحريضها على شق عصى الطاعة والانفصال عن موسكو وتمكين الإسلاميين من الحكم في الدول الناشئة. أيضا تخشى موسكو استغلال السياسة الدولية كوسيلة للإطاحة بما تبقى من دكتاتوريات موالية لها. لقد استطاعت الدبلوماسية السعودية بعد تدخلها القوي والمباشر في تغيير الحكم المدني الناشئ في مصر بعد ثورة 25 يناير واستبداله خلال أيام بحكم أخر مختلف تماما لا يشبه سابقه لا من قريب ولا بعيد ولعل أهم نقاط التغيير الصادمة هي تحول منظومة الحكم من الإسلاميين إلى الليبراليين المعادين للحكم الإسلامي والناقمين بشدة على حكم الإخوان المسلمين. لقد كان ذلك الحدث الجلل مؤشرا قويا وبارزا لروسيا الاتحادية المتخوفة من المد الإسلامي ورسالة لا لبس فيها بأن الداعم الرئيس للثورة السورية ـ المملكة العربية السعودية ـ لن توافق على إقامة حكم ديني بعد سقوط نظام الأسد وأبعد من ذلك، لن تسمح المملكة وحلفاؤها في الخليج العربي ـ الكويت والإمارات بصورة رئيسية ـ لن يمرروا منظومة حكم تستولي على سوريا تكون الغلبة فيها للإسلاميين المعتدلين وهو ما كان يطلق عادة على الإخوان المسلمين قبل 30 يونيو 2013

    وجاءت زيارة الأمير بندر لموسكو في 1-8 -2013 ولقاؤه بالرئيس فلاديمير بوتن لتضع القيادة الروسية في أجواء التوجه السعودي الجلي بمحاربة الإرهاب في كافة أنحاء العالم وبداية في المنطقة العربية . ما يعني تلاقي المصالح الروسية والسعودية في هذا الاتجاه، وما تصريح المللك السعودي عبد الله بأن المملكة تدعم الدولة المصرية في مواجهة الإرهاب إلا دلالة واضحة على مسار التوجه السياسي للدبلوماسية السعودية.

    هكذا تلاقت المصالح الروسية بالسعودية التي تبدو ظاهريا متباعدة جدا بل ومتناحرة ، ما أعطى الروس ضمانات مؤكدة لما يمكن حصوله بعد سقوط حاكم دمشق بعدم القبول بقيام حكومة إسلامية بل نظام سياسي هو أقرب ما يكون من نظام علماني مشابه لما يدبر له الأمر في مصر ما يعني منع امتداد رياح الصحوة الدينية وتيار الأسلمة الجارف نحو الديار الروسية.

    النقطة الثانية على ما يبدو فإن القيادة الروسية سئمت من تجاهل القيادة السورية لنصائحها ـ كما تردد ذلك مرارا عبر تصريحات مسؤولين روس ـ بإحداث تغييرات جوهرية على النظام السياسي السائد وتقديم تنازلات حقيقة ضمن سلسلة حقيقة من الإصلاحات الجوهرية وليس الصورية . وربما كانت هناك تحذيرات روسية واضحة لدمشق بعدم تجاوز الخط الأحمر للرئيس أوباما ولقد أكد الوزير لافروف أكثر من مرة بأن القيادة السورية لن تستخدم السلاح الكيميائي كما أنها تحافظ عليه بأيدي أمينة ومحمي بشكل جيد. وأتت الصور الصادمة من ريف دمشق مخالفة لما أفاد به رئيس الدبلوماسية الروسي بطريقة لا تدع مجالا للشك فالسلاح الكيميائي استخدم ولم يعد بأيدي أمينة ونجم عنه سقوط أعداد مرعبة من الضحايا ما حذا بالرئيس الإيراني الجديد ليقول بأن استخدام السلاح الكيميائي حصل في غوطة دمشق دون ذكر لمن قام بذلك الفعل الشنيع،

    أن الشخصية العنيفة والمتهورة والراغبة بإنهاء الصراع الدائر فوق الأراضي السورية بأي ثمن كان، هي التي غلبت أخيرا متجاهلة أهمية رأي المستشار الروسي. فجاء الموقف الروسي بتلك الصورة المفاجئة بعد أن طفح الكيل

    ولقد كان لعجز الرئيس الأسد عن إخماد التمرد العسكري المتنامي وامتداده لفترة تجاوزت العامين بعد كل الدعم السخي واللامحدود ، إشارة موحية للروس بضرورة البحث عن بديل بالاتفاق مع السعودية أولا والولايات المتحدة الأمريكية ثانيا، فإذا كان ذلك الجيش العرمرم وهو بكامل قوته وعتاده وعديده فشل حتى في تحقيق انتصارات حاسمة تغير مسار المعركة لصالحه من بداية الثورة المسلحة يوم كان الثوار في طور التكوين والبناء فكيف سيكون الحال في ظل دعم جدي وحقيقي للثوار بالعتاد العسكري واللوجستي والمادي من قبل أعداء نظام الأسد ومناصري الثورة السورية المسلحة ، لاشك بأن الوضع أصعب بكثير ولا شك بتراجع مذهل بقدرات جيش النظام رغم كل الادعاءات بالقوة والسيطرة من قبل إعلام منحاز بصرامة لمقولات الجهات الرسمية السورية.

    وهنا أيضا لا يستطيع المتابع تجاهل التفاهمات الروسية الأمريكية التي غالبا ما تكون هي الأساس في تحركات الطرفين بناء على المصالح القومية والإستراتيجية للطرفين ، ( لقد أهدر الأسد الفرصة الأخيرة ) تلك كانت كلمات مقتطعة من تصريح للوزير جون كيري بعد إلغاء الإدارة الأمريكية للقاء كان مقررا اليوم بين مسؤولين روس وأمريكيين لبحث المسألة السورية ، لقد آن الأوان لوضع حد لتلك المأساة تحفظ مصالح الجانبين المتنافسين، ( إن أسعد الناس بالفيتو الروسي هم الجانب الأمريكي فالروس يؤدون ما تريده أمريكا دون الظهور بمظهر المناصر للظالم والجاني ) اليوم ربما يقوم الأمريكيون بما ينبغي القيام به دون ظهور الروس بمظهر المتخاذل الذي تخلى عن حلفائه وقت الشدة

    لقد استنفذت الحرب الدائرة في سوريا الدولة والمجتمع وأرهقت الاقتصاد وأهلكت العباد وباتت الأرض مهيأة لقبول حل دولي لا مكان لنظام الأسد فيه ، فلابد من انهاء المسألة قريبا خلال شهور والبدء بتجهيز البديل الانتقالي دون تأخير وطالما وصلت الصواريخ والطائرات الأطلسية إلى الأجواء السورية فلن تتوقف عند ضرب النظام فقط بل ستتابع مهمتها في ضرب من تعتبرهم إرهابيين برعاية دولية وسيكون لما تقوم به في المستقبل من تدمير للإرهاب حسب تصنيفها أمرا مشروعا بل ومطلوبا ليس من حلفاء الثورة السورية بل ومن أعدائها الدوليين أيضا.

    أخير لا يمكن تجاهل العنصر الإسرائيلي في مجمل الموضوع بل لا يمكن اعتباره هامشيا على الإطلاق ، لقد بات معلنا رغبة إسرائيل بالتخلص من نظام الأسد ، فمن استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه لا يوجد ما يمنعه من استخدامه ضد أعدائه المحتملين ، ولقد أثبت الحدث السوري عدم قدرة نظام الأسد على التخلي أو الانفكاك عن المشروع الأيديولوجي الفارسي أو الخروج من تحت عباءة الولي الفقيه الإيراني. كما أثبتت أنه لم يعد كما كان نظام قاهر قادر لا تستطيع أي جهة داخلية أو خارجية التصرف أو الانطلاق من حدوده الجغرافية دون إرادة منه أو دون إذنه المباشر .

    في السياسة لا ثوابت والمتغيرات سيدة الموقف حتى لو بدى موقف ما شديد الرسوخ أو الوضوح

هل قرعت طبول الحرب على سورية؟/ حسين عبد العزيز *

تبدو سورية خلال الأيام المقبلة على موعد مع استحقاق قد يغير من قواعد اللعبة ليس في داخلها فحسب، بل على صعيد المنطقة وتوازناتها.

المقصود بهذا الاستحقاق هو الهجوم العسكري الذي بات مؤكداً وفقاً لتصريحات الولايات المتحدة وعدد كبير من حلفائها الأوروبيين.

وليس أدل على أن الضربة العسكرية أصبحت قاب قوسين أو أدنى، سوى تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي لم يكتف برفع سقف التحذير من أي عمل عسكري في سورية، بل قوله صراحة إن موسكو ليست لديها النية للدخول في صراع عسكري بسبب الحرب الأهلية في سورية.

غير أن ثمة أسئلة كثيرة ما زالت من دون إجابة واضحة: كيف ستتم العملية العسكرية؟ وما هي الدول المشاركة؟ وهل ستشارك دول إقليمية كتركيا والأردن؟ وما هو السقف العسكري الذي ستنتهي إليه هذه العملية؟ وما السقف السياسي المرجو تحقيقه من العمل العسكري على اعتبار أن الحرب امتداد للسياسة؟ وأخيراً، كيف ستتعامل دمشق وحلفاؤها الإقليميون مع هذا الاستحقاق؟

من الصعب الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل حازم ودقيق، إذ علمتنا التجربة السورية وردود الفعل الدولية خلال العامين والنصف الماضيين، أن حالة عدم التيقن تتجاوز حالة اليقين، وأن مكر التاريخ يتكرر في كثير من الأحيان.

ومع ذلك تمكن الإجابة عن هذه الأسئلة عبر فهم كيفية قراءة صناع القرار الأميركي للحدث السوري، فما زالت واشنطن مقتنعة حتى اللحظة أن الخيار السياسي هو الخيار الوحيد لحل الأزمة السورية، وأن أي عمل عسكري لن يكون إلا لخدمة هذا الهدف، ومرد ذلك يعود إلى قناعة أميركية أن أي محاولة لإسقاط النظام السوري ستدفعه بالضرورة إلى ضرب المصالح الأميركية ولا سيما إسرائيل، وبالتالي إدخال المنطقة في أتون حرب لا يريدها بارونات النظام العالمي.

كما أن الولايات المتحدة تريد المحافظة على تماسك الدولة السورية، خوفا من انهيار البنية الاجتماعية لصالح حرب أهلية قد تتحول إلى طائفية، سرعان ما تنتقل إلى العراق ولبنان بسبب هشاشة الدولة والمجتمع هناك، وخوفاً من غياب بديل قادر على التحكم العسكري والسياسي في مرحلة ما بعد الأسد، ولعل تصريح رئيس أركان الجيوش الأميركية مارتن دمبسي، أن تدخلاً عسكريا في سورية لن يفضي إلى وضع يصب في مصلحة الولايات المتحدة، خصوصاً أن مسلحي المعارضة لا يدعمون المصالح الأميركية إن وصلوا إلى السلطة، مؤشر مهم لفهم الحدود التي ستقف عندها واشنطن.

وتعتقد الإدارة الأميركية أن «جنيف -2» بالتعاون مع روسيا سيساهم في ضبط الصراع داخل حدود الجغرافيا السورية، وهذا التفاهم الروسي-الأميركي ترجم خلال الأشهر الماضية عبر رفض واشنطن دعم المعارضة بأسلحة نوعية من شأنها أن تغير موازين الصراع، ورفض روسيا بالمقابل تسليم الجيش السوري صواريخ «أس 300» المتطورة جداً.

بناء على ذلك، يمكن القول إن هدف أي عمل عسكري لن يكون إسقاط الأسد والدولة، وإنما توجيه ضربة عسكرية مؤلمة ربما تطاول الأسلحة الكيماوية لتحقيق هدفين: الأول التخلص من سلاح يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل، والثاني توجيه رسالة للنظام بضرورة الانصياع للخيار السياسي مع ما يترتب عليه من تخفيض لسقف شروط التفاوض.

ووفقاً لهذه الرؤية، لا يوجد عمل عسكري بري، ولا يوجد تدخل عسكري من دول الجوار أيضاً، رغم إعلان تركيا استعدادها المشاركة في أي عمل عسكري، وذلك لعدم رغبة واشنطن في خلط الأوراق الإقليمية في هذه المرحلة، وأغلب التقديرات أن الضربة ستوجه من بعيد، من خلال السفن الحربية في عمق المتوسط. وفي هذه الحالة لا يستطيع النظام السوري ولا حلفاؤه الرد مباشرة على مصادر النيران، لأن ذلك يعني حرباً مفتوحة لا تسطيع دمشق ولا طهران ولا حتى موسكو تحمل تكلفتها، كما لا تستطيع هذه الدول أيضا ضرب المصالح الغربية في المنطقة، لأن ذلك سينقل المعركة مع النظام السوري من مرحلة الترويض السياسي إلى مرحلة الإلغاء السياسي والعسكري التام، وهذا هدف يتوخاه كل أطراف الصراع الإقليميين والدوليين على السواء.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

أهداف الضربة العسكرية الأميركية المرتقبة للنظام الطائفي في سورية/ قصي غريب

    إن سياسة التجاهل والتردد، من قبل الإدارة الأميركية، تجاه الثورة السورية، كانت السبب الرئيس والأساس في دفع النظام الطائفي ” المدلل في المنطقة هو وإسرائيل ” من قبل الجماعة الدولية إلى استخدام الأسلحة الكيميائية في 21 آب 2013، ضد الشعب السوري الثائر، والذي تزامن مع الذكرى السنوية لإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في 18 آب 2011، عن ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة، وتصريحه في 20 آب 2012، بأن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وسوف يغير قواعد اللعبة، ويتطلب رداً حازماً.

    فأصبحت الإدارة الأميركية تواجه تحدياً واختباراً من قبل النظام الطائفي في سورية، وتأييد، ومساندة، من قبل النظام الإيراني، من خلال تعريض مكانة الولايات المتحدة الأميركية، وهيبتها، ومصداقيتها، وقوتها، في العالم وبخاصة في المنطقة للإهانة، من خلال اختبار الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس باراك أوباما حول استخدام الأسلحة الكيميائية، فلقد كان استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام الطائفي، وبتشجيع من قبل النظام الإيراني، الهدف منه التحدي والاختبار، والأهم منه تحقيق انتصار تكتيكي على الثوار في ريف دمشق، الذين يحكمون الحصار على دمشق، من أجل أن يرفع فيه من معنويات قطعان عصاباته المنهكة، ويضعف من معنويات الثوار المرتفعة بالإيمان بالنصر، من خلال إرسال رسالة إليهم، بأنه سوف يستخدمه كلما سنحت الفرصة، أو في أي وقت من الأوقات، وإن الخط الأحمر الأميركي لا قيمة له، في حين كان الهدف من استخدامه للنظام الإيراني هو عبارة عن بالون اختبار لقياس عزم رد الفعل الأميركي، وإسقاطه على محاولة سعيهم الدؤوب لإمتلاك السلاح النووي.

    ولذلك أخطأ النظام الطائفي، ومؤيده، ومسانده النظام الإيراني في حساباتهم لقياس عزم رد فعل الإدارة الأميركية، فقوة، وهيبة، ومصداقية، الولايات المتحدة الأميركية وبخاصة عندما تهدد أو تحذر دولة ما في العالم، ولاسيما إذا كانت من عالم الجنوب، لا يستطيع أي من الرؤساء الأميركيين تجاوزه، وصرف النظر عنه، وعدم الوفاء به، حتى وإن كان الرئيس باراك أوباما أكثرهم تردداً في الدخول في مغامرة عسكرية جديدة نتيجة الغزو الأميركي الكارثي لأفغانستان، والعراق، الذي سبب الكثير من الخسائر المادية والمعنوية للولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن التزامه بوعوده التي قطعها للشعب الأميركي.

    وقد جاء تصاعد الإدانات الدولية والإقليمية ضد استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، وبخاصة من قبل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، ليجعل من الصعوبة الكبيرة أمام الولايات المتحدة الأميركية البقاء خارج المشهد السياسي، والدبلوماسي، والعسكري، من منطلق تهديد مصالحها الاستراتيجية، وإهانة سمعة مصداقيتها التي أصبحت على المحك، ولاسيما في ظل التصميم على ألا تمر هذه الفعلة من دون عقاب، لأن مثل هذا الهجوم بالسلاح الكيميائي يتطلب رداً حازماً، وإمكانية استعداد حلفائها للمشاركة والمساعدة في القيام برد دولي منسق لتنفيذ الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس باراك أوباما.

    ولهذا سوف تكون هناك حاجة ملحة للإدارة الأميركية لتبني سياسة القوة الصلبة الأكثر حزماً من أجل احتواء القتال، وإنهاء الصراع في سورية، سواء على طاولة المفاوضات، أم في الحرب التي ترجحها المعطيات والمؤشرات، والتي تؤكد أن الإدارة الأميركية مصممة على استخدام القوة العسكرية ضد النظام الطائفي في سورية، وتوجيه ضربة في العمق، ولكن السؤال المهم ما الأهداف التي تسعى إليها الإدارة الأميركية من وراء استخدام القوة، وتوجيه ضربة عسكرية للنظام الطائفي في سورية ؟، وبخاصة أن استخدام القوة، وتوجيه ضربة عسكرية أميركية كما ذهب البعض لا تأتي من أجل عقاب النظام الطائفي جراء انتهاكه للأعراف الدولية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، فلو كان الأمر كذلك، فإنه سوف يؤدي فقط إلى تحديد الأدوات الملائمة للأسد لتنفيذ عمليات القتل الجماعي، ولا إلى تغيير ميزان القوى بين الثوار، وقوات النظام، فلو كان الأمر كذلك، لقامت الولايات المتحدة الأميركية بتغيير استراتيجيتها على الأرض من خلال تدريب وإمداد المعارضة السورية المنتقاة بالأسلحة، ولا إلى وضع نهاية لرحيل بشار الأسد، وأركان نظامه، وفقاً لما صرح به الرئيس أوباما في عام 2011، فلو كان الأمر كذلك، فسوف يتطلب هذا قيام الولايات المتحدة الأميركية بحملة، على غرار الحملة التي قام بها حلف شمال الأطلسي في البوسنة.

    ولذلك يبدو لنا أن البعد الحقيقي من استخدم القوة وتوجيه ضربة عسكرية للنظام الطائفي في سورية هو من أجل تحقيق الأهداف الأتية :

    – التأكيد على أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال صاحبة القرار والفعل في الساحة الدولية.

    – محاولة استعادة الثقة بقدرات الولايات المتحدة الأميركية العسكرية، وتجاوز عقدتي غزو افغانستان وغزو العراق، وما خلفتاه من أثار كارثية على النفسية الأميركية، والاقتصاد الأميركي، بتحقيق انتصار سريع وحاسم على نظام عصابات طائفية استباح شعبه ودمر دياره، وقد قال الرئيس باراك أوباما : ” لا نسعى إلى الدخول في صراع طويل الأمد في سورية كما حدث في العراق “.

    – تأكيد مصداقية الولايات المتحدة الأميركية في الالتزام بتنفيذ وعودها، والتي ظهر من خلال تجاهل وتردد سياستها الخارجية تجاه الثورة السورية، أن النظام الطائفي في سورية، وحليفه النظام الإيراني قد استغلا هذا التجاهل والتردد بمهارة، وأظهرها كذابة بامتياز وتمارس ” الجعجعة بلا طحن “، مما أساء إلى مصداقيتها، وهيبتها، ومكانتها، وقوتها، وسمعتها، في المنطقة، والعالم، وقد قال السيناتور جون ماكين : ” إن مصداقية بلاده سوف تتراجع بشكل كبير إذا لم تتخذ الولايات المتحدة موقفا جدياً من الصراع في سورية “.

    – تنحية بشار الأسد وعائلته عن السلطة، وليس إسقاط النظام، وفتح ملف حقوق الإنسان، وملاحقتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

    – تدمير البنى العسكرية السورية، وربما جزء من البنى المدنية، بحيث تصبح سورية أقل خطراً على المصالح الأميركية والغربية في المنطقة وبخاصة على أمن واستقرار إسرائيل، وإنهاك الشعب السوري، وعلى مدى عقود، بتوجيه كل اهتمامه إلى إعادة بناء دياره، وترتيب أوضاعه الداخلية، وقد أكد السفير الأميركي في إسرائيل بأن الهجوم سيكون شديداً.

    – وضع السلاح الكيميائي السوري، باعتباره قد أصبح لهم يهدد السلم والأمن الدوليين، تحت وصاية وإشراف الأمم المتحدة، ونزعه، وتحييده، كسلاح ردع يمتلكه الشعب السوري ضد إسرائيل.

    – استغلال الفرصة السانحة لتوجيه ضربات جراحية قاصمة للجماعات الجهادية الإسلامية المتطرفة، التي ترتاب منها الولايات المتحدة الأميركية، وتعدها أدبيات السياسة الخارجية الأميركية، إرهابية، ومعادية لها، ولأصدقائها.

    – التقليل من فرص نجاح القوى الثورية الوطنية السورية الحقيقية من تولي قيادة وحكم الدولة.

    – فرض الحل السياسي في سورية برغبة، وانطباع، وتصور، ورؤية، الولايات المتحدة الأميركية، وتمكين الجماعات المدنية والعسكرية الموالية لها سواء كانت من المعارضة أو التي ستقف معها من النظام، لاسيما وأن وزير الخارجية جون كيري كان قد أكد على أن بلاده ترغب برؤية الحكومة والمعارضة السورية على طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية بحسب إتفاق جنيف 1، فالحل السياسي الأمثل لدى الإدارة الأميركية في سورية، يتمثل في تنحي بشار الأسد عن السلطة، مع المحافظة على مؤسسات النظام الطائفية، وبخاصة الجيش، والشرطة، والمخابرات، وهذا ما ورد في بيان جنيف 1، من أجل استمرار المحافظة على استقرار أمن إسرائيل، واحترام قوانين اللعبة الدولية في المنطقة.

    – رسالة إلى النظام الإيراني الذي يسعى حثيثاً إلى امتلاك السلاح النووي، بأن استخدام السلاح غير التقليدي سوف يكون الرد عليه من قبل القوة العسكرية الأميركية والغربية بالردع والعقاب القاسي، وقد قال الرئيس الأميركي باراك أوباما : ” يجب معاقبة نظام الأسد على استخدامه السلاح الكيميائي “، كما قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج : ” لا يمكننا أن نسمح في القرن الحادي والعشرين بفكرة أنه يمكن استخدام الأسلحة الكيميائية من دون عقاب “، ولذلك فإن استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصداقية، وهيبة، ومكانة، وسمعة، الولايات المتحدة الأميركية، من شأن ذلك أن يعزز أيضاً من مصداقية التزام الرئيس باراك أوباما بمنع حصول النظام الإيراني على قدرات تصنيع السلاح النووي.

    – تعزيز وتقوية جانب أصدقاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وفي مقدمتهم : إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والأردن، لاسيما بعد أن أدت السياسة الخارجية الأميركية المترددة والمتناقضة تجاه الثورة السورية إلى تعزيز فقدان مصداقيتها، ومن ثم انكماش وتراجع هيبتها، ومكانتها، وتأثيرها، في المنطقة، والذي كان له تأثير سلبي على قوة، ومكانة، حلفائها، لحساب تعزيز قوة ومكانة النظام الإيراني الإقليمية.

    وبناء عليه سوف يبقى تحقيق هذه الأهداف الأميركية على أرض الواقع مرهوناً بزمن تنفيذ الضربة العسكرية المرتقبة.

أميركا ما زالت “شرطيّ العالم/ياسين سويحة

منذ بداية الثورة السوريّة، شغل الجدل حول التدخّل العسكري الغربي ضد النظام السوري حيّزاً زمنياً معتبراً، لكنه عقيم في مفعوله. إذ كان يحوّل مسألةً غير مطروحة إلى شأن جوهري في مقاربة الحدث السوري. نقاش أصحاب مواقف، عرب وغير عرب، يختارون آراءهم بالنقيض الميكانيكي للموقع الذي يفترضون أن الولايات المُتحدة فيه، وأيضاً ثمة من وجد في هذا النقاش مهرباً من اتخاذ موقفٍ أخلاقي، غير مرغوب سياسياً، من عُمق المسألة السوريّة، أي أحقّية قيام حراك شعبي ضد مُستبد إفقاري ومنفلت العُنف، بأنواعه، ضد المجتمع.

 الآن، ومع تشديد اللهجة الأميركيّة تجاه النظام السوري، بُعيد مجزرة الغوطة “الكيماويّة”، والتي راح ضحيتها، بحسب تقديرات متعددة، ما ﻻ يقلّ عن 1300 شهيد أُضيفوا إلى أكثر من مئة ألف شهيد منذ آذار 2011، يُستعاد النقاش، بين موقف “مُعادٍ للامبرياليّة” يجد في صوت الطبول تأكيداً على تفسيره المؤامراتي لمجمل الثورة السوريّة، وبين موقف مُبتذل في تفسيرات إنسانويّة للخطاب والفعل الأميركيين، وما بينهما من تدرّجات. عدا هذه المواقف كلها، والتي يعود التفضيل في ما بينها إلى الإيديولوجيا أساساً، ثمة أسئلة متشابكة: هل ستتدخّل الولايات المتحدة عسكرياً؟ وما شكل هذا التدخّل؟ هل ستكون ضربة أو مجموعة ضربات صاروخيّة معزولة، أم تدخّلاً حاسماً لإسقاط النظام؟ لماذا الآن؟ وهل للأمر علاقة بالخلاف المُركّب والمتصاعد مع روسيا حول قضايا مُختلفة، آخرها إيواء موسكو لإدوارد سنودن؟

  تسمح نظرة متأنية للموقف الأميركي، منذ اندلاع الثورة السوريّة، الوصول إلى مجموعة خُلاصات قد تُفيد لقراءة أعمق للموقف الأميركي. لنتذكّر أن الثورة اندلعت حين كانت علاقات النظام بالولايات المُتحدة في أقلّ لحظاتها سوءاً خلال حكم بشار الأسد، إذ كان هناك سفير أميركي في دمشق، وتنسيق مخابراتي عائد بقوة بين البلدين. ورغم أن لهجة الخارجيّة الأميركية ضد جرائم النظام، بعد اندلاع الثورة، كانت صاخبة، إﻻ أنّ “الحلّ” المطروح أميركياً بقي طوال شهور محصوراً في أن “على الأسد إما أن يُصغي إلى مطالب شعبه ويُجري إصلاحات حقيقيّة أو جذريّة، أو أن يرحل”. وحتّى بعدما تحوّل الخطاب العلني تجاه الأسد من “إما.. أو”، إلى “أيام الأسد المعدودة في السُلطة”، ما أثار سخرية في أوساط السوريين، بدا أن الأميركيين أقلّ حماساً  من حلفائهم الإقليميين في الخليج وتركيا للقيام بخطواتٍ عمليّة ضد نظام الأسد، أكان بالتدخّل المباشر أو بتسليح الجيش الحرّ. وبدا واضحاً أن الأميركيين ﻻ يريدون للأسد أن يحسم المعركة لصالحه، ويبتعدون عن التورّط المباشر في مُستنقع جديد في الشرق الأوسط في آنٍ معاً.

 هكذا، وبالتمسّك بخيار “الحلّ السياسي” المُصاغ بالتعاون مع روسيا، والذي وجد تمثيلاته العلنية في مؤتمر جنيف الأول وتحضيرات الثاني، رفع النظام مراراً سقف إجرامه من دون رادع دولي، وأدار الأميركيون موقفهم في شأن “الحلّ السياسي”، مع التركيز واﻻنتباه إلى نقطتين أساسيتين: تصاعد نفوذ وقوّة الجماعات “الجهاديّة”، وهواجس إسرائيل. في هذا السياق أتى تصريح أوباما الشهير حول اعتبار السلاح الكيماوي “خطّاً أحمر”، الصيف الماضي، حين كان نظام الأسد قد استخدم كلّ أنواع الأسلحة المُتاحة، عدا الكيماوي.

 لماذا السلاح الكيماوي تحديداً خط أحمر؟ خصوصاً أن عاماً ونيف كان مرّ حينها على مقتلةٍ بحجم عشرات الآلاف من الشهداء، باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، بعضها مُحرّم دولياً، وأقل منها بكثير استجرّ تدخلاً في ليبيا؟ اﻻعتبار الإنساني ساقط، إذاً، مِن رسم هذا الخطّ الأحمر.

يجوز، ربما، التساؤل حول نقطتين في هذا المجال. أولها أن ترسانة السلاح الكيماوي السوري، الضخمة بحسب تقديرات استراتيجيّة، هي من أكثر ما يُخيف إسرائيل، وقد سبق أن رافقت رسم الخطّ الأحمر، وتلته، تصريحات حول وجود هذا السلاح في “أيدٍ أمينة”، ما تُرجم بسهولة إلى وجوده تحت سيطرة من لن يستخدمه ضد إسرائيل. هل اعتبرت الولايات المتحدة أن استخدامه المتصاعد ضد السوريين هو إخلالٌ باتفاق تطمينٍ حول مصير هذا السلاح، أكان باستخدامه من قبل النظام أو بنقله إلى جهات أخرى، مثل حزب الله؟

النقطة الثانية تخصّ صورة الولايات المتحدة كقوّة عظمى. صحيحٌ أن إدارة أوباما، غير المتشجعة للتدخل الأميركي المُباشر في القضايا الإقليمية، والمحكومة بهواجس تخص الكابوس العراقي والمُستنقع الأفغاني، لم تُبدِ أيّ نزعة “بوشيّة” (من جورج بوش) تجاه سوريا. إﻻ أنه هناك حدوداً لمقدرتها السياسيّة على تحمّل تآكل هيبتها، خصوصاً مع تصاعد اللهجة الروسيّة المهووسة بإعادة أيام الحرب الباردة، ومظهر الحصانة الذي يظهر به نظام “مارق” مثل السوري. لقد بلغت الأمور درك اعتقاد النظام السوري وروسيا أن في إمكانهما فرض الشروط الكافية للذهاب إلى “الحلّ السياسي” كمنتصرَين، ما أفرز الحاجة الأميركية إلى إعادة التوازن مع روسيا، وليس فقط في الشأن السوري.

مما سبق، يبدو منطقياً ترجيح أن الضربة الأميركية، إن حصلت، ستكون محدودة. ربما تُشبه سيناريو العراق 1998، أكثر مما تُشبه كوسوفو أو ليبيا. وستكون ضربة سياسيّة مزدوجة، بمثابة تذكير لبشار الأسد بأنه يواجه خطراً وجودياً حقيقياً، ورسالة إلى روسيا مفادها بأن الولايات المُتحدة ما زالت، رغم تغيّر نمطها السياسي الخارجي بشكل طفيف، تودّ الاحتفاظ بمنصب “شرطيّ العالم”.

أما ارتدادات الضربة الأميركيّة، إن حصلت، على الثورة السوريّة وظروفها الميدانية والسياسيّة، فقد تكون أعقد وأقل إيجابيّة مما يفترضه البعض، بغضّ النظر عن الحماسة المفهومة لسوريين كُثر لاحتمال استهداف ماكينة النظام العسكريّة.

المدن

المقتلة الكيماوية والتدخل الدولي/ عمّار ديّوب

لأيام عديدة شُلّ عقلنا عن الفهم، واجتاحنا الانفعال تماماً، فلم نقوَ إلا على البكاء؛ مقتلة الغوطتين أكثر مما يستوعبه العقل، وكان للأطباء- الأنبياء- دور في إنقاذ حياة أكثر من عشرين ألف شخص، كانوا بحكم القتلى، نعم كان الهدف أكثر من الرقم الأخير لشهداء المقتلة.

لأول مرة، ومنذ عامين ونصف، يتحرك العالم المتقدم، نحو دراسة الوضع السوري بعمق شديد والتأهبِ لضربات عسكرية؛ قبلها كانت مواقفه غير ذات قيمة، وبقيت في إطار: ترك سوريا لروسيا، ضربة الكيماوي الثامنة والعشرون، حسمت الأمر، فكان التحرك. ولكن هل هذا التحرك سيضع للنظام حداً وسيجعله ينردع، وربما كما يتوهم كثيرون سيتم إسقاطه؟

ما حرك ذلك العالم هو الأدلة الواضحة على جريمة أكبر من أن تغتفر، وبالتالي لم يترك النظام أية اعتبارات للعالم المتقدم، سيما وأن أوباما كان قد صرح بأن الكيمياوي خط أحمر فكيف بمقتلة تحدث بالكيمياوي؟ وهو ما لا تستطيع حتى روسيا الدفاع عنه؛ إذن التحرك الأميركي ليس أمرا وهميا، وستحشد من أجله حلفا دوليا وعربيا، وبالطبع لا يفكر الأميركيون بنصرة الثورة وإسقاط النظام، ولكن التوازن القديم بين الثورة والنظام، صار لابد من كسره عبر المفاوضات.

التحرك يأتي على خلفية أمرين، تراجع قوة النظام كثيرا سيما أن الكيماوي أصلاً بسبب ذلك، وكذلك بهدف دفع النظام للجلوس على طاولة المفاوضات، وقد يكون وضع التنظيمات الجهادية المتقدم سببا إضافيا حيث أصبحت تشكل خطرا حقيقيا، ولم تعد بإطار المسيطر عليه، وبالتالي قد تكون الضربات ضد مواقع للنظام وضد مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام والنصرة. وبالتالي لن تكون لتصفية النظام؛ فليست أميركا دولة الخير في العالم، وليس هناك دولة كذلك في العالم بالأصل. الضربات الأميركية، لن تكون دون موافقة روسية ضمنية، ولكنها ستكون من خارج مجلس الأمن الدولي؛ وسيقف إلى جانب أميركا مجموعة دول أوروبية وعربية، لردع النظام وجلبه إلى طاولة المفاوضات، وسيعود لروسيا دورها في الإشراف على المرحلة الانتقالية لما بعد الثورة.

ما يريده النظام من المقتلة هذه وهو يلاحظ ذهاب (بندر) لموسكو وبدء الكلام من جديد عن جنيف، إنذار العالم بأن من غير الممكن تجاوزه، وأنه شريك في المرحلة التي ستلي المفاوضات؛ ولا يشكل رأي رئيس الائتلاف الوطني وقائد أركان الجيش الحر تفسيرا يعتد به، بأن الكيمياوي جاء كانتقام شخصي، بسبب إصابة أحد أركان النظام في الهجوم على موكب رئيس الجمهورية أثناء توجهه لصلاة العيد برمضان، فهذا التفسير يدلل على فهم ضعيف لهؤلاء الساسة والعسكريين لراهن الصراع؛ فالكيمياوي كان بسبب ضعف شديد في النظام، وجاء على خلفية تقدم واسع للعمل العسكري في كامل سوريا؛ وقد يكون هذا هو السبب ذاته، من أسباب التحرك الدولي؛ الذي أيضا لا يعجبه أن تخرج الثورة أكثر قوة بعد الكيمياوي، وتكمل طريقها نحو العاصمة، سيما وأن النظام لم يتوقف صباح ما بعد الكيمياوي والأيام التي تلته عن دكّ الغوطتين بشكل خاص، بكل صنوف السلاح، وبوتيرة مرتفعة. ربما يسرع الكيمياوي المفاوضات، وربما يسرع انتصار الثورة، لقد غير من وقائع الموت اليومي العبثي في سوريا؛ وبالتالي لن يطول بقاء الحرب مفتوحة كما هي خلال عام 2013، هذا التفسير ربما لن يلقى ترحيبا، ولكن ما جرى بعد المقتلة، وسببها، يوضح أن الأمور قد تتجه نحو نهاية معينة. لا جدال بأن الضربات لن تكون واسعة، ولن تستهدف إسقاط النظام، ولكنها ستجره إلى الخضوع، وإلا فإن مستقبل المصالح الأميركية وربما دول المنطقة تصبح في خطر حقيقي. هذا هو التفسير بكل بساطة لما يجري.

لن نجادل هنا، في الموقف من التدخل الدولي، فما تم خلال العامين المنصرمين، كان تدخلا دوليا إلى جانب النظام سواء عبر مؤيديه أو عبر معارضيه. احتمال التدخل الآن، ربما يشكل الخطر الأكبر على سوريا، فهو يشكل مرحلة جديدة، في ظل احتقان متعدد الأشكال. طبعا لا يمكن لعاقل جاد أن يحمل مسؤولية ذلك التدخل ونتائجه الكارثية، سوى للنظام أولا ولمصلحة الخارج ثانيا، فكلاهما شارك بما حدث لسوريا طيلة عمر الثورة، وإن كان النظام هو المسؤول المباشر، إضافة للحلف الذي أمده بالسلاح والمال والنفط والرجال.

الخطر الداهم هنا، يتأتى من الوضع اللاحق للضربات، فحينها سيفقد النظام الكثير من قدراته العسكرية، سيما وأن الضربات ستطال مواقع حساسة ومنها مطارات كما ينشر؛ الخطر سيكون من ارتكاب مجازر جديدة، وإعلاء لدور التنظيمات الجهادية والشبيحة والكتائب المناطقية، والتي لن تتوان عن ارتكاب كل ما يعزز وجودها وسيطرتها، سيما وأنها أنشئت لتشتيت وتشويه الثورة، وهي تتغول وتوسع نشاطاتها، وتحاول بناء سلطتها القروسطية- تحديداً النصرة والدولة الإسلامية- هذه الأجواء، قد تعمق من الاقتتال الأهلي والطائفي والقومي، حيث مؤشراته أصبحت واضحة للعيان. وفي هذه النقطة هناك مخاطر حقيقية.

طبعا لست ممن ينشدون التدخل الخارجي، لا قبل هذه اللحظة، ولا بعدها، فالموضوع برأيي موضوع مصالح دول عظمى، ولا تتقاطع أبدا مصالح الشعوب معها؛ ولو اجتمع الطرفان على إسقاط نظام بعينه، فمما لا ريب فيه، بأن لكل مصلحته وهدفه من جراء ذلك.

إذن لم يتوقف التدخل الخارجي قط، وأخذ أشكالا عدة؛ والتدخل العسكري المزمع حدوثه، وفي حال تحققه، فإنه سيدخل سوريا بإرباكات جديدة؛ ولكن مصالح الدول العظمى، لا تفعل سوى ذلك، وليس نجاح الثورات من غاياتها ومقاصدها، بل العكس هو الصحيح.

هو من استدعى التدخل/ غازي دحمان

على أي أساس يبني معارض لأفعال النظام السوري ومستنكر لأساليبه في قتل السوريين، رفضه مسألة التدخل الخارجي؟. طالما أن الغاية منها إنهاء تلك الحالة المنافية للقيم والمنطق الإنساني؟

من الناحية العملية، لم تكن هناك ثمة إمكانية أو مجال للقضاء على مثل هذا النمط من الأنظمة من دون عملية تدخل خارجي، ليس استخفافا بقدرات السوريين، على ما يحلو للبعض جلد أنفسهم، ولا لأن هذا النظام يملك قدرات إسطورية على ما يزعم مؤيدو النظام وأتباعه، بل لأن هذا النظام يرتبط بقوى خارجية، بل أنه يجري تشغيله من قبل هذه القوى لدرجة صار معها مجرد وكيل ومنفذ لأمر عمليات تلك القوى، التي بدا أنها استخدمته لأجل خدمة ملفاتها في الصراع الدولي، مقابل ذلك أمّنت تلك القوى طوال الفترة الماضية أسباب بقائه وصموده في مواجهة الثورة السورية، ودافعت عن استمراره بارتكاب كل الجرائم بحق السوريين، وتغطيتها، وإيجاد التبريرات المناسبة لها.

ولا شك بأن هذه الوضعية تفوق قدرة السوريين الثائرين على تحقيق الخلاص من هذا النظام، إذ صار من المستحيل كسر حلقة التوازن الدموية المستمرة، والتي كلفت السوريين أثماناً باهظة، والتي، أيضاً، تنذر بمزيد من التفكك والتدمير للعمران الوطني السوري، الإجتماعي والمادي، طالما أن هذا النظام تقف وراءه أطراف على استعداد دائم لتدعيم قوته النارية وحاجته البشرية من المقاتلين، فقد تكشّف تماماً أن هذه الدائرة الخارجية لا يمكن أن تكسرها سوى قوى خارجية مثلها، فيتحقق، بناءً عليها، شرط إسقاط النظام.

دع عنك كل ما يقال عن الخسائر التي يتسببها استمرار مثل هذا النظام على سوريا من موارد إقتصادية وأرواح بشرية، على أهميتها، بل لأنه بدأ يحول سوريا إلى أرض للفوضى ويرعاها ويصنعها أحيانا كثيرة، بل أنه لم يكتف بذلك، وإنما راح يتطاول بالعبث في العيش المشترك لدول الجوار ويهدد بتفجيرها وكأن المنطقة كلها ملك يديه وتحت أمره. ثم ماذا ينتظر رافضو التدخل الأجنبي من مثل هذا النظام لو أنه تجاوز هذه المرحلة، هل يحمل غير الوعد بالموت الدائم؟.

من الناحية الأخلاقية، لا يستند مثل هذا الاعتراض، أو التردد لأي مبرر أخلاقي، بقدر ما يبدو أنه رضوخ أو إنسياق لتهويمات أيديولوجية وقوالب كلامية يفترض أن الثورة السورية قد عرّتها وكشفت ضعف أسانيدها ومقدرتها الواقعية على الصمود وحمولتها الأخلاقية الزائفة. ولعل ضعف هذا الإعتراض أنه يقوم في الغالب على اعتبارات ذاتية محضة وليست موضوعية منطقية، كأن لا يتهم الشخص بالظهور بمظهر محالفة الغرب الاستعماري الطامع بثروات أوطاننا والضامر دائما وأبدا لنوايا سيئة تجاهنا، بغض النظر عن واقع المتغيرات الدولية والعلاقات الاعتمادية وتبدل التحالفات والعلاقات، وكأن الأنظمة المراد تغييرها لم تعتش على الخدمات القذرة التي تقدمها لهذا الغرب الإستعماري، وبخاصة النظام السوري، الذي ماانفك يحمل مصائب المشرق ويبحث عمن يوكله إدارتها، بل أن في سجلاته الكثير من التفاخر بهذه الوظيفة القذرة ورهان دائم على عدم استغناء الغرب عن قيامه بهذه المهمة.

هذا التبرير السابق، يبدو متورطاً وغارقا في الانتهازية إلى أبعد الحدود، وتفنيده ممكن من قلب الوجع السوري وليس بعيداً عنه، إذ أين البديل لوقف القتل والتدمير بسوريا، وهل ترحيب السوريين بالتدخل الخارجي ترفا خيانيا وحبا بالأجنبي فقط؟، أم أن هذا النظام لم يترك وسيلة للموت إلا ومارسها على الجسد السوري، ولم يشبع نهمه بالقتل اكتفاؤه بما تنجزه ميليشياته بل جلب لسوريا عشرات آلاف القتلة من الخارج وفوضهم احتلال مناطق كاملة وأعطاهم الحق بتجريب كل أنواع الممارسات الإجرامية، وأن يتدربوا على الرماية في سوق اللحم السوري، ويمارسون كل أنواع الرياضات الذهنية في التفنن والإجرام، وهو ما لم يحصل بتاريخ أي نظام مسؤول عن حماية شعبه!

ولعله من باب التندر، أن نظاماً تطفح منظومة قيمه بسلوكيات النهب والسلب والقتل، ولا يوجد ثمة ما يؤشر على نيته مغادرة هذه المنظومة القيمية والإقلاع عنها، يجري الدفاع عن استمراره بحجة الوطنية ومعاداة الاستعمار، من دون التساؤل عن الفرق بينه وبين الإستعمار، إلا اللهم أن شعوب المستعمرات لها الحق بالتمتع بشكل قانوني، ما إسمه قانون المستعمرات.

المنطق الطبيعي يقول إن التدخل الدولي بات يحمل صفة التدخل الإنساني، وهو لم يحصل إلا بعد أن اكتملت شروط هذه الحالة، بعد نزوح الملايين وقتل وإعاقة ما يربو على المليون إنسان، وهي حالة لم تحصل في التاريخ البشري المعاصر، كما أن هذا التدخل من شأنه توفير المزيد من سفك الدماء السوري بلا مبرر، ويفترض أنه يتيح فرصة لمختلف الأطراف، وخصوصاً تلك التي كانت تقع تحت الهيمنة المباشرة له، أو ما يسمى مؤيديه أو بيئته والتي كانت مضطرة إلى مجاراته في ممارسة خياراته الانتحارية، يتيح التدخل لها فرصة الانتقال إلى مواقع أفضل والخروج من دوامة الصراع المدمر.

لا يستقيم أبداً فهم حالة رفض جرائم بشار الأسد وزمرته، مع رفض إمكانية التدخل للخلاص منه، كما لا مبرر للخوف من عودة الاستعمار، فالمزاج العالمي بعيد تماماً عن هذه الحالة، الحالة الليبية تبدو أقرب إلى التطبيق في سوريا، فبعد إنجاز مهمة المساعدة الإنسانية لم يبق عسكري واحد داخل الأراضي الليبية، والسلطة لم تذهب إلى الإسلاميين كما تخوف الكثيرون وتوقعوا.

لعل المشكلة في هذه العقلية، عقلية رفض إجرام النظام ورفض المساعدة للتخلص منه، أنها مصابة بلوثة الإزدواجية في كل القضايا المصيرية والحاسمة، ومن خلال قراءة الكثير من النصوص التي أنتجها العقل العربي على مدار مرحلة الربيع تبين المساحة الرمادية الهائلة وفائض اللامعقول التي يملكها العقل العربي والتي غالباً ما يكون مصدرها المشاعر والأحاسيس اللاعقلانية من غرائز ما قبل أدمية ومحاكمات ساذجة يتم صبها في سياقات فكرية معينة وتصديرها بوصفها مواقف عقلانية وهي في الواقع ليست سوى مجرد تهويمات.

أيها السوريين، لا داعي لأن تجلدوا أنفسكم، لستم أنتم سبب هذا التدخل، ولا الآخرين جاؤوا لمجرد إنقاذكم، لقد تركوه يفتك بكم حتى غاص لأذنيه بدمائكم، بل هو من استدعى هذا التدخل وإستجلبه عندما تأكدوا أن لديه سلاحاً يفتك بأعداد كبيرة من البشر دفعة واحدة. صحيح أنهم يعرفون أنه لم ولن يتجرأ في تاريخ سلالته على استخدامه ضدهم، ولكنهم لا يضمنون أن يصل هذا السلاح لأيدي سوريين آخرين لهم طريقة تفكير مختلفة.

لماذا استخدم الأسد السلاح الكيماوي؟/ رضوان زيادة *

مع بداية الثورة السورية كانت هناك قناعة تامة بأن ما سيحدد رد فعل النظام وقمعه الثورة، هي طبيعة رد فعل المجتمع الدولي، لذلك كان الضغط باستمرار من أجل الحصول على قرارات دولية من شأنها أن تلجم الأسد عن قتل المزيد وارتكاب المزيد من الفظائع. صحيح أن المعارضة استطاعت الحصول على عدد من القرارات المهمة من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلا أن تأثيرها كان معدوماً لأن لا سلطة فعلية لها على الأسد.

أما مجلس الأمن فقد أغلق تماماً بسبب الفيتو الروسي والصيني ما جعل الأسد يشعر بالحصانة التامة من أي إجراء دولي ضده، لذلك شعر بالمزيد من الثقة في القتل مع كل خطوة يخطوها. بدأ باستخدام سلاح الطيران في شكل مخفف خوفاً من استحضار رد فعل دولي عنيف ضده كما جرى مع القذافي في قصفه المدنيين، لكن لم يجد سوى بيانات التنديد والقلق وتقارير المنظمات الحقوقية التي تعد الضحايا. انتقل الأسد بعدها مع شعوره باليأس من استرجاع المناطق المحررة إلى استخدام الصواريخ الباليستية البعيدة المدى كـ «سكود» وغيرها. بدأ حلف الأطلسي عندها بإحصاء هذه الصواريخ بدل أن يمنع سقوطها على المدنيين. تشجع الأسد في سحق وقتل وإبادة مزيد من المدنيين عبر استخدام السلاح الكيماوي بجرعات مخففة كما في خان العسل والشيخ مقصود والغوطة وغيرها، ووجد رد فعل غربياً يؤكد التقارير لكنه يصرح علناً بأنه لا يريد التورط في الحرب الأهلية السورية، ومع تقدم الثوار في شكل سريع في ريف دمشق واللاذقية شعر الأسد بيأس أكبر وبدأت قاعدته الاجتماعية تضغط في شكل أكبر من أجل قتل المزيد من المدنيين وترويعهم فلم يجد بداً من استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع في محاولة يائسة لسحق الثورة ووأدها متيقناً أنه لن يكون هناك رد فعل دولي. فقد وصلت الأمور إلى الفوضى في سورية وليس من مصلحة أحد أن يدخل فيها ولا يعرف كيف سيخرج منها.

والآن تعود قضية التدخل الإنساني في سورية إلى الضوء مع استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي وبسبب ازدياد أعداد الضحايا المدنيين في شكل كبير وتضاعف أعداد اللاجئين. لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين في ضوء مبادئ القانون الدولي الذي يفرض مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصارا (R2P).

منذ بداية الثورة السورية في آذار (مارس) 2011 قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن 100 ألف شخص. ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في كانون الثاني (يناير) 2012 فقد قامت القوات الحكومية السورية بشن هجمات على المدنين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية بالمدفعية، ونشرت القناصة والطائرات المروحية الحربية في قصف المدن، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وقامت بتعذيب المحتجين الذين تم اعتقالهم، كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

إن مسؤولية الحماية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن، ويمثل تطوراً عميقاً في الوسائل التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية. ويعتبر النظام السوري غير ملتزم بواجبه بموجب مسؤولية الحماية عندما قام بشن الهجمات المستمرة على المدنيين العزل من دون أية شروط أو قيود. بذلك، تنتقل مسؤولية حماية المواطنين السوريين العزل إلى المجتمع الدولي.

وفي تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة بحماية السكان المقيمين على أرضها – بصرف النظر عما إذا كانوا يحملون جنسيتها أم لا – من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما يحرض على تلك الجرائم السابقة. ثانياً: تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتها الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إذا ظهر في شكل واضح فشل دولة في حماية شعبها. فيجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك في شكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد إلى الفصل السادس والسابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك، إضافة إلى ذلك، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى من دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.

ما يحصل في سورية من حرب ضد المدنيين يوافق معايير مبادئ مسؤولية الحماية للتدخل الإنساني. وتعدى الأمر في سورية حماية المواطنين فحسب، حيث قام الرئيس بشار الأسد بمهاجمة الأحياء السكنية بصورة كثيفة باستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات المروحية المقاتلة. ويقع الآن على مجلس الأمن واجب الأخذ في الاعتبار خيارات أكثر حزماً وقوة بعد فشل الخيار السلمي في حماية المواطنين. وعلى رغم أن خيار إعطاء الإذن لمجلس الأمن بالتحرك لمعالجة الملف السوري هو الأنسب، إلا أنه يبدو أنه مستحيل سياسياً. وبالنظر إلى الظروف الملحة التي تتطلب تحركاً فورياً يحق للمجتمع الدولي أن يتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب السوري تحت مبدأ مسؤولية الحماية. فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين ضمن تحالف دولي يشكل من خارج إطار مجلس الأمن وربما تحت مظلة أصدقاء الشعب السوري.

* كاتب سوري ومدير المركز السوري للدراسات السياسية – واشنطن

الحياة

الضربة الامريكية وقوى الثورة وجنيف2/ غسان المفلح

منذ الانتهاء من عملية تحرير الكويت1990 آب من جيش صدام حسين التي شكلت مفصلا في تاريخ المنطقة، احتاج كل منا لمراجعة معاييره القيمية والايديولوجية، ومراجعة العقل التي انتجها ويتعامل معها. انهار العراق على كافة الصعد وبقي صدام حسين حامل سيفه يكذب على الناس وعلى العراقيين، ارتكب المجازر في الجنوب بعد أن كان انفل في الشمال- حلبجة- 1988 . رغم كل ذلك بقي صدام حسين حاكما مطلقا للعراق، حتى تم اسقاطه بالتدخل الدولي 2003.

في كل دول العالم التي انتقلت من الديكتاتورية للديمقراطية، كان للمعسكر الغربي في العالم وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية، دورا مهما لايقل أبدا عن دور العوامل الداخلية. أعرف أن هذه النقطة مثار خلاف ولايمكن التعامل معها كمسلمة، لكن من يراجع خارطة العالم اليوم يدرك تماما، مدى تمدد النفوذ الامريكي حتى وصل الماكدونالد إلى قلب موسكو، واحاط بروسيا من كل الجهات.

منذ ذلك التاريخ ونقاشات السجن حامية الوطيس، حول الموقف من التدخل الدولي من أجل اسقاط هذه الانظمة الشرذمة!! وكان للحوار مع بعض الرفاق لا اريد ذكر اسماءهم الآن لأنهم في الداخل!! دورا في رؤية واقع مر اثبته التاريخ يوما بعد آخر، أن هذه الانظمة كلها اتى بها نظام دولي، ولن ترحل إلا عبر دعم نظام دولي آخر أو حتى نفسه، مشكلة سورية أنها ابتليت بنظام اتى به نظام دولي، لم يعد موجودا نظام الحرب الباردة. والنظام الدولي الذي حل مكانه لايزال في الطور الاخير من تشكله، حيث امريكا لها الوزن الاكبر موضوعيا وذاتيا. في ظل هذا التشكل قامت ثورات الربيع العربي، وكان لامريكا دورا في نجاحها، في مصر وتونس واليمن وليبيا كان لها دورا واضحا في حقن دماء الشعوب، بغض النظر عن أن حقن دماء هذه الشعوب يأتي في سياق تحقيق المصالح الغربية عموما والامريكية خصوصا. لكنه حقن للدم تم على الارض. الروس منذ البداية كانوا قد وقفوا ضد حرية شعوب المنطقة، فدعموا القذافي في قتل شعبه، ومنذ عامين ونصف وهم يدعمون اسد الكيماوي في قتل شعبنا السوري. وصلنا بعد 150 الف شهيد في سورية، واستخدام الكيماوي وعشرات الولوف من المفقودين وملايين النازحين والمهجرين، وبلد دمرت تقريبا، وكان الموقف الغربي متخاذلا مع الثورة السورية ولم يقدم إلا ما ندر من أجل حماية شعبنا. الضربة الامريكية بعد ان استخدم الاسد الكيماوي، اصبحت عنوان اول في وسائل الاعلام كلها، والشعب السوري يترقب، اوباما يصرح أن الضربة تأديبية وليست موجهة لاسقاط النظام، كما أنها لا تلغي جنيف2 ولا الحل السياسي مع الطاغية. شخصيا إذا كانت الضربة من أجل جنيف2 كما هو في جنيف1 فهي هزيلة سياسيا.

لكن تعالوا لجماعة الثورة، من يرفض الضربة الامريكية إذا حصلت، وهذا الرفض بدأ قبل أن تحصل، يريد عمليا بغض النظر عن نواياه أن يشرعن للطغمة الكيماوية استخدام السلاح الكيماوي مرات ومرات ضد شعبنا. السياسة الامريكية مصالح، إذا كانت قوى الثورة السورية منذ بدء الثورة وحتى قبل اشهر قليلة كانت تقف ضد التدخل الدولي عسكريا، والخطاب ضد امريكا قائم على قدم وساق فلماذا تساعد أمريكا هذه الثورة؟ حتى الكيماوي الذي جرى طرح مشروع تدميره على بعض المعارضين منذ أقل من عام، تبنوا موقف النظام!! يجب أن يدمر مع تدمير كل اسلحة الدمار الشامل في المنطقة بما فيها إسرائيل. وهاهو استخدمه الاسد ضد شعبنا!! لا اريد التفصيل في هذه القضية الآن لأنها مهزلة المهازل. هيئة تنسيق وجبهة نصرة ودولة العراق والشام والبي دي وأكثرية ائتلافية ومجلسية كانت ضد التدخل العسكري ولم تطلب ذلك رسميا، فلماذا تتدخل أمريكا؟ الواجب الانساني والاخلاقي والقانوني دوليا يجب حماية حماية المدنيين، وعلى أمريكا أن تكون جزء من هذا الواجب، وعلى هذا الاساس موقفي من التدخل. لكن أليس حريا بالطرف المقابل، أن يكون ايجابيا؟ بعض الاسلاميين الذين لايختلفون عن هيئة التنسيق بفلس في هذا الحقل ( اليوم الاموي وغدا الاقصى) أليست مهزلة؟ لماذا امريكا تساعد هؤلاء؟ الاقصى ليس مهمتي.. ولا مهمة شعب يذبح بكل انواع الاسلحة فلم يتبق سوى النووي لم يستخدم بحقه.

حدث ما حدث في مصر، ولايزال الاسلاميين عندنا ماشاء الله يرفعون صور مرسي كقناع على وجوههم يغطون فيه فشلهم في موقع الثورة السياسي وفشل مرسي ومجموعته في ادارة حكم مصر، ماذا قدمت مجموعة مرسي للثورة السورية بغض النظر عن موقف العسكر الآن من الجالية السورية؟. لماذا أمريكا تساعد هؤلاء. أليست السياسة تبادل مصالح؟ أم مطلوب من أمريكا تغيير بشار الاسد ودعم القوى على قلتها وضعفها!! التي تريد تحرير الاقصى؟ كمثال على ايديولوجيا باهتة. اظن لولا تدخل أمريكا في تحرير الكويت لكان صدام لايزال حاكما في العراق والكويت معا.

حتى على مستوى الداخل كتائب انزلت علم الثورة السورية الذي غطى مدن سورية في التظاهرات السلمية ورفعت اعلامها السوداء..

نطالب الولايات المتحدة بالتدخل لحماية شعبنا، ووفقا لبرنامج سياسي واضح، ولسياسة تبادل حقيقي للمصالح، وغير ذلك ترهات. أما إذا كانت الضربة الامريكية في حال حصولها، فقط لجنيف2 دون وجود ضمانات حقيقية بتنحي الطغمة الاسدية فلافائدة منها سياسيا لأنه سيبقى يقتل شعبنا، بما يملكه من أسلحة.

إنها ثورة شعبنا وستنتصر مهما كانت الامور..

ايلاف

لماذا هم مترددون بتوجيه الضربة لسورية؟/ علاء الدين الخطيب

    الخبر الأول خلال الأسبوع الماضي عالميا وعربيا “الضربة الأمريكية الجوية ضد النظام السوري”. لكن كلما تعالت أصوات الحماسيات والتحميس كلما ازدادت أخبار التردد في مراكز القرار الأمريكي والبريطاني والفرنسي بمقابل ثقة روسية وسورية من قبل النظام. الدستور الأمريكي والبريطاني يمنحان أوباما وكاميرون حق اتخاذ القرار بالضربة العسكرية من هذا النوع المحدود دون الرجوع للكونغرس أو مجلس العموم تحت عنوان الأمن القومي وقد عنّونها أوباما “إنه أمن قومي أمريكي”. إذا ما السبب الخفي والحقيقي لهذا التردد والرغبة بالعودة إلى تفويض من الكونغرس الأمريكي ومجلس العموم البريطاني؟

    تختلط الكثير من الأسباب في صعوبة هذا القرار عند الإدارة الأمريكية، ما بين المصالح الاستراتيجية لأمريكا والموقف الروسي الصيني الحازم ضد الضربة وضعف الحماس الألماني والأوسترالي بل حتى إن حماسية الفرنسيين والبريطانيين مختبئة خلف القيادة الأمريكية “إن أقدتم، تبعنا”. والسؤال الأهم هل فعلا أمريكا تريد إسقاط النظام السوري؟ بالواقع كل مواقفها منذ بداية الثورة السورية تقول إنها تريد التحكم بسورية ولا يمكنها بنفس الوقت التخلي عن النظام السوري الحالي، وهذا نقاش آخر خارج هذا المقال. هنا نريد التركيز على حقيقة غائبة ومغيّبة عن الرأي العام السوري والعربي والعالمي بسبب الطريقة السقيمة للإعلام في تناول هذه الأزمات، فهو يضيّع لب وجوهر السؤال بنقاشات ومناورات فارغة حول ماذا قال الرئيس الأمريكي وكيف عبس وابتسم، وكيف رد الروسي بوتين بهدوء أو عصبية، وكيف يشعر بشار الأسد قبل نومه.

    السؤال الحقيقي الذي أخاف أوباما برأيي والذي لم يعلنه حتى للشعب الأمريكي هو سؤال تم توجيهه من قبل الاسوشيدت برس للخبير الفرنسي بالسلاح الكيميائي رالف تراب Ralf Trap “هل هناك أي طريقة نضمن بها تدمير كامل لمخزن سلاح غاز الأعصاب دون إرسال جنود متخصصين في عملية العزل والتحويط والتدمير الشامل على الأرض؟” وكان جواب تراب “بالواقع لا”. هذا السؤال كان جزء من ضمن استشار لخمسة خبراء غربيين في السلاح الكيميائي.

    مجموع الاستشارات هذه أكد عدم وجود أي ضمان أن تفجير هذا النوع من مخازن السلاح الكيماوي لن يؤدي لحدوث كارثة تسمم واسعة النطاق قد تخلف عددا هائلا من الضحايا خاصة وأن مخازن النظام السوري قريبة من مدن كبرى مثل دمشق وحمص وحماة. وقد أجمع الخبراء أنه بأفضل الظروف وبفرض دقة المعلومات الأمريكية الاستخباراتية فعلى الأقل من 20% إلى 30% من هذه المواد الكيماوية بما فيها غاز الأعصاب ستتسرب للمحيط.

    وتاريخيا فقد حصلت مرة واحدة بالعراق، عندما فجر التحالف من الجو المخزن رقم 13 بالمثنى عام 1991 حيث كان يحوي 2500 راس صاروخي مُذخر بغاز السارين. وبعد عشرين سنة ما زال هذا الموقع موقع موت لا يمكن للأحياء دخوله. حسب تقرير منظمة حظر السلاح الكيميائي لعام 2012.

    مما يزيد من صعوبة التفجير من الجو، أن المطلوب هو تحديد دقيق بهامش خطأ لا يتعدى الأمتار عن مكان تخزين السلاح الكيميائي ضمن المخزن نفسه ودرجة حرارة معينة وسرعة رياح محددة ودقة كبيرة في تقدير التدريع الاسمنتي حول المخزن، بحيث يصيب الصاروخ المجهز ضد السلاح الكيماوي الموقع بدقة كافية ويشتعل حسبما هو مفترض نظريا ليصل لدرجة حرارة 2100 درجة. كلها عوامل تبدو اقرب للمستحيل في تحديدها والجزم بها في سورية الآن. أي كما وصفتها المخابرات الأمريكية ليست “قفزة متقنة تضع الكرة بالسلة بكلتا اليدين Slam Dunk”.

    سوزان سريكين مدير منظمة فيزيائيون من اجل حقوق الإنسان قالت: “هذه العملية تحمل مخاطرة نشر المواد السامة في البيئة المحيطة بما فيها غاز السارين الذي يزيد من خطورته أن بلا لون ولا رائحة، إن هذا رهيب”.

    السؤال الاستتباعي: هل يمكن للنظام السوري بخبرة روسية أن يقوم بخدعة ما؟ بكل بساطة هناك عدة خدع ممكنة وسهلة. حرك مكان التخزين بضعة أمتار. أو عند وصول إنذار الإطلاق الصاروخي إفتح سقف المخزن لأن الرأس الصاروخي الأول معد لتحطيم الحاجز الاسمنتي وليس لتوليد حرارة عالية لصهر المواد الكابحة للمواد الكيمايئة السامة، يعني خداع للآلة. أو ضع بضع رؤوس كيميائية قرب صواريخ السكود بعيدة المدى التي قد تكون هدفا أو في الفروع الأمنية الكبرى بعد اخلائها إلا من المساجين. وعندها فالكارثة الإنسانية بمقتل عشرات الآلاف ستوقف الاستنزاف العسكري في سورية لكن بلًوْم الامريكيين والغرب وانتصار النظام وروسيا.

    النظام السوري بهوسه بالسلطة ولجوءه منذ البداية للحل الأمني العسكري العنفي ولجوءه لتصعيد العنف ضد الشعب السوري أوصل سورية لتصبح في هذه الحالة المأساوية التي تتقاسمها أنياب الطامعين من الشرق والغرب، وما يزيد مأساوية الوضع أن المعارضة السورية التي تصدت للمشهد الإعلامي وجزء كبير منها بدأ بكل سذاجة أو شماتة يعد حقائبه لتسلم مناصب قد يخلفها بشار الأسد وراءه، لم يسأل السؤال الأساسي ولم يشرح للشعب السوري المطحون بين نيران قوات النظام وبين نيران كتائب الإسلاموية النفطية ماذا يعني “ضرب مخزن سلاح كيماوي”. بل الأشد كارثية وألما أن كل الإعلام العربي وكتّابه تجاهلوا هذ السؤال المصيري وصوّروا الأمر على أنه إما “نزهة مؤلمة للتخلص من بشار ونظامه” أو أنه “حملة صهيونية ضد الممانع بشار ونظامه”. وما بين النارين المتعصبتين ضاعت الحقيقة على الإنسان السوري. لقد صوّر الإعلام العربي ومعه كثير من المعارضة السورية على أن الموضوع ببساطة “حسنا، النظام السوري قتل وتسبب بقتل ما يزيد عن 100 الف سوري، فإن أدت الضربة الأمريكية لمقتل 10 آلاف أخرى أو بضع عشرات من الآلاف في مقابل الخلاص من النظام، فأهلا وسهلا بالمجاهد الأمريكي في سبيل الله وسورية أوباما”. هذا التبسيط والتسطيح والاستهتار بحياة الإنسان لا يقل شرانية واعية أو غير واعية عن شرانية الإعلام السوري النظامي ونيرانه.

    المراجع:

    1- http://www.military.com/daily-news/2013/08/30/experts-dont-bomb-syrian-chemical-weapons-sites.html

    2- http://www.usatoday.com/story/news/nation/2013/08/29/syria-chemical-weapons-attack/2723251/

    3-http://abcnews.go.com/Politics/wireStory/ap-sources-intelligence-weapons-slam-dunk-20102965

سوريا والسلاح الكيماوي/ فايز سارة

أعادت مجزرة الغوطة الأخيرة، والتي استخدم فيها السلاح الكيماوي ضد مواطنين عزل وأبرياء، إلى الواجهة موضوع السلاح الكيماوي في سوريا وفي المنطقة عامة، ولم تكن تلك العودة من خلال وقوع أعداد كبيرة من الضحايا على أهمية ذلك باعتباره كارثة إنسانية حلت بسوريا، بل أيضا بما جرته تلك الجريمة من تداعيات سياسية وعسكرية على سوريا والمنطقة والعالم. إذ فرضت على العالم أن يتوقف عن ضعف اهتمامه بما يجري في سوريا من عنف يقوم به النظام، وما تسبب في قيامه من عنف مقابل، أو عنف بالوكالة عن النظام، تقوم به جماعات متطرفة، تلبس قناعا دينيا أو قوميا.

كما فرض استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة على الحس الإنساني والأخلاقي، وكذلك على كل من الحس الأمني والسياسي، أن يستيقظ من غفوته، التي طالت واستغل النظام السوري طولها للمضي في أبشع عملية قتل وتدمير وتهجير أصابت بلدا وشعبا في العقود الستة الأخيرة، والتي كانت مجزرة الغوطة واحدة من محطاتها، باعتبارها شكلا من أشكال الإبادة الجماعية.

وانعكست الصحوة الأخيرة في ثلاثة مظاهر أساسية، أولها نهوض للرأي العام تعاطفا مع ضحايا المجزرة من جهة، ودعوات للوقوف في وجه النظام الذي استخدم السلاح الكيماوي، والثاني تحركات سياسية لمعالجة الوضع المتفاقم في سوريا جراء استمرار سياسات النظام وتصعيده لحرب القتل والتدمير والتهجير ضد السوريين، والأمر الثالث الذهاب نحو ضربة عسكرية لمراكز القوة والسيطرة لدى النظام الحاكم، يكون في أهدافها معاقبته، ومنعه من تكرار البهجمات الكيماوية، وإجباره على الذهاب ضعيفا إلى تسوية سياسية في البلاد.

وكما هو واضح في كل مظاهر الصحوة، فإنه لم يتم طرح مستقبل السلاح الكيماوي في سوريا، الأمر الذي قد يعني إمكانية استخدامه مجددا، إذا جاءت ظروف تقارب أو تتماثل مع ظروف استخدامه الحالية من قبل النظام، وربما تجري استخدامه من قبل جماعات متطرفة بهدف تحقيق أهداف وغايات تخصها على نحو ما فعل النظام، وقد استخدم هذا السلاح أكثر من ثلاثين مرة في العامين الأخيرين، سقط بنتيجتها آلاف الضحايا في العديد من المدن والقرى السورية، قبل أن نصل إلى مجزرة الغوطة، وهو أمر مؤكد وفق تحليلات مخبرية، تمت في العديد من الدول بينها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ويفرض هذا الوضع في الأول من ضروراته إطلاق موقف سوري قوي وحاسم من السلاح الكيماوي باعتباره هدد ويهدد حياة السوريين ومستقبل بلادهم، وأنه كان كذبة كبرى صنعها النظام، تقوم على فكرة أن السلاح الكيماوي يشكل قوة ردع في وجه احتمالات العدوان الخارجي لا سيما الإسرائيلي على سوريا والسوريين، لكنه في الواقع أصاب السوريين دون غيرهم، وأن المخاوف من استخدامه ستظل ماثلة في حال توافرت قوة حاكمة تشبه السلطة الحالية وبيئة مناسبة، تقارب البيئة الإقليمية والدولية، التي سادت منذ انطلاق الثورة وحتى مجزرة الغوطة.

كما أنه لا بد أن يستند الموقف السوري ضد السلاح الكيماوي إلى المعطيات الدولية القانونية والسياسية، التي ترى فيه سلاح تدمير شامل، يقع في دائرة المحرمات، التي لا يجوز الذهاب إلى استخدامها، وهذا يفتح باب الربط ما بين السلاح الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى ومنها الأسلحة النووية، التي لا بد أن يكون للسوريين موقف معارض لها خاصة لجهة وجودها لدى إسرائيل، التي تحتل أرضا سورية، وقد شردت معظم سكانها، وجعلت بعضهم تحت الاحتلال، وسعت إلى فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، ولا بد أن يعارض السوريون المشاريع النووية العسكرية في المنطقة على نحو ما هو عليه حال المشروع الإيراني، خاصة في ضوء تدخل إيران في الشؤون السورية ولعبها دور الداعم الرئيس السياسي والعسكري والاقتصادي للنظام السوري في معركته ضد الشعب خاصة من خلال إرسالها الخبراء والجنود والأسلحة والذخائر، ودفعها أنصارها من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية للقتال إلى جانب النظام في سوريا.

إن الجوهري في موقف السوريين في مواجهة السلاح الكيماوي وكل أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن يقوم على منع تصنيعها وحظر تداولها، ومنع استعمالها، ثم معاقبة كل من يأمر باستعمالها، أو يكون في عداد منفذي الهجمات، بل من الضروري أن يذهب الموقف السوري إلى المساعدة في حملة دولية قوية وفعالة خاصة من موقعهم كضحايا من أجل حظر أسلحة الدمار الشامل وضمنها السلاح الكيماوي.

الشرق الأوسط

تفاعل الكيماوي الاسدي ايديولوجيا وسياسيا/ غسان المفلح

دمشق تحمل بؤسها، بسلطة كيماوية مجرمة، وبعض من طبقة تجار ومشايخ انتفعوا حتى من دم السوريين، حلب مثلها، في تحالف استمر منذ أكثر 40 عاما، جعل دمشق لاتشبه نفسها ولا تاريخها أبدا. بعد ان قام بشار الكيماوي بضرب غوطة دمشق في الكيماوي، وراح ضحية الضربة اكثر من 1450 ضحية بينهم أكثر من 400 طفل، جاءت ردود الفعل الدولية، على جريمة الابادة الاسدية ضد الانسانية، باهتة نوعا ما ماخلا الموقف الامريكي والفرنسي هذا الموقف الذي يريد توجيه ضربة عسكرية عقابية، هذا الموقف إن تم تنفيذه سينقل الوضعية السورية إلى حقل جديد من تعاطي المجتمع الدولي معها، رغم انقساماته، مع ذلك لا بد من أن نلاحظ، ان كلمة باراك أوباما أمس كان لها مدلول واحد، أن الملف السوري كله صار الآن بيد امريكا، لا روسيا ولا الصين ولا الاتحاد الاوروبي، إلا من يريد من الدول الانضمام للملف بقيادة أمريكا، وهنا لابد من ملاحظتين الاولى تتعلق بالحشد القيادي، داخليا حل الكونغرس الامريكي مكان مجلس الامن الذي وصفه اوباما بالعاجز، وخارجيا تحشيد دولي لهذه القيادة الجديدة للملف، أم سوريا تجهيز عملية انتقال السلطة طالت أم قصرت، أمريكا بعدما وصل الوضع السوري إلى ماوصل إليه من ارتكاب جرائم ضد الانسانية من منظور اوباما، ووصفه للنظام انه ديكتاتور يقتل شعبه واطفاله، وكان لها دورا في وصول الوضع إلى هنا، بعدما تركت الديكتاتور وحلفاءه يقتلون الشعب السوري لاخماد ثورته وتدمير البلد، ظنا منها ان الثورة يمكن ان تنتهي دون تنحي الاسد أو ان يتقدم الاسد بمبادرة لنقل السلطة داخل نفس النظام، لكن هذا لم يحدث واسخدم الكيماوي، راميا بعرض الحائط التعهد الذي تقدم به لها بعدم استخدامه، كل هذا وغيره كانت امريكا خلالها، تجمع وتلم كل اوراق الملف السوري وهذا ما حصل، وعبر عنه في خطاب اوباما بالامس. لكن ما يهمني هنا هو كيف تفاعل هذا الكيماوي داخليا عموما وعلى مستوى المعارضة. يقوم بعض الناشطين بتصفح صفحات الموالين للاسد، فكانت ردود افعالهم في اليوم الاول، فرحة مبتهجة، والاهم أنها مقتنعة أن بشارهم هو من ضرب الغوطة بالكيماوي! لأنهم يعرفونه من خلال خدمتهم له. اضافة إلى رغبتهم العميقة في ابادة الشعب السوري( كآخر) أما بقية الشعب السوري فلاداعي بالنسبة له ليناقش من قام بهذه الضربة الكيماوية، لأنه اختبر هذه الطغمة الفاشية وشبيحتها وعسكرها طوال عامين ونصف. معنى ذلك غالبية عظمى من السوريين ثورة وموالاة متاكدين ان من ضرب الكيماوي هم آل الاسد. حتى جاءت بعض اصوات من تدعي أنها معارضة، هيئة التنسيق وحواشيها، لتشكك بالضربة الكيماوية، وتحيل الموضوع للجنة التحقيق الاممية. هذا التشكيك اتى منذ اللحظة الاولى وقبل ان تعلن الدول الكبرى موقفها. بالتالي الموضوع لا علاقة له بالخوف من ضربة امريكية محتملة، بل له علاقة بجوهر موقفهم منذ أول يوم في الثورة وحتى اللحظة. وبدأوا على لسان كبار رجالات الهيئة بالتشكيك بمن استخدم الكيماوي. حتى وصل الأمر برئيسهم في الخارج ان يتهم القاعدة بالموضوع، وان الصواريخ هي من صناعة محلية. كيف تحيل الامر للجنة التحقيق الاممية، وانت تتهم القاعدة وقد حسمت الموضوع بشكل نهائي، باعتبار عندك لجنة تحقيق خاصة!!؟ كما جاء على لسان رئيسها العام ومدير مكتبها الاعلامي أيضا، التشكيك واحالة القضية للجنة التحقيق الاممية. هؤلاء إن لم يكن جميعهم على الاقل رئيسهم في الخارج، يعرف أنه من المستحيل على القاعدة او غيرها أن تمتلك صواريخا برؤوس نووية، باعتباره كان لصيقا بهم اثناء ما كانت قناة الجزيرة تستضيفه كضيف دائم ليدافع عن القاعدة في العراق ويسميها مقاومة. هنا التفاعل الكيماوي اوصل هؤلاء إلى مأزق أخلاقي يقتضي رفض أدانة السلطة بالكيماوي، لأنهم بذلك لا يعودوا قادرين على الاستمرار بنفس النهج والخطاب، انفضاح المستور المصلحي لدى بعضهم والنفاقي لدى بعضهم الآخر والطائفي لدى القسم الاخير، المشكلة تكمن ببعض الاسماء التي تعمل بنوايا صادقة، لكنها فشلت في الهيمنة الادبية على قرار الهيئة، كيوسف عبد لكي وعبد العزيز الخير المعتقل وبعض الشباب اليساري، وعلى وقف تصريحات مفكرهم الحقوقي، والتي هي أهم اسباب الانشقاقات داخل الهيئة والانسحابات. كيف كيماوي ويعرف المفكر الحقوقي أن هذه جريمة ابادة ضد الانسانية!! ويبقى يتحدث عن جيش وطني ونظام قابل للحل السياسي، حل سياسي مع ضارب كيماوي( ما بتزبط يعني كبيرة كتير بحقه كمفكر حقوقي).

الائتلاف بغض النظر عن بعض المخلصين فيه، يتبع لمن شكله من جهة، ولعدم توحد الجهات التي شكلته. فكان عاجزا عن متابعة مهامه. واتضح من خلال هذه الازمة، وتواطؤ بعض قيادات المجلس الوطني، ان تشكيل الائتلاف كان احد غاياته، تحويل المجلس إلى كتلة مهملة، صوتية، وشرذمة التمثيل السياسي للثورة.

لماذ امريكا تساعد هذه المعارضة كلها؟

(يوجد في سورية معارضات، معارضة لا تريد التدخل حرصا على النظام بغض النظر عما تقوله، ومعارضة لا تريد التدخل لتبقى طاهرة الذيل، بغض النظر عما تصرح به ولا تعمل عليه من جهة، وبرمجة للجهات الممولة والداعمة من جهة أخرى..وربما حفاظا على وهج ما كان يمكن أن يكون لها لولا هذه الجهات…فلماذا تتدخل أمريكا أو غير أمريكا؟ والقسم الباقي الاسلامي الله يهدي البال، مبعثر وبعضهم يهمه سقوط مرسي أكثر من الثورة السورية…. سلطة مجرمة وشعب اسطوري ووحده من يجعل كل هؤلاء جميعا ولا استثني نفسي اقزاما وعاهات وامعات…)

شعبنا بالنهاية سينتصر طال الزمن أم قصر..لاننا امام طغمة أثبتت أنها لاتنتمي لا هي ولا من يواليها لهذا الشعب..

لماذا استخدم النظام السلاح الكيماوي؟/ ميشيل كيلو

ثمة جواب بسيط ومباشر عن هذا السؤال هو باختصار: لأن الإجرام هو جوهر وروح النظام الأسدي، الذي حكم سوريا بمعادلة قالت بكل صراحة: أحكمكم أو أقتلكم. واليوم، وبما أن الأسدية لم تعد قادرة على حكمهم، فإنها تقتلهم. هذا الجواب لا يمكن أن يشكك في صحته إنسان يتابع ما جرى في سوريا منذ خمسين عاما إلى اليوم، رأى خلالها كيف رفض قادة نظامها إجراء أي مراجعة لسياساتهم الأمنية/ العسكرية، رغم اتضاح خطئها وقصورها عن معالجة الواقع منذ بدء انتفاضة الشعب السوري منتصف شهر مارس (آذار) من عام 2011. تمسك قادة السلطة بإجرام الأسدية لأنه يعبر عن طبيعتهم، والدليل ما قدمه هؤلاء من دعم مطلق لبشار بدل الانقلاب عليه، وتأييد نهجه الانتحاري عوض العمل على تغييره بما لديهم من خبرة في الحكم، وما يلاحظونه من اختلاف بين الثورة وأي وضع سبق للنظام أن واجهه قبلها. سار هؤلاء وراء رئيسهم الأحمق دون اعتراض أو تردد، وها هم يواصلون سيرهم وراءه نحو الهاوية، رغم أنهم تولوا السلطة قبل ولادته بزمن طويل، وتعاملوا خلال خمسين عاما مع ملابسات الواقع السوري ومشكلاته.

إلى ما سبق، هناك أيضا جواب غير مباشر يتعلق بالوضع الراهن الذي بلغه الصراع ضد الأسدية، التي بادرت قبل ثلاثة أشهر إلى شن هجومها الاستراتيجي الخامس ضد الشعب والجيش الحر، وسط تطبيل إعلامها وتزميره، وإطلاق حملة من الأكاذيب حولته إلى انتصار مفصلي سيقلب الأمور رأسا على عقب، بدءا من سقوط القصير، مرورا باستكمال الحشد العسكري الكبير حول حمص، وصولا إلى إسقاط المدينة البطلة ومن ثم تطويق جبل الزاوية واستعادة دير الزور وحلب بمعونة حزب الله. هذه الحسبة لم تتحقق، في حين انقلب السحر على الساحر بعد هزائم النظام في خان العسل ومطار منغ العسكري والساحل، وبروز ظاهرة أرعبت النظام هي انهيار غير مسبوق في مستوى جيشه القيادي، الذي بقي متماسكا طيلة عامي الصراع وأبقى الجيش موحدا. في خان العسل ومنغ والساحل، فر الضباط قبل الجنود، وبدا أن مرحلة جديدة تنشأ، تؤذن باحتمال وقوع انهيار سريع ومباغت في النظام نفسه.

أمام هذا الاحتمال، فكر من يتولون إدارة الحرب ضد الشعب بضربة تفضي بالأحرى إلى انهيار المجتمع الثائر في منطقة دمشق، على أن تكون قوية إلى درجة تؤدي لانهيار الجيش الحر نفسه، وبالتالي إلى إطالة عمر النظام وإعطائه ما يكفي من وقت لترميم معنويات ضباطه المحطمة. يفسر هذا همجية الضربة، التي تقول معلومات أتت من الداخل أن عدد ضحاياها قد يصل إلى عشرة آلاف ضحية، وتؤكد أنها قضت بالفعل على جزء مهم من مجتمع الغوطتين، جعل النظام إبادته ضروريا لنجاح هجوم عام ضد الجيش الحر، يستعيد الغوطة الشرقية بصورة خاصة، التي ظلت عصية على الإخضاع رغم تجويعها المنهجي طيلة قرابة تسعة أشهر، ويقضي على من حرروها ويمثل حضورهم فيها تهديدا للنظام، تزيده خطورة وراهنية ظاهرة انهيار معنويات وأداء ضباطه.

لم تفض الجريمة إلى انهيار مجتمع الغوطتين، رغم ما ألحقته من خسائر جسيمة بالسكان وببعض وحدات الجيش الحر المرابطة في دوما ومنطقتها بصورة خاصة، وبطواقم الخدمات الطبية والإغاثية، التي اتهمها الروس بشن الضربة الكيماوية (ربما فعلت ذلك للقضاء على نفسها ولإبادة حاضنتها الشعبية!). لقد أظهر الشعب تماسكا مذهلا وقدرة خارقة على تحمل الألم والخسائر، بينما ذهل العالم بأسره من طابع الضربة الانتحاري، الذي ستكون له نتائج وخيمة على النظام، أقله لأنها ستجبر المعارضة على تصحيح أخطاء تراكمت لم يفد أحد منها غير السلطة، يعني تصحيحا إجبار الخارج على مراجعة حساباته ومواجهة جرائم الأسدية، التي أثارت الرعب في المنطقة برمتها، وأكدت أن مخاطرها تتجاوزها إلى العالم وأنها تهدد أمنه وسلامه.

لن تفضي جريمة الغوطتين إلى وقف انهيار حلقة النظام القيادية، ويرجح أن تلعب دورا حقيقيا في تسريعه. هذا ما أظهره تهافت هجوم الجيش الأسدي على المنطقة، بعد قصفها بالسلاح المحرم دوليا.

تقرب هذه الجريمة المروعة سوريا من لحظة حسم صار مؤكدا أنها ستنتهي بسقوط الأسدية وانتصار الشعب، وأن هذه النتيجة ستتحقق من الآن فصاعدا بيد السوريين، وأنها تصير أكثر فأكثر في متناول أيديهم!

الشرق الأوسط

ما وراء “الضربة” المحتملة لسوريا/ هوشنك بروكا

كلّ المؤشرات تقول أنّ “ضربة عسكرية” وشيكة لسوريا باتت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع. “الضربة” بحسب مصادر القرار الأميريكية والأوروبية لن تستهدف الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعني ليس في نية القائمين على تخطيطها إسقاط النظام، بقدر ما أنها ستضرب “بنكاً” من الأهداف العسكرية الإستراتيجية لجيش النظام. هدف “الضربة” الأساس، هو إذن، قصقصة أجنحة النظام، الذي حقق في الآونة الأخيرة تقدماً ملحوظاً على الأرض، على أكثر من جبهة.

لكنّ السؤال ههنا، هو: هل ستضرب قوات “الحلفاء” بالتوازي مع ضربها لقواعد الجيش النظامي، أهدافاً للجماعات الإرهابية، العدو “الوجودي” اللدود للغرب، الداخلة مع “الجيش الحرّ” في تحالف استراتيجي، بإعتبارهم أهلاً ل”الثورة السورية”، ومنهم وفيهم، كما تقول كلّ تصريحات الصف الأول من أهل المعارضة السورية، والتي لم تسمِّ هذه الجماعات حتى الآن بإسمها الحقيقي: الإرهاب؟!

والسؤال الأهم، هو: ما مصلحة سوريا والسوريين الآن في “ضربةٍ عسكرية”، جاءت متأخرةً جداً، لن تستهدف إسقاط النظام، الذي يعيث في الأرض السورية، فساداً وقتلاً وتدميراً وتهجيراً منذ 29 شهراً؟

كان من الممكن لهذه الضربة، فيما لو تمّت حين كان الصراع في بداياته، أن تجنّب سوريا والسوريين من هذا الدم الكبير، والخراب الهائل، والحرب الطائفية التي بدأها النظام، لكنها لن تنتهي بسقوطه. إلا أنّ الضربة أُجّلت، لسوء حظ السوريين، من دم سوريّ إلى دم آخر، ومن “مجلس أمن” إلى “مجلس أمن” آخر، ومن عاصمة “صديقة” لسوريا، إلى عاصمة “صديقة” أخرى، ومن معارضة سورية إلى معارضة سورية أخرى.

الآن، “بعد خراب البصرة”، على حدّ قول المثل العراقي، تذكّر الغرب فجأةً، ومعه المعارضة السورية بالطبع و”أمراء” حربها، الذين رفضوا على طول “الثورة السورية” وعرضها، أيّ تدخل عسكري في بلادهم، تحت أكثر من حجة وذريعة “وطنية”، أو “قومية”، أو “عقائدية”.

الهدف الأساس من الضربة “المحدودة”، كما يبدو، إذن، ليس رأس النظام، وهو الأمر الذي لن يقبل به حلفاؤه بأي حال من الأحوال، سيما وأن الضربة ستتم خارج إطار مجلس الأمن وقراره، وإنما هو إضعافه وشلّ قدراته العسكرية وتدمير ترسانته الكيماوية، لمنع امتداد الأزمة السورية إلى المنطقة، والحؤول دون انتقال الحريق السوري إلى الدول الجارة، وعلى رأسها إسرائيل، التي هي خط أحمر غربي.

في حال استثناء رأس النظام من “بنك أهداف” الضربة العسكرية الغربية القادمة، وهو الأرجح، فهذا سيعني أن النظام باق في “سوريته العلوية”، بمواجهة سوريا المعارضة “السنية”، وهو الأمر الذي سيؤدي بالنتيجة إلى إدامة الصراع وتأجيله، في سوريا المؤجلة أصلاً، إلى أجل غير مسمى، أي إلى أن يتمكن طرف من هزيمة الطرف الآخر، وهو أمر لا يزال مستبعداً، في الأمد القريب على الأقل، كما تقول الحقيقة السورية الضائعة بين كذبتين: كذبة النظام وكذبة المعارضة.

النظام السوري، رغم مرور حوالي 29 شهراً على حربه ضد شعبه، واستنزاف قواه، إلا أنه لا يزال يملك في جعبته الكثير من الأوراق للعب بها. فله في “مجلس الأمن” روسيا والصين، وله في محيطه إيران التي لن تتنازل عنه بسهولة، و”العراق الشيعي” وحزب الله، ناهيك عن توحد الطائفة العلوية في الداخل السوري معه، واصطفافها خلفه، بعد نجاحه الباهر في تحويل الصراع داخل سوريا من صراع بينه وبينه شعبه، إلى صراع إقليمي طائقي سني علوي/ شيعي، زد على ذلك سقوط المعارضة السورية في فخه، قبل سقوطه تحت أقدام “الثورة”، التي تحوّلت بدورها إلى شيء من الماضي السوري، أو شيئاً من التاريخ الحزين والمكلف جداً لسوريا.

كان من الممكن للسوريين أن يفرحوا لهكذا ضربة عسكرية، كتلك التي أطاحت بديكتاتور ليبيا مثلاً، أو كتلك التي أطاحت قبله بديكتاتور العراق عام 2003، فيما لو تمت قبل سنتين مثلاً، حينما كان النسيج السوري الإجتماعي، وموزاييكه الإثني والقومي والديني بألف خير، حيث كانت “الثورة السورية”، ثورةً لعموم الشعب السوري، عرباً وأكراداً وأشوريين وسريان وتركمان وجاجان، مسلمين سنة وعلويين وشيعة واسماعيليين ودروز ومسيحيين وإيزيديين، دينيين ولادينيين.

كان لهم أن يفرحوا لتدخل غربي “رحيم”، كهذا، في بلادهم، لولا سقوط سوريا في الحرب الطائفية الرجيمة، التي أصبحت المعارضة السورية وكتائبها المسلحة فيها، قليلاً أو كثيراً، شريكاً للنظام، الذي يقتل سوريا بسوريا، والشعب بالشعب، والهوية بالهوية، والدين بالدين، ربما تيمناً بالقاعدة المصكوكة حمورابياً: “الشعب بالشعب، والدين بالدين، والبادي أظلم”!

سوريا سقطت، قبل أن يسقط النظام، وسوريا ستسقط بعد سقوط النظام أيضاً، لسبب بسيط، باتت تعرفه أميركا وأوروبا، ويعرفه كلّ العالم، وهو غياب البديل الحقيقي؛ أيّ غياب مشروع سوريا مدنية علمانية ديمقراطية تعددية، يقوم على أساس المواطنة واحترام حقوق الإنسان والمرأة والأقليات.

النظام سيسقط، ربما ليس بهذه الضربة، وإنما لاحقاً في جولات عسكرية أخرى، لكنّ السؤال ههنا، هو: من سيُسقِط من بعده، “المعارضة” و”جيوشها” وأمراء حربها، التي لا تقلّ في الكثير من تفاصيلها وسلوكياتها “تغوّلاً” من تغوّل النظام وجيشه؟

سببان أساسيان، على ما أذهب، يكمنان وراء سقوط سوريا، قبل أن يسقط النظام:

الأول: فشل المعارضة السورية، في أن تثبت نفسها، كمعارضة وطنية، تمثل مشروعاً وطنياً ديمقراطياً مدنياً شاملاً، وسقوطها في فخ النظام والإرهاب، الذي لا يزال يسمى في أفعال الجماعات الإرهابية ك”جبهة النُصرة” و”الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”حركة أحرار الشام” وأخواتها القاعديات، ب”المقاومة”، تحت ذريعة أن كلّ من يوجه بندقيته إلى النظام، هو شريك في “الثورة السورية”!

الثاني: تخاذل المجتمع الدولي للشعب السوري، وتضحيته به على مذبح المصالح الدولية والتجاذبات الإقليمية والدولية في المنطقة، ناهيك عن التدخل الإقليمي في الشأن السوري، الذي زاد من طين الصراع بلّةً، والذي حوّل سوريا إلى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية قديمة جديدة، على حساب الشعب السوري.

الشعب السوري، دفع فاتورة هذه الحرب الطائفية المجنونة الدائرة بين كذبتين، كذبة “سوريا النظام” وكذبة “سوريا الثورة”، الكثير الكثير، من دمه وماله وعرضه وخبزه وحريته وكرامته وأمنه ودينه ودنياه، لكنّ الأرجح أن خسارة سوريا لسوريا، والسوريين للسوريين، لن تقف بعد هذه الضربة، وإنما ستستمرّ إلى ما بعدها وربما إلى ما بعد بعدها، إلى أن تنهي سوريةُ سوريةَ، ويسقط الشعبُ الشعبَ، ليجلس “مجلس الأمن” من ثمّ على جثة سوريا، علّه ينفخ الروح فيها من جديد!

الواضح من وراء هذه الضربة العسكرية، هو أنّه لن يكون للشعب السوري بكلّ قومياته وأديانه وطوائفه فيها أيّ أمام على المدى القريب، في ظل ما تشهده سوريا من سقوط مستدام وضياعٍ أكيد بين وراءين: “وراء” النظام و “وراء” المعارضة!

ايلاف

قراءات الضربة الأمريكيّة: موقف/ ياسين سويحة

تمهيداً، من الجيّد لو كفّ أصحاب الرأي عن استخدام مقولة “قرع طبول الحرب” في حديثهم عن احتمالات الضربة العسكرية الأمريكيّة، فما يُسمع في سوريا منذ عامين ونصف ليس عزف نايٍ بل طبول حربٍ مُطلقة ووحشيّة شنّها النظام السوري ضد محكوميه عقاباً لهم على محاولتهم التخلّص من بنيته العنفيّة-الإفقاريّة، المزمنة والأبديّة. أيضاً يُشكر أولئك الذين سوف يكفّون عن القول بأن “سوريا ستُضرب”، ليس لأن الضربة لن تُصيب “سوريا”، بغض النظر عن قصد القائل، بل ﻷن سوريا تُضرب يومياً، بعنف متفاوت التوتّر، منذ صبيحة الثامن من آذار عام 1963.

هل ستضرب الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيّون؟ ﻻ أدري. يبدو ذلك من المُرجّح، وربما تُزال هذه الحيرة قبل الانتهاء من كتابة هذه السطور حتّى. ما هي قوّة هذه الضربة المُحتملة وعمقها وغاياتها السياسيّة والعسكريّة؟ أُرجّح أنها عقوبة على الإخلال بتعهدات تطمينيّة قُدّمت من قبل النظام للولايات المتحدة وحلفائها (وأخص بالذكر إسرائيل)، وتخصّ نيّة الولايات المتحدة بالحفاظ على هيبتها كـ”شرطي العالم” بعد اهتزازات متلاحقة، وﻻ علاقة للأمر بمشاعر إنسانيّة تجاه شهداء مجزرة الغوطة المروّعة، والذين يُشكّلون حوالي 1% من مُجمل شهداء سوريا منذ آذار 2011، لكن لن أكرر اللازمة الغبيّة حول أن “الولايات المُتحدة ﻻ تتحرّك إلا من أجل مصالحها، وليس لخير الشعوب”. إعادة اختراع الدولاب فعل عبثي يخلو من لذّة ومتعة أفعال عبثية أخرى كثيرة.

بالنسبة لي، أرفض الفكرة كمفهوم. لم أكن يوماً مع تدخّل عسكري أمريكي في سوريا. طالبتُ العالم مراراً بأن يتحمّل مسؤولياته تجاه المذبحة السوريّة، وأقصد عزل النظام وقطع العلاقات معه وخنق آلية القتل الواردة إليه يومياً، بالإضافة لتحمّل المسؤولية الإنسانيّة تجاه ضحايا عصابات النظام المجرمة، وجيشه الأكثر إجراماً، والمسؤولية السياسيّة تجاه دعم حراك شعبي عريض من أجل قضيّة عادلة، بغض النظر عن سلميّة الحراك أو تسلّحها. هذا ما لم تفعله لا الولايات المُتحدة ولا غيرها من القوى العظمى، ولن أنسى أن لها جميعاً، برفقة روسيا والصين، دورٌ خبيث في إنعاش النظام سياسياً عبر تغطيّة المُجريات وتعفينها باسم “البحث عن حلّ سياسي” ليس إﻻ بازار مصالح يلتقى، يا للصدفة، دوماً عند “الحفاظ على الجيش والأجهزة الأمنيّة”، أي جهاز الإجرام الفاشي الدموي، بالإضافة إلى عبارات مُبهمة حول “عدالة انتقاليّة” قد تُشبه أشياءاً كثيرة، لكنها ﻻ تُشبه إعادة المظام لأصحابها ومعاقبة الظالمين. ستضرب الولايات المتحدة وحليفاتها بعد تعطيلٍ مُستمر لإيصال ملف سوريا إلى محكمة الجنايات الدوليّة، مثلاً، وهذا التعطيل كان يُبرر بضرورة ترك باب مفتوح للمُسايسة مع الأسد، بدل تحويله لمُلاحق في جميع أنحاء العالم. النظام السوري ابتزّ المجتمع الدولي بشكل متواصل لأنّه يعرف أن إسقاطه عسكرياً غير مُمكن وغير مرغوب: غير مُمكن ﻷن تدخلاً بحجم إسقاطه يعني عراقاً جديداً، في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة للهرب من كلّ المستنقعات العسكريّة، وغير مرغوب ﻷنّ المجتمع الدولي (إقرأ: الولايات المُتحدة) ليس بوارد إجراء تجارب عمليّة للبحث عن بديل في بلدٍ كسوريا. إسقاط النظام كان ممكناً من باب دعم نزيه لأدوات الثورة السوريّة ومُحاصرة النظام وحلفائه، وهذا ما لم تفعله الولايات المتحدة، ولن تفعله.

لقد اعتاد النظام السوري، بميكيافيليته الرثّة، أن يُعاد تأهيله دولياً بعد كلّ “مُحاصرة” لهذا السبب أو ذاك، وما أسمعه العالم خلال عامين ونصف لم يكن إﻻ تركاً لباب إعادة التأهيل مفتوحاً مُقابل كذا وكذا وكذا. هل كان هناك “كذا” تخص حقوق وحرّيات السوريين في لحظة من اللحظات؟ اسألوا العراقيين عن نوري المالكي، والأفغان عن حميد قرضاي، واسألوا اليمنيين أيضاً عن رئيسهم الجديد، والذي لم أتعلّم اسمه بعد.

عدا ذلك، أدعو المُتحمّسين للضربة الأمريكيّة المُحتملة، من المُحللين وبناة الرأي، أن يُجنبوا أنفسهم خطر انتكاسة جديدة في التوقعات المُتسارعة: التصريحات المتتالية للمسؤولين الغربيين تؤكد أن الضربة، إن حصلت، ﻻ تبحث عن إسقاط النظام، ولا حتى عن التأثير الحاسم في موازين القوى على الأرض. هي، ببساطة، ضربة عقابيّة على الإخلال بالتزامات ما حول السلاح الكيماوي، وفقط. ربما تكون أيضاً للبحث عن تحريك المُجريات السياسيّة، وهنا ستكون المفارقة الأبرز، إذ أن المُستقبل قد يقول لنا أن الضربة العسكرية التي تلقاها النظام كانت الحرف الأول في دفعه الحقيقي نحو السياسة (بمعنى الريال بوليتيك المقيت).

قد يتساءل البعض: وهل كان الموقف مختلفاً لو كانت الضربة تقصد إسقاط النظام؟ الجواب القاطع هو النفي. بدايةً لأن إسقاط النظام من الجو مُستحيل فعلياً، وإسقاطه عبر البر شبه مستحيل تقنياً، ومُستحيل سياسياً. حتى لو حصل، فهو ليس انتصاراً للثورة، بل سنجد أنفسنا في سيناريو مُعاكس تماماً. لكن التفكير والتنظير في هذه الاحتمالات، غير المطروحة أصلاً، مجرّد ترف.

أتفهّم، وبعمق شديد، حماسة سوريين كثر لأن تتلقى ماكينة قتل النظام ضربة عسكريّة، فالطيران والمدفعيّة والصواريخ البالستيّة قد حوّلت الموت إلى العنوان الأبرز، وشبه الوحيد أحياناً، في روتين مناطق كثيرة من سوريا. لكنّ هذا الحماس مؤلم بشكل كبير لفرط تفاؤله: لا احتمالات لتعطيل مقدرة النظام على القتل بشكل ملموس. ربما تتسبب الضربة “التأديبية” هذه لفقدان بعض قدراته الجوّية والصاروخيّة، وهذا سيصب، مؤقتاً، لمصلحة المناطق البعيدة عن سيطرته في الشمال. لكن ماذا عن باقي المناطق السوريّة؟ أيّ ضربة كانت، ومهما كانت قوّتها، لن تنجح في تعطيل أدوات المجزرة: السلاح الفردي، المدفعيّة الصغيرة والمتوسّطة.. الخ. ماذا عن المناطق المُحاصرة بين مناطق نفوذ النظام العسكري؟ هل لدى أحد شكّ بأنها ستشهد مجازر فظيعة؟ هذا الكلام ليس بقصد الوقوع في فخّ عدم استهداف الظالم خوفاً من ظلمه على طراز “تعرفون أنه وحش فلماذا ثرتم عليه”، انما عرض لفكرة أن ضربة عسكرية لن تُنقذ، عددياً، مدنيين من براثن النظام.

كمسألة أخيرة، عليّ أن أقول أن ضربةً تأتي من قبل الذين حاصروا الثورة السوريّة بشراسة تفوق، أحياناً، حصارهم للنظام، ومنعوا عنها التسلّح، وحين دعموا بالفتات ساهموا بالشرذمة والتفرّق والاستزلام، ليست لدعم الثورة السوريّة، لأنها عملت على تعقيمها من أدواتها الحاسمة لتفرض نفسها، على النظام وعلى الثورة، كراعية للوضع السوري. لا شكوك لديّ أن منطلقاً كبيراً لاحتمالات الضربة موجودٌ في تصاعد وجود ونفوذ الجماعات الجهاديّة في البلاد، وفي شمالها خصوصاً، وهي جماعات وجدت ساحةً خالية أصلاً ﻷنها تمكنت، باستخدام شبكات تسلّحها وتمويلها الخاصة، من شغل المكان الذي لم تشغله قوى الثورة نتيجة حصار الغرب ومنعهم من التسلّح والتجهّز. الخطوة القادمة لضربة “تأديبية” على النظام، وهي خطولة قد تتأخر أو لا، لكنها قادمة برأيي، هي طلعات الطائرات بلا طيّار (درونز) على مناطق تواجد داعش، في استمراريّة للحرب الجنونيّة المُجرمة “ضد الإرهاب”، والتي نرى آثارها في اليمن وأفغانستان وباكستان على شكل مجازر يوميّة بحقّ المدنيين. لا يوجد ما يمنع، مستقبلاً، من أن نشهد تنسيقاً أمنياً وعسكرياً بين الجيش الأمريكي والجيش السوري الخارج من”الحلّ السياسي” المطروح، وليس هذا “الجيش الحر” بل جيش النظام الحالي، بعد قليلٍ من المكياج وإعادة تدوير مناصب مُستفزّة، بوجه “الإرهاب”.

داعش وأخواتها إرهاب؟ طبعاً. هذه مشكلة ضخمة يواجهها السوريون. لكن حلّها ليس مجازراً ترتكبها طيارة لم يخسروا عليها راتب طيّار. خصوصاً وأن من يرسلها لا يقل إرهاباً، ويزيد مقدرة على القتل والتدمير.

أتفهّم، أيضاً، ألا يُعجب رأيي هذا الكثير من الأصدقاء، بل وأتفهّم أيضاً أن يعتبروه، والعياذ بالله، “مُمانعاتياً”. هو ليس كذلك على كلّ حال، وحاولت جاهداً أن أوضّح أنه ليس كذلك. مع ذلك أفضّل تحمّل أن يُرى بهذا الشكل على أن أصمت عن قناعتي، وبكل الأحوال قناعتي من عدمها سيان.

..

إضافتان مُهمتان:

موقفي، الرافض للضربة الأمريكيّة والمُشكك بجدواها والمُرجّح لضررها، لا يعني إطلاقاً أن لديّ قضية مشتركة مع مُجمل أولئك الذين استفاقوا للحدث السوري، بعد أكثر من عامين ونصف من صمت القبور أمام مجازر السفاح المجرم، ليصرّحوا ضُدّ “التدخّل الخارجي” (وكأن ﻻ تدخلاً خارجياً مُستمراً، روسياً وإيرانياً وحزبللهياً وميليشاوياً عراقياً، لمصلحة النظام منذ أكثر من عامين ونصف) وليبثوا سمومهم ضد الثورة السوريّة وأهلها. هؤﻻء المنافقون الأنذال، الذين لم ينطقوا حرفاً في إدانة قتل طفل من قبل النظام “المُمانع” وسيسيّرون المظاهرات ويقيمون اﻻعتصامات هذه الأيام، أسوأ من الشبّيحة حتى.

يُضحُكني أيضاً القول التافه الذي ينطقه بعض السفلة المذكورين أعلاه حول أن الثورة الوطنية يجب أن تلتحق بالنظام في وجه “الغزو الخارجي”. ﻻ قضيّة مشتركة لي مع النظام وأهله وأنصاره، لا اليوم ولا غداً وﻻ بعد ألف عام. لن أنسى ولن أسامح (نسياني وسماحي لا قيمة له، لكن هذا ما لديّ)، ولن أحزن على أيّ أذى يتلقّاه النظام (وأرجو أﻻ يأتي مُغفّل آخر ويقول أن الضربة تستهدف “الدولة” وليس “النظام”.. أيّ دولة؟!).

الإضافة الثانية، والأهم، هي أن الثورة السوريّة، مع الضربة الأمريكية، أو بدونها، أو رغماً عنها، هي، بالنسبة لي، أعدل قضيّة في العالم، لأنها قضيتي وقضيّة أهلي. كانت كذلك وستبقى كذلك، رغماً عن كلّ شبّيحة الأرض وأعوانهم، وشبّيحة السماء وراياتهم السوداء. هي قضيّة أناسٍ سئموا الحياة تحت بسطار الاستبداد والإفقار المزمن لسلالة ملعون الروح، وقدّموا في سبيل خلاصهم أكثر من مئة ألف شهيد، ومئات الآلاف من الجرحى والمعوّقين، وملايين النازحين، وآلاف البلدات والأحياء والشوارع المُدمّرة والخالية من سكانها. هذه القناعة أكبر من ضربة أمريكية، وأكبر من أمريكا، بل أكبر من العالم أجمع!

متلازمة الناجي/ وائل السوّاح

حال السوريين في الخارج تشبه حال الناجين من الهولوكوست. ينطبق ذلك أكثر بطبيعة الحال على أولئك الذين استطاعوا النجاة بأنفسهم من المجزرة.

قبل سنة كتبت باحثة سورية مقالاً مهماً عن “متلازمة الناجي” التي تصيب معظم السوريين في الخارج. السوريون الذين لم يموتوا ولا سمعوا القصف أو تذوقوا لوعة مقتل حبيب لهم أمام أعينهم. السوريون الذين لم يعتقلوا ولم تشوَه أجسادهم ولا أرواحهم؛ لم يجوعوا ولم يفتقدوا إضافة الحليب إلى قهوتهم الصباحية.

متلازمة الناجي حالة نفسية من القلق والاكتئاب تصيب الفرد الذي يعتقد أنه ارتكب خطأ (أو خطيئة؟) لأنه نجا من حدث راضّ كحرب أو مجزرة أو كارثة طبيعية، بينما فشل الآخرون في ذلك. استطاع علماء النفس فرز هذه الحالة المرضية في ستينات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تمَّ عزل مجموعة من الأعراض المتطابقة التي أصابت الناجين من أهوال الحرب العالمية التي قضى فيها نحو ستين مليون شخص.

بعض السوريين الموجودين في الخارج كانوا هناك قبل اندلاع الثورة السورية. آخرون شرعوا بالخروج مع بدايتها. أول الخارجين لم يكونوا من معارضي النظام، بل كانوا رجال الأعمال الموالين له والذين راكموا الثروات بفضله. هؤلاء غزوا فنادق بيروت ودبي منذ الأيام الأولى للانتفاضة. وهم أنفسهم الذين وجَّهوا أول ضربة لليرة السورية عندما أخذوا يسحبون ودائعهم من المصارف السورية ويخرجون بها إلى مواطنهم الجديدة.

ثمة بالطبع من خرج من سوريا بسبب خوفه من الاعتقال أو التشبيح، أو بسبب انقطاع موارد رزقه. ثمة من خرج خوفاً وبحثاً عن الأمن والسلامة لأطفاله. هؤلاء وأولئك يتوزعون في لبنان ومصر والأردن وتركيا والولايات المتحدة وكندا وأوروبا ودول الخليج، ولكن عقولهم وقلوبهم مصوبة دوما نحو الوطن.

متلازمة الناجي لا تنطبق بالطبع على الذين هُجِّروا من بيوتهم رغما عنهم إلى مخيمات البؤس والبرد والحر في تركيا ولبنان والأردن. فهؤلاء ليسوا ناجين بأي حال من الأحوال. إنهم ضحايا، مثلهم مثل من قضى تحت القصف أو الجوع أو الاعتقال.

وعلى عكس التيار قرر سوريون كثر العودة إلى سوريا بعد الانتفاضة للمشاركة فيها. كان ذلك حال عمر عزيز الذي ترك عمله في السعودية وعاد ليعمل مع شباب الانتفاضة في دمشق والمحافظات على تشكيل أولى المجالس المحلية في المناطق التي تخلى عنها النظام. وكان ذلك حال باسل شحادة، السينمائي الدمشقي المسيحي الشاب الذي ترك منحة دراسية في الولايات المتحدة وعاد إلى سوريا، وإلى أسخن نقطة فيها آنذاك: حمص، لكي يوثق انتهاكات النظام للمحتجين السلميين الذين كانوا يخرجون إلى الشارع بأجسادهم ليتلقوا رصاص الجنود والقناصة. عمر عزيز قتل في السجن تحت التعذيب، وباسل شحادة قتل وهو يوثق مجزرة الحولة، أولى مجازر النظام الكبيرة، محاولا انتزاع الحقيقة من فم الموت ومن عيون الناجين من هل المجزرة.

ويوسف عبدلكي، الفنان المرهف والمثقف والناشط السياسي، كان عاد إلى سوريا قبل الثورة من منفاه في باريس الذي عاش فيه أكثر من عشرين عاما. وحين اندلعت الثورة، كان بإمكانه أن يعود إلى هنالك، ولكنه آثر البقاء. اعتقله النظام مدة أربعين يوما، وخرج وقد كبر أربعين سنة.

والمناظرة الآن تدور حول حق السوريين في الخارج في الكلام وإبداء الرأي: هل يحق للسوري الذي يتلذَّذ بشرب فنجان القهوة الصباحية في مقاهي باريس وبيروت واسطنبول أن يؤيد (أو يعارض) الضربة الأمريكية المرجحة ضد النظام السوري في دمشق؟ هل من حقه أن يؤيد (أو يعارض) عقد مؤتمرجنيف 2، أو أي حل سياسي أو محاولة للحوار والتفاوض مع النظام؟

يدرك معظم السوريين في الخارج أنهم في أمان من القتل اليومي ومن القصف والقنص والاعتقال والتعذيب والجوع والمرض وفقدان الأمن والدواء. بيد أن ذلك لا يشعرهم بالراحة أو  بهدوء البال. إحساسهم بأنهم يعيشون بينما يموت أهلهم وأصدقاؤهم وأبناء جلدتهم يحرمهم الراحة وهدوء البال ويمنع عنهم النوم ليلا والسلام الداخلي نهارا. صديق لي في السويد، غادر هربا من الاعتقال بعد أن اعتقل رفيقان له، قال لي: “لا أستطيع حتى أن أغطي ابنتي ليلا من البرد. أقول دعها تبرد كما تبردون.” لن يفيد أطفال سوريا أن تبرد ابنة صديقي في السويد، ولكنه الإحساس بالذنب: متلازمة الناجي.

المدن

سوريا: ذروة الازمة/ برهان غليون

  لا يمكن لأي إنسان أن يدافع، بأي اسم كان، أو تحت أي ذريعة، عن حماية نظام سياسي يستخدم  السلاح الكيماوي، بعد ثلاثين شهرا من استخدام كل الأسلحة الثقيلة، من أجل إخضاع شعبه وكسر إرادته والبقاء في السلطة، من دون تغيير، بعد نصف قرن من حكم العنف والقهر.

يدفع الشعب السوري ثمن انعدام الثقة بالسياسات الغربية في الشرق الاوسط بشكل خاص، والتي نادرا ما أخذت بالاعتبار مصالح الشعوب. وهذا ما يفسر موقف الخوف والحذر، وأحيانا الرفض والتشكيك بالنوايا، عند قطاعات واسعة من الرأي العام السوري والعربي والدولي أيضا.

ويدفع الشعب السوري الشهيد ثمن صعود مطامع الدول الاستعمارية الجديدة، وتكالبها على الحلول محل القوى الاستعمارية الغربية المتراجعة، وتحويل سورية إلى منصة للهجوم على بقية الدول العربية. وهذا على ما يبدو هو وضع روسيا بعد أن تحررت من سياسة الاشتراكية والأممية ورشحت نفسها لتكون الدولة المنافسة لأمريكا في تقرير جدول أعمال السياسة الدولية.

ويدفع الشعب السوري المنكوب أيضا ثمن الجبن والتردد وضمور الشعور الأخلاقي والتقوقع حول الذات وتنامي روح الأنانية عند الكثير من الدول المكونة للمجتمع الدولي، التي تخشى من مخاطر المشاركة في المسؤولية عن أي عمل جماعي قد يكلفها بعض التضحيات أو أن يقود إلى سقوط العديد من الضحايا

ما كان للشعب السوري أن يجد نفسه في هذا الموقف الذليل، وأن يستجدي تدخلا من أي نوع، حتى من دون تغطية دولية قانونية، وأن يراهن، من أجل إضعاف نظام همجي نادر المثيل، على نتائج ضربة عقابية أمريكية فرنسية، تعرف نفسها منذ البداية بأنها محدودة وموضعية، وتفتقر للإجماع العالمي، ولا يعرف أحد حدودها ولا عواقبها، أقول ما كان الشعب السوري سيجد نفسه في هذا الوضع لو أن المجتمع الدولي قام بواجبه، كما تنص عليه مواثيق الأمم المتحدة، ونفذ بشكل جماعي ومتسق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي يلزم المنظمة الدولية بحماية الشعوب المعرضة لجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية، وهو ما تؤكد عليه تقارير منظمات حقوق الانسان منذ أشهر طويلة. ولا كان السوريون سيعلقون كل هذه الآمال على ضربات عسكرية يتيمة لو نجح مجلس الأمن في اتخاذ القرار الذي كان ينتظر منه، وكان عليه أن يتخذه، تحت بند التدخل الانساني، أو التضامن مع ضحايا استخدام السلاح الكيماوي.

لكن الرد على تعطيل مجلس الأمن والمنظمة الدولية من قبل الفيتو الروسي، والجبن الذي أصبح سمة ملازمة لحكومات ضعيفة أو فاشلة وفاقدة للصدقية في عيون رأيها العام في مختلف أرجاء العالم، لا يكون برفض أي شكل من أشكال التضامن، والاستسلام أمام الجريمة المنظمة، والتسليم بتعميم استخدام السلاح الكيماوي، ولا بالاستقالة السياسية والأخلاقية الجماعية، والاستمرار في مؤامرة الصمت والسكوت على ما يجري من انتهاكات أكثر من خطيرة وفاضحة ويومية لحقوق السوريين من دون استثناء.

 لن تكون الضربة للنظام من دون ثمن بالنسبة للسوريين. ولا نعرف عدد الضحايا ولا حجم الأضرار التي ستتسبب بها.  وسوف يدفع الشعب السوري ثمنا إضافيا كبيرا، بعد الثمن الهائل الذي دفعه حتى الآن، من حياة أبنائه ودمار دولته وتهديم منشآته وتحطيم وطنه.

لذلك لن يكون لهذه الضربة قيمة ولا فائدة إلا بمقدار ما تساعد على الحسم، وتنهي عذابات الشعب السوري ومعاناته الطويلة. لكن البديل عنها، سواء أكان ترك الأمور تسير كما سارت منذ ثلاثين شهرا، أو السماح لنظام الأسد بتحقيق نصر حاسم، ليسا خيارين محتملين بأي حال، وكلاهما إجراميين ولا أخلاقيين. فالأول يعني استمرار القتال بما يعنيه من مضاعفة أعداد الضحايا ودمار البلاد، والثاني يقود إلى تسليم شعب كامل مقيد اليدين والرجلين لانتقام طاغية همجي، يقتل أبنائه ويذبح أطفاله ويغتصب نساءه، من دون أي رادع من قانون أو عقل أو ضمير. .،

 لا يزال من الممكن تجنب الضربات الأمريكية الفرنسية ومعها المزيد من الضحايا والدمار. لكن ليس بتمديد الوضع الراهن والاستمرار في الحرب والقتال والدمار، ولا بتسوية لم يعد لها أي أساس ممكن، سياسي أو أخلاقي، بين النظام والمعارضة.  يستدعي تجنب الضربة الاعتراف بأن المرحلة السابقة قد انتهت وأن لسورية الحق في الانتقال الفوري نحو نظام جديد يعبر عن إرادة شعبها ويستجيب لتطلعاته وآماله في حكم القانون وفي الكرامة والحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية.

مهما كانت نتيجة الضربة التي يزمع التحالف الغربي توجيهها لدفاعات النظام السوري، ومهما فعل النظام للرد عليها، مباشرة أو بعد وقت، ومهما كان موقف روسيا والصين وايران وغيرها من الدول، وبصرف النظر عن حجم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لنظام الأسد، تشير اللحظة إلى أن الأزمة السورية بلغت ذروتها، وأنها لن تنتهي إلا بنهاية النظام الذي كان في أساسها، وصانعها.

لكن إذا لم يكن من حقنا أن نحرم شعبا روعته خلال سنوات البراميل المتفجرة وصواريخ السكود ومدفعية الميدان وأخيرا الاسلحة الكيماوية، من حقه في حد أدنى من المساعدة، إن لم يكن من التضامن الانساني الكامل الذي حرم منه بسبب المصالح القومية الضيقة والمخاوف المختلفة، المشروعة وغير المشروعة، فمن حقنا ان نحذر الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، التي قوضت سياسات الأسد مصداقية سياستها ومركزها في الشرق الأوسط، من الوقوع في الفخ الذي نصبه لها النظام وحلفاؤه، بتحويل الشعب السوري إلى دروع بشرية، ونقول لهم أنهم أمام فرصة نادرة لاستعادة بعض الثقة التي فقدوها عند الرأي العام العربي، وإثبات أنهم قادرون أيضا على العمل انطلاقا من الحرص على مباديء التضامن الانساني وتأكيد احترام المواثيق الدولية وصدقية المنظومة الدولية.

أما لتلك الاطراف المتعددة التي تظهر اهتماما أكبر بمصالحها وبمكاسب قومية مضمونة، أو بمخاوفها السياسية أو بسبب ذاكرتها المحنطة او مفاهيمها الموثنة، مما تبدى من التعاطف مع شعب يذبح منذ ثلاثين شهرا أمام أعينها، من دون دعم يذكر، فليس لدينا ما نقول سوى: الشعب السوري لن ينسى، وعاجلا أم آجلا ، ستنتهي المأساة وتظهر تكلفة المواقف الأنانية والجبانة. فما عرفناه حتى الآن من عن المأساة السورية ليس إلا الجزء البارز من جبل جليد سيهز خروجه إلى العلن ضمير الإنسانية جمعاء. .

شهوة الكيماوي/ عمر قدور

تأخر استخدام الكيماوي في سوريا، ولا ندري كيف استطاع النظام مقاومة هذا الإغراء طوال سنة بعد التحذير الشهير الذي أطلقه أوباما. يحاجج بعض أنصار النظام، والمتعاطفون معه في الداخل والخارج، بأنه من المستحيل أن يلجأ إلى هذا الخيار في مواجهة شعبه، فضلاً عن حماقة ارتكاب المجزرة بوجود مفتشين دوليين. هنا مكمن الخطأ الفادح الذي لا يعترف به هؤلاء، إذ بوسع أي متفهم للنظام أن يدرك استحالة عدم استخدامه للكيماوي، ولعل أوباما وغيره في المجتمع الدولي أدركوا هذه البديهية قبل الكثيرين في المنطقة. أما السوريون الذين تعرضوا خلال سنتين ونصف لشتى أنواع القتل والتنكيل فيعرفون جيداً أن النظام لن يتورع عن أي شيء بالمطلق، ولن يتوقف من تلقاء نفسه عند أي حد، وإن كذّب البعض منهم ظنونه على سبيل الأمل بالنجاة ليس إلا.

ومع أن الكيماوي الذي استخدم في الغوطتين لا يعدو كونه استكمالاً لمجازر سابقة ليست أقل فظاعة، لمجازر أودت بما يقارب المئة وخمسين ألفاً، إلا أنه يمتلك إغراء مختلفاً، ومن دون مختلف أنواع الأسلحة التي تم استخدامها يبدو الأخير أكثر مطابقة لبنية النظام وفكره. التفكير على هذا النحو يدفعنا إلى القول بأن النظام تلبّس سابقاً من العقل ما ينافي شهواته، وبأنه قاوم طويلاً قبل أن يستسلم لذاته، وفي المحصلة لم يكن هناك مناص مما فعل. الأصل الذي ينبغي التفكير به هو النظام نفسه، لا العقل البشري العام ومنطقه السائد، وسيكون من الواجب أيضاً أن نبتعد عن السياسة بمفهومها الشائع؛ هكذا قد نكون جاهزين لمعرفة النظام بوصفه تجسيداً للقتل، فالقتل هو الوسيلة الأرخص التي خبرها طوال عقود من وجوده، وفي الواقع كانت نادرة لحظاتُ السياسة التي أجبرته عليها قوى دولية أو إقليمية يحرجها أن تتعامل مع القاتل بوصفه قاتلاً فحسب.

لحظة الإحراج هي أيضاً ما يفسّر تباطؤ النظام باستخدام الكيماوي، إذ من المستغرب مثلاً أنه لم يستخدمه حتى قبل الثورة، ولو على سبيل اللهو لا غير. من المستغرب أن صبره لم ينفذ لتجربة تلك الخلطات من الغازات السامة التي تودي دفعة واحدة بحياة الآلاف، فمقتل آلاف السوريين ليس بالثمن الباهظ أمام تجريب تلك المتعة، بخاصة لأن شقيقه العراقي اختبرها من قبل وهذا دافع كافٍ ولو بداعي الغيرة. لم يوقع النظام معاهدة الحد من الأسلحة الكيماوية، لأنها سلاحه الأعز والأثمن، ومن غير المفهوم من نظام لا يؤمن بفكرة الردع ألا يستخدمها وأن يقاوم الإغواء، بل يصعب أن نتصور تركيباً واستخداماً لها لا تشرف عليهما رؤوس كبيرة منه، إذ لا يجوز أن يمنح شرف تلك اللحظة الجليلة لصغار لا يقدّرون قيمتها.

هي لحظة الحقيقة لا أكثر، ما سبقها لا تعدو كونها أوهاماً يسلي البعض نفسه بها، أو يتنصل البعض من مسؤولياته بناء عليها. الفيديوات التي بُثّت عن المجزرة ضرورة انفعالية فقط لمن تعجز عقولهم عن إدراك النظام، أما الذين يعرفونه وخبروه جيداً فلم يكونوا بحاجة لها، وبوسعهم في أي وقت تخيل مختلف أنواع الفظاعات السابقة واللاحقة ما دام النظام باقياً. لم يكن مهماً أيضاً سوى لانفعالاتنا المباشرة، ونحن على بعد كيلومتر من المجزرة، أن نسمع القصف المتواصل ليوم كامل إثر استخدام الكيماوي. ذلك تفصيل آخر فحسب، أن نرتجّ من هول القصف ونتخيل أولئك المصابين بالكيماوي والمسعفين الذين يتراكضون بهم تحت القذائف والقنابل؛ كنا نقول لأنفسنا في أثناء ذلك: حانت الساعة. لا بمعنى اقتراب موتنا، ولكن بمعنى “ها هو أخيراً النظام الذي نعرف”، أما موتنا المتوقع فليس سوى رقم يُضاف لهواة الأرقام، وربما في أحسن الأحوال ليفخر جيل قادم بأنه من بلد الـ(…..) شهيد،؛ ذلك إن كان في الموت ما يستدعي الفخر حقاً.

غريزتان أساسيتان تسيّران النظام؛ غريزة البقاء وغريزة القتل. قد يعترض البعض على استخدام مفهوم الغريزة، الفردي أساساً، لوصف نظام ويتجاهل أن الأخير بُني على التماهي مع الفرد الأوحد، وأن روح ذلك الطوطم لا تزال مهيمنة حتى وهو في قبره. ثم إن غريزتي البقاء والقتل تنحطان إلى ما دون الفرد، بحكم أن تلازمهما والاقتصار عليهما هما من من مخلفات البهيمية. هاتان الغريزتان تتصارعان، ومن الخطأ النظر إلى الثانية بوصفها خادمة للأولى، فغريزة القتل أصيلة بقدر ما هي غريزة البقاء أصيلة، بل إن غريزة القتل تتفوق في كثير من الأحيان، ولنا في أنظمة مشابهة أمثولة على أصالتها التي أدت بأصحابها إلى الهلاك بدلاً من البقاء.

كنا، على سبيل السياسة، نقول إن النظام يدمّر البيئة الحاضنة للثورة. لا بد من مثل هذه التوصيفات في التحليل السياسي، غير أنها لا تلحظ جيداً الطبع النكروفيلي الذي لا يتوقف عند حد، ولا تلحظ أيضاً استقلال الوحشية عن السياسة حتى إن كانت أداتها في البداية. وإننا لنحتار أحياناً بين أن تكون الفاشية عارضاً من عوارض غريزة الموت، أو أنها الأصل الذي أوحى لمؤسس التحليل النفسي بالكتابة متأخراً عن النكروفيلية، بعد أن شهد صعود النازية والفاشية. لعل استحضار فرويد هنا يكون أكثر فائدة في الحديث عن “شهوة الكيماوي”، لأن معايير السياسة تعجز ما دامت تتوقف عند موازين الربح والخسارة، ولعلها تعجز أصلاً إذا تحاكم القاتل بوصفه سياسياً، وتعجز إذ ترى القتل أداة مؤقتة، وتعجز أخيراً إذ تواظب على اقتراح حلول يدرك الضحايا عجزها ومجافاتها الواقع، لأن الضحايا بحسهم الفطري يتحدثون عن علاج ناجع؛ عن علاج وليس عن حل.

ثم إننا لا نعرف أية متعة تسبب بها الكيماوي لمستخدمه، لا نعرف متعته وهو يرى الفيديوهات التي تألم بسببها أصحاب القلوب الرقيقة، لا نعرف حقاً مدى إعجابه بهذا السلاح الذي ادخره لنا. ربما لا يكون راضياً جداً عن أدائه، ويحاول اختبار خلطة أخرى أكثر نجاعة، ربما استهوته النتيجة فقرر تكرار التجربة؛ ما هو مؤكد أنه ليس نادماً على أية حال. ولنكون منصفين؛ ربما اعترته لحظة ندامة بسبب العواقب المحتملة لفعلته، لكن لحظة الندامة لا تساوي أبداً المتعة التي جناها من الإبادة، ومن المرجح أن تتغلب المتعة على الندامة، فكما نعلم لطالما كانت المتعة أقوى من القصاص، ولطالما فشل الأخير في ردعها أو تقليمها.

فضلاً عن ذلك نحن لا ندرك المتعة التي يحسها “السيد الكيماوي” وهو يرقب حاملات الطائرات الجاثمة في البحر لتردعه عن شهواته، وقد تكون هذه لذة إضافية تضاعف من حجم متعته الأصلية، وقد تجعل من إغواء الأولى جامحاً أكثر من ذي قبل. قد تندلع شهوة الكيماوي عارمة بفضل استثارة الأساطيل لها، لأن الثمن الضخم والمقامرة الكبرى متعتان لا تتوافران دائماً أيضاً. قد تُعاقب الأساطيل على قدومها بمزيد من الكيماوي الذي أتت لإيقافه، وهكذا لا يُتوقع أن تُقاوم هي، بل قد يكون تحديها من قبيل تكرار الفعل الذي أتى بها.

لقد كنا نعلم من قبل، الكثيرون أيضاً كانوا يعلمون، لكنهم كانوا ينتظرون ما هو مخالف لما يعرفونه؛ طوال سنتين كانت السياسة فن انتظار ما لن يحدث.

المستقبل

طريقة الفاشية السورية في التعامل مع الضربة الغربية/ عمر قدور

في اليوم الذي تلا الضربة الكيماوية على غوطة دمشق، حاول معارضون سوريون تبرئة النظام من فعلته مباشرة أو مواربة. الذين فعلوا ذلك يشير إليهم النظام عادة باسم «المعارضة الوطنية الشريفة»، تحت طائلة تجريدهم من هذا الشرف بين الحين والآخر، وربما استحقوا التسمية بجدارة إذ تلمّسوا منذ وقوع الضربة خطر الرد الغربي عليها، فأرادوا تبرئة النظام تجنباً للتدخل الخارجي.

لا ننسى هنا أن بعض معارضي التدخل رفعوا لاءاتهم الشهيرة، ومنها «لا للتدخل الخارجي»، عندما كانت القوى الدولية الفاعلة تكرر في مناسبة وغير مناسبة أنها ليست عازمة على التدخل، وعندما لم يكن رسم خطوط حمراء للنظام ليُفهم إلا ترخيصاً له بالقتل الممنهج في ما دونها. كما لا يخفى أن إمدادات الأسلحة كانت طوال تلك المدة تتزايد باتجاه النظام، وتكشَّف الحظر الغربي على تدفق السلاح إلى سورية عن حظر على إمداد المعارضة بالسلاح النوعي، وفي مرات عدة اشتد الخناق عليها وقُطعت عنها إمدادات الذخيرة العادية المتواضعة.

التدخل الخارجي الآخر كان موجوداً منذ الأشهر الأولى كما يعلم الجميع، ولم يخفِ حلفاء النظام مشاركتهم في الأعمال القتالية، أو استعدادهم لانخراط تام فيها متى استدعت الحاجة. لكن ما سبق لم يثر حمية «المعارضين الوطنيين» كما فعلت الضربة الغربية، وكما كان متوقعاً انتقلت العدوى سريعاً إلى الأوساط التي لم تأخذ موقفاً جذرياً من النظام، ووجدت أخيراً الذريعة المناسبة لتبرر موقفها، فضلاً عن سعيها إلى إحراج الآخرين أو تخوينهم بالأحرى، أيضاً تحت يافطة «الوطنية».

لكن الأكثر طرافة هو صدور بعض الدعوات إلى اتفاق المعارضة والنظام على مواجهة الخطر الخارجي؛ دعوات لا تتجاهل فقط الصراع الدائر بين الطرفين والذي رفعه النظام منذ بدء الثورة إلى مرتبة صراع وجود، بل تتجاهل أيضاً الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الاتفاق المفترض، لأن البحث فيها يقوّض الدعوة من أساسها. الفحوى الحقيقية للدعوات المستجدة هو اصطفاف المعارضة خلف النظام، وتوكيل الأخير باسم الوطن، أي إعادة الشرعية له وإطاحة الجهود التي بذلها السوريون من أجل إنهاء احتكاره للوطن ومن أجل تعريف جديد للوطنية.

لا يقتصر الجدل السوري الحالي على أولئك الذين أرغمتهم الضربة الكيماوية على الجهر بوقوفهم إلى جانب النظام، إذ من المؤكد أن التربية البعثية طوال نصف قرن قد أتت بثمارها، لذا ليس مستغرباً أن ينحرف النقاش عن السياسة، وأن يغرق في ما يعتقد الكثيرون أنه ثوابت لا تقبل التجريح. ليس مستغرباً أيضاً أن تحضر السياسة كمعطى كيدي، أو أن تُستحضر لخدمة المسبقات الأيديولوجية لا غير. مثال ذلك الاكتشاف المتجدد عن تحرك القوى العظمى خدمة لمصالحها، وكأن لغة المصالح بحد ذاتها شتيمة، وكأن القوى المعنية لا تستخدمها لإقناع شعوبها أولاً!.

استبعاد مفاهيم من قبيل تعزيز المصالح المشتركة أو بنائها مع الغرب معزوفة يعرفها السوريون جيداً، فالوطنية السورية المزعومة لم تزدهر يوماً إلا على أرضية العداء للغرب، بينما غابت عن مفردات الصراع الداخلي الدائر منذ سنتين ونصف السنة. ولا مناص من القول بأنها وطنية تمتح دائماً من المعين الفاشي ذاته، إذ لم تتوقف أبداً عن جعل الوطن أولوية على المواطن، وهي بمناسبة «الخطر الخارجي» لا تستشعر الخطر الواقع على المواطن، وإلا كانت استشعرته بشكل أفضل إزاء المجازر التي أودت بحياة ما يقارب المئتي ألف سوري من الجانبين، وبالتأكيد كانت استشعرت خطورة تكرار الضربات الكيماوية مستقبلاً.

الملمح الآخر للفاشية هو عدم مبادرة هؤلاء إلى مطالبة النظام بالتنحي تجنباً للضربة المتوقعة، وحقناً لدماء السوريين بمختلف توجهاتهم السياسية. على العكس من ذلك يُظهر هذا النوع من الوطنية استعداداً لا يتوقف للتضحية بالموالين قبل المعارضين على مذبح المعركة غير المتكافئة مع «العدو الخارجي»، ويفضح الاستعلاء القديم على الشعب الذي لا يعدو كونه قرباناً. من هنا يمكن فهم الحساسية المتدنية للذين لم يخدش وطنيتهم مقتل واعتقال مئات الألوف على أيدي قوات النظام، ولا تخدشها أية خسارة بشرية في حرب خارجية يدعون إليها. فالفاشية تعلو هنا على كونها اصطفافاً سياسياً فحسب، إنها منهج يتفق أصحابه مع النظام في اللامبالاة التامة تجاه عموم السوريين.

ولأن القشرة البرّانية للتصوف الوطني غير كافية، لا بأس بالعودة في كل مرة إلى البارانويا الجماعية ومحاولة تعميمها قدر الإمكان. فأصحابها لا يزالون أسرى المتخيل عن قوة سورية، على رغم تبديد النظام لما هو واقعي منها، ووجه الخطأ لا يكمن فقط في عدم المقدرة على مواجهة «المؤامرة» المزعومة، بل يتجلى في وهم المقدرة على النهوض بالإمكانيات الذاتية للبلد بعد الدمار الفظيع الذي لحق به. البارانويا الجماعية وحدها القادرة على تجاهل استنزاف ثروات البلد لمدة نصف قرن، وفي الطليعة منها الثروة البشرية التي يجري التغني بها، ووحدها القادرة إلى ما لا نهاية على إنكار مساهمتها في الوصول إلى المصير الحالي.

قد تكون هناك دوافع عدة وراء الفاشية، بعضها براغماتي أو متدنٍّ عنها أيديولوجياً وأخلاقياً، إلا أن حسن الظن يستوجب عدم التركيز عليها بقدر التركيز على المقولات الكبرى التي يتستر خلفها من كانوا يدّعون الاختلاف حتى وقت قريب. لأن الأهم في الجدل الدائر أن تدرك غالبية السوريين مقدار الأذى الذي وقع عليها من قبل النخبة الفاشية، وتحت اليافطات ذاتها التي يُعاد إحياؤها كلما تعرضت النخبة للخطر.

من المنطقي أيضاً أن تكون الضربة الغربية مصدر انقسام، فهذا يدلل على أن الثورة حررت البعض من الأوهام السابقة، مع أن صفوف الثوار لا تخلو بدورها من أوهام جديدة عن المستقبل. هنا أيضاً يبدو سقوط النظام ضرورة قصوى للاستيقاظ على الواقع السوري كما هو، حينها من المرجح أن يتراجع الحجم الكبير من التبجح أمام هول الكارثة، وحينها لن يكون مفيداً إطلاقاً إلقاءُ اللوم على الآخرين. حينها ربما سيستطيع السوريون تعريف الوطنية انطلاقاً من ضعفهم، بعد أن ضيّعوا فرصتهم الأولى بالأوهام.

الحياة

قراءة أولية في مجزرة الغوطة/ عدي الزعبي

تطرح مجزرة الغوطة سؤالين على المشتغلين في الشأن السوري. الأول, هو كيف أمكن لسوريين أن يستخدموا السلاح الكيماوي ضد سوريين آخرين. الثاني, هو كيف يتقبّل المجتمع الدولي استخدام السلاح الكيماوي في سوريا.

لا يبدو أن الإجابة عن السؤالين بسيطة أو سهلة. ما يلي محاولة أولى لطرح أحد جوانب الموضوع.

 قام النظام السوري على مدى سنتين بنزع إنسانية المعارضين بشكل كامل. توقّف النظام السوري عن اتهام الغرب وإسرائيل بتمويل المعارضة وتسليحها, وتحوّلت المعارضة بأكملها إلى قاعدة, بدون أي استثناء. في تصريحات القادة السياسيين, نسمع ما يلي: لا يوجد شيء اسمه الجيش الحر, كلهم جبهة النصرة, كلهم قاعدة. نجح النظام السوري, و بشكل شبه كامل, في هذه العملية. كان لجهاد النكاح, والذي يبدو أنه اختراع مسجّل للإعلامي غسان بن جدو, دور محوري في الداخل السوري, وتحديداً مع الأقليات, وفي الغرب, في تصوير المعارضين السوريين والمناطق التي انسحب منها النظام على أنها مواخير كبيرة يتم فيها استغلال الفتيات الصغيرات في ممارسات جنسية مخزية, مع إرهابيين من كل بقاع الأرض.

لنأخذ على سبيل المثال قضية سارة العلاو. ظهرت سارة العلاو, بنت الميادين ذات الثلاثة عشر ربيعاً أو التسعة عشر ربيعاً, على شاشات النظام لتدلي باعترافاتها: أميرة النصرة, قيادية في سرايا التوحيد, جنّدت العديد من الفتيات في جهاد النكاح, مارست الجنس مع الجهاديين الأجانب بأجر معلوم, نقلت عبوات متفجّرة إلى دمشق, وعملت في مشفى ميداني. إعلام النظام لا يعمل فقط على بروباغندا منظّمة تقول أن كل المعارضة نصرة وقاعدة. أكثر من ذلك, أطفالهم أيضاً نصرة وقاعدة. هكذا يستبيح النظام البيئة الحاضنة للمعارضة بشكل كامل. لا حلول أخرى مع الإرهاب.  قضية سارة العلاو ليست زلة, بل هي سياسة محكمة لتأثيم البيئة الحاضنة بالكامل, بأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها.

ترافقت هذه الحملات مع دور مخرّب لبعض فئات المعارضة السورية, كتيار بناء الدولة وهيئة التنسيق, ولأحد أكثر المراكز وثوقية في الغرب, المرصد السوري لحقوق الإنسان, في تضخيم دور القاعدة في سوريا, بدون أي معلومات, وغالباً بناءً على معلومات مضللة.

يلقى هذا الخوف من القاعدة صدىً في الغرب, من اليمين واليسار والناس العاديين. لا يدافع أحد هناك عن الأسد ونظامه, ولكنهم يخشون القاعدة أكثر بكثير مما يخشون الأسد أو أي ديكتاتور عربي. هذه الخشية توحّد الغربيين بشكل فعّال.

هكذا ترتسم ملامح الصراع في سوريا كما يلي: هناك نظام علماني, له خطايا لا يمكن غفرانها, يحارب مجموعات جهادية إرهابية تحمل فكر القاعدة وتسيطر على مساحات واسعة من التراب السوري. لا يوجد حلول في هذه الحرب العبثية. في هذه الصورة من الصراع, يبدو نظام الأسد مفضّلاً لدى الغربيين, ولدى قطاعات من السوريين أيضاً. في النهاية, يستطيع نظام الأسد الحفاظ على الاستقرار, ومنع نشوء نظام طالباني همجي قروسطي في قلب الشرق الأوسط. رغم أن الثمن سيكون فادحاً, وهو إعادة سوريا إلى عهد الثمانينات, حيث كانت تحكم بنظام سوفييتي حديدي أمني, إلا أن هذا الخيار السيء مفضّل بالطبع على حكم طالباني.

أقترح أن شيطنة المعارضة السورية, وربطها بالقاعدة, يشكّل أحد أهم أسباب قبول جزء من السوريين والغربيين بمجزرة الغوطة الكيماوية. ما العمل؟ علينا فوراً أن نعيد النظر في استراتيجية العمل الإعلامي والعسكري. يجب التصدي لأربع مسائل بشكل فوري.

الأول، هو تقديم معلومات دقيقة وحسية وموثوقة عن حملات الشيطنة. على سبيل المثال, كيف وأين بدأت قصة جهاد النكاح بالضبط. من نشرها لأول مرة؟ من تبناها؟ ما هي الأدلة على وجود فتاوى جهاد النكاح؟ أيضاً, من هي سارة العلاو؟ متى ولدت؟ ما هي المدرسة التي ارتادتها؟ متى تم القبض عليها؟ ولماذا؟ من هو الجولاني؟ من هو البغدادي؟ متى كانت العملية الأولى للنصرة, ولدولة العراق والشام الإسلامية؟ ما هو عدد المقاتلين في كلا التنظيمين؟ ما هي أماكن انتشارهما؟

الثاني, هو أن نتوقّف عن اتهام النظام بخلق تنظيمات القاعدة في سوريا. لا يوجد حل لإشكالية تنظيمات القاعدة إلا بالعمل اليومي والمباشر مع السوريين في المناطق المحررة ومحاولة فهم أسباب تعاطف جزء من الشارع السوري معهم. كل من يزور أو يعيش في المناطق المحررة يدرك أمرين بحاجة لشرح وتوضيح ونشر على أوسع نطاق. أولاً, تشكل فصائل القاعدة جزءاً فقط من الكتائب المحاربة. معظم كتائب الجيش الحر والكتائب الإسلامية لا تتفق مع تنظيم القاعدة, لا في الفكر ولا في الأسلوب. هنا النظام ينشر معلومات خاطئة, يصدقها جزء من السوريين, ومن المعارضة السورية, ومن الغربيين. هذا العمل بحاجة إلى توثيق بالاسم والمكان. ما هي الكتائب الإسلامية وكتائب الحر وفصائل القاعدة العاملة في إدلب, أو حلب, أو درعا. ما هي علاقاتها مع بعضهم البعض؟ متى نشأت بالضبط؟ من هم قادتها وما هي توجهاتهم؟ ثانياً, هناك تعاطف محدود مع فصائل القاعدة في المناطق المحررة. علينا الاعتراف بهذا الأمر تمهيداً لمواجهته. لماذا نجد هذا التعاطف؟ كيف نستطيع الحد من هذه الظاهرة؟

الثالث, مما سبق, يجب العمل فوراً على رسم سياسة واضحة اتّجاه فصائل القاعدة على الأرض. بعد فصل الإسلاميين المقاتلين, حتى المتشددين منهم, كأحفاد الرسول ولواء الإسلام مثلاً, عن النصرة وداعش, نستطيع رسم خريطة مفصّلة للواقع السوري. المطلوب أن يتمكن السوري والغربي من فهم هذه الخريطة بسهولة, وأن يعرف ما هي استراتيجية المعارضة في معالجة إشكالية القاعدة. اقترح أن يترافق هذا مع العمل مع هيئة التنسيق ومن يرون أنفسهم علمانيي المعارضة ويسارييها, وفتح باب الحوار معهم بأوسع شكل ممكن. لا يجوز تسفيههم أو اتهامهم بالعمل مع النظام. لهؤلاء وجهة نظر, قد نختلف معها أو نتفق. ولكنهم يشكلون جزءاً لا يستهان به من المجتمع السوري. لماذا يبالغون بأعداد القاعدة؟ لماذا يضخّمون أعداد الجهاديين الأجانب؟ ألا يمكن لنا أن نتفق معهم على الحد من هذه الظاهرة وعلى محاولة الوصول إلى استراتيجية موحّدة؟

الرابع, فيما يتعلق بالغرب. يبدو أن الغربيين هم الهدف الرئيسي لحملة البروباغندا المنظمة التي يتبعها النظام السوري وحلفاؤه. هؤلاء الغربيون عندهم عقدة حقيقية من القاعدة. ولمعظمهم عقدة أخرى هي حرب العراق. ملايين الغربيين المتعاطفين عموماً مع العرب يبدون اليوم أقرب إلى نظام الأسد منهم إلى المعارضة السورية، بسبب العقدتين السابقتين. قد لا نستطيع الوصول إليهم جميعاً, ولكن الوصول إلى الحقائق الأولية عن المعارضة السورية والواقع الميداني على الأرض سيساعد حتماً في منع تكرار استخدام السلاح الكيماوي.

نزع صفة الإنسانية عن بعض البشر هو المقدّمة النظرية لإعدامهم جمعياً. قامت الدعاية النازية على شيطنة اليهود. يتبع الإسرائيليون أسلوباً مماثلاً مع الفلسطينيين, كانوا إرهابيين في السبعينات والثمانينات, والآن كلهم مشاريع استشهاديين قد يفجرون أنفسهم في أي تجمع مدني لأتفه الأسباب. في سوريا, كل المعارضين قاعدة. هذه هي البروباغندا الرسمية. لا حلول وسط ولا خيارات سهلة في التعامل مع القاعدة. إذا كان الاختيار بين نظام الأسد العلماني, الوحشي القمعي, ونظام طالباني, سيختار جزء من السوريين وأغلب الغربيين نظام الأسد.

علينا إذن أن نفضح هذه البروباغندا. استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة يثبت أننا فشلنا في تقديم صورة صادقة عما يحدث في سوريا, سواء للرأي العام الموالي للنظام, أو للغربيين. بغض النظر عن أسباب فشلنا, علينا التحرك سريعاً.

كان العراقيون والعرب يعرفون بمجازر الكرد, والألمان بمجازر هتلر, والأتراك بمجازر الأرمن, والإسرائيليون بمجازر الفلسطينيين. يتم اليوم إبادة السوريين بدم بارد, وبموافقة صريحة وواضحة من جزء من السوريين والغربيين. لا أحد يستحق مثل هذا المصير. هناك خلل عميق إنساني في عمليات الإبادة هذه. لا يجوز نزع صفة الإنسانية عن أي جماعة بشرية, مهما كانت الأسباب والظروف. إعادة الإنسانية للسوريين هي الخطوة الأولى على طريق إسقاط النظام.

مجموعة الجمهورية

سورية: تعددت الأسباب والقتل واحد/ طلال المَيْهَني *

بدأتْ معاناة ريف دمشق منذ أكثر من عامٍ حين فرض النظام، بسلوكه الهمجي، حصاراً خانقاً على بلدات الغوطة، ليعيش سكانها في ظروفٍ لا تتوافق مع أدنى المعايير الإنسانية. مصادر عدّة تحدّثتْ عن تصعيدٍ من جانب النظام في الفترة الأخيرة، ترافق مع منع خروج المدنيين من المناطق المحاصرة (بخاصة من بلدة المعضمية). حجّة النظام في كلِّ ذلك أنه يدافع عن «الشعب» ضد المؤامرة، وأن هؤلاء المدنيين (وهم من الشعب) بيئةٌ حاضنةٌ للمسلّحين المناوئين للسلطة.

وسط كلِّ هذا تأتي الأنباء عن استخدام الأسلحة الكيماوية أو الغازات السامة في ريف دمشق كحلقةٍ أليمةٍ في مسلسلٍ مزكومٍ برائحة الموت والخراب، حيث يتم الحديث عن مئات الضحايا بينهم نساءٌ وأطفال.

الرعب ملازمٌ لهذا الحدث، يُضاف إليه رعبٌ كامنٌ في كيفية التعامل مع الحدث. فقد وفّرت مواقع التواصل الاجتماعي، والحوارات اليومية، فرصةً لمتابعة ردود الأفعال السورية: اتهاماتٌ متبادلة، شماتةٌ وتشفٍّ، أنباءٌ عن احتفالاتٍ بحدوث المجزرة، أنباءٌ عن وعيدٍ بثأرٍ كيماويٍّ مماثل… إلخ. ولا نشير هنا إلى السلطة، بل إلى سوريين عاديين باتوا منقسمين وفق صيغٍ مُفَرَّغَةٍ من الأبعاد الإنسانية والأخلاقية، ما يحوّل هذه المواقف إلى حاضنٍ إجرامي قبيحٍ لمزيدٍ من الإجرام.

في خِضَمِّ ذلك كله، يمكن وضع هذه الفظاعات في سياق إبادةٍ ممنهجةٍ للإنسان السوري، وسعيٍ حثيثٍ لإطفاء بصيص الأمل، وزرع الأحقاد والنعرات لأجيالٍ قادمة. كيف سيعيش هؤلاء السوريون مع بعضهم بعضاً؟ وكيف يمكن السوريين أن يلوموا الكرة الأرضية إن كانوا هم أنفسهم لا يكترثون، لا بل يفرحون، بمصائب سوريين آخرين؟ أسئلةٌ مُعَلَّقَةٌ تنتظر الإجابة، لتعكس لنا واقعاً أليماً من تَفَسُّخِ الإرادة السورية.

وكامتدادٍ لما سبق، تتحوّل المجزرة إلى فسحةٍ للتحليلات، وتتحوّل الضحية إلى أداةٍ لتثبيت آراء من يصرخ. لا يهم الألم، لا يهم العدد، لا يهم الموت، ما يهم هو تحويل الضحية إلى ضحيةٍ مضاعفةٍ: قبل الموت، وحين الموت، وبعد الموت. ضحيةٌ مضاعفةٌ تتم المتاجرة بها، لدعم اصطفافاتٍ تفقد قيمتها أمام مأساة الموت واستباحة الإنسان.

نفى النظام ضلوعه في أيِّ قصفٍ كيماوي (طبعاً من دون أن يتنازل ويُرْسِلَ التعازي الى ذوي السوريين الذين اغتالتهم، على حدِّ قوله، العصابات الإرهابية)، واتهمت المعارضة النظام، في حين انقسم الرأي العام العالمي. أما على المستوى الجنائي، فكلُّ الاحتمالات ممكنةٌ، وكلُّ الأطراف العنفية، السورية وغيرها، ممّن استرخصتْ الدم السوري واقعةٌ في دائرة الاتهام، وعلى رأسها السلطة القائمة في سورية.

التطور اللافت هو أن هذه المجزرة قد نالتْ «حظوةً إعلاميةً». ربما يرتبط ذلك بالمجتمع الدولي الذي اعتاد على تصنيف الكيماوي في خانة أسلحة الدمار الشامل. وعَزَّزَت هذه الحظوة الإعلامية، في السياق السوري، تصريحاتٌ سابقةٌ للسيد أوباما تحدّث فيها عن «خطوطٍ حمراء». لكن بالنسبة الى الإنسان السوري فالأمر سيّان؛ إذ ما الذي يجعل الكيماوي مختلفاً عن صواريخ السكود؟ وبراميل الديناميت المتفجرة؟ والطائرات الحربية والقنابل؟ هل هناك فرقٌ بين الموت بهذا أو ذاك؟ تُرى، ما هو جواب الأطفال الضحايا إنْ خَيَّرْنَاهُم بالطريقة التي «يودّون» الموت بها؟ لعلّه ليس من الصعب أن نجزم بأنهم ما كانوا ليختاروا سوى الحياة، لكن هيهات لتجار الدم أن يستوعبوا.

وقد أعقب هذه الضجّة الإعلامية تهديدٌ «بتدخلٍ عسكريٍّ ضد النظام السوري»، مع العلم بأنها لم تكن المرة الأولى التي تُرْتَكَبُ فيها مجزرةٌ همجيةٌ بحقِّ سوريين أبرياء. وعليه فمن الصعب القول، بعد أكثر من مئة ألف ضحية، بأن التهديد الحالي بالتدخل مستندٌ إلى «صحوة ضميرٍ أخلاقيةٍ» في المجتمع الدولي.

في الحقيقة، فالحديث الإعلامي عن تدخلٍ عسكريٍّ شاملٍ هو ضَرْبٌ من العَبَث على المستوى العملي، بخاصة مع تعقيدات المشهد السوري الذي لم يعد منشطراً إلى فريقين. إذ لن يتعدّى التدخل المفترض – إنْ حَصَلَ – بضع ضرباتٍ هنا وهناك تشمل بعض مواقع النظام (ويقال أيضاً إن الضربة ستشمل مواقع للمعارضة المسلّحة في الشمال)؛ ضرباتٍ لن «تحمي الشعب»، وبكلِّ تأكيدٍ، فهي لن تؤثر في بنية النظام، كما أنها ليستْ بقصد إزالته أصلاً وفق التهديدات الغربية ذاتها. إذ ما زال النظام، حتى اللحظة، الأقل تشتتاً والأقدر على تقديم ضماناتٍ بحفظ الحدود الشمالية لإسرائيل. وعليه، فمن المستبعد أن نرى الولايات المتحدة عازمةً على حسم الوضع القائم لمصلحة المعارضة على اختلاف تشكيلاتها. ولهذا فما تريده الولايات المتحدة من هذه الفقّاعة الإعلامية الهائلة، على الأغلب، هو إعادة التوازن إلى العنف القائم في المشهد السوري، مع الحرص على منع أيٍّ من الأطراف العنفية من تحقيق انتصاراتٍ معتبرة.

يمكن المجادلة أيضاً بأن هذه الضربة – إن حصلتْ – ستأتي بنتائج عكسية؛ عبر شَرْعَنَةِ وجود النظام في عيون مؤيديه، ودفع ملايين السوريين الصامتين والخائفين والنازحين في مناطق سيطرته للالتفاف حوله، وعبر إدخال النظام في حالةٍ مضاعفةٍ وهذيانيةٍ من «جنون العظمة» بعد أن يعلن صموده في وجه الإمبريالية والمؤامرة الكونية، ولا نستبعد رؤية الاحتفالات بـ «النصر» وهي تَعُمُّ المناطق الخاضعة لسيطرته (هذا سلوكٌ اتَّبَعَهُ كثيرٌ من الأنظمة المستبدة والمؤدلجة في الماضي).

من الصعب التكهُّن، في ضوء ظروف الفوضى الراهنة على الأقل، بتفاصيل المرحلة المقبلة بخاصة في ظل التشكيك الواسع لدى الرأي العام الغربي، وعدم انتهاء عمل لجنة التحقيق، وعقبة الفيتو في مجلس الأمن، واحتمالات رد النظام وحلفائه التي قد تُدْخِل المنطقة في أتون حربٍ إقليمية (لا يبدو أن أحداً مستعدٌّ لها في الوقت الحالي). وبناءً على كل هذه المعطيات فالضربة العسكرية مستبعدةٌ، على الأرجح، على رغم كلِّ التهويل الإعلامي.

أما إنْ حَدَثَ وحَصَلَتْ هذه الضربة فستترك أثراً سلبيّاً في سورية والسوريين، ليس فقط على مستوى تفتيت الحس الوطني/السيادي (الذي غدا هشاً ومستباحاً وبكلِّ أسفٍ)، بل على المستوى العَمَلي البراغماتي؛ فالتهديدات لا تشير إلى أيِّ رغبةٍ في تغيير النظام، كما أن سوابق التدخل في المنطقة ليست بالتجارب المبشرة بالخير على الإطلاق. يبقى احتمالٌ قويٌّ يشير إلى أن «التهديد بالضربة» مشروطٌ كجزءٍ من لعبة عضِّ الأصابع بين القوى العظمى، ويقع في سياق ضغوطاتٍ جِدِّيَةٍ للدفع باتجاه حلٍّ تفاوضيٍّ ما، حيث يُسْتَشْهَدُ هنا بالنشاط الديبلوماسي الحثيث، وبالتصريحات حول جنيف -2 (أو نيويورك 1) على هامش الضجّة الإعلامية السائدة.

في كلِّ الأحوال يجب التأكيد أن كلَّ تأخيرٍ في وضع حدٍّ لهذه الحرب العبثية، والدخول في جرعةٍ إضافيةٍ من التصعيد العنفي، يعني حُكْماً سقوط مزيدٍ من الضحايا الأبرياء وتعقيد الأمور: ستتابع الأطراف السورية ذبح بعضها بعضاً، ليبقى السوريون المدنيون ينتظرون موتهم وهم يترقّبون مجزرةً جديدة، وتستمر المأساة في حالةٍ من الاستعصاء الأليم.

أخيراً، وفقط للتذكير: «لو» أن السلطة الفاشلة لم تُقْدِمْ، منذ البداية، على القمع والقتل لما حصل ما حصل، ولما وصلتِ البلاد إلى هذا الوضع الكارثي. أقول «لو» وعَمَلُ الشيطان، في هذه الأيام الكالحة، مفتوحٌ على مصراعيه ليعيث قتلاً وتخريباً، فقد تعدّدت الأسباب، والأطراف، في سورية والقتل واحد: سواء كان بـ «السكود» من قوات النظام، أو بـ «الهاوِن» من المعارضة المسلحة، أو بـ «التوماهوك» من التدخل الأميركي.

* كاتب سوري

الحياة

بصدد التدخل العسكري المحتمل في سورية

مجموعة الجمهورية

من المحتمل أن توجه القوى الغربية ضربة ضد النظام السوري في أي وقت. وبينما لا نجد أي سبب يدعونا للأسف على توجيه ضربات إلى المجرم العام الذي يقتل ويعذب ويهين الشعب السوري منذ نحو 30 شهراً، فإننا لا نجد أيضاً ما يدعونا للابتهاج بمعاقبته المتأخرة جداً، ليس على استخدامه السلاح الكيماوي، وهو يفعل منذ بداية هذا العام، بل على طيشه في التوسع في استخدام هذا السلاح المحرم دولياً. لا نبتهج لهذا السبب بالذات. النظام لا يعاقب على جرائمه، ولا يطالب بكشف حساب بعد أن قتل أو تسبب في قتل فوق 100 ألف سوري، بل لأنه تجاوز الحدود التي رسمتها القوى النافذة في العالم، وكيلا يتجاسر على هذه الحدود شبيحة آخرون. وسرعة الإعداد للضربات المحتملة، واقترانها المباشر بالمجرزة الكيماوية الأخيرة في الغوطة الشرقية، يرجّحان أن الأمر يتعلق بعقاب عاجل، غرضه تأديب النظام الشبيح على انتهاكه «خطوطاً حمراء» غربية، وليس على جرائمه بحق محكوميه التعساء. الآن بلغ الأمر الحرج، وصار السكوت على تصرفات بشار الكيماوي والنظام القاتل الذي يرأسه تهديداً بتبديد هيبة تلك القوى النافذة وصدقيتها، وبتداعي النظام الدولي.

لذلك لا نستطيع المشاركة في حس البهجة المنتشر بقرب ضرب النظام، وإن كنا نتفهمه. فنحن لا نتبين وراء الضربة المزمعة منطقا للعدالة أو للتضامن الإنساني، أو وقوفاً إلى جانب الشعب الذي ثار على نظام طغيان بالغ الوحشية، أو إدراكاً متأخراً لمسؤولية القوى الغربية عن تحطم بلدنا وراء كل إصلاح ممكن في المدى المنظور. يقوم الأقوياء المسيطرون بفعل قوة ضد بلطجيّنا المحلي من أجل أنفسهم، وليس من أجلنا. لا بأس، لن نزعل، لكن لسنا فرحين.

لكننا نخشى أن ضربة تأديبية عاجلة، لا تندرج في استراتيجية أوسع لتخليص سورية والمنطقة من النظام الأسدي، ستكون تمديداً للاستعصاء القائم بطريقة أخرى، وتجديداً مغايراً للانسحاب الدولي من الشأن السوري، لا قطيعة معه.

ولا يبعد أن يكون غرض الضربات الوشيكة إنقاذ النظام من نفسه السيئة، وإعادة تأهيله من أجل أداء المهمة الطيبة من وجهة نظر الأميركيين والأوربيين: محاربة القاعدة والتنظيمات السلفية الجهادية. وربما أيضاً دفع النظام إلى جنيف 2 من موقع أقل قوة، وإجباره على القبول بمخرج سياسي، ربما يقوم على مشاركة معارضين «معتدلين» في السلطة، مقابل إعادة هيكلة النظام السياسي في سورية حول مهمة محاربة الجهاديين. قد يقتضي الأمر التضحية ببشار الكيماوي، لكن من أجل إنقاذ نظامه، جيشه وأجهزته الأمنية تحديداً.

ليس في ذلك ما يحقق أماني الشعب السوري، ولا حتى ما يوفر الوضع الأنسب لمواجهة المجموعات العدمية التي تشكل خطراً جسيماً على سورية والمجتمع السوري قبل أن تكون تهديداً لأية قوى غربية. لقد وفرت العطالة الدولية حيال النظام السوري المناخ الأنسب للتوسع في قتل المحكومين وتحطيم البلد، وتوفير المناخ المناسب لتولد تلك المجموعات العدمية العنيفة. لذلك لا نجد ما نتحمس له في معاقبة النظام بغية إصلاح سلوكه وتجديد انتدابه حول مهمة مكافحة الإرهاب. ما نراه، وما يبدو لنا أن سجلّ وقائع الثورة وما قبل الثورة يثبته، هو: نظام أسدي أكثر، إذن عدمية أكثر وعنف أكثر. والتخلص من النظام الأسدي هو بالتالي المدخل إلى التخلص من «الإرهاب».

ولا يحتاج السوريون إلى أن ينهض الغرب بعبء إسقاط نظامهم، فهم ثائرون عليه منذ عامين ونصف، وبذلوا كثيراً من الشهداء والدماء والتضحيات للتخلص منه؛ ما يحتاجونه هو مساندة جدية لهم في المهمة الهائلة التي نهضوا بها وحدهم، ولا يكفون عن القيام بها بأنفسهم.

آن الوقت لأن تطوي سورية ويطوي العالم هذا المسلسل الإجرامي، وأن يساعد السوريين في بداية جديدة، شاقة دونما ريب، لكنها أفضل لسورية وللجميع من تمادي الصراع ومن بقاء نظام الجريمة والإرهاب. يمكن للضربة الغربية المحتملة أن تحوز شرعية إنسانية وعالمية، وسورية، من توافقها مع تطلع السوريين إلى بداية جدية وتحقيق الهدف الأول لثورتهم. ولن تكون دون ذلك غير تبرئة ذمة دولية تجاه الشعب المقتول، ومنح النظام قضية ونصراً من نوع ما (ما دام لم يسقط رغم ضربه من أقوياء العالم)، ودفع الأوضاع السوري في درب تعفن لا نهاية له.

وباختصار، الضربة الجيدة هي التي تنزع سلاح النظام السوري وتوقف قدرته على قتل السوريين وتدمير مجتمعهم، والضربة السيئة هي تنقذ هيبة القوى الغربية، لكنها لا تنال في شيء من قدرة النظام على القتل والتدمير.

الضربة الامريكية: تقليم أظافر الاسد وليس اقتلاع براثنه/ صبحي حديدي

إذا وقعت ضربة عسكرية أمريكية ضدّ النظام السوري، بمشاركة بريطانية أو فرنسية أو تركية، وربما أطلسية مباشرة أو مقنّعة؛ فالأرجح أنها لن تكون، من حيث نطاق الأهداف وطبيعتها، أو مدّة العمليات العسكرية، أشدّ من عملية ‘ثعلب الصحراء’، التي نفّذتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون، وحليفها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ضدّ نظام صدّام حسين، في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 1998. ذلك رأي ساجلتُ فيه منذ الساعات الأولى لابتداء خطاب التسخين اللفظي العسكري على لسان الناطقين باسم البيت الأبيض، وقبل خطاب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي ألقى على نظام بشار الأسد مسؤولية استخدام الأسلحة الكيميائية، واعتبرها ‘بذاءة أخلاقية’؛ وكذلك، بالطبع، قبل تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه، التي خفّضت سقوف البلاغة، وحدها، وأبقت ميادين الإدارة مشرّعة لقرع طبول الحرب.

وإذا صحّ أنّ تسعة أعشار أنماط التدخّل العسكري الأجنبي في شؤون الشعوب تُصنّف، بدورها، في خانة ‘البذاءة الأخلاقية’ التي تحدّث عنها كيري؛ إلى جانب مضامين أخرى لا تقلّ بذاءة، حول افتراض دور الشرطي الكوني المخوّل ذاتياً، بعد التذرّع بأسباب ‘أخلاقية’ و’إنسانية’، بوضع حدّ لعذابات الشعوب؛ وهو دور ينتهي، غالباً، إلى سياسات الكيل بمكاييل عديدة، لا مكيالين اثنين فقط (وموقف أمريكا، والغرب عموماً، من إسرائيل هو المثال الكلاسيكي)؛ فالصحيح الموازي يشير إلى أنّ أنماط التدخل العسكري الأمريكي، كافة، كانت الأسوأ بلا استثناء، أينما وقعت على خريطة الكون عموماً، وحيثما وقعت في بلدان العالمَين العربي والإسلامي خصوصاً. والتاريخ سجّل، بالدماء والأشلاء والخراب والعواقب بعيدة المدى وشديدة الأذى، سلسلة المآلات الكارثية التي انتهت إليها وقائع التدخل العسكري الأمريكي المباشر في الصومال والعراق وأفغانستان وليبيا، فضلاً عن أنماط التدخّل الأخرى الكثيرة وغير المباشرة.

ما يصحّ حول التدخل العسكري، المباشر أو غير المباشر، يصبح أكثر صحّة في العمليات على شاكلة ‘ثعلب الصحراء’، التي تستهدف إنزال العقاب بطاغية ما، ليس بهدف الحدّ من شدّة بطشه بشعبه، أو ردعه، أو كفّ يده بما يتيح لذلك الشعب فرصة مقاومة نظام البطش وإسقاطه؛ بل لأنّ ذلك الطاغية تجاوز هذا ‘الخطّ الأحمر’ أو ذاك، فلجأ إلى طراز من البطش غير متفَق عليه، أو يغيّر قواعد اللعبة، كما سيقول أوباما لنظام الأسد، بصدد الجوء إلى الأسلحة الكيميائية. ومن الجلي، في مثال التسخين الراهن، أنّ رأس النظام السوري، في ارتكاب مجازر الغوطتَين الشرقية والغربية، على ذلك النحو الهمجي الوحشي المروع، لم يترك لرئيس القوّة الكونية العظمى أيّ خيار ثالث: إمّا أن يُؤدَّب الأسد على تجاوز للخطّ الأحمر (لم يكن الأوّل في الواقع، بل الرقم 50 ونيف، وإنْ كان الأعلى خرقاً لقواعد اللعب، واستهتاراً بالحدود القصوى لصبر البيت الأبيض)، أو أن يدخل أوباما التاريخ بصفات أخرى، غير أنه أوّل رئيس أفرو ـ أمريكي: أنه، أيضاً، ذلك الخَرٍع المتردد العاجز الأضعف من بطة قعيدة!

هذه حال أثارت سؤالاً طبيعياً، اتكأ عليه أنصار النظام أوّلاً، ثمّ طوّره ـ ضمن وضعية الاتكاء إياها، أو على نحو أسوأ ـ عدد من فئات ‘الممانعين’ هنا وهناك (وفي مصر ما بعد السيسي، تحديداً، حيث بات ممانعوها الجدد، من أمثال حمدين صباحي، ينافسون ممانعي الأردن القدماء!)، أو معارضي الولايات المتحدة المزمنين في اليسار الغربي إجمالاً (جان ـ لوك ملنشون، زعيم ‘جبهة اليسار’ الفرنسية، مثلاً)، أو أصدقاء النظام السوري في أوروبا (النائب جورج غالاوي…). السؤال يقول، ببراءة منطقية: ولكن… ما مصلحة النظام في استفزاز أوباما، وإجباره على الذهاب إلى خيارات قصوى ضدّ النظام، كما يحدث الآن في أجواء التسخين للعمل العسكري؟ وأمّا التفريع التالي لهذا السؤال الأوّل، فإنه يسير هكذا: لماذا هذا التوقيت القاتل لاستخدام الأسلحة الكيميائية، الآن إذْ يقيم فريق التحقيق الأممي في دمشق، على مبعدة كيلومترات قليلة من الغوطة؟

يتناسى هؤلاء أنّ المنطق الأوّل الذي حرّك دوافع النظام، في استخدام الأسلحة الكيميائية على هذا النحو الهستيري الفاضح والمفضوح، هو الحاجة العسكرية الصرفة، او بالأحرى منطق الحاجة إلى التعجيل بحسم معركة الغوطة بوسائل عسكرية غير تقليدية. كان النظام، وما يزال حتى الساعة، يخوض واحدة من أشرس مواجهاته مع كتائب ‘الجيش السوري الحرّ’، وكان في وضع حرج ومرتبك ظلّ يتفاقم طيلة شهور، ولم يعد يقبل انقلاب استمرار الأمر الواقع إلى هزيمة تدريجية للنظام تُدني فصائل المعارضة من قلب العاصمة دمشق. في عبارة أخرى، إذا صحّ أنّ الأسد استفزّ أوباما، فلم يكن ذلك الاستفزاز متعمداً وعشوائياً، بل كان قسرياً ولا غنى عنه في حسابات النظام؛ خاصة وأنّ تجارب استخدام الأسلحة الكيميائية في الماضي، وهي تُعدّ بالعشرات، لم تستجلب غضبة أوباما، وأبقت ‘الخطّ الأحمر’، إياه، افتراضياً ونظرياً فقط.

في عبارة ثالثة، لم يستفق الأسد من نومه ذلك الصباح الباكر، يوم مجازر الغوطتَين، وقد أنس في نفسه قوّة جديدة خارقة تستدعي استعراض العضلات، وصفع أوباما على الملأ، وإحراجه، بل إهانته شخصياً، قبل إرساله إلى زاوية الخيار العسكري الخانقة، الوحيدة. الذي حدث هو أنّ صمت البيت الأبيض الطويل على مجازر النظام، وتقرير الجنرال مارتن دمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، إلى الكونغرس (قبل ساعات سيقت تنفيذ مجازر الغوطة)، في الجانب السياسي؛ والحرج الشديد الذي كانت تنزلق إليه قوّات النظام على جبهات الغوطة، وبعض قرى الساحل السوري، في الجانب العسكري؛ سرّعت قرار استخدام السلاح الكيميائي، بل زيّنت للأسد أنه إجراء آمن، غير مستفِزّ، غير محفوف بالمخاطر، و… منطقي! بالطبع، إذْ سيتساءل العالم، تماماً كما فعل في الواقع: أيعقل منطقياً أن يستخدم الأسد هذه الأسلحة، وفريق التحقيق الأممي يحقق في دمشق؟

المتحمسون للضربة الأمريكية ـ ولستُ شخصياً في عدادهم، بل أعلن صراحة أنني على الطرف النقيض ـ ينقسمون إلى أصناف، بالطبع: بينهم المفرط في التفاؤل، إلى درجة الوثوق بأنّ النظام ساقط بسببها، أو بعدها، لا محالة؛ وبينهم الواقعي، المتفائل بدوره، الآمل في أن تتسبب الضربة بخلخلة ما تبقى من تماسك في صفّ النظام، وبالتالي تعجّل في سقوطه؛ وبينهم ذاك الذي يكتفي بتقليم أظافر النظام، والحيلولة دون لجوئه إلى استخدام هذه الأسلحة، أو سواها من أصناف اسلحة الدمار الشامل. الآخرون، المشككون في جدوى الضربة، أو المناهضون لخيار التدخل العسكري الأجنبي، والأمريكي خاصة ـ وأضع نفسي بين دعاة هذا الطراز الأخير من المناهضة ـ يساجلون بالعكس تماماً: أنّ الضربة قد تقلّم أظافر النظام، إلى حين فقط، ولكنها لن تقتلع أنيابه ولن تنتزع براثنه؛ وأنها لن تمنعه من أيّ استخدام جديد لهذه الأسلحة، في أية فرصة يجدها النظام سانحة أو إلزامية لقوّاته الموالية؛ بل قد تجد إدارة أوباما، في هذه الحالة، أنها ضربت مرّة واحدة، وكفى، ولن تعيد الضربة كلما فتح الأسد ترسانة أسلحته الكيميائية!

ما العمل، إذاً، بعد أن أقرّ أوباما، ومن ورائه ‘المجتمع الدولي’، بأنّ الأسد تجاوز الخطّ الأحمر، الكيميائي حصرياً؛ على صعيد القوى الشعبية للانتفاضة السورية، أوّلاً، وكتائبها المقاتلة، المقاومة للنظام وللقوى الظلامية التي تصادر روح تلك الانتفاضة وجوهرها الديمقراطي التعددي، ثانياً؟ الإجابة لا تقتضي مشقة كبيرة، إذْ تنحصر في خطوتين: ما دام الصراع قد اتخذ الصفة العسكرية، عموماً وعلى النطاق الأوسع، فإنّ تزويد كتائب ‘الجيش الحرّ’ بأسلحة نوعية (مضادّة للدروع وللطيران، تحديداً) لم يعد ضرورة عسكرية محضة، بل إنّ الامتناع عنه، او التلكؤ فيه، صار هو ‘البذاءة الأخلاقية’؛ وما دام هدف ‘المجتمع الدولي’ هو حماية المدنيين السوريين، والكلّ يتباكى على عذاباتهم، فليفرض العالم على نظام الأسد قبول منطقتين عازلتين في شمال سورية وجنوبها، للمرّات الإغاثية والإنسانية تحديداً؛ وهذه هي الإجابة على الشقّ الثاني من السؤال.

إكمال الانتفاضة حتى انتصارها الختامي هي مسؤولية الشعب السوري، الذي انتفض من أجل الحرّية والكرامة والعدل والمستقبل الديمقراطي والتعددي الأفضل، وخاض معارك مشرّفة طيلة سنتين ونصف، ودفع الأثمان الباهظة من دماء أبنائه وخراب بلده الجميل العريق، لا لكي يتسوّل الخلاص عبر بوّابة التدخل الأجنبي الخارجي؛ هذه التي لا تتعارض مع معمار أخلاقي يتوجب أن تنهض عليه سورية الجديدة، فحسب؛ بل تتعارض أيضاً مع الدروس التي خلّفها التاريخ، ساطعة وجلية وأليمة، من كلّ تجارب التدخّل الخارجي في الجوار. وكيف للشعب السوري ـ الذي ينتفض بوسائله، واعتماداً على ذاته، ويلحق الهزائم بجيش النظام، ولا يصمد بقوّة فقط، بل يحرز الانتصارات أيضاً، منذ آذار (مارس) 2011 ـ كيف له أن يدين التدخل الإيراني والروسي، وكتائب ‘حزب الله’ و’أبو فضل العباس′ والحوثيين… ويقبل، أو يعلّق الأمال على، عملية عسكرية محدودة النطاق، تستهدف عقاب النظام لا إسقاطه أو تبديله؟

وكيف إذا كان ‘الخلاص’ منعقداً على الولايات المتحدة، دون سواها، صاحبة أربعة عقود ونيف من عمر علاقات مع آل الأسد، الأب قبل الابن، نهضت على الدعم والمساندة والتعاون والتفاهم والشراكة، وليس على العداء والتناقض والقطيعة. وذاك تاريخ جيو ـ سياسي حافل، شمل لبنان أوّلاً، منذ دخول قوّات النظام بإذن أمريكي سنة 1976، وضرب تحالف القوى الوطنية والمقاومة الفلسطينية في ذلك البلد، وشنّ حرب المخيمات على الفلسطينيين؛ وصولاً إلى ‘عاصفة الصحراء’، حين انخرطت وحدات من جيش النظام في تحالف ‘حفر الباطن’؛ دون إغفال الرضا الإسرائيلي الغامر، بصدد نظام كان حارس حدود للاحتلال الإسرائيلي للجولان، تحت مسمّى ‘دولة مواجهة’. وذاك سجلّ يشير إلى أنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، لم تشجّع أي مساس جدّي بنظام ‘الحركة التصحيحية’، بل ظلّ العكس هو الصحيح على الدوام، وبقي الخيار المعتمَد هو هذا: الاستغناء عنه، وعن سواه، ممكن بالطبع، ودائماً؛ ولكن لماذا نفعل، والنظام خدم ويخدم أجنداتنا، وأجندات حليفتنا إسرائيل، وغالبية حلفائنا في المنطقة، رغم كلّ الضجيج والعجيج حول ‘الممانعة’ و’المقاومة’؟

نقلّم أظافره، إذاً، حين يتجاوز ما رسمناه له من حدود؛ ولا نقتلع براثنه، لأنّ لنا بها حاجة… أصلاً!

‘ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

حول الأسلحة الكيماوية والاغتيال الممنهج للإنسان السوري/ طلال الميهني

أنباء مريعة تتحدث عن قصف بغازات سامة أو سلاح كيماوي ضرب ريف دمشق، وسقط ضحيته مئات من المدنيين بينهم نساء وأطفال؛ كارثة أليمة تضاف إلى سلسلة من عمليات التدمير الممنهج للإنسان السوري، وتدق إسفيناً جديداً في مجتمع منهك وبلد مدمر.

ومع انتشار الخبر الأليم سارع المحللون السوريون وغيرهم إلى توزيع الاتهامات، بعد أن حولوا الجريمة النكراء إلى ‘فرصة’، والضحايا إلى مجرد ‘شيء’. ومما يؤسف له أن تلك التحليلات، في معظمها، لم تكن بهدف الوصول إلى الحقيقة، أو منع تكرار المجزرة، أو نابعة من رغبة في إرساء العدالة، بل نكاية كيدية ‘بالشيطان’ المختلف عنهم (مع تبادل المواقع حسب الاصطفافات التافهة أمام الموت وفداحة الخطب).

لا يمكن مقاربة مثل هذه الكارثة الـمريعة عن طريق الاختباء وراء ما يعجبنا من الآراء الفيسبوكية، أو أحاديث المقاهي، أو التصريحات الإعلامية، من أطراف لها مصالح شتى ومتناقضة في طمس الحقائق أو تشويهها، سواء من قبل النظام ومن يدعمه، أو ممن يدعي معارضة النظام ومن يدعم تلك المعارضة. فما حدث ويحدث وسيحدث هو تكرار بائس للمتاجرة الرخيصة بالضحايا، وتحويل قذر للكارثة البشرية إلى ‘ساحة’ لإثبات الأهواء ووجهات النظر، ولحقنِ الذات المتضخمة بجرعات متوهمة من صوابية الرأي (أو الاعتقاد الخرافي بتلك الصوابية). وحدهم الضحايا يبقون، وسط هذا الضجيج الكريه، شاهداً على قذارة ووضاعة من يتاجر بهم ويستغل رحيلهم كأداة لتحقيق بعض المكاسب الدنيئة. بفتحِ باب ‘التخمينات’ فكل شيء ممكن ومحتمل، ولا أحد من الأطراف العنفية الداخلية والخارجية خارج دائرة الاتهام. ولعله من البدهي أن تتجه الأصابع لتشير أولاً إلى النظام (وللنظام سلوك قاتل واضح في قصف الأحياء السكنية بالطائرات والمدفعية والبراميل المتفجرة، بحجة وجود مسلحين مناوئين للسلطة). كما لا يمكن تبرئة المعارضة المسلحة (وهي شتات واسع من المجموعات المتباينة)، إضافةً إلى أياد خارجية إقليمية ودولية باتت تعبث في البلاد طولاً وعرضاً، من دون أن يكون للأطراف السورية، على اختلافها، قدرة على السيطرة عليها. ولهذا فطرح سؤال من قبيل: ‘هل يعقل من فلان وفلان أن يقوم بكذا أو كذا؟’ هو طرح عديم القيمة، ولا يصب إلا في سياق التشتيت الدعائي؛ فهل ما حدث طيلة سنتين مندرج أصلاً في باب ‘ما يعقل’؟

من الناحية الأخلاقية، لا أعتقد أن هناك رادعاً يمنع أياً من الأطراف العنفية المذكورة من ارتكاب هذه المجزرة الرهيبة (متابعة بسيطة لسلوكها تظهِر أن استرخاص الإنسان السوري هو سمة مشتركة بينها). وما هو مؤكد أن من أقدم على هذا الفعل الشنيع والخبيث أراد خلط الأوراق، وتعقيد المشهد أكثر وأكثر، وإدخال البلاد في مزيد من الدم والخراب، خاصة مع التصريحات الإعلامية التي تتحدث عن ضربة عسكرية وشيكة. ومع أن مثل هذه الضربة مستبعدة بسبب تعقيدات المشهد السوري، إلا أنها إن حصلت- ستكون محدودةً وذات أثر سلبي رغم كل التهويل، ما سيجعل منها استكمالاً لمسلسل الاستباحة السافرة لحق الحياة عند عدد كبير من السوريين الأبرياء.

وإن أردنا البقاء في دائرة ‘التخمينات’، والتبادل المراهق للاتهامات، من دون سعي نحو العدالة، فإن السؤال عن الجاني سيغدو شأناً عبثياً، مع ما يتلوه من نشر للخوف والإحباط، وتمييع للحقيقة، وتفريغ للجريمة من قباحتها، ومنحِ رخصة، غير مباشرة، بمزيد من المجازر التي باتت، وبكل أسف، حدثاً عادياً في المشهد السوري.

وأخيراً فمن النافل والـمكرر القول بأن الخطوة الأولى، لأي حل ناجع وحقيقي، ليست في رفع سوية العنف العبثي، بل في إيقاف ناره التي تلتهم سورية والسوريين. أما كل ما عدا ذلك، من الحلول الاجتزائية أو ردود الأفعال اليائسة أو التصعيدية، فهي مجرد تسكين عرضي موقت، وفرصة لزيادةِ المقتلة السورية، واستمرارِ الكابوس الأليم الذي سيشهد المزيد من الفظاعات؛ لكن هل من مجيب؟

مجزرة الغوطة كارثة لا تهزم شعباً ولا تقتل ثورة/ علا شيب الدين

خرج السوريون في تظاهرات سلمية غاضبة، جابت مختلف المدن والبلدات السورية، في جمعة اسمها “الإرهابي بشار يقتل المدنيين بالكيماوي والعالم يتفرّج”. أما مدلولات التسمية، فهي سقوط 1302 شهيد بهجوم كيميائي نفّذه النظام على غوطتي دمشق الشرقية والغربية، 67 في المئة منهم نساء وأطفال، وإصابة 9838 شخصاً، عدد الإصابات الشديدة 3041، بحسب بيان رقم 2، موقّع بتاريخ 22آب 2013 وممهور بختم “المكتب الطبي الثوري الموحد” في الغوطة الشرقية. نوّه المكتب نفسه في نهاية البيان بأن هذا الإحصاء لا يشمل الغوطة الغربية، التي تعرَّضت هي أيضاً إلى هجوم كيميائي يوم الأربعاء 21 آب 2013. تجدر الإشارة إلى أنه في كل يوم وفي كل لحظة يُكتشف شهداء جدد، ما يعني أن ما جاء في البيان هو مجرد حصيلة أولية، والحقيقة أن عدد الشهداء أكبر من ذلك بكثير.

الهجوم بالسلاح الكيميائي الآنف الذكر ليس الأول، فقد هاجم النظام في فترات سابقة من الثورة، مناطق في ريف دمشق وحلب وريف إدلب وحمص، وغيرها مما وثّقه ناشطون ميدانيون بصور وفيديوات تعرض حالات لأشخاص أُصيبوا بمواد سامة، إلا أن الهجوم الأخير كان الأشد “توحّشاً”، ما ينبئ ربما بتصعيد أكثر هولاً. فالمتابِع الجيد لـ”سياسة” النظام المتّبعة في قمع الثورة منذ الأيام الأولى لتفجّرها، لا بد أن ينتبه إلى التدرّج أو التصاعد في القمع، وتفاوته بين محافظة وأخرى، بين مدينة أو قرية وأخرى، بل بين حيّ وآخر. إذ القمع الذي كان عنفاً ثم تحوّل مع مرور الأيام حرب إبادة بشكل مدروس، غايته الإنهاك، وقتل الروح الثوري، وكسر إرادة الحرية، وتدمير طاقة الحب والحياة أو الارتقاء بالذات وبالأخلاق وقيم المواطنة التي انطلقت الثورة من أجلها، بغية تكريس الكره والحقد بين الناس، وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وتأجيج العصبيات الطائفية والمذهبية والإثنية والدينية، ناهيك بتدمير البنية التحتية. التدرّج في استخدام القوة، جاء مواكَبةً لاستمرار التظاهرات السلمية وازدياد دفق الحياة فيها، وهذه بدورها تصاعدت وتيرتها واتسعت، مع ارتفاع منسوب القمع وازدياده، ما جعل العلاقة بين تصاعد ثورة الشعب السلمية وتصاعد عنف النظام، طردية وجدلية ومتداخلة. هكذا، إلى أن وصلت الثورة إلى مرحلة ما عادت فيها السلمية الخالصة مجدية، فانتقلت إلى طور آخر يسمح باستخدام العنف دفاعاً عن النفس. ما يميز الثورة عن النظام هنا، أن لها أطواراً عدة لم تحدث قطيعة في ما بينها. فبعض سمات الطور السلمي الأول مثلاً، ظل موجوداً، وإنْ بزخم أقل، حيث أن التظاهرات السلمية أو الأنشطة المدنية استمرت إلى جانب القتال العسكري. أما النظام، فهناك طور وحيد يعيش فيه ويتعيّش منه ليس منذ اندلاع الثورة فحسب، بل منذ تسلمه مقاليد الحكم والمُلك في سوريا، هو طور الترهيب والبطش والتشبيح السديمي “الأبدي”.

رصْد سيرورة الثورة إذاً، يدفع إلى الثقة باستمرار الثورة على الرغم من كل شيء أولاً؛ ويدفع تالياً إلى عدم استبعاد تصعيد النظام في استخدام السلاح الكيميائي أكثر فأكثر. النظام الذي انتقل من القتل بالرشّاشات والمسدسات، إلى القتل والتدمير بالمدافع والدبّابات، ثم بالطائرات والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود، ولا يزال يعمل بدأب تحت إمرة السلطة الإيرانية المنخرطة في القتال لإبقائه، كونه راعياً مصالحها في سوريا. من أجل ذلك كله، بات من الضرورة القصوى، إفناء هذا النظام منعاً لحدوث كارثة إنسانية كبرى قد تكون أشد بشاعة مما حدث ولا يزال يحدث.

* * *

غوطة دمشق، تحاصرها قوات النظام وشبيحته، منذ أكثر من سنة. مقطوع عنها الغذاء، الدواء، الماء، الكهرباء، والمحروقات. أسوة ببقية المناطق الثائرة على امتداد الأرض السورية؛ دمّرها النظام قصفاً، قتلاً، اعتقالاً، اغتصاباً، نهباً وسلباً، تخريباً وحرقاً، ثم هجوماً كيميائياً مفاجئاً قبيل الفجر بينما كان الأهالي نياماً! لعل سائلاً يسأل عن ماهية هذه الحرب القذرة الجبانة، التي يغذّيها الذعر الوجودي من قلق الفناء لدى نظامٍ، عدوّه شعبه. عدوّ يتكون في غالبيته الساحقة، من أطفال ونساء ومسنّين وأبرياء عزّل، جوعى، مرضى، حفاة عراة! البدائيون حتى، كما يخبرنا أوتو كلاينبرغ في كتابه “علم النفس الاجتماعي” (صفحة 93-94)، “تخضع حروبهم في معظم الحالات لقواعد محددة في التعامل مع الأعداء، مثلاً: بعضهم (الاوستراليون) يقدمون أسلحة للبيض غير المسلحين قبل الهجوم، وآخرون يرسلون قوارب مؤن غذائية للأعداء الجائعين كي تكون الحرب متكافئة، وهناك مَن روى أن بعض الهنود اقتسموا بارودهم مع أعدائهم. كل الحالات تلك تتخذ طابع المباراة الرياضية. من ناحية أخرى، فإن الغارات المفاجئة من دون إنذار، غير معروفة تقريباً في الحرب البدائية”.

عندما يصبح الأطفال عقبة وجودية في وجه سعادة مَن يعتقدون أنفسهم بشراً، لهم وحدهم الحق في الوجود والتمتع بالحياة، وعندما تصير نساء بسيطات، مصدر خطر وتهديد ينبغي أن تُفجّر في قبالته نزوة الموت والانتقام وخرق القوانين كلها بما فيها القانون الدولي الذي يحرّم الأسلحة الكيميائية، وعندما لا يمكن تضخيم أنا الطاغية، إلا من خلال تشييء محكوميه، وقتلهم فداءً له من دون أدنى إحساس بالتعاطف أو الشفقة تجاههم كونه تم اعتبارهم “أشياء” لا تحس ولا تتألم…، عندما يحدث ذلك كله وغيره الكثير مما تعجز اللغة عن مواكبته؛ تصبح الحاجة إلى إعادة النظر في التاريخ والواقع والقوانين والقيم والمفاهيم البشرية، وفي كل شيء، ضرورة ينقشع معها ضباب العقل، ويتضح أمامه تفوّق بعض “المعاصرين” في الوحشية والهمجية، على البدائيين!

* * *

يتوقع المرء، بعد حدوث كارثة بشرية مثل مجزرة الغوطة، أن يضمحلّ السياسي أمام الأخلاقي والإنساني، لكن ثمة ما يعصف بهذا التوقع، يتراوح بين التمييع والتعمية، وبين المزايدة في المنطق والعقلانية وتعمّد الإسراف في التحليلات والفذلكات، والإمعان في معمعة التجاذبات السياسية والتنابذ، وتنازع الأطماع والمصالح الفردية والجماعية، الشخصية الحقيقية والاعتبارية، المحلية والإقليمية والدولية. يُستعمل الأطفال والنساء والأبرياء، كأدوات لتمييع الحقيقة وتسييسها وخلط الأوراق، وتنهمر الاستعراضات “الإنسانية”. استعراضات، ينزع بعضها إلى زرع الشك في العقول بشأن هوية الفاعل “المعروف المكشوف”، ثم يُصار إلى تقديم المدنيين كضحية لـ”طرفين” متصارعَين! كم يُفرِح القاتل هذا التمييع، وينعشه وينقذه! يتناسى أولئك “الإنسانيون” أن تسمية الأشياء بمسمياتها لكي لا يهرب الجناة من قبضة العدالة، هو الإنسانية بعينها، هو الحب في حد ذاته، وهو العقلانية والمنطق. فالعدل أو إحقاق القانون أهم من تباكٍ مجّاني، لأن من شأن ذلك حماية مدنيين آخرين لا يزالون أحياء نابضين، ومن شأنه أيضاً جعل القانون فوق الجميع وسيد المجتمعات وناظم العلاقات. إنه القانون الذي لا ينبغي له أن يكون حارس الأقوياء ومضطهِد الضعفاء. يُطلق، استناداً إليه، سراح ديكتاتور مخلوع مثل مبارك، عاث ظلماً في أرض مصر ثلاثة عقود، في اليوم نفسه الذي خرق فيه النظام في سوريا قانوناً دولياً “يمنع” استخدام السلاح الكيميائي!

بالنسبة إلينا، كسوريين عشنا في ظل الاستبداد والاستعباد، وعانينا منهما نحو نصف قرن من الزمن، ولا نزال، لا نحتاج إلى أدلة، لكي نعرف هوية قاتل شبابنا وأطفالنا وأمهاتهم وآبائهم وأجدادهم وجدّاتهم، في الغوطة وفي غير الغوطة، في أثناء الثورة وما قبل الثورة. إنها العائلة الحاكمة المالكة ونظامها الجائر وحلفاؤها. أما الأدلة، فقد يحتاج إليها غير السوريين إذا ما خامرمهم الشك في هوية مرتكب مجزرة الغوطة وغيرها. عندئذ، في الإمكان مشاهدة الصور المروعة المرعبة لضحايا الكيميائي التي عمّت وسائل الإعلام كافة بواسطة كاميرات “الناشطين السوريين الميدانيين”، وفي الإمكان إمعان التفكير في مطالبات الثائرين والناشطين جميعهم بدخول “لجنة التفتيش الدولية” في شأن استخدام السلاح الكيميائي، قبل اندثار الأدلة التي تثبت استخدام النظام للكيميائي، فمعلوم أن بعض أنواع المواد الكيميائية يختفي أثرها بعد مرور ساعات أو أيام قليلة جداً. تلك اللجنة القابعة في فندق فخم وسط العاصمة، تفصله عن مكان المجزرة مسافة تقل ربما عن 3 كيلومتر. وفي الإمكان التساؤل عن سبب انشقاق عناصر عن النظام من كتيبة الكيمياء بعد مجزرة الغوطة. أو في الإمكان استرجاع ذكرى مذبحة حماة في ثمانينات القرن المنصرم، وإعادة النظر في سلوك النظام منذ بداية الثورة، الموغل في قتل السوريين واعتقالهم وارتكاب المجازر الطائفية في حقهم وتدمير منازلهم وتهجيرهم وتشريدهم. هذا كله إذا استثنينا “الأقمار الاصطناعية” التي تكشف بدقة، متى، كيف، من أين، وإلى أين اتجهت الضربات!

في 8/11/2012، اعتُقل لدى أحد فروع الاستخبارات بدمشق، صديق روحي، مأمون نوفل. مأمون، شاعر رقيق، حالم، مرهف الشعور، يعشق الإخراج السينمائي، ثائر سلمي شجاع وحقيقي. صرف مأمون، ابن السويداء المقيم في بلدة جرمانا بدمشق، جهداً عظيماً في العمل الإغاثي ومساعدة الناس المحاصرين في ريف دمشق الثائر، وكان كريماً سخيّاً. في اليوم التالي لمجزرة الغوطة، أي في 22/8/2013، سلّم “الأمن” أهله بطاقة هويته الشخصية وأغراضه الخاصة، بعدما رفضوا تسليمهم جثته، وعمدوا إلى دفن الجثة من دون السماح لأهله بمعاينتها، وفق ما ذكرته “تنسيقية جرمانا” التي رجّحت أن يكون سبب ذلك آثار التعذيب الوحشي على الجثة. استشهاد مأمون نوفل تحت التعذيب، ليس إلا مثالاً من أمثلة مصائر يصعب حصرها ووصفها أو حتى تخيّلها، تبدو كأنها لعنة الأقدار حلّت على شعب يريد الحرية، والخلاص من نظام القهر. نعم، نحن السوريين الأحرار لسنا في حاجة إلى أدلة تعرِّفنا إلى هوية قاتل أهلنا وأبنائنا وأصدقائنا وأحبائنا. نعرفها حق المعرفة!

 كاتبة سورية

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى