صفحات العالم

ملف صفحات سورية عن الضربة الأميركية المرتقبة على سورية – كتاب عرب وأجانب

ما السر الذي يجعل من الكيماوي خطاً أحمر؟

(CNN)– تخفي التحركات الدولية ضد هجوم مزعوم بالكيماوي في سوريا، سؤالا محوريا هو: لماذا تقرر التدخل الآن وليس في وقت أبكر من الحرب الأهلية؟

لقد قتل في الحرب الدائرة أكثر من 100 ألف على مدى سنتين، وكانت هناك مجازر وسوّيت مناطق بالأرض واستهدفت التفجيرات طوابير كان الضحايا يقفون فيها انتظارا لرغيف الخبز، كما تم قطع رؤوس الكثيرين، وهجّر الملايين. لكن هجوما واحدا مرعبا أثار مخاوف الرئيس باراك أوباما من أنّ الخطّ الأحمر تم تجاوزه.

فأخذا بعين الاعتبار الحصيلة المرعبة أيضا للضحايا الذين سقطوا بالأسلحة التقليدية المتعارف عليها، ما الذي يجعل من الهجوم الكيماوي نقطة فاصلة تدفع العالم إلى التحرك؟ وما الذي يبرر التدخل في حال التأكد من أن سوريا استخدمت سلاحا كيماويا؟

الأسلحة التقليدية ليست أقل شرا

ويقول أستاذ العلوم السياسية في معهد سوارثمور، دومينيك تييرني “تقطيع أشلاء شعبك بمتفجرات عالية يمكن السماح به، تماما مثل إطلاق الرصاص عليهم أو تعذيبهم، لكن الويل والثبور للنظام السوري إذا فكر مجرد التفكير في استخدام أسلحة كيماوية.”

اقرأ أيضا..واشنطن “على أهبة الاستعداد” لعملية “محدودة” ضد سوريا

وفي مقال لصحيفة “أتلانتك” قال تييرني-مؤلف كتاب طريقة الأمريكيين في الحرب- إنّ “سيدة وابنها في حلب يمكنهما النجاة من الهجوم الكيماوي وليس من البديهي أن المتفجرات القوية أقل شرا من الأسلحة الكيماوية.”

ومن جهته، يقول الكاتب بول والدمان “أن يقتل المرء بغاز الخردل أمر مخيف ولكنه الأمر نفسه عندما يقتل في انفجار قنبلة. ويتم اعتبارك مجرم حرب في هجوم وأنك لست كذلك في هجوم آخر.”

كما يقول الكاتب في لوس أنجلوس تايمز، بول وابتفيلد “القنابل التي تدمّر مباني على رؤوس أبرياء منهم أطفال ونساء هي أمر سيء ولكنها لا تدفع إلى التحرك. ولكن شن هجوم كيماوي يثيرنا لدرجة شن الحروب.”

مصالح الولايات المتحدة

وسبق للبيت الأبيض أن أكد في تصريحات لـCNN  الأسبوع الماضي أنّ استخدام الكيماوي يتعارض مع المعايير المتفق عليها من قبل غالبية دول العالم منذ الحرب العالمية الأولى.”

كما أنّ الرئيس أوباما نفسه، أشار في حوار خاص مع CNN أنّه عندما تبدأ في ملاحظة استخدام أسلحة كيماوية على نطاق واسع فإن ذلك يعني أنه ينبغي التفكير في المصالح القومية للولايات المتحدة سواء فيما يتعلق بالتأكد من عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل أو لحماية حلفائنا وقواعدنا في المنطقة.”

أكثر من مليون قتيل بالكيماوي منذ الحرب العالمية الأولى

ويحظر بروتوكول جنيف الموقع عام 1925 الهجمات بالأسلحة الكيماوية وذلك ردا على واحد من أفظع الهجمات التي شهدتها الحرب العالمية الأولى حيث أدى استخدام أنواع من الغازات من ضمنها غاز الخردل والكلور المخصب بالفوسجين إلى مقتل 100 ألف شخص، وفقا للأمم المتحدة.

لكن منذ نهاية تلك الحرب أدى استخدام تلك الأسلحة إلى مقتل ما لا يقل عن مليون شخص لاسيما بعد أن أدت الحرب الباردة إلى زيادة في وتيرة تصنيع تلك المواد.

وأبرز الأحداث التي تم فيها استخدام أسلحة كيماوية كانت عام 1988 أثناء الحرب العراقية-الإيرانية. واستخدم صدام حسين تلك الأسلحة لقمع الأكراد في مدينة حلبجة وضد القوات الإيرانية. وعام 1992 تم تبني معاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية.

هل ينبغي وضع حدود للحروب

ويعتقد عدد من المحللين أنه من المنطقي أن يرد العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة بكيفية مختلفة كلما تعلق الأمر بهجوم كيماوي. فوفقا للمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية دون بوريلي فإنّ الأسلحة الكيماوية عمياء بكيفية تجعلها تضرب دون تمييز “وعلى الأقل هناك بعض التمييز بالنسبة إلى الأسلحة التقليدية.”

ومن جهته، يقول المسؤول السابق في البنتاغون مايكل روبن إنّ “الأسلحة الحديثة أكثر دقة رغم أنّها أشد فتكا.” غير أن الأسلحة الكيماوية تنتشر على مدى أوسع بما يتيح إصابة أعداد كبيرة وقد تلحق بهم “ضررا يستمر مدى الحياة” لكنه يعترف أن بعضا من الأسلحة التقليدية تتميز بنفس الآثار أيضا.

لكن هناك سببا آخر يجعل من استخدام الأسلحة الكيماوية مبررا للردّ العسكري من قبل المجتمع الدولي، وفق روبن.

وأوضح قائلا “نريد وضع نوع من الإطار للحروب. وإذا لم تقم بذلك فإنّ المقاتلين سيستمرون في توسيع المجال ورفض الحدود. فإذا لم يتم التدقيق بشأن هجوم كيماوي فكيف سيكون الأمر عندما يتعلق بهجوم بواسطة فئة ثانية من أسلحة الدمار الشامل مثل الهجمات الجرثومية أو النووية؟”

ومرت بعض الهجمات الكيماوية مر الخفاء وفي النزاع الحالي يعتقد أنه تم شنّ هجمات كيماوية على مدى ضيف عدة مرات.

بل إنّ تقارير نشرتها مجلة “فورين بوليسي” تشير إلى أن الولايات المتحدة “ساعدت صدام حسين عام 1988 في استخدام الغازات ضد القوات الإيرانية” غير أن روبن أوضح أنه يشك في ذلك لكنه حرص على القول “هناك سؤال جوهري: ألا يتعين علينا أن نستفيد من أخطائنا؟ وإذا قمنا بعمل خاطئ في السابق فهل يجبرنا ذلك على أن نستمر في نفس السياسة ونسمح لنفس الخطأ أن يتكرر؟”

وأضاف أن الولايات المتحدة ودولا أخرى ترغب في أن تعيد الأمور إلى نصابها بشأن التعامل مع استخدام الأسلحة الكيماوية وفقا لما تقرر بعد الحرب العالمية الأولى وحلبجة.

محللون: “تضخيم” في آثار استخدام الأسلحة الكيماوية

وقال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية طوني كوردسمان إن الصورة التي يحملها الناس عن الهجمات بالأسلحة الكيماوية “عادة ما تكون مبالغا فيها” حيث أنّ أضرارها لا تعني بالضرورة أنّها أشدّ وطأة من الآثار التي يخلفها استخدام الاسلحة التقليدية، مؤكدا أنّ “الفتك كان دائما تقريبا أشدّ على الورق أكثر منه في الواقع.”

وضرب مثلا على ذلك حلبجة حيث أنّه حتى الساعة ليس هناك إحصاء دقيق ومستقل بشأن عدد القتلى في ذلك الهجوم.

وبرر ذلك بكون غالبية الناس تبني تقييماتها للهجمات بالأسلحة الكيماوية على أساس ما تحتفظ به الذاكرة الإنسانية من صور الحرب العالمية الأولى.

أما تييرني فيمضي أبعد من ذلك بالقول إنّ معارضة الولايات المتحدة وبعض الدول الكبرى لاستخدام الأسلحة الكيماوية مرده في الأساس “مصالحها الاستراتيجية الضيقة.”

وأوضح أنّ لدى هذه الدول وخاصة الولايات المتحدة تفوقا في مخزون الأسلحة التقليدية وبالتالي فإنها تحاول الحفاظ عليه بمنع الآخرين من “استخدام الأسلحة الكيماوية حتى لا يحصل نوع من التوازن في أرض المعركة.”

غير أن روبن يرفض ذلك قائلا إنّ تفوق الولايات المتحدة يعدّ أيضا أكبر بكثير فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل بما يسقط تماما نظرية التوازن، وأنه بعد أن فشلت استخدامات الأسلحة الكيماوية على نطاقات ضيقة في حمل العالم على التحرك، يعد الهجوم الأخير المزعوم مثالا صارخا لا “يمكن الادعاء بأننا لم نره.”

ردود الفعل الغربية على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا

هجمات غربية وشيكة بعد مجزرة غوطة دمشق الكيماوية؟

تتصاعد ردود الفعل الدولية حيال مجزرة الأسلحة الكيميائية التي راح ضحيتها أكثر من ألف وثلاثمئة سوري في منطقة الغوطة بريف دمشق منذرة بهجمات غربية وشيكة على نظام الأسد. في حوار مع رالف تراب الخبير في الأسلحة الكيماوية تتساءل كيرستن داوسنت عن إمكانية التحقق من هوية مرتكبي الجريمة.

بحث الرئيس باراك أوباما في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي فرانسوا أولوند خيار القيام برد دولي منسق بعد أنباء استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين في سوريا. وأبلغ أولاند نظيره الأمريكي أوباما أن “كل المعلومات تتقاطع للتأكيد أن نظام دمشق قام بشن” الهجمات الكيميائية التي حدثت في 21 أغسطس/ آب 2013، وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية. وأكد مكتب أولاند أن “فرنسا مصممة على ألا تمر هذه الفعلة دون عقاب”.

وبعد ساعات من موافقة دمشق على السماح للمفتشين الدوليين بالتوجه إلى موقع الهجوم الكيميائي أعرب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عن خشيته من أن تكون الأدلة على شن النظام السوري هجوما مفترضا بأسلحة كيميائية “قد أتلفت بالفعل … جراء القصف المدفعي” الذي شنه النظام السوري على موقع الهجوم المفترض، لافتا إلى أن “أدلة أخرى (أيضا) ربما تم تهريبها”. وكرر اقتناعه بمسؤولية النظام السوري عن الهجوم الكيميائي قائلا: “نحن في الحكومة البريطانية نعتبر بوضوح أن نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد هو الذي شن هذا الهجوم الكيميائي الواسع النطاق”. واعتبر وزير الخارجية البريطاني في أنه من الممكن الرد على استخدام أسلحة كيميائية بدون وحدة صف كاملة في مجلس الأمن الدولي معبراً عن أنه من الممكن التحرك لدواعٍ “إنسانية”.

وفي سياق متصل، أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على أن لديهما “تشكك ضئيل” في ضلوع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في استخدام غازات سامة بالقرب من دمشق واتفقا خلال مكالمة هاتفية على ضرورة أن يحاول مفتشو الأمم المتحدة في سوريا الحصول على مزيد من المعلومات حول هذا الأمر.  لكن ميركل وكاميرون اتفقا أيضا على أن مثل هذا الهجوم بأسلحة كيميائية يتطلب “ردا صارما” من المجتمع الدولي، بحسب متحدث باسم الحكومة البريطانية. وطالبت المستشارة الألمانية ووزير خارجيتها بأن تكون هناك “عواقب وخيمة” للنظام السوري في حال ثبت أنه استخدم الأسلحة الكيميائية. وكانت قيادات ألمانية قد استبعدت تدخلا عسكريا غربيا في سوريا، مؤكدة على أهمية الحل السياسي.

بدأت يوم الاثنين (26 أغسطس/ آب 2013) مهمة الخبراء الأممين بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيمائية في غوطة دمشق، فيما طالب بان كي مون دمشق بالسماح لهم بإجراء تحقيق شامل وبدون عراقيل، وسط تلويح غربي متزايد باستخدام القوة في حال تم إثبات تورط نظام الأسد بالهجوم.

الصحفية كيرستن داوسنت أجرت مع رالف تراب الخبير في الأسلحة الكيماوية، مدير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذي يُعَدّ أحد المستشارين المستقلين في قضايا التسلح، الحوار التالي حول مهمة المفتشين الدوليين في سوريا.

ما النتائج التي يمكن أن تتوصل لها في ضوء مشاهدتك للمقاطع المصورة القادمة من سوريا، هل أُستخدم السلاح الكيماوي فعلاً؟

رالف تراب: أعتقد أنه من المؤكد أن الحديث يدور وللأسف عن هجوم بالسلاح الكيماوي. فالصور التي رأيناها لا يمكن تفسيرها بشكل آخر. والسلاح الذي استخدم لم يترك تبعات تشير إلى حدوث انفجارات، بل كل ما رأيناه يشير إلى استخدام أسلحة سامة تسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا. هذا ما يمكن توقعه عندما يُشن هجوم بالسلاح الكيماوي.

هذا ما يمكن استنباطه من الصور. لكن ربما يحتاج المرء إلى أدلة تُجمع ميدانياً. ما هي صعوبة مثل هذه الخطوة؟

نعم. إذا تمكن فريق المفتشين الدوليين المتواجد حالياً في دمشق من الدخول إلى مناطق التي سقطت فيها الصواريخ وكذلك إلى المستشفيات، فإنه مهمته في التحري لن تكون صعبة. فجميع الدلائل ما زالت حديثة وهذا الفريق سيستطيع أخذ عينات بيولوجية وعينات من محيط الهجمات، وربما يتمكن من العثور على بقايا أسلحة. هذا كله جيد من أجل إجرلء التحريات التي لا بد من أن تتمخض وبسرعة عن نتائج.

وهل يمكن التوصل أيضاً إلى هوية من استخدم هذه الأسلحة؟

ليس بشكل مباشر، أقصد أن مهمة فريق المفتشين هي جمع الدلائل من مكان حدوث الهجمات. وهذا يعني تعليق الآمال على معرفة نوعية السلاح الذي تم استخدامه ومكونات هذا السلاح. وهذا يعني أننا سنعرف ما إذا كان الحديث يدور عن استخدام سلاح تقليدي أو سلاح تم تركيبه لهذا الغرض. نستطيع التعرف على تركيبة هذا السلاح، إذا تمكن المفتشون من العثور على بقايا منه.  فهناك سلسلة من الأمور التي قد تدلنا على مصدر هذا السلاح، وربما عن الجهة التي استخدمته. ولكن هذا كله ليس من مهمة فريق المفتشين الدوليين، فمهمته الرئيسية هي جمع الدلائل في عين المكان وعما حدث.

وفي ضوء هذا هل يمكنكم التوصل إلى تخمين ما حول نوعية المادة القتالية المستخدمة في هذا السلاح ومن يكون قد يمتلكها؟

الأمر ليس بهذه البساطة، بسبب تناقض المعلومات التي تصلنا، فنحن لا نعرف من أين تأتي بعض الفيديوهات ولا نعرف ما إذا كانت هذه الفيديوهات قد صُورت في أماكن شهدت هجمات. التقارير عن استخدام السلاح الكيماوي كثيرة وسبق تقديمها. بعض هذه الصور تشير إلى استخدام مادة الفوسفات العضوية التي تعتبر نوعاً من أنواع غازات الأعصاب. كما تم الحديث عن غاز السارين.

لا نستطيع نفي ذلك. صور أخرى تشير إلى استخدام مواد قتالية أخرى تؤثر على الجهاز العصبي. هذا كله يتطلب إجراء التحريات في المكان الذي استخدم فيه هذا السلاح. علاوة على ذلك، يجب إجراء فحوصات على المصابين وأخذ عينات دم وبول منهم. هذا كله يساعد على تحليل ما حدث وهكذا.

حاورته: كيرستن داوسنت

تحرير: عماد غانم

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013

اقرأ أيضًا: موضوعات متعلقة من موقع قنطرة

لهذه الأسباب استُخدم الكيماوي/ جاد يتيم

فيما تتصاعد احتمالات توجيه الولايات المتحدة ضربة عسكرية أميركية لمواقع استراتيجية للنظام السوري، تقاطعت معلومات مصادر دبلوماسية في بيروت ودمشق لـ”المدن” حول قيام النظام السوري بهجومه الكيماوي على ريف دمشق قبل أيام، نتيجة تمكنه من كشف خطط خاصة بالجيش الحر لاقتحام حي المزة الدمشقي ومحاصرته.

وبالتالي، فإن الرواية الرسمية للنظام السوري بشأن الضربة الكيماوية، سواء التي أعلنها الجيش السوري أو وزير الإعلام عمران الزعبي، من أن المعارضين هم من استخدموا الكيماوي ومن أن الصواريخ المحملة بهذه المواد “انطلقت وسقطت” في مناطق سيطرت المعارضة، لا تلقى آذاناً صاغية في الغرب وواشنطن تحديداً.

وأوضح مصدر واسع الاطلاع في واشنطن، لـ “المدن”، أنه على الرغم من أن الغرب يتعامل بـ”واقعية” مع فكرة وجود “حرب اهلية في سوريا وبكل تبعاتها”، فلقد هال المسؤولين في واشنطن “حجم الضربة وأعداد القتلى”.

وينفي المصدر أن تكون الضربة العسكرية الأميركية بهدف تحقيق “حسم عسكري”، لكنه لا يستبعد أن “تقترن بهجمات برية تنفذها قوات نخبة من الجيش الحر جرى تدريبها في الاردن”، مشدداً في الوقت نفسه على أن “توجيه ضربة عسكرية تأديبية للأسد عبر صواريخ دقيقة وبعيدة المدى مثل كروز، أمر لا بد منه حتى لو بدت في الافق حلول سياسية، قد يأتي بها اجتماع روسي – اميركي يعقد في موسكو أو زيارة سلطان عمان، قابوس بن سعيد الى طهران”.

ووسط الجدل الدائر حول مسؤولية الهجوم الكيماوي، أكدت مصادر دبلوماسية في بيروت ودمشق لـ “المدن”، أن “اختراقات في الجيش الحر، أدت إلى وصول خطة أعدها الجيش الحر للوصول إلى المزة ومحاصرتها بين فكي كماشة للنظام بكامل تفاصيلها، وذلك قبل أيام قليلة من الهجوم الكيماوي على المعضمية والغوطة الشرقية”. وأشارت هذه المصادر المطلعة إلى أن ذلك “دفع النظام إلى اتخاذ قرار حاسم بضرب ريف دمشق بعنف حتى التطهير”.

ولم تجزم هذه المصادر ما تعنيه المعلومات التي توافرت لديها بنية النظام “تطهير” المناطق الخارجة عن سيطرته في دمشق وريفها، لكنها أوضحت أن “ما نستطيع تأكيده أن ذلك عنى على الأقل، قصفاً عنيفاً (لهذه المناطق) وتطويقها بالدبابات تمهيداً لعملية فعلية وعنيفة لتطهير الشام وريف الشام”.

ولفتت هذه المصادر الدبلوماسية إلى “احتمال تواجد نحو 300 من عناصر إحدى فرق “الجيش الوطني” التي أنهت تدريبها في الاردن، في العاصمة دمشق، بهدف تنفيذ عمليات كوماندوس لتسهيل تنفيذ حصار المزة”. وأضافت المصادر “هذه القوة ربما بدأت عملها منذ نحو شهر مع بداية الهجمة المضادة التي قادها الجيش الحر في دمشق حتى وصل الى كراجات العباسيين”.

وفي هذا السياق، أكد نائب قائد المجلس العسكري والثوري لدمشق وريفها وقائد “لواء الشام”، “سليم”، في اتصال مع “المدن”، “تنفيذ النظام لعملية اقتحام واسعة للغوطة الشرقية والمعضمية صبيحة الهجوم بالكيماوي يوم الاربعاء الماضي”.

كذلك “نفى تماماً وصول او وجود أي قوات خاصة للجيش الحر أصلاً الى الغوطة الشرقية ودمشق، وذلك قبل الحديث المستبعد عن اشتراك قوات اميركية او اسرائيلية معها”، في اشارة إلى ما نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، مشدداً على معرفته “الكتائب والأولوية التي نقاتل معها جنباً إلى جنب ولم تدخل أي عناصر من الخارج”.

وكانت صحيفة “لوفيغارو” قالت إن دخول قوات نخبة من الجيش الحر مدربة في الاردن وقوامها نحو 300 مقاتل الى دمشق ترافقها عناصر اميركية واسرائيلية، وتحقيقها ضغطاً نوعياً على قوات الاسد في العاصمة، دفع النظام الى استخدام الكيماوي. وهو الامر الذي نفته الحكومة الاسرائيلية والمعارضة السورية على حد سواء.

وكشف سليم أن “التعزيزات الوحيدة التي وصلت الى دمشق وريفها في الفترة الاخيرة بهدف فتح طريق دمشق – الغوطة، هي من كتائب الجيش الحر القريبة من العاصمة وتحديداً القلمون”، مشيراً إلى أن “عديد هذه التعزيزات فاق الـ 500 مقاتل”.

وعند سؤاله عن السبب الذي قد يدفع النظام السوري الى فضح نفسه باستخدام بالكيماوي بينما تتواجد بعثة التحقق الدولية في دمشق، أوضح سليم أن “الأمر يتعدى عدم اهتمام النظام بالمجتمع الدولي إلى خطة أعدها تلي الهجوم بالكيماوي، وتقوم على اقتحام الغوطة الشرقية والمعضمية والسيطرة تحديداً على المناطق التي استهدفت بالصواريخ التي تحمل السارين، فيقوم بإخفاء أدلة وربما يدفن عدداً كبيراً من الضحايا، ويعكس الحقيقة عبر اتهام الجيش الحر باستهدافه بالكيماوي بعد استعادته السيطرة على الغوطتين”.

ورأى أن ما يؤكد ذلك “آلاف المقاتلين الذين حشدهم النظام والذين نفذوا هجوماً شاملاً تحت غطاء قصف عنيف من راجمات الصواريخ على كل محاور دمشق وريفها والمعضمية وداريا”، واصفاً ما حصل بأنه “أقوى حملة يشنها النظام لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر في دمشق وريفها مستغلاً انشغال الناس وبعض الكتائب بنقل الجرحى والشهداء واسعاف المصابين”.

وأوضح أن “القوات النظامية استخدمت في هذه الحملة كل أنواع اسلحتها من طيران حربي وصواريخ بالاضافة الى القوات البرية الكبيرة والتي بينها مقاتلين من العراق ولبنان”. وأشار إلى أن “عناصر الجيش الحر راحوا يتصدون وهم يضعون كمامات مصنوعة محلياً وأكثرها غير مجد إزاء الكيماوي الذي كان ينتشر في الاجواء”، مضيفاً أن “هول المجزرة خلق وحدة صف رهيبة بين الشباب فتصدى الثوار بكل أطيافهم لهذه الهجمة وأفشلوها”.

وشدد سليم على أنه “لو لم يفشل الجيش الحر هذه الحملة العسكرية، لما كان عرف أحد ربما بالمجزرة الكيماوية التي نفذها النظام”.

المدن

تنصت أميركي يدين النظام/ حسين عبد الحسين

قدمت ادارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اولى القرائن التي تعتقد انها تثبت تورط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الهجوم بالاسلحة الكيماوية على غوطة دمشق الاسبوع الماضي، وهي عبارة عن مكالمات هاتفية بين مسؤول في وزارة الدفاع السورية، وضابط في احدى الوحدات العسكرية المسؤولة عن الترسانة الكيماوية، ويتمحور الحديث بينهما حول هجوم كيماوي اوقع اكثر من الف قتيل.

الخبر حول تنصت اجهزة الاستخبارات الاميركية على هذه المكالمات، انفردت بنشره مجلة “فورين بوليسي”، التي قالت إن “هذه المكالمات هي السبب الرئيسي الذي دفع المسؤولين الاميركيين الى التعبير عن ثقتهم ان هجوم (غوطة دمشق) كان من فعل نظام بشار الاسد”.

إلا أن المجلة نقلت عن مصادر الاستخبارات الاميركية قولها، إن اعتراض المكالمات يطرح، بدوره، اسئلة تتعلق بمسؤولية اركان النظام: هل كان الهجوم من فعل ضابط تخطى صلاحياته؟ او انه جاء بأمر مباشر من اعضاء كبار في نظام الأسد؟

وتنقل المجلة عن مصدر استخباراتي قوله: “لا نعرف بالضبط لما حدث الهجوم، لكننا نعرف انه كان عملاً لعيناً مغفلًا”.

ووفقاً لـ “فورين بوليسي”، فإن “المكالمات، مقرونة بافادات الاطباء المحليين السوريين، وتوثيقات الفيديو للفاجعة، تعتبر كلها براهين ايجابية، وهو ما دفع الحكومة الاميركية، من الرئيس باراك أوباما ونزولاً في سلم المسؤولية، الى التأكيد علانية أن الجيش السوري ضرب بالغاز الاف المدنيين في منطقة الغوطة الشرقية”.

وتختم المجلة بالقول إن “الادارة الاميركية لا تزال تنتظر تحليلات التراب والدم وعينات اخرى، على غرار ما فعلت اميركا والدول الغربية في الهجمات الكيماوية السابقة، ولكن التحليلات هذه المرة هي بمثابة تحصيل حاصل، ولا شك ان نتائجها ستثبت القرائن الاخرى”.

وتحدثت مصادر اميركية اخرى عن وجود صور التقطتها الاقمار الاصطناعية، تظهر ان حمولة خرجت من احد مخازن الاسد الكيماوية، وتوجهت الى المكان الذي يعتقد ان الصواريخ اطلقت منه قبل نصف ساعة من هجوم الغوطة. وقالت هذه المصادر، إن الاقمار الاصطناعية الاميركية تراقب مخازن الاسد على مدار الساعة، وإن رصدها للحركة الاخيرة فيه المزيد من الاثبات حول مسؤولية نظام الاسد خلف الهجوم.

كذلك، قالت مصادر اميركية إن اجهزة الاستخبارات الاميركية نجحت — عن طريق صحافيين سوريين حضروا الى موقع الهجوم — في الحصول على صور لمكان وقوع الصواريخ، وان اجزاء كبيرة منها لم تنفجر، ما يساعد على تحديد ملكيتها حسب ارقامها التسلسلية. ويعتقد بعض الخبراء ان عدم انفجار اجزاء من رؤوس هذه الصواريخ يشي بأن الحمولة لم تكن تقليدية فحسب، بل تضمنت موادا كيماوية.

امام كل هذه الادلة، تعتقد ادارة الرئيس أوباما أن بين ايديها ملفاً فيه اثباتات دامغة على تورط نظام الاسد في هجوم الغوطة الكيماوي.

لكن حسم القرار بتنفيذ الضربة وموعدها، التي رجحت بعض التسريبات ان يكون غداً، لا يزال غير مؤكد وخاضع للمناورات الدبلوماسية المتواصلة فضلاً عن عدم تحديد اركان الادارة الأميركية إن كان الافضل لهم انتظار فريق الامم المتحدة، الذي قام بتحقيقات في الغوطة، حتى يقدم تقريره، او الذهاب الى الحرب حتى قبل صدور التقرير الاممي.

لكن عدداً من المسؤولين الاميركيين سبق ان اعتبر ان مهمة الفريق المذكور لم تتضمن تحديد هوية مطلق الصواريخ الكيماوية، بل فقط تثبيت ان كانت اسلحة كيماوية قد تم استخدامها ام لا، وهذا موضوع صار مفروغا منه، حسب هؤلاء المسؤولين.

في هذه الاثناء، اصدر “معهد دراسة الحرب”، بحثاً اعده الضابط السابق في البحرية الأميركية، كريستوفر هارمر، رأى فيه أن الضربة الاميركية المتوقعة “يمكنها ان تحدث ضرراً محدوداً بدرجات مختلفة لمقدرة نظام الأسد على استخدام الاسلحة الكيماوية او استمراره في العمليات بفاعلية ضد المعارضة”. واضاف انه “لا يمكن للضربة استئصال مقدرات النظام العسكرية او اسلحته الكيماوية، او التسبب بضعف دائم للنظام”.

لذا، يعتقد هارمر ان “الضربة ستكون غير فعالة، الا اذا كانت جزءاً من استراتيجية اميركية متكاملة، وذات موارد كافية، تجاه سوريا”. وهذه الاستراتيجية، من وجهة نظره، يجب أن تتضمن”مساعدة العناصر المعتدلة والعلمانية في المعارضة لالحاق الهزيمة بنظام الاسد الذي تدعمه ايران وبالمتطرفين المرتبطين بالقاعدة ممن يهددون باختطاف الثورة”.

ونبه هارمر إلى ان صواريخ الكروز وحدها لا يمكنها تحقيق هذه الاهداف، معتبراً أنه بالنظر الى القطع الاربع من الاسطول السادس  المتواجدة في البحر الابيض المتوسط، ونظراً الى ان حاملة الطائرات “هاري ترومان” لم تنضم الى هذه المجموعة، وإلى أن البحرية غالباً ما تستخدم غواصاتها التي لا تعلن عن مواقعها كذلك في الهجوم، فمن المتوقع ان تتكون القوة النارية للضربة الاولى من 204 صورايخ كروز توماهوك الموجهة عن بعد، “وهذا العدد كاف لضربة متوسطة الكثافة تشنها القوة البحرية ضد اهداف مختلفة للأسد”.

واعتبر أن صواريخ توماهوك فعالة جداً وتحقق ضربات قاتلة ضد اهداف “ناعمة” مثل الرادارات والابنية وانظمة الاتصالات والمقاتلات الجاثمة على الارض والآليات العسكرية. ويمكن لهذه الصواريخ، ان تحدث ضرراً كبيراً في اهداف مثل مدارج الطائرات ويمكنها تعطيلها الى حين، لكن لا يمكنها تدميرها. اما الاهداف المحصنة باسمنت مسلح وموجودة عميقاً تحت الأرض، فلا تأثير لهذه الصواريخ ضدها.

ودعا الخبير الاميركي الادارة الأميركية الى التحديد بدقة هدف ضربتها، واختيار نوع الضربة بناء عليه، وحث على استخدام سلاح الجو، مشيراً إلى أنه بامكان المقاتلات الاميركية القضاء الى حد بعيد على مخازن الأسد الكيماوية وتدمير قطعه العسكرية ومطاراته، ما يضعف من مقدرته العسكرية بشكل دائم.

لا يجوز ترك سوريا للإرهاب الإسلامي/ ايتان بن الياهو

فعلت الصور القاسية من سوريا فعلها. ويُجمع الساسة والمحللون على أن الامريكيين يجب أن يعملوا في أسرع وقت، بل إنه لا أحد مستعداً لانتظار استعداد مناسب للقوات على الارض، لاجراء تقدير للوضع أساسي والمقارنة بين خيارات العمل قبل اتخاذ القرار.

ينبغي قبل الخروج لهجوم عسكري أن يُحدد أولا ما هو الانجاز المطلوب؟ وينبغي بعد ذلك التحقق من أن الجيش يملك معلومات كاملة عن موقع الأهداف وتحصينها واستعدادات العدو. وينتهي النقاش الى مقارنة بين الخيارات والفحص عنها في ضوء تقدير احتمالات النجاح في مقابل الأخطار. والأجوبة الكافية على هذه الاسئلة كلها شرط للخروج للهجوم.

إن مسألة الانجاز المطلوب هي الأهم. فاذا استقر رأي الرئيس اوباما على أن يهاجم سوريا فسيضطر الى أن يحسم الاختيار بين خيارات رئيسة وهي: القضاء على نظام الاسد والافضاء الى هزيمته المطلقة؛ أو المس الكبير بمخزونات السلاح الكيميائي وبأهداف للسلطة لعقاب الاسد وردعه، ونظم حكم اخرى ايضا عن استعمال آخر لسلاح الابادة الجماعية؛ أو استعمال عملية رد محدودة تُرضي الساسة والرأي العام وهي ما اعتيد أن تُسمى “عملية لحاجات داخلية”.

إن القضاء على نظام الاسد يوجب وجودا عسكريا على الارض الى أن تنشأ حكومة جديدة. وسنشهد في اثناء ذلك ذبحا للطائفة العلوية واصابة لجنود امريكيين وغيرهم. وهناك احتمال كبير لانتقال المواجهة العسكرية الى داخل اسرائيل والى داخل دول مجاورة اخرى، وأن تزداد حدة المواجهة مع روسيا والصين وايران. إن الخطة الامريكية للهجوم على ايران ستبقى في اثناء ذلك في الدرج لأن العمل العسكري في جبهتين سيكون ثقيلا جدا عليهم. أما النظام في طهران فقد يتعجل السعي الى القنبلة الذرية خوفا على مستقبله.

إن الاضرار الشديد بمخزونات سلاح الابادة الجماعية وعقاب الاسد بضرب أهداف للسلطة يمكن أن يتما “من بعيد” دون وجود جنود على الارض. وهذه الضربة ستُقلل الخوف من انتقال الحرب الى داخل اسرائيل والى المنطقة كلها، لكن يمكن أن نُقدر أن يكون الانجاز المتوقع أقل كثيرا من الانجاز المطلوب، ومن المؤكد أنه لن يُحرز هدف ردع نظم حكم اخرى.

إن الخيار الباقي هو عملية مُجازاة حذرة ودقيقة. وهي ستؤثر قليلا اذا أثرت أصلا في ميزان المعركة في سوريا وفي مصير الاسد الذي قد حُسم أصلا في الأمد البعيد. لكن ضغط الرأي العام والصحافة على الادارة الامريكية سيقل. ولن يُرى الرئيس أنه لم يفِ بوعده بل قد تُتقبل هذه العملية بموافقة صامتة من الروس.

يبدو أن الحرب الأهلية في سوريا ستستمر وقتا طويلا بعد. وفي الاثناء لا يجوز أن تُترك سوريا للاسلام الارهابي المتطرف لأننا اذا اخطأنا في هذا الشأن فلن يكون لنا السيسي وجيشه لاعادة النظام الى ما كان عليه، من جديد. ولن يستطيع الاسد الذي لن يعود الى حكم سوريا الكبرى صد الفوضى وحمام الدم. وسيكون ذلك نصرا للارهاب. ولهذا لا يجوز الرد بسرعة. بل يجب أن يُختار بدقة الرد المطلوب وتجنب الانجرار الى داخل المعركة. ويجب في الأمد القصير منع ازدياد حدة القتال الداخلي في سوريا وانتشاره الى دول المنطقة. وينبغي في الأمد المتوسط بلوغ وضع يحكم فيه الاسد جزءً صغيرا من الدولة، مع خمود النار. ويمكن في الأمد البعيد فقط الحديث عن إبعاد الاسد وانشاء نظام حكم جديد مستقر. إن العجلة من الشيطان.

يديعوت أحرونوت

استخدام الـ’كيماوي’ والمجتمع الدولي ولا حياة لمن تنادي/ بيار لوي ريمون

تتوالى ردود الفعل وردود الفعل المضادة بعد الهجوم الكيماوي الذي أسفر يوم الأربعاء الماضي في منطقة الغوطة الشرقية بضواحي دمشق عن سقوط عدد من القتلى، تفيد مصادر عديدة بأنها جاوزت الألف قتيل.

ولكن ردود الفعل وردود الفعل المضادة هذه باتت تحقّق ـ وكالعادة- درجات من التسيّب والانحلال واللامبالاة تلامس اللامسؤولية، بما يترك الباب واسعا لنتساءل هل ثمة بذرة فاعلية في أروقة دوائر صناعة القرار الدولي. فقـــــد صارت تخــتزل حاليا قصة الهجوم الكيماوي مقولات من طراز البادي أظلم، وابحثوا عن الجاني فاصنعوا به ما طاب لكم عندما تضبطوه، والله ولي التوفيق.

أبهذه البساطة تعالج واحدة من أكثر الأزمات تأثيرا على شرق أوسط أيّامنا؟ أبهذه الدرجة من التقاعس في أداء الواجب يتعامل المسؤولون الدبلوماسيون تحت إمرة رؤسائهم المباشرين؟

ليس هذا المقال مجالا لتقييم مهنية المسؤولين المنخرطين في الأزمة السورية الحالية، غير أنّ لدينا عدّة أسئلة تقودنا الى تصعيد اللهجة. منذ اكثر من عامين بدأت الأزمة السورية، فتعهدت القوى العالمية الكبرى بعقد مؤتمرين للتباحث في حل النزاع. انعقد المؤتمر الأول فصار نسيا منسيا، ولم ينعقد المؤتمر الثاني، ولن نخون الحقيقة إن قلنا إنه لو انعقد لكتب له نفس المصير. طبعا، لا يغترنّ مغترّ كما يقال، فلم يكن هناك أمل كبير معقود على المطبّل والمروّج من الاجتماعات ولا على استبدال أرقامها بأخرى.

كان الأمل معقودا على التفكير في حل سياسي، يتمكن فيه كل طرف، ليس لمجرد إنقاذ ماء الوجه، وإنما للمضي قدما من أجل رسم ملامح حكم جديد في سورية، يتوافق أولا وأخيرا مع مطالب الشعب. فلماذا لم يتم التفكير في هذا الحل السياسي؟ والحل السياسي، كما هومعلوم، يتوقف على إشراك، شئنا أم أبينا، جميع الأطراف الفاعلة. ويمكن إلقاء السؤال بعبارة اخرى: لماذا لم تجر مفاوضات بين أطراف الأزمة السورية نظاما ومعارضة، ولماذا لم يجر النقاش على شكل الدولة السورية التي يمكن ان ترى النور بعد حكم الأسد؟ لماذا لم يجر التداول في مفهوم الديمقراطية، ولماذا ترك القتال يجري على عواهنه دونما فحص لمختلف الخيارات الإيديولوجية التي حملتها الأطراف المقاتلة، والتي كان يمكن أن يفعّلها الدهاء الدبلوماسي، بحيث تصبح هذه الأطراف في القتال أطرافا في الحوار؟

الطرف الوحيد الذي حاول ان يقدم مساهمة وجيهة في هذا الموضوع هو الطرف الإعلامي وبشكل محدود.

ألم يكن بحوزة دبلوماسيينا ‘المحنّكين’ أن يعقدوا مثل هذه الاجتماعات وراء الكواليس كما يقال؟ ألم تنصب الكواليس في المجال الدبلوماسي من أجل العمل؟

قد يردّ لي قائل إنّ لقاءات من هذا النوع انعقدت فعلا وأنت لا تدري… كل الافتراضات مقبولة طبعا، ولكن الواقع ناطق عن نفسه بنفسه أيضا، وهو واقع وصل الى تدرّج في مستوى الدمار لم نعهده.

‘إن اجهزة مخابرات امريكية وعربية أجرت تقييمها الأولي، الذي يفيد بأن قوات موالية للأسد استخدمت أسلحة كيماوية بالفعل’، تقول وكالة رويترز ساعة كتابة هذه السطور.

في المقابل تضيف الوكالة، ‘تقول حكومة الأسد إن المعارضة المسلحة ربما نفذت الهجوم الكيماوي بنفسها لاستدعاء التدخل الأجنبي’.

أمّا وزراء خارجية المجتمع الدولي فيتوعّدون ولا يغادر التلويح بتدخلّ عسكري ألسنتهم، أمّا البحث عن حلّ سياسي مع جميع الأطراف، فيبدو أنّ ملامحه – التي كان مفترضا لها ان ترتسم منذ بدء الأزمة ـ صائرة إلى زوال لأجل غير مسمّى،

وأمّاّ عن حقن الدماء، فيجدر بك ألاّ تسأل…

 ‘ باحث أكاديمي فرنسي

القدس العربي

غلطة الكيماوي/ وليد شقير

الأرجح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان يتمنى لو أن الناشطين السوريين الذين خاطروا بحياتهم ليل 20 الجاري وفي اليومين التاليين لقصف النظام الغوطتين الشرقية والغربية، فاستطاعوا التقاط الصور البشعة والمحزنة التي نُشرت عن الأطفال المقتولين بالغازات السامة، لم ينجحوا في إيصال وقائع تلك الجريمة التي سيسجلها التاريخ في قائمة الفظاعات ضد البشرية.

فالنظام السوري ارتكب قبلها فظاعات لا تحصى، بصواريخ سكود وبراميل البارود التي قتلت أكثر من 1360 إنساناً هو عدد الذين قضى عليهم الكيماوي، ودمرت آلاف المباني والأحياء في حلب وحمص وحماة وغيرها. واستعماله الصواريخ الحاملة لرؤوس كيماوية سبق أن حصل، ربما تكون موقعة خان العسل في منطقة حلب في آذار (مارس) الماضي الأولى التي تكشف للرأي العام، بل إن البعض لا يستبعد أن يكون سرّب بعض هذه المواد الى معارضين كي يستخدموها، من أجل أن يبرر لنفسه أن يفتك بهم عبر هذه الوسيلة لاحقاً. كان عدد الضحايا يقتصر على عشرين أو ثلاثين، هنا أو هناك، في شكل جعل العواصم الغربية تتحدث عن «مزاعم» استخدام الكيماوي والحاجة الى إجراء تحقيقات من الأمم المتحدة للتأكد منها على رغم معرفتها بحقيقة الأمر عبر استخباراتها وصور الأقمار الاصطناعية.

كان رد الفعل، لا سيما الأميركي، يتبع القاعدة التي سبق لأوباما أن أعلنها: «لا يمكن لأميركا أن تكون مسؤولة عن وضع حد للفظاعات أينما كان في العالم».

لم تسمح صور فظاعات الغوطتين لأوباما بأن يواصل سياسة الانكفاء التي طبعت سياسة إدارته حيال الشرق الأوسط، استناداً الى أولوية تصفية ذيول إخفاقات ما أورثه إياه جورج بوش في العراق، ثم استعداده للانسحاب من أفغانستان مطلع العام المقبل.

أحرج الرئيس السوري بشار الأسد أوباما على رغم تغاضيه عن الكثير من جرائمه، من شدة اعتماده على الانكفاء الأميركي، فأخرجه من التزام تلك القاعدة القائلة بعدم مسؤوليته عن كل الفظاعات أينما كان… وأحرج معه خصوم أميركا وحلفاء النظام، وفي طليعتهم روسيا وإيران اللتين لم تنفيا مسؤولية هذا النظام عن استخدام الكيماوي في معرض معارضتهما معاقبته بالضربة العسكرية المحدودة التي قررت واشنطن توجيهها إليه، إنقاذاً لماء الوجه. فموسكو وطهران تدركان، أن توسلهما الأزمة السورية للإفادة من انكفاء أوباما في المنطقة نتيجة الوهن الذي أصاب سياسات واشنطن فيها، لا يعني أن في إمكان أي قوة صغرى في العالم الاستهزاء بها في لعبة الدول الكبرى والقوية، إلى درجة استضعافها بارتكاب ما حصل في الغوطتين ليتحول سابقة عالمية قد يتهيأ النظام في سورية أو أي قوة أخرى في بلد آخر، لاستخدامها على نطاق واسع لاحقاً، في وقت تحوّل مبدأ وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل أساساً للسياسات والعلاقات الدولية.

ولم يكن الأسد وحده الذي أحرج أوباما، بل ان الناشطين السوريين المعارضين الذين نجحوا في تعميم صور المجزرة فعلوا ذلك. وهذا ما يفسر قول بان كي مون إن سورية أكبر تحدٍّ في عالم اليوم. ومع ذلك فإن الأمر لا يتعلق بالاعتبار الأخلاقي (على أهميته) الذي تجاوزه المجتمع الدولي بعد تغاضيه عن الجموح الإجرامي للنظام السوري. فهذا المجتمع تعايش مع سجله في الاغتيالات والإبادة وازدراء الذات الإنسانية على مدى عقود، خصوصاً خلال اندلاع الثورة في بلاد الشام.

الرواية عن أسباب هذه الغلطة الحمقاء باستخدام الكيماوي تقول إنه عند نجاح قوات المعارضة في اختراق ريف اللاذقية وارتكاب بعض فصائلها مجازر في قرى علوية، غضب وجهاء المنطقة وشيوخها من فشل رأس النظام في الوفاء بوعوده بإبقاء منطقة الساحل السوري بمنأى عن المعارضة وبأنها الحصن الحصين، فيما المسلحون يخترقونها، فجاءهم الرد بأن المنطقة ستسترد خلال ساعات. وهذا ما حصل عبر قوات الجيش الذي اعتمد أسلوب الأرض المحروقة لطرد المعارضين من المناطق التي احتلوها. وجرى إبلاغ وجهاء المنطقة وقادة الطائفة: «ستبقى المنطقة خطاً أحمر. وسنبيدهم عن بكرة أبيهم من الآن فصاعداً». وتضيف الرواية أنه في هذه الأثناء أدخلت المعارضة قوات الى محيط الغوطتين من النخبة التي جرى تدريبها في الخارج، وتبلغ النظام من الاستخبارات الصديقة بأماكن تمركزها فاستخدم الكيماوي ونفذ تهديده فحصل ما حصل ضد المدنيين.

وإذا صحت الرواية، فإن الاعتبارات التي أمْلت الضربة الكيماوية عند النظام تنتج مفاعيل تهدد سقف التوافق الدولي الأميركي – الروسي على مواصلة السعي من أجل الحل السياسي تحت مظلة «جنيف – 2»، وتسمح للنظام بنسف هذا الحل. ولعل إدراك موسكو أن النظام يخرق سقفاً دولياً كان جرى التوافق عليه، على أن يشمل توافقاً مع إيران عليه أيضاً، وإن لم تكتمل ملامحه بعد، هو الذي يفسّر قول الوزير سيرغي لافروف إن بلاده لن تدخل الحرب إذا وقعت. والأرجح أن القيادة الروسية تسعى الى حصر أضرار الرد الغربي، بحيث تكون الضربة العسكرية محدودة كما تعد واشنطن، بما يتيح إحياء جهود عقد «جنيف – 2».

أما الضربة المحدودة بالنسبة الى واشنطن فإنها تتعلق برد اعتبارها وصدقيتها بعد أن اعتبرت الكيماوي خطاً أحمر. وإذا لم تمهد الطريق لـ «جنيف – 2»، فإنها تأمل في أن تستمر الحرب في سورية من دون كيماوي.

الحياة

القليل من الواقعية/ حسام عيتاني

المعارضة كبيرة في الغرب للضربة المقبلة على مقرات النظام السوري. لا يريد المواطن في الدول الغربية التورط في صراع آخر لا يفقه شيئاً فيه. مرارة العراق وأفغانستان ما زالت في حلق المؤسسات السياسية والعسكرية.

هناك من حذّر من أن الولايات المتحدة، بقصفها بعض مواقع النظام، ستكون انتقلت إلى القتال في خندق «القاعدة» بما أن بشار الأسد يعلن ليل نهار أنه يحارب «التكفيريين» والإرهابيين، مشيراً إلى وحدة المصلحة مع الغرب في الصراع الذي يخوضه من جهة، وعلاقة «الحب- الكراهية» التي تهيمن على تفكيره بإزاء الغرب، من جهة ثانية.ويذهب آخرون إلى أن العملية العسكرية لن تكون سوى تبرئة لضمير النخب الغربية النرجسية التي استاءت من صور أطفال خنقهم الغاز السام، من دون أن يكون في حساب الحكومات المشاركة في الضربة تغيير النظام أو حتى إنزال عقاب رادع به. وسيتيح ذلك لسياسيي الولايات المتحدة وحلفائها متابعة مشاهد القتل اليومي للسوريين، بضمير مرتاح، بما أنهم فعلوا ما في وسعهم لوقف «الأعمال الوحشية» التي ترتكبها حكومات متخلفة بحق شعوب أكثر تخلفاً.

ثالثة الأثافي، ما ذُكر عن حرب صغيرة لا تزيد كلفتها على 140 مليون دولار، تتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية الأميركية واقتراب موعد «إغلاق الحكومة» بسبب الهوة المالية. تتلاقى هنا العناصر النرجسية والمركنتلية مع ضرورة حفظ ماء الوجه مقابل ديكتاتور دموي انتهك قواعد اللعبة التي يراقبها العالم من دون كبير اهتمام.

كل هذا أو جلّه صحيح. ومن السذاجة الاعتقاد أن الأميركيين والحلفاء سيؤدون دور القوات الجوية التابعة للجيش السوري الحر وأن ينفذوا مهماتهم واضعين الاعتبارات الميدانية والسياسية للثوار في مقدمة جدول الأعمال. فالضربة تخدم المصالح والاعتبارات الأميركية والغربية أولاً وأخيراً.

في المقابل، تقتضي الواقعية السياسية القيام بالتمرين الآتي: بعد الإقرار بكل ما سبق، وربما غير ذلك من المعطيات غير المنظورة، كيف ستستفيد المعارضة السورية من الضربة المقبلة، ما دامت ستقع بغض النظر عن الدوافع المباشرة والآنية.

بكلمات ثانية، نحن على عتبة تطور رئيس في الثورة السورية. ما زالت عواقبه غير واضحة. لكن من الأهمية بمكان عدم إضاعة الاحتمالات التي يفتحها في سبيل دفع الثورة خطوات إلى الأمام نحو تحقيق مكاسب جديدة وتكريس ما أنجزته حتى اليوم، وهو ليس بالقليل. وبغض النظر عن إعلان النظام السوري «انتصاره» المنتظر على «العدوان الإمبريالي»، وهي سُنّة طغاة هذه المنطقة وديدنهم منذ «الانتصار» على عدوان 1967 والذي تمثل ببقاء «الأنظمة التقدمية»، فإن المعارضة السورية مدعوة إلى تحويل هذا الهجوم إلى زخم سياسي وعسكري وإعلامي.

قد تكون الخطوة الأولى في المجال هذا التأكيد على الأسس الذي انطلقت الثورة منها: إنها محاولة المجتمع السوري استعادة ذاته من شدق الوحش المافيوي- الطائفي. خلاصة الموقف ليست في تردد أوباما ولا في اعتراض حزب العمال البريطاني ولا في تدفق النفط أو في أمن إسرائيل. المسألة، كل المسألة في الموقف من نظام أباح لنفسه إبادة مواطنيه ونقل أزمته إلى الدول المجاورة مخرجاً نفسه من أي مفهوم للسياسة أو الحكم وحتى للتعامل البشري والحضاري.

الخطاب الأخلاقي عن الحفاظ على البلد وإدانة العدوان الغربي و «الالتفاف حول الوطن»، يبدو متهافتاً إلى أن يلتقي في نهاية المطاف مع تبرير جرائم القاتل، شاء المروجون له ووعوا ذلك أم جهلوا.

الحياة

لم يعد ممكناً التملص من «الخط الأحمر» بعد الغوطتين/ راغدة درغام

نقل استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطتين المسألة السورية الى عتبة جديدة نوعياً على الصعيد العسكري في ساحة القتال كما على مستوى العلاقات الدولية والإقليمية. محور روسيا والصين وإيران و «حزب الله» والنظام في دمشق يقع الآن في ورطة حائراً. أمامه خيار الانحناء أمام اندفاع عسكري للولايات المتحدة لتلقين الدرس وتأديب مَن يستخدم أو يحمي الذي استخدم هذا السلاح اللاأخلاقي، وإن كان عبر ضربات غير قاضية هدفها ليس اقتلاع النظام. وأمامه خيار التصدي للعلميات العسكرية الأميركية المدعومة من دول أخرى في حلف شمال الأطلسي منها تركيا. الخيار الأول مخجل، لا سيما بعد كل تلك المغالاة والغطرسة والتشجيع على التعنت والرهان على ضعف بنيوي في الرئاسة الأميركية. الخيار الثاني معقد، لأن لكل من أطراف محور الممانعة علاقات وحسابات مدروسة مع الولايات المتحدة الأميركية لن يغامر بها بسهولة، لربما بين طيّات تطورات الأسبوع الذي مضى معطيات تدفع اللاعبين الدوليين والإقليميين الى تلك «الصفقة الكبرى» التي كلّف صنعها حتى الآن ما يفوق مئة ألف ضحية سورية ومليون طفل لاجئ سوري واستخدام أسلحة كيماوية تمزق القلب رؤية ضحاياها. لكن الواضح ان ما حدث هذا الأسبوع حذف من المعادلة امكانية حل على نسق نموذج اليمن بحيث يتنحى الرئيس في عملية خروج لائق. لقد فات الأوان. استخدام الأسلحة الكيماوية هو جريمة ضد الإنسانية لن يسهل بعدها البقاء اللائق لبشار الأسد في الرئاسة الى حين الانتخابات المقبلة منتصف عام 2014. ففي هذا أيضاً فات الأوان. أية «صفقة كبرى» إذاً، إذا كانت في الاعداد، فستتعدى الرئيس السوري ومعظم أركان نظامه باستثناء عناصر مهمة استثنائية في الجيش النظامي. ولذلك برز الحديث عن «جيش جديد» المقصود به ان يضم عناصر من «الجيش الحر» باستبعاد تام للمتطرفين في المعارضة السورية، وعناصر من «الجيش النظامي» باستبعاد من يقدم الولاء لعائلة الأسد قبل الولاء لسورية، وأية «صفقة كبرى»، إذا كانت في الوارد، ستتطلب اعادة فرز العلاقة الأميركية – الروسية، والأميركية – السعودية، والأميركية – الإيرانية، والأميركية – الصينية أيضاً. هذا الى جانب بزوغ حديث من نوع آخر بين القوى الإقليمية الفاعلة في موازين القوى في مقدمه حديث سعودي – إيراني وسعودي – تركي، ايراني – تركي، وربما تركي – اسرائيلي، انما الآن، ما يهيمن على الأذهان هو توقيت ونوعية الضربة العسكرية الموعودة وأهدافها وإفرازاتها وتداعياتها محلياً وإقليمياً ودولياً.

الرئيس باراك أوباما اتخذ قرار عدم غض النظر عن استخدام الأسلحة الكيماوية. تصريحات وزير خارجيته جون كيري ووزير دفاعه تشك هاغل توضح ان التدخل العسكري دُرِسَ والخطط العسكرية تم إعدادها وكل شيء بات رهن اصدار الرئيس أوامره.

زخم التسريبات حول المواقع والأهداف التي سيتم ضربها لافت ومدهش لدرجة اثارة الشكوك حول ما إذا كان الهدف منها التنصّل في اللحظة الأخيرة أو دفع اللاعبين الآخرين الى التوصل الى تفاهم أو صفقة تحول دون الحاجة الى التدخل العسكري. والبعض يمضي الى أبعد ويقول ان كل هذا الزخم من الأقوال والمواقع هدفه امتصاص الغضب والاستعداد الشعبي للقيام بعمل عسكري – وبعد تلك العاصفة يأتي الهدوء لإتاحة فسحة التراجع عسكرياً تحت غطاء الحاجة الى التفاهم السياسي والديبلوماسي.

آخرون يعتقدون ان ذلك التقويم هراء وأن باراك أوباما سيفاجئ من حجّمه وحاول تحقيره بوصفه ضعيفاً لا يمتلك الشجاعة على العمل العسكري وسيضرب مواقع مختلفة تماماً عما تم تسريبه. يقولون انه رجل صبور الى ان يفقد صبره، رجل تهادني الى ان يتخذ قرار المواجهة، رجل ذكي لن يدفع بوزيري الخارجية والدفاع الى اتخاذ مواقف علنية كالتي اتخذاها ثم يتراجع ويحرجهما بل يحرج أميركا.

توقيت العمليات العسكرية أيضاً سيبقى سرياً انما الواضح انه سينتظر مغادرة فريق الأمم المتحدة الذي يأخذ عيّنات هدفها ليس تحميل المسؤولية للطرف الحكومي أو لطرف المعارضة. مهمة الفريق علمية، إذ عليه ان يقدم تقريره حول ما إذا تم استخدام الأسلحة الكيماوية، وبأية نوعية، وما الى هنالك وليس استنتاج مَن استخدمها.

التحرك الأميركي بإعلان واشنطن ان لديها أدلة على قيام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين – الأمر الذي ينفيه النظام – والتحرك البريطاني بمشروع قرار طُرح في اجتماع للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن يعنيان ان انتظار مغادرة الفريق الأممي الأراضي السورية هو من أجل سلامة الفريق وليس انتظاراً لتقرير يحمّل المسؤولية لهذا أو ذاك. السفير السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، حاول اطالة بقاء الفريق في الأراضي السورية عندما طالب ان يتوجه الفريق الى ثلاثة مواقع أخرى للتحقيق، روسيا وإيران حاولتا ادانة استخدام الأسلحة الكيماوية وإدانة التدخل العسكري في آن. روسيا طالبت انتظار تقرير الفريق. والأمين العام بان كي مون دعا الى انتظار انتهاء الفريق من مهمته لكنه طالب مجلس الأمن بأن يتحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية.

الأرجح ان روسيا والصين ستمنعان مجلس الأمن من تبني قرار «اتخاذ كل الإجراءات الضرورية» لأنهما منعتا مجلس الأمن من أي تحرك في المسألة السورية عبر استخدامهما الفيتو المزدوج ثلاث مرات وعبر تعطيل أية محاولة لإصدار بيان رئاسي يتطلب إجماع أعضاء المجلس.

واضح، إذاً، انه لن يكون هناك تدخل عسكري بموجب قرار من مجلس الأمن يعطي تلك الصلاحية. فمن يقول ان قرار مجلس الأمن ضروري لأي تدخل عسكري يقصد القول انه لا يريد أية عملية عسكرية حتى إن كان هدفها احتواء نزعة النظام في دمشق لاستخدام السلاح النووي الفتاك ضد أطفال ونساء ورجال سورية. كل تفسير آخر ليس سوى دفن للرؤوس في الرمال، إلا لدى الذين هم مقتنعون حقاً بأن ذلك القدر من الغازات السامة متوافر لدى المعارضة السورية بما أدى الى قتل مئات الأبرياء – وعلى هؤلاء ان يتحملوا عبء الإثبات، وليس العكس.

يجب ان تكون روسيا مُطالبة بأن تتحمل عبء الاثبات بأن المعارضة استخدمت تلك الأسلحة الفتاكة، وإلا فإنها حقاً تستهتر بأرواح الشعب السوري وبالذات أطفاله، فإذا تمكنت حقاً من اثبات مزاعمها بالسرعة الضرورية، بجدية وبأدلة واقعية ليست على نسق بدعتها الأخيرة، يجب عندئذ ان تتم معاقبة المعارضة السورية التي استخدمت هذا الغاز السام بإجماع دولي بلا تردد أو مماطلة وليس مقبولاً أبداً أن تكون الأسلحة الكيماوية وسيلة لأي هدف ان كان هدفاً للمعارضة أو هدفاً للنظام. انه جريمة لا تُغتفر.

مهما كانت غايات المناورات السياسية أو المحادثات الجانبية، ان ما حدث من استخدام للأسلحة الكيماوية – التي أكدت واشنطن انه أتى على أيدي النظام في دمشق – أسفر عن تحوّل نوعي في موقف الرئيس باراك أوباما الذي طالما قاوم الانجرار الى الساحة السورية. لعل أركان النظام في دمشق أساءوا قراءة الرئيس أوباما أو أساءوا تقدير رد الفعل الدولي بعدما تم استخدام قدر أقل من الأسلحة الكيماوية. ما حدث هو ان ذلك «الخط الأحمر» لم يعد ممكناً التملص منه بعد الغوطتين.

فأميركا دخلت المعركة السورية بعد الكيماوي، مباشرة إذا قصفت، وغير مباشرة إذا سلّحت المعارضة أو سمحت بتسليح نوعي. الحديث اليوم يصب في خانة ضربات عسكرية لـ «تحالف» دولي تقوده الولايات المتحدة يفتح الباب أمام اقامة منطقة حظر طيران أو مناطق آمنة وممرات أمنية كانت تركيا سعت وراءها منذ زمن. هذا تحوّل نوعي. قيام حلف «الناتو» بلعب دور مباشر هو أيضاً تحوّل نوعي. التحاق دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر وربما مصر أيضاً هو بدوره تحوّل نوعي.

كل التصريحات الأميركية العلنية تفيد بأن الهدف ليس توجيه ضربة قاضية تطيح النظام وإنما الهدف معاقبة النظام وتأديبه لا تغييره. الأسباب كثيرة، منها: أولاً، ان الساحة السورية غير جاهزة للبديل مع ان الكلام عن «جيش جديد» قطع أشواطاً مهمة. ثانياً، هناك حرص بالغ على عدم تحوّل الضربة العسكرية ضد النظام الى تقوية العناصر المتطرفة والإرهابية في الساحة السورية المعارضة. ثالثاً، عدم وضع الإطاحة بالنظام هدفاً مباشراً للعمليات العسكرية يعطي فرصة لانشقاقات نوعية تسمح بالتحاق عناصر مهمة من الجيش النظامي بالجيش الجديد الذي تقوده عناصر قيادة الجيش الحر. رابعاً، ان العمليات الجوية تأتي ركيزة اضافية وفاعلة في عملية استنزاف النظام.

بكلام آخر، سيتم فتح صفحة جديدة تماماً عندما تبدأ أول عملية عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة والتحالف الجديد. انها صفحة الضربات الجوية المتتالية بقصف قد يدوم اسبوعاً أو سنة أو سنوات عدة . أحد أهداف ذلك، من جهة، هو إضعاف النظام وإنهاكه لدرجة اضطراره للقبول بالتنازل عما قد يكون «جنيف 2» أو صفقة من نوع آخر. الهدف الآخر هو فتح المجال لأطراف أخرى في «التحالف» لتقوم هي بالإطاحة بالنظام بدلاً من الولايات المتحدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر وكذلك تركيا.

فهذه معركة أساسية في خريطة موازين القوى في الشرق الأوسط كما في نوعية العلاقات الدولية. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أفرط في الرهان على عجز الرئيس أوباما لدرجة الاستهتار به والإهانة له. لم يتذكر ان المؤسسة الأميركية سبق ومرّت بتجارب سوفياتية مماثلة أسفرت عن تقليم أظافر الذي تطاول كثيراً. ظن نفسه حقاً زعيم دولة عظمى ونسي ان شخصية الرئيس – على أهميتها البالغة – جزء من المعادلة. الآن، اضطر الرئيس أوباما للرد قائلاً: أنا هنا.

رفض أوباما الاستماع الى القلق العربي من اعطائه ضوءاً أخضر لتجاوزات إيران في سورية – عمداً أو سهواً – أسفر عن دور سعودي غير تقليدي بعلنيته قيامه هو بدوره أيضاً: نحن هنا. لذلك تحركت الرياض مع موسكو ومع واشنطن على السواء لتقول بوضوح ان المعركة على سورية ليست مصيرية فقط لإيران وإنما هي بالقدر نفسه من المصيرية للمنطقة العربية. انها معركة توازن القوى الإقليمية وهي معركة رفض فرض إيران وتركيا وإسرائيل قوى الأمر الواقع وحدها في موازين القوى في الشرق الأوسط.

تركيا فهمت، اضطراراً، ان مصر ليست لها عبر حكم الإخوان المسلمين. ايران ستفهم، اضطراراً، ان سورية ليست لها عبر هذه الحرب المدمرة فتركيا اليوم أضعف مما كانت عليه مطلع ولاية أوباما إذ ان مصر اليوم تحررت من «النموذج» التركي الذي اعتقد أوباما انه «روشتة» الحكم الجديد في المنطقة العربية. ايران أضعف أيضاً لأنها تورطت عسكرياً في سورية، مباشرة وعبر «حزب الله»، وهي غير قادرة اما على الاستمرار في شراء التهادنية مع الغرب في أعقاب استخدام الأسلحة الكيماوية، أو على مواجهة الغرب عسكرياً بسبب افلاسها اقتصادياً وحاجتها الماسة الى ارضاء الغرب كي لا يحاسبها على طموحاتها النووية. فحتى لو قررت طهران المواجهة عبر استدراج اسرائيل الى المعركة، فهي تدرك ان ذلك سيسفر عن فتح باب الانتقام منها نووياً على الصعيد الإيراني وفسح المجال ميدانياً لتوريط «حزب الله» في حرب لبنانية تسحب مقاتليه من الساحة السورية.

روسيا، كما إيران، لن تدخل في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة أو اسرائيل، إذ ان الساحة السورية لها هي ساحة حروب بالنيابة وليست ساحة مواجهة أميركية – روسية عسكرية. ستمضي موسكو في الغطرسة والتضليل حتى آخر رمق من النظام في دمشق، لكنها لن تنتحر من أجله. فما حدث، كيماوياً، غيّر قواعد اللعبة. وبوتين قد يقدّر الخدمات التي قدمها نظام دمشق، لكنه ليس غبيّاً ولا هو جاهز للانتحار.

انها محطة جديدة قد تؤدي الى سلام في الشرق الأوسط عبر خريطة موازين قوى من نوع آخر، وقد يكون موقع انزلاق آخر لأكثر من لاعب على حساب سورية.

الحياة

تأديب الأسد قد يقضي عليه/ عبد الرحمن الراشد

بين تأديب النظام وتغييره الفارق كبير جدا، في لغة البيانات الصحافية، والإجراءات القانونية. ما سيحدث قريبا ضد نظام بشار الأسد لن يزيد على عملية محدودة. الهدف منها أن يعيد النظر في موقفه، ويمتنع عن استخدام الغازات والكيماوي من الأسلحة المحرمة دوليا.

صحيح أن الضربة صفعة محدودة، إلى درجة لن تضطر الرئيس السوري بشار الأسد إلى تغيير غرفة نومه، لكن تداعياتها لاحقا خطيرة، ودلالاتها مهمة.

هذا هو أول هجوم عسكري دولي ضد الأسد بعد سبعة وعشرين شهرا من الاقتتال. أهم دلالاتها موقف موسكو، فقد أعطى حليف الأسد الدولي إشارات غير مسبوقة بالموافقة ميدانيا على الهجوم، وإن لم يتخل عن لغته الدبلوماسية الناهية. موقف روسيا يشبه موقفها قبيل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. حينها اعترضت على الغزو لكن رفعت يدها، معلنة أنها لن تتدخل عسكريا لحماية صدام. الأمر نفسه مع سوريا، وهذا تطور ميداني مهم، لأن روسيا خلال العامين الماضيين دأبت على التهديد بأنها لن تقف متفرجة في حال ضرب حليفها السوري.

إن كانت القراءة صحيحة للموقف الروسي، فإننا أمام تبدل مهم في الحرب السورية في أعقاب التقارب السعودي الأخير مع الروس. حيث نلاحظ أن الروس ينسحبون من سوريا بهدوء. أولا، بدأوا في تقليص عدد خبرائهم العسكريين، ومن ناحية ثانية يتجه الروس إلى التخلي عن سوريا كقاعدة بحرية لبوارجهم في البحر المتوسط، والانتقال إلى اليونان. المعلومات من موسكو تقول: إن التخلي عن ميناء طرطوس مهد له بصفقة صواريخ روسية أرض جو لأثينا. وبانسحاب الروس يخسر الأسد أهم حليف دولي. بقي له إيران وحزب الله، لكن ما الذي في يد هذين الحليفين المخلصين للأسد أن يفعلاه؟

التهديد بحرق المنطقة جملة يكررانها، وسبق أن رددها صدام العراق، وقذافي ليبيا، وراحت معهم. إيران أكثر ذكاء منهم لا تورط نفسها، فقد حاربت مرة واحدة مضطرة ضد العراق في الثمانينات، بعدها لم تحارب أبدا لثلاثة عقود في أي عمليات عسكرية كبيرة، سواء في الخليج المهم نفطيا للعالم، أو ضد إسرائيل. تركت المهمة دائما لحلفائها الصغار، حزب الله وحماس. إيران تعرف أن ثمن المواجهة غال جدا، فحرب شهر قد تهدم ما بنته من منشآت عسكرية في ثلاثين سنة.

وكذلك حزب الله لن يطلق صواريخه على الشمال الإسرائيلي إلا مضطرا، أولا يدرك أنها لن تمنع الهجوم الغربي على الأسد، وثانيا سلاح الحزب الذي يوجع اللبنانيين، لإسرائيل ليس سوى «خربشات» قطط، فقط. الحزب، كذلك، قادر على تنفيذ عمليات إرهابية ضد مصالح عربية وأجنبية، وهذه أيضا لن توقف انهيار النظام في دمشق، بل ستزيد من قناعة دول العالم بضرورة محاصرة حزب الله، ومعاقبته في وقت لاحق.

نحن لن نشهد تكرارا للأحداث المزلزلة عندما دخلت الدبابات الأميركية وسط العاصمة العراقية وأسقطت صدام في ظرف بضعة أيام. المتوقع أنها ضربات عن بعد لمراكز سورية منتقاة، لن تسقط نظام الأسد لكن ستسهم وتعجل بانهياره في وقت لاحق. فالأسد، برغم ما تلقاه من دعم لا مثيل له، من إيران وروسيا والعراق وحزب الله، فشل في كسب الحرب، وبالتالي سنشاهد مريضا منهكا يقارع هجوما غربيا متفوقا عليه. ولو أن المعارضة موحدة، وجيشها كذلك موحد، ربما ما كانت هناك أصلا حاجة للعقوبات العسكرية الدولية، فالأسد منهك وكل الدعم الروسي والإيراني الضخم لم يرجع له شيئا مما فقده من أرض وسلطة.

وإضافة إلى ضعف النظام، عورته باتت مكشوفة نتيجة سحب الغطاء الروسي عنه، وكذلك بسبب إعلان إيران امتناعها عن الدفاع عسكريا عنه. لنتذكر أن هذا تحرك الغرب العسكري ضده لأول مرة، وها نحن نرى تداعيات التهديد من خوف ظاهر على النظام السوري، إلى استعداد الجيش الحر لتوسيع عملياته باتجاه العاصمة. جميعها نذر تؤذن بقرب سقوط الأسد خلال الأشهر المقبلة، وربما يعجل الخوف واليأس بانهياره قبل ذلك.

الشرق الأوسط

هل استشعر الروس احتمال سقوط الأسد؟

رأي القدس

اعتبر بعض المحللين أن ضربة النظام السوري الكيمياوية لغوطة دمشق ما كانت لتحصل دون موافقة روسية عليها، فضربة بهذا الحجم الهائل تحتاج غطاء دبلوماسياً وسياسياً من روسيا، لمنع مجلس الأمن الدولي من أخذ قرار أممي بمحاسبة مرتكبيها.

تعتبر روسيا الشعوب الاسلامية ذات الأغلبيات السنّية التي تحيطها كلها أعداء محتملين لها وأن الطريقة الوحيدة للتعامل معهم هي الطريقة نفسها التي استخدمتها مع الشيشان، الدولة التي تجرأت باعلان رغبتها في الاستقلال عن موسكو: الاخضاع بالنار والحديد، وقد تكرّست هذه العقيدة مع بدء الثورة السورية واتخذت شكل التحالف مع النظامين السوري والايراني.

لم يفهم سيّد الكرملين ان الشعوب في حركتها ضد الاستبداد ترفع رايات الهويّة الدينية والقومية كشكل من الاستقلال عن المحتلّ والمستبدّ وان ذلك يعكس تعطّشاً للهوية والعدالة الاجتماعية والتحرر السياسي. هذا الفهم الاستشراقي السائد في المدرسة التقليدية الروسية جعل بوتين في قاطرة واحدة مع حاكم قصر المهاجرين الذي ينظر الى شعبه النظرة نفسها ويتشارك مع حليفه بالطريقة الوحيدة للتعامل مع مطالب البشر وربما يعتبر نفسه أكثر خبرة قمعية فيها من حليفه الروسي.

فاجأ طلب روسيا من النظام السوري افساح المجال لخبراء الأمم المتحدة للدخول الى ريف دمشق الكثيرين وأدى فعلياً الى خضوع النظام لذلك، غير أن المفاجأة الحقيقية كانت في تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ‘ان بلاده لن تدخل في حرب ضد أحد’، وهو ما مثّل عملياً سحب الشيك المفتوح سياسياً وعسكرياً الذي كانت روسيا قد قدّمته للنظام منذ بدء الثورة.

ألم تعلم روسيا بالضربة الكيمياوية فسحبت غطاءها عن النظام السوري لتحميله مسؤولية ما جنته يداه أم أنها فوجئت باتخاذ امريكا قراراً بالرد عسكرياً على النظام فلم تستطع ربط موقفها المقامر مع النظام السوري الى نهاياته المفتوحة؟

من المؤكد أن روسيا كانت تجد في استخدامها حق النقض في مجلس الأمن وتصريحات وزير خارجيتها الهجومية حول سورية وصفقات سلاحها المدفوع ثمنها من دماء السوريين وشعوب المنطقة قضية مربحة رفعت أسهمها السياسية العالمية مستفيدة من ركاكة وهزال المواقف الخارجية الأمريكية، بل لعلّها كانت، الى وقت قريب، تعتبر كل ذلك نوعاً من اللعبة المتّفق عليها بين ادارتي موسكو وواشنطن.

بالغت الادارة الروسية كثيراً في استثمار التراجع الأمريكي، وكانت نبرة التحدّي والغطرسة الروسية في قمة الثمانية +1 ثم تدخل الكرملين في قضية سنودن وأخيراً الضغط الاعلامي العالمي بعد الضربة الكيميائية على حكومات العالم كلها، أسباباً دفعت اوباما للتسليم أخيراً بضرورة الردّ على موسكو بضرب حليفها في دمشق، وربما نبهته الى ضرورة مراجعة مبدئية لرصيده السياسي الخارجي المتهاوي.

وإذا أضفنا لهجة الخضوع والتراجع والاعتذار في مؤتمر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس وانكاره وجود معاهدة دفاع مشترك بين ايران وسورية وتبريره الموقف الروسي بعدم الدفاع عن النظام، وعطفناها على ما تردد عن مغادرة قطع من الأسطول الروسي ميناء اللاذقية وأنباء تهريب عائلات ضباط ومسؤولين سوريين لخارج سورية، سنعرف أن المبادرة الأمريكية قد أحبطت الروس ومن ثم هبطت بمعنويات قادة النظام السوري إلى الحضيض.

أغلب المحللين اعتبروا ان الضربات العسكرية القادمة للنظام ستكون نوعية ومحدودة ولكن السؤال الآن: ألا يمكن ان تؤدي هذه الضربات الى تحريك أحجار دومينو سقوط نظام بشار الأسد، وهل فكّر الروس بأن مغامرتهم الكيميائية الخاسرة قد قلبت الطاولة عليهم وأدركوا ان سقوط النظام السوري صار محتملاً ففضّلوا تقليص خسائرهم؟

القدس العربي

 

رصاص في جنازة/ ساطع نور الدين

 مثل الالعاب النارية، التي تصدر ضجيجا عاليا وتطلق الاسهم في السماء، وتعبر عن مشاعر اكثر مما تعكس مواقف،ستكون الضربة العسكرية الاميركية الوشيكة لسوريا.. التي يدور حولها نقاش داخلي في واشنطن، يجعل منها واحدة من اغرب العمليات العسكرية واشدها تعقيدا.

لعلها ستكون المرة الاولى التي يجري فيها استخدام الطائرات والصواريخ لابلاغ الخصم، لا العدو طبعا، بالاستياء من سلوك محدد، اكثر فظاظة من المألوف والمقبول..على ان تعود الامور بعد الضربة الى سيرتها السابقة، وتتواصل عمليات الكر والفر بين النظام وبين المعارضة داخل سوريا، وتستأنف عمليات البحث عن حل سياسي مستحيل لأزمة مستعصية، اثبت العالم كله قدرة عجيبة على التعايش معها على الرغم من اكلافها الانسانية الباهظة.

قبل ان تنطلق الطائرات الاميركية والبريطانية والفرنسية والصواريخ البعيدة المدى، فقدت الضربة الاميركية مغزاها، وصار من الصعب ان تجد ان الاهداف السورية التي تقصدها ما زالت في مواقعها. وبات بامكان النظام السوري ان يعتبر ان الامر لا يعدو كونه اطلاق نار في جنازة، يموه عن حزن أهل الفقيد، لكنه لا يضيف الى المأتم اي قيمة او مهابة.. وفي هذه الحالة يصبح اعلان النصر من قبل ذلك النظام حتميا وربما ايضا مشروعا.

يريد الاميركيون عملية عسكرية تعبر عن غضبهم من استخدام الاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق، من دون التسبب باغضاب النظام السوري، او استفزازه للاقدام على المزيد من مثل هذه الخطوات المشينة، او من دون تحديه للجوء الى توسيع الحرب خارج حدود سوريا.. والاهم من كل ذلك من دون التسبب بانهيار الجيش السوري على نحو ما جرى في العراق في عملية “الرعب والصدمة” في العام 2003، وبالتالي من دون الافساح في المجال للمعارضة السورية وتشكيلاتها الاسلامية لاقتحام دمشق او غيرها من المدن والمواقع الرئيسية الخاضعة لسيطرة النظام.

حتى الان، يعرف الاميركيون فقط ما يريدون تفاديه، وهو امر مستحيل فعلا، لان النظام غاضب حقا وهو لا يصدق ان اميركا يمكن ان تؤذيه، برغم العلاقات التاريخية التي صمدت على مدى اربعة عقود، وتقدم في الوقت نفسه خدمة لجبهة النصرة.. ولان الجيش الذي يفترض ان يكون البديل وان يظل عنوان الوحدة الوطنية السورية وربما ايضا حاميها الوحيد، خائف جدا من ان تكون الضربة عقابا اشد من المتداول حتى الان، وصفوفه تشهد هذه الايام تصدعا اضافيا.. ولان المعارضة تظن ان مهمة القوات الاميركية المقبلة هي ان تفتح لها الطريق الى دمشق وحلب وغيرها.

ما زالت اميركا والعالم كله حاسما بان اسقاط النظام لم ولن يكون هدفا، لان احدا لا يريد الفراغ والفوضى. لكن رأس النظام كان وسيبقى هدفا، حسب جميع الخطط الاميركية والروسية الضمنية، التي لم يكن من شأن الحملة الحالية عليه في اعقاب تجاوزه الخط الاحمر سوى التوكيد على انه لم يعد له مستقبل في سوريا. كانت الخطط كلها تنص على اخراجه من السلطة بطريقة تفاوضية تدريجية سلسة، وفي موعد محدد لا يتجاوز صيف العام 2014. يبدو الان انه جرى تعديل هذه الخطط، وتسريع آليات تنفيذها.

كل ما عدا ذلك تفاصيل، تكتسب اهميتها من الان فصاعدا على قاعدة ان العاصمة التي يمكنها ان توفر مخرجا لرأس النظام، تستطيع ان ترث سوريا.. التي لا يطمع الاميركيون بالهيمنة عليها، خصوصا وانها ليست باهمية العراق او ليبيا ولا تتمتع بثرواتهما، ولا يرغب الاوروبيون الغربيون في السيطرة عليها للاسباب نفسها، ولا يود الاسرائيليون رؤية تغيير جذري في سلوكها السياسي او العسكري.. الباقون هم المرشحون للوراثة، باستثناء ايران وحدها، التي تشارف نزعتها الامبراطورية على الانتهاء، بعدما دخلت في مرحلة من التواضع الداخلي المبني على وقائع لا تدحض.

لكن اميركا التي تقرع طبول الحرب، يمكن ان تخطىء، ويمكن ان ترتكب حماقة جديدة في سوريا. فهذا هو الدرس الاهم من التاريخ.

نعم فلتقصف أمريكا دمشق/ د. خليل قطاطو

قالها السيد احمد الجربا رئيس ‘الائتلاف السوري الوطني’ المعارض، على استحياء، داعيا امريكا ودول العالم للتدخل بكافة السبل لوقف مجازر النظام، اذ لم يعد الكلام والتنديد يكفي الآن. وها انا اقولها بصراحة ومباشرة فلتقصف امريكا دمشق، من دون تأخير.

مجزرة القتل بالاسلحة الكيماوية في الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق يجب الا تمر بدون عقاب. الصور والفيديوهات القادمة من هناك مؤلمة ولا يمكن وصفها. منظر الاب العاجز الذي يحاول انقاذ طفله من براثن الموت وهو في الرمق الاخير، لا يمكن ان يتحمله قلب اي انسان.

يحيرني سؤال بسيط، النظام يتهم المعارضة بانها هي التي استعملت الكيماوي، وحتى لو صدق المغفلون مثل هذا الادعاء المخالف للمنطق، فلماذا على الاقل في الساعات الاولى لانتشار خبر المجزرة لم يبادر هذا النظام الى محاولة ادخال الادوية واجهزة التنفس الى المناطق المنكوبة لانقاذ من بقي على قيد الحياة والحيلولة دون ازدياد اعداد الضحايا. سيقول المدافعون عن هذا النظام ان تلك المناطق هي تحت سيطرة الثوار (العصابات الارهابية المسلحة بمنطقهم ) والرد سيكون بسيطا، وهل كان الثوار سيرفضون، اجيبوا.

هذا النظام الذي يقتّل ابناء شعبه يمنة ويسرة، وما زال يدعي انه حريص على ارواحهم، لماذا يتلكأ في السماح لمراقبي الامم المتحدة بالتحقق في ملابسات الواقعة، وهم هناك غير بعيد عن مسرح الجريمة؟ لماذا ان لم يكن هو المجرم الذي اقترفها؟ عدم معاقبة النظام السوري سيعطيه الضوء الاخضر لارتكاب المزيد طالما ان الرد لن يتجاوز التنديد والاستنكار والقلق الشديد. ما الفرق بين الموت بالكيماوي أو غيره، أليس كله موتا؟ قد يكون ولكن الكيماوي فتك في يوم واحد بالف وستمئة شخص، يشكل الاطفال منهم نسبة ليست باليسيرة، أليس هذا فرقا جوهريا؟

سيوصف كل من يؤيد الضربات الجوية الامريكية (ان حصلت) بالعمالة لامريكا واسرائيل من قبل النظام السوري وشبيحته في ايران ولبنان ومصر، فليكن ولكن منذ متى كان هذا النظام يشكل اي خطر يذكر على اسرائيل؟ في دول الطوق حول اسرائيل كان يعتقل كل من يحاول التسلل الى الاراضي المحتلة، اما في سورية بشار ومن قبله والده فلم يعتقل احد. ليس لان النظام كان يسمح لهم بالعبور، بل لان حماية اسرائيل كانت هدفا استراتيجيا له، ولم يجرؤ احد من الاقتراب من الحدود التي بقيت خرساء منذ اربعة عقود. اما ما حدث قبل سنوات بان غرر النظام بفتية فلسطينيين بعبور حدود الجولان والجنوب اللبناني واستشهاد بعضهم، فهذا يحسب على النظام لا له.

اما عن الدعم الايراني لحزب الله بالسلاح عن طريق سورية، فقد كان النظام السوري يقبض الثمن من ايران، وما زال، بلايين الدولارات. كاد حافظ الاسد يقايض كل هذا بالسلام مع اسرائيل، عبر ما هو معروف بوديعة رابين، لولا تغير الواجهة السياسية وقتها لاسرائيل، وربما حينها اضطرت ايران لتدفع اكثر. الان تورط حزب الله بوقوفه الى جانب النظام بدلا من الشعب السوري، وكــــان يظن انه سيستطيع الاستمرار باللعبة في الملعب السوري فقــــط مجنبا لبنان ويلات حرب جديدة في الملعب اللبناني. ألم يقلها السيد حسن نصر الله صراحة في خطابه قبل اشهر مخاطبا خصــــومه السياسيين في لبنان: ‘دعــونا نتقاتل هناك في سورية وليس هنا في لبنان’. ألم يكن هذا قصر نظر سياسي او خطأ سياسيا فادحا لا يقع فيه حتى المبتدئون في سنة اولى سياسة؟ لم يمر سوى أشهر قليلة وها هي شرارة الحرب في سورية تنتقل الى الضاحية الجنوبية وطرابلس. الكل توقع هذا عدا السيد حسن نصرالله وحزبه.

القصف الامريكي للنظام السوري لن يصب في مصلحة اسرائيل، على الاقل في المدى المنظور، فالجيش السوري الان منهك، مدافعه وصواريخه وطائراته كلها موجهة شمالا وشرقا وجنوبا، وليس غربا أصلا. القصف سيصب في مصلحة السوريين الذين يقتلهم هذا النظام كل يوم بدم بارد، سواء بالكيماوي او بغيره ، تعددت الاسباب والموت واحد.

سيتنطع العروبيون والقوميون والبعثيون ويتباكون على حرمة الارض والسماء العربية على الاجنبي الغازي، وسينشدون على مسامعنا معزوفة سايكس ـ بيكو الجديدة، وسمفونية تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ. ولكل هؤلاء نقول ان حرمة ارواح هؤلاء الاطفال الصرعى بالغازات الكيماوية اهم مما تتقولون.

قد يقول قائل ان النظام سيستغل الضربات الجوية لصالحه ليدلل على وطنيته وعمالة الثائرين ضده، الا ان هذه الضربات لن تغير من قناعات احد، لا المساندين للثورة ولا داعمي النظام. يبدو ان القناعات قد ترسخت وكل سيفسرها كيفما شاء في كل الاحوال. لكن المؤكد انها ستعطي النظام درسا بان العالم لن يستمر بالسكوت على جرائمه، وستحد من قدراته العسكرية ومن قدراته على الاتصال والتنسيق على جبهات متعددة، وستلجمه عن استعمال هذا السلاح المحرم دوليا مرة اخرى.

قد يؤدي التدخل العسكري الامريكي (أو حزب الناتو) الى تداعيات اقليمية ودولية متسارعة قد تعقد الموضوع اكثر ويكون الثمن باهظا. ايا كانت التداعيات فان هذا النظام المجرم يجب ان يزول، كما زال النظام النازي، ونظام الخمير الحمر، والنظام الصربي والقذافي والرواندي. البديل هو بقاء هذا النظام واستمرار المجازر، والخيار بلا شك بين امرين احلاهما مر.

سنتان ونصف السنة منذ بدأ هذا النظام حملة الابادة ضد الشعب السوري (ولا اقول شعبه ) وآن له ان يرحل. وسيزهر الياسمين الدمشقي وشقائق النعمان ويحل الربيع الذي طال انتظاره، ليس في سورية فحسب ولكن في بقاع اخرى من عالمنا العربي، التي ما زالت في خريفها، وربما أخّر ربيعها مذابح ومجازر الفيحاء وشقبقاتها التي آن لها أن تنتهي، والى الابد.

‘ كاتب فلسطيني

بدأ العد العكسي.. ولكن لأي غاية؟/ إياد أبو شقرا

«سندافع عن أنفسنا بالوسائل المتاحة».. هذه الكلمات التي جاءت أمس على لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في دمشق، تشكل خطوة متقدمة على لازمة «نحتفظ بحق الرد»، التي اعتدنا على سماعها.

لقد تابعت باهتمام مؤتمر المعلم، ولم أفاجأ بغالبية ما سمعته.

فالوزير المعلم، في نهاية المطاف، موظف في وزارة الخارجية ولكن برتبة وزير. وقصدي أنه، مع احترامي له، مجرد منفذ أوامر تصدر إليه ولا قدرة لديه على مناقشتها.. ناهيك عن قدرته على ردها. والذين يعرفون تاريخه الدبلوماسي، ومَن عايشوه في محطات حساسة من مسيرته الطويلة، يقولون إن الرجل أقل حيلة من أن يعترض أو يخالف.. فما بالك أن ينشق؟

بالأمس، تكلم المعلم – وهو الذي كان سفيرا لدى الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي، يقدر جيدا حجم قدراتها العسكرية وإمكانياتها التأثيرية في المجتمع الدولي – باللغة القاصرة التي يفهمها إعلام محلي مُدجّن مغسول الدماغ.. يثرثر بشعارات لا يفهم منها ولا يعنيها. كذلك كان يتوجه إلى جمهور محلي مغلوب على أمره يتعامل معه النظام الأمني كرهينة منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن. أما بالنسبة لجمهور المستمعين خارج سوريا، فكان الوزير المعلم يدرك سلفا أنه جمهور مُشكِّك لن يصدقه.. لكن في الوقت ذاته كان عليه – أي المعلم – أن يحاول جهده أن يبدو أمامه طبيعيا، واثقا من نفسه، ومقتنعا بما يروجه.

كانت طريفة جدا ملاحظته كثافة حضور المراسلين الإعلاميين المحليين مقابل ضآلة حضور المراسلين الأجانب، والأرجح أنه لم يباغَت بهذا الواقع.

أصلا، كانت سياسة النظام، منذ اختياره القمع الدموي أسلوبا للتصدي للانتفاضة الشعبية السلمية، تقوم على إبعاد الإعلام.. تقيّدا بالمثل الشعبي السائر «على مَن يكذب.. إبعاد الشهود». وحقا، على امتداد أكثر من سنتين ونصف السنة تفنن النظام في إبعاد الشهود، وأحيانا قتلهم، والتضييق على الإعلام المستقل مقابل تجييشه أبواقه للتضليل و«الفبركة» في كل مناسبة.

لا أدري لماذا ذكّرني أسلوب الوزير المعلم بأسلوب زميله العراقي محمد سعيد الصحاف، وزميليه الليبيين خالد الكعيم وموسى إبراهيم؟

من جهة ثانية، كان لافتا شعور المراسلين الحاضرين بخيبة الأمل، بل والقلق، من الموقف الروسي الذي عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف، وتحديدا عن أن «موسكو لن تنجر إلى حرب حتى لو حصل تدخل عسكري في سوريا». والحقيقة أنه كان من حق هؤلاء المراسلين أن يقلقوا بعد طول مكابرة من النظام و«عنتريات» لا تنتهي من أبواقه داخل سوريا.. وفي لبنان.

أيضا كانت مفاجأة لكثيرين أن يقرر المجتمع الدولي التحرك بعدما كاد متابعو المأساة السورية يفقدون الأمل من صحوة ضمير تردع طغمة استمرأت القتل، وراهنت على سلبية أميركية طالت أكثر مما ينبغي أمام انتهازية روسية – صينية فظيعة. وكما هو معروف راح ضحية تلك السلبية وهذه الانتهازية، بعد «الفيتوهات» المزدوجة الثلاثة، عشرات الألوف من المواطنين السوريين، وتعقد الوضع الداخلي السوري بدخول جماعات متشددة.. ضاق بها وبتطرفها المواطنون، بدليل ما حصل في محافظة الرقة ومناطق من محافظتي دير الزور والحسكة.

ثمة إجماع اليوم على أننا بصدد ضربة أميركية أكد الدكتور منذر ماخوس، سفير الثورة السورية إلى فرنسا، بالأمس بداية العد العكسي لها، خلال وني لقاء تلفزيشارك فيه.

التحركات والتصريحات في العواصم الغربية وغير الغربية توحي بأن أوان الكلام انتهى، وبدأت مرحلة جديدة في التعامل مع نظام يعيش في عالمه الخاص، ويتصور أنه قادر على اللعب على التناقضات إلى ما لا نهاية. وواضح، الآن، أن شيئا ما غدا جاهزا بعدما وضعت اللمسات الأخيرة عليه، وأن عادتي التذاكي على الآخرين والكذب على النفس، اللتين صارتا جزءا من كيمياء النظام السوري منذ ترويج عبارة «لا حرب من دون مصر.. ولا سلام من دون سوريا».. ما عادتا مجديتين.

هذا يعني أن علينا توقع الضربة، لكن ما هو حجم الضربة أولا؟.. وما هي الغاية منها ثانيا؟

ثمة كلام عن أن الضربة لن تشمل أي تورط قتالي على الأرض، وفق تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأنها ستتجاوز عقبة موافقة مجلس الأمن الدولي – حيث «الفيتو» الروسي والصيني – كما لمح وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ.

هذا يعني أنها ستكون ضربة «تأديبية وتحذيرية» تفهمه أن السكوت على تماديه في الإجرام ما عاد مقبولا، إلا أنها تهدف، بالتوازي مع التأديب، إلى هدف آخر هو إضعاف قدرة النظام على استخدام مخزونه من أدوات القتل. واستطرادا، ينظر بعض المراقبين أن ضربة من هذا النوع، لا سيما في ضوء التراجع الروسي، ستدفع النظام إلى طاولة التفاوض في «جنيف 2» من دون أوهام. وهذا مسار ينسجم مع الكلام الغربي المتكرر على امتداد الشهور الفائتة عن حتمية «التسوية السياسية». لكن في المقابل، إذا سلمنا جدلا بأن روسيا أشاحت بوجهها عن الضربة المرتقبة، وأن كلام المعلم بالأمس نسخة مألوفة من مكابرة النظام في الوقت المحتسب بدل الضائع، فإن علينا التساؤل عن رد فعل إيران.

كيف ستتصرف إيران؟ ومن سيتخذ القرار.. المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، أم الرئيس الجديد حسن روحاني، أم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري؟

وكيف سيستقبل حزب الله اللبناني الأمر؟.. هل سيواصل تورطه القتالي بعد أخذ المواجهة أبعادا أكبر وأخطر؟.. هل سيحوّل الأنظار فيتحرش بإسرائيل لتوسيع إطار الأزمة؟

وأساسا، هل اقتنع الحزب وقادته بأنه في أعقاب متفجرات الضاحية وطرابلس بات مصير لبنان كله على كف عفريت، لكنه مع هذا فهو ملتزم بخيار تقسيم المنطقة إلى كيانات فئوية سيخرج منها بنصيب؟

نحن الآن على عتبة استحقاقات جديدة. والمهم أن يكون الجهد العسكري في مستوى الغاية السياسية الأساسية التي يجب أن تكون إنقاذ الشعب السوري من نظام قاتل، وإتاحة المجال للسوريين وإخوتهم وجيرانهم للعيش في أوطان حرة تتسع لجميع مكوناتها، وتحترم هوياتها، ويشعر كل مواطنوها بأن لهم حقوقا إنسانية.. من دون فرض أو إملاء.

الشرق الأوسط

التواطؤ الدولي ضد الشعب السوري/ أحمد عبد الملك

لا نعلم ماذا ينتظر المجتمع الدولي ومجلس الأمن كي يقولا كلمتيهما فيما يجري في سوريا؟ حيث تطور العنف الدائر إلى استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد الأبرياء من الأطفال والنساء حيث بلغ عدد القتلى جراء السلاح الكيماوي أكثر من 1300 ضحية حسب إحصائيات رسمية، فيما تقول مصادر “الجيش الحر” إن عدد الوفيات تجاوزت 1729 حالة ، أما المصابين فقد بلغوا 6000 شخص . وقالت منظمة (أطباء بلا حدود) إنه تم علاج 3600 شخص من عوارض سميّة ضربت الجهاز العصبي.

 ولقد بينت الصور التي ثبتها وسائل الإعلام أن القتلى لم تكن عليهم آثار دماء، وهذا دليل دامغ على أنهم ماتوا اختناقاً بفعل غاز الأعصاب. كما بينت أحاديث الخبراء في الفضائيات أن الجيش السوري الحر لا يمتلك قاذفات لتلك الصواريخ التي حملت غاز الأعصاب، كما أنه من غير المنطقي أن يقوم هذا الجيش بإطلاق الغازات السامة بالقرب منه، لأنه سيتأثر بذلك.

المجتمع الدولي ما زال متردداً، ويُصدر بيانات “مائعة” حول المجزرة الجديدة التي ارتكبها النظام السوري، فالمتحدث باسم (كاترين أشتون) مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي يقول: “شهدنا بقلق شديد تقارير على استخدم “محتمل” للأسلحة الكيمياوية من جانب النظام السوري، يجب التحقيق فوراً وبشكل واف في مثل هذه الاتهامات”؟!

وكما نرى في كلمات مثل (محتمل) و(اتهامات) كلمات “مطاطة” وغير جازمة؛ بينما تثبت الصور التلفزيونية وقوع المجزرة على أيدي النظام .

أما وزير الخارجية الفرنسي، فقد أعلن أنه “إذا ما تأكدت المعلومات المتعلقة باستخدام النظام السوري أسلحة كيمياوية، فسيكون ذلك عملاً وحشياً وغير مسبوق”، مشيراً إلى “أن فرنسا تريد رد فعل باستخدام القوة، في حال ثبوت وقوع هجوم كيماوي”. أما وزير الخارجية البريطاني، فقد وصف الصورة في المشهد السوري بأنها “كئيبة” داعياً إلى “مساعدة ملايين السوريين في إقامة دولة ديموقراطية في بلادهم “.

الرئيس الأميركي كان (على أقل من مهله) في رد فعله حول الحدث الجلل، واكتفى بالقول : “إن هجوماً بالغاز السام فيما يبدو هذا الأسبوع، حدث “جلل” كما هو واضح”. وحين سئل عن إمكانية تحرك عسكري أميركي في سوريا قال: “إذا ذهبت الولايات المتحدة دون أدلة واضحة يمكن تقديمها فستكون هناك تساؤلات عما إذا كان القانون الدولي يدعم هذا، وهل لدينا التحالفات اللازمة لإنجاحه؟ وكما تعلم هذه اعتبارات يجب أن نضعها في حسباننا”.وزير الدفاع الأميركي أشار إلى تحريك بعض القوات الأميركية في المنطقة لمنح الرئيس الأميركي “خيارات” في حال أمر بتنفيذ عمل عسكري ضد سوريا.

ولعلنا نُذكّر هنا بالتحالف الدولي الضخم لإعادة الشرعية في الكويت عام 1991؛ وكذلك التحالف الدولي لإسقاط نظام (صدام) عام 2003، دون الحصول على إثباتات بوجود أسلحة كيماوية في العراق.

الأمم المتحدة طلبت رسمياً من الحكومة السورية السماح للخبراء الأمميين بالتوجه إلى ريف دمشق للتحقق من استخدام النظام السوري غاز الأعصاب!. كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) إلى أنه يعتزم إجراء تحقيق (شامل ومحايد وفوري) في “مزاعم” وقوع هجوم بالغاز في سوريا. واعتبر الحادثة – في حال تأكدها – جريمة ضد الإنسانية!.

وكان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في المملكة العربية السعودية قد دعا مجلس الأمن الدولي لأن “يضطلع بمسؤولياته، وأن يتجاوز الخلافات بين أعضائه، ويستعيد ثقة المجتمع الدولي به، وذلك بعقد اجتماع فوري للخروج بقرار واضح ورادع يضع حلاً لهذه المأساة الإنسانية “.

وكان الأمير (الفيصل) يشير إلى موقف كل من روسيا والصين، المعرقلين لأي اتجاه لوقف المجازر في سوريا، ولقد بالغ الموقف الروسي – المساند للنظام في سوريا – في وقوفه إلى جانب ادعاءات النظام السوري عندما اعتبرت الخارجية الروسية ما يجري في ريف دمشق “عملاً استفزازياً مخططاً له مسبقاً”. وأشار بيان لوزارة الخارجية الروسية إلى أن “ما تردده المعارضة السورية من أن النظام يستخدم أسلحة كيماوية هي “اتهامات” لم يتم التحقق منها”، مُضيفاً “أن وسائل إعلام إقليمية منحازة أطلقت حملة إعلامية هجومية في هذا الإطار”. ويبدو أن صور القتلى المخنوقين لم تصل إلى موسكو؟

الموقف التركي كان أكثر حزماً، فقد طلبت تركيا من المجتمع الدولي اتخاذ القرار المناسب تجاه “الهمجية والجريمة ضد الإنسانية، إذا تبين أن تلك البيانات صحيحة”. أما وزير الإعلام السوري (عمران الزعبي)، فقد اشترط السماح لمحققي الأمم المتحدة بالذهاب إلى ريف دمشق بموافقة الحكومة، مُلمحاً إلى أنه “قد يكون مقاتلو المعارضة هم من استخدم سلاحاً كيماوياً هناك “. وكانت الخارجية السورية وقيادة الجيش قد نفتا استخدام أسلحة كيمياوية في ريف دمشق من طرفهما، معتبرة تلك الأخبار بأنها تستهدف “تشويش” مهمة محققي الأمم المتحدة بشأن استخدام السلاح الكيماوي!

ولقد اعتبر محللون هذا الموقف السوري بتعطيل أو تأخير وصول محققي الأمم المتحدة إلى مواقع القصف الكيماوي في ريف دمشق بأنه محاولة من النظام لإخفاء آثار القصف وزوال آثار الغازات السامة. وكان رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية جورج صبرا، قد اتهم المجتمع الدولي بالمشاركة مع النظام في قتل الشعب السوري!. وقال: “من يقتلنا ويقتل أطفالنا ليس النظام وحده، التردد الأميركي يقتلنا، صمت أصدقائنا يقتلنا، خذلان المجتمع الدولي يقتلنا، لا مبالاة العرب والمسلمين تقتلنا، نفاق العالم الذي نسمة حراً يقتلنا ويقتلنا”. ويعيدنا هذا المشهد إلى موقف المجتمع الدولي من العراق، عندما اجتاحت القوات الأميركية هذا البلد عام 2003 إثر “احتمالات” بوجود أسلحة كيماوية لدى نظام صدام، ولم تثبت عمليات التفتيش بعد الإطاحة بالنظام وجود تلك الأسلحة!. وهذا يثبت “التواطؤ” الدولي بل ونفاقه في التعاطي مع المسألة السورية. لقد تحولت غوطة دمشق إلى (حلبجة) أخرى ، وأعاد لنا التاريخ أحداث عام 1988 حيث سقط أكثر من 550 كرديا عراقيا إثر هجوم بالغاز السام في حملة إبادة جماعية ضد الأكراد في العراق. وها هو التاريخ يعيد نفسه في غوطة دمشق، وها هو (صدام) جديد يظهر ليكمل مسيرة القمع والعنف في استخدام القوة، حتى ضد الآمنين من الأطفال والناس. ولقد عقد مجلس الأمن جلسة مشاورات لبحث تطورات الأوضاع في سوريا بعد “اتهام المعارضة للنظام بارتكاب مجزرة كيمياوية في ريف دمشق، وعقد الاجتماع بناء على طلب مشترك وجهته 5 دول من الأعضاء الـ 15 في مجلس الأمن، في حين ما زال رئيس فريق المحققين الدوليين يتحاور مع الحكومة السورية بشأن استخدم الغاز الكيماوي على المدنيين في ريف دمشق. فماذا ينتظر المجتمع الدولي أو مجلس الأمن؟ ألا تحتاج سوريا إلى ” تحرير” كما تم “تحرير” العراق من حكم ديكتاتوري مقيت؟ ثم ألمْ تقنع تلك الصور – لمئات الأطفال والرجال الذين قضوا إثر استخدام السلاح الكيماوي- قوى الاصطفاف ضد الحق من الدول التي لها تأثير واضح في مجلس الأمن وهما روسيا والصين؟ وهل موطئ القدم لهم – بكون سوريا آخر الحلفاء لهما في المنطقة – لا يتحقق أو يتواصل إلا بالوقوف مع نظام يقتل شعبه بكل وحشية ودون رحمة!

الاتحاد

احفظ رأسك… وإلاّ/ نبيل بومنصف

نبيل بومنصف

خلّف توازن الرعب الذي يضرب لبنان بالتفجيرات الارهابية ملامح تهيّب سياسي بالكاد يجرؤ المراقب على التنويه به لئلا تفاجئه رؤوس حامية في لحظة لاحقة بما يسفه تقديراته المبكرة. هو تهيب يطفو الآن على سطح المشهد الداخلي مع تسارع العد العكسي لما يبدو ضربة غربية حتمية في سوريا “اذا” ظل محافظا على وتيرته مهما حصل. والـ”اذا” الشرطية الموصوفة هذه تغدو بديهية لان احدا لا يملك مسبقا ان يتكهن بما سيكون عليه الوضع الناشئ عن الضربة في لبنان كما في مجمل المحيط الاقليمي.

مع الاحتمال المتعاظم للضربة انتقل الصراع السوري الى المقلب الذي يفرض على “حزب الله” اولا مواجهة خيارات قد لا تكون مسبوقة في مستوى الاحراج الذي يرتبه اي ركوب له في مركب الرد على الضربة سواء عبر مواجهة محتملة مع اسرائيل او في اي مسلك آخر. هنا تمثل المفارقة اللافتة في ان يضحي النأي بالنفس لسان حال قوى ٨ آذار اذا ما تبدى لها مثلا ان روسيا وحتى ايران لن تذهبا الى الانتحار مع النظام السوري او اذا اسفرت مفاعيل الضربة او اللاضربة عن بداية تواطؤ دولي للذهاب نحو صفقة دولية – اقليمية في نهاية المطاف.

وبحصول الضربة ام من دون حصولها، يرتب المنقلب الجديد للازمة السورية على القوى المناهضة للنظام السوري في لبنان ولا سيما منها قوى ١٤ اذار ان تدرك ما بات لا حاجة باي لبناني ان يجادل فيه من عقم اي رهان على متغيرات خارجية حتى لو ادت الى اسقاط النظام في النهاية.

ولعله من باب المفارقات الشديدة القسوة في واقعيتها ان تستعيد مناخات الاستعدادات للضربة الغربية في سوريا مناخات حقبات لبنانية، لا سيما منها تحديدا الصفقة الدولية مع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد عقب الحملة الدولية لتحرير الكويت من الاجتياح العراقي. كان الثمن آنذاك عملية ١٣ تشرين الاول ١٩٩٠ التي اطاحت بالعماد ميشال عون وحكومته العسكرية لتعبيد الطريق لاول عهود الطائف. الا توحي الضربة الغربية الآن بشيء مماثل مع انقلاب مذهل في الادوار والمواقع فيما اللعبة الدولية ومصالحها وخطوطها الحمر هي هي في كل زمان ومكان وظروف؟

قد لا يبقى من كل كلام بارد اي اثر بعد ايام او ساعات في حال حصول الضربة لان القاعدة التاريخية في الحروب ثابتة، وهي استحالة معرفة ما يحمله اليوم التالي في اي حرب تنشب. غير ان لبنان المثقل بالتجارب وقد يكون اخطرها ما بلغه اليوم وما سيبلغه غدا لن يملك سوى فرصة واحدة للنجاة بنفسه وحفظ رأسه في معترك “تغيير الدول” وهي فرصة التمرد على الارتباطات الخارجية… والا.

النهار

مهزوم واحد الأسد أو… أوباما/ راجح الخوري

ذهاب اميركا وبريطانيا وفرنسا الى مجلس الامن لم يكن للحصول على قرار يسمح بضرب النظام السوري، فمن الثابت ان روسيا والصين تعارضان هذا الأمر. كان الهدف اذاً احترام القواعد الدولية قبل اعتماد مبدأ “حماية المدنيين” لشن الهجوم على مواقع سورية.

كذلك جاءت دعوة بان كي – مون الى انتظار تقرير مفتشي الأمم المتحدة ممهورة بالموافقة الاميركية، لأن ادارة باراك اوباما لا تريد ان تكرر” فضيحة كولن باول العراقية”، على رغم تلميحات المسؤولين في واشنطن الى انهم واثقون من ان النظام هو من ارتكب المذبحة في الغوطتين.

هل هذا يعني ان اوباما وديفيد كاميرون وفرنسوا هولاند يلوحون بعصا غليظة ويضعون الشرق الاوسط على حافة عاصفة مقلقة وسيتراجعون عن توجيه الضربة العقابية الى سوريا؟

قطعاً لا، ليس لأن التغاضي عن المذبحة بعد اثارة كل هذا الدوي سيدفع النظام حتماً الى الإستئساد وتوسيع رقعة مذابحه الكيميائية فحسب، بل لأن التراجع سيضع اوباما والزعماء الغربيين امام الرأي العام العالمي في موقف المنهزم الذي يبعث على السخرية، ويضع بشار الاسد وحلفاءه الروس والايرانيين في موقف المنتصر الذي جعل من اميركا وحلفائها في المنطقة والعالم مسخرة المساخر، وخصوصاً بعد ذلك الصمت المعيب عن المأساة السورية منذ نحو ثلاثة اعوام.

لهذا من الواضح ان الضربة حتمية ومسألة ايام ان لم يكن ساعات، لكن من الضروري الانتباه الى ان من سيقرر حجم الضربة في النهاية سيكون بشار الاسد وليس باراك اوباما، الذي اعلن انها ستكون عقابية وان واشنطن لا تريد اسقاط النظام بل منعه من العودة الى استخدام السلاح الكيميائي من جديد… وهكذا اذا ابتلع النظام الضربة مكتفياً بالتهديدات والقرقعة الكلامية الفارغة كعادته بعد كل هجوم شنه العدو الاسرائيلي عليه، تكون الضربة محددة وفق بنك الاهداف وبما سيمنع الاسد من مجرد التفكير بالكيميائي ويمنع الانظمة المدججة بهذه الاسلحة من التجرؤ على استخدامها.

اما اذا قام النظام بتنفيذ تهديداته “باشعال المنطقة والعالم” (!) على ما يقول الاسد، فان الضربة العقابية تتحول حرباً قاصمة وسريعة ومدمرة تسقط الاسد وتنسف النظام، ولعل هذا ما يدركه الروس الذين يكتفون بإقفال ابواب مجلس الامن، وكان لافتاً تعمدهم امس ايضاً تكرار القول انهم لن يتدخلوا عسكرياً!

أقول بلا تردد ان من يقرر بدء الضربة هو اوباما، اما من يقرر انتهاءها فهو الاسد، الذي بات واضحاً ان عليه ان يقرر في هذه الساعات مصيره ايضاً، فإما ان يسير على خطى ميلوسيفيتش واما ان يختار طريق علي عبدالله صالح، فيحزم حقائبه الى جنيف ليوقع على خطة الانتقال السياسي التي طالما رفضها!

النهار

مفاوضات الكواليس في ربع الساعة الأخير هل تمنع الضربة العسكرية وبأي ثمن؟/ روزانا بومنصف

تتقاطع معلومات من مصادر سياسية مختلفة عن ان الباب الذي فتح من خلال ابراز دول عدة ضرورة انتظار نتائج التحقيق الذي قام به المفتشون الدوليون في سوريا قبل توجيه الضربة العسكرية التي ضربت مواعيد لها انما فتح على اساس افساح المجال على الارجح امام تفاوض يوصل الى نتائج مهمة ويحول دون اللجوء الى الضربة . وسرت معلومات غير مؤكدة ان ديبلوماسيين عربا زاروا طهران في اليومين الاخيرين بهدف اقناع المسؤولين الايرانيين بوجوب العمل على تجنيب المنطقة حربا هم يحذرون من تداعياتها وذلك من خلال العمل على اقناع حليفهم الرئيس السوري بشار الاسد بان يتنحى عبر الطرق التي يدعوه اليها مؤتمر جنيف – 2 من اجل ان يبعد بلاده عن ضربة عسكرية مدمرة لمواقع عدة في سوريا. ومغزى هذا الكلام بغض النظر عن مدى صحته ان النقاش السياسي وراء الكواليس يدور بالتزامن مع الضغوط والاستعدادات الجارية من اجل توجيه الضربة من اجل الوصول الى نتيجة توفر في حصيلتها ما يمكن الحصول عليه بعد الضربة العسكرية . في حين تقول مصادر اخرى ان هذا المجال متروك للروس ايضا من أجل ان يقوموا بهذا الدور وان ثمة مؤشرات برزت امس الخميس تدل على تخفيف حدة الاندفاع او سرعته ايضا الى توجيه الضربة العسكرية للنظام على وقع الكلام المتزايد من دول اوروبية كما في بريطانيا مثلا التي اصر مجلس العموم فيها على اعطاء فرصة للاطلاع على تقرير لجنة المفتشين الدوليين او ايطاليا ايضا حيث لفت المصادر المعنية تبدل موقف الخارجية الايطالية لجهة اعرابها عن اعتقادها ان النظام السوري هو الذي استخدم الاسلحة الكيميائية في منطقة الغوطة في ريف دمشق بعدما كانت وجدت الاسبوع الماضي في وجهة النظر الروسية ووجهة نظر النظام السوري حول هذا الاستخدام امرا مثيرا ينبغي التحقق منه وأخذه في الاعتبار داعية بدورها الى انتظار تقرير لجنة المفتشين . ذلك علما ان تساؤلات تطرح لماذا انتظار تقرير المفتشين في ظل المعلومات التي سمحت لكبار المسؤولين في العواصم الكبرى بتأكيد مسؤولية النظام عن استخدام الاسلحة الكيميائية ووجود أدلة مثبتة لديهم بذلك وهل ان موافقة المفتشين على الخلاصة نفسها ستسمح بالحصول على موافقة روسيا والصين مثلا ام لا.

وبحسب هذه المصادر فانه اذا كانت الضربة العسكرية وتقديم اسلحة للمعارضة وفق ما تم الاعلان اخيرا سيشكلان عاملا حاسما يفترض ان يقنع النظام بالذهاب الى طاولة المفاوضات في جنيف – 2 او ان النقاش السياسي من جانب الايرانيين والروس مع النظام يمكن ان يؤدي الى هذه النتيجة ، فلعل الافضلية للخيار الثاني على رغم اقتناع المصادر المعنية بان النظام لن يكون متساهلا على هذا الصعيد على رغم انه يفترض به ان يكون اجرى حساباته في هذا الاطار . فالموقف الروسي لجهة عدم استعداد روسيا للذهاب الى مواجهة في سوريا وفق ما اعلن المسؤولون الروس لا شك انه امر شديد الوطأة على النظام ومن شأنه ان يتركه وحده مع حليفته ايران والتنظيمات التابعة او المؤيدة لها في العراق ولبنان في ظل شكوك ايضا ان تذهب ايران الى حرب اقليمية ودولية من اجل الاسد لها تبعاتها الكبيرة والضخمة عليها في المنطقة والعالم على رغم السقف المرتفع لمواقف بعض المسؤولين الايرانيين في هذا الاطار .

هذه المعطيات لا توحي بان الضربة العسكرية لن تحصل في ظل اعتقاد ان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما لن تترك لمسألة انتظار تقرير المفتشين ان تميع الموضوع وتخفف من زخمه او تجعله صعبا في ضوء جملة عوامل قد يكون ابرزها الالتزام العلني الذي لن يكون في وسع اوباما التراجع عنه لتثبيت الخط الاحمر الذي رسمه حول استخدام الاسلحة الكيميائية ما لم يأخذ بالسياسة والمفاوضات ما يرغب في تحقيقه عبر الضربة العسكرية، ولا يبدو هذا متاحا على ما يغلب الاعتقاد. اضافة الى ذلك ان ثمة استعدادات اقليمية ودولية توحي بان هناك رسالة قوية يرغب عدد لا بأس به من الدول في توجيهها الى النظام السوري وحلفائه فضلا عن ان ثمة استحقاقا يعتقد ان واشنطن ترغب في انجاز الضربة قبل حصوله وهو اجتماع مجموعة العشرين في روسيا يوم الخميس المقبل في الخامس من ايلول والذي لا يعتقد ان الرئيس الاميركي يرغب في تفويته بعد الغائه اجتماعا كان مقررا بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين الشهر المنصرم .

في أي حال ، تقول المصادر ان الضربة العسكرية ولو لم تحصل بعد قد فرضت تعديلا كبيرا على الستاتيكو الميداني الذي كان قائما في سوريا حتى الان ومفاده عدم ترك النظام يتابع حربه كما كان يفعل في السنتين ونصف سنة من عمر الازمة السورية حتى الآن وان هناك عناصر جديدة دخلت على الخط تحتم عليه اما الذهاب الى جنيف – 2 ومنه الى حكومة انتقالية يشارك بتسليمها السلطة خصوصا ان استخدامه الاسلحة الكيميائية يفتح الباب على مخاطر عدة ستواجهه لاحقا او اختصار الامور بتسليم السلطة الى اخر سواه يكون مقبولا تحت عنوان صفقة ما يمكن انجازها ومواجهة احتمالات مختلفة في ظل الضوابط الجديدة من جهة واحتمالات تسليح المعارضة المطروحة بقوة من جهة اخرى في موازاة توجيه الضربة العسكرية وتوظيفها لكي تؤتي ثمارها السياسية سريعا.

النهار

سلالم النزول عن “الضربة”/ حسام كنفاني

 “توجية الضربة العسكرية إلى سوريا سيمثل مشكلة، وعدم تنفيذ التهديدات بذلك سيكون مشكلة أكبر”. قد يكون هذا لسان حال الغرب الذي استنفر قواته وفرقاطاته وبوارجه وطائراته لمعاقبة النظام السوري على ارتكابه مجزرة بالاسلحة الكيميائية ضد معارضيه في ريف دمشق. وبعدما كان الحديث عن عملية عسكرية في غضون ساعات، سرعان ما تحول إلى أيام، ليدخل في آتون مخاض دبلوماسي قد يمتد إلى أكثر من ذلك.

من الواضح أن الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، يعيش إرباكاً في ما خص العملية العسكرية. فبعد رفع السقف عالياً جداً، بدأ في إعادة الحسابات والتفكير بتكاليف الربح والخسارة من تنفيذ مثل هذا الأمر، وبالتالي بدا ان البحث جارٍ حالياً عن مخرج مناسب لحفظ ماء الوجه الغربي، وتوفير سلالم كفيلة بإنزال الأطراف عن “شجرة الضربة”.

مؤشّرات عديدة توحي بما سبق، من دون أن تنفي احتمال حدوث ضربة، أو الحد الأدنى منها. أول هذه المؤشرات قد يكون حديث الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مساء الأربعاء. فالرئيس الأميركي، الذي ينتظر العالم قراره، أعلن انه لم يتخذ القرار بعد، رغم كل ما راج من حديث عن ساعات فاصلة عن الضربة العسكرية.

لكن الأبرز في حديث أوباما هو وضعه العملية العسكرية ضمن خيارات عدة. فقصف المواقع السورية لم يعد هو وحده الخيار المتاح بالنسبة إلى أوباما، الذي قال إن هناك “خيارات عدة للتعامل مع استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، منها الخيار العسكري”. أوباما في هذا التصريح يلاقي ما كان أعلنه الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قبل يومين، حين تحدث عن مروحة من الخيارات، تبدأ بتشديد العقوبات لتمر بتسليح المعارضة، وتصل بالنهاية إلى العمل العسكري.

الرئيس الأميركي لم يكتف بذلك، بل زاد عليه تصريحاً يؤكّد القلق الأميركي من تداعيات الضربة، إذ أشار إلى أن: “هناك أموراً عدة يجب أخذها في الاعتبار عند قرار توجيه ضربة لسوريا وهي ضمان تدفق النفط وأمن اسرائيل”. ما يعني أن الإدارة الأميركية، وبالتزامن مع مواصلة حشودها، تقيس حسابات الربح والخسارة من الضربة، ولا سيما أنها كانت بمنتهى الصراحة حين أعلنت ان هدف الضربة ليس إسقاط بشار الأسد.

لكن تصريح أوباما ليس المؤشّر الوحيد، ولا سيما بعد بدء الحديث عن دور مجلس الامن وتقرير المفتشين الدوليين الذين جزم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لدى مثوله أمام مجلس العموم، أن اي عمل عسكري لن يشن قبل أن يصدروا تقريرهم. وبحسابات الوقت والأيام فإن اي تقرير عن المفتشين لن يصدر قبل نهاية الأسبوع المقبل، إذ إنه من المقرر أن يغادروا الأراضي السورية صباح السبت، على أن ينكبوا خلال الأيام التالية على إعداد التقرير وعرضه. وتابع كاميرون أن “القيام بعمل عسكري في سوريا غير معقول في ظل المعارضة في مجلس الأمن”.

وإذا كان مصير الضربة مرتبطاً بتقرير المفتشين ومجلس الأمن، فإن الأمور قد تأخذ المزيد من الوقت، وخصوصاً إذا ما استطاع الروس المساجلة  والمماطلة في مجلس الأمن، ولا سيما أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نجح في إقناع نظيره البريطاني، وليام هيغ، بتأجيل البت في القرار الأممي إلى حين صدور تقرير المفتشين. وحتى لو تمكن المفتشون من إثبات استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة، فمن المؤكّد ان الروس سيساجلون في هوية الطرف الذي استخدم هذا السلاح. سجال يكسب النظام السوري، وربما الغرب ايضاً، مزيداً من الوقت للتنصل من تنفيذ التهديدات وتطبيق الخطاب الحربي الذي راج في الأيام الماضية.

غير ان هذا قد لا يكون كافياً لتامين المخرج المناسب.  الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، بحاجة إلى تسجيل نقطة تغني عن ضربة قد تدخل المنطقة في معركة طويلة. هنا قد تكون مهمة الروس والإيرانيين، الذين بدأوا مهمة تنسيق، في ما يبدو، لتأمين هذه النقطة. فخلال الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والإيراني، حسن روحاني، كان لافتاً الإعلان عن ان “استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا غير مقبول”. وللمرة الأولى لم يحدد البيان هوية المستخدم، لا النظام ولا المعارضة، مشدّداً على “أهمية الحل السياسي”.

“الحل السياسي” قد يكون الكلمة السحرية لجميع الأطراف في المنطقة، باستثناء بشار الاسد، وخصوصاً أن الغرب لن يقبل بأقل من عملية انتقالية لا تتضمن الرئيس السوري، وهو ما كانت روسيا ترفضه. لعبة المساومة اليوم ستقوم على هذه النقطة، وكل طرف من الاطراف سيسعى إلى تأمين مصالحه في المرحلة اللاحقة، سواء رحل الأسد ونظامه أم رحل الرأس فقط وبقي النظام.

أما خيار الرد على استخدام الأسلحة الكيميائية، فقد بات واضحاً من مجمل كلام الدول الغربية أن العمل العسكري هو احدى وسائل الرد، ما يعني أن الغرب قد يلجأ إلى وسائل أخرى تحفظ ماء الوجه، وتبقي حسابات الربح والخسارة لصالحه.

سورية: الجريمة والعقاب

في الوقت الذي لم تتوقف البراميل المتفجرة وصواريخ السكود والمدفعية والطيران الروسية عن السقوط على رؤوسهم ينتظر السوريون بتوجّس هذه الأيام قصف صواريخ التوماهوك الأمريكية لترسانة النظام الكيماوية. ويجد السوريون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، فبعد مجازر لا عدّ لها ولا حصر، صار السوريّ يسأل أخاه من أية مدينة انت كأنه يسأله من أية مجزرة نجوت.

جرّب النظام السوري كل أنواع الابادة والتدمير ضد ‘شعبه’ و’اهله’. قصف مدنهم وقراهم ونكّل بأمهاتهم واطفالهم وشيوخهم ورجالهم، وافترض السوريون، بسبب الفظاعة والوحشية المتناهية التي مورست عليهم، أن ما يسمى المجتمع الدولي سيجد طريقة لايقاف آلة الموت المنفلتة من عقالها عند حدّ ما. كان هذا الحدّ المعلن هو: السلاح الكيماوي.

لكن النظام جرّب هذا السلاح على دفعات بالتقسيط المريح لضمير المجتمع الدولي فغضّ اوباما بصره وأدخل السوريين في متاهة بلاغته الناصعة السواد.

يئس السوريون من المجتمع الدولي فرفعوا أيديهم الى السماء وطلبوا من الله العون… فأشاح ‘التقدميون’ في العالم وجوههم عن هؤلاء الضحايا ‘الرجعيّين’ الذين يستحقّون الابادة على يد النظام ‘العلماني’.

بعد تجاهل العالم كل الفظاعات التقليدية وغير التقليدية التي يمكن للنظام ان يجربها في شعبه قرّر النظام أن يرفع معدل القتل وطريقته علّه يكسر آخر تسعيرة في سوق النفاق العالمي.

جرّب النظام سياسة حافة الهاوية مئات المرات ونجحت معه كل مرة، فلماذا لا يرفع جرعة السمّ الى حدّ يصدم الحكومات الجبانة في العالم ويفتح له الباب للقضاء على معارضيه وعلى حواضنهم الاجتماعية معا؟

وكان اسم هذه ‘التجربة’: مذبحة الغوطة بالسلاح الكيماوي.

كانت المفاجأة ان النظام والغرب معاً اكتشفا ان الضربة هذه المرة كانت أكبر من قدرة البشرية على الاستيعاب.

استيقظت حكومات الغرب على النوم الجماعي لأطفال الغوطة.

خرجت الحكومات تلك عن رتابة محاضر مجلس الأمن وأعلنت ضرورة معاقبة القاتل.

فهم من بقي من السوريين على قيد الحياة ذلك بما معناه: المذابح الدموية بالقذائف والبراميل والصواريخ والسلاح الأبيض لا تقلق أرواح الغربيين ووسائل إعلامهم لكن القتل الذي يتسلل الى أسرة الأطفال ويتركهم غافين إلى الأبد أزعج مشاهدي تلفزيوناتهم من أمهات وآباء وجعلهم يفكّرون ان السوريين يشبهونهم بطريقة ما!

أدخل قرار الغرب بضرب النظام السوري في امتحان جديد.

استفاق يساريون وحقوقيون وليبراليون وقوميون واسلاميون، كلّ لأسبابه، واستشاطوا غضباً رافضين ‘التدخّل الغربي’. اعتبر الكثيرون من هؤلاء موافقة الضحية على منع المجرم من قتلها المرة بعد المرة ‘خيانة’ و’عمالة’ وانخراطاً في ‘اجندة الغرب’. بل ان يساريين غربيين كانوا ساكتين على المجزرة المستمرة منذ اكثر من سنتين ونصف تحشدوا بسرعة وسيّروا المظاهرات ‘ضد الحرب’، وشاركهم الحفلة بعض من إخوتهم في اليمين المتطرّف المسرورين بالمجازر المرتكبة بحق مسلمين على أيدي حكوماتهم.

لم يسأل أحد من دعاة ‘ايقاف الحرب’ عن ‘الحرب’ الحقيقية الجارية طوال الوقت والتي لم تترك حجراً ولا بشراً في سورية إلا ونكّلت به لكنّهم استنفروا حين أصبح ضرب يد الجلاد جزاء ما اقترفه ممكنا.

فضحت الحالة السورية، وقبلها قضايا فلسطين والبوسنة وكوسوفو وبورما وكثير غيرها، بؤس الآلية الدولية لمعالجة الأزمات عبر مجلس الأمن، وجعلت مصائر البشر بيد حفنة من الدول الكبرى، وأثبتت ضرورة استخدام مبدأ الحماية الدولية لوقف الابادة الجماعية للشعوب.

لا يشكل استهداف ترسانة الكيمياء الاجرامية للنظام السوري معضلة أخلاقية او فلسفية بالنسبة للسوريين:

إنه الإمكانية الوحيدة المتبقية لاستمرارهم على قيد الحياة.

أما المعترضون على تنفيذ ذلك على يد امريكا فليتقدّموا بحلّ ناجع للسوريين غير مقتلتهم المستمرة الأكيدة.

أي شيء غير هذا هو استهانة بكرامات وحياة البشر مهما تلفّع أصحابه بأقنعة الوطنية والقومية والاسلام. القدس العربي

الضربة’ التي لا تميتك… تقويك بالضرورة/ هشام منور

بصرف النظر عن الانقسام الذي أحدثه التسخين الإعلامي الكبير الذي فاضت به وكالات الأنباء والفضائيات الغربية والعربية (تبعاً لها) حول قرب موعد الضربة العسكرية الغربية للنظام السوري (لا سورية) وما قد يجره ذلك من ذاكرة وويلات شبيهة بما حدث في العراق وليبيا وأفغانستان، وغيرها من المناطق التي جرى فيها التدخل العسكري الأمريكي والغربي عموماً، على الشعب السوري والمنطقة برمتها، كما يتخوف من ذلك كل الجيران من عرب وعجم، فإننا لا يمكن إلا أن نسجل عدداً من الملاحظات على الضربة الأمريكية والغربية المتوقعة:

أولى هذه الملاحظات اختلاف الوضع الجيوسياسي بين سورية وغيرها من المناطق التي دخلت إليها الآلة العسكرية الأمريكية وحلفاؤها، فسورية بلد بات مدمراً أساساً وشبه منهار اقتصادياً وعسكرياً وسكانياً، وعرف أكبر حالة نزوح ولجوء في تاريخ الأمم المتحدة الحديث، فضلاً عن النزوح الداخلي الأكبر باتجاه المناطق الآمنة، بخلاف النموذجين الليبي والعراقي وكذلك الأفغاني.

ثاني هذه الملاحظات، أن التصعيد الإعلامي الأمريكي والغربي إزاء الضربة المتوقعة استحث رداً قومياً ويسارياً عربياً، وانقلاباً في بعض المواقف العربية المؤيدة للحراك السوري وثورته، والحجة رفض أي ضربة عسكرية خارجية لسورية، ولنا أن نقف أمام حالة التماهي التي لا يزال أنصار هذا الفريق يعيشها وفق نظرياته الأيديولوجية، والتماهي بين الدولة والنظام في أي بلد عربي، إلى الحد الذي لا يمكن أن يقيموا فيه أي تمايز بينهما. وكأن أي ضربة سوف تمحو من الوجود الكيان السوري ودولته ومؤسسته ولن تكون موجهة وفق أهداف معينة. ثالث هذه الملاحظات.. هناك مخاوف كبيرة باتت تتعاظم من ارتدادات هذه الضربة ومخاطرها ومحاذيرها، فالضربة مهما كانت مركزة ودقيقة، قد توقع خسائر بشرية ومادية في صفوف المدنيين العزل، بسبب تجاور كثير من القطع العسكرية للمناطق السكنية في سورية، وهو أمر حرص عليه النظام منذ إنشائه العديد من المطارات وفروع المخابرات والأمن بجانب الكثير من المناطق السكنية، حتى باتت تعرف باسمها لا باسمه الحقيقي (مطار النيرب) (فرع المزة) (فرع الخطيب)….

وعليه، فالخوف أن تحصل نسبة، ولو كانت ضئيلة، من الخطأ في أي ضربة جوية أو صاروخية، والأنكى من ذلك ما سربه بعض الناشطين من مخاوف لدى المدنيين من قيام النظام نفسه باستهداف نفس المناطق التي تقوم الضربة باستهدافها بصواريخ سكود أو أرض ـ أرض واتهام الأمريكان ومن والاهم بذلك، بل وتشديد القصف في نفس إحداثيات الطائرات والصواريخ وإلصاق ذلك كله بالضربة الغربية المتوقعة.

رابع هذه الملاحظات، أن استهداف المعارضة المسلحة بفصائلها الوطنية والإسلامية وارد جداً، في ظل حالة التداخل العسكري والميداني بين الجانبين (النظام والمعارضة) وهناك مخاوف متزايدة لدى الكتائب الإسلامية التوجه أو غير المنضوية تحت جناح الجيش السوري الحر، أو ذات التوجه المتشدد وفق التصنيف الغربي، من أن يتم استهداف مواقعها عن عمد بهدف التخلص منها والتمهيد لسيطرة طيف معين من المعارضة السورية والتمهيد بالتالي لمؤتمر جنيف اثنين.

مصادر المعلومات في كل من لندن وواشنطن تكاد تتفق على أن أي ضربة عسكرية محتمل توجيهها لـ(تأديب) النظام السوري لتجاوزه ‘الخط الأحمر’ ستتم يوم الخميس 29-8-2013. في حين يتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة لتحديد الاختيارات للقيام بتدخل عسكري في سورية، رداً على استخدام الأسلحة الكيميائية، وأكد مسؤولون أمريكيون من جانبهم أن ‘ضربة صاروخية قد توجّه إلى سورية بحلولِ الخميس′. وقالت قناة ان بي سي الأمريكية إن ‘الضربة الصاروخية قد توجه إلى سورية بحلول الخميس كأقرب موعد’. ونقلت القناة عن المسؤولين أن الضربات ستكون محدودة وصارمة وتستمر ثلاثة أيام، وهي تهدف إلى توجيه رسالة إلى الرئيس بشار الأسد وليس لتدمير قدراته العسكرية’.

وفي لندن، تقول مصادر عسكرية بريطانية إن أي ضربة عسكرية من المحتمل أن تستهدف بشكل رئيسي مراكز القيادة التي يعتقد أنها متورطة في استخدام الأسلحة الكيميائية’. وأن صواريخ كروز قد تستخدم لضرب الأهداف المحددة من على سطح السفن الأمريكية الحربية في البحر المتوسط والخليج، أو من قطع البحرية للسلاح الملكي، ومن بينها الغواصة اتش ام اس.

والحال أن النهج الغربي في التعامل مع الأزمة السورية يثبت يوماً بعد آخر حالة البراغماتية ونموذج الاستنزاف في التعامل مع الملف السوري، رغم فداحة خسائره البشرية والمادية، فالضربة المتوقعة ‘تأديبية’ كما يقول الغرب، وهي تمتد لثلاثة أيام لا أكثر ولن تطول لأسابيع، وسوف تستهدف أهدافاً معينة ومحددة مسبقة ومختارة سلفاً.

وفي ظني أن الخوف لا ينبع من التلويح بالضربة الغربية العسكرية، ولا من حجمها (كما يرى ذلك مؤيدو النظام) بل تنبع الخطورة من الرد الحكومي السوري على الضربة بحد ذاته، فإن اختار النظام أو أي من حلفائه الرد على الضربة بأي وسيلة أو أسلوب كان، فسوف يعني ذلك إشعالاً لحرب إقليمية وضوءاً أخضر للغرب وحلف الناتو لشن هجوم عسكري واسع على الجيش السوري، وبما يؤدي الى تدميره بالكامل حينها، لكن إن احتفظ النظام السوري ‘بحق الرد’ وقام بضبط نفسه، كما جرت العادة، وهو ما لا أتوقعه شخصياً، فإن ذلك يعني أن الضربة ‘التأديبية’ ستمر من دون تسجيل خسائر سياسية أو عسكرية أو بشرية أكبر.

وبكل الأحوال… ينطبق على هذه الضربة العسكرية المتوقعة المثال القائل: الضربة اللي ما بتقتلك… بتقويك… وربما بالضرورة ولاعتبارات سياسية أضيف: وهو المطلوب!

‘ كاتب وباحث

قراءة مبكرة في سقوط الأسد والزلزال الإقليمي/ راجح الخوري

قبل أن تتساقط صواريخ «كروز» الأميركية على سوريا انفجرت «صواريخ» الرفيق سيرغي لافروف ذعرا في طهران، التي لم تكن تتصور للحظة أن موسكو ستشعل الضوء الأخضر بهذه السرعة أمام عملية عسكرية ضد نظام بشار الأسد، ردا على استعماله الأسلحة الكيماوية، وهو ما أدى إلى المذبحة في غوطتي دمشق، التي أجمع العالم على اعتبارها «جريمة ضد الإنسانية» تفرض توجيه ضربة إلى النظام ولو من خارج مجلس الأمن الذي يقفله الروس بالفيتو!

لا معنى لكل التحذيرات الكلامية التي أطلقها لافروف، فعندما سئل: «هل سترد روسيا على الولايات المتحدة في حال تدخلها عسكريا في سوريا؟» رد في شكل جازم: «روسيا لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي كان بسبب سوريا». كان هذا الموقف كافيا لأن يصاب النظام الإيراني بالذعر وهو يتحسس بدء انهيار قاعدة الجسر السورية لما يسمى «جبهة الصمود المقاومة»، التي تسند نفوذه الممتد إلى شواطئ المتوسط في جنوب لبنان عبر حزب الله، وإلى غزة عبر حركة حماس التي تحاول إحياء تحالفها مع طهران بعد انهيار حكم «الإخوان المسلمين» في مصر!

كان في وسع موسكو أن تؤخر الإعلان عن أنها لن تتدخل إلى أن تبدأ الضربة، لكن إسراعها سهل على البيت الأبيض تشكيل التحالف الدولي الذي تجري الضربة القاصمة تحت رايته، وخصوصا بعدما تعمد لافروف التذكير بأن موسكو لم تتدخل لحماية ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا ولا تدخلت لحماية صدام حسين في العراق، مكتفيا بالتنبيه إلى «مساوئ التدخل العسكري».

لكن التحليلات الروسية التي تحدثت عن خسائر روسيا الفادحة على مستويات مختلفة بسقوط نظام الأسد، ترى أن خسائر إيران ستكون كارثية، لأن هذا النظام تماهى مع طهران إلى حد القول إن سوريا هي «الولاية الإيرانية رقم 35»، ولأنها استثمرت 30 عاما لتبني قاعدة الجسر السورية التي سمحت لها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخصوصا الخليجية، ودائما عبر رفع شعارات محاربة العدو الإسرائيلي، رغم أن إسرائيل أظهرت حرصا على بقاء نظام الأسد يماثل الحرص الإيراني!

ربما من المبالغة القول إن الموقف الروسي كان بمثابة ضوء أخضر مبكر لضرب النظام السوري، لكن هل كان في وسع روسيا أن تتحمل إثم تغطية المذبحة الكيماوية في الغوطتين، بعدما تحملت آثام مسلسل حمامات الدم وعمليات التدمير الأشد وحشية، التي يتعرض لها الشعب السوري منذ ثلاثة أعوام بالأسلحة الروسية وبالكيماويات المصنعة بخبرات روسية، وأيضا بغطاء سياسي روسي قبيح؟

ومن المؤكد أن سقوط النظام السوري يمثل ضربة قاصمة توجه إلى الدور الإيراني على المستوى الإقليمي، فالعراق لن يبقى ساحة متقدمة لخطط طهران التي سرعان ما ستجد نفسها في مواجهة مشاكل داخلية عميقة، لا تقتصر على أزمتها الاقتصادية الخانقة بعدما أنفقت المليارات على خططها وتدخلاتها في الإقليم وعلى تمويل حرب النظام السوري ضد الشعب، بل تتصل بأزمة الحريات العامة فيها، وقد كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة مؤشرا صارخا عليها.

وإذا كان سقوط النظام السوري سيمثل خسارة فادحة في موسكو وكارثة محققة في طهران، فإنه زلزال إقليمي سيعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة، ليس انطلاقا من تردداته الحتمية على دول الجوار، كالعراق ولبنان والأردن وتركيا، فحسب، بل من آثاره المحتملة إقليميا ودوليا، فانكفاء الروس ستكون له أثمانه، وانهيار منصة التدخلات الإيرانية في الإقليم سيضع الملالي في مواجهة مشاكلهم الداخلية العويصة، وإذا تذكرنا ما حصل في مصر وهو ما يمثل سقوطا مدويا للرهان الأميركي والتركي على قيام «شرق أوسط إخواني جديد» يسقط المعايير القومية ويهمش الهموم الوطنية، يمكن القول إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة لملمة العالم العربي المتشظي، ذلك أن سقوط النظام السوري قد يعيد ترتيب الأوراق السياسية في العراق بما قد يؤدي تاليا إلى سقوط الأذرع المعتمدة للتدخلات الإيرانية في الإقليم. كذلك أن سقوط الرهان على حكم إقليمي لـ«الإخوان المسلمين» سيسقط «الأحلام العثمانية» التي تنامت في تركيا إلى درجة أن أنقرة عادت إلى تاريخ «الباب العالي».

لقد انتهى أو كاد ذلك العصر البائس عندما كان يجري تقسيم العرب تقدميين بالمزاعم ورجعيين بالاتهامات الباطلة، أو كما ادعى عبد الحليم خدام عندما كان من بطانة النظام السوري أن العرب عربان؛ «عرب الجغرافيا» الذين تقع عليهم أوزار القومية، و«عرب الجيولوجيا» أي النفط الذين عليهم فقط تمويل «القومجيين»، الذين أورثونا الهزائم ثم الكوارث وآخرها سوريا المدمرة!

الشرق الاوسط

العرب والسيناريو الثالث/ أمجد عرار

القول إن الغرب يكرّر سيناريو العراق وليبيا في سوريا يختزل المشهد العربي بدقّة متناهية . الأرض مُهّدت لتكرار السيناريوهين، إلا إذا تدخّل سيناريو “خليج الخنازير” في اللحظة الأخيرة وأعاد السيف إلى قرابه قبل أن يعمل ذبحاً بالسوريين وسوريا قبل نظامها . المحللون العرب منشغلون بتوقّع موعد “الضربة” ومداها وحجمها وأهدافها، ولا يسمونها عدواناً على شعب ودولة عربية، حتى لو كان نظامها دكتاتورياً . يشرّقون ويغرّبون، ثم يرجّحون توقعات القناة العاشرة وصحيفة “يديعوت” الصهيونيتين اللتين استغرقتا في التفاصيل و”بنك الأهداف”، بموازاة الاستعدادات “الإسرائيلية” على صعيد الباتريوت والكمامات الواقية، للإيحاء بالذريعة الكيماوية للعدوان . لكن عندما تتشخصن الأهداف، وتفعل الشيطنة فعلها، لا ينظر كثيرون إلى ما هو أبعد من رواية الغرب، كما في الحالتين السابقتين، وسنلدغ من الجحر مرتين، لأن الحديث أساساً يتحدّث عن المؤمن .

أمريكا، قائدة الجوقة، لا تعير اهتماماً للأمم المتحدة، فالمكلّف بتقدير الموقف هي “السي آي إيه”، فيما باراك أوباما سبق وأن وضع خطاً أحمر بنكهة الكيماوي، فوفّروه له . أمريكا لا تكيل بصاع مبعوث الأمم المتحدة للأزمة، الأخضر الإبراهيمي، فالرجل يؤكد أن لا أحد قدّم دليلاً على الجهة المسؤولة عن إطلاق “مادة ما” أوقعت قتلى تراوح عددهم بين ثلاثمائة وستة آلاف، وما بين التقديرين من عشرات المعطيات في مزاد الدم . وأمريكا لا يهمّها مجلس الأمن، ولا ضير إن كلّفت بريطانيا لرفع الموضوع إليه من باب رفع العتب .

لم يستغرب المحللون والمفكّرون السياسيون والخبراء الاستراتيجيون وإعلاميو الولاء واليساريون السابقون، وجود وزارة خارجية للولايات المتحدة، فما لها حاجة لهكذا وزارة، ما دام العالم كله بنظرها قضايا داخلية، وهي كالشاعر الذي يجوز له ما لا يجوز لغيره . هي وحدها الذي استخدم السلاح النووي، حتى لو تنكّر أولياء الدم وبلد الضحايا، وهي أول من استخدم السلاح الكيماوي وقنابل النابالم المحرّمة دولياً، باستثنائها .

لو كان للعرب منظمة قومية حقيقية تقودهم وتمثّل الحد الأدنى لكيانيّتهم، لما انعكس بؤسهم على شكل جامعة لا دور لها سوى الكومبارس وشاهد الزور . كان بإمكانهم أن يضعوا حداً للأزمة قبل أن تتفاقم، قبل أن تنحصر وسائل النظام على الحل الأمني، وقبل أن تصبح حدود سوريا مفتوحة لعشرات آلاف المسلّحين من شتى أصقاع الأرض .

كان النقاش مشروعاً، عندما حصر المشهد في صراع داخلي، على دمويته وقسوته، ورغم الأصابع الخفيّة والواضحة والتدخّلات غير المباشرة والحرب بالوكالة . لكن عندما تأتي الأساطيل الغربية، حين يغزونا المستعمرون ببزات “المحررين”، فإن العرب مطالبون بقول “لا” كبيرة وواضحة في وجه الغرب، “لا” لتكرار المغامرات القاتلة، فأرضنا ليست حقل تجارب لأسلحتهم، وشعوبنا ليست حقلاً لربيعهم المزعوم، ليس رصاصهم عشباً ولا “التوماهوك” و”الكروز” أشجاراً . لسنا بحاجة إلى محلّلين وخبراء يتفذلكون، بل تكفينا حكمة الصفوف الابتدائية عن الثور الأبيض الذي أكل يوم أكل الثور الأسود . الحل عربي، حتى لو كان عسكرياً، والمخرج عربي حتى لو كان النفق أطول، وإلا حوّل الغرب جسور اليوم إلى أهداف غداً، ونصبح كمن جلب الدب إلى كرمه .

الخليج

لماذا ستفشل الضربة العسكرية ضد النظام السوري/ نهاد إسماعيل

هذا ليس تغيير في موقفي ورغبتي في اسقاط نظام بشار الأسد.

أتابع عن كثب ما يجري على الساحة العربية والدولية في ضؤ التطورات الأخيرة وأهمها استعمال الغازات القاتلة ضد الشعب السوري من قبل النظام حسب معظم الدلائل المتوفرة والتهديدات الدولية بضربة عسكرية.

أوضح موقفي بصراحة. انا لا أزال مع ازالة النظام القائم وتفكيكه وتحرير الشعب السوري من الطاغية الذي يحكمه بقوة الحديد والنار والذي أباد أكثر من مائة ألف سوري وشرد الملايين. وأؤيد ضربة عسكرية سريعة قاصمة محدودة لأهداف عسكرية واستراتيجية واضعاف قدرات النظام على مواصلة المذابح وليس لتدمير سوريا كما حدث في العراق.

واعتقد أن أي ضربة الآن ضد النظام سوف تفشل في تحقيق اهدافها العسكرية والاستراتيجية والسياسية الا اذا رافقها تسليح الجيش السوري الحر اي الثورة السورية العلمانية الحقيقية وليس المجموعات الاسلامية التي أهدافها لا تخدم مصلحة واستقرار ووحدة سوريا.

لماذ ستفشل الضربة؟:

الفشل المتوقع ليس سببه التهديدات الشفهية من وليد المعلم او بشار الأسد او بشار الجعفري أوتهديدات ايران. هذه التهديدات كما قلت في مقال سابق هي قرقعة اعلامية لا قيمة استراتيجية لها ولا تؤخذ على محمل الجد.

التخبط الدولي والجدل القائم حول وجود أدلة كافية وقاطعة ان النظام هو المسؤول عن استخدام اسلحة كيماوية في منطقة الغوطة سيؤخر أي عمل عسكري محتمل. ثم الجدل حول موافقة او عدم موافقة مجلس الأمن ستعطي المزيد من الوقت للنظام بأن يهيء دفاعاته وينقل مواقعه لأماكن قد لا تتعرض للقصف وعلى سبيل المثال نقل الدبابات الى الشوارع في المناطق السكنية واخفاءها عن الأنظار. وقد يلجأ النظام لتغيير مواقع القيادات العسكرية. فما الفائدة من قصف وتدمير وزارة الدفاع اذا كانت خالية من الأجهزة الاستخبارية والوثائق. وقد لا يتورع النظام عن استعمال المدارس والمستشفيات كمواقع بديلة لأغراض عسكرية وأمنية لأنه يدرك ان الناتو سوف لا يقصف المدارس والمستشفيات ويخسر الحرب الاعلامية والدعائية التي ترافق اي تدخل عسكري من هذا النوع.

وما الفائدة من تدمير قصر جمهوري اذا كان خاليا من المستهدفين. وحتى الطائرات العسكرية يمكن نقلها الى مطارات في لبنان يسيطر عليها حزب الله والعراق المجاور.

لكي تنجح الضربة العسكرية يجب ان تكون سريعة ومفاجئة في وقت لا يتوقعها النظام. فقد أوباما وحلفاءه عنصر المباغتة مما سيقلل تأثير الضربة العسكرية المحتملة.

السبب في هذا التخبط والتباطؤ هو الديمقراطية الغربية والقانون الدولي. لا يستطيع اوباما ان يتحرك دون التشاور مع قادة الكونغرس ولا يستطيع رئيس وزراء بريطانيا ان يتحرك بدون موافقة البرلمان البريطاني والمعارضة العمالية المترددة. لذلك يمكن القول ان الديمقراطية الغربية الكافرة وفرت الحماية لنظام المجازر السوري باعطائه المزيد من الوقت للتخطيط والهرب والاختباء واخفاء الصورايخ ومخزونات السلاح الكيماوي.

واذا اضفنا ان أي عمل عسكري ضد نظام دمشق يجب ان يتم تنفيذه تحت غطاء موافقة الأمم المتحدة وهذا سيخضع لابتزازات روسية وصينية من خلال التلويح باستخدام حق الفيتو وهذا سيؤخر موعد وتوقيت الضربة العسكرية وسيبطل مفعول اي عمل عسكري مدعوم من المجلس الأمن.

فيمكن تلخيص اسباب فشل الضربة ضد بشار الأسد بالديمقراطية الغربية والقانون الدولي وافتقاد عنصر المباغتة وليس الخوف من تهديدات النظام بتحويل سوريا الى مقبرة للغزاة. تحولت سوريا الى مقبرة للشعب الذي يناضل ضد الظلم والاستبداد..

الحل الأفضل والأمثل:

لذا الحل والبديل هو تغيير موازين القوى على الأرض وذلك بتسليح الجيش السوري الحر بمضادات للطائرات والمروحيات واسلحة مضادة للدروع والدبابات. لنترك الشعب السوري ذاته أن يقوم باسقاط النظام وهذا لا يتم الا بتقديم الدعم الكامل للجيش السوري الحر.

لندن

ايلاف

رصاص في جنازة/ ساطع نور الدين

 مثل الالعاب النارية، التي تصدر ضجيجا عاليا وتطلق الاسهم في السماء، وتعبر عن مشاعر اكثر مما تعكس مواقف،ستكون الضربة العسكرية الاميركية الوشيكة لسوريا.. التي يدور حولها نقاش داخلي في واشنطن، يجعل منها واحدة من اغرب العمليات العسكرية واشدها تعقيدا.

لعلها ستكون المرة الاولى التي يجري فيها استخدام الطائرات والصواريخ لابلاغ الخصم، لا العدو طبعا، بالاستياء من سلوك محدد، اكثر فظاظة من المألوف والمقبول..على ان تعود الامور بعد الضربة الى سيرتها السابقة، وتتواصل عمليات الكر والفر بين النظام وبين المعارضة داخل سوريا، وتستأنف عمليات البحث عن حل سياسي مستحيل لأزمة مستعصية، اثبت العالم كله قدرة عجيبة على التعايش معها على الرغم من اكلافها الانسانية الباهظة.

قبل ان تنطلق الطائرات الاميركية والبريطانية والفرنسية والصواريخ البعيدة المدى، فقدت الضربة الاميركية مغزاها، وصار من الصعب ان تجد ان الاهداف السورية التي تقصدها ما زالت في مواقعها. وبات بامكان النظام السوري ان يعتبر ان الامر لا يعدو كونه اطلاق نار في جنازة، يموه عن حزن أهل الفقيد، لكنه لا يضيف الى المأتم اي قيمة او مهابة.. وفي هذه الحالة يصبح اعلان النصر من قبل ذلك النظام حتميا وربما ايضا مشروعا.

يريد الاميركيون عملية عسكرية تعبر عن غضبهم من استخدام الاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق، من دون التسبب باغضاب النظام السوري، او استفزازه للاقدام على المزيد من مثل هذه الخطوات المشينة، او من دون تحديه للجوء الى توسيع الحرب خارج حدود سوريا.. والاهم من كل ذلك من دون التسبب بانهيار الجيش السوري على نحو ما جرى في العراق في عملية “الرعب والصدمة” في العام 2003، وبالتالي من دون الافساح في المجال للمعارضة السورية وتشكيلاتها الاسلامية لاقتحام دمشق او غيرها من المدن والمواقع الرئيسية الخاضعة لسيطرة النظام.

حتى الان، يعرف الاميركيون فقط ما يريدون تفاديه، وهو امر مستحيل فعلا، لان النظام غاضب حقا وهو لا يصدق ان اميركا يمكن ان تؤذيه، برغم العلاقات التاريخية التي صمدت على مدى اربعة عقود، وتقدم في الوقت نفسه خدمة لجبهة النصرة.. ولان الجيش الذي يفترض ان يكون البديل وان يظل عنوان الوحدة الوطنية السورية وربما ايضا حاميها الوحيد، خائف جدا من ان تكون الضربة عقابا اشد من المتداول حتى الان، وصفوفه تشهد هذه الايام تصدعا اضافيا.. ولان المعارضة تظن ان مهمة القوات الاميركية المقبلة هي ان تفتح لها الطريق الى دمشق وحلب وغيرها.

ما زالت اميركا والعالم كله حاسما بان اسقاط النظام لم ولن يكون هدفا، لان احدا لا يريد الفراغ والفوضى. لكن رأس النظام كان وسيبقى هدفا، حسب جميع الخطط الاميركية والروسية الضمنية، التي لم يكن من شأن الحملة الحالية عليه في اعقاب تجاوزه الخط الاحمر سوى التوكيد على انه لم يعد له مستقبل في سوريا. كانت الخطط كلها تنص على اخراجه من السلطة بطريقة تفاوضية تدريجية سلسة، وفي موعد محدد لا يتجاوز صيف العام 2014. يبدو الان انه جرى تعديل هذه الخطط، وتسريع آليات تنفيذها.

كل ما عدا ذلك تفاصيل، تكتسب اهميتها من الان فصاعدا على قاعدة ان العاصمة التي يمكنها ان توفر مخرجا لرأس النظام، تستطيع ان ترث سوريا.. التي لا يطمع الاميركيون بالهيمنة عليها، خصوصا وانها ليست باهمية العراق او ليبيا ولا تتمتع بثرواتهما، ولا يرغب الاوروبيون الغربيون في السيطرة عليها للاسباب نفسها، ولا يود الاسرائيليون رؤية تغيير جذري في سلوكها السياسي او العسكري.. الباقون هم المرشحون للوراثة، باستثناء ايران وحدها، التي تشارف نزعتها الامبراطورية على الانتهاء، بعدما دخلت في مرحلة من التواضع الداخلي المبني على وقائع لا تدحض.

لكن اميركا التي تقرع طبول الحرب، يمكن ان تخطىء، ويمكن ان ترتكب حماقة جديدة في سوريا. فهذا هو الدرس الاهم من التاريخ.

المدن

مخاطر سقوط سوريا‏!/ مكرم محمد أحمد

الواضح من المشهد الراهن شرق المتوسط أن أربع قطع للبحرية الأمريكية تربض خارج المياه الإقليمية السورية‏,‏ تنتظر أمرا من الرئيس الأمريكي أوباما‏,‏

يمكن أن يصدر في أي وقت تحت ضغوط صقور الكونجرس بإطلاق صواريخ( توماهوك) علي أهداف استراتيجية سورية تم تحديدها, لأن بشار الأسد تجاوز الخط الأحمر و استخدم قنابل الغاز ضد شعبه في منطقة الغوطة القريبة من دمشق. وما يزيد من خطورة الموقف أن تسارع أمريكا بتوجيه ضربتها رغم تأكيدات دمشق المتكررة أنها لم تستخدم قنابل الغاز, ودون ان تنتظر نتائج بعثة المفتشين الدوليين التي تحقق الحادث في منطقة الغوطة, ودون أن تستصدر قرارا من مجلس الأمن خوفا من عزم روسيا والصين علي استخدام حق الفيتو.

وبرغم ادعاءات الأمريكيين أن القصف الأمريكي لم يؤثر علي حالة التوازن الدقيق بين قوات الجيش النظامي وقوات المعارضة المسلحة, ثمة مخاوف حقيقية من أن تؤدي الضربة الأمريكية إلي فتح الطريق أمام قوات المعارضة للوصول الي دمشق وفي مقدمتها جماعة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة, ومن المتوقع أن تكون نتيجة ذلك ارتفاع دائرة الحرب الأهلية لتأكل ما تبقي من الدولة السورية, وتضع الشرق الأوسط علي حافة مخاطر غير محسوبة, تزيد من فرص انتشار الفوضي والانقسام الأهلي, وتوسع فرص العدوان علي الشرعية, وتشعل نار الفتنة بين السنة والشيعة, وثؤثر سلبا علي أوضاع العراق والأردن ولبنان, وربما يمتد خطر الفتنة إلي تخوم منطقة الخليج حيث يزداد التوتر بين السنة والشيعة, وما من شك أن تقويض الدولة السورية يفرض علي مصر تبعات أمنية جديدة, لارتباط أمن الدولتين, تلزم مصر المزيد من اليقظة والاستعداد والقدرة علي الحسم.

الاهرام

اليوم التالي بعد سقوط الصواريخ على دمشق/ جمال خاشقجي *

إذا لم يسقط النظام بعد أيام من ضرب مقاره الأمنية ومفاصله العسكرية فهذه مشكلة، أما إذا تهاوى بسرعة وتقدم الثوار نحو العاصمة ودخلوا القصر الجمهوري وأعلنوا سقوط نظام بشار الأسد من على عتبات مجلس الشعب السوري فهذه مشكلة أيضاً!

كيف ذلك؟ الحل الأسلم للأزمة السورية كما يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الأممي الأخضر الإبراهيمي هو التفاوض والحل السلمي، أن يتوجه بشار الأسد أو من يمثل نظامه إلى جنيف، وكذلك المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني، ويجلسا على طاولة واحدة، ويتفقا إما على أن ينقل الأول السلطة للثاني أو المشاركة معاً في مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة، فسلام ووئام بين الإخوة، حافزهم في ذلك الحرص على سلامة «الدولة» وتماسكها، فلا تنهار أجهزتها البيروقراطية ولا الأمنية، إنما يعمل الجميع بعد ذلك بإخلاص وتفانٍ لإصلاح حقيقي يرضي كل أبناء الشعب السوري الواحد… ما سبق أمنيات ليس لها موقع في سورية الحقيقية اليوم، لقد انهارت الدولة، وثمة ثورة حقيقية هناك ترفض كامل النظام وكل ما يمت إليه بصلة، ثم متى اختار العربي حلاً معتدلاً لأزماته خارج قاعدة «كل شيء أو لا شيء»؟

الجميع يتحدثون عن ضربة «محدودة في الزمان والمكان»، كما يستخدم السياسي الأميركي عبارة «معاقبة» الذي ارتكب جريمة استخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً وليس «إسقاطه»، وثمة فارق بين المعاقبة والإسقاط، ولكن هذا هو الموقف الأميركي والغربي، والذي لا يلزم الثوار في سورية، الذين يريدون إسقاط النظام بالكامل وبناء سورية جديدة تماماً، هؤلاء سيستغلون الضربات العسكرية على مفاصل النظام الأمنية للتقدم نحو كل ثكنة ومطار وموقع يستطيعون السيطرة عليه، وليس لأحد أن يلومهم في ذلك، بل بالتأكيد هناك من سيدعمهم، ودربهم على ذلك، فالوحدات السورية التي تم تدريبها وتجهيزها في الأردن وتركيا من قبل الجيش الأميركي وحلفائه مناطة بها هذه المهمة، وهي وحدات منضوية تحت مظلة «الجيش الحر» الذي يرأسه اللواء سليم إدريس، وتتبع سياسياً للائتلاف الوطني السوري الذي يرأسه أحمد الجربا، اللذان يتمتعان بثقة قوى إقليمية ودولية.

ومثلها شتى التشكيلات العسكرية للثوار تحت مختلف المسميات، مثل لواء الإسلام، صقور الشام، كتائب التوحيد، كلها نظرياً تشكل «الجيش السوري الحر»، ولكنها في الحقيقة مستقلة بقيادات وتوجهات وتمويل وعلاقات إقليمية مختلفة، ويجمعها الآن هدف إسقاط النظام، بل إن بعضهم يتعاون حتى مع «جبهة النصرة» تحت هذا الشعار، وستعمد هذه الفصائل بحماسة شديدة للاستفادة من الضربات الصاروخية وتبعاتها التي ستؤدي بالتأكيد إلى حالة إرباك شديد في صف وحدات النظام العسكرية، بل يجب توقع حالات فرار وانشقاق في الجيش السوري، وبالتالي لا يستبعد انهيار كامل للنظام، الذي لا بد من أن يكون هو الآخر منهكاً بعد عامين ونصف العام من الحرب (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ).

لذلك فمن الضروري الاستعداد إقليمياً لليوم التالي بعد سقوط النظام كاملاً أو انحساره إلى مناطقه العلوية «الخطة ب» كما سمّاها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وأحسب أن هذا كان بعضاً مما ناقشه رؤساء أركان جيوش الدول المعنية بالأزمة السورية في العاصمة الأردنية الأسبوع الماضي، فإذا كان تأمين الأسلحة الكيماوية ومستودعاتها هاجساً مشتركاً بين الغرب والدول الإقليمية، فإن ضمان انبثاق سورية آمنة وموحدة من بين الرماد والحروب هو ما يجب أن يكون هاجس دول المنطقة، خصوصاً السعودية والأردن وتركيا.

الذي سيعلن سقوط دمشق ثائر شاب لا نعرفه، يستحوذ على كاميرات الصحافة والتلفزيون هو وزملاؤه ريثما تصل قيادات المعارضة. من هناك سيعلن الائتلاف الوطني عن بدء المرحلة الانتقالية، ويحدد أهدافها وربما زمانها. سيوجه السيد الجربا نداء لموظفي الدولة بالبقاء في أعمالهم وخدمة وطنهم، وربما حتى للشرطة بحفظ الأمن، ولكن هل يستطيع الائتلاف الوطني السوري وهو كيان «ائتلافي» كما هو واضح في اسمه إعمال سيطرته على كل سورية بكل ما ترك بشار فيها من تناقضات، وما خلقته الحرب من أحزاب وكتائب وعداوات وثارات؟ حتى لو تغلبت كل الفصائل والقادة المحليين على طموحاتهم ومكاسبهم وقبلوا بمظلة الائتلاف، ماذا عن «جبهة النصرة»؟ بل ماذا عن الكارثة الأكبر «دولة العراق والشام الإسلامية»؟

يبدو أنه لا مناط من قوة سلام عربية – تركية، تشكّل في إطار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، تكون وظيفتها حماية عملية الولادة الصعبة لسورية الجديدة الديموقراطية التي تحميها من نفسها وتحمي المنطقة من انهيارها. إنه شرق أوسط جديد إن لم يصنعه الحكماء سيصنع نفسه بنفسه، وها هو الفصل الثاني من الملحمة السورية على وشك انفراج ستارته عن تفاصيل لن تقل إثارة وربما ألماً عن فترة العامين ونصف العام الماضية.

* كاتب وإعلامي سعودي

الحياة

نظام الأسد هل يصبح منتهيا بعد الضربة العسكرية؟/ صالح القلاب

بعدما بدأ العد العكسي للضربة العسكرية المرتقبة ضد سوريا، التي بات من الممكن أن تقع في أي لحظة، فإن هناك سؤالين أصبحا متداولين في أوساط كثيرة في مقدمتها الأوساط الغربية المعنية المتابعة أولهما: على ماذا اعتمد الرئيس السوري يا ترى حتى يلجأ إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد شعب من المفترض أنه شعبه وفي دمشق العاصمة نفسها وبينما هو يعرف معرفة أكيدة أن كل شيء في هذا البلد قد وضع تحت المراقبة الحثيثة منذ انفجار هذه الأحداث المدمرة قبل عامين ونصف وأن الأقمار الصناعية التي تملأ السماء السورية تتابع كل صغيرة وكبيرة وبخاصة بالنسبة لمخازن السلاح الكيماوي المعروفة والمحددة بدقة كاملة؟ إن هذا هو السؤال الأول، أما السؤال الثاني فهو: ما مصير بشار الأسد يا ترى بعد هذه الضربة التي ستكون ساحقة وماحقة والتي ستشتت ما بقي من الجيش السوري من شراذم طائفية والتي وفقا لتجارب التاريخ ستبرز البديل «الانتهازي» من بين رموز وأقطاب هذا النظام نفسه فالمعروف أنه عندما تبدأ السفينة بالغرق فإن كثيرين من بحارتها يبادرون إلى التخلي عن «قبطانهم» ويبدأون بالهرب لإنقاذ أرواحهم وإنقاذ مستقبلهم، وحقيقة أنه إذا تمت هذه الضربة، وهي قد تتم قبل أن يصدر عدد «الشرق الأوسط» الذي سينشر هذا المقال، فإن الكثير من المحيطين ببشار الأسد ومن كبار ضباط الطائفة العلوية سوف يتخلون عنه وسوف يتآمرون عليه خاصة أنهم بالأساس غير مقتنعين لا به ولا بقيادته وأن بعضهم يرون أنهم الأحق في موقع الرئاسة الذي وصل إليه تحاشيا لصدام كان سيقع حتما بن كبار أقطاب هذه الطائفة من حملة أعلى الرتب العسكرية.

ذكر دبلوماسي عربي مخضرم شغل موقع رئيس الوزراء في بلده مرات عدة أنه انتحى بوزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس في حفل تنصيب بشار الأسد رئيسا للجمهورية جانبا وسأله عن أسباب اختيار هذا الفتى الصغير العديم الخبرة والكفاءة لهذا المنصب الخطير في بلد الانقلابات العسكرية وبلد الأمزجة السياسية المتقلبة وكان الجواب، أي جواب مصطفى طلاس، أن هذا الاختيار كان للهروب من مواجهة كانت تبدو حتمية بين كبار الجنرالات العلويين الذين تدافعوا نحو القصر الجمهوري بأوسمتهم وأسلحتهم ونياشينهم ورتبهم العسكرية بمجرد معرفتهم بوفاة حافظ الأسد.

وذكر مسؤول سوري سابق كان أحد كبار البعثيين الذين حضروا اجتماع القيادة القطرية، التي كانت رشحت بشار الأسد لمنصب رئيس الجمهورية خلفا لوالده وفقا للدستور السوري المعمول به في ذلك الحين والآن، أن محمد ناصيف خير بك، الذي كان لاعبا رئيسا في الحياة السياسية السورية في تلك الفترة وفي هذه الفترة، قد لاحظ امتعاضا لدى عبد الحليم خدام مما كان يجري فبعث إليه بورقة صغيرة تضمنت: عليك أن تدرك معنى أن الدبابات تطوق مبنى القيادة من كل جانب وأن تتصرف على هذا الأساس.

وتجدر الإشارة الى أن «العلويين»، كمجموعات عشائرية وكقيادات حزبية وعسكرية سابقة، لم يكونوا مجمعين لا على رئاسة بشار الأسد لسوريا ولا على زعامة عائلته قبل أن يحدث في هذا البلد ما حدث بدءا بمارس (آذار) عام 2011 وقبل أن يتم إشعار هؤلاء جميعا بأنهم أصبحوا مع هذا الرئيس ومع هذه العائلة في مركب واحد وأنه عليهم أن يتخلوا عن تعارضاتهم وأيضا تناقضاتهم مع هذا النظام حماية لهم ولطائفتهم من مصير كان أجدادهم قد جربوه في مراحل سابقة صعبة أسوأها المرحلة العثمانية.

وهنا فإن الخطأ الفادح الذي ارتكبته المعارضة السورية هو أنها لم تمنع التنظيمات المتطرفة كجبهة «النصرة» وغيرها من العمل في ساحتها وأنها، أي المعارضة، وهي تعرف أن هذه التنظيمات غير بعيدة عن تأثيرات مخابرات بشار الأسد وأجهزته الأمنية لم تدخل معها في مواجهة مبكرة لتحول دون التهديدات الرعناء التي دأبت على إطلاقها وبخاصة في السنة الأخيرة ضد الطائفة العلوية وضد الطوائف الأخرى مثل المسيحيين والدروز والإسماعيليين والشيعة.

في كل حال وعودة إلى السؤال الآنف الذكر فإنه غير صحيح على الإطلاق أن الضربة التي قد لا تميت بشار الأسد سوف «تقويه» إذ بالإضافة إلى أن المتوقع أن هذه الضربة المتوقعة ستكون ساحقة ماحقة فإن المتوقع أنها ستنعش أطماع وطموحات الكثير من كبار جنرالات هذا النظام وكبار رموزه باغتنام الفرصة التي قد تكون سانحة لرفع شعار «الخلاص» وتجنيب الطائفة العلوية مذبحة كالمذابح التي تعرضت لها عبر تاريخ سابق طويل بالهيمنة على الحكم والدخول مباشرة في مساومة إنقاذية مع الولايات المتحدة والتحالف الغربي ومع المعارضة السورية التي من المتوقع أنها لن ترفض مثل هذه المساومة الإنقاذية حفاظا على وحدة البلاد وتجنبا لأي محاولات ثأرية إن هي حصلت فإنها ستؤدي حتما إلى نتائج مأساوية.

إن هذا فيما يتعلق بالسؤال الثاني الذي هو ما مصير بشار الأسد؟ وما مصير نظامه يا ترى بعد الضربة العسكرية المتوقعة التي يرى البعض أن هدفها السياسي سيكون إحداث خلل في معادلة موازين القوى يلزم الرئيس السوري بتقديم تنازلات فعلية لإنجاز الحل المنشود في «جنيف 2»؟ أما فيما يتعلق بالسؤال الذي سبقه، وهو السؤال المتعلق باللجوء إلى استخدام السلاح الكيماوي مع أن المعروف أن سوريا بقيت تخضع وعلى مدى عامين لمراقبة جوية حثيثة وأن الأقمار الصناعية الغربية دأبت وخلال كل هذه الفترة على مراقبة كل شيء في الأرض السورية.

يقال هنا إن ثقة الرئيس السوري الزائدة عن اللزوم بالروس والإيرانيين قد دفعته إلى الذهاب بعيدا في سياسة ما يسمى: «حافة الهاوية» وإن الإنجازات «الوهمية» التي حققها في القصير وفي حمص وفي بعض المواقع الأخرى بمشاركة ميليشيات حزب الله وميليشيات ما يسمى: «لواء أبو الفضل العباس» وبمشاركة إيرانية لا يمكن إنكارها قد شجعته على اللجوء إلى استخدام الأسلحة الكيماوية لاستعادة ما كان خسره من مواقع استراتيجية وحساسة في ضواحي دمشق قبل انعقاد مؤتمر «جنيف 2» الذي كان الأمين العام للأمم المتحدة قد طلب قبل أيام قليلة من الأخضر الإبراهيمي ومن مساعده ناصر القدوة إقفال مكتب الممثل المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة في القاهرة والانتقال إلى جنيف للإعداد جديا لهذا المؤتمر. كان الرئيس السوري يعتقد أن الأمور ستتم بسهولة وعلى غرار استخدام السلاح الكيماوي في مناطق متعددة في مرات سابقة وكان يعتقد أيضا أنه بالألاعيب والمناورات وبدعم الروس والإيرانيين سينجح في هذه المحاولة كما نجح في كل المحاولات التي سبقتها وكان يظن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعجز من أن يتخلى عن تردده المستمر منذ بداية هذه الأزمة وأن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى التهديد والوعيد على غرار ما بقيت تفعله على مدى عامين ونصف العام لكنها لن تفعل شيئا وأن الأمور ستمضي بسهولة وأنه سيذهب إلى «جنيف 2» بأوراق رابحة جديدة.

لكن وخلافا لهذا كله فإن هناك من يقول: بل إن هذا الرجل الذي أصبح يعيش في واد والواقع يعيش في واد آخر وقع ضحية بعض المحيطين به الذين أقدموا على فعلتهم هذه دون معرفته وعلمه ليورطوه في جريمة إنسانية كهذه الجريمة ليتخلصوا منه ولينقذوا هذا النظام الذي يعتبرونه نظامهم أكثر من أن يكون نظامه وليتفاهموا مع الأميركيين ومع الغرب عموما على طبيعة المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها وعلى حكومة الوحدة الوطنية المطروحة في إطار «جنيف 2».

إن هذا هو ما يقال لكن ولأنه ليس كل ما يقال يجب أن يحدث فإنه علينا أن ننتظر الضربة العسكرية التي غدت متوقعة في أي لحظة والتي هي بالتأكيد ستغير اتجاه الأحداث في سوريا وقد تؤدي إلى رحيل الأسد ونظامه والتي ستؤدي أيضا إلى تغييرات كثيرة في هذه المنطقة وإلى استبدال المعادلة الدولية السائدة الآن بمعادلة دولية جديدة سيكون الرقم الروسي فيها ليس كما بقيت موسكو تسعى إليه في الفترة الأخيرة.

الشرق الأوسط

حذر لافت لدى خصوم النظام حيال الضربة ونداء السنيورة استبق الكلام عن “رهانات”/ روزانا بومنصف

على رغم ميل قد تبديه اوساط سياسية عدة ازاء ضرورة الانتهاء من الرئيس السوري بشار الاسد اما بناء على مشاعر قديمة استنادا الى علاقة ملتبسة اضحت عليها علاقته مع غالبية الاوساط في لبنان او بناء على ما قام به خلال العامين ونصف العام من عمر الازمة السورية وادى الى مقتل ما يزيد على المئة الف سوري والذي لا يعقل في ضوئه ان يكتب له فرص الاستمرار ولان الاسراع بانهاء الازمة السورية قد ينهي مأساة السوريين ويخفف تاليا عن لبنان، فان الضربة الاميركية المحتملة للنظام تلقى تحفظا وتقابل بحذر شديد حتى لدى الاوساط المفترض انها يمكن ان تستفيد منها. فالحماسة غير موجودة وتكاد تكون منعدمة لتدخل اجنبي ولو استدرجها استخدام للاسلحة الكيميائية ذهب ضحيته ابرياء بالمئات ويتطلب اجراء حاسما لمنع تكراره. وليس اسهل من تلمس هذا الحذر الذي يسود الشارع اللبناني العادي كما السياسي كأنما لبنان هو الذي يقبل بنفسه على التحديات المخيفة اكثر من جارته او بمقدارها. فمن جهة تخشى هذه الاوساط من تداعيات الضربة الاميركية في ظل عدم امكان معرفة حجمها ومداها من جهة وفي ظل صعوبة وضع سيناريوات بناء على ما يمكن ان تحققه هذه الضربة من جهة اخرى اضافة الى المخاوف من انعكاساتها من خلال رد فعل النظام عليها وربما استعانته بحلفائه من اجل ذلك او من خلال استخدامه لبنان كساحة من ساحات الردود على ما يواجهه. فالولايات المتحدة بلد كبير وهي تضع الخطط العسكرية المتقنة وفق ما يفترض كثر لكنها ايضا يمكن ان تترك الامور عالقة وغير منجزة من جهة او يمكن من جهة اخرى ان يتسبب اي عائق في تغيير اتجاه الحرب وطبيعتها تماما كما حصل بالنسبة الى حروب كثيرة عاشها لبنان من بينها تلك التي شنتها اسرائيل مرارا على لبنان باهداف معينة سرعان ما اثبتت عجزها عن انجاحها فاتت بنتائج عكسية وتسببت بكوارث اضافية على الكوارث التي تسببت فيها اصلا. كما ان لبنان يدرك اكثر من سواه على الارجح تبعا لتجربته الخاصة خلال اعوام الحرب ماذا يعني اي تدخل اجنبي ايا كانت طبيعته وما هي اثمانه وكان ضحيته مرارا وآخرها شرعنة الوصاية السورية على لبنان ابان الحرب على العراق اواخر الثمانينات. وهو يخشى عبر اوساطه السياسية انعكاسات مختلفة تتفاوت بين استقباله عددا لامحدوداً من اللاجئين السوريين وصولا الى تأثير ما يجري على التوازنات السياسية وما يمكن ان يستدرج ذلك من تطورات على الارض كرد فعل رافض لما يمكن ان يصيب النظام السوري ويؤثر في حلفائه او لتثبيت مكاسب تم تحقيقها زمن سيطرة هذا النظام والخشية من خسارتها. ويزيد وطأة هذه الخشية ان تساهم الانقسامات الدولية حول الضربة الاميركية المفترضة والتي تصاعدت حدتها بين حلفاء الولايات المتحدة في اعطاء زخم لرد فعل اعتراضي عسكري على هذه الضربة بما قد يفتح الباب على حرب تتوسع الى خارج الاراضي السورية.

هناك بعض الاوساط الاخرى ترى هذه المخاوف مبالغا فيها بناء على معطيات سياسية اقليمية وداخلية تمنع في رأيها انجرافا او انزلاقا في لبنان قد يفتح افق الحرب عليه او فيه حتى الان ما لم يطرأ ما يبدل من هذه المعطيات على نحو جذري. فلبنان، وبناء على تطورات الاشهر الاخيرة، كان يخرج اسبوعا بعد اسبوع من مرحلة خطيرة ليدخل في اخرى بين كفة ترجح لمصلحة هذا الفريق مرة واخرى ترجح لمصلحة الفريق الاخر بما يفيد بواقع ان ثمة جناحين سياسيين في البلد لا يمكن لاحدهما ان يفرض قواعده او نظمه من دون الاتفاق مع الاخرين. وترحب بعض المصادر السياسية في هذا الاطار بقوة بالنداء الذي وجهه الرئيس فؤاد السنيورة الى اللبنانيين قبل بضعة ايام لجهة دعوته الى التضامن في هذه المرحلة بالذات مستبقا نتائج مفترضة للضربة العسكرية الاميركية مشددا على ان الساعة “هي للوحدة وان الواجب يقتضي منا حماية لبنان وتحييده”. وقد اعتبرته هذه المصادر وهي من غير قوى 14 آذار موقفا ممتازا ومسؤولا اذ رسم سقفا سياسيا مبكرا لكل المواقف التي يمكن ان تصدر عن فريقه او حتى عن القوى الحليفة ولاجما الى حد كبير التعبير عن رهانات ليست في محلها كما قد تكون ليست واقعية خصوصا انها قد لا تؤتي بالنتائج التي ربما يريدها كثر في الوقت الذي يمكن لاطرافا عدة توظيف الرهانات المفترضة من اجل تسعير الاصطفاف السياسي وتوسيعه خصوصا في ضوء الضربة الاميركية المحتملة. كما ان هذا الموقف اتى في توقيته من اجل طمأنة الطرف الاخر وعدم تخويفه. وهذه الخطوة اعقبت في الواقع موقفا لا يقل اهمية وفق هذه المصادر في اعقاب التفجيرين الارهابيين اللذين وقعا في طرابلس قبل اسبوع حيث نأت كتلة المستقبل، وقبل ان تتضح الخيوط الاولى في التحقيق حول المرتكبين او الضالعين، عن الاتهامات الداخلية او بالاحرى المذهبية تحت وطأة الانفعال او الخلاف السياسي، وهو الامر الذي ساهم في التهدئة الى حد بعيد واقام جوا تضامنيا واسعا اراح البلد ووفر عليه الدخول في المزيد من الانقسامات قبل ان تبرز مأساة استخدام السلاح الكيميائي في سوريا وما تركه من ردود فعل عالمية.

النهار

مَن تخدم الحرب على سوريا الآن؟/ سميح صعب

قبل أيام من التقارير التي تحدثت عن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية خبراً مفاده ان اسرائيل واميركا اتفقتا على العمل من أجل اطاحة الرئيس بشار الاسد ومن ثم مساعدة النظام الجديد الذي سيكون عماده “الجيش السوري الحر” على ضرب التنظيمات الجهادية في سوريا.

واذا كانت الحرب الاميركية المزمعة على سوريا الآن تصب في هذا السياق، فإن الولايات المتحدة تكون مقبلة على سيناريوين أفغاني وعراقي جديدين في سوريا على رغم ان تجربتها في ضرب “القاعدة” في العراق لم تنجح وها هي تجري مفاوضات مع “طالبان” في افغانستان من أجل خروج آمن من هذا البلد. فما الذي يجعل باراك أوباما يعتقد انه سينجح في سوريا حيث فشل سلفه جورج بوش في العراق وافغانستان؟ وما الذي يجعله يشارك ظرفياً في هدف التنظيمات الجهادية في سوريا من أجل اسقاط الاسد ومن ثم العمل في ما بعد على مكافحة هذه التنظيمات؟

في المنظورين الاميركي والاسرائيلي، سيمثل اسقاط النظام السوري ضربة استراتيجية لايران وتقليماً لنفوذها الاقليمي للمرة الاولى منذ اتساع هذا النفوذ بعد اسقاط نظامي صدام حسين في العراق و”طالبان” في أفغانستان.

ولكن ما هي مصلحة اميركا في اسقاط الاسد والمخاطرة بأن تزداد التنظيمات الجهادية قوة ونفوذاً؟ الجواب في غاية البساطة: ما دامت وجهة هذه التنظيمات هي ايران وليس اسرائيل فلا مشكلة اميركية في التعايش معها باعتبارها سداً منيعاً في مواجهة النفوذ الايراني كما كانت الاحزاب الجهادية في افغانستان سداً منيعاً في مواجهة النفوذ السوفياتي في الثمانينات.

لا بد ان أميركا تدرك ان التنظيمات الجهادية هي الاقوى في سوريا اليوم وانه ليس في الامكان على المدى المنظور بناء سلطة سياسية وأمنية متماسكة في سوريا بديلاً من النظام الحالي. وهي تدرك ايضاً ان اسقاط الاسد الذي يعتبر ضربة استراتيجية في مسار المواجهة الكبرى مع ايران، لن يجلب على سوريا سوى الويل والفوضى. ولكن ما دامت هذه الفوضى محصورة في سوريا والجوار العربي لسوريا فلا مانع اميركياً من حصولها طالما أنها لا تمس بأمن اسرائيل.

اليوم يكرر أوباما ما فعله بوش الابن من تدمير للعراق من أجل حماية اسرائيل استراتيجياً. وقد ذهب ايهود اولمرت الى البيت الابيض ليشكره على ذلك. ويسدي أوباما اليوم الخدمة عينها الى نتنياهو بتدمير سوريا وحرمان ايران حليفا استراتيجيا. في هذه المواجهة يجب ان نكون كلنا سوريين.

النهار

حرب ما بعد الحرب في سورية

يشير اعتماد الأسد المتنامي على الميليشيات في القتال، بدلاً من الجيش، إلى أنه لا يخسر السيطرة فحسب، بل أيضاً إلى أن المجموعات المحلية ستواصل القتال حتى بعد إزالته من السلطة، كذلك يُظهر تبني حركة المقاومة السورية الجهاد أن الحرب التالية ستزداد عنفاً بمرور الوقت.

يبدو أن الحرب في سورية تحمل الكارثة تلو الأخرى، فقد ظهرت أخيراً تقارير عالية المصداقية عن أن ما يفوق الألف شخص لقوا حتفهم في ضواحي دمشق، بعد أن استخدم نظام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضدهم، وبعد أن حاول نظام الأسد عرقلة عمل محققي الأمم المتحدة في هذا الشأن، يواجه اليوم رداً دولياً قد يتخذ على الأرجح شكل الضربة العسكرية.

لكن الكارثة الأكبر التي سيواجهها هذا البلد قد لا تكون استخدام قوات الأسد المزعوم الأسلحة الكيماوية (حادثة يتولى التحقيقَ فيها اليوم فريقٌ من المحققين التابعين للأمم المتحدة)، بل الانقسامات المستمرة بين المقاتلين السوريين، ما يثير الكثير من المخاوف والقلق حيال حرب السنتين الأهلية هذه، فقد تهدد هذه الانقسامات أي أمل في إعادة إعمار البلد عندما ينتهي القتال.

في بيان مصور بُث في 22 أغسطس، أعلن قادة الجبهات الخمسة في المجلس العسكري الأعلى، الذي تدعمه المعارضة، أنهم سيتخلون عن هذا المجلس، وأنهم قرروا العمل عوضاً عن ذلك مع أي فريق مستعد لمحاربة الأسد. قدم هؤلاء القادة استقالتهم هذه وهم جالسون أمام الراية السوداء الخاصة بـ”جبهة النصرة”، فريق أساسي في المعارضة تربطه علاقة وثيقة بتنظيم “القاعدة” في العراق، ما يشير إلى أنهم رفضوا مطالب الولايات المتحدة بعدم التعامل مع المجاهدين.

كان هدف هذا المجلس، الذي تشكل في ديسمبر عام 2012، جمع الفصائل الثورية المختلفة وتوحيدها في بنية قيادية واحدة، لكن هذا المجلس أخفق، فقد افتقر إلى الشرعية الضرورية، فضلاً عن أن سلسلة قيادة كل جبهة فيه لم تكن فاعلة إلا بقدر فاعلية القادة الذين يتولونها. كان من الممكن لهذا المجلس أن يخدم كضابط يحد من الميول الأصولية في حركة المعارضة… لكن هذا الاحتمال بات مستبعداً اليوم. تخبر إليزابيث أوباغي، محللة وباحثة بارزة في “معهد دراسة الحرب” عادت لتوها من رحلة أبحاث في سورية، موقعDefense One: “من المخزن أن نرى الحركات الإسلامية تسيطر على المجلس. ويشعر الناس أنهم عاجزون عن مقاومة ذلك”.

ازدادت المقاومة السورية تشدداً خلال السنتين الماضيتين. تقول أوباغي، مشيرة إلى الاسم الرسمي لفرع “القاعدة” في العراق: “في حلب خصوصاً في الشمال الخاضع لسيطرة الثوار أيضاً، ترى الدولة الإسلامية في العراق تسيطر على المجالس المحلية بالكامل”.

يتولى قيادة المجلس العسكري الأعلى صورياً سالم إدريس، الذي يرأس هيئة أركانه. يوضح كيرك سويل، مدير شركةUticensis Risk Services وباحث يجيد اللغة العربية: “لم يمارس المجلس سلطته يوماً. وأخفق في التخلص من القادة المثيرين للشغب في حلب ودرعا، ولكن كان بالإمكان تحويله إلى ما يشبه وزارة دفاع المعارضة”.

يضيف سويل أن انشقاق كبار قادة المجلس أخيراً لا يُظهر أن إدريس عاجز عن السيطرة على قادته فحسب، بل إن المجلس أيضاً “يفتقر إلى أهمية تُذكر” داخل سورية.

أدت عقبتان كبيرتان، على ما يبدو، إلى عرقلة عمل المجلس العسكري الأعلى: إخفاق هجوم اللاذقية الشهر الماضي واستخدام الأسلحة الكيماوية أخيراً في ضواحي دمشق، فقد فشل الهجوم، الذي صدق عليه إدريس وقاده، في طرد قوات النظام من ساحل سورية الشمالي الغربي، وبعد أيام، رد نظام الأسد، حسبما يُقال، بشن هجوم كيماوي على ما يفوق الألف مدني، فشكل هذان التطوران ضربتين قويتين للمعارضة.

توضح أوباغي: “كان لهذين التطورين تأثير بالغ الخطورة في تبني الشعب الأصولية، وإن لم يرد المجتمع الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية، فقد يتحول تبني الشعب الأصولية والتشدد إلى عملية لا يمكن الرجوع عنها”.

في البيان المصور، ردد المتحدث باسم المجلس فاتح حسون، قائد جبهة حمص، مراراً عبارة “مجوسي” ليصف الأعداء، ويذكر سويل، فيما يراقب مجريات القتال الذي يتحول من حرب إلى معركة بين السنّة والشيعة: “تُعتبر هذه الطريقة الأكثر طائفية لرسم إطار الصراع”. بينما يواصل فريق الأمم المتحدة تحقيقه في الاعتداء بالأسلحة الكيماوية، معرضاً لنيران القناصة، نلاحظ تطوراً جديداً مقلقاً في قوات النظام. تذكر أوباغي: “يتحول النظام إلى قوات متنوعة شبيهة بالميليشيات، فعندما كنت في حلب، ذُهلت حين رأيت النظام ينسحب من الجزء الأكبر من المدينة ويعتمد بدلاً من ذلك على مجموعات من الميليشيا المحلية”.

تتألف هذه الميليشيات من مقاتلين محليين ومحاربين أجانب يأتي معظمهم من “حزب الله” وإيران. تخبر أوباغي: “فوجئت حين لاحظت أن الكثير من الميليشيات الموالية للنظام تضم مستشارين يتكلمون الفارسية. ولا شك أن إيران تؤثر كثيراً في عملية اتخاذ القرارات التي يتبعها النظام”.

ما يزيد الطين بلّة تنامي عدد المقاتلين الإيرانيين في منشآت الأسلحة الكيماوية التابعة للأسد. نشرت مجلة Janes Defense Weekly تقريراً في شهر فبراير عام 2009 فصلت فيه اتفاقاً بين دمشق وطهران هدفه تحديث الأسلحة الكيماوية السورية، ولم يتضح بعد ما إذا كان لإيران أي دخل في الاعتداء الأخير بالأسلحة الكيماوية. ولكن كثرت التقارير التي تشير إلى أن مقاتلين إيرانيين يحرسون منشآت الأسلحة الكيماوية السورية.

في الوقت الذي يفكر فيه العالم فيما ينتظر سورية تالياً، تبرز مشاركة إيران و”حزب الله” في هذه الحرب. ويعبر محللون كثر عن قلقهم من احتمال تدخل طهران بشكل مباشر في الحرب. علاوة على ذلك، يؤثر تبني المجموعات السورية المقاتلة الأصولية والتشدد (خصوصاً قرار المجلس العسكري الأعلى التعاون مباشرة مع فرع القاعدة المحلي) سلباً في أي سيناريو مستقبلي.

تشير أوباغي: “من مصلحة الولايات المتحدة أن تحاول وضع حد لهذا الصراع بأسرع وقت ممكن، فما زال عدد المقاتلين المعتدلين كبيراً، ومن الضروري تقديم الدعم لهم”.

من المؤسف أن المجموعات الميليشياوية المجاهدة تركز على السيطرة على المناطق والحكم، في حين أن المجموعات الأكثر اعتدالاً تقوم بالجزء الأكبر من القتال، ما يضعف أي أمل في تعزيز المجتمع المدني وإعادة بنائه عقب الحرب.

بعد النتائج غير المحسومة في معارك حلب واللاذقية، يبدو جلياً أن كلا الطرفين عاجز عن تحقيق النصر، فيشير اعتماد الأسد المتنامي على الميليشيات في القتال، بدلاً من الجيش، إلى أنه لا يخسر السيطرة فحسب، بل أيضا إلى أن المجموعات المحلية ستواصل القتال حتى بعد إزالته من السلطة، كذلك يُظهر تبني حركة المقاومة السورية الجهاد أن الحرب التالية ستزداد عنفا بمرور الوقت.

ولكن يبقى السؤال الأهم من دون جواب: فهل تستطيع ضربة عسكرية تقودها الولايات المتحدة تحسين الوضع داخل البلد؟

الجريدة

رسائل سرية بين أوباما والأسد؟/ راجح الخوري

عشية مذبحة الكيميائي بدأ التراشق بالرسائل غير المباشرة بين باراك اوباما وبشار الاسد قبل ان يبدأ التراشق بالصواريخ، وهو ما يدفع اوساطاً سياسية الآن قبيل “الضربة العقابية” الى القول هذا تراشق بالتصريحات المموّهة على قاعدة ان لا تفسد الضربة في الود السوري – الاميركي قضية!

الرسالة الاولى جاءت من واشنطن عبر الموقف الذي اعلنه اوباما وكرره، اي الحرص على طمأنة النظام السوري: انتبهوا سنضربكم ولكن برفق وبشكل محدد لا يؤلم ولا يسقط النظام ولا يغيّر من قواعد التوازنات الميدانية عندكم، [التي تسر قلوبنا جداً ونريد لها ان تستمر الى ما ينهك نظامكم واستطراداً نظام حلفائكم الايرانيين ويدمر المنظمات التكفيرية والارهابية حتى آخر نقطة دم] فسيروا ونحن من ورائكم، لكن اسمحوا لنا بضربة محدودة تحفظ لنا ماء الوجه حيال ما قلناه سابقاً عن ان استخدامكم الاسلحة الكيميائية “خط احمر”، ولكن اعلموا ان عيوننا لم ولن تحمر منكم، وفي اي حال هذه هي قائمة الاهداف التي سنضربها فاعملوا معروف واخلوها لإبعاد الاذى عنكم وعنا!

الرسالة الجوابية جاءت من الاسد بعد اقل من عشر ساعات عندما نشرت دوائره المقرّبة معلومات بدت موجهة الى اوباما: اذا كانت الضربة التي ستوجّهونها إلينا موضعية ومحددة وغير كاسرة للتوازن، وتريدونها للوفاء بالتزاماتكم الادبية والمعنوية لجهة تصريحاتكم السابقة والمتهورة عن “الخط الاحمر”، فنحن سنتقبلها بكل طيبة خاطر وسنعتبرها ترجمة اميركية بارعة للمثل العربي الذي يقول “ضرب الحبيب زبيب” ولو كان الزبيب من نوع “كروز وتوماهوك”، لكن ما رأيكم ايها الاصدقاء ان تمددوا مهمة مفتشي الأمم المتحدة مدة يومين او ثلاثة، لنتمكن من اخلاء المواقع التي ستضربونها. أما اذا اردتم ضربنا بطريقة مؤلمة تغيّر التوازن على الارض، فسنشعل المنطقة وصواريخنا اقرب الى اسرائيل مما كانت عليه صواريخ صدام حسين!

الجواب الاميركي جاء سريعاً: لقد تم تمديد مهمة المراقبين ثلاثة ايام اضافية حيث اخليت المواقع السورية المستهدفة خلالها، وأعيد التأكيد مراراً ان الضربة ستكون فعلاً من زبيب الحبيب، اذ اعلن البيت الابيض اول من امس: “انها ليست مصممة لإسقاط النظام او التأثير على مجرى التطورات الميدانية بل ستكون عقابية ردعية ومحدودة، لمجرد التأكيد ان خط اوباما الاحمر ليس مكتوباً بالحبر المخفي كما يتهمنا جون ماكين”!

والنتيجة عشية الضربة انهم في دمشق يحتفلون بالانتصار: الاهداف تم افراغها والضربة رمزية سننجو منها ونواصل الحرب على “الارهابيين”، اما في واشنطن فيصرخ دونالد رامسفيلد في وجه البيت الابيض: هذا تصرف طائش… ماذا تفعلون، ولماذا يصل السوء الى درجة ان اميركا صارت دولة الانسحاب والاعتذار امام القتلة اينما كان؟!

النهار

كيف يقرأ “حزب الله” احتمالات الضربة الغربية لسوريا؟/ ابراهيم بيرم

الذين هم على تواصل مع دوائر القرار في “حزب الله” يلفتون الى أن هذه الدوائر، ولا سيما تلك المتخصصة بـالشأن السوري وتطورات الاوضاع هناك، أدرجت منذ زمن في حساباتها احتمال أن يبادر الغرب الى القيام بعمل عسكري مباشر، خصوصاً بعدما تهافتت واحدة تلو أخرى رهانات العواصم الغربية وبعض العواصم الخليجية على امكان أن تنجح المعارضة السورية وحدها في إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد. وعليه قابل الحزب تهديد الغرب بتوجيه هذه الضربة، ببرودة من دون أن يبدي أي عنصر مفاجأة بالحدث المرتقب.

وفي كل الحالات لا يمكن الحزب أن يتعامل مع “الدوي” الذي يقض مضاجع المنطقة والعالم، إلا من منطلق أنه معني به مباشرة وأن له علاقة وثقى بالمحور الذي يشكل الحزب إحدى حلقاته الأساسية وتشكل كل من دمشق وطهران ركنية الأساسيين، وأكثر من ذلك أن ينظر الحزب الى الحدث السوري – الغربي المرتقب على أساس أنه معركة تكاد تكون مصيرية بالنسبة اليه.

يعي الحزب أنه منذ أن أوحت واشنطن وبعض العواصم الأوروبية لمن يعنيهم الأمر بأنها في صدد عمل عسكري ضد سوريا، توجهت الأنظار إليه لمعرفة حدود ردود فعله، وما يمكن أن يلجأ اليه. خيارات عسكرية خصوصاً وهو الموغل بعيداً في عمق المواجهات في الداخل السوري. هذا السؤال وجه اليه مباشرة وبالواسطة، ومن خلال عملية استقراء وتحليل وربط لمواقف رموز الحزب وادائه حيال العنصر المستجد والمتمثل بتهديدات الغرب، كان الحزب مميزاً في رد فعله، ففي حين بادر حليفه الايراني الى ردود معلنة بدأت من المرشد الأعلى علي خامنئي مروراً برئيس الجمهورية حسن روحاني، الى وزارة الخارجية فالقيادات العسكرية بما فيها قائد فيلق القدس، وكلها صبت في خانة واحدة فحواها التحذير الشديد اللهجة من تداعيات الضربة وارتداداتها على أمن كل المنطقة واستقرارها وفي المقدمة إسرائيل، وأن الأمر بمثابة إلقاء فتيل مشتعل على برميل بارود، فإن حليفه السوري سلك سلوكاً أكثر هدوءاً وثباتاً حيال الخطر المحدق به، إذ تعمد إظهاره رئيس الديبلوماسية السورية وليد المعلم، وبهدوئه المعتاد وبحذقه في انتقاء كلماته ومصطلحاته، قال قولاً فصلاً فحواه مستعدون للضربة وسندافع عن أنفسنا ولسنا خائفين، ولكن لا تمارسوا علينا سياسة الابتزاز والتهويل”.

أما الحزب نفسه فكان له مسلك آخر إذ اعتصم بالصمت التام، والأمر بالنسبة اليه كان نهجاً أكثر مما هو تعبير عن هلع أو جزع أو شيء آخر. فمنذ البداية كان الحزب يدرك أن أي موقف يدلي به حيال هذا الحدث المستجد سيبني الآخرون عليه ولا سيما أعداءه في الخارج وخصومه في الداخل منظومة حسابات وخيارات، وعليه ترك للأميركيين والأوروبيين وخصوصاً الإسرائيليين فرصة التكهن والتحليل مع علمهم أنه هو دون سواه واسطة العقد في محوره وأنه يمتلك مروحة خيارات ومنظومة قدرات فاعلة لا يستهان بها ولا يمكن أحداً أن يسقطها من حسابات أي “مغامرة” عسكرية كبرى في المنطقة بحجم الهجوم المحتمل على سوريا.

إن الراصدين لسلوك الحزب وحليفيه دمشق وطهران مدى نحو أسبوع أي منذ إثارة الغرب لمسألة استخدام السلاح الكيميائي في غوطة دمشق يخرجون باستنتاج فحواه أن ثمة تنسيقاً بين هذه الحلقات الثلاث، فالحزب ذهب الى فضيلة الصمت والترصد الدقيق، رافضاً الإفصاح عن أي خيار سيلجأ اليه، في حين أن القيادة السورية لم تلجأ إلى أسلوب العراقيين ولسانهم الناطق إبان الغزو الأميركي عام 2003 وهو محمد سعيد الصحاف، فلا هي هددت ولا توعدت واكتفت بأنها ستستعمل حق الدفاع عن بلادها. أما الإيراني فاكتفى بدور المحذر من التداعيات والمخاطر ومن وقائع ومعطيات “اليوم التالي” للعدوان المحتمل.

هل هو “استسلام” للآتي العظيم كما يفسر خصوم هذا المحور أم أنه شيء آخر ومفاجآت وحسابات غير مرئية؟ الجواب بطبيعة الحال متروك للأيام والساعات المقبلة، لكن الثابت بالنسبة الى الحزب، وفق المقربين منه، أنه صار يقيم على جملة قراءات واستنتاجات تتصل بالحدث المرتقب على المستوى السوري أبرزها:

– أن احتمالات حدوث الضربة التي يلوح بها الغرب تكاد تعادل عدم حدوثها.

– أن اتخاذ واشنطن ومعها حليفاها البريطاني والفرنسي لقرار توجيه الضربة ليس أمراً يسيراً وسهلاً، فالانقسام واضح حيال الضربة لدى الدول الاوروبية نفسها وفي داخل كل دولة، بما فيها الولايات المتحدة، وهو واقع يوحي بأن أخذ القرار سيكون عبارة عن مخاض عسير، وربما للمرة الاولى في تاريخها المعاصر ستذهب واشنطن الى حرب وليس معها الدعم والحشد اللذان وجدتهما ابان حربها على العراق ثم حرب الاوروبيين على ليبيا، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر على النتائج والوقائع.

– أن الحزب ينظر باستهزاء الى كل المعلومات التي راجت عن أن موسكو نأت بنفسها عن سوريا وتركت هذا الحليف يواجه قدره وحده على غرار ما فعلت موسكو السابقة، ابان الحربين على العراق وليبيا، ففي رأيه ان روسيا ما برحت تمارس ضغطاً كبيراً لمنع حصول الضربة الغربية، وان حصلت فسيكون للقيادة الروسية كلمة أخرى واداء آخر فحواه ان موسكو لن تعود الى الوراء في سعيها لاثبات حضورها في المنطقة وعلى خريطة المعادلات الدولية. وباختصار فإن “حزب الله” ينظر بارتياح الى اداء موسكو حيال المسألة السورية.

– لا ريب ان “حزب الله” يعقد مقارنة بين الحرب الغربية المحتملة على سوريا والحرب الاسرائيلية على الحزب ولبنان في تموز 2006، وإذ يجد ان ثمة اختلافات في الوقائع الميدانية وغير الميدانية فإنه يدرك تماماً ان ثمة وقائع متشابهة أبرزها ان ارادة المواجهة موجودة لدى الطرف السوري الذي أثبت مدى العامين الماضيين انه خلافاً لكل الحسابات التي استهانت به ليس كمّاً مهملاً فهو يملك قدرات وطاقات على الصمود أثبتت فاعليتها وصدت كل هجمات المعارضين له.

– ثمة من يرى أن الحزب بات يقترب أكثر من قناعة انه يتعين ألاّ يظل الحليف السوري وحيداً في المواجهة، كما كان دوره ابان حرب تموز.

– ان الحزب يتصرف على أساس ان مواجهة سوريا للهجمة المحتملة عليها تختلف كثيراً عن الهجمة على النظام العراقي في 2003، فثمة فروق واختلافات كبيرة في الظروف الذاتية والموضوعية، فالنظام السوري يمتلك على الأقل حلفاء حقيقيين ويمتلك امتداداً وليس معزولاً ومنبوذاً كما كان نظام صدام حسين.

– أخيراً إن الكثير من الحسابات الميدانية وردود الفعل تبقى معقودة لطبيعة الهجمة المرتقبة أو تبنى على اساس نوع الهجمة وحجمها وحجم القوى المشاركة فيها، وساعتئذ يكون لكل حادث حديث وتكون كل الاحتمالات والخيارات مفتوحة.

ففي النهاية ثمة ضربة وثمة يوم ثانٍ للضربة، واستطراداً ثمة طلقة أولى وهناك ما سيعقبها بطبيعة الحال.

النهار

إسقاط بشار أهم من الضربة/ علي حماده

بعد خروج بريطانيا من التحالف الدولي الذي تحاول الولايات المتحدة بناءه لتوجيه “ضربة عقابية” للنظام في سوريا ردا على استخدامه السلاح الكيميائي صبيحة ٢١ آب المنتهي اليوم، بدا ان الادارة الاميركية التي ترددت كثيرا في الانخراط مباشرة في الازمة السورية قد حزمت امرها في القيام بعمل مع الدول الراغبة وفي مقدمها فرنسا التي اعلن الرئيس فرنسوا هولاند انه سيشارك في الضربة “العقابية”. واتى البيان المسهب الذي ادلى به وزير الخارجية الاميركي جون كيري مساء امس والذي اعلن فيه وجود معلومات موثوقة بدرجة عالية عن مسؤولية النظام في سوريا عن استخدام الاسلحة الكيميائية ليشير الى ان السؤال الراهن ليس اذا كانت اميركا ستقوم بالضربة بل متى ستقوم بها؟ واذا كان كل من الرئيس الاميركي باراك اوباما في مقابلة مع شبكة “بي بي اس” الاميركية اعلن ان الضربة ستكون محدودة، ووزير خارجيته جون كيري اعاد تأكيد محدودية الضربة، فإن السؤال المطروح اليوم ونحن على مسافة بضع ساعات من موعد انطلاق صواريخ “توماهوك” نحو مقرات ومراكز النظام في سوريا: ما هو مفهوم الضربة المحدودة؟

لماذا السؤال؟ بكل بساطة، لان اي ضربة محدودة تدمر بضعة مقرات خالية اصلا، او بضع طائرات معطلة على مدارج مطارات عسكرية ولا تلحق اذى حقيقيا بالنظام لن تكون اكثر من مناسبة لكي يخرج بشار الاسد في اليوم التالي ليعلن الانتصار على غرار “النصر الالهي” الذي اعلنه السيد حسن نصرالله مع انتهاء حرب ٢٠٠٦، على رغم مقتل اكثر من ١٣٠٠ لبناني وتدمير معظم البنى التحتية اللبنانية.

اذا اتت الضربة الاميركية ضد نظام بشار الاسد محدودة بحيث لا تنعكس مباشرة على موازين القوى على الارض، اقله في محيط العاصمة دمشق التي لا تبعد مواقع مقاتلي الثورة فيها اكثر من بضعة اميال عن قلب العاصمة، من غير ان تفتح الباب امام اندفاعة حاسمة نحو قلب دمشق، فإن الضربة ستكون مناسبة ثمينة لبشار الاسد وحفنة المجرمين المحيطة به ليقولوا للعالم العربي انهم واجهوا نصف العالم ولم ينهزموا. كما ان ضربة محدودة غير مؤثرة فعليا ستضرب معنويا الثورة، وتزيد عزم الايرانيين وذراعهم الامنية – العسكرية في لبنان (“حزب الله”) لمزيد من التورط المباشر والمكثف في المعركة في سوريا. وثمة امر آخر: من يضمن ألا يقوم نظام بشار الاسد بنقل كميات من الاسلحة الكيميائية الى “حزب الله” في لبنان، متى شعر انه بإفلاته من ضربة موجعة تفتح الباب امام انهياره، صار اقوى واكثر تصميما على فعل اي شيء لاطالة عمره؟

ثمة مسؤولية كبيرة ملقاة ليس على عاتق المجتمع الدولي، انما على النظام العربي الرسمي للدفع في اتجاه عمل عسكري حقيقي يعجل في سقوط النظام، وهزيمة ايران وبالطبع “حزب الله” في سوريا.

و في اختصار كلي نقول ان اي عمل عسكري رمزي لا يقلب موازين القوى على الارض سيكون بمثابة انتصار للنظام وروسيا وايران و”حزب الله” وبالتأكيد سيكون هزيمة لكل العرب ومعهم المجتمع الدولي. من هنا قولنا ان اسقاط النظام اهم من الضربة نفسها.

النهار

هل تفتح الضربة باب الحل السياسي أم أن الردّ قد يشعل حرباً في المنطقة؟/ اميل خوري

إذا كان توقيت الضربة العسكرية لسوريا بات مرتبطاً بتقرير مفتشي الأمم المتحدة حول استخدام السلاح الكيميائي، فإن هذا يطرح الاسئلة الآتية:

أولاً: هل سيحدّد التقرير الجهة التي استخدمت هذا السلاح ام يكتفي بالقول إنه تم استخدامه من دون تحديد الجهة المسؤولة، وإلى من توجه عندئذ الضربة العسكرية؟ هل توجه إلى كلا الطرفين المتقاتلين، النظام والمعارضة؟

ثانياً: إذا حدد التقرير الجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيميائي بأدلة قاطعة وكان النظام السوري هو هذه الجهة، ما هي الأهداف التي ستتعرض للضربة العسكرية؟ وهل تكون كافية لتعديل موازين القوى على الأرض لمصلحة المعارضة فيتوقف تقدم الجيش النظامي؟

ثالثاً: هل تكون للضربة العسكرية ردود فعل غير محدودة، ومن يقوم بها؟ هل تأتي من الداخل السوري فقط أم تأتي من “حزب الله” في لبنان ومن إيران وعندئذ تفتح الضربة العسكرية المحدودة الأبواب لحرب واسعة في المنطقة وغير محدودة الزمان والمكان؟

رابعاً: هل تعيد دول غربية مثل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا النظر في موقفها من الضربة العسكرية إذا جزم تقرير المفتشين الدوليين بأن النظام السوري هو الذي استخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين، فتنضم عندئذ إلى الولايات المتحدة الاميركية في توجيه هذه الضربة وتنتفي أسباب من يعارض ذلك؟

خامساً: هل يطرح تقرير المفتشين الدوليين، إذا كان يحمّل النظام السوري مسؤولية استخدام السلاح الكيميائي، على مجلس الأمن الدولي في محاولة لاتخاذ موقف موحد من النظام يكتفي بإنزال عقوبات شديدة به تجنباً لضربة عسكرية قد يكون لها تداعياتها، ليس على دول الجوار فحسب، بل على المنطقة بكاملها، أم أن اتفاقاً أميركياً – روسياً قد تم على حل سياسي يعقب الضربة المحدودة برد محدود؟

ومهما يكن من أمر تقرير المفتشين الدوليين ومضمونه، فمن سيكون المستفيد من الضربة العسكرية لسوريا، أهو النظام فيها أم المعارضة أم الحل السياسي؟

ثمة من يقول إن الضربة العسكرية إذا كانت محدودة جداً ولا تؤثر في موازين القوى على الأرض، فإن النظام السوري سيكون هو المستفيد منها لأنه سيصوّر نفسه بأنه كان ضحية الاعتداء عليه وقد استطاع أن يواجه هذه الضربة بصمود وتضامن بين الجيش والشعب وأهل الحكم، لا بل انه يصور للرأي العام الداخلي والخارجي انه خرج منتصراً ويستطيع مواصلة حربه على من يسميهم ارهابيين وتكفيريين، وينعكس هذا “الانتصار” على حلفاء سوريا في لبنان والاردن والعراق بحيث تأخذ بهم النشوة الى حد رفع سقف مطالبهم وشروطهم في مواجهة الاطراف الآخرين خصوم النظام.

وثمة من يقول إن الضربة العسكرية لسوريا، وإن تكن محدودة، فإنها تكون قاسية وموجعة وتجعل المعارضة السورية قادرة على الافادة منها في تحقيق تقدم عسكري على الارض يضع مصير الرئيس الاسد في دائرة الخطر ويحسم الأزمة السورية لمصلحتها. لكن إيران و”حزب الله” وربما روسيا قد ترد على هذه الضربة للحؤول دون تحقيق هذه النتائج التي ينتج منها غالب ومغلوب بحيث يتعطل اي حل سياسي، أو يكون حلاً فيه غالب ومغلوب أيضاً.

وهناك من يقول إن الضربة العسكرية لسوريا ستكون محدودة في مكانها وزمانها ونتائجها، والغاية منها حفظ ماء وجه الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي كان قد وضع خطاً أحمر لاستخدام السلاح الكيميائي، ولم يعد من الجائز السكوت على استخدامه لئلا يصبح متاحاً للجميع، وعندها تقع كوارث إنسانية خطيرة يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليتها لأنه لم يضع حداً لها.

والضربة العسكرية، المحدودة بنتائجها، قد لا تستدرج رداً شديداً عليها بفتح أبواب حرب شاملة في المنطقة لا أحد يريد فتحها خصوصاً الدول الكبرى، بل تشق هذه الضربة الطريق الى مؤتمر جنيف – 2 ولا تعود الشروط الصعبة المتبادلة بين طرف النظام السوري وأطراف المعارضة تعرقل انعقاده بل يصبح في مقدور الدول الكبرى صنع حل سياسي عادل ومتوازن استناداً إلى بنود مؤتمر جنيف السابق، ويصبح تشكيل حكومة انتقالية تنتقل إليها كل صلاحيات السلطة في سوريا وتتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية المعتدلة فيها نقطة انطلاق لهذا الحل، ويصير مطلوباً من المعارضات السورية توحيد موقفها لتسهيل تشكيل مثل هذه الحكومة التي تهتم بوضع دستور جديد لسوريا وقانون جديد تجرى الانتخابات النيابية على أساسه كي ينتخب مجلس النواب المنبثق منها رئيسا للجمهورية، وتشكيل حكومة تعيد إعمار ما تهدم في سوريا وتعيد اللاجئين السوريين من دول الجوار إلى منازلهم.

إن الايام القليلة المقبلة هي التي ستجيب عن هذه الاسئلة وغيرها، وخصوصاً عن الضربة العسكرية لسوريا، وهل تفتح باب الحل السلمي أم أبواب الحرب المدمّرة.

النهار

سوريا والانتحار السياسي/ جهاد الخازن

لو أن النظام في سورية قرر الانتحار لما فعل أكثر مما فعل وهو يدافع عن وجوده، بدءاً بأحداث درعا حيث كان الحل في مجرد زيارة من الرئيس وقرينته، وانتهاء بجريمة الكيماوي في الغوطة، ما يذكرنا بحلبجة وكيف انتهى صدام حسين.

الذكي مَنْ يتعلم من أخطائه، وأذكى منه مَنْ يتعلم من أخطاء الآخرين، والنظام السوري أثبت على مدى السنتين ونصف السنة أنه يعالج كل خطأ بخطأ أكبر منه، ويقدِّم رأسه على طبَق للأعداء.

هناك أعداء للنظام، وأعداء للشعب السوري وللعرب والمسلمين جميعاً، والنظام في دمشق حقق لهم ما كانوا سيعجزون مجتمعين عن تحقيقه.

لو أن حمص ضُرِبت بقنبلة نووية هل كان شكلها يختلف عمّا نرى الآن على التلفزيون؟ هل فعل الغزاة من نوع هولاكو أكثر مما فعل النظام والمعارضة الإرهابية بحلب؟ كانت سورية تنعم بأفضل تعايش يبن مذاهب مختلفة وطوائف وإثنيات، والنظام دمَّر اللُّحمة بين السوريين مع ما دمَّر.

الجيش حامي الوطن استُخدِم لقتل المواطنين، والآن سنحت فرصة لتدمير هذا الجيش، فالتدخل العسكري الخارجي مسألة أيام بعد أن أعطى النظام القوى الخارجية العذر لتنفيذ مآرب استعمارية جديدة وإسرائيلية. وأصبح وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقول إن الأدلة ضد النظام على استعمال الأسلحة الكيماوية ثابتة، وهذا قبل أن يقول محققو الأمم المتحدة رأيهم. هذا مع العلم أن تقريرَ مَنْ الطرفُ الذي استعمل الأسلحة الكيماوية هو للأمم المتحدة وحدها، كما أن لمجلس الأمن وحده حق الموافقة على تدخل عسكري.

لا أتوقع جنوداً على الأرض، فالرئيس باراك اوباما يفضِّل أن يقتل المدنيين بطائرات من دون طيار، وهو سيرد على تهمة تبديد النفوذ الأميركي حول العالم بغارات جوية أو صاروخية على القواعد السورية ليصبح الجيش السوري ضحية أخرى من ضحايا النظام.

هو ربيع إسرائيلي ما حلمت حكومة النازيين الجدد في إسرائيل بمثله، فجاءت أنظمة حمقاء وثورات أخرجها التطرف والإرهاب عن هدفها لتحقق أحلام إسرائيل.

نحن أمام المشهد نفسه الذي انتهى بصدام حسين على حبل المشنقة، أو معمر القذافي قتيلاً في قناة للمياه المبتذلة. صدام حسين احتل الكويت وركب رأسه مع وجود تحالف من دول العالم و800 ألف جندي ضده، وخسر الحرب بشكل مذلّ، وانتهى بحصار، ثم غزو، وقَتْلِ مليون عراقي.

المحافظون الجدد كانوا أرسلوا رسالة إلى بيل كلينتون يطالبونه باحتلال العراق ورفض، وهم كرروا الطلب في رسالة مماثلة إلى جورج بوش الابن ورفض، ثم جاء إرهاب 11/9/2001، وأعطى الأعداء العذر لتدمير البوابة الشرقية للعرب، وتسليم النفوذ فيها إلى نظام فارسي في طهران بغطاء ديني.

وهكذا، يكون جهل الأنظمة تحالَفَ مع الإرهاب لخدمة أعداء العرب والمسلمين، والقاعدة حققت لإسرائيل ما يحقق لها اليوم النظام السوري، وما حقق قبله صدام حسين والقذافي وأمثال هذا وذاك (الاخوان المسلمون فشلوا في مصر إلا أنني لا أقارنهم بما أستعيد عن العراق وسورية وليبيا).

مضى يوم عاصرناه جميعاً كان فيه نظام الدكتور بشار الأسد على علاقة جيدة بدول العالم في الشرق والغرب، وهو اختار أن يقدم تحالفه مع إيران على تحييد أميركا والتعامل مع الاتحاد الأوروبي. أين المنطق في التعامل مع دولة تواجه عقوبات دولية مكبِّلة وعقوبات إضافية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدل الانفتاح على العالم كله؟ وإيران الآن تهدد بالرد على إسرائيل، فأتذكر تهديدات صدام حسين أيام احتلال الكويت. بالمناسبة، روسيا لا تؤيد سورية، وإنما تعارض (أو تعادي) الغرب، وتشجع على مزيد من الخطأ. وبالمناسبة أيضاً، حزب الله أخطأ بدخول الحرب الأهلية السورية، وأتمنى أن يجد السيد حسن نصرالله مخرجاً قبل فوات الأوان، مع العلم أنني أؤيد حزب الله ضد إسرائيل، أخطأ أو أصاب.

السوريون وهم يرون التهديدات القريبة بتدخل عسكري، يتقلبون بين الفرح والحزن، الفرح بضرب النظام والحزن على ضرب وطنهم. وفي حين أن ضربة واحدة ضد أهداف عسكرية لن تُسقط النظام، فهي حتماً ستُضعفه، واحتمال انقلاب من الداخل ممكن، إلا أنه ليس كبيراً، فالنظام وضع أنصاره في موضع الدفاع عن أنفسهم أكثر من الدفاع عن نظام خذل نفسه وشعبه وأمته.

هذا النظام وافق على محققين دوليين وصلوا على خلفية حالات سابقة من استعمال الأسلحة الكيماوية واستقبلهم بعملية تفوق العمليات السابقة مجتمعة. هو انتحار سياسي ضحيته الأولى والأخيرة الشعب السوري

الحياة

بين التحذير.. وتغيير قواعد اللعبة في سوريا/ مانويل ألميدا

يبدو أننا على مسافة بضعة أيام على أبعد تقدير على استهداف مواقع الجيش السوري وبنيته التحتية من قبل قوات الحلفاء الغربيين، انتقاما لهجوم بالأسلحة كيماوية، يقال إنه قتل المئات من الرجال والنساء والأطفال في إحدى ضواحي دمشق في 21 أغسطس (آب) الحالي.

وقد قامت كل من قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكذلك أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، بإدانة استعمال الأسلحة الكيماوية بشدة، متوعدين بأنه لا ينبغي أن يمر من دون عقاب. فما حدث هو انتهاك همجي للمعايير الدولية بما في ذلك بروتوكول جنيف لعام 1925، والذي يحظر استخدام الأسلحة الكيماوية.

عدا عن رسائل تحذير من إيران وروسيا والصين من مغبة التدخل ضد الرئيس السوري بشار الأسد فقد أحدث قرار توجيه ضربة عسكرية لسوريا زخما قويا في العواصم الغربية. فشبح حرب العراق لن يمنع من تحقيق استجابة قوية هذه المرة.

ومع ذلك فإن الخطوة تزداد تعقيدا عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل، حيث يمكننا تصور شكوك إدارة أوباما والمحللين الاستراتيجيين البريطانيين والأميركان حول ماهية المسار الصحيح للخطوة.

وهناك إجماع على أن مخزون النظام من الأسلحة الكيماوية ووسائل إطلاقها ستكون الأهداف الأساسية للهجمات البحرية والجوية. ومع ذلك هناك خطر من الانجرار إلى استهداف مراكز القيادة في الجيش السوري أو معسكرات تدريب الميليشيات الموالية للأسد. لذلك يصبح السؤال من النواحي الأخلاقية والقانونية والسياسية والاستراتيجية: ما حدود هذا التحرك؟

أحد المبادئ الرئيسة لنظرية الحرب العادلة التي وضعت منذ قرن من الزمن هو الاتساق. من هذا المنظور من المهم ألا ننسى الفظائع الأخرى التي جرى ارتكابها خلال الحرب الأهلية الدائرة في سوريا من قبل كل من النظام والمعارضة.

المبالغة في التعاطي مع حادثة بعينها حتى ولو كانت بخطورة ما حدث في 21 أغسطس يشير وبوضوح إلى مدى التحيز وعدم الاتساق في المواقف. والأميركيون على وجه الخصوص يبدو أنهم يعون ذلك، حيث صرحوا بأن التدخل العسكري الذي يلوح في الأفق لن يكون حول تغيير النظام، ومع ذلك فإن نشر قوة عسكرية قد يغير من قواعد اللعبة.

إن احتمال قيام جماعات دينية مختلفة، بالاستيلاء سريعا على بعض المدن السورية الرئيسة هو أسوأ من استمرار ديكتاتور دموي يصارع من أجل البقاء في وقت تنهار فيه معظم المدن السورية نحو المزيد من الفوضى. هذا ما يمكن أن يؤدي إليه التدخل في حال ذهب خطوة واحدة أبعد من مجرد استهداف ترسانة النظام الكيماوية، وذلك بتدمير البنية التحتية للجيش، وتحطيم الروح المعنوية لدى أفراده. فمن دون الدعم الدولي اللازم لن تكون المعارضة السورية المعتدلة مستعدة للاستفادة من مثل هذا التغير الجذري الواقع على الأرض.

سيكون للأزمة السورية أو أي محاولة انتقامية محتملة من قبل النظام السوري أو وكلائه أو حلفائه بالمنطقة، القدرة على التأثير بشكل خطير على أمن الدول المجاورة بما في ذلك حلفاء الغرب مثل تركيا وإسرائيل.

وبالتالي هناك أيضا خطر انجرار كل من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى صراع آخر سيكون هذه المرة رغما عنهم.

وفي الجهة المعاكسة فإن توجيه ضربة جراحية تهدف فقط إلى إرسال إشارة تحذيرية حول استخدام أسلحة كيماوية، قد تأتي متأخرة وذات مفعول قليل. عندها سيكون الأمر كقيام أحدهم بفض اشتباك بالسكاكين بين مجموعة من الأطفال وإجبارهم على استخدام العصي بدلا عنها.

لذلك وعلى الرغم من التباين في المواقف حول سوريا بين الغرب من جهة، وحلفاء الأسد الدوليين من جهة ثانية، فإن تجاهل المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع سيكون خطأ فادحا. هناك إشارات متضاربة حول هذه النقطة. فعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة بتأجيل اجتماع آخر مع روسيا، تشير تقارير أخرى إلى أن كلا الجانبين لا يزال ملتزما إلى حد كبير في مؤتمر جنيف الثاني للسلام.

ويجري عقد الكثير من نقاط التشابه بين تدخلات عسكرية سابقة وما من ممكن أن يحدث في سوريا. ومن بين هذه الأمثلة قيام قوات حلف شمال الأطلسي بقصف القوات الصربية علم 1999 بعد فشل محادثات السلام بشأن كوسوفو. وهناك بعدان لهذا المثال: أولا كان عدد الضحايا بين قوات حلف الشمال الأطلسي معدوما، الأمر الذي يعد بمثابة رقم قياسي يبدو أن القادة الغربيين حريصون على تكراره. ثانيا على الرغم من أن قانونية الخطوة كان متنازعا عليها نظرا لعدم وجود دعم محدد من قبل مجلس الأمن، لا يزال ينظر إليها على نطاق واسع كخطوة شرعية.

عندما تجري طباعة هذا المقال لن يكون أعضاء مجلس الأمن قد قاموا بالموافقة على مشروع قرار طرحته بريطانيا بعد. وفي رأيي ما هو أكثر أهمية من الحصول على دعم مجلس الأمن هو انتظار إصدار نتائج تحقيقات الأمم المتحدة في الحادث الذي وقع في 21 من أغسطس الحالي، على الرغم من أن طبول الحرب قد قرعت.

الشرق الأوسط

اليوم التالي بعد ضرب سورية/ د. فايز رشيد

أوباما يقرع طبول الحرب، وقعقعة السلاح تتعاظم. الأساطيل الأمريكية تجوب البحر الأبيض المتوسط، التحالف الاستعماري الثلاثي: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، عاد من جديد، ولكن هذه المرة تدخل فيه تركيا، المنتشية باقتراب ضرب سورية، كما يدخل فيه أيضاً العديد من الدول التي قال عنها أحمد داود أوغلو: بأنها تبلغ سبعا وثلاثين دولة. كيري يهدد بتوجيه ضربة إلى الذين استعملوا الأسلحة الكيماوية في سورية، غير أنه لم يحدد هذه الجهة، التي على المراقبين أن يتوقعوها، وليس من الصعوبة بمكان ذلك، فهو يقصد النظام السوري. هولاند يصرح بأن، عدم الرد هو غير المتوقع، وأنه الاستثناء الوحيد الذي يجب التأكيد عليه. رؤساء أركان دول عديدة على رأسها أمريكا يجتمعون في العاصمة الأردنية، وعلى جدول أعمالهم نقطة واحدة: التعامل مع الوضع السوري، المتهم فيه النظام، من دون أدلة ومن دون إثباتات مادية بأنه استعمل السلاح الكيماوي ضد معارضيه (من السلفيين التكفيرين الذين يتلقون الأوامر من دول التحالف الاستعماري ومن بعض الدول العربية) التي تخوض معركة غيرها ضمن المخطط الهادف باختصار إلى تحطيم سورية وتمزيقها، كخطوة أولى على طريق إنهاء أطراف المقاومة الثلاثة: إيران، سورية، وحزب الله. الحليف الصغير للتجمع العدواني نتنياهو يتوعد سورية أيضا.

الأجواء أشبه ما تكون بتلك التي سادت قبيل بدء العدوان على العراق واحتلاله. مثلما اخترعوا سبب الأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل (التي أثبتت في ما بعد بطلانها وخلو العراق تماماً من أية أسلحة للدمار) يظلون قادرين على اختراع نفس الأسباب في ما يتعلق ببدء الهجوم على سورية، رغم إدراكهم أن خمسين جندياً سوريا لقوا حتفهم نتيجة استعمال الأسلحة الكيماوية في الفترة الأخيرة، وعديدون أصيبوا. لا يمكن للنظام السوري أن يكون قد استعمل السلاح الكيماوي في الهجوم الأخير على الغوطة، ذلك لتزامن هذا الحدث مع بدء عمل فريق الأمم المتحدة، للتحقيق في كيفية ومن استخدم السلاح الكيماوي، الذي وصل سورية بموافقة النظام. من ناحية ثانية: جاء استعمال السلاح المحرم في يوم بدء تحقيق هذه اللجنة، وهذا يجعل النظام يفكر عشرات المرات قبل استعماله. للعلم كان بإمكان النظام السوري استعمال السلاح الكيماوي لو أراد، عندما حاصر ثلاثة آلاف ممن يسمون بالمعارضة في أحد أحراش دمشق منذ فترة، لكنه لم يستعمله. أمريكا تؤكد ثبوت استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي، رغم أن اللجنة الدولية لم تصدر تقريراً لأنها ما زالت تحقق.

كافة المراقبين يتوقعون ضربة عسكرية محدودة، لأهداف عسكرية، وبنيوية تحتية سورية، تقريباً مثلما جرى على وجه التقريب في ليبيا، وبالتأكيد فان الحلف العدواني لا يتوقع رداً سوريا، خاصة أن روسيا الحليف الأساسي لدمشق، وعلى لسان وزير خارجيتها لافروف جاء في تصريح له: بأن روسيا لن تُستدرج إلى حرب، على الرغم من إمكانية توجيه الأطلسي ضربة عسكرية إلى سورية. لا يتوقع العدوانيون رداً سوريا، لعجز دمشق عن إمكانية الرد (من وجهة نظرهم)، فالطائرات الأمريكية الموجودة على البوارج في البحر المتوسط، قادرة على إصابة الأهداف السورية من دون دخول أجوائها، بل عن بعد 150 كم. لا يتوقعون رداً سوريا، لأن الأخيرة لم ترد على الاعتداءات العسكرية السابقة من العدو الصهيوني، وربما لأسباب عديدة أخرى في عقولهم.

ليسمح لنا أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن ولندن وباريس وأنقره وتل أبيب، القول: إنهم مخطئون في تصوراتهم، وبالتأكيد فإن من يعتمد الصلافة والعنجهية وسياسة تربية الدول واعتماد قانون الغاب والاستفراد بالعالم، حتى من دون قرارات موافقة من مجلس الأمن (بسبب من الموقفين الروسي والصيني الرافضين لتوجيه مثل هذه الضربة في الحالة السورية) فإنه غالباً لا يعتمد التحليل المنطقي، بل يتجازوه إلى عنجهيته التي تتحكم بخطواته العدوانية. لكل ذلك يمكن القول انهم سيقترفون حماقة الاعتداء على سورية، لكنهم لا يدركون بأنهم إذا ابتدأوا عدواناً على سورية فان تداعياته ستجعل من الصعوبة، بمكان تحديد مواعيد زمنية لانهاء هذه التداعيات الممكنة، التي سيكون لها تأثير تدميري كبير في المنطقة أولاً، وانعكاس ذلك على الصعيد الدولي بالسلب ثانيا. نقول ذلك للأسباب التالية:

أولاً: إن سورية ليست ليبيا، ففي الأخيرة لم يكن هناك جيش بالمعنى الحقيقي، بينما في الأولى مؤسسة عسكرية صلبة ومتماسكة، موجودة، على الرغم من المواجهات التي تديرها للسنة الثالثة على التوالي بكفاءة عالية.

ثانياً: إن الهدف الحقيقي من هذه الضربة، في ما لو جرى توجيهها هو مساعدة عصابات القتلة والإرهابيين على تحقيق مكتسبات عسكرية، خاصة أن جولات المواجهة الأخيرة بينها وبين الجيش السوري أسفرت عن تحقيق نجاحات نوعية وانتصارات حاسمة للجيش، في أكثر من منطقة، خاصة في شمال سورية. لذا فإن الضربة تهدف إلى محاولة تدمير للجيش السوري ليستطيع التكفيريون احراز انتصارات على النظام. الهدف الآخر للعدوان هو الحفاظ على ما يسمى بأمن اسرائيل من خلال تدمير سورية وتمزيقها، وازالة طرف رئيسي من أطراف الممانعة والمقاومة العربية ممن يقف في وجهها.

ثالثاً: إن إيران وحزب الله الحليفان الاستراتيجيان لسورية، لن يقفا مكتوفي الأيدي في حالة ضرب سورية، فهما يدركان أنه لو نجح الحلف الاستعماري في تدمير سورية والقضاء على جيشها، فسيأتي الدور عليهما واحدة بعد الأخرى، وفي القريب العاجل، ولذلك فقضية الحفاظ على سورية وعدم السماح بانهيارها هي مصلحة استراتيجية وقضية مركزية ومهمة للطرفين ايران وحزب الله، والمعروف أن الحزب يقاتل التكفيريين والسلفيين في سورية، جنباً إلى جنب مع الجيش السوري، وقد سبق ان أعلن الناطق الرسمي الإيراني:’بأن ضرب سورية هو خط أحمر لإيران’، ولا نعتقد أن إيران تبالغ في وجهة النظر هذه. فهي واضحة تماماً حتى في انتقاء الكلمات.

رابعاً: الموقف الروسي معروف كما ذكر وزير الخارجية لافروف، ولكن هذا الموقف قابل للتغيير بناء على التداعيات غير المتوقعة، بل في حالة ضربة محدودة فقط. أما وصف هذه الضربة بــ(المحدودية) فهو مفهوم نسبي ومطاط، فما هي حدود هذه المحدودية؟ بالتأكيد لن يوجد أحد قادر على إعطاء الرد والجواب سوى أولئك العدوانيين الذين سيقومون بتوجيه الضربة.

لكل هذه الأسباب فالتداعيات المحتملة كثيرة وخطيرة ومن أبرزها: إمكانية قصف إيران وحزب الله وسورية لأهداف إسرائيلية وأخرى أمريكية موجودة في المنطقة. إمكانية إغلاق إيران لمضيق هرمز، وبالتالي قطع طريق النفط وامداداته لأوروبا والولايات المتحدة، والحالة هذه ستنشأ مستجدات إضافية تنذر كلها بتوسيع رقعة الحرب. إمكانية قصف أهداف بترولية في المنطقة، وهو ما سيترك تداعيات خطيرة على كل الدول بالمعنى الإقليمي.

يبقى القول انه بالفعل من الصعب حصر المحدودية والتداعيات للضربة العسكرية لسورية بما يتصوره الحلف الاستعماري، وان الحقيقة الاكيدة تتمثل في أن من يبدأ الحرب لن يستطيع التحكم في موعد انهائها، ولا مدى حدودها وشموليتها، فالطرف أو الأطراف المعتدى عليه أو عليهم له ولهم ردود افعالهم وتصوراتهم، فالمعركة بالنسبة اليهم ستكون معركة وجود وكسر عظم.

‘ كاتب فلسطيني

القدس العربي

سوريا.. أي الأسلحة بحوزة الجانب الخاطئ؟/ آيلين كوجامان

لقد شاهدت صور الأطفال السوريين عدة مرات. وقد حاولت أن أفهمها: كيف يمكن لشخص له قلب أن يسمح بمثل هذا؟ بعدها، استمعت إلى أصوات وتعليقات وتحليلات من أجزاء عدة من العالم. كان أمرا مروعا بالنسبة للبعض، فيما لم يعزُ إليه آخرون أي أهمية على الإطلاق. في المقام الأول، هي منطقة الشرق الأوسط ودائما ما يلقى الناس حتفهم هناك. أطفال، أسلحة كيماوية، ما وجه الاختلاف؟

من الصعب استنزاف الإنسانية. يتعين على المرء أولا أن يمقت استنزافها. الكراهية يسيرة. «اكره واحم نفسك»، «اكره واحم إيمانك»، «اكره واحم أسرتك»، «اكره واسحق الطرف الآخر ونمِّ قوتك».. إذن أصبح هذا هو الوضع الطبيعي، فسوف تكون نهاية الإنسانية. وحينما تستنزف الإنسانية، تكون هناك بعض الإجراءات الوقائية التي يمكنك اتخاذها. إنك تنظر فقط إلى الأطفال المتألمين بالطريقة نفسها التي ينظر بها العالم بأسره إلى سوريا الآن.

الأسلحة الكيماوية جزء مروع من المأساة السورية، ولكن هذه المأساة مستمرة منذ ثلاثة أعوام في دولة لقي فيها ما يزيد على 100 ألف شخص مصرعهم. جرى تجاوز الخط الأحمر منذ فترة طويلة. بالطبع يعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية جريمة ضد الإنسانية. غير أن الأطفال والمدنيين يسقطون قتلى في أوطانهم على مدى ثلاثة أعوام من القصف، أم أننا قد اعتدنا أن نقتل بالتفجيرات؟ هل باتت الآن تشكل جزءا من حياتنا اليومية لا جرائم ضد الإنسانية؟

ويتمثل أهم سؤال يجري السعي للبحث عن إجابة عنه في من اخترق المذبحة الكيماوية هذه؟ دعونا نلقِ نظرة:

كان حافظ الأسد والد بشار ديكتاتورا دمويا. حينما دخل حماه في عام 1982 قتل 48 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال. وتوفي 15 ألفا آخرون في السجون في الأيام التالية. كان هناك هدف واحد فقط؛ تدمير هذه المنطقة التي تؤوي المعارضة! ربما يقتل نساء وأطفالا ومدنيين؛ لا مشكلة. هنأ أنصار حافظ الأسد إياه على هذه المذبحة في حماه، وسط حلقات من الإطراء والثناء.

كان صدام حسين أكثر الحكام الديكتاتوريين دموية في عصره. في عام 1988، شنت ثمانية طائرات «ميغ 23» هجوما بغاز سام على حلبجة. وراح ضحيته خمسة آلاف مدني، وقتل نساء وأطفال. وكشفت التحقيقات بعد حرب العراق عن أن العدد الحقيقي كان أكبر بكثير. ركزت تلك المذبحة أيضا على هدف واحد، وهو تدمير منطقة تؤوي المعارضة الكردية.

دعونا ننتقل إلى الهجوم على الغوطة الأسبوع الماضي. الغوطة منطقة غير مستقرة متصلة ظاهريا بدمشق على الحدود اللبنانية. وتعرف بأنها القاعدة الأساسية للجناح الراديكالي من الجيش السوري الحر، ولهذا ظلت عرضة للقصف بالقذائف والصواريخ منذ فترة طويلة على يد نظام الأسد: يعرف حزب الله بوجوده هناك كقوة مضادة للمعارضة. ومن ثم، تزيد الظروف من احتمال أن يسعى بشار، على غرار والده وصدام، إلى «محو منطقة تؤوي المعارضة»، من دون استثناء النساء أو الأطفال.

يجمع هؤلاء القادة الدمويين الثلاثة قاسم مشترك واحد، ألا وهو انتماؤهم لحزب البعث. يقف الحكام الديكتاتوريون الماركسيون على الطرف الأقصى من الوحشية. سوف يفعل الحكام الديكتاتوريون الماركسيون أي شيء من أجل البقاء. المكسب أو الخسارة، إنهم يقتلون الناس لأنهم دائما ما يرغبون في الظهور بمظهر أقوى. إنهم يحيون في ظل التهديدات والمعوقات والخوف. يأتي هذا الهجوم الكيماوي الذي راح ضحيته أطفال يتجرعون ويلات الألم متوافقا بدرجة كبيرة مع دوافع النظام الديكتاتوري لحزب البعث.

علاوة على ذلك، فإن التطرف والطبيعة المخيفة للجماعات الراديكالية التي قد اخترقت صفوف المعارضة حقيقة معروفة. إن دعم الجماعات الراديكالية ضد نظام ديكتاتوري قمعي هو مجرد تفضيل لكارثة على أخرى. علينا أن نركز على الوصول إلى حل؛ سريع وفوري وفعال.

على تركيا وأميركا ودول المنطقة، اتخاذ إجراء معا. من المهم هنا التغلب على مخاوف روسيا. لا أعتقد أن روسيا ستتخذ رد فعل جادا تجاه أي إجراء، إذا شنته قوات التحالف بسرعة. نكرر مرة أخرى السبيل المثلى هي تهدئة روع روسيا بإعطاء بوتين الضمانات اللازمة. سيكون من الأيسر بكثير ضمان دعم بوتين، إذا منحت ضمانات فيما يتعلق بإقامة حكومة جديدة في سوريا تحت إشراف وحماية روسية ووضع أراض سورية تحت حماية روسيا، وتأمين القواعد العسكرية الروسية في سوريا – سوف تمثل الضمانات الروسية نقطة مرجعية مهمة بالنسبة للصين.

أما عن إيران، فسوف يجدون أنفسهم منعزلين في ظل تلك الظروف، ولكن ليس من الصعب إدراك أن إيران ستكون في أي حال مغلوبة على أمرها في مواجهة مثل هذا التحالف.

لا يهم من نفذ الهجوم بالأسلحة الكيماوية بالنسبة لذلك التدخل. الأمر المهم هو ردع الأسد ووقف الحلقة التي لا تنتهي من المذابح في سوريا. وتتمثل الخطوة التالية مباشرة في وقف الجماعات الراديكالية؛ ولهذا، من المهم بالنسبة لحكومة ائتلافية أقامها تحالف الدول المعني أن تعقد العزم على الفور.

من اللازم تشكيل ائتلاف ديمقراطي لا يضم راديكاليين وتحت إشراف الدول الديمقراطية.

بصرف النظر عن اليد التي تحمل السلاح للقتل، فإنه ما زال يحمله الجانب الخاطئ؛ سوف يستخدمه قاتل لا محالة في القتل. من ثم، فبدلا من الجدال حول ماهية الجانب الخاطئ الذي يحمل السلاح، ينبغي أن نركز على وضع حد للقتل. ومن ثم، يمثل كل من الإجراءات السريعة والإجراءات الوقائية السريعة ضرورة. يجب ألا يهدأ العالم ويكتفي بالوقوف موقف المتفرج من المذابح في سوريا.

الشرق الأوسط

دوافع الضربة الأميركية لسوريا/ عبد الله بو حبيب

بعد أن رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما، باستمرار، التدخل المباشر في الحرب السورية، يبدو اليوم على أهبة أخذ القرار بضرب سوريا صاروخياً أو جوياً، مبرراً ذلك باستعمال النظام السوري السلاح الكيميائي ضد مواطنين أبرياء.

لم تقدّم واشنطن ولا الدول الأوروبية المتحمّسة لضرب سوريا الأدلة الحاسمة على قيام النظام السوري باستعمال سلاح كيميائي. لم تعط روسيا كذلك أدلة حاسمة على استعمال المعارضة هذا السلاح. وفريق الأمم المتحدة الذي وصل إلى سوريا للتحقيق في استعمال سلاح كيميائي في ضواحي حلب، استطاع أن يحصل على عينات للتأكد من استعمال سلاح كيميائي ونوعية هذه المادة في غوطة دمشق. لم تحسم بعد إذاً الجهة التي استعملت سلاحاً كيميائياً فلماذا العجلة في «اتهام» سوريا و«معاقبتها»؟

لقد وضع أوباما خطاً أحمر في الحرب السورية ويقضي بتدخل أميركي إذا استعمل السلاح الكيميائي في الحرب. إن عدم تنفيذ تهديد كهذا قد يشجع إيران، حسب اعتقاد الكثيرين في واشنطن، على المضي في التخصيب النووي ومن ثم حيازتها سلاح الدمار الشامل. لذلك لا بد للرئيس أوباما من أن يتجاوب مع الضغوط المحلية الأميركية والدولية، خاصة الفرنسية والبريطانية والسعودية، ويقوم بعمل ما لإضعاف النظام السوري.

هذا، على الرغم من أن واشنطن لم تعاقب صدام حسين لاستعماله السلاح الكيميائي في الحرب مع إيران (1980 ـ 1988) وفي حلبجة في كردستان العراق (1988) والتي قتل من جرائها حوالي 5000 كردي، واكتفت بإدانة الحادثة الأخيرة. وعندما قادت واشنطن حملة دولية ضد صدام حسين (1991) لم يكن ذلك بسبب استعماله السلاح الممنوع، بل لأنه أحدث خللاً بالتوازن في الخليج بعد اجتياحه الكويت.

هناك أيضاً حربان خاضتهما الولايات المتحدة نتيجة لادعاءات خاطئة. في حرب فيتنام ادعت واشنطن بأن فيتنام الشمالية والفيتكونغ (الجبهة المقاومة في الجنوب) هاجمتا سفينة حربية أميركية (1964) في خليج طونكن (Tonkin) الفيتنامي. وبيّنت الوثائق لاحقاً أن الحادثة ضُخِّمت لأخذ موافقة الكونغرس على دخول أميركا الحرب. كذلك في حرب الولايات المتحدة على العراق، ادعت واشنطن بأن في حوزة صدام حسين سلاح الدمار الشامل والذي أيضاً لم تجده بعد اجتياح العراق واحتلاله.

ماذا إذاً وراء الضربة الأميركية المنتظرة لسوريا في غياب الدلائل الدامغة التي يتطلبها القانون الدولي والعُرف الأميركي؟

تهدف السياسة الأميركية في سوريا إلى تغيير المؤسسة السياسية والحفاظ على المؤسستين العسكرية والإدارية، وبذلك تتجنّب التغيير الجذري المكلف مادياً وبشرياً، الذي حصل في العراق ويحصل في ليبيا. كان الاعتقاد لغاية شهر أيار الماضي بأنه يمكن تحقيق هذه الأهداف في «جنيف 2». لكن دخول «حزب الله» وإيران الحرب السورية مباشرة والذي تبعه انتصار النظام في مدينة القصير الاستراتيجية غيّر المعادلة، فتوقف العمل لـ«جنيف 2» وبدأ البحث عن كيفية إعادة التوازن بين النظام والمعارضة على الأرض السورية.

إن انتصارات النظام المتتالية وبدء حملته على غوطة دمشق وكان متأكداً من نجاحها، كانت ستعطيه انتصاراً كبيراً فتصبح مدن دمشق وحماه وحمص واللاذقية وأريافها تحت سيطرة النظام. بكلام آخر، إن نجاح الحملة على غوطة دمشق لا يعطي النظام انتصاراً كبيراً فقط إنما تصبح المساحة الحيوية من سوريا، باستثناء مدينة حلب، تحت سيطرته وقد يمتنع عن الذهاب إلى جنيف أو لن يكون مرناً في حال مشاركته في المؤتمر.

بالإضافة إلى ذلك، إن الحرب السورية ورّطت دولتين حليفتين (تركيا والسعودية) وركيزتين لواشنطن في وُحُولها، بعد أن انسحبت قطر التي قادت الجبهة إلى حين تغيير الأمير الحاكم. لذلك فإن نجاح النظام في الحرب السورية، وبخاصة بقاء بشار الأسد على رأسه، ستكون له تداعيات داخلية في كل من البلدين. فقد بدأ يظهر التعب التركي من رجب طيب أردوغان وخسارته في الحرب السورية مما قد يسرّع في سقوطه. كذلك في السعودية، فغياب إجماع الأمراء الأحفاد الحاكمين اليوم على انخراط مملكتهم القوي والمتزايد في الحرب السورية قد يسرّع في تغيير موازين الحكم لمصلحة الأمراء المتحفظين على دخول هذه الحرب، إذا بقي بشار الأسد ونظامه. لقد انغمست القيادتان التركية والسعودية عميقاً في الحرب السورية ولذلك لن تسمحا، بأي ثمن، بإعطاء بشار الأسد انتصاراً على المعارضة.

لهذه الأسباب وغيرها، ستقرّر واشنطن ضرب النظام السوري لإضعافه ولإرغامه على القبول في «جنيف 2» بتسوية تحقق الأهداف الأميركية في سوريا وتبيّن، ولو ظاهراً، أن تركيا والسعودية قد ربحتا الحرب.

السفير

هكذا ستتصرف إيران إذا ما ضربت سوريا/ حـنـيـن غـدّار

بينما تظهر المزيد من الإشارات الدالة على أنّ المجتمع الدولي يتوجّه نحو تسديد ضربة ما الى سوريا، تبرز إيران اليوم كأهم مصدر للقلق. وفي حين أنّ الجمهورية الإسلامية قد لا تتحرّك مباشرة من خلال قصف إسرائيل، فإنّها ستحاول ما في وسعها لتأمين مصالحها في سوريا.

وبالتالي ستحتاج الولايات المتحدة للتأكّد من وجود خطة ما للتحقّق من أي نمو للنفوذ الإيراني في سوريا بعد الضربة العسكرية المحتملة. وهذا ما يتطلّب استراتيجية طويلة الأمد من اجل سوريا، تأخذ في عين الاعتبار التوتر السني- الشيعي المتصاعد في سوريا ولبنان.

إنّ هدف إيران في سوريا ليس حماية نظام الأسد. فإيران تريد أن تضمن عدم خسارتها للمنافع التي توفرها لها الأراضي السورية، ولا سيما لجهة ربط لبنان بدمشق وبالساحل من خلال القصير وحمص. فمع أو بدون الأسد ونظامه، سوف يقومون بأي شيء للحفاظ على مصلحتهم هذه حتى إن اضطروا للقتال حتى آخر سني في سوريا وآخر شيعي في لبنان، وهذا الأمر بحاجة الى معالجة خلال وبعد حصول ضربة عسكرية. حيث يمكن أن ينتج عن ذلك المزيد من الاشتباكات السنية- الشيعية.

غير أنّه لن تكون بالمهمة السهلة على إيران أن تحافظ على نفوذها. فقد سبق لروسيا أن انسحبت، ورغم أنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إنّ “أي عمل عسكري على سوريا بدون موافقة الأمم المتحدة هو انتهاك خطير للقانون الدولي”، فقد أكّد  أيضاً بأنّ روسيا “لا تخطّط للذهاب الى الحرب مع أي كان” من أجل سوريا.

إن حصول ضربة عسكرية هو عامل مبدّل في اللعبة، لا سيما بالنسبة الى روسيا. فهي على الأرجح سوف تقتل أي مبادرة دبلوماسية (بما فيها مؤتمر جنيف 2)، ما يعني أن روسيا سوف تخسر مكسباً كبيراً لها في سوريا. ويعني كذلك بأنّ روسيا سوف تخسر ورقة للمساومة عليها كان من شأنها أن توفّر لها الإجماع الذي يحتاجونه، سواء أكان سياسياً أو اقتصادياً. ولكن ذلك لا يعني أنّ روسيا سوف تقف الى جانب الولايات المتحدة عسكرياً، بما أنّ الخسائر سوف تكون في هذه الحال أشد.

أما بالنسبة للنظام السوري فقد أثبت بأنه لم ولن يعتدي إطلاقاً على إسرائيل. “حق الردّ” هو كل ما تمّ إنجازه على الجبهة. ولكن هل ستقوم إيران بذلك؟ الجواب على الأرجح: لا، فإيران لم تنخرط  يوما بأي عمل عسكري ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، بمن فيهم إسرائيل. فهي عادةً ما تستخدم “حزب الله” من أجل هذه المهمة، واقتصاد إيران لا يمكنه تحمّل تكلفة حرب مع المجتمع الدولي في الوقت الراهن.

وفي هذه الأثناء، يخوض “حزب الله” في سوريا حرب إيران، ولكنه لا يستخدم كامل قوته العسكرية. فلو أتيح لـ “حزب الله” استخدام أسلحته الثقيلة، لكان حقّق انتصارات أكبر بكثير على أرض سوريا. ولكن لن يُسمح له ولن يقوم هو بذلك- فالهدف ليس تحقيق انتصار للأسد، بل حماية الأرض التي يستفيد منها.

والسبب وراء ذلك بسيط. ذلك أنّ أسلحة “حزب الله” تُستخدم لسبب واحد فقط: حماية برنامج إيران النووي. وفي حال تمّ ضرب برنامج إيران، سوف يُستخدم “حزب الله” على الأرجح من أجل شن حرب على إسرائيل. وفي حال تعرّضت سوريا لضربة، من غير المرجّح أن يقوم “حزب الله” أو إيران بأي شيء.

وإيران أيضاً لن تقف مكتوفة الأيدي في حال شعرت بأنها ستخسر سوريا. حتى الآن الشعور هو بأن الضربة العسكرية سوف تكون محدودة، باستخدام صواريخ عابرة للقارات لاستهداف منشآت الأسد العسكرية من دون أن تتسبّب بتغيير النظام.

إذا كان ذلك صحيحاً، فإنّ مصالح إيران في سوريا لن تتضرّر بشكل كبير. أما في حال باتت الضربة أقوى من ذلك، فمن المحتمل أن تستدعي تحرّكاً من إيران ولو كان رداً محدوداً.

يجدر بنا أن نفهم أنّ “حزب الله” أهم من سوريا بكثير بالنسبة لإيران. وبالتالي فإنّ إيران لن تضحّي بـ “حزب الله” من أجل سوريا في أي عمل عسكري، ولن تضحّي بأسلحة “حزب الله” الثقيلة.

فماذا ستفعل إيران إذاً؟

هناك خياران:

1)    استخدام “حزب الله” ونظيره في العراق للمزيد من زعزعة استقرار المنطقة. وهي ستنجح بذلك الى حد ما ولكنه لن يغير الكثير من الأمور على الأرض في سوريا في حال انخرط الغرب بشكل كبير [في سوريا]. بل على العكس من ذلك سوف يزيد من التوترات الطائفية- التي بلغت مستوى خطيراً أصلاً- وحتى “حزب الله” غير راضٍ عن تداعياتها.

2)    إعطاء المزيد من الانتباه الى الجهود الدبلوماسية من أجل الوصول الى اتفاق على البرنامج النووي. فكلما خسرت إيران المزيد من الأوراق التي تستطيع المساومة عليها في المنطقة، كلما مالت أكثر نحو خيار التسوية؛ ففي النهاية ما يهم إيران أكثر من أي شيء آخر هو برنامجها النووي.

وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الأمور فإنّ “حزب الله” سوف يكون الخاسر الأكبر. ذلك أن تورّطه في سوريا قضى عليه كقوة مقاومة، إقليمياً ومحلياً. والخوف هنا هو على شيعة لبنان، الذين سيكون عليهم أن يدفعوا ثمن كل ما ذكرناه آنفاً.

حنين غدار هي مديرة تحرير موقع NOW. وهي تغرّد على تويتر على العنوان التالي @haningdr.

 هذا المقال هو ترجمة للنص الأصلي بالانكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

تباشير الحرب ـ الفيصل/ حسن شقير

«من غير المسموح أن ينتصر محور الشر الممتد من طهران إلى دمشق وبيروت في الحرب الدائرة في سوريا».

بهذه الكلمات المختصرة، التي عبّر فيها موشيه يعلون بعيد لقائه رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، عن حقيقة ما يجري في الميدان السوري أو ما قد يتمخض عن ذلك لاحقاً من تداعيات غير متصورة على الكيان الصهيوني وأمنه القومي بشكل رئيسي.

ما الذي يمكن أن نفهمه من هذا الكلام الخطير للوزير، معطوفاً على جملة من الاستحقاقات الكبيرة التي جرت وتجري في هذا الكيان؟

منذ اللحظات الأولى للإعلان عن إلغاء اللقاء الأميركي ـ الروسي في أيلول المقبل، والذي كان يهدف فيما يهدف لوضع اللبنات الأولى للأسس التي سيعقد على أساسها مؤتمر «جنيف ـ 2»، وذلك لإطلاق صفارة الحل السياسي في سوريا في ظل شبه التوازن القائم اليوم على الأرض السورية، والتي يبدو أن المغريات السعودية للعرّاب الأميركي، كان من الأسباب الوجيهة لذاك الإلغاء.. حتى ذلك الحين، لم يكن الحديث عن حرب صهيونية تشن على المقاومة اللبنانية يُعبّر عن واقعية وازنة، والسبب في ذلك أن هذه الأخيرة، يعمل تحالف العدوان على سوريا لإشغالها وإنهاكها في أكثر من بقعة ـ كما يظنون ـ من دون أية تكلفة عليهم، وخصوصا عند قطب الرحى في هذا التحالف، وهو الكيان الصهيوني.

إذا، وانطلاقاً من كل ذلك، الحرب في سوريا مستمرة، الدفع بالعتاد والعدد والعدة فيها، مفتوح على مصراعيه، محور الممانعة والمقاومة، لا خيار أمامه سوى استكمال الحرب إلى حدود النصر فيها بحده الأدنى أو إلى النصر الكامل بحده الأقصى، تحالف العدوان ـ وكما عبّر يعلون ـ لن يقبلوا بهذه المعادلة على الأرض السورية، ومؤشرات تقدم هذا التحالف إلى حدود فرض الشروط على المحور الممانع غير متوقعة، بفعل موازين القوى لمصلحة هذا الأخير، والذي يتقدم ميدانياً يوماً بعد يوم… في ظل هذا وذاك تصبح الحرب الصهيونية على لبنان مسألة مطروحة بقوة، خصوصاً أنه منذ أن صمت المدفع في ذاك اليوم من الرابع عشر من آب في العام 2006، يسكن في الجنبات الصهيوأميركية وبعض العربية وحتى اللبنانية منطق الثأر لتلك الهزيمة القاسية في حرب لبنان الثانية.

إضافة إلى المنطق الثأري هذا، يظن الكيان الصهيوني أن المقاومة تنهك وتُستنزف اليوم في سوريا ولبنان، وأن البيئة الحاضنة الأوسع للمقاومة قد فُقدت بفعل الحرب السورية وتدخلها فيها، وأن الحرب الناعمة لاستراتيجياتهم الخلفية قد فعلت في الجسد المقاوم والتي خاضوها منذ العام 2006… فضلا أنهم قد شارفوا على الانتهاء من التجهيز الصهيوني الداخلي لهذه الحرب على مستويات متعددة… الأمر الذي يسمح لهم بالعودة مجدداً إلى ما أسموه «عقيدة الضاحية» والقائمة على التدمير والهلاك لكل من وجّه إليهم اللكمات، فضلاً عن الصفعات المؤلمة جداً.

في 16 شباط من العام 2010، شرح السيد نصرالله في معرض حديثه عن منطقة غوش دان، بأنها المنطقة الديموغرافية الأساسية في الكيان الصهيوني.. حيث يقطنها حوالي 75 في المئة من مجموع السكان في كيان العدو، محذراً إياهم بأن المعادلة أضحت اليوم: تدمير في الضاحية يقابله تدمير أشمل في غوش دان.. ماذا يعني ذلك عملياً؟

يعني ذلك أنه وفي ظل أية معركة قادمة بين الكيان الصهيوني و«حزب الله»، لن يكون هناك مكان آمن للصهاينة (75 في المئة منهم) في هذه البقعة الجغرافية، بحيث أن بقائهم سيؤدي وبلا شك إلى إلحاق خسائر فادحة في أرواحهم فضلا عن ممتلكاتهم. وخصوصاً في ظل وجود الصواريخ النوعية لدى المقاومة كما أشار السيد بنفسه يومها.. فهل تتحمل الجبهة الداخلية هذه الخسائر الفادحة؟ بالتأكيد لا، نظراً لأهمية هذه الجبهة في أية حرب قد يخوضها هذا العدو.

اليوم، تنطلق على أرض فلسطين هجمة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية بحجم كبير جداً هذه المرة ـ ناهيك عن مشروع «برافر»، الذي يأتي في ظل اللانظام الدولي واللاربيع العربي المدمر في دوله المركزية (مصر وسوريا).

يقول البعض إن الكيان ينوي استقدام مهاجرين جدد من الخارج وهو بحاجة إلى هذه الوحدات السكنية لأجلهم… قد يكون هذا صحيحاً، ولكن في ظل ظروف مغايرة تماماً لما يعيشه هذا الكيان اليوم، فكل الاستبيانات الصهيونية تُدلل على أن الهجرة معاكسة اليوم من فلسطين إلى الخارج وليس العكس! في الوقت الذي بدأ الحديث الجدي حول إمكانية استمرار هذا الكيان وبقائه كدولة!

التفسير الأقرب للواقع هو أن الصهاينة بُعيد الخطاب المذكور للسيد نصرالله، بدأوا يعدّون العدة ليوم الفرار الكبير من غوش دان.

وبقليل من المتابعة لهذه الأعداد الضخمة من الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية يُلاحظ أنه ـ أي الاستيطان ـ في هاتين المنطقتين يرتبط بشكل وثيق بالحرب النائمة ما بين المقاومة في لبنان والكيان الصهيوني.. فكيف ذلك؟ إنها استراتيجية الردع الاستيطانية التي يأمل من وراءها الصهاينة أن تصبح القدس الشرقية والضفة الغربية مناطق إيواء للصهاينة من غوش دان وغيرها، وذلك عندما تدق ساعة الحرب، بحيث تصبح هذه الأماكن المقدسة، أماكن حرجة على المقاومة في إطلاق الصواريخ نحوها ـ كما جرى في حيفا العام 2006 ـ بحيث أنها مناطق ممتلئة بسكانها من الفلسطينيين، علّ ذلك كله يشكل دروعاً حقيقية تحميهم من صليات الصواريخ المقاومة… إنها استراتيجية صهيونية ردعية حقيقية.

نستطيع الجزم أنه، ومنذ ذاك الإعلان الشهير للسيد نصرالله حول مفاجأة غوش دان، وكيف أنها وباقي مناطق فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر، ومن كريات إلى إيلات، بأنها أضحت جميعها في مرمى صواريخ المقاومة.. وأية صواريخ؟ إنها الصواريخ الكاسرة للتوازن التي جُنّ جنون الصهاينة لأجل حصول المقاومة عليها. فمنذ ذلك الحين، وبحسب المعلومات التي ينشرها الصهاينة ـ فعِّلت، وبشكل سريع جداً جميع منظومات التصدي لتلك الصواريخ، من «القبة الحديدية» و«الصولجان السحري» و«حيتس» و«مقلاع داوود» وغيرها من تلك المنظومات غير المعلن عنها… والهدف كله الحماية من تلك الصواريخ.

تزامنت هذه المنظومات الصاروخية، مع تسريع عملية توزيع الأقنعة الواقية للأسلحة الكيميائية، لتكاد تنتهي هذه العملية ـ وكما تفيد التقارير ـ من التوزيع على ما يقرب من ثلثي السكان اليهود أو ما يزيد… معطوفة هذه العملية على ما أوردناه من موجات استيطانية ضخمة، فضلا عن مشاريعهم المستمرة في تحويل أنفاق الكرمل، ومواقف القطارات، والمراكز التجارية في القدس إلى ملاجئ ضخمة تتسع لعشرات الآلاف من الناس! ونقل العديد من المراكز العسكرية الصهيونية الحساسة إلى جوار المدينة المقدسة!

هذا السيناريو الصهيوني في جعل المدينة المقدسة وسكانها المقدسيين دروعاً بشرية للاحتماء من صواريخ المقاومة.. ربما يكون المقدمة الحتمية لزوال هذا الكيان بشقيه المدني والعسكري، فلقد وعد السيد نصرالله في الخطاب المشار إليه إلى أن دخول الجيش الصهيوني ببعض فرقه أو بفرقه كلها إلى لبنان، بأن لا ترجع هذه الفرق إلا نعوشاً.. ولكن ليس إلى أرض فلسطين والقدس، لأن هذه الأخيرة لربما سيلبّي مقدسيوها نداء المقاومة بإخلائها فوراً ـ كما النداء لأهالي حيفا في العام 2006، لتُدمّر وحداتها السكنية على رؤوس لاجئيها من الصهاينة، في الوقت نفسه الذي يتم فيه تدمير الجيش على الارض اللبنانية في يوم المنازلة الموعود.. ولن تنفعهم ساعتئذ تركيز منظوماتهم الصاروخية في القدس وضواحيها، بزيادة عدد بطارياتها من حولها.

حماية الشعب السوري أولاً/ مهند عبد الحميد

جريمة موت مئات السوريين بالسلاح الكيماوي في الغوطتين ـ 67% من الضحايا أطفال ونساء ـ أعاد طرح محنة الشعب السوري على الاجندة الدولية، أعاد طرح موت 115 الفا بالاسلحة التقليدية بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل. موت الاطفال والنساء والمدنيين الابرياء بالغاز السام، تسبب في اعتراض “العالم الحر” على هذا النوع من الموت فقط. والاعتراض هنا جاء الموقف ملتبسا ومتفاوتا بين رفع عتب وتردد وبين دعوات العقاب التي ستخضع بدورها لمساومات ومقايضة لا ترقى الى تأمين حماية المدنيين. الاعتراض أوضح وبما لا يدع مجالا للشك، إجازة الدول الكبرى لاستخدام كل انواع الاسلحة الاخرى ضد المدنيين السوريين، وإجازة ارتكاب النظام وفروع تنظيم القاعدة “النصرة” وتنظيم “دولة العراق والشام” كل انواع المجازر والدمار والموت بحق الابرياء لطالما التزموا بالخط الاحمر وهو عدم استخدام السلاح الكيماوي. خط أحمر وحيد وضعه الرئيس اوباما “والتزم” به الحلفاء هو حظر استخدام السلاح الكيماوي. هذا يفسر الصمت المريب الذي ساد طوال عامين ونصف العام من الحرب التي حولت حياة الشعب السوري الى جحيم لا يطاق. الخط الاحمر وفقا للقانون الدولي هو عدم المس بالمدنيين والابرياء اثناء الحروب باحترام حقهم بالحياة، وعدم استهدافهم بالاسلحة التدميرية وعدم ممارسة العقوبات الجماعية بحقهم كالتجويع والتشريد وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات واماكن العبادة وعدم قصف أفران الخبز الكتظة بالمواطنين.

الخط الاحمر “الاميركي – المدعوم من العالم الحر ” أغفل كل المحظورات المنصوص عليها في الاتفاقات والمواثيق الدولية والقانون الدولي. فحظر سلاحا واحداً لا غير هو السلاح الكيماوي، وكان يمكن غض النظر عن هذا الحظر أيضا لولا مشاهد الاطفال الضحايا التي هزت وصدمت كل الذين يحترمون حقوق الانسان على وجه الارض، وكانت بمثابة فضيحة وإدانة لأصحاب الخطوط الحمر . بل لقد غضت دول “العالم الحر ” النظر عن استخدام الغاز المميت بمستوى محدود وضد اهداف مختارة 13 مرة بحسب صحيفة “الفيغارو ” الفرنسية. وقد تكون نوعية الضحايا وعددهم هو الذي يَسَّرَ عملية غض النظر. كما أن خشية الادارة الاميركية من استخدام هذا السلاح ضد حليفتها فوق العادة “اسرائيل” هي الدافع الكامن وراء إثارة السلاح الكيماوي، ومحاولة السيطرة عليه وضبطه من جديد. لقد عودنا القابضون على القرار الدولي على سياسة ربط الرد على تجاوزات وانتهاكات الانظمة المعارضة بالمصالح الحيوية لهؤلاء. مثلا، تغاضى الغرب عن مجزرة حلبجة الكيماوية التي نفذها صدام حسين ضد الاكراد عام 88 رغم وجود دلائل قاطعة، التغاضي جاء لان النظام العراقي كان حليفا للغرب في ذلك الوقت. والغرب نفسه افتعل امتلاك العراق اسلحة دمار شامل بعد ان قامت لجان التفتيش بتدمير كل السلاح العراقي الاستراتيجي ولم يجد فريق التفتيش اي اثر لتلك الاسلحة ورغم ذلك قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق وكان الهدف غير المعلن السيطرة على النفط ونهب العراق.

في سورية لا توجد مصالح للغرب تقتضي التدخل، وبفعل ذلك فإن انتهاكات النظام لكل القوانين وذهابه في تدمير وقتل شعبه الى ابعد مدى لا تعني شيء. فقد تعايش الغرب مع موت اكثر من 100 الف سوري وجرح اضعاف هذا العدد، وتشريد اكثر من 5 ملايين سوري وتدمير اكثر من 80% من المدن والبلدات واعتقال حوالي ربع مليون، واغتصاب آلاف النساء. تعايش الغرب مع وجود تنظيم القاعدة وفروعه المختلفة الذي عاث قتلا وإجراما بالسوريين، محاولا فرض سلطة تكفيرية ظلامية على مناطق سيطرته. ودعم الغرب صعود الاسلام السياسي بوجهه الطائفي القبيح باعتباره الوريث المفضل للنظام بعد سقوطه. وهذا يعني دعم الثورة المضادة بإغداق البترو دولار والغاز دولار ، ودعم كل ما من شأنه إضعاف الثورة الوطنية الديمقراطية السلمية ودفعها الى هامش التغيير في سورية.

منذ اندلاع الثورة السورية وحتى اليوم كان المطلوب إلزام النظام بعدم استخدام ترسانة النظام العسكرية ضد المدنيين وتأمين الحماية لهم وعدم تعرضهم للمجازر والقتل والتدمير. ومنع تدفق القوى الظلامية الدموية التكفيرية الى الاراضي السورية. وسحب قوات حزب الله والحرس الثوري الايراني والفيلق العراقي الطائفي وتمكين الشعب من تقرير مستقبله ونظام حكمه بحرية ومن غير تدخل هذا المطلب حق طبيعي لأي شعب يتعرض للموت والتشريد، حق طبيعي للشعب السوري الذي ذاق الأمرين وتعرض لاستباحة شاملة من النظام ولاشكال بشعة من التدخل الخارجي. إن تأمين الحماية للشعب السوري لا يعني فرض وصاية عليه منهذه الدولة او تلك ولا يعني إخضاعه لهيمنة الناتو النيو كولونيالية . الحماية المطلوبة هي عبر الامم المتحدة وقوات محايدة يثق بها الشعب السوري كالقوات الموجودة في جنوب لبنان حاليا والموجودة ضمن قوات الفصل على جبهة الجولان. ما ينشده الشعب السوري هو وقف حرب النظام الدموية ووقف التدخلات الخارجية.

غير ان الامور لا تسير في هذا الاتجاه، فثمة نوايا لتوجيه ضربات عسكرية للنظام هدفها إعادة الهيبة لقوة الردع الامريكية ومعها الناتو. وضمان انضباط النظام لارادة الغرب وبخاصة في ما يتعلق بالسلاح الكيماوي ومنع استخدامه او تسريبه لقوى قد تستخدمه ضد اسرائيل، وضبط التحولات الرجعية داخل سورية بما لا يتناقض مع مصالحه. لا يوجد على اجندة الناتو بند اسمه تأمين الحماية والامن للشعب الذي انهكته الحرب، ولا يوجد هدف محدد بوقف الحرب والمجازر والتشريد والتدمير ومنع القتلة (النظام والقاعدة) من مواصلة جرائمهم.

لقد ترك الشعب السوري يواجه مصيره وحيدا، تحت رحمة النظام الدموي، وعصابات القتلة القروسطية، وتحت رحمة التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها. ان التدخل الوحيد المطلوب هو تدخل الشعوب وقوى الثورة الحقيقية (وليس الثورات المضادة التي يتزعمها الاسلام السياسي ). وبالقدر الذي يتعاظم فيه دعم الشعب السوري والدفاع عن ثورته ومطالبه المشروعة، بالقدر الذي يمكن معه الدفع نحو التدخل السلمي الفاعل للامم المتحدة لتأمين الحماية له وتمكينه من تقرير مصيره بحرية.

خيارات الحرب/ علي إبراهيم

ليس غريبا أن يكون أهم ما التقط في حديث وزير الخارجية الروسي الذي هاجم التصريحات الغربية باحتمال التدخل العسكري في سوريا دون تفويض من الأمم المتحدة، هو قوله ردا على الأسئلة حول موقف بلاده في حالة إذا حدث هذا الهجوم بأن موسكو لا تعتزم خوض قتال مع أحد، فهي رسالة واضحة تبين حدود الدعم الروسي إلى الأسد، وأنه لن يصل إلى حد التورط في نزاع عسكري لحمايته.

لقد وضع استخدام الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين في الحرب الدائرة في سوريا، ومشاهد جثث الأطفال القتلى جميع الأطراف الدولية في حالة إحراج، الحلفاء الذين ارتبكوا لهول الجريمة وحاولوا إلقاء المسؤولية على المعارضة، والقوى الداعمة للمعارضة المترددة في التورط في النزاع لكنها وجدت أنها لا تستطيع السكوت على ما يحدث، وإلا لفقدت مصداقيتها، خصوصا أن التردد الطويل أدى إلى تفاقم الأزمة واتخاذها بعدا دمويا لم يعد مقبولا.

هناك حاليا ما يشبه أجواء حرب تبرزها التصريحات والتحركات والاجتماعات المتسارعة إقليميا ودوليا سواء سياسية أو عسكرية، والتأكيدات الصادرة من عدة عواصم غربية، بإمكانية التحرك في إطار تحالف دولي واسع، أو في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والجميع بما ينتظر ويتحسب لحظة الضغط على الزناد، لتنتقل الأزمة السورية التي تقترب من عامها الثالث، إلى منعطف جديد، حساباته ما زالت قيد المراجعة. هذه الأجواء تترافق مع اتصالات دبلوماسية محمومة خاصة بين موسكو ودول غربية تشبه الأجواء التي سبقت الحرب في العراق بما يؤشر إلى أن ارتفاع درجة حرارة التوتر وجدية المواقف.

لكن ظروف الأزمة السورية الآن مختلفة عن العراق، فالواضح أن الخيارات العسكرية ليست كثيرة في ضوء المعطيات الحالية على الأرض، فأغلب تعليقات وآراء المحللين الغربيين ترجح عملا عسكريا من نوع ضربات محدودة صاروخية أو جوية أو جراحية عن بعد لمنشآت الأسلحة الكيماوية، أو البنية الهيكلية العسكرية التابعة للنظام تكون بمثابة رد عقابي أو رسالة تحذير إلى النظام بعدم استخدام هذه الأسلحة مجددا، أو إمكانية استمراره دون حساب في مثل هذه المجازر.

وتعتمد هذه التحليلات على حسابات رغبة الأطراف الدولية في تجنب الانزلاق إلى تورط مكلف على الأرض لمدة طويلة، وحديث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ضرورة حساب التكلفة واضح في هذا الشأن، وأيضا عدم وجود حشد قوات أرضي يسمح بممارسة عمل بري مباشر.

ويشبه ذلك كثيرا ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عندما اكتشف أن القاعدة وراء الهجوم على المدمرة الأميركية «كول» في ميناء عدن في التسعينات فأجاز ضربات صاروخية عن بعد على معسكرات القاعدة في أفغانستان أيام حكم طالبان، فأربك نشاطها لكنه لم ينه وجودها هناك حتى 11 سبتمبر (أيلول) والحرب في أفغانستان التي تلتها، أو الهجمات الصاروخية التي شنت على مصنع الشفاء في السودان.

في الأزمة السورية إذا اتخذ قرار الضغط على الزناد بشن مثل هذه الهجمات في الوقت الحالي، فإنها على الأرجح لن تحسم الموقف على الأرض، لكن ستكون لها تداعيات قد يكون الأبرز بينها فتح نافذة للعناصر المتململة داخل النظام هناك للبحث عن طريق آخر أو الانشقاق، وأيضا فتح الطريق أمام المعارضة المسلحة لتحقيق مكاسب على الأرض إذا جرى إضعاف الماكينة العسكرية للنظام، وهو ما قد يفتح الباب أمام حل سياسي لانتقال السلطة.

وفي النهاية فإن الخيارات الحقيقية تبقى على الأرض، وخصوصا بيد المعارضة التي تحتاج إلى إثبات وحدتها وجدية رؤيتها السياسية للمستقبل السياسي لسوريا، وتبديد المخاوف التي تثار في العواصم الغربية حول العناصر المتطرفة التي ظهرت على الساحة أخيرا.

الشرق الأوسط

نزع الأسلحة الكيميائية السورية؟/ علي بردى

اقترب الرئيس الأميركي باراك أوباما أكثر من أي وقت مضى من اتخاذ قرار حاسم في شأن الأزمة السورية. أساء البعض تقدير تحذيراته من تجاوز الخط الأحمر الذي رسمه حيال استخدام الأسلحة الكيميائية. تردد كثيراً. بيد أن حيلته قلّت. صار سلاح الدمار الشامل هذا جزءاً من لعبة الموت الرهيبة في سوريا.

بعد الإتهامات المتبادلة في ظل التقارير المذهلة عن سقوط مئات الضحايا أخيراً في ضواحي دمشق، توافرت للولايات المتحدة وحلفائها مبدئياً عناصر التدخل و”مشروعيته” على رغم شلل مجلس الأمن بسبب مواقف روسيا. ستتعالى قريباً الدعوات الى نزع كل الأسلحة الكيميائية في سوريا ومنع وصولها الى أطراف آخرين.

يشتبه العالم من زمان في أن سوريا الأسد (الرئيس الراحل حافظ ووريث حكمه الرئيس بشار) تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة المحرمة دولياً. لم توقع مع أربع دول أخرى فقط، هي مصر وأنغولا وكوريا الشمالية وجنوب السودان، معاهدة عام 1993 للحد من تطوير الأسلحة الكيميائية وانتاجها وتخزينها واستخدامها والعمل على تدميرها. تخلفت حتى عن اسرائيل وميانمار، البلدين الوحيدين اللذين وقعا من غير أن يبرما المعاهدة حتى الآن. اسرائيل بخبثها تمكنت أيضاً حتى الآن من التنصل من المسؤولية عن اخفاء برنامجها النووي، على رغم ما يشاع عن امتلاكها أسلحة ذرية. لم يمسك لسانه وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال العام الماضي إذ أعلن أن بلاده لن تستخدم الأسلحة الكيميائية، قبل أن يستدرك لاحقاً بعبارة “إن وجدت”. إقرار في معرض النفي والتذاكي والتهديد. ذر النظام البعثي الرماد في عيون المصطفّين في “محور الممانعة” قبل سواهم أن هذه الترسانة القاتلة ستستخدم “في الوقت المناسب” ضد العدو الإسرائيلي، فإذا بأصابع الإتهام، من الولايات المتحدة وغيرها، توجه اليه بأنه يستخدمها ضد معارضيه.

يمثل استخدام أي طرف هذه الأسلحة انتهاكاً صارخاً لبروتوكول جنيف الخاص بحظر الإستخدام الحربي للغازات الخانقة والسامة وغيرها من الأسلحة الجرثومية لعام 1925 وغيره من المواثيق والعهود والقرارات الدولية المتعلقة بمنع استخدام السلاح الكيميائي، ومنها على الأخص القرار 620 التي يحيل هذه القضايا على مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

سيسعى البعض الى ختم من الأمم المتحدة على أي اجراء في سوريا. سيحاول آخرون في مجلس الأمن مرة أخرى. لم يعد يمكن القول إن “الحق على الأميركان” بعدما كان “الحق على الطليان”. الحق علينا لأن السلاح في اليد الخطأ يجرح!

النهار

سورية: ضربة موجعة غير حاسمة

تشهد العاصمة الاردنية عمان اجتماعا هاما لرؤساء هيئات الاركان لجيوش عشر دول، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

ويترافق هذا الاجتماع مع مشاورات خاصة بين العواصم الثلاث واشنطن ولندن وباريس لتوجيه ضربة عسكرية لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، الذي تتهمه المعارضة باستخدام الغازات السامة بهجمات على ريف دمشق في 21 آب/اغسطس الجاري، مما ادى لمقتل اكثر من الف شخص، وهو ما اعتبر تجاوزا للخط الاحمر، ووضع الادارة الامريكية في موقف محرج اضطرها للتحرك، وبحث الخيارات للرد.

ادارة الرئيس باراك اوباما نأت بنفسها طويلا عن الثورة وضحاياها في سورية، ويبدو أنها ما زالت ترفض الانجرار لحرب على غرار العراق وافغانستان، وستكتفي بضربات بصواريخ كروز من غواصاتها وبوارجها بالبحر المتوسط على اهداف عسكرية محددة للنظام، مثل منظومات الدفاع الجوي وقواعد اطلاق الصواريخ.

وكما ان الولايات المتحدة ستكتفي بعمل عسكري سريع خلال يوم او اثنين يردع الاسد عن الاستمرار في خرق حظر استخدام السلاح الكيماوي، كذلك فان الاسد يعتبر ان معركته الآن مع المعارضة، وسيعمل على امتصاص الضربة، ولن ينجر الى حرب اكبر بالمنطقة.

الرئيس الاسد الذي ذكّر واشنطن في مقابلة صحافية امس بالنتائج السلبية لما جرى في ليبيا ومصر، مشيرا الى ان الغرب يمكنه بدء اي حرب لكن لا يمكن له ان يعرف الى اين ستمتد او كيف لها، ان تنتهي، سبق وان استوعب ضربات جوية نفذها سلاح الجو الاسرائيلي، واكتفى بالتهديد بالرد بالزمان والمكان المناسبين، ومن غير المتوقع ان تكون هذه المرة مختلفة.

من غير المرجح ان تنتظر الولايات المتحدة نتائج التحقيق في الهجوم الكيماوي، خاصة ان تحديد الجهة التي استخدمته لن يكون فوريا، فقد اعلنت عن مخاوفها بشكل مسبق بأن الادلة على الهجوم قد تكون اتلفت، رغم ان آثار الهجوم على الغوطتين الشرقية والغربية ستبقى لفترة، مما يتطلب اتخاذ احتياطات وقائية للحماية من تلوث محتمل خاصة للمياه والطعام. كما ان الولايات المتحدة وحلفاءها يستعدون للتحرك ضد سورية دون اجماع من مجلس الامن، رغم التحذيرات الروسية من ‘عواقب بالغة الخطورة’ عن تدخل عسكري.

من المؤكد ان روسيا لن تقف موقف المتفرج على اي هجوم او ضربة ضد نظام الاسد، ورغم ان احتمالات وصور الرد الروسي غير واضحة، الا ان الرد العسكري يبدو مستبعدا، ومن المرجح ان ترد موسكو بكسر الحملة على ايران والتحلل من نهج العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب البرنامج النووي.

رغم كل هذه التطورات بالمنطقة، الا ان الادارة الامريكية ما زالت تفضل الحل السياسي للازمة في سورية، فتوجيه الضربة العسكرية لن يعني استبعاد مؤتمر جنيف 2.

السؤال اليوم، هل ما زال الرئيس الاسد وحلفاؤه في طهران وموسكو والضاحية الجنوبية في بيروت يأملون بانهاء الثورة السورية، وهل يتوقعون نسيان الشعب لهذا الدمار والموت والتهجير؟

الاجابة قاطعة بأن لا أمل في ذلك. ولكن الحل ما زال بيد الاسد من خلال التفاوض على حل يؤدي لتنحيه ويوقف مسلسل القتل والتدمير.

القدس العربي

هل تعبر الصواريخ أجواءنا إلى سوريا؟/ خليل فليحان

يعيش اللبناني مخاوف من انعكاسات عسكرية محتملة على البلاد اذا نفذت الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها ما يهددون به سوريا، بعدما استعملت السلاح الكيميائي ضد المدنيين في الغوطة. بدأ الرعب عندما أطلق وزير الخارجية جون كيري من البيت الابيض تأكيدات توافرت لدى الاجهزة الاستخبارية التابعة لبلاده عن استخدام هذا السلاح، وان بلاده لن تسكت عن ذلك وستوجه رسالة عقابية بقصف صاروخي الى سوريا لن تؤدي الى اسقاط النظام، بل الى اعطائه أمثولة لعدم تكرارها.

لا يمكن التقليل من أهمية القصف المتوقع حدوثه واحتمالات انعكاساته السلبية على لبنان في مجالات عدة، منها أولا: احراج لبنان في حال استعمال الاجواء اللبنانية لاطلاق الصواريخ على سوريا، ويعتبر ذلك خرقا للسيادة ليس لدى لبنان القدرة على منعه.

ثانيا، اذا قرر “حزب الله” الرد على القصف الصاروخي على سوريا بقصف صاروخي على اسرائيل تنفيذا للتحالف الثلاثي الذي يضم ايران وسوريا والحزب الذي أعلن في دمشق ليل 25 شباط 2010 لدى وجود الامين العام لـلحزب السيد حسن نصرالله والرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد فيها.

ثالثا: تدفق اضافي لعدد اللاجئين السوريين الى لبنان، وخصوصا اذا كانت أهداف القصف الدولي والعربي قريبة من مساكنهم ومن مواقع عسكرية.

رابعا، ارتفاع نسبة التشنج السياسي الامني والاعلامي، وتراجع في سير الحركة الاقتصادية، وهي سجلت هبوطا في الاسواق الداخلية وكذلك في الاسواق الخليجية، وتحديدا في كل من الرياض ودبي.

ودعت مصادر قيادية الى تجنيب البلاد الانزلاق الى المواجهة الآتية، متمنية ان يترجم الرد الايراني بتحييد لبنان الذي عانى الكثير ولم يعد في استطاعة شعبه ولا سيما في الجنوب تحمل مواجهة جديدة مع الجيش الاسرائيلي المتفوق تكنولوجيا، وخصوصا بسلاحي الجو والتكنولوجيا.

ولفتت الى ان التقارير الواردة الى بيروت، السرية منها والاعلامية، تحمل الاستعدادات اللوجستية لعملية الرد على سوريا التي انتهكت حقوق الانسان باستعمالها السلاح الكيميائي حجما ومدة، والاسلحة المستعملة. والشق التنفيذي هو رسم الخطط وتوزيع المهمات على الدول المشاركة، من أميركا الى فرنسا الى بريطانيا والسعودية وسواها. ومن المعلومات المتداولة ان الضربة لن تطول، وهي لمدة يومين، وستشارك فيها أربع بوارج اميركية تختزن كل واحدة 90 طلقة من الصواريخ، زنة كل واحد نحو 450 كيلوغراما وهي من طراز “توماهوك”.

النهار

الكيماوي السوري والتدخل العسكري/ احمد سيد احمد

 جاء استخدام السلاح الكيماوي في مناطق الغوظة الشرقية بريف دمشق بمثابة نقطة تحول خطيرة في المعادلة السورية‏,‏ ليس لما خلفته من مئات القتلي والمصابين من النساء والأطفال في مشاهد مأساوية هزت الضمير العالمي‏,‏

وإنما أيضا لأنها تقلب قواعد الأزمة السورية وتنقلها إلي مسارات جديدة وسيناريوهات مفتوحة بعد ان ظلت تراوح مكانها لأكثر من عامين ونصف.

فبالرغم من أن السلاح الكيماوي استخدمه النظام السوري مرات عديدة من قبل وبصورة محدودة في مناطق حلب وحمص, فإن اللجوء إليه بهذه الطريقة وبهذا العدد الكبير من الضحايا أدي إلي استنفار المجتمع الدولي والسعي لاتخاذ مواقف حاسمة من جانب القوي الغربية وعلي رأسها الولايات المتحدة بعد أن ظلت مترددة بين الرغبة في إسقاط نظام بشار الديكتاتوري والحذر في دعم المعارضة والخوف أن يخلف بشار نظام إسلامي متشدد تسيطر عليه عناصر القاعدة بعد أن أضحت جبهة النصرة طرفا فاعلا في العديد من المناطق السورية, وهو ما قد يمثل تهديدا حقيقيا للمصالح الامريكية ومصالح حليفتها إسرائيل التي كانت استخباراتها أول من كشف النقاب عن وجود اسلحة كيماوية في سوريا.

ويشكل التدخل العسكري أبرز الخيارات الحاسمة من جانب إدارة الرئيس أوباما في حالة إثبات فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في ريف دمشق, فالاعتبارات الاخلاقية أمام مثل تلك الجريمة الإنسانية وضغوط الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي تدفع أوباما ومعه حلفاؤه البريطانيون والفرنسيين إلي التدخل العسكري, فمن ناحية فإن النظام الدموي في دمشق بلجوئه إلي استخدام الأسلحة الكيماوية لكسر شوكة المعارضة والجيش الحر يعطي المسوغ للتدخل العسكري الخارجي, ومن ناحية ثانية فإن الموقفين الروسي والصيني, اللذين مثلا حائط صد داعما لنظام بشار ضد التدخل الغربي, سواء عبر استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد استصدار أي قرار لفرض العقوبات علي سوريا أو عبر تقديم الدعم المسلح المباشر للنظام, لا يمكن لهما ان يستمرا علي نفس المنوال أمام جريمة استخدام الاسلحة الكيماوية لأنه سينزع الشرعية عن حجج الدولتين في دعم النظام في مواجهة ما تسميه جماعات إرهابية مسلحة, وأن الحل السياسي وليس العقوبات هو المخرج للأزمة في إطار صيغة الاحتفاظ ببشار في أي تسوية مستقبلية للأزمة, ومن ناحية ثالثة حتي لو أحبطت روسيا أي قرار قد يصدر من مجلس الأمن يبرر التدخل العسكري الأمريكي تحت الفصل السابع, فإن الولايات المتحدة أمامها خياران في هذه الحالة:الاول التدخل المباشر دون تفويض من مجلس الأمن علي غرار ما حدث في كوسوفو وشن غارات جوية ضد الصرب, وما حدث أيضا في العراق ثم إضفاء الشرعية بعد ذلك من الأمم المتحدة واستصدار قرارات من المجلس تحت مظلة الواقعية السياسية, والثاني اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة واستصدار قرار تحت غطاء الاتحاد من أجل السلام يعطيها مشروعية التدخل مع حشد دعم الجامعة العربية.

التدخل العسكري سوف يأخذ شكل الضربات الجوية لتدمير سلاح الجو ومواقع إطلاق المدفعية السورية والتي تمثل أداة النظام الرئيسية في مواجهة الجيش الحر, وهو ما يعني تحولا جوهريا في موازين القوي بين قوة المعارضة وقوة النظام بما يعجل بسقوطه خاصة مع سيطرة الجيش الحر علي مناطق عديدة في سوريا, لكن هل يشكل التدخل العسكري الخارجي حسما للصراع وإنهاء الازمة السورية؟

بالطبع تجارب التدخل العسكري في العراق وأفغانستان وحتي ليبيا وغيرها أثبتت أن الخيار العسكري وحده لا يمكن ان يحقق الاستقرار, فمن دون وجود رؤية وحل سياسي شامل غالبا ما يكون التدخل عاملا لاستمرار الفوضي وعدم الاستقرار كما أن الضربات لن تقتصر علي القوة الجوية السورية وإنما ستمتد إلي تدمير البنية العسكرية السورية الكاملة. ومشكلة سوريا أن النظام الديكتاتوري يراهن منذ اندلاع الثورة ضده علي الخيار الأمني القمعي في سحق المعارضة واستخدام كل ما يملك من أسلحة تقليدية وفتاكة, ومعتمدا علي تناقضات الموقف الدولي بين روسيا والصين وبين والولايات المتحدة وحلفائها, إضافة لحلفائه الإقليميين إيران وحزب الله والذي أدي تدخله إلي انتقال الصراع إلي لبنان والتي انعكست في التفجيرات الأخيرة في الضاحية الجنوبية وبيروت. لكن رهان بشار الأمني قد فشل بشكل ذريع فلا النظام قضي علي المعارضة ولا المعارضة بدورها أسقطت النظام, وكانت المحصلة النهائية تدمير سوريا ومقتل عشرات الآلاف من الاشخاص وفرار ملايين اللاجئين إلي دول الجوار.

ورغم أن النظام السوري وافق علي دخول فرق التفتيش الدولية للمناطق التي استخدم فيها السلاح الكيماوي, إلا أن كل الدلائل تشير إلي تورطه فيها بما يعجل بالتدخل العسكري مع تحريك الولايات المتحدة قواتها في البحر المتوسط بما يؤكد أننا إزاء فصل درامي جديد في الأزمة السورية, لن يكون الحل الأمثل, وإنما المخرج هو عملية سياسية شاملة تؤدي إلي رحيل هذا النظام, الذي فقد مشروعيته الكاملة, وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل أطياف الشعب السوري تسعي إلي تكريس الديمقراطية الحقيقية التي تحقق التعايش بين أبنائه وتلفظ العناصر المتطرفة وتحافظ علي وحدة واستقلال سوريا وتوقف مسلسل القتل والدمار, فهل يعي النظام السوري الدرس هذه المرة أم سيقوده عناده إلي انهيار سوريا مع سقوطه؟

الاهرام

في سورية… أميركا هي الخاسرة/ إدوارد ن. لوتفاك *

إثر الأنباء عن هجوم عسكري كيماوي على ضاحية دمشقية راح ضحيته مئات القتلى، تقضي الظروف الا تنزلق ادارة اوباما الى التدخل في الحرب الاهلية السورية. فالامور تجري في هذا البلد على خلاف المصالح الاميركية مهما كانت هوية الغالب في هذه الحرب. ولا يقوض بقاء الامور على حالها، اي بلوغ النزاع طريقاً مسدوداً، المصالح الاميركية. ووقعُ فوز نظام بشار الاسد في الحرب هذه، إذا أفلح في قمع المعارضة واستعادة السيطرة على كامل اراضي سورية، هو وقع الكارثة. فمثل هذا الفوز يكرس نفوذ ايران – وهي تمد نظام دمشق بالمال والسلاح ومقاتلي «حزب الله» – ويهدد تهديداً مباشراً الدول العربية واسرائيل. ولكن غلبة المعارضة هي احتمال بالغ الخطورة على الولايات المتحدة وعدد كبير من حلفائها في اوروبا والشرق الاوسط. فالمجموعات المتطرفة، وبعضها موالٍ لـ «القاعدة»، صارت اقوى القوى المقاتلة في سورية. وإذا فازت، أنشأت حكومة معادية لأميركا، ودشنت مرحلة جديدة من ارهاب «القاعدة». واسرائيل لن تنعم بالهدوء على حدودها الشمالية اذا رجحت كفة «الجهاديين». والأمور لم تكن على هذه الحال القاتمة قبل عامين حين كسر المجتمع السوري قيود الخوف للمطالبة بإنهاء ديكتاتورية الأسد. ويومها كان ثمة أمل في بلوغ المعتدلين السلطة. وكان توقع انتهاء النزاع في وقت سريع في محله. وبدا يومها ان الجارة التركية، ومساحتها اكبر من مساحة سورية وجيشها أقوى من نظيره السوري، ستبسط قوتها لإنهاء النزاع. ولحظة اندلاعه، طالب اردوغان بطيه. لكن ممثلي الاسد هزئوا به، وأسقطت قوات النظام مقاتلة تركية، وأطلقت قذائف على الاراضي التركية، وأرسلت اليها سيارة متفجرة. وتفاجأ كثر بعدم رد تركيا على هذه الاعتداءات. ووراء إحجامها عن الرد هو غياب الثقة بين الاقليات وحكومتهم – وهذه بدورها لا تثق بجيشها. فأصيبت القوة التركية بشلل عوض ان تبسط جناحيها، ولم يسع اردوغان غير الوقوف موقف المتفرج ازاء انزلاق سورية الى براثن العنف والفوضى. واليوم، الاطراف الضالعة في الحرب تجمع امراء حرب تافهين الى متطرفين يحتذون على «طالبان» ولا يتوانون عن قتل مؤمنين لا يسيرون على خطاهم. وتهافت «جهاديون» من أصقاع العالم كله الى سورية وأعلنوا سعيهم الى تحويلها ملاذاً آمناً لهم وقاعدة عملياتهم ضد اوروبا واميركا.

واستمرار الأمور على هذا المنوال يصب في مصلحة اميركا. فأيدي جيش الاسد وحلفائه الايرانيين و «الحزب اللهيين» مقيدة في حرب ضد «القاعدة». خلاصة القول إن أعداء واشنطن يتقاتلون في سورية، ويحول ذلك دون شن هجمات على الاميركيين وحلفائهم. والخيار الاميركي الأمثل هو تراجيدي، ويصدع بنزول الكارثة الوحشية على السوريين. والسبيل الأمثل الى بقاء الامور على حالها هو تسليح اميركا ثوار سورية – إذا لاحت هزيمتهم في الأفق – والتوقف عن مدهم بالسلاح إذا سارت الأمور على ما يشتهون. وأوجه الشبه كبيرة بين الاستراتيجية هذه وسياسة اوباما الى اليوم.

* كبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الاميركي، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 25/8/2013، إعداد منال نحاس

الحياة

خرافة الحصول على المعلومات في سوريا/ فاتح عبدالسلام

حتى لو تم قتل السوريين بسلاح نووي لا يتوقع أحد من الدول الكبرى ان تقول وليس ان تفعل أكثر مما قالته عند استخدام السلاح الكيمياوي في بلدات ريف دمشق.

هناك جملة اعتاد المجتمع الدولي تكرارها في كل مجزرة تقع في سوريا يقولون فيها إنهم في صدد التحقيق في مزاعم بارتكاب مجزرة مروعة وتمر المجزرة تحت ثقل مجزرة أكبر بعدها ويتكرر الكلام في إطار مجزرة يومية كبرى متصلة منذ سنتين ونصف السنة. ألم يقولوا قبل شهور ان المختبرات الفرنسية والأمريكية أثبتت وقوع الهجمات الكيمياوية، لماذا تم إغلاق الملف وصمت الجميع حتى حدثت الجريمة الأكبر؟.

ما الأولويات الدولية أمام استخدام أسلحة الدمار الشامل في سوريا.. أهو تحديد الجهة المرتكبة للجريمة أم الحاجة الى الاطمئنان في ان السلاح الكيمياوي المستخدم هو لأغراض الحرب الداخلية المسموح باستمرارها حصرا ولا يمكن توسيع هذه اللعبة القاتلة في المحيط الإقليمي؟.

هناك خرافة يحتمي بها مجلس الأمن وهي انه من الصعب التأكد من المعلومات في سوريا. في حين ان الداني والقاصي بات يعرف ان أسهل شيء في سوريا هو الحصول على المعلومة عبر هذا الكم الهائل من الاختراقات على الأرض وداخل أجهزة الحكومة والجيش والأمن والموالين وكذلك في صفوف المعارضة غير المتراصة عسكريا أو سياسيا. وهل يعقل ان إسرائيل باتت مكتوفة الأيدي ومشلولة العقل وهي التي ترى النار على مرمى حجر منها في انتظار تفسيرات وتأويلات وتنظيرات من مجلس الأمن الحائر بعجزه وماضيه الأسود حيث تلعب بمقدراته كذبة غير متقنة كما حدث في حرب العراق.

سقوط خرافة التحقيق وفرق التفتيش الدولية واضحان للعيان. وتزداد الخرافة رسوخا كلما دخل وفد المفتشين الى فندق من الدرجة الأولى وسط دمشق ومكث فيه حتى انتهاء مهماته.

المعلومات متوافرة وسهل الحصول عليها في سوريا المحترقة والمخترقة ومن ثم تدقيقها وعرضها على المجتمع الدولي علنا، لكن هذا غير مسموح به في ظل غموض تغيير موازين القوى عالميا وانكسار الدور الامريكي وصعود التحالف الروسي الإيراني الصيني الى الواجهة وسط هذا الخوف الأوربي الواضح.

عليهم البحث الآن في تحديد أيهما اشد أثرا على الأطفال والنساء وسائر المدنيين، السلاح الكيمياوي أم صواريخ سكود الروسية العمياء؟ ومن ثم يرتقون الى مستوى آخر من التحقيق في ارتكاب هذه الإبادة الجماعية. ولعل سائلا يسأل. من باستطاعته مقاومة إغراء المجتمع الدولي له باستمرار القتل والتفنن به تحت السقف المسموح به وهو سقف ثبت انه عال جداً في سوريا كما هو في العراق؟

الحياة

سيناريو يوم القيامة في سورية

رأي القدس

سياسات النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية (بل قبلها بكثير) حوّلته الى عبء أخلاقي كبير على المجتمع الدولي وجعلت المنطقة ساحة كبيرة مؤهلة لاستقبال سيناريو يوم قيامة عالمي.

ساهم تراخي الولايات المتحدة الامريكية المستمر عن تحمّل مسؤولياتها العالمية، وتورّط دولة عظمى مثل روسيا، ودولة إقليمية كبرى مثل ايران وقوى خاضعة مباشرة لتأثيرها في العراق ولبنان، في توفير الحماية العسكرية والسياسية والاعلامية لهذا النظام، وإشعاره أنه صار – مثل جارته اسرائيل بلداً فوق القانون، وان هناك اتفاقاً عالمياً على ابقائه، مما جعله لا يتورّع عن ارتكاب أية محرّمات عالمية مهما تعاظمت، فما الذي كان سيمنعه من استخدام الكيماوي في ريف دمشق بعد ان قام باستخدامه 27 مرة سابقة لم يرفّ لها جفن العالم، ولا أزعج سكينة المهدّد الأساسي به قبل عام تماماً: باراك اوباما.

غير ان قصف ريف دمشق بصواريخ كيميائية والعدد المروّع من المدنيين الذين سقطوا، وشبه العلانية الفاجرة للنظام ومؤيديه في تأكيد مسؤوليته عن القصف والتهديد بتكراره في مناطق أخرى (كما يحصل في مخيم اليرموك حالياً)، جعل الأمر فضيحة اخلاقية سياسية عالمية بامتياز، وخصوصا بعد أن وثقت الهجوم غير المسبوق منظمات انسانية عديدة بينها جمعية ‘أطباء دون حدود’ التي أعلنت ان ثلاث مستشفيات في دمشق استقبلت ما يقارب 3600 مريض بأعراض تسمم كيميائي خلال أقل من 3 ساعات صباح يوم 21 آب (اغسطس)، توفّي 355 منهم.

المخجل في الأمر ان النظام السوري تابع القصف الجوّي والمدفعي لقرى ريف دمشق المنكوبة بالكيماوي والمشغولة باسعاف سكانها فيما انشغل مناصروه في بعض مناطق دمشق بتوزيع الحلوى والرقص ابتهاجاً بمذبحة اخوانهم السوريين.

حاولت ادارة اوباما متابعة ترددّها الشائن في المسألة السورية لكن موقف بعض شركائها الاوروبيين وثبوت الجريمة على مرتكبها، بل وحتى موقف روسيا عرّابة النظام السوري التي طالبته بالسماح للأمم المتحدة بالدخول لمواقع القصف، والموقف الايراني الذي أدان استخدام الاسلحة الكيميائية، كل ذلك جعل البوصلة العالمية تتجه لعمل ما للرد على هذا الجنون المستشيط والذي اعتبر أكبر هجوم كيميائي في العالم منذ قصف قرية حلبجة الكردية في العراق عام 1988.

سيكون موضوع التعامل مع الأسلحة الكيميائية السورية على طاولة البحث في اجتماع قادة اركان وجيوش 10 دول في الأردن خلال الأيام القادمة، فما هو الأمر المتوقع حصوله في الاجتماع؟

تحدّث وزير خارجية الأردن، ناصر جودة، عن وجود سيناريوهات عديدة للتعامل مع الاسلحة الكيميائية السورية، والحقيقة ان التجارب السابقة لهذه الاجتماعات لا تبشّر بحلول ناجعة للمسألة الأساسية التي صار واضحاً انها لا تهم المجتمع الدولي: ايقاف آلة قتل النظام السوري لشعبه… بغض النظر ان كان ذلك بالأسلحة الكيماوية او التقليدية.

لا يثق السوريون، ولا العرب عموماً، بقرارات الغرب، ولا بأولوياته التي قصمت ظهر العرب والمسلمين، بدءاً من الأولوية الاسرائيلية، وصولاً الى حربه المزعومة على الارهاب في العالم.

كما ان المجزرة الكيمياوية الفظيعة، للأسف، لا تتقاطع مع رغبة اوباما في اكمال عهدته الانتخابية في إجازة من أية سياسة خارجية امريكية فاعلة، وبالتالي فما سيتمخض عن الاجتماع سيكون ضربات محدودة توجع النظام السوري لكنها لن تمنعه من الاستمرار في تنفيذ ‘مطالب’ مؤيديه بابادة من لم يخضع من شعبه.

لا ندري ان كان ضمن سيناريوهات الأردن تدخّل عربيّ فاعل لحسم الصراع في الساحة السورية، وان كنّا نشك في ذلك.

الى ذلك الحين: ستستمر عروض سيناريو يوم القيامة.

القدس العربي

ردع الأسد خارج مجلس الأمن/ خالد الحروب

بعد استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد الشعب السوري يتحتم على الدول العربية أن تتخذ موقفاً جديداً وجدياً الآن إزاء واجب إنقاذ هذا الشعب المسكين من بطش جزار دمشق. لم يعد من الممكن إخلاقياً وسياسياً ودينياً وإنسانياً الاستمرار في السياسة العربية غير الفعالة إزاء الجريمة السورية، والتي أطالت من معاناة السوريين وفاقمت من عدد الضحايا. والعجز العربي والدولي الذي تتحمل وزره موسكو جراء وقوفها بصلافة في وجه أي قرار أممي ضد النظام السوري لم يعد بالإمكان قبوله. والسياسة الدولية تتيح، بل تفرض، على أي جوار إقليمي اللجوء إلى آليات ردع للأنظمة المجرمة خارج آليات مجلس الأمن التي تتعطل بسبب «فيتو» ومصالح القوى العظمى. ويُناط بالمنظمات الإقليمية عرفاً التعامل مع القضايا الإقليمية ومحاولة حلها قبل وصولها إلى مجلس الأمن، ومن ناحية نظرية بحتة فإن الملف السوري ومأساة الشعب هناك هي مسؤولية الجامعة العربية أولاً وأخيراً وقبل أن تكون مسؤولية مجلس الأمن. ولكن أما وأن الملف انتقل إلى مجلس الأمن الذي أثبت عجزه الفاضح عن إنقاذ السوريين فإن على الجامعة العربية أن تسترد الملف وتتحرك هي خارج نطاق مجلس الأمن وخارج نطاق مصالح الدول الغربية التي ساهمت مواقفها في إطالة عمر المجزرة وزيادة عدد الضحايا الأبرياء.

والمطلوب الآن هو أن تبحث الجامعة العربية في آليات تحرك بعيداً عن مجلس الأمن، وبعيداً عن السقف الذي خطته الولايات المتحدة والدول الغربية. فالموقف الغربي حدد سقفاً منخفضاً لدعم الثورة السورية، مختلفاً عن السقف الذي كان عالياً إزاء الثورة الليبية. وعلى رغم أن الغرب لم يكن يحتفظ بأية علاقات ودية مع نظام الأسد، إلا أن عدة عوامل لعبت لصالح النظام وكبلت التأييد الغربي للثورة خاصة بعد أن أجبرها النظام على استخدام السلاح. والعامل الأساسي الذي رسم حدود الموقف الغربي، وخاصة الأميركي، تمثل في مستقبل أمن إسرائيل والخشية من فوضى ما بعد سقوط النظام أو قيام نظام بديل عن الأسد يكون أكثر عدائية لإسرائيل، ومُسيطراً عليه من قبل الإسلاميين، أو يُفسح لهم العمل في سوريا. ومن ناحية عملية أدى التردد الغربي إلى إطالة أمد الثورة ومنح النظام عمراً زمنياً إضافياً لملم فيه أوراقه وتمكن من عسكرة الانتفاضة السلمية وتبرير ضربها بشكل دموي وعنيف. والشيء المُفارق هنا هو أن المواقف العربية، بما في ذلك الخليجية المؤثرة، إضافة إلى التركية التزمت جميعاً بذلك السقف المنخفض، مما أفقد السوريين فرصة التخلص من النظام بصورة سلمية وسريعة. وإذا كانت للولايات المتحدة حساباتها الخاصة في رسم سياستها وحدود دعمها للثورة السورية، وأهمها العامل الإسرائيلي، فإن من المُفترض أن يكون للدول العربية وخاصة الخليجية منها حساباتها المختلفة، وأهمها في مواجهة التمدد الإيراني الفج. فهنا انخرطت إيران في دعم النظام بكل الوسائل بما فيها الدعم العسكري بشكل كامل وكاسح وغير متردد، مما عكس عمق الإصرار الإيراني على إبقاء دمشق تحت نفوذها المطلق. يُضاف إلى ذلك انخراط كبير ومشابه لـ«حزب الله» في الحرب باسم النظام وضد الثورة.

والحقيقة أن الموقف الخليجي على وجه التحديد يستوجب إعادة نظر وتحريك، وهو الموقف الذي اتسم بـ«التأييد القوي، لكن مع الدعم غير الفاعل»، بمعنى أن التأييد السياسي والإعلامي والدبلوماسي لم يرافقه دعم فاعل على الأرض يغير من موازين القوى. وإعادة النظر في هذا الموقف يفرضها استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين، إضافة إلى الموقف الخليجي من الحدث المصري والإطاحة بحكم مرسي. ففي هذا التطور الأخير برز موقف خليجي مفاجئ في صرامته وحزمه ودعمه القوي والفاعل للفريق السيسي والحكومة الانتقالية على الضد من الموقف الغربي الذي رأى في الإطاحة بمرسي انقضاضاً على حكم «ديمقراطي»! وقد افترق الموقف الخليجي بشكل كبير عن الموقف الغربي، ولم يلتزم بأي سقف أو توجه عام بهذا الشأن. بل ثمة تصريحات متواترة تطمئن الحكم في مصر على أن الدعم الخليجي سيعوض أي قطع للمعونات الأميركية والأوروبية إن حدث. ودعم من هذا النوع يعتبر دعماً فعالاً ويؤثر في موازين القوى، ولا يلتزم بالموقف الغربي. ومعنى ذلك، وعلى ذات المنوال، بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي تبني موقف داعم، وليس فقط مؤيداً مشابهاً إزاء الثورة السورية، لا يلتزم بالسقف الغربي، ويكون هدفه إحداث تغيير حقيقي في ميزان القوى العسكري في الميدان. وإذا كان تقدير الموقف في مصر من قبل دول الخليج، والذي ترتب عليه الدعم المُشاهد حالياً، ينطلق من الوقوف ضد تمدد «الإخوان المسلمين»، فإن الأخطر عملياً من ذلك وبفارق كبير هو التمدد والنفوذ الإيراني الذي يخوض xوالصورة. فالآن يحسم كيماوي الأسد ضد أطفال سوريا ومدنييها أي جدل أخلاقي أو سياسي حول الموقف من النظام و«مشروعية» الحرب الدموية التي يخوضها، ويجب أن يغير من قواعد اللعبة الدامية. والنظام المافيوي الذي دمر سوريا وبطش بأكثر من مئة ألف من شعبها دفاعاً عن كرسي الحكم انتقل الآن إلى استخدام السلاح الكيماوي الذي شاهدنا نتائجه «البطولية» في جثث الأطفال المختنقين ولوعة أمهاتهم عليهم، وإن تم التغاضي عن جريمته الأخيرة هذه ورفعه لسقف البطش فإنه سيتمادى وينتقل إلى مستوى آخر لا أحد يعلم ما هو. وما نراه اليوم يمثل فصلاً إضافياً مدهشاً من الجريمة التي تخطت كل الخطوط الحمراء، ينتقل بـ«بطوله» الأسد ونظامه ضد شعبه شوطاً إضافياً، ذاك أن الدبابات والطائرات وأسلحة المدفعية التي علاها الصدأ في مستودعات «نظام المقاومة» اشتغلت بكامل طاقتها ضد الشعب الذي ثار على استبداد الأسد وعائلته وفساده. لقد آن الأوان لإيقاف هذه الجريمة وهذه المهزلة التي تهدر الدم السوري البريء وتكللنا بالعجز والسلبية الأخلاقية.

الاتحاد

قالها القذافي قبل الأسد!/ طارق الحميد

مع تزايد فرص التدخل العسكري الدولي ضد نظام بشار الأسد خرج وزير إعلامه مهددا بأن التدخل لن يكون نزهة، و«سيترك تداعيات خطيرة جدا في مقدمتها فوضى، وكتلة من النار واللهب ستحرق الشرق الأوسط برمته»! فهل لمثل هذه التصريحات أي قيمة؟ الإجابة: لا!

منذ بدء الثورة السورية والأسد يهدد بإحراق المنطقة ككل، والحاصل على الأرض هو أن الأسد نفسه يترنح، وبقاءه للحظة مرهون بالدعم الإيراني، وقتال حزب الله إلى جانبه، فرغم كل تهديدات الأسد فإنه محاصر بدمشق، وفاقد للسيطرة على أكثر من نصف سوريا، ويحدث كل ذلك من دون تدخل عسكري جاد من قِبل المجتمع الدولي، وإنما بسبب المواجهات مع الجيش الحر الذي يعاني من نقص الأسلحة النوعية، فكيف بعد كل ذلك يكون بمقدور الأسد إحراق المنطقة؟

الحقيقة أن تهديدات الأسد لا تختلف كثيرا عن تهديدات معمر القذافي من قبل، ورأينا كيف انتهى القذافي شر نهاية، فما الجديد اليوم لدى الأسد حتى يهدد بإحراق المنطقة؟ لا شيء! هل يحاول الأسد، مثلا، إشعال الحرب الأهلية في لبنان؟ حينها لن يكون هو الخاسر الوحيد، بل حليفاه إيران وحزب الله! وهل ينوي الأسد القيام بعمليات إرهابية في الخليج؟ من شأن ذلك أن يكون بمثابة قاصمة الظهر لعملاء إيران هناك! إذن ما خيارات الأسد؟ ليس أمامه إلا الانتحار، بمعنى استخدام ما لديه من أسلحة كيماوية بسوريا، أو إسرائيل، وهذا يعني أيضا خسارة فادحة ليس للأسد وحده، وإنما لإيران وحزب الله، عربيا ودوليا، فحينها ستكون العواقب تاريخية، لا آنية وحسب. وإذا كان الأسد يعوّل، مثلا، على تدخل عسكري على الأرض فإن أحدا لا يطالب بذلك، وإنما المؤشرات تقول إن باباً من جحيم سيفتح فوق الأجواء السورية على الأسد وقواته، وحينها قد نسمع أول تسجيل صوتي للأسد، مثله مثل القذافي!

ومن الصعب أيضا توقع تدخل إيراني عسكري ضد المجتمع الدولي دفاعا عن الأسد، لأن إيران تدرك عواقب ذلك عليها وعلى حزب الله، وإنما علينا توقع الرد الإيراني بعد سقوط الأسد، فحينها ستفعل طهران المستحيل لجعل سوريا دولة فاشلة ما لم يكن لها دور هناك يضمن مصالحها، ويفك الحصار عن حزب الله، وهذا ما يجب التنبه له الآن، وليس تهديدات الأسد التي لا قيمة لها. ويكفي أن نلاحظ أن من يناور بإعلان موافقة الأسد على التفتيش حول استخدام الكيماوي في الغوطة هو وزير الخارجية الإيراني وليس وليد المعلم، رغم اتصال وزير الخارجية الأميركي بالمعلم، الذي يبدو اتصال الفرصة الأخيرة، على غرار لقاء جيمس بيكر وطارق عزيز في جنيف قبل حرب عاصفة الصحراء!

ولذا فلا قيمة الآن للتهديدات الصادرة من الأسد ونظامه حول التدخل العسكري الدولي المرتقب، كما ليس مهما التهديدات الإيرانية الآنية، الأهم هو التحسب من الآن للدور الإيراني التخريبي في سوريا ما بعد الأسد.

الشرق الأوسط

ما بعد الكيماوي/ غسان شربل

ماذا لو استيقظنا على أنباء انهمار صواريخ أميركية أو غربية على مواقع حساسة للنظام السوري؟ وكيف يرد النظام الذي حذر أمس من أن أي هجوم أميركي عليه سيتسبب بـ «كتلة من النار واللهب ستحرق الشرق الأوسط برمته»؟

ما هي الخيارات التي تملكها دمشق في هذا السياق؟ هل تطلق صواريخها في اتجاه إسرائيل؟ وماذا لو ردت الدولة العبرية باستهداف عصب النظام، أي الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة؟ هل تتخذ دمشق قراراً بتوسيع النزاع كأن تطلق صواريخ في اتجاه تركيا الأطلسية أم باتجاه الأردن؟ وهل تستطيع مواجهة تبعات مثل هذا السلوك؟ ماذا تفعل إيران إذا انهمرت الصواريخ الأميركية على أهداف سورية؟ هل يطلق «حزب الله» اللبناني المنخرط في الحريق السوري صواريخه على إسرائيل وهل يستطيع حالياً خوض مواجهة من هذا النوع؟ هل تولد فجأة منظمات مجهولة – معلومة وتستهدف قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان؟ وهل باستطاعة روسيا أن تفعل أكثر من التنديد والتحذير من «الخطأ التاريخي» والعرقلة في مجلس الأمن؟

قبل أيام فقط لم تكن مثل هذه التساؤلات مطروحة أو مسموحاً تداولها. لكن الأزمة السورية دخلت بالتأكيد مرحلة جديدة مختلفة. ولا مبالغة في القول إن مرحلة ما بعد الكيماوي لا تشبه ما قبله. وأي متابع لهذه الأزمة يدرك أن صور جثث أطفال الغوطتين التي طافت العالم وتصدرت صفحاته وشاشاته فتحت في الأزمة السورية الصفحة الأشد خطراً وهولاً. وخير دليل على دقة الأيام أن سورية وافقت على توجه المفتشين الى المنطقة المنكوبة وجنبت الوزير وليد المعلم، بعد المحادثة الهاتفية اللافتة مع نظيره الأميركي جون كيري، الخطأ الذي ارتكبه طارق عزيز بأوامر من صدام حسين خلال لقائه الشهير مع جيمس بيكر.

قبل الكيماوي تعايش العالم مع المذبحة المفتوحة في سورية. تعايشت عواصم الغرب مع مشاهد الدمار والمجازر الجوالة والبراميل المتساقطة. عثرت هذه العواصم على أسباب تبرر تحفظها والابتعاد عن الانغماس في النار السورية. انزلقت الثورة بفعل براعات النظام الى ما يشبه الحرب الأهلية. وقدمت «جبهة النصرة» هدية قيمة لباراك اوباما وزعماء غربيين. صار باستطاعتهم القول: «لن نسقط الأسد لنسلم سورية لتلامذة تنظيم القاعدة». امتنعت عواصم غربية حتى عن تنفيذ ما وعدت به وبحجة عدم وقوع الأسلحة في الأيدي الخطأ.

لنترك جانباً الجدار الروسي – الصيني في مجلس الأمن. لم يكن الرأي العام الغربي مستعداً لتقبل انغماس الحكومات الغربية في عمل عسكري على الأرض السورية خصوصاً في ظل تعذر استصدار مثل هذا القرار عن مجلس الأمن. لكن مع نشر صور ما سمي «المجزرة الكيماوية» عاد الملف السوري الى التقدم على الملفات الأخرى بعدما كانت الأحداث في مصر سرقت الأضواء منه. وقع ما لا يمكن لقادة الغرب التساهل فيه. لا يستطيع اوباما اعتبار استخدام الكيماوي حدثاً عابراً خصوصاً انه جاء بعد عام تماماً من حديثه عن «الخط الأحمر». الأمر نفسه بالنسبة الى كامرون وهولاند وزعماء آخرين.

كان لما أعلنته منظمة «أطباء بلا حدود» دوي قوي في العالم. أكدت وفاة 355 شخصاً بعدما ظهرت عليهم «أعراض تسمم عصبي» وتحدثت عن الآف الإصابات. لم يعد استخدام السلاح الكيماوي موضع شك. الرئيس الايراني حسن روحاني عبر عن ألمه لسقوط أبرياء بسبب «عناصر كيماوية».

تتصرف واشنطن ولندن وباريس على أساس أن «لدى النظام السوري ما يخفيه» وأن استخدامه السلاح الكيماوي «شبه مؤكد». لم تأخذ جدياً اتهامه المعارضة باستخدام السلاح الكيماوي. اذا عززت معلومات المفتشين شكوك هذه العواصم ومعلوماتها سيجد النظام السوري نفسه في وضع يشبه أوضاع نظام صدام حسين. ستطرح مسألة ترسانته الكيماوية وستظهر مطالبات بإخضاعها للتفتيش. سيضطر الى بدء سلسلة من التنازلات وإلا مواجهة ضربات. وضع النظام بعد مجزرة الغوطتين لا يمكن أن يكون كما كان قبلها. روسيا نفسها لا تستطيع التصرف كأن المجزرة لم تقع. إسرائيل القريبة من مسرح الأحداث ستعيد تقويم حساباتها.

لا شيء يشير الى اننا في الطريق الى تدخل عسكري بري في سورية. لكن الأكيد هو أن العالم سيضع يده على هذا الملف. سيكون العقاب أكيداً إذا ثبت أن النظام استخدم ترسانته الكيماوية. أغلب الظن أن هدف العقاب سيكون اقتياده الى طاولة المفاوضات ليوافق على ما كان يرفض مجرد التلميح إليه. ولهذا يجري التذكير بخيار كوسوفو و «اتفاق دايتون». سيكون من الصعب على روسيا أن تتصرف بعد الكيماوي كما كانت تتصرف قبله إلا إذا كانت لا تعارض قيام «دولة للأقليات» على جزء من سورية وهو ما لمّح إليه بوتين من باب التخوف من حصوله خلال لقاء له مع مسؤول عربي رفيع.

الحياة

لمن تطلق الصواريخ؟/ ساطع نور الدين

 ما وطأ الاميركيون ارضاً الا خربوها: قاعدة راسخة في السياسة الدولية، شواهدها موجودة في كل مكان من العالم،لا سيما في العالمين العربي والاسلامي. سوريا لن تكون استثناء، ولن يتأخر السوريون، لا سيما المعارضين منهم، في التثبت من ان وضعهم بعد  التدخل العسكري الاميركي الوشيك سيكون اسوأ بكثير مما قبله..

حتى اللحظة ما يزال قرع طبول الحرب الاميركية، يقع في باب التهويل، او ما يعرف بدبلوماسية البوارج المستوحاة من تجارب التاريخ البعيد، والتي لا تتطلب توجيه ضربات عسكرية الى العدو، بل حصاره من البحر من اجل اجباره على التراجع عن موقفه من دون الحاجة الى اطلاق قذيفة واحدة. وهي دبلوماسية نجحت في قليل من الحالات، وادت الى تجنب سفك الدماء، لكنها كشفت في كثير من الحالات عن حدود قوة الاساطيل وقدرتها على تغيير موازين القوى على الارض.

مجرد التأكد ان اميركا تعتمد هذه الدبلوماسية ضد النظام السوري، بعدما ثبت استخدامه الاسلحة الكيماوية، يمكن ان يزيد ذلك النظام اطمئنانا الى ان الاميركيين غير راغبين وغير قادرين على التدخل العسكري، وثقة بان تحريك اسطولهم في اتجاه السواحل السورية هو اقصى ما يمكن ان يقدموا عليه في هذه المرحلة.. وهو ما يمكن ان يعتبره تفويضا جديدا بمواصلة حملته العسكرية الهادفة الى سحق معارضيه، وهي الحملة التي اعتمدت في الاساس على يقينه الراسخ بان المجتمع الدولي على اختلاف مؤسساته وهيئاته لا يستطيع التدخل في سوريا.

الشائع الان هو ان اميركا تدرك جيدا ان النظام السوري لن يخاف من هذه الدبلوماسية التقليدية العابثة، بل سيمضي قدما في جدول اعماله الداخلي، كما ان اميركا بلغت في حملة التهويل حدا لا يسمح بالتراجع، حرصا على مكانتها العالمية، التي يمكن ان تتضرر اكثر بكثير مما جرى في اعقاب قرار الهروب من العراق او افغانستان، وتفقد هيبة اساطيلها وحاملات طائراتها، وتصبح سياستها الخارجية عرضة للسخرية اكثر مما هي الان عرضة للخفة الان. لذا، تبدو الضربة العسكرية مرجحة، على ان تتخذ الشكل الذي يحكى عنه حاليا: صواريخ بعيدة المدى تطلق من البحر وتصيب اهدافا عسكرية سورية محددة، سربها الاسرائيليون بالامس!

بناء على جميع التجارب المشابهة، وليس فقط تجربتي السودان في العام 1998 او كوسوفو 1999، فانه لا يمكن لاحد ان يتوقع ان تؤدي مثل هذه الضربة الصاروخية الى اي تغيير في سلوك النظام السوري او اي تعديل في موازين القوى داخل سوريا. بل ربما حصل العكس تماما، اذا ما اخطأت الصواريخ اهدافها.. او اذا قرر الاميركيون مثلا ان الاولوية الان هي لضرب مواقع للمعارضة الاسلامية السورية. وهو ما لا يبدو مستبعدا، بل قد يمثل حجة قوية لنيل تأييد الراي العام الاميركي المعارض للتدخل في سوريا، لكنه متحمس لمثل هذه الضربات(بواسطة الطائرات من دون طيار) في افغانستان وباكستان واليمن.

حتى الان، ليس هناك دليل على ان الاميركيين، والاسرائيليين طبعا، قطعوا الامل بالنظام السوري. في واشنطن احساس بالضيق من اسلوبه الوحشي، لا يختلف عن الشعور السائد في موسكو او في اي عاصمة كبرى في العالم.. ولا يمكن للصواريخ البعيدة المدى ان تغير هذا الاسلوب، كما يستحيل ان تساهم-كما يعتقد- في جر طرفي النزاع السوري الى طاولة مفاوضات مؤجلة الى الخريف المقبل..جل ما يمكن ان تسفر عنه هو تضخم اوهام القوة والقدرة على الحسم لدى جميع السوريين.

في الماضي، قيل ان اخطر ما في التدخل الاميركي في اي ازمة، ليس في بدايته، بل في نهايته. اذا اطلقت الصواريخ الاميركية في اتجاه الاهداف السورية التي كشفها الاسرائيليون، يبدأ السؤال عن المأزق الذي عمقه الاميركيون، وعن المخرج الذي سيجدونه لترك سوريا في حالة خراب دائم.

الحياة في سوريا.. طبيعية/ ديانا مقلد

الحياة بالنسبة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تسير كالمعتاد. من يفترض أن ما بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية سيكون شأنا آخر فهو حتما واهم.

أعلن النظام أنه لم يطلق صواريخ الغازات السامة، واتهم المعارضة ومنع فريق المفتشين الدوليين من الوصول إلى المكان وانتهى الأمر. وروسيا منعت مجلس الأمن من استصدار حتى موقف، والرئيس الأميركي باراك أوباما يتعثر في خطوطه الحمراء التي يهزأ بها الأسد والعالم بأسره.

انشغل الرأي العام قليلا بصور الأطفال الذين قضى عليهم الغاز، ومن ثم التفت إلى شؤون أخرى. وهنا ليست الملامة على النظام السوري الذي يدرك أن ما يسمى بالمجتمع الدولي ليس في وارد فعل أي شيء. فالعالم الذي صمت على فناء مائة وخمسين ألف قتيل وأشاح بوجهه عن البراميل والطائرات وصواريخ الـ«سكود» والذبح والتعذيب، لماذا سيتحرك لأن مئات ماتوا بغاز سام؟!

ولماذا علينا أن نلوم النظام.. فكم من الأهمية منحنا لضحايا الكيماوي في متابعاتنا وتغطياتنا لنحاسب النظام على استخفافه بحياة شعبه؟!

قناة «الجزيرة» كانت تتعثر في تغطيتها لخبر القصف بالغاز على الغوطة.. لا خبر يتقدم على منازلات ساحة رابعة العدوية الإخوانية في القاهرة وعلى الإفراج عن الرئيس المصري حسني مبارك. كان هذا ينطبق على إعلام آخر كثير، عربي وغربي.

بعد ساعات من خبر مجازر الكيماوي وعلى موقع شبكة «بي بي سي العربية» كان خبر مجزرة الكيماوي خامسا على سلم الأكثر قراءة، يتقدم عليه خبر خروج مبارك، وخبر يتعلق بإلقاء القبض على عاملات جنس في جزر المالديف.

لم يكن خبر وصور مجازر الغاز السام في الغوطة التي يقدر حجم ضحاياها من النساء والأطفال بـ67 في المائة من مجمل الضحايا بخبر أول في كثير من المتابعة الصحافية ولا في اهتمام الرأي العام.. فهذه المقتلة اليومية في سوريا قائمة منذ سنتين ونصف السنة، فبماذا يتمايز الموت قصفا أو ذبحا عن الموت بالكيماوي؟!

الحياة طبيعية في سوريا.. حتى إنه بعد 24 ساعة تماما من مجازر الغوطة أصدر الأسد تعديلا حكوميا شمل وزارتي السياحة والتجارة، مع تشديده على دور مصلحة حماية المستهلك، فهل هناك أمر يتصدر أهمية تشجيع السياحة وحقوق المستهلك السوري هذه الأيام؟

قبل القصف بالكيماوي بأيام ظهرت صور للسيدة أسماء الأسد على «انستغرام» تظهر فيها وهي تطبخ مع مجموعة في نشاط أهلي إغاثي. كانت السيدة الأولى ترتدي ساعة دقيقة لا تتوافر في سوريا اليوم، ولا بد أنها بذلت جهدا غير قليل لتتمكن من الحصول عليها.. هذه الساعة مخصصة لحساب السعرات الحرارية وعدد الخطوات ودقات القلب ومدى النشاط الصحي الذي يمارسه مرتديها.

فعلا الحياة تسير كالمعتاد لا تحتاج سوى إلى تعديلات في وزارة السياحة وحساب لمدى النشاط الصحي في اليوم، فلماذا نفترض أن ما بعد مجزرة الكيماوي ليس كما قبلها؟!

الشرق الأوسط

هل تراجع الأسد؟/ طارق الحميد

هل يمكن القول بأن بشار الأسد قد تراجع بموافقته السماح بدخول المحققين الدوليين للغوطة الشرقية من أجل التحقيق حول استخدام الأسلحة الكيماوية هناك؟ بالتأكيد لا! فما فعله الأسد لا يعدو أن يكون مناورة جديدة، وليس تراجعا!

المتأمل لنهج الأسد، ومنذ وصوله للسلطة، سيلحظ سمة واحدة للأسد ونظامه وهي التذاكي والكذب، وفي كل الملفات بدءا من الوعود الإصلاحية التي أطلقها بسوريا نفسها، وكذلك في لبنان قبل وبعد اغتيال رفيق الحريري، سواء مع اللبنانيين أو السعوديين، والأمر نفسه فعله في عراق ما بعد صدام حسين، حيث كان يتعاون مع الأميركيين نهارا، ويصدر الإرهابيين للعراق في الليل، وفعل الأمر نفسه مع مصر في غزة، وتلاعب مطولا بأردوغان تركيا، وضحك على فرنسا بمساعدة قطرية، واستخدم الفلسطينيين قفازا لارتكاب الجرائم مثلما دمر لبنان ببندقية حزب الله!

فعل الأسد كل ذلك مستغلا انشغال دول المنطقة بقضاياها الداخلية، واستغلالا للمتغيرات الدولية، أميركيا وأوروبيا، وبدعم من إيران، واعتمادا على سياسة التهور التي يتجنبها العقلاء، حيث لا فرق بين الأسد ومعمر القذافي، الذي قال عنه عبد السلام جلود ذات مرة في برنامج «الذاكرة السياسية» على قناة «العربية» إن «الطاغية يعتقد أن الدبلوماسية هي الكذب»، وهذا ما يؤمن به الأسد تماما، وهذا ما فعله ويفعله طوال سنوات حكمه لسوريا.

اليوم، وبعد السماح بدخول فريق المفتشين الدوليين، فإن الأسد يفعل الأمر نفسه، حيث يقوم بمناورة جديدة؛ فالسياسة أو الدبلوماسية بالنسبة للأسد هي الكذب فقط، وهذا ما ثبت في تعامله مع الثورة السورية منذ بدايتها. الآن وصل فريق المفتشين للغوطة بحثا عن أدلة على استخدام الكيماوي، وبعد إحراق قوات الأسد لموقع الجريمة بعمليات قصف مستمرة طوال الأيام الماضية، وحتى لو وجد الفريق الأدلة التي يبحث عنها فإن ذلك لا يعني إدانة النظام فورا، بل إن الأسد سيجادل أنه لم يستخدمها، وتصبح المسألة حينها ليس في استخدام الكيماوي من عدمه، بل في إثبات من الذي قام باستخدامه، وهذا ما تفعله روسيا الآن مساعدة للأسد، حيث تجادل موسكو المجتمع الدولي تارة بأنه لا دليل على استخدام الكيماوي، وتارة أخرى بأن المعارضة هي من قام باستخدامه، في عملية كذب وتخبط واضحة لا تقف عند هذا الحد وحسب، بل بالأمس جرى استهداف المحققين الدوليين برصاص قناصة وبادر نظام الأسد لاتهام المعارضة بالوقوف خلف تلك الهجمات، فهل هناك عبث أكثر من هذا؟!

وعليه فإن موافقة الأسد على دخول المفتشين الدوليين ما هي إلا مناورة وكذبة جديدة الهدف منها تخفيف الضغط الدولي، ومنح روسيا مساحة للتسويف والمماطلة على أمل تعطيل التدخل العسكري الدولي المرتقب ضد الأسد الذي على الغرب أن يعي جيدا أنه، أي الأسد، لا يفهم إلا لغة القوة، التي لا تعني عملا عسكريا محدودا، بل عملا عسكريا يجعل ما بعده ليس كما قبله في سوريا، والمنطقة ككل.

الشرق الأوسط

تعميم المجازر الكيماوية… اذا لم يُردع الأسد/ عبدالوهاب بدرخان *

هل أقدم النظام السوري أخيراً على «الانتحار السياسي» الذي أشار اليه وزير الخارجية الروسي في معرض استبعاده أن يلجأ بشار الأسد الى السلاح الكيماوي؟ في النهاية فعل الأسد ما اعتقد أن المجتمع الدولي مستعد لقبوله، أو ما يمكن أن يمرّره في ظل المعادلة الاميركية – الروسية الراهنة، فهل ارتكب الخطأ المنتَظَر؟ هو لا يعتقد ذلك، ودليله أنه تُرك كل هذا الوقت يقتل بلا خشية من أي ردع ولا محاسبة، ويطلق صواريخ «سكود» على أحياء سكنية في أكثر من مدينة، بل تعمّد القتل بالغازات السامة على نطاق محدود في نحو خمسين حالة عملت طواقم طبّية على توثيقها وإيصالها الى مراجع دولية. أما ما شهدته أحياء الغوطتين، فكان للمرة الأولى قصفاً بصواريخ مجهّزة برؤوس كيماوية وعلى نطاق واسع.

لذلك تعتبر واشنطن أنه تعمّد تجاوز «الخط الأحمر» فعلاً، ليس فقط الخط الذي حدّده باراك اوباما قبل عام ثم بدا أنه ندم عليه الى حد الإيعاز بتجاهله، بل أيضاً الخط الأحمر الدولي الذي يعمل مجلس الأمن تحته. ومع أن مداولات المجلس ظلّت عقيمة، إلا أن التعامي والتخاذل شكّلا مخاطرة جسيمة مزدوجة: إتاحة مجازر كيماوية متتالية، ومنح الأسد صلاحية «شرعنة» أو تشريع استخدام السلاح المحظور ضد شعبه.

اذاً، فهذا انتهاك لا يمكن السكوت عنه، وفي الأيام الأخيرة استعيدت كل السيناريوات التي لُمّح اليها سابقاً، ومنها سيناريو كوسوفو عام 1999 بغية إضعاف الإمكانات اللوجستية للنظام وضرب قواه الجوية وعزل أسلحته الاستراتيجية. كان هناك حديث عن عمل عسكري محتمل، إلا أن المجزرة الكيماوية أدّت الى مناخ ضربة وشيكة. الجديد أن النظام نفسه أدرك أنه إزاء استحقاق لا يخلو من الجدية، فقبل المجزرة كانت الضربة احتمالاً متداولاً وبعدها لم تعد مجرد احتمال. وقد وصفه جون كيري بأنه «نظام لم يعد يخشى أن يُظهر للعالم أي شيء (من وحشيته)».

لذا وافقت دمشق بعد مماطلة على توسيع مهمة المحققين الدوليين آملة في كسب وقت لتخفيف الضغوط وإظهار مرونة قد تساعد الحليف الروسي في نقض ما يتوصل اليه المحققون من وقائع وأحكام. لكن واشنطن حسمت الجدل، بلسان كيري وليس اوباما، معلنة أن سلاحاً كيماوياً قد استُخدم وأن النظام هو المسؤول.

لم يعد مهماً أن تنفرد موسكو وطهران في تصديق رواية دمشق بأن المعارضة هي التي قصفت الغوطتين بصواريخ مجهّزة برؤوس نووية.

وإذ أقرّ الرئيس الايراني الجديد بأن هناك ضحايا قضوا بـ «مواد كيماوية» ولم يحدد الجهة المجرمة الجانية فهو على الأقل لم يبرّئ النظام. (هذه صيغة ملتبسة للإيحاء بأن حسن روحاني وحده يتمتع بهامش تمايز عن الموقف الايراني المعروف ليواصل تلميع صورته المقبولة موقتاً في الغرب).

هل تبلور «تحالف» للقيام بعمل عسكري دولي من دون موافقة مجلس الأمن؟ الواضح أن «التحالف» موجود، وأن هناك تحضيراً متقدماً جداً. الخيارات صارت أكثر تحديداً وواقعية، والانتهاك الكيماوي يكفي كدافع ومبرر، بل يحتّم إنزال العقاب بالنظام. مع ذلك، وعلى رغم أن المعلومات الاستخبارية بدت هذه المرة قاطعة، فإن الأطراف المعنية مضطرة لانتظار تقرير المحققين أمام مجلس الأمن. ثم إن التداعيات الاقليمية للضربة المزمعة لا تزال حالياً قيد التقويم. وعلى رغم أن عواصم عدة لمست لهجة تصميم في ما أعلنه كيري، إلا أنها واصلت التساؤل عن موقف اوباما نفسه، فمع ازدياد اقتناعه بضرورة توجيه ضربة، إلا أنه لا يريد عملاً عسكرياً يقوّض نهائياً امكانات الحل السياسي ومقوّماته.

لكن، لماذا اقترف الأسد هذه الجريمة مع علمه بأن الظروف دقيقة جداً وقد لا تخدمه؟ هناك أسباب عدة أمكن رصدها، وأولها أنه تأكد أخيراً أن الوقت لم يعد لمصلحته وأن عليه التخلي نهائياً عن حلم حسم الصراع على النحو الذي تصوّره. فالحسابات التي بدت منذ حزيران (يونيو) كأنها تسير وفقاً لما خطّطه سرعان ما اختلّت. وبالنسبة اليه، كان تأجيل «جنيف 2» وإنعاش المعارضة علامتين سلبيتين. ثم إن قراءته لهواجس الولايات المتحدة والدول الغربية ومخاوفها من تصاعد خطر الارهاب «القاعدي» شجّعته على توقّع تطوير التوافق الاميركي – الروسي على مكافحة الارهاب ليصبح توافقاً سياسياً يعاود الاعتماد عليه كطرف وحيد قادر على مواجهة ذلك الخطر.

وعلى رغم أن الفتور بين واشنطن وموسكو لم يبلغ بعد حدّ الخصام والمواجهة، إلا أنه بدّد رهانات الأسد التي لم تكن صلبة على أي حال.

من جهة اخرى، هناك من يرى في التصعيد الكيماوي ملامح من حقبة الحرب الباردة قد تكون تقاطعت فيه رغبتا روسيا والنظام السوري في اطلاق رسالة تحدٍّ الى الولايات المتحدة، بغية استكشاف خياراتها وبالتالي إظهار عجزها لدفعها الى التنازل ترجيحاً وتسريعاً للحل السياسي.

فموسكو قدّرت أن الاميركيين لن يذهبوا الى أي خيار عسكري ضد سورية خارج اطار مجلس الأمن، لا لأنهم يتوقعون ردّاً عسكرياً روسياً، بل لأنهم يخشون رداً بالخروج من منظومة العقوبات المفروضة على ايران التي يعتبرها اوباما أفضل ما حققته ديبلوماسيته ولا يريد المجازفة بها الآن.

وكانت واشنطن حددت، بالتفاهم مع موسكو، تنازلات معينة لإنجاح «جنيف 2»، ولم يجد النظام أنها تناسبه كونها لا تجدد منحه الضمانات التي تمتع بها سابقاً. لذا عبّرت مصادره إعلامياً عن ضيقه خصوصاً من التلكؤ الاميركي في التحضير لـ«المؤتمر الدولي للسلام»، لكن الأهم والأخطر أن اندفاعات قوات النظام – تحديداً في الغوطتين – بدأت تُواجه بأسلحة نوعية تعطّل الدبابات وتسقط الطائرات، وبالتالي اختار الردّ كعادته بسلاح يفوق ما تحصل عليه المعارضة.

لا شك في أن الرسالة الأكثر وضوحاً في التحدي الذي افتعله النظام للمجتمع الدولي بالتصعيد الكيماوي خلال وجود محققي الأمم المتحدة في دمشق، هي أنه متمسك بتفوقه العسكري في الداخل ولن يوافق اطلاقاً على تعديل ميزان القوى حتى لو اضطر لإخراج سلاحه المحظور من مخابئه.

الى ذلك، أراد النظام أيضاً تأكيد تمسّكه بالسيطرة على دمشق، مقر حكمه وغطاء «شرعيته» ومحور مساوماته المقبلة، فإذا خسرها لينكفئ الى الساحل يصبح مجرد طرف محارب. والواقع أن كل الاشارات الخارجية التي تلقاها النظام من تأجيل «الحل السياسي» وعدم الشروع به في التوقيت الذي تمنّاه لم تكن في الاتجاه الذي يطمئنه بالنسبة الى وضعه في دمشق.

يضاف الى ذلك استهداف موكب الأسد وشعوره باقتراب الخطر منه شخصياً، وهو ما قالت مصادر المعارضة إنه شكّل سبباً مباشراً للانتقام الكيماوي.

كان ثمة انتقام آخر للنظام، اذ هاله سقوط مناطق في ريف اللاذقية في ايدي فصائل محسوبة على المعارضة، فأُجبر على سحب قسم من قواته الخاصة من محيط دمشق وجبهات اخرى ليستعيدها.

وبعدما توصل الى انهاء الاختراق هناك لم يكن متوقعاً أن يمرر هذه التجربة، التي هزّت كيان طائفته، من دون أن يثأر بضربة قاسية. سبق لأوساط النظام أن حذرت بأن الهدف الرئيس للسلاح الكيماوي ردع أي هجمات على منطقة الساحل وتحصين حمايتها، بالأخص اذا تمكّنت من نيل اعتراف دولي بخصوصيتها في أي تسوية للنزاع. غير أن أعوان النظام يعبّرون منذ فترة عن غضب واستياء لأن الغرب لا يزال يرفض البحث والتداول في التقسيم، ولأن النظام و «حلفاءه» لم يحسنوا ادارة هذه المسألة. لكن، يبقى أن الانتقام ما كان ليشكّل رسالة ردعية لو لم يحصل بـ «الكيماوي»، بل لو لم يحصل في ضاحية دمشق.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

ضربة أو لا ضربة: النظام انتهى/ علي حماده

عندما اتخذ الايرانيون قراراً استراتيجياً بالتدخل الشامل في القتال على الأراضي السورية، وأدخلوا “ذراعهم” الأمنية – العسكرية في لبنان “حزب الله”، خارقين بذلك سياسة تقليدية بنيت على أساس أن “حزب الله” هو قاعدة متقدمة للنظام في المشرق العربي يتم التعامل معها على انها “قوة احتياط استراتيجي”، كان من الواضح أن النظام في سوريا بلغ مراحل متقدمة من الوهن والاهتراء، وأنه ما لم يتم التدخل بكثافة وشمول ليس بالسلاح فقط، بل بقوات مقاتلة جديدة وحسنة التدريب، فإن النظام آيل الى الانهيار خلال صيف ٢٠١3. كانت هذه مقدمات توريط “حزب الله” في القتال في سوريا بقرار ايراني مركزي نفّذه الحزب بلا تردّد، مع العلم أن معلومات رشحت من اجتماع مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي مع الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مطلع شهر ايار ٢٠١٣ أفادت ان نصرالله سارع لدى تبلغه القرار الايراني الى تحذير المرشد من أن التدخل الشامل للحزب ستكون له كلفة عالية على المستويين البشري والسياسي، فجاءه الرد بالتورّط أياً يكن الثمن. ثم تسرّبت معلومات عن لقاء بين نصرالله واحدى الشخصيات العربية التي زارته سراً في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث نقل عنه قوله لزائره انه لولا دخول “حزب الله” بقوّة في القتال الى جانب قوات بشار الأسد لسقط النظام.

تشي آخر فصول الازمة السورية التي نشهدها راهناً بهشاشة النظام في سوريا. فقد تورّط أو جرى توريطه في عملية القصف بـ”غاز السارين”على نحو أدى وسيؤدي الى شطبه من معادلة المفاوضات المنتظرة في “جنيف -٢”. ففي كل الأحوال لن يكون بشار جزءاً من العملية السياسية التي يتم الحديث عنها بوصفها نتيجة مباشرة للضربة الغربية المقررة. فهل يكون المطلوب إسقاط جزء من النظام (آل الأسد وبطانتهم) والإبقاء على ما تبقى من النظام (الدولة العميقة) لمرحلة التفاوض في جنيف، وما بعدها؟

كل السيناريوات المتعلّقة بالمرحلة المستقبلية في سوريا تضع مجموعة آل الأسد خارج المعادلة. وفي حين تضع روسيا في صلب “جنيف -٢” ومرحلة ما بعد الأسد، فإنها تضع ايران خارج المعادلة، باعتبار أنها فقدت “الجسر” السوري نهائياً، ولم يتبق لها سوى “حزب الله” المحصور في لبنان، وبوظيفة أكبر من قدراته بعدما سقط النظام في سوريا من الناحية العملية.

تشير الوقائع الى الآتي: ان الضربة الغربية حاصلة، ولكن النظام سقط من الداخل بانهيار ثقة دوائره الضيقة بالاستمرار طويلاً، وذلك حتى قبل أن تحصل الضربة. من هنا قولنا انه بضربة أو بدون ضربة، فقد انتهى النظام حقاً. والمسألة مسألة وقت ليكتمل الفصل الأخير الذي أشرنا اليه آنفا: “جنيف -٢” برعاية أميركية – روسية تضم المعارضة وحلقة من “الدولة العميقة” في النظام السابق. وبشار من الماضي، حياً كان أو ميتاً.

النهار

الأسد إلى جنيف… ولا يعود؟/ راجح الخوري

واضح ان العملية العسكرية التي ستبدأ ضد النظام السوري في اي لحظة ستكون في “حدود عقابية” رداً على الهجوم الكيميائي على الغوطتين وهو ما لم يستطع الغرب التغاضي عنه بعدما تغاضى عن مسلسل المذابح التي يرتكبها النظام السوري منذ نحو سنتين ونصف سنة!

عندما تعلن واشنطن صراحة انها لا تريد اسقاط النظام فان ذلك لا يعني بأي شكل انها تريد بقاءه، فمن الواضح ان الصواريخ التي ستنهمر على مواقعه سترسم ” خريطة طريق” جديدة الى مؤتمر جنيف، ولكن بمواصفات تحددها اميركا هذه المرة، بعيداً من دفتر الشروط الروسية الذي سبق ان أفشل المؤتمر عندما تمسك ببقاء الاسد على رغم المقتلة المرعبة التي ينفذها ضد الشعب السوري.

بمعنى ان الضربة التي ستستمر يومين او ثلاثة وفق ما نقل عن “البنتاغون”، يفترض ان تكسر العمود الفقري العسكري للاسد ليتم جلبه الى جنيف منهكاً فيوقع على خطة لـ”الانتقال السياسي” واضحة ومتفق عليها، وهو ما كان يرفضه مدعوماً من الروس والايرانيين، وهذا يعني ان الاسد قد يدخل الى مؤتمر جنيف كما تريد موسكو لكنه لن يخرج منه رئيساً، وهذا ما يريده الشعب السوري مدعوماً من العرب ومعظم دول العالم، باستثناء ايران التي ستفقد بسقوط نظامه قاعدة الجسر السورية الحيوية، التي امّنت لها مدّ اذرعها وتعميق تدخلاتها في الاقليم ودائماً تحت ذرائع مواجهة اميركا واسرائيل!

التركيز الاميركي على ان الضربة ستكون “عقابية” بدا متعمداً لسببين، أولاً لأنه ليس هناك رغبة في توسيع العمليات الى درجة قد تؤدي الى اندلاع حرب اقليمية وهو ما بدا مفهوماً جداً ( لاحظ الدماثة المتعمدة والواضحة في الموقفين الروسي والايراني)، وثانياً لأن “مؤتمر جنيف – ٢” يبدو بمثابة بوابة ملائمة للجميع، بمعنى انه سيؤدي الى انهاء حكم الاسد ويترك للسوريين اختيار النظام الجديد، وهو ما يحفظ ماء الوجه للروس ويضع الايرانيين امام واقع ابتلاع مزاعمهم عن حرصهم على ان يقرر الشعب السوري ما يريد، كما ان هذا المخرج يشكل تعويماً لـ “المبادرة العربية” على الطريقة اليمنية، التي نسفها الانحياز الروسي الى جانب الاسد والتغاضي الاميركي عن المأساة السورية.

إذاً يمكن القول منذ الآن ان صواريخ “كروز” و”توما هوك” التي ستنهمر على رأس النظام السوري، هدفها الاساسي ان ترسم خريطة الطريق الى جنيف وهي طريق في اتجاه واحد، اي انها طريق ذهاب الاسد الى هناك لكن من دون العودة الى سوريا، لكن المهم ان يستوعب النظام ان ما كتب قد كتب فعلا، وذلك نتيجة تماديه في المذابح وحتى بالسلاح الكيميائي الروسي بالمناسبة… وإلا فان الضربة العقابية ستتحول سريعاً حرباً تدميرية للنظام!

النهار

الأسد لم يعد مفاوضاً مقبولاً/ حسان حيدر

يرتبط حجم وأهداف الضربة العسكرية الغربية الوشيكة الى قوات النظام السوري بالرسالة السياسية الأساسية التي ستوجهها، وهي ان بشار الأسد لم يعد طرفاً مقبولاً للتفاوض على مستقبل بلاده في «جنيف-2». وهذا يعني ان مؤتمر التسوية المنشود قد لا يعقد ابداً اذا بقي في السلطة ولم يسلمها الى شخص او طرف آخر.

فقد صدر «حكم» دولي بإدانة الأسد وتحميله المسؤولية عن قتل المئات من المدنيين باستخدامه السلاح الكيماوي، وهذا يعني بوضوح تصنيفه ضمن «مجرمي الحرب» الذين يفترض ان يحاكموا وليس ان يتم التفاوض معهم والاستماع الى رأيهم في سورية الجديدة.

وبعدما انتظرت الدول الغربية والعربية طويلاً حصول إجماع في مجلس الأمن يكبح النظام السوري ويوقف آلته العسكرية عن القتل اليومي، وبعد مبادرات عدة ووساطات فشلت جميعها في اقناع الأسد بأن هناك معارضة شعبية يفترض ان يتفاوض معها لوقف تدمير سورية كبلد، بات ضرورياً ان يصار الى تحرك عسكري من خارج الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف، بما يمهد الطريق امام التسوية بعدما لجأ الى اسلحة القتل الشامل.

وقد سبق للعالم ان شهد حالات عقاب مماثلة قررت فيها دول كبرى ان تقتص من حكام مستبدين من دون تفويض أممي، مثل الغارات التي شنتها الولايات المتحدة على مجمع باب العزيزية في ليبيا في 1986 بعد تحميلها نظام معمر القذافي المسؤولية عن تفجير ملهى لابيل في المانيا وقتل جنود اميركيين. لكن القذافي بقي في السلطة بعدها واستمر حتى اطاحته انتفاضة شعبية في 2011 رغم «تكويعة» سياسية شهيرة في 2003 ظن انها ستنقذه.

ومع ان الوضع في سورية حالياً يختلف عن الوضع في ليبيا آنذاك، نتيجة وجود معارضة سياسية مسلحة تسيطر على أكثر من نصف الاراضي السورية وتهدد دمشق ومدناً رئيسية أخرى، فإن المخططين السياسيين والعسكريين الغربيين يفترض ان يأخذوا في حسابهم ان بقاء الأسد في السلطة بعد الضربة المقررة يعني عملياً فشلها رغم التصريحات المتكررة عن ان اسقاط النظام ليس هدفهم. لأن العملية العسكرية المحدودة لن تكون كافية بحد ذاتها اذا لم تؤد الى خلخلة المنظومة التي يستند اليها الأسد في المحافظة حتى الآن على ولاء القسم الأكبر من الجيش السوري النظامي.

وبكلام آخر، فإن الصواريخ والطائرات الاميركية والبريطانية والفرنسية يفترض ان توجه ضربات مفصلية موجعة فعلاً تفضي الى انهيار لاحق لنظام الاسد الذي سيكون مسؤولاً امام كبار ضباط الجيش عن الأذى الكبير الذي سيلحق بقواتهم، وعن الذريعة التي وفرها للضربات بقراره استخدام السلاح الكيماوي.

لكن ماذا لو لم يحصل كل هذا وبقي الجيش السوري، ولو منهكاً، متماسكاً بأمرته؟ عندها لا بد من العودة الى ما تطالب به المعارضة السورية منذ بدأ النظام في استخدام العنف ضد المتظاهرين سلماً، ثم انتقل الى الاسلحة الثقيلة وصولاً الى تسليط الطيران والصواريخ على المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو فرض مناطق حظر جوي وممرات آمنة للاغاثة، والأهم من هذا كله التخلي عن التحفظات الغربية المبالغ فيها واتخاذ قرار بتزويد المعارضة اسلحة تمكنها من تعديل الخلل في ميزان القوى وكسب المعركة بنفسها.

الحياة

رصد دقيق للمواقف الروسية والإيرانية تجنّب التورّط لا يسقط المفاجآت/ روزانا بومنصف

تتبعت اوساط سياسية وديبلوماسية المواقف الروسية والايرانية من الاستعدادات الاميركية والغربية لاحتمال توجيه ضربة عسكرية لمواقع تابعة للنظام السوري ردا على استخدامه اسلحة كيميائية ضد شعبه. فكان مثيرا للاهتمام بالنسبة اليها ما اعلنه الرئيس الايراني حسن روحاني تحديدا غداة شيوع الانباء عن استخدام السلاح الكيميائي وسقوط عدد كبير من الضحايا اذ اعرب روحاني عن اسفه لمقتل ” الكثير من السوريين بسبب استخدام الكيميائي “بحسب قوله في ما اعتبر تأكيدا ايرانيا لواقع هذا الاستخدام وصولا الى اعلان وزير الخارجية الايراني جواد ظريف ابان الزيارة التي قام بها مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان لطهران ” معارضة ايران استخدام السلاح الكيميائي من اي جهة ” في اشارة مهمة الى عدم اسقاط او نفي المعلومات التي تتحدث عن مسؤولية النظام السوري. لكن القلق من الموقف الايراني بدا اكبر حيال الموقف الروسي في ضوء اعلان المسؤولين الروس الكبار ان ” روسيا لا تعتزم محاربة احد في سوريا ” نظرا الى مخاوف من لجوء ايران الى استخدام ما تملك من اوراق في المنطقة للرد على الضربة العسكرية الغربية المحتملة او للضرر بالمصالح الغربية حماية للنظام ومصالحها في سوريا. الا ان الاوساط المعنية تظهر اطمئنانا نسبيا، وعلى عكس ما يشاع في الاوساط السياسية لقوى 8 آذار بوجود استعدادات للرد وعدم الصمت على ضربة عسكرية للنظام، الى ان المعطيات المتوافرة لا توحي بذلك. اذ انه على عكس ما يشاع عن فبركة ادلة لاتهام النظام السوري في استعادة لما حصل مع ذريعة احتلال العراق، فان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي عاشت حتى الان هاجس تداعيات ما بعد مرحلة الرئيس جورج دبليو بوش وسعت الى الابتعاد كليا عن سياسته لن تكرر الخطأ نفسه وهذه الادلة سيتم وضعها امام الجميع. لكن مع التسليم جدلا بفرضية ان النظام لم يكن مسؤولا بناء على ذرائع تفيد بانه ليس من الغباء بحيث يلجأ الى هذه الورقة بالتزامن مع تسجيله مكاسب على الارض او تزامنا مع وصول وفد المفتشين الدوليين الى سوريا، فان الاوساط السياسية والديبلوماسية كما الاعلامية الغربية اثارت الكثير من التساؤلات حول هذا الموضوع وخلصت الى استنتاجات تفاوتت بين تهور لم يمنع الرئيس السوري من ارتكاب الغلطة المميتة في لبنان في 2014 بالتمديد لرئيس جمهورية اتى به الى السلطة فأدى به الى قرار دولي بسحب وصايته السياسية عن لبنان ثم باغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي قاده الى سحب قواته العسكرية نهائيا كما لم يمنعه من ارتكاب الخطأ المميت في معالجة انطلاق ثورة شعبية في بلاده كانت متواضعة في آذار 2011 وصولا الى تحدي الرئيس الاميركي تحديدا في الخط الاحمر الذي رسمه حول استخدام السلاح الكيميائي. لكن فرضية استخدام طرف ثالث هذا السلاح اوقع بالرئيس السوري من شأنها ان تحرج حلفاءه بمقدار ما احرج الرئيس الاميركي وربما اكثر، خصوصا اذا كان يمكن هذا السلاح ان يمرر الى اطراف ثالثين. فاذا كانت روسيا او ايران تخشيان” التكفيريين” او “الارهابيين” بحسب تسمية النظام فقد يكون بات عليها ان تخشى ذلك اضعافا مضاعفة او ان تغض النظر عن سعي الولايات المتحدة والغرب توجيه ضربة عسكرية لمنع اللجوء الى استخدام ” الارهابيين ” او الاصوليين ” الاسلحة الكيميائية لاحقا. وقد طلب روحاني ” من الامم المتحدة ان تحقق في الوقائع الاخيرة في سوريا وتعلن نتائج التحقيق وسابقة نقل السلاح الكيميائي للتكفيريين من الخارج ” كما قال.

وفي هذا الاطار تبدو الاوساط المعنية متنبهة الى حرص ايران، الساعية الى الاعتراف بدور اقليمي مؤثر لها في الحل السوري والذي لفتت اليه بقوة زيارة فيلتمان لطهران في هذا التوقيت بالذات والذي نقل “دعم الامم المتحدة لمشاركة الدول المؤثرة في مسار حل الازمة سلميا” في اشارة الى ايران، على ادانة استخدام السلاح الكيميائي “من اي جهة” في مسعى واضح كما ترى هذه المصادر الى طمأنة الغرب الى ان مساعيها في ملفها النووي لا تصب في اطار الاستخدام العسكري ولا تتحمل ايران في هذا الاطار ان تثير اي شبهة بل على العكس ان تبعدها كليا وتظهر حسن نية على هذا الصعيد. وتاليا فان الضربة العسكرية المحدودة لمواقع للنظام السوري بحيث لا تنهيه وتؤمن في المقابل مقعدا لطهران على طاولة جنيف -2 امر لا يجب تجاهله. في حين ان اي معايير مزدوجة في موضوع الاسلحة الكيميائية سيزيد الشك في صدقية طهران تماما كما الموقف الذي اعتمدته من اجل التنديد بما اعتبرته لجوء السلطة المصرية الموقتة الى العنف في وجه الاخوان المسلمين في الوقت الذي ساهم القمع الذي قامت به سلطات طهران ضد معارضي انتخاب احمدي نجاد في 2009 في افقاد اي صدقية لايران على صعيد المواقف المتصلة بالحقوق السياسية. كما لا تود ان تغامر عسكريا عبر الرد من سوريا دفاعا عن مواقع قد تستهدف النظام خشية عدم افساح المجال وتوفير ذرائع لضرب مواقعها النووية في الوقت الذي تعاني من اوضاع اقتصادية ومالية صعبة جدا.

لكن كثرا يخشون في الوقت نفسه مفاجآت قد تحملها اي ضربة عسكرية ايا تكن طبيعتها او حجمها.

أميركا تقرع طبول الحرب/ حسين عبد الحسين

في ما يبدو انها عملية اعلامية منسقة وتهويلية، تشنها ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ضد النظام السوري في أعقاب الاتهامات الموجهة له باللجوء إلى استخدام الكيماوي في مناطق الغوطة الشرقية، سربت الادارة الأميركية، عن طريق ثلاث صحف اميركية كبرى، انباء حول تحديثها “لائحة الاهداف العسكرية في سوريا”، استعداداً لتوجيه ضربة لقوات النظام السوري. لكن وتيرة لقاءات اركان الادارة في واشنطن، والمشاورات مع الحلفاء، وتحركات قطع الاسطول السادس نحو الشاطئ السوري، خلال الساعات الماضية، أظهرت أن الادارة الاميركية اكثر جدية هذه المرة في قيامها بتوجيه “ضربة عقابية”، فور اثباتها ان قوات النظام السوري تقف وراء الهجوم الكيماوي على ضاحية الغوطة الشرقية.

وترافق تصعيد الولايات المتحدة مع الكشف عن اتصال وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، بنظيره السوري، وليد المعلم، يوم الخميس الماضي، للطلب منه بضرورة سماح الحكومة السورية “فوراً ودون عوائق بوصول مفتشي الأمم المتحدة الى موقع الهجوم في الغوطة بدلًا من مواصلة الهجوم على المنطقة المتضررة لاعاقة الوصول وتدمير الدليل”.

اول مؤشرات الجدية الاميركية جاء في توقيت اللقاء الاستثنائي الذي عقده “فريق الامن القومي”، يوم السبت، اذ يندر انعقاد لقاءات من هذا النوع في ايام عطلة نهاية الاسبوع. وشارك في اللقاء، الذي ترأسه أوباما، نائبه جو بايدن، ووزيرا الخارجية والدفاع جون كيري وتشاك هيغل، ومستشارة الامن القومي سوزان رايس ونائباها انتوتي بلينكن وبن رودز، ورئيس موظفي البيت الابيض دينيس ماكدنو، والسفيرة في الامم المتحدة، ومدير “وكالة الاستخبارات المركزية” جون برينان، ومدير “الاستخبارات القومية” جايمس كلابر، ورئيس اركان الجيش مارتن ديمبسي، وآخرون.

وبعد الاجتماع، اصدر البيت الابيض بياناً، أكد فيه ان اللقاء تم تخصيصه “لمناقشة التقارير حول استخدام الأسلحة الكيماوية يوم الاربعاء 21 آب قرب دمشق”. واضاف البيان انه “بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، وعلى ضوء شهادات عشرات الناجين والاصابات التي تم تسجيلها بين القتلى، تتابع الاستخبارات الاميركية جمع الوقائع من اجل تثبيت ما حصل”.

وفي الاجتماع ايضاً، استمع الحاضرون الى مطالعة قدمها ديمبسي حول الخيارات المتاحة “امام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للرد على استخدام الاسلحة الكيماوية”.

وعلى إثر اللقاء، سارع ديمبسي الى الانتقال الى عمان، حيث يشارك في اجتماع رؤساء اركان جيوش “الدول العشر” المنبثق عن “لقاء اصدقاء سوريا”، للبحث في امكانيات عمل عسكري. وهذه الدول تضم الى الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا والمانيا وكندا وايطاليا وتركيا والاردن وقطر والسعودية.

وتستمر المباحاثات العسكرية حتى يوم الثلاثاء، فيما صار معلوماً ان ألمانيا هي الوحيدة، بين الحلفاء، التي لا تزال تعارض عملاً عسكرياً، وتصر على قيام فريق التفتيش الدولي التابع للأمم المتحدة، والموجود حالياً في دمشق، بالتحقيق في الهجوم على الغوطة. إلا أن المصادر الاميركية تعتقد انه “في حال استمرار رفض (الرئيس السوري بشار) الأسد بمنح المفتشين حرية التحقيق، سيكون سهلاً اقناع ألمانيا بأن الخيار العسكري هو الوحيد المتاح”.

وفي اطار التنسيق الأميركي مع باقي الحلفاء، تحادث أوباما مع رئيس الحكومة البريطانية، دايفيد كاميرون. وجاء في البيان الصادر عن البيت الابيض ان الحوار كان مفصلًا، وتركز حول “استمرار العنف في سوريا”، وحول “امكانيات الرد المتاحة امام المجتمع الدولي ضد استخدام الاسلحة الكيماوية”.

هكذا، وعلى وقع طبول الحرب سياسياً في كواليس العاصمة الاميركية، باشرت القيادة العسكرية الاميركية برفع جهوزية الاسطول السادس الموجود في البحر الابيض المتوسط، والتابع “للقيادة الاوروبية”، بدلًا من “القيادة الوسطى” المعنية بعمليات الشرق الاوسط.

وفي هذا السياق، انضمت مدمرتا “يو اس اس ماهان” و”يو اس اس ستاوت” الى فرقاطتين متواجدتين اصلا في المتوسط.

تشكيلة السفن الاربع هذه هي التي شنت “الضربة الاولى” ايذاناً ببدء العملية العسكرية التي اطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي، في ليبيا باطلاقها مئات صواريخ الكروز التي عطلت “القيادة والسيطرة” لجيش القذافي، كذلك ضربت مدارج مطاراته واهدافاً أخرى.

ويراقب المتابعون الاميركيون إن كانت احدى حاملتي الطائرات “هاري ترومان”، الموجودة حالياً في البحر الاحمر، او “نيميتز”، الموجودة شمال بحر العرب، ستنضم الى الاسطول السادس، مما يشير الى امكانية استخدام المقاتلات الاميركية في “ضربة ثانية” ضد قوات الأسد، وهو ما يجعلها عملية اكبر.

بيد ان معظم الترجيحات تشير الى ان الضربة ستكون صاروخية فقط، تهدف الى اضعاف امكانيات الأسد، بما في ذلك ضرب مراكز “القيادة والسيطرة”، والمطارات، ومنصات اطلاق الصواريخ الباليستية، من دون توجيه ضربة ثانية عن طريق المقاتلات، التي يمكنها فرض حظر كامل على حركة قوات الأسد.

وهو ما ذهب إليه مسؤول عسكري أميركي، طلب عدم الكشف عن في حديث لشبكة “سي أن أن”، بعدما أشار إلى أن “قائمة الأهداف قد تشمل أبنية حكومية ومقارا عسكرية، إلى جانب الوسائل التي تتيح للأسد استخدام الأسلحة الكيماوية”.

هل هي مناورة يشنها أوباما من اجل ردع الأسد عن استخدام المزيد من الاسلحة الكيماوية في هجمات مستقبلية؟ ام أن اوباما جاد في استعدادته وينوي توجيه ضربة الى قوات الأسد؟

لم يسبق أن ابدى أوباما هذا القدر من الاهتمام بالشأن السوري، فضلًا عن ان الرئيس الاميركي، على الرغم من تناقض تصريحاته واصرار بعض اركان ادارته ان تحريك الاسطول السادس لا يعني حتمية حصول الضربة، الا انه عمد هذه المرة الى ربط الضربة باثبات هجوم حدث في الماضي، اي ان الضربة ستقع لحظة اثبات هوية منفذي الهجوم الكيماوي، وهو امر لا يبدو عسيراً حسب التكهنات في اروقة القرار الاميركية، على عكس “الخطوط الحمراء”، التي تحدث عنها الرئيس في الماضي، والتي كانت مشروطة بفعل مستقبلي.

كما أن اللجوء الى هجمة صاروخية فقط من شأنه ان يفي بأكثر من غرض اميركي. هكذا هجمة تضعف الأسد من دون ان تطيح به، وتمتص الضغط الذي يمارسه حلفاء اميركا من اجل قيامها بعمل ما في سوريا، فضلاً عن أن الهجوم لا يحتاج الى حشد تأييد شعبي اميركي، او موافقة الكونغرس، لانه لا يرقى لكونه اعلان حرب.

المدن

إسرائيل والرهان على حرب سوريا/ حلمي موسى

بدت إسرائيل في اليومين الأخيرين وكأنها تستعد للحرب. والأمر ليس قصرا فقط على اندفاع الجمهور الإسرائيلي للتزود بالكمامات ضد الحرب الكيميائية، وإنما أيضا بالتصريحات والتهديدات التي يطلقها المسؤولون. ومنذ تغيرت النبرة الأميركية في الحديث عن سوريا، وبدأت خطوات عملية للاستعداد لهجوم، ارتدت إسرائيل الزي العسكري.

فإسرائيل، الراغبة اليوم أكثر من أي وقت مضى في تحرك عسكري أميركي أساسا، تريده ألا يكون محصورا بسوريا وإنما يتخطاه، ولو من باب الاحتياط، نحو إيران. وتوحي إسرائيل بأن الهجوم الأميركي على سوريا قد يدفع ببعض الجهات إلى محاولة جباية ثمنه من إسرائيل، بشن هجمات عليها، سواء من سوريا أو من لبنان أو حتى من إيران. وبديهي أن الدولة العبرية تتطلع إلى هجوم أميركي على سوريا يدفع الإيرانيين لتغيير انطباعهم عن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتجبرهم على التخوف من حملة عسكرية أميركية أيضا ضد المشروع النووي الإيراني.

ومن الجائز أن أبرز المواقف الإسرائيلية على هذا الصعيد صدرت عن الرئيس شمعون بيريز الذي طالب العالم بوضع حد لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بسبب ما يجري في سوريا. واندفع وزير الدفاع موشيه يعلون إلى التأكيد بأن النظام السوري هو من شن الهجوم الكيميائي الأخير على الغوطتين الشرقية والغربية مؤخرا. وبين هذا وذاك، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مستهل جلسة حكومته أمس الأول أن اليد على النبض والإصبع على الزناد.

وتنطلق التهديدات الإسرائيلية لسوريا، وربما للبنان وإيران، أيضا من القناعة بأن كل هجوم غربي على سوريا قد يجر رد فعل مباشرا، إما من حلفاء سوريا وإما من النظام السوري نفسه.

ويشدد المعلقون الإسرائيليون على أن التقديرات تشير إلى أن احتمال رد سوري مباشر ضد إسرائيل ضئيل، لكنها غير مستبعدة بشكل تام. ويفسرون تدني هذا الاحتمال بقولهم أن الرد يعني دخول إسرائيل بقوة إلى المعركة، الأمر الذي يعني تقريب نهاية النظام السوري. ويذهب آخرون إلى القول بأن تدني احتمال الرد السوري ينبع من واقع أن الهجوم الغربي على سوريا لن يكون كبيرا، وهو في أحسن الأحوال مجرد رفع عتب. ولكن حتى في ظل هذا التقدير هناك تخوف جدي من احتمال خروج الضربة عن السياق المقدر، واتساعها نحو حرب شاملة، تشارك فيها إيران و«حزب الله» بمساعدة من روسيا.

وأشار المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل إلى أن الانطباع المتبلور في ذهن القادة الإسرائيليين هو أن واشنطن تستعد بكامل الجدية للعمل في سوريا. ويوضح أن السيناريو الأكثر منطقية هو الهجوم بصواريخ من البارجات، ربما بدعم جوي، على سلسلة أهداف عسكرية لن تكون كلها بالضرورة متصلة بمنظومات السلاح الكيميائي للنظام. ويمكن أن يستهدف الأميركيون مواقع قيادة للجيش السوري، ومنظومات دفاع جوي، وقواعد صواريخ ارض ـ ارض. وبين أشد ما تخافه أميركا هو أن عملية الحد الأدنى هذه قد تتطور إلى حرب متدحرجة. وأشار إلى أن إسرائيل تشجع أميركا على الهجوم، رغم عدم اكتمال جاهزية جبهتها الداخلية لمواجهة حرب محتملة.

وقد أشار قائد سلاح البحرية الإسرائيلي السابق الجنرال أليعزر ماروم، في مقالة كتبها في «يديعوت احرنوت» أمس، إلى أن الولايات المتحدة قد لا تتمكن من توفير المسوغ الدولي لهجومها، ولكن لا ينبغي أن يمنعها ذلك من الهجوم. وأبدى مطالبة بأن يتم الهجوم أقرب ما يكون إلى ما أسماه بـ«هجوم الأسد الكيميائي».

وقال بوجوب أن يشمل الهجوم عدة عناصر، وهي الهجوم على أهداف للنظام بشكل يرسل رسالة رادعة لمنع استعمال السلاح الكيميائي مرة اخرى أو نقله الى جهة ثالثة، والتهديد بهجوم أوسع اذا استعمل الرئيس السوري بشار الاسد هذا السلاح استعمالا آخر، واعداد عملية برية واسعة تخلق الردع. أما عن الدور الإسرائيلي، فلخصه بمواصلة التنسيق مع الجيش الأميركي، وعرض المساعدات الاستخباراتية وإبقاء حالة التأهب واليقظة تجاه سوريا ولبنان.

وبرغم المطالبة الإسرائيلية بشن الهجوم، إلا أن هذه المطالبات لا تعبر عن رغبة في حسم الوضع لأي من الطرفين. فإسرائيل تعمل وفق أطروحة «بيغين» التي صاغها رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغين أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، وتتلخص بـ«تمني إسرائيل النجاح للطرفين». وتقوم هذه الأطروحة على أساس أن إسرائيل ليست ملزمة بالاختيار بين عدوين كلاهما سيء، وأنها تتمنى استمرار المعارك بينهما. وهذا في جوهره هو موقف حكومة نتنياهو مما يجري في سوريا، حيث تتمنى استمرار الصراع من دون حسم، والأهم من دون كسر حالة التعادل الكفيلة باستمرار القتال.

وفي هذا السياق، كتب البروفيسور إيال زيسر في «إسرائيل اليوم» أن أميركا ستبذل أقصى الجهد كي لا تنجر إلى حرب شاملة مع سوريا، لأنها أيضا لا تتطلع لإسقاط النظام. وينقل عن الخبراء قولهم إن أوباما سيضرب من أجل إرضاء الرأي العام العالمي، ولكن الضربة ستبقي الرئيس السوري واقفا ولا تجبره على الرد، وستمكنه من مواصلة قتال معارضيه.

السفير

رياح السموم الدمشقية تحرّك خيارات التدخل/ جورج سمعان

لم تعد التطورات الأخيرة في الأزمة السورية تسمح بمزيد من ترف الانتظار، أو التعامي عما يحصل في المنطقة. الأتون المشتعل يكاد يصبح خارج السيطرة. خارج قواعد اللعبة. استخدام السلاح الكيماوي في غوطتي دمشق ليس حدثاً عابراً. وانزلاق لبنان إلى مواجهة مفتوحة يؤججها الصراع الدموي بين «حزب الله» و»التكفيريين» لم يعد يحتاج إلى دليل. فاللبنانيون الذين يتقاتلون في سورية لماذا لا يتقاتلون في ساحاتهم وضواحيهم وأمام مساجدهم؟ ولماذا لا تُجر إسرائيل إلى القتال بصلية من الصواريخ من جنوب لبنان؟ بل لماذا لا يوسع السوريون أيضاً مسرح عملياتهم إلى البلد الشقيق تكريساً لوحدة المسارين؟

أما الأردن فكان رئيس وزرائه عبد الله النسور يتحدث مطلع الأسبوع الماضي عن «مساعدة فنية» تقدمها الولايات المتحدة إلى بلاده بسبب خوفها من وقوع «حروب كيماوية»… ولم تمضِ 48 ساعة على تحذيراته حتى كانت صور ضحايا هذه الحروب تملأ شاشات الفضائيات وكل وسائل الإعلام في العالم! وبالتزامن مع النسور كان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري يعلن أن بلاده لا تملك من الوسائل التي تحول دون مرور السلاح الإيراني إلى النظام في دمشق، فيما «القاعدة» تستعيد سيرتها الأولى في العراق يومياً… وطرق امداد الحرب في سورية مفتوحة على طول الحدود.

سقطت كل «الخطوط الحمر» التي حذر أصحابها من استخدام السلاح الكيماوي ومن توسيع دائرة الحرب إلى دول الجوار وإغراق المنطقة في الفوضى، كما لوح الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة. قبل شهور كان سهلاً على رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي أن يغطي بتبريرات شتى عدم لجوء رئيسه باراك أوباما إلى الرد على «تغيير قواعد اللعبة». استُخدم الكيماوي سابقاً على نطاق ضيق، وثار جدل لم ينته حول تحديد المسؤول عن ذلك بين روسيا وإيران من جهة والدول الأوروبية من جهة أخرى. لكن مذبحة الغوطتين لم تعد تترك مجالاً لصرف الأنظار عن هذا الكم من الضحايا وجلهم من الأطفال الذين كان بعض الهيئات يعول على مساعدات توفر لهم ولأقرانهم في الشتات داخلاً وخارجاً الشروط الصحية والتعليمية السليمة.

ما حدث في الغوطتين منعطف خطير سيدفع بجميع اللاعبين والمتصارعين في الداخل والخارج إلى تغيير «قواعد اللعبة». لم يعد بإمكان الجنرال ديمبسي أن يتذرع بأن لا مصلحة لبلاده في التدخل. ثمة مسؤولية سياسية وأخلاقية على القوة العظمى. وثمة مصلحة حيوية لها في الرد على هذا الخرق لمعاهدة دولية تحرّم اللجوء إلى أسلحة الإبادة الجماعية. وحتى روسيا التي تقف خلف دمشق لا يمكنها أن تبرر موقفها إذا قدر للمفتشين أن يزوروا موقع الجريمة ويثبتوا مسؤولية النظام. ويشير معظم التقارير والمواقف الدولية إلى مسؤوليته. فإذا مرت العملية من دون «عقاب» سيعني ذلك أن النظام يمكنه أن يلحق عاجلاً أم آجلاً هزيمة نكراء بخصومه. وعندها لا حاجة إلى الحديث عن وجوب إقامة نوع من التوازن العسكري على الأرض من أجل الدفع بتسوية سياسية متوازنة. ولا حاجة إلى مواصلة الإعداد لمؤتمر «جنيف 2» أو «جنيف 3»!

الأجواء الدولية تبدلت في الأيام الأخيرة. لم يعد بمقدور إدارة الرئيس أوباما مواصلة التردد والتلطي وراء ذرائع وحجج. كان مناسباً لها أن تتفرج على تدمير سورية بأيدي أهلها. وأن تتفرج على استنزاف الأصوليتين السنية والشيعية ومعهما إيران وروسيا… ما دام الأمر بعيداً عن إسرائيل وتركيا و… الأردن. لكن النار تعدت الداخل السوري. باتت تنهش بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة كلها. هذا ما تراه دوائر غربية كثيرة.

لكن الولايات المتحدة لا تزال تحجم عن التدخل في سورية، لأن الأميركيين لا يريدون التورط في حرب جديدة. ولأن لا مصلحة لهم في ذلك. ولأن الذين قد يخلفون الرئيس الأسد ليسوا أصدقاء لهم، على حد ما قال الجنرال ديمبسي. إلا أن نظرة المعنيين في واشنطن بمصالح بلادهم يعتقدون بأن الحرب السورية باتت تلحق أضرار جمة بهذه المصالح. فالنظام الذي تشير إليه الأصابع باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين، ينذر بمزيد من العنف والشراسة. فهو يريد، على الأقل، تثبيت مواقعه في الساحل الغربي في خط يمتد من دمشق إلى حلب مروراً بمحص وحماة. لأن في ذلك ضماناً لموقعه التفاوضي القوي في أي تسوية مقبلة. وهو بات يدرك أن أي تسوية لن تعيده إلى قمة السلطة التي كانت له قبل آذار (مارس) 2011. بمعنى آخر أن سورية التي كانت قبل هذا التاريخ لن تعود ثانية. فإذا كان التقسيم الرسمي مستحيلاً لاعتبارات وشروط اقليمية ودولية ليست متوافرة، فإن اقتسام السيطرة على البلاد سيكون هو الحل، كما هي حال العراق. ولعل الحرب اليوم تتحول سريعاً سباقاً على كسب مواقع هنا وهناك تمهيداً لتقاسمها مناطق للحكم الذاتي المقبل! أليس هذا عنوان ما يدور بين الأكراد و»جبهة النصرة» ومجموعات أخرى شمال البلاد وشرقها؟

والواقع الذي تعرفه واشنطن أن لا المعارضة حققت النصر بعد الذي أنجزت في الأيام الأخيرة، من مطار منغ إلى ريف اللاذقية ومناطق حلب وإدلب. ولا النظام حقق النصر بعد القصير والتقدم في جبهة حمص. بل تتهمه المعارضة بمذبحة الغوطتين رداً على التقهقر العسكري والمعنوي الذي أصابه في تلك المناطق. ومحاولة عبثية ويائسة للإيقاع بين خصومه وحاضنتهم الشعبية في العاصمة، وهو ما لم يتحقق. بل خلافاً لذلك، إن استخدامه المفرط لكل أنواع الأسلحة في مواجهة المعارضة يعرضه لخسران البقية الباقية من شرعيته وشعبيته. و يساهم في دفع الغالبية السنية إلى أحضان التطرف، إذا ظل المجتمع الدولي على صمته وشلله.

إزاء هذا الواقع يتساءل بعض المعنيين في واشنطن أين مصلحة بلادهم؟ هل هي في تحول نظام الرئيس الأسد أداة طيعة أو ورقة في يد إيران التي بات واضحاً أن تدخلها وتدخل «حزب الله» ومجموعات أخرى تدين لها بالمال والسلاح سبب من أسباب قوة النظام؟ هل مصلحتها في أن يكون مفتاح دمشق في أدراج طهران بدل أن يكون في موسكو مثلاً؟ وهل مصلحتها في أن تقتسم الجماعات المتشددة من «القاعدة» وأخواتها مناطق النفوذ والسيطرة، إذا ظلت مناشدات «الجيش الحر» والمجموعات المعتدلة طلباً للدعم المادي والعسكري صرخة في واد؟ ألا يكفي اليمن والعراق وسيناء ومعظم الشمال الأفريقي مرتعاً للإرهاب الذي بشرت الحروب الأميركية بالقضاء عليه؟

هذا في الخاص السوري، أما في العام الإقليمي، فأين هي مصالح الولايات المتحدة؟ هل تظل إدارة أوباما على سياسة «النأي بالنفس» وهي ترى إلى أصدقائها التقليديين يوجهون إليها اتهامات صريحة بالوقوف ضد مصالح العرب والمسلمين في المنطقة؟ يكاد لا يبقى لها شيء في الشرق الأوسط كله سوى إسرائيل. تكفيها الضربة التي تواجه سياستها الإقليمية بالحرب الدائرة على الإسلام السياسي، رهانها البديل من الأنظمة الديكتاتورية التي تهاوت في تونس وليبيا ومصر. ويكفيها اليمن الذي وقفت مع وحدته في حرب الانفصال العام 1994 يتهدده اليوم خطر التفتت، من «أهل الحراك» جنوباً إلى الحوثيين شمالاً. وكلاهما حليفان لصيقان للجمهورية الإسلامية.

بعد كل هذا كيف تتساءل واشنطن لماذا يفارقها أهل الخليج بسياسات مخالفة يف مصر وسورية؟ هل يعقل أن تجاريها الرياض وشقيقاتها مثلاً في سياستها المترددة حيال روسيا وإيران، فيما الطوق يقترب من عنق مجلس التعاون؟ من حق المجلس أن يسجل على هذه الإدارة ليس عجزها عن كسب المعسكر الذي يناصب أميركا العداء تاريخياً فحسب، بل مجازفتها بخسران المعسكر الذي كانت تتفاهم معه في حفظ النظام الإقليمي واستقراره وسلامه…

الحركة الدولية بعد مجزرة الغوطتين تشي بتبدل في قواعد اللعبة. ليس عقاباً أو ثأراً للضحايا الأبرياء فحسب، بل حماية لما بقي من مصالح للغرب في المنطقة كلها. أصوات اوروبية تنادي برد قاس على النظام السوري. وعمان تستضيف اليوم اجتماعاً لرؤساء هيئة أركان الجيوش في الولايات المتحدة والسعودية وقطر وتركيا والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا وايطاليا وكندا. وأمام الرئيس أوباما جملة من الخيارات أعدها له فريقه للأمن القومي، ليس آخرها حشد قوات بحرية إلى المتوسط. وهل يكون اتصال وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره السوري وليد المعلم بمثابة إنذار أخير قبل الرد على رياح السموم الدمشقية، على غرار ما فعل سلفه جيمس بيكر مع نظيره العراقي طارق عزيز عشية حرب تحرير الكويت قبل نيف وعقدين؟

والسؤال هل تكون كل هذه الحركة من قبيل الضغط والتهويل على النظام لردعه نهائياً عن استخدام أسلحة الإبادة الجماعية، ولتعديل موقفه ونظرته إلى ما يجري؟ ما يتحكم بموقف الولايات المتحدة حيال أزمة سورية هو نفسه ما يتحكم بموقفها من الملف النووي الإيراني. بذلت ولا تزال ما بوسعها للحؤول دون أي مغامرة إسرائيلية تؤدي إلى توريطها في مواجهة مع الجمهورية الإسلامية، وهي لم تتعاف بعد من حروب جورج بوش. وهي تدرك أن التدخل في سورية سيحرك طهران التي حذرت من «تداعيات شديدة» اذا تجاوزت واشنطن «الخط الاحمر». فبلاد الشام تشكل إحدى ركائز الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة كلها. من العراق إلى لبنان وفلسطين. كما أنها تحسب حساباً لموقف روسيا. حيال هذه الاعتبارات هل يتكرر «نموذج كوسوفو»؟ أي هل تكون هناك ضربات صاروخية محددة لمواقع عسكرية لنظام الأسد، كافية لردعه ودفعه وحلفائه إلى تسوية سياسية في «جنيف 2» يكون فيها خارج السلطة مع حلول نهاية ولايته الربيع المقبل؟

قبل أيام من الحرب الأميركية على العراق ربيع 2003، تدخلت قوة كوماندوس أردنية في جنوب العراق (البصرة) من أجل ضمان أمن المنشآت النفطية! وأُسقط البعث في بغداد تحت شعار نزع أسلحة الدمار الشامل التي تبين لاحقاً أنها لم تكن. فهل يسكت المجتمع الدولي طويلاً على أسلحة إبادة جماعية ليست موجودة فحسب بل إن صور ضحاياها تملأ شاشات العالم؟ يستحسن ألا يركن الرئيس الأسد مستريحاً إلى الدعم الإيراني و»الفيتو» الروسي… مهما طال الإعداد الأميركي لإقفال الملف الكيماوي.

الحياة

سوريا: أوباما أسيراً لخياراته/ مصطفى اللباد

يتعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما الآن في سوريا لأهم اختبار منذ توليه الرئاسة قبل أكثر من أربع سنوات، حيث تبدو التطورات الميدانية والإقليمية أكبر من قدرته المثبتة على المراوغة وتجنب الحسم المباشر. ويعد استعمال السلاح الكيميائي نقطة الحسم في مسار التردد الذي اشتهر به، بحيث سيضطر أوباما مدفوعا برغبات حلفاء واشنطن الإقليميين والدوليين إلى اعتماد سيناريو عسكري ما ضد النظام السوري، حاول أوباما تجنبه منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية المتحولة إلى حرب أهلية في سوريا.

حسابات واشنطن السورية

ارتكزت إدارة أوباما في تعاملها مع الشأن السوري على معادلة واضحة: منع أي من الطرفين المتحاربين من تحقيق الانتصار، لأن انتصار أيهما سيعني خسارة للولايات المتحدة الأميركية. انتصار النظام في سوريا سيثبت حضور المحور الذي تقوده إيران في المنطقة ويضم النظام السوري و«حزب الله»، أما انتصار المعارضة، التي يهيمن عليها منذ فترة الجهاديون والسلفيون الطالبانيون، فسيشكل تهديداً لأميركا وتحالفاتها في المنطقة. لذلك كلما تقدم النظام السوري لإحراز «إنجازات» على الأرض، سارعت واشنطن إلى مد المعارضة بالسلاح وتسهيل حصولها عليه. وبالمقابل كلما بدأت المعارضة في «تحرير» مناطق ومواقع، أوقفت إدارة أوباما الدعم العسكري واللوجستي لها، حتى يعود النظام السوري لتدارك الوضع على الأرض. هكذا مضى الوقت لمدة سنتين ونصف سنة دموية دفع ثمنها الشعب السوري من دمه وماله وأرواحه، لقاء وضع تعادلي يسمح بسفك الدم السوري، ولكنه لا يسمح لأحد الطرفين المتصارعين بالقضاء على الآخر أو الحسم العسكري على الأرض. ومثّل إطلاق الأسلحة الكيميائية بحق السوريين إعلاناً بشعاً عن نهاية هذه الحالة التعادلية المخضبة بالدم، وتحريكاً حتمياً لمواقف أوباما الساعي مبدئياً إلى الخروج العسكري من الشرق الأوسط. وبغض النظر عن هوية الجهة التي أطلقت الأسلحة الكيميائية، فإن واقعاً إقليمياً جديداً يتشكل الآن بعدها لإلغاء هذه الحالة التعادلية، سواء بإعادة واشنطن عسكرياً إلى المنطقة أو إجبارها على التصعيد في سوريا.

التطورات الإقليمية تضيّق الخناق على أوباما

يبدو أوباما محكوماً بالتصعيد العسكري، فالأطراف الإقليمية الحليفة له تريد إنهاء حالة التردد السلبي التي اعتمدها في ملفات الشرق الأوسط، تلك التي «لم يحسم» في أي منها. أخفق أوباما في منع إسرائيل من توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 فأغضب الأطراف العربية، وأخفق في وقف البرنامج النووي الإيراني رغم الضغوطات الإسرائيلية، وكبح تركيا عن التدخل في سوريا بحجبه لغطاء الناتو عنها، مع التسليم بقدراتها المحدودة نسبياً في هذا المضمار. الآن ومع اشتعال الوضع في لبنان بتفجيرات الرويس وطرابلس، وفي سوريا على أثر استعمال الــسلاح الكيمــيائي، تبــدو إدارة أوباما مدفوعة لحسم عســكري في منطقة إقليمية ملتهبة طائفياً. سيجتمع ممثلو الدول الإقليمية المتحالفة مع واشنطن للتباحث في السيناريو المقبل، تركيا والسعودية ودول الخليج العربية وقطر والأردن. كل هذه الأطراف لا تختلف على إنهاء حكم بشار الأسد، لكنها لا تتفق في ما بينها بأية حال على بديله، أو على سيناريو اليوم التالي. تركيا وقطر تفضلان «الإخوان المسلمين» للتعويض عن مصر، والسعودية ودول الخليج والأردن تفضل المعارضة المدنية غير الإخوانية لتأكيد مكاسبها من الوضع المصري الجديــد. وحتــى حكومــة العــراق المركــزية تبدو محبذة أيضــاً للبديل غير الإخواني، خشية من بناء تحالف إقليمي ســني في مواجهــتها وعمقــها الشــيعي. لا يستطيع أوباما الآن الهرب من تحالفاته الإقليمية، فلمرة نادرة يبدو فيها الحلــفاء الإقلــيميون ـ على تضارب مصالحهم – أقوى من سقفهم الدولي، الذي يبدو مضطراً إلى تغيير الوضع القائم حالياً بنفسه.

خيار كوسوفو في سوريا؟

بناء على ما سبق، يبدو أوباما في وارد استعمال القوة العسكرية المباشرة، ولكن في سقف أدنى بكثير من الغزو البري، باهظ الكلفة سياسياً داخل الولايات المتحدة. لأن البديل لذلك السيناريو يتمثل في غزو أميركي واسع النطاق لإسقاط النظام، وقتال المجموعات المسلحة الجهادية في الوقت نفسه. ومن الواضح أن التكلفة العالية سياسياً ستمنع أوباما المتردد أصلاً في المضي بهذا السيناريو. لذلك فالأرجح أن يعتمد أوباما سيناريو كوسوفو في الوضع السوري، أي توجيه ضربات صاروخية وجوية لمنشآت عسكرية وحكومية ومواقع لها طابع رمزي تتعلق بـ«برستيج» الدولة السورية، مثل القصور الرئاسية، ولكن دون إنزال عسكري أو غزو بري. ستعفي الضربات الجوية أوباما من الحسم على الأرض، لأنها ستسمح له بإمساك العصا من المنتصف بحيث يكون قد أظهر «صلابة عسكرية» أمام تحالفاته الإقليمية وأضعف النظام السوري، وفي الوقت نفسه ستسمح له باستبعاد الغزو العسكري الباهظ الكلفة. بمختصر الكلام، سيهرب أوباما من الحسم بتوجيه ضربات صاروخية وجوية على أهداف منتقاة في سوريا. تبدو المؤشرات على ذلك واضحة من الآن، فقد زاد عدد القطع الأميركية البحرية في البحر المتوسط من ثلاث إلى أربع مدمرات تكفي لإطلاق صواريخ «توماهوك» تساندها صواريخ «كروز». وإذ قال وزير الدفاع الأمــيركي تشــاك هــيغل إن «وزارة الدفاع لديها مسؤولية إمداد الرئيس بخيارات لكل الظروف، وهذا ما يتطلب إعادة تموضع لقواتنا من أجل تنفيذ سيناريوهات مختلفة، أياً كان السيناريو الذي سيطلبه الرئيس». وتشير إعادة التموضع إلى عمل عسكري أكثر من مجرد التلويح به للردع، فالتفكير في الخطوة المقبلة هو شــيء، أما تحريك القطع فشيء آخر. وبالإضافة إلى ذلك يملك سلاح الجو الأميركي قواعد في الشــرق الأوســط وأوروبا يمكنها شن ضربات جوية من مسافة بعيدة نسبيا عن الأراضي السورية، كون سوريا تملك دفاعات أرضية لا يستهان بها نسبياً. ولا يحتاج المرء إلى الحضور على طاولة التباحث الأميركي – الغربي مع الحلفاء في المنطقة ليعرف أن الأهداف – في هذا السيناريو – ستكون بطاريات الصواريخ وسلاح المدفعية السورية القادرة على إطلاق الأسلحة الكيميائية، وكذلك وسائل الاتصال والدعم اللوجستي. تعارض الخارجية الروسية شن الضربات العسكرية بشدة، وتعتبرها أمراً غير مقبول، ما يعني أن قرارا بتغطية الضربات المحتملة من مجلس الأمن هو أمر مستبعد. وفي هذا السياق يمكن فهم مشروع القرار الإنكليزي الذي يطلب من النظام السوري نزع سلاحه بنفسه باعتبار ذلك «فرصة أخيرة»؛ أي جني ثمار سياسية دون دفع أثمان عسكرية وتهيئة الأجواء الدولية لضربات عسكرية دون غطاء من مجلس الأمن كما جرى في كوسوفو. كانت المعارضة السورية قبل عامين شيئاً مختلفاً، وساد توقع لدى كثيرين بأن تركيا القوية عسكرياً ستشارك في حسم الصراع لمصلحة المعارضة. ولكن مع إسقاط طائرة تركية من قبل الدفاعات الجوية السورية قبل شهور، والقصف المدفعي السوري على الأراضي التركية وانفجار سيارة مفخخة داخل تركيا، لم يكن هناك رد فعل تركي على الفعل السوري. ويعود السبب في ذلك إلى مجموعة من الاعتبارات يتقدمها الاختلال في التناغم بين حكومة حزب «العدالة والتنمية» والمؤسسة العسكرية التركية.

الخلاصة

تدور الحرب في سوريا الآن ـ في العمق ـ بين أمراء حرب سلفيين على الطراز الطالباني وجهاديين من كل أنحاء المنطقة والعالم من ناحية، والنظام السوري المدعوم من إيران و«حزب الله» من ناحية أخرى، مع تهميش متزايد للمعارضة السورية المدنية وقدرتها على تغيير موازين القوى على الأرض. وبسبب هذه الوضعية سيكون انتصار أي من الطرفين المتصارعين خسارة كبرى لواشنطن، التي تعتبر أن السيناريو الأفضل لمصالحها يتمثل في صراع الخصمين في مواجهة بعضهما البعض: النظام السوري ومعه «حزب الله» وإيران في مواجهة المجموعات الطالبانية والجهادية المسلحة، بحيث يحجّم كل طرف الآخر دون قدرة أيهما على إيذاء أميركا ومصالحها. لذلك سلحت أميركا المعارضة السورية كلما حقق النظام إنجازات على الأرض، وتوقفت عن إمدادها بالسلاح كلما حققت تقدماً. الآن يبدو أوباما مضطراً بل ومجرجراً من تحالفاته الإقليمية ليصعّد في الملف السوري، ولا يستطيع المراوغة والتمنع أكثر من ذلك، كما أن تخبط إدارته في الشرق الأوسط وسقوط خياراتها الإخوانية في مصر، سيدفعانها إلى التجاوب أكثر مع هذه الضغوط. يبقى أن السيناريو العسكري المحدود، أو سيناريو كوسوفو، لا ضمانات أكيدة فيه ويحمل بالرغم من محدوديته النظرية مخاطر حرب إقليمية كبرى. تقترب الآن اللحظة الحاسمة بما تحمله من مخاطر على الجميع.

السفير

مرحلة صعبة في لبنان… وبداية النهاية للنظام السوري/ خيرالله خيرالله

هل يمكن للذين جعلوا الحريق السوري يمتد الى لبنان، وقد امتدّ فعلا اليه، أنقاذ النظام السوري من مصيره المحتوم؟

يصعب أن يكون رهان النظام السوري على تفجير المنطقة كلّها، من أجل انقاذ نفسه، في محله. فبعد انفجار الرويس، في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث الوجود الشيعي الكثيف وانفجاري طرابلس اللذين استهدفا مسجدين لأهل السنّة، بات في الامكان الحديث عن وجود أمرين واضحين.

الامر الاوّل أن هناك من يسعى الى فتنة شيعية- سنّية على نطاق واسع. الامر الآخر أن هناك من يصرّ على نقل الحرب الدائرة في سوريا الى لبنان. الهدف من ذلك، أي من الفتنة الشيعية- السنّية ومن جعل الحريق السوري يمتد الى لبنان، أكثر مما هو ممتد الى الآن، التغطية على المجازر التي يرتكبها النظام السوري في حق شعبه…لعلّ ذلك يساهم في اعادة الحياة الى النظام.

لا بدّ من العودة الى سوريا والى ما يرتكبه النظام في حق السوريين أوّلا. اللعبة التي يمارسها هذا النظام باتت مكشوفة. انها لعبة سبق له أن لجأ اليها في الماضي. لكنّ الجديد يكمن هذه المرّة في أنّه لم يعد قادرا على اخفائها. ولذلك، ليس من قبيل الصدفة أن يأتي انفجارا طرابلس اللذان استهدفا السنّة بعد انفجار الرويس الذي استهدف الشيعة. وليس صدفة أن تأتي المحرقة التي ارتكبها النظام عن طريق اللجوء الى السلاح الكيماوي عشية انفجاري طرابلس. ليس صدفة أيضا أن يترافق ذلك كل ذلك مع اطلاق صواريخ من جنوب لبنان في اتجاه الاراضي الاسرائيلية.

ليس صدفة أخيرا أن تردّ اسرائيل على اطلاق الصواريخ بغارة على قاعدة عسكرية أقامها النظام السوري بين صيدا وبيروت مستخدما عملاء فلسطينيين يعملون تحت تسمية “الجبهة الشعبية- القيادة العامة”. هذه الجبهة لم تكن يوما سوى اداة لدى الاجهزة السورية من أجل الإساءة الى لبنان واللبنانيين وتنفيذ ما هو مطلوب تنفيذه. هل يمكن للبناني أن ينسى الدور الذي لعبته “القيادة العامة” في تدمير فنادق بيروت المطلة على البحر بطريقة منهجية، خصوصا في اواخر العام 1975 ومطلع العام 1976؟

ربّما ارادت اسرائيل أن تعمل، كما العادة، على موجة واحدة مع النظام السوري. ارادت أن تقول بدورها أن لبنان ليس سوى “ساحة” وأنّ هذه “الساحة” ليست حكرا على النظامين الايراني والسوري وأنها على استعداد، متى دعت الحاجة الى ذلك للمشاركة في اللعبة الهادفة الى تدمير لبنان على رؤوس أهله من أجل حجب الانظار عما يرتكبه النظام السوري في حقّ ابناء شعبه. هذه ليست المرّة الاولى والاخيرة التي تلعب فيها اسرائيل هذا الدور الذي يساعد في خدمة النظام السوري في لبنان…

في كلّ الاحوال، يبدو أن لبنان سيدفع غاليا ثمن ما تشهده سوريا من تطورّات في غاية الاهمّية تشير الى دخول النظام فيها مرحلة بداية النهاية. لو لم يكن الامر كذلك، لما كان النظام مضطرا الى اللجوء الى هذه الكمية الضخمة من الاسلحة الكيميائية في منطقة الغوطة القريبة من دمشق. فعل ذلك، أي أنّه قتل ما يزيد على خمسمئة مواطن سوري، على الرغم من وجود فريق المراقبين الدوليين في دمشق، على مرمى حجر من مسرح الجريمة التي يسعى الايرانيون والروس الى تغطيتها بكلّ الوسائل المتاحة لهم. من المضحك- المبكي أن تصل موسكو الى حدّ اتهام المعارضة باستخدام السلاح الكيميائي. كيف يمكن للشعب السوري أن ينسى يوما من وقف مع جلاديه؟ ألا يجدر بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يطرح على نفسه مثل هذا السؤال البديهي؟

هؤلاء المراقبون جاؤوا أصلا من أجل التحقيق في استخدام الاسلحة الكيميائية. ولكن يبدو أن مهمّتهم ستقتصر على لعب دور شهود الزور في مرحلة صار فيها النظام السوري محشورا الى درجة لم يعد لديه ما يقوم به سوى اللجوء الى السلاح الكيميائي في مواجهة شعبه من جهة وتصعيد هجمته على لبنان، الى أبعد حدود، من جهة أخرى.

هل الوضع اللبناني مقبل على مزيد من التدهور؟ الارجح أن ذلك وارد. المؤسف أن هناك في لبنان حزبا مسلّحا تابعا لإيران يعتبر، من منطلق مذهبي بحت، أن حرب النظام السوري على شعبه هي حربه أيضا وأن ليس مهمّا ما يلحق بالوطن الصغير من دمار. المهمّ بالنسبة الى هذا الحزب الذي عمل كلّ ما يستطيع الى الآن لإثارة الغرائز المذهبية أن يبقى لبنان”ساحة” وأن يبقى اللبنانيون رهائن لديه خدمة للمصالح الايرانية لا أكثر.

هناك أيّام سود تنتظر لبنان كون المطلوب منه أن يلعب دورا يفوق طاقته. يتمثّل هذا الدور في اختلاق أحداث ضخمة ذات طابع دموي تطغى على الحريق السوري. هل هذا ممكن؟ الجواب بكلّ بساطة ان الثمن الذي سيدفعه لبنان لن يفيد النظام السوري في شيء.من يراهن على امكان انقاذ النظام السوري عن طريق اختلاق تفجير لبنان لا يريد أن يأخذ علما بما يدور حقيقة في سوريا حيث نظام انتهى. لا مستقبل لهذا النظام حتى لو قضى على كلّ شعبه وعلى كلّ لبنان…حتى لو أفتعل ما يمكن أن يؤدي الى اشعال جبهة جنوب لبنان.

هذا نظام دخل مرحلة بداية النهاية. ستكون مرحلة صعبة. لكنّ هناك نورا في نهاية النفق بغض النظر عن الابرياء من كلّ الطوائف والمذاهب الذين سيسقطون في سوريا ولبنان…

المستقبل

الخطة “ب” الروسية/ صادق عبد الرحمن

أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مرة أخرى وقوف بلاده إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وهو لم يأت بجديد لجهة محاولة نفي جميع التهم عن النظام ودعوة المعارضة للحوار معه بدون شروط، وحتى ما بدا جديداً في خطابه وهو تأكيده أن روسيا لن تنجر إلى حرب إذا ما حصل تدخل غربي في سوريا، ليس جديداً في نهاية المطاف.

التجارب السابقة والدراسة الدقيقة للتوازنات الدولية، تؤكد أن روسيا لن تخوض مواجهة عسكرية مع الغرب للدفاع عن أي نظام أو دولة على وجه الأرض، ولكن ما يستحق التوقف عنده فعلاً قول لافروف إن التدخل الغربي لن يوقف الحرب الدائرة في سوريا، وكل ما سيفعله أنه سيحول المعارضة إلى حكومة والحكومة إلى معارضة، وستستمر الحرب.

يبدو هذا التحليل منطقياً إلى حد بعيد، لكنه عندما يأتي في سياق مؤتمر صحافي على لسان وزير الخارجية الروسي، فإنه يعني الكثير. يعني وبشكل قاطع أن روسيا تعلم أنها غير قادرة على ردع تدخل غربي، وأنها غير قادرة على حماية نظام الأسد من السقوط، وأن أي تدخل عسكري سيودي بنظام الأسد كنظام سياسي في سوريا بشكل نهائي. كما يعني أن روسيا تتقبل هذه المسألة تماماً.

على أن الأهم هنا، أن روسيا التي سحبت سفينة الإصلاح الحربية رقم 9 من طرطوس في نفس يوم مؤتمر لافروف، ترى أن نظام الأسد سيستمر في القتال بعد خروجه من دمشق، ولا معنى لهذا سوى أنه سيلجأ إلى التحصن في الساحل السوري والاستمرار في القتال. هكذا يبدو أن لافروف يقدم تصورات بلاده لما بعد إسقاط الأسد وسيطرة المعارضة على العاصمة وبدئها في ممارسة الحكم. تصور سيتحول، وفقاً له، موالو النظام الحالي إلى معارضة للنظام المقبل، وسيتحول ما سيبقى من قوات الأسد إلى ما يشبه معارضة مسلحة يبدو أن روسيا بصدد دعمها.

هكذا هي التصورات الروسية على ما يبدو لمرحلة ما بعد التدخل الخارجي الغربي المحتمل، وربما لمرحلة ما بعد إجبار الأسد على مغادرة دمشق، سواء بتدخل غربي أو بدونه. ولا شك أن القيادة الروسية تعلم أن السير في طريق كهذا قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، ولعلها الإشارة الضمنية الأولى إلى أن روسيا لا تمانع في اللجوء إلى هذا كحل أخير.

مجمل الطريقة التي تكلم بها لافروف، في مؤتمره الصحافي، تظهر أن القيادة الروسية باتت ترى أن التدخل الغربي في سوريا أصبح شبه مؤكد، وأن سقوط نظام الأسد أصبح شبه مؤكدٍ أيضاً، وأن روسيا لا تملك في مواجهة هذا إلا الاستمرار في دعم الأسد وقواته حتى نهاية المطاف.

ونهاية المطاف على ما يبدو لن تكون في دمشق من وجهة النظر الروسية، بل ستكون في أي بقعة يستطيع الأسد مواصلة حربه فوقها للحفاظ على ما تبقى من نظامه.

لكن نجاح ما قد يفكر فيه الأسد، بالشراكة مع روسيا، يبقى مرهوناً بعوامل كثيرة، ليس أهمها ما تريده روسيا وما يمكن أن يتم عقده من صفقات دولية، وإنما قد يكون أهمها ما يستطيع السوريون القيام به، وعلى وجه الخصوص ما تستطيعه القيادة السياسية والعسكرية للثورة، ومجمل قادة الرأي في المجتمع السوري لمواجهة هذا السيناريو.

اذا لم تتم إدارة المعركة بذكاء سياسي، وإذا لم تتم تهيئة الأرضية لعزل بقايا النظام عن بيئته الحاضنة في الساحل السوري، فإن تقسيم سوريا قد يكون محتوماً أيضاً، وقد يكون الوسيلة الوحيدة لوقف سفك الدماء في النهاية.

ستكون الأحداث التي ستلي أي تدخل عسكري محتمل في سوريا، الاختبار الحقيقي لإمكان عيش السوريين معاً في دولة واحدة.

حلبجة والغوطة… والبحث عن برميل «السارين»!

مشرق عباس

ليس هذا هو السؤال… لا يقترب حتى من جوهره، فمشهد اختناق أطفال الغوطة السورية، ينتمي إلى اختناق حلبجة العراقية، إلى كل ذلك التاريخ من علامات الاستفهام المقلوبة والمراوغة عن الذي قُتل والذي قَتل. يُطمر الضحايا بعد حين، ويجد المحقق الأممي مبرراً للقول بفخامة: «إن هناك جريمة ما حدثت في هذه الأرض»… ويرحل.

عندما سقطت حلبجة كانت «الأمة» ترى المشهد بعين انحيازها، من السهل أن تقنعها براءة «القائد الملهم»، من السهل عليها أن تتداول الحكاية مسترخية في الصالونات والمقاهي، أو غارقة في التأويل.

«إيران هي من أطلق براميل السارين على أزقة حلبجة»، فرواية «الزعيم» مقنعة ووافية وكافية لإغلاق المشهد برمته وإقصائه حتى من الذاكرة. هي حرب لا تحتمل إلا الحق والباطل، وإيران هي «الباطل المطلق».

لكن «السارين» لا يعترف بهذه النظرية، فهو يتسلل عبر الخنادق المتداخلة، ولا يسمح لطرف بالتحكم بخياراته، وأحياناً يقرر تغيير وجهته راكباً الريح، فيرتد إلى مطلقيه.

في الغوطة كما في حلبجة يتم التغاضي عن سؤال منهجي: «لماذا استخدم الكيماوي؟».

إنه مؤشر لنهاية وبداية، فهو إنهاء لقواعد الاشتباك التقليدية، وتأسيس قواعد جديدة أو للاقواعد، وهو قرار مشترك بين المتحاربين، ونقطة حرجة في تاريخ الحرب تؤكد أن الطرفين تجاوزا معاً فكرة «اللاغالب واللامغلوب» و «المنتصر والمهزوم» إلى «الباقي والفاني».

رشت الطائرات العراقية بعد حلبجة بشهور، دقيقاً أبيض على القرى الكردية تمهيداً لاقتحامها، فهرب الناس ظناً أنها «كيماوية» جديدة. كان استثماراً مرعباً في «المجزرة» ولعبة جربها النظام مراراً عندما استخدم «السارين» من المحمرة إلى قصر شيرين.

فتحت إيران أبوابها للإعلام الدولي نحو حلبجة، سوقت لنظرية الدولة الظالمة والمظلومة، المُرتكِبة والمرتكَب بحقها، لكنها في هذه الأثناء كانت تستخدم «السارين» من نهر جاسم إلى مندلي.

ضاعت حلبجة في حمى الاستثمارات المتبادلة، دفنـت ضـحـايـاها بـصمت وريبة، وما زالت تحاول فهم ما حدث.

لم يسأل الأميركيون صدام حسين بشكل حقيقي عن قصة حلبجة حتى لحظة تسليمه إلى المقصلة، ولا يفضلون أن يسألوا بشار الأسد اليوم عن الغوطة، فهناك أسئلة أهم، مثل «من سيدفع الفاتورة، ومن سينتصر، وكيف سينتصر، وبأي طريقة؟».

في باب الرومانسية الأخلاقية فقط، يتم تصنيف السؤال عن «كيف وصلت الأسلحة الكيماوية إلى صدام حسين والخميني»، و «كيف وصلت إلى الأسد ومعارضيه».

لكنه ليس سؤالاً تأويلياً، فوجوده ضروري على أية حال لفهم حدود الاستثمار السياسي والطائفي والعسكري في «المجزرة».

المجتمع الدولي سينتظر نتائج التحقيق في الغوطة. سينتظر نتائج التحقيق في حلبجة وهو تحقيق للتاريخ وربما لأجيال قد تجد نفسها أسرى التأويلات والأدلة المطموسة.

المعايير الأخلاقية الدولية، مدهشة حقاً، فهي تشبه سباق أولويات مشروط، بين محاكمة المجرم أو إنقاذ الضحية، لكن الضحية سممت تراب قبرها، ماتت الأفاعي عندما اقتربت منه، واختنقت قبائل من الدود في شقوقه، ومحاكمة حقيقية للمجرم لن تتم!.

المجرم بدوره سيبقى كائناً افتراضياً، فهو يدور في فوضى الحسابات المتبادلة المختلطة بذهنية المؤامرة: «لماذا يستخدم الأسد الكيماوي ليعجل نهايته؟»، فتكون الإجابة: «الأسد يريد إبلاغ معارضيه أنهم تحت سقف إمكانات جيشه»، أو «لماذا يستخدم المسلحون الكيماوي لقتل أنصارهم؟»، والإجابة: «ليدينوا نظام الأسد وينهوا المعركة دولياً».

لكن تلك لعبة ذهنية أكثر منها محاولة لبحث الحقائق على الأرض واستخراج بطاقة الإدانة.

ما زالت الولايات المتحدة متمسكة حتى هذه اللحظة بفرضية أن اليابان الامبراطورية تتحمل أخلاقياً نتائج مجزرتي هيروشيما» وناكازاكي، وتستند إلى تعريف الحرب قبل تعريف المجزرة، وإلى النظرة الشمولية والتاريخية للجاني والضحية، أكثر من الوقائع.

ومع هذا فباراك أوباما يطالب بالوقائع، يهمل الحرب وتاريخها، أسبابها ونتائجها، ويبحث عن سؤال محدد: «من الذي استخدم السارين»؟.

ليس هذا هو السؤال! لا يقترب من جوهره حتى… فالغوطة اختنقت، وقبلها حلبجة، والسؤال الأكبر اليوم مفاده: كيف يتجنب الضمير الإنساني غوطة أخرى، بعد أن فشل في تجنب حلبجة ثانية؟.

اميركا كما هي/ ساطع نور الدين

 الذين انتظروا الضربة الاميركية لسوريا،وحددوا موعدها وهدفها، وبنوا عليها نظريات واستراتيجيات، كانوا كمن ينتظر وعد ابليس في الجنة. اما الذين تخوفوا منها وفروا من مسار طائراتها وصواريخها، فانهم كانوا كمن يستجير بالرمضاء في النار. كلاهما كان يبني احكامه على اساس صور متخيلة لاميركا، واوهام مفترضة من الازمة السورية.

علوم الغيب تصلح في تفسير ما يجري في واشنطن وفي دمشق، حيث لا يمكن اخضاع سلوك العاصمتين لاي منطق، يمكن ان يساعد الضحايا في تقدير زمان انتهاء تلك المذبحة المستمرة منذ ما يقرب من ثلاثة اعوام، ويمكن ان يخدم المعارضة السورية التي تصاب بخيبات أمل متلاحقة، وصلت حد ادانة الرئيس الاميركي باراك اوباما وقراره الاخير بتأجيل الضربة العسكرية الى النظام السوري الى ما بعد الحصول على تفويض من الكونغرس.

لم يلاحظ احد ان اوباما الذي اتخذ هذا القرار يقود اميركا جديدة، لا يمكن باي حال من الاحوال ان تزعم انها الدولة العظمى الوحيدة في العالم..او انها دولة عظمى اساسا، توجه السياسة الدولية وتقود هيئاتها ومؤسساتها. هي مجرد دولة صناعية كبرى، مثلها مثل الصين او المانيا او اليابان، مع فارق وحيد هو انها تمتلك قوة عسكرية هائلة تستطيع احراق الكرة الارضية في ثوان، لكنها تكتشف الان حدود قوتها وقدرتها على استخدام تلك القوة.

لم تعد اميركا دولة محاربة. هذا ما قاله اوباما صراحة، عندما اعلن انه يتمتع بتفويض دستوري لاستخدام القوة العسكرية الاميركية لكنه لن يستخدمه من دون الرجوع الى ممثلي الشعب الاميركي، انسجاما مع خطاب رئيسي القاه في ايار الماضي واعلن فيه انه سيقترح تعديلا على الدستور ينزع من الرئيس صلاحية استخدام القوات الاميركية من دون تفويض مسبق من الكونغرس..وبالتالي يحد من نفوذ اميركا وهيبتها العالمية ويضعها في مصاف الدول الديموقراطية التي تحتاج الى استفتاء شعبي على اي خطوة عسكرية خارج حدودها..

قال اوباما ايضا انه انتخب اصلا لانهاء حروب اميركا، لكنه اوضح بما لايدع مجالا للشك انه لا يعتبر استخدام النظام السوري للاسلحة الكيماوية خطرا داهما على مصالح اميركا او اي من حلفائها، بل مجرد تهديد بعيد، لا يستدعي ردا عاجلا، ولا يبرر دعوة الكونغرس مثلا الى جلسة طارئة للتصويت على الرد المطلوب.. بل يتطلب فتح نقاش عام في اميركا حول الموقف المنشود، الذي يرجح ان يكون بالتوصية بعدم التدخل في سوريا، حسب ما تفيد استطلاعات الرأي، التي لا تخطىء ولا يمكن لاي مسؤول اميركي ان يتجاهلها.

الحرب السورية كانت مجرد فرصة لاوباما ليس فقط لكي يختار التوقيت المناسب للتخلي عن حق رئاسي دستوري كان في جوهر النظام الاميركي، بل ايضا لكي يؤكد مرة اخرى ان اميركا لم ولن تكون بعد اليوم شرطي العالم، وهي بالتالي غير قادرة على منع النظام السوري من استخدام الاسلحة الكيماوية. ولعل هذه هي الاشارة الاهم التي تلقتها دمشق في الايام القليلة الماضية، والتي ستعمل في هديها، من دون تردد ومن دون خوف من اي فرق تفتيش دولية.

اما اذا غامر الكونغرس، الذي لن يقطع اجازته الصيفية، في مخالفة الراي العام الاميركي، وقرر ان يجيز لاوباما استخدام القوة ضد النظام السوري، فان الامر لن يعدو كونه مسعى لحفظ ماء وجه الرئيس الذي توعد برد عسكري، واخفاء فراغ واشنطن التي باتت تمارس السياسة الخارجية باعتبارها هواية، مثلما تخوض دمشق الحرب بصفتها مناورة.

تغيرت اميركا كثيرا، ولم ولن يتغير شيء في سوريا، سواء حصلت الضربة ام لم تحصل.

المدن

الاستبداد السوري في مواجهة رعاته/ أحمد جابر

من الآخر، الموقف من الوضع السوري مركب، وليس أحادي الجانب. تقتضي الإشارة إلى أن حلفاء النظام، من مختلف المشارب الفكرية والسياسية، يغرفون من “جعبة أفكار”، اضمحلت وقائعها ومستنداتها، وشاخت تعريفاتها وتصنيفاتها.

عليه، لا يمكن الدفاع عن النظام السوري، بالاستناد إلى “قومية أو تحرر أو تحرير أومقارعة نهب إمبريالي…” فالنظام نظام استبداد، مثله مثل أقرانه الآخرين، في الديار العربية. وعلى هذه الصفة الاستبدادية، هو ركيزة للنهب الخارجي ولتدخلاته، وللتأسيس لتمتين سيطرته وإدامتها. من جهة أخرى، لا يمكن الدفاع عن أسباب التدخل الخارجي، الذي يعيد أربابه استبدال أدواتهم الداخلية، بعد أن بات متعذراً تأمين ذات الخدمات من خلال الأدوات المتقادمة إياها. رفض التدمير الذي سيقت إليه سوريا، من خلال مسلك نظامها، ومن خلال سياسات داعميه، ومستخدميه، هو موقف مبدئي الآن، وقواه ضعيفة وواهنة، بل هي غائبة في الراهن، لكنه برغم ذلك، يظل الموقف الأكثر اتصالاً بالمستقبل. لا للنظام المستبد. لا للانقياد إلى مسوغات تغيير أشكال السيطرة المتجددة، التي يعرضها الخارج على الداخل السوري. لا لأنظمة التخلف البائدة، التي لا تعد شعوبها إلا “بجنة” تقع خلف حدود الحياة.

هذا من الآخر، لكن ماذا عن “من الأول”؟ لقد درج أصحاب المواقف القومية واليسارية، على قياس كل موقف سياسي بعرضه على نظرية محددة، تشكل مقياساً مرجعياً. الأرجح والأرسخ حضوراً من أدوات القياس الموروثة، كان ما حصل في فلسطين، وما نجم، عن الحربين العالميتين، الأولى والثانية، في الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية. هذا قومياً، أما عالمياً، فكان الأبعد أثراً نجاح الثورة في روسيا، وإعادة إقتسام العالم وفقاً لخريطة استعمارية جديدة.

 سار الموروث الوقائعي في ظلال شعارات استنبتت من أرضه، فكان الأعلى صوتاً منها، رفض واقع الإستحواذ العالمي الجديد، ودعوات المواجهة لتجليات النهب والسيطرة الزاحفة على المنطقة.

 من أجل ذلك أنشأت أحزاب وقامت حركات، وعقدت تحالفات مع هذا المعسكر العالمي أو ذاك وطمحت قوى عديدة إلى التماهي مع تجارب تحررية أخرى، وعلى وجه الخصوص منها تلك التي قامت بإسم الاشتراكية، ودعت الشعوب إلى الانضمام إلى مسيرتها الصاعدة.

 لم يقصر الذين قاموا استجابة لمهمات العصر، عصرهم، في إعلان ضرورة تحرير البنية الداخلية لكل بلد، كمقدمة لتغيير أوضاعه الموروثة، في الداخل وحيال الخارج، وشكل مطلب تحرير فلسطين واسطة عقد كل برنامج “ثوري” جديد، وجرى الربط بين التطلع إلى التقدم الإجتماعي، وبين إعادة صياغة مفاهيم الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية والقومية العربية. مهمات الداخل لم تكن معزولة عن مهمات الخارج، وحسن الدمج بينهما، كان المدخل الضروري لتركيز واقع كل بلد على خارطة الأوطان المختلفة.

لقد قامت أنظمة بإسم هذه المهمات، وانتدبت ذواتها لتنفيذه. كانت الإمبريالية العالمية العدو والعالم الأول، وكانت الصهيونية العدو الأول في قلب المنطقة العربية. بنت الأنظمة شرعيتها على شرعية التطلعات الوطنية والقومية، لكن هذه أصيبت بالضربة القاصمة الكبرى عام 1967، فأعلنت إفلاسها أمام الغزو الإسرائيلي لبلاد “الطوق العربي”، وجرجرت أذيال هزيمتها على امتداد عقود، من لحظة الهزيمة وحتى تاريخه.

 لقد أُحْتلت في سياق الهزيمة عاصمة لبنان، بيروت، وسقطت العاصمة بغداد، وأطيح بليبيا، ويجري تدمير سوريا، ويستكمل اغتصاب فلسطين. لكن تحرك الوقائع هذه، لم يحرك خطاب الموروثات بل زاد في جموده، وما تحدر من موروثٍ قومي ويساري وشيوعي، التحق باستبداد الأنظمة الجديدة، ودافع عن قومية واشتراكية من ابتكار هذه الأنظمة، التي عمّرت طويلاً، بعد أن أمعن في إبادة بدائلها.

لقد زال الواقع وبقيت أحزابه، وذهب معطيات الموقف الملموس وأقامت في بنية الخطاب لغة التهافت، الفكرية والسياسية. في ضوء ذلك، لنا أن نقرأ المواقف المتأرجحة لورثة القول اليساري والقومي. لقد عمّ الاستنساب هذه المواقف، وضاعت النظرة الفكرية الهادية. لو أردنا ذكر كلمات من الحقبة الماضية، وعرضناها على مدبجي الخطب حالياً، لجاز لنا السؤال، ماذا تعني الإمبريالية الآن؟ وما هي نسخة القومية العربية الراهنة؟ وما مضمون التحرر الاجتماعي؟ وما القول في تطور الصراع العربي الصهيوني؟ وكيف نفهم التقدم الاستقلالي والسيادي؟ وماذا عن القوى؟… هذه الأسئلة وغيرها هي للقول، أن الموروث يقود الحاضر إلى الخلف، وأن حركة السير إلى الوراء هي التي تبرر الدفاع عن الاستبداد في سوريا وسواها، مثلما تعجز عن فهم مأزق تغيير الاستبداد بقوى النهب الخارجية.

دفاعات الممانعة اللغوية!/ صبحي أمهز

كثيرة هي المواقف الشاجبة لأية ضربة عسكرية على سوريا، فبين من يرى أن أي عدوان أميركي لن تقتصر تداعياته السلبية عليها بل ستطال لبنان وسائر دول المنطقة، وبين من يدعو  الى موقف موحد للرد على “الهجمة الغربية والخليجية الشرسة التي تحاول النيل من صمود السوريين وارادتهم في العيش بعزة وكرامة بعيدا عن التدخل الدولي في شؤونهم الداخلية”، هناك من يصدر بيانات أشبه ببيان رقم 1 في انقلابات العرب التقليدية.

 في هذه الأمة التي تحفظ الشعر بالفطرة، إسترجعت “الأحزاب اللبنانية الممانعة” لغتها الخشبية غير مدركة أن الخطابات لا تحقق نصراً وأن الحروب لا تدار لغوياً، فاستفاضت بعض الجبهات الممانعة في التحليل. وانتهت أخيراً وبعد جهد، لتفسر الماء بالماء. مواقف قوى شبيهة تماماً بما حصل إبان الحرب على العرق.

فالقوى الوطنية التي ترى اليوم  أن أي عدوان “أميركي غربي صهيوني عربي رجعي”  يستهدفها ويسعى إلى إنقاذ أي عدوان استعماري يستهدف سوريا إنما هو عدوان على الامة العربية جمعاء وعلى قوى المقاومة والتحرر في المنطقة لما تمثله سوريا من قوة عربية مقاومة، ورأس حربة في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني الاستعماري، للهيمنة على المنطقة”. مواقف، تعيد اللبنانيين إلى مشهد عام 2003 عندما استنفر اليسار اللبناني لمواجهة “الإمبريالية” الاتية الى العراق في ساحات بيروت.

 حينها، عُقدت الاجتماعات و صيغت المواقف وأعدت خطط المواجهة التي كان بنك أهدافها تنظيم الاعتصامات امام سفارتي بريطانيا والولايات المتحدة. الأحزاب في لبنان تعيد التجارب والخطابات ذاتها لمواجهة التغيرات المستجدة في عالمنا العربي ولا تملك في جعبتها سوى اللغة، وشباب متحمس يرى النضال في مظاهرات عوكر، لا أكثر.

وإن كان العدوان الاميركي على سوريا مرفوض جملة وتفصيلاً لما يشكله من مس بعنفوان الأمة، إلا أن “العقل الحزبي في لبنان ولدى الشيوعي تحديدا يكاد يشعرنا أنه ينتظر الأزمات ليعيد تلميع صورته النضالية عبر مواقف مكررة أضحت بياناتها لا تختلف عن بعضها البعض سوى بتاريخ الإصدار”، يقول أحد قادة اليسار القديم.

 تعبئة عامة.. ولكن

في 22 آذار 2003 وإبان الهجوم الاميركي على العراق، إستنفر الشيوعيون وصدر نداء عن المجلس الوطني للحزب الشيوعي اللبناني، دعا العرب لنصرة شعب العراق شعبياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، وعسكرياً.

كما دعا “كوادره ومقاتليه الأبطال ذوي الخبرة في مقاومة الاحتلال في اطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وكذلك كل اعضائه وكوادره في الجنوب والبقاع الغربي، للبقاء على اعلى درجات الاستعداد واليقظة لمواجهة احتمالات العدوان الاسرائيلي بالتنسيق الكامل مع المقاومة الاسلامية ومع كافة القوى العاملة على التصدي للعدوان وافشال اهدافه”.

 في 29 آب 2013، جدد الحزب الموقف ذاته ولكن مع إعلان حالة التعبئة العامة لدى الشيوعيين في سوريا هذه المرة. فتوجه المكتب السياسي للحزب بالدعوة الى الشيوعيين واصدقائهم، والى سائر الوطنيين اللبنانيين، بالدعوة إلى “الاستنفار وتجنيد طاقاتهم داخل لبنان وخارجه، لمنع حصول هذا العدوان، والى الاستعداد بكافة السبل والوسائل لمواجهته والتصدي له”. واعتبر ان التصدي “ومقاومة هذا العدوان هو مسؤولية وطنية وقومية شاملة، و هو يدعو القوى التقدمية واليسارية والديمقراطية كافة في العالم العربي وفي العالم الى عدم السكوت والتحرك الفاعل شعبيا ومدنيا وسياسيا بكافة الاشكال”.

 هذا تنظيمياً.. أما فردياً

تماما مثلما أكد عام 2003 أحد الناشطين الرافضين  للحرب على العراق أن “صراعنا ضد العدوان على العراق وفلسطين يدخل ضمن صراع الشعوب العربية من أجل التغيير، يؤكد أحد شبان تنظيم عروبي ان هناك قراراً داخلياً لديهم بالإلتفاف حول القيادة السورية والقتال إلى جانبها إذا تطلب الأمر، ثم ما  يلبث أن يستدرك قائلاً: نحن لا نملك عديدا تنظيميا لكننا سنواظب على استصدار البيانات وترقب حجم الضربة حتى اذا رأينا أن إعلان التعبئة العامة سيساهم في التخفيف عن الحليف السوري  سنفعله”. يعود ليوضح: “رغم صغر حجمنا لكننا سنعمل ما بوسعنا”.

إذاً هي مواحهة لغوية فائمة على نوستالجيا قديمة – جديدة بهدف الحفاظ على التاريخ الحزبي الذي تبخر مع صعود الأحزاب الدينية. نوستالجيا لا تعلو على صوت معركة.

لا أحد من القوى اللبنانية التي تدور في فلك الممانعة يستطيع ان يخوض الحرب فيها سوى حزب الله الذي لديه الاف المقاتلين المجهزين لخوض شتى انواع الحروب، أما الباقون فلا يملكون من أدوات المواجهة والعتاد العسكري سوى دفاعات لغوية لا محل لها من الإعراب في القاموس السياسي الأميركي.

 

تسمّمات عصبيّة في مستشفيات دمشق ترسم ظلالاً قاتمة عن مصير سورية

دمشق – «الحياة»

عقب المقتلة البربرية في الغوطتين الدمشقيتين، بثّ ناشطون أشرطة فيديو على موقع «يوتيوب» الإلكتروني ظهر فيها أطفال يجري إسعافهم عبر وضع أقنعة أوكسجين على وجوههم، كما ظهر أنهم يتنفّسون بصعوبة. وعرضت الأشرطة أطفالاً آخرين مغمى عليهم من دون آثار دماء على أجسادهم، فيما عمل مُسعِفون وأطِبّاء على رشّ الماء عليهم وتمسيد وجوههم وصدورهم، بعد نزع ملابسهم. وحينها، علّق غوين وينفيلد، وهو كاتب في مجلة «سي بي آر أن إي وورلد» المتخصّصة في الأسلحة الكيماوية على هذه الأشرطة قائلاً: «أشرطة الفيديو، من المستطاع القول إن هناك هجوماً كيماوياً. وهناك حاجة الآن إلى أخذ عيّنات من الدم والأرض ثم إخضاعها لفحوص مختبرية بغية التأكّد من طبيعة السلاح المستخدم في هذا الهجوم»، بحسب ما نقلته عنه وكالة «فرانس برس».

وأضاف وينفيلد: «في هذه الأشرطة، لا نرى أطِبّاء وممرضين يموتون نتيجة اقترابهم من المُصابين، ما ربما يوحي بأن المادة المستخدمة ليست غاز الـ «سارين» Sarin Gas العسكري. ربما تعلّق الأمر بغاز أقل سُميّة. ربما نجمت حصيلة القتلى المرتفعة عن استخدام نوع معدل من غاز الـ «سارين».

عيّنات وإلا…

في سياق متّصل، أوضحت باولا فانينن، وهي مديرة «معهد فيننيش للتحقّق من الأسلحة الكيماوية» في فنلندا، أنها ليست مقتنعة تماماً بأن الهجمات في الغوطتين الشاميتين كانت بغاز الأعصاب من نوع «سارين»، لأن الأشرطة عن ضحايا الهجمات أظهرت أن الناس الذين يساعدون المصابين لم يكونوا يرتدون ملابس واقية ولا أقنعة، ما يعني أنهم من المفترض أن يصابوا بالعوارض نفسها التي عاناها المصابون.

في المقابل، أشارت فانين إلى وجود بعض العوارض التي تشي باستعمال غاز الأعصاب، على غرار التشنجات العضلية، وظهور رغوة بيضاء على أفواه الموتى والمُصابين.

وخلصت فانين إلى القول بوجوب أن يأخذ فريق الأمم المتحدة الموجود في سورية عيّنات من المكان الذي أصيب فيه الناس، وكذلك من بول المُصابين، معتبرة أن هذه العيّنات تمثّل الوسيلة الوحيدة للتحقّق من استخدام سلاح محظور في الهجمات على الغوطتين.

في سياق هذا النقاش المحتدِم، أعلنت مُنَظّمَة «أطِبّاء بلا حدود» Medecins Sans Frontiers أنها وثّقت أعراضاً لتسمّم عصبي عند مرضى استقبلتهم ثلاث مستشفيات في محافظة دمشق، تحظى بدعم هذه المُنَظّمَة العالمية. وأوضحت أن هذه الحالات وصلت إلى المستشفيات صبيحة يوم الأربعاء 21 آب(أغسطس) 2013، موضحة أن الإصابات بلغت 3600 مريض في أقل من ثلاث ساعات، ومشدّدة على أن أعراض التسمّم العصبي ظهرت على المرضى جمعيهم، مع حدوث 355 وفاة بينهم.

ومنذ العام 2012، أنشأت «مُنَظّمَة أطِــــبّاء بلا حدود» شبكة تعاون قوية ومـــوثوق بها مع مجموعات من الأطِبّاء والمستشفيات والمراكز الطبيّة في محافظة دمشق. وكذلك عملت المُنَظّمَة على تزويدهم بأدوية ومُعــدّات طبيّة، ودعم تقني وعلمي. وبسبب مخاطر أمنيّة، لم تتمكن طواقـــم «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» من الوصـــول إلى هذه المرافق الصحية.

وأوضح الدكتور بارت جانسنز، وهو مدير عمليات «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» أن الطواقم الطبيّة العاملة في تلك المرافق قدّمت معلومات مُفَصّلَة بخصوص تدفّق أعداد كبيرة من المرضى على مرافق صحيّة في دمشق، مع تبيان أن هؤلاء كانوا يعانون من أعراض شملت التشنّجات العضليّة، وإفراز غزير للعُاب، وتقلّص في حدقات ألأعين، وتشوّش في الرؤية، وضيق في التنفس وغيرها.

وبيّنت المُنظّمَة أيضاً أن هؤلاء المرضى عُولجوا بواسطة عقار الـ «أتروبين» Atropine الذي يُستعمل في معالجة أعراض التسمّم العصبي، مع ملاحظة أن «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» زوّدت تلك المرافق الطبيّة به في أوقات سابقة. وتُحاول المُنَظّمَة الآن إعادة ملء المستودعات الفارغة لهذه المرافق بهذا العقار، إلى جانب توفير إمدادات طبيّة أخرى وتقديم إرشادات ونصائح علميّة تتناسب مع الوقائع المُستجِدّة في سورية.

غموضٌ مُقلِق

في السياق عينه، شدّد جانسنز على أن «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» لا تستطيع من الناحية العلمية تأكيد مُسبّبات هذه الأعراض أو تحديد الجهة المسؤولة عن الهجمات التي تسبّبت فيها. ولكنه لاحظ أيضاً «أن الأعراض التي ظهرت على المرضى، إضافة إلى المسار المرضي للأحداث الذي اتّسم بتدفق أعداد كبيرة من المرضى في فترة قصيرة، والمكان الذي جاء منه المرضى، وانتقال العدوى إلى الطاقم الطبي والمُسعفين الأوليين، هي وقائع تشير إلى تعرّض جماعي لعنصر سُمّيٍ يؤثّر في الأعصاب. ومن شأن تأكيد الأمر أن يوثّق حدوث خرق للقانون الإنساني الدولي الذي يحظر حظراً باتاً استعمال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية».

وإضافة إلى 1600 عبوّة «أتروبين» كانت «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» أرسلتها خلال الشهور الأخيرة، بعثت المُنَظّمَة بـ 7000 عبوّة جديدة من هذا العقار إلى المرافق الصحيّة في المنطقة المُصابة. كما أصبح علاج المرضى المُصابين بتسمّم عصبيّ جزءاً من الاستراتيجيات الطبيّة للمُنَظّمَة في البرامج التي أطلقتها في سورية.

وفي هذا الصدد، صرّح كريستوفر ستوريك، المدير العام لـ «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» أنها تأمل بأن يُسمَح لمُحققين مُستقلين بالوصول فورياً إلى الأماكن المُتضَرّّرة كي يستطيعوا إلقاء الضوء على ما حصل فعليّاً.

وأضاف: «جاء الهجوم الأخير والحاجات الطبيّة الهائلة التي أعقبته، لتزيد من تفاقم أوضاع إنسانية كانت في الأصل كارثية، وتتسِمُ بعنف شديد، مع نزوح السكان وتدمير متعمّد للمرافق الصحيّة. وفي وضع الانتهاك الكبير للقانون الإنساني في الحرب، لا تستطيع المساعدات الإنسانية الاستجابة بشكل فعّال لحاجات الناس، بل أنها تصبح من دون معنى»، بحسب كلمات ستوريك.

وتقدّم «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» مساعدات طبيّة في سورية بطريقتين مختلفتين. فهناك طاقم أجنبي يعمل بالتعاون وطواقم وطنيّة في 6 مستشفيات وأربعة مراكز صحية، تعمل كلها تحت الإشراف الكامل لـ «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» في شمال سورية. وفي المناطق التي لا تستطيع المُنَظّمَة إرسال فرقها الخاصة، بسبب انعدام الأمن أو منع الوصول إليها، وسّعت المُنَظّمَة برنامجاً أطلقته منذ عامين، يَعتمد على دعم مستشفيات وشبكات طبيّة ومراكز صحيّة سوريّة. ويُركّز البرنامج على إمداد هذه الأخيرة بأدوية ومُعدّات طبيّة، مع تدريب ودعم تقنيّين. وبفضل هذا البرنامج، استطاعت «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» مواصلة دعم 27 مستشفى و56 مركزاً صحيّاً في مختلف أنحاء سورية.

وبين حزيران(يونيو) 2012 ونهاية حزيران 2013، قدّمت فرق طبيّة من «مُنَظّمَة أطِبّاء بلا حدود» ما يزيد على 55 ألف استشارة طبيّة، وأنجزت 2800 عملية جراحية، وساعدت في توليد ألف رضيع داخل سورية. إضافة إلى ذلك، قدّمت الفرق الطبيّة التابعة للمُنَظّمَة ما يزيد على140 ألف استشارة طبيّة للاجئين سوريين في بلدان مجاورة لبلادهم.

لمحة عن الأسلحة الكيماوية

أعادت مقتلة الغوطتين في دمشق شبح أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط. وتصنّف هذه الأسلحة في 3 أنواع هي: النوويّة والكيماويّة والبيولوجيّة.

تعتبر الأسلحة الكيماويّة أول نوع من أسلحة الدمار الشامل أُنتِجَ في المنطقة العربية، إذ صنّعَه نظام صدام حسين في منتصف السبعينات من القرن الماضي. ويعتقد أن الخطوة الأولى في ذلك الإنتاج تمثّلت في إنشاء «مؤسسة إبن الهيثم للبحوث والدراسات»، التي عملت على الغازات السامّة. وثمة تقارير رصدت وجود 15 مركزاً عراقيّاً كرّست لإنتاج غازات سامّة مخصصة للاستعمال عسكرياً. وتشمل قائمة الأسلحة الكيماوية مادة «هيدروجين سيانيد» Hydrogen Cyanide وغاز الكلورين، إضافة إلى غازين لا يتركان أثراً عند استعمالهما، هما «سارين» Sarin و»تابين» Tabun الذي يشتهر باسم «غاز الأعصاب». ويندرج فيها أيضاً غازا «في إكس إيه»VXA و«توكسك بي» Toxic B، وهما شديدا الخطورة.

تضاف إلى هذه القائمة، غازات تؤثّر في الدم، مثل «حامض هايدروسيانيك»، وأخرى خانقة مثل «فوسفين»، وثالثة مُسيّلة للدموع وغيرها.

لا نجاة للبيئة

وتتلبّث هذه الغازات في البيئة لمدد متفاوتة. إذ يستمر «غاز الأعصاب» ما يتراوح بين 12 ساعة وبضعة أيام. وتؤثر بعض الغازات في لون النبات والمزروعات، وتسبّب موت كثير من الحيوانات. وقد تمكن نظام صدام من إنشاء صناعة كيماوية متكاملة، خلال حقبة الثمانينات من القرن الماضي. ونجح في إنتاج رؤوس حربيّة مخصّصة لحمل ذخائر كيماوية، وكذلك توصل إلى تركيبها على صواريخ أرض-أرض وقذائف المدفعية البعيدة المدى، وصواريخ الطائرات. وقبيل سقوطه خلال الغزو الأميركي للعراق، قدّرت مصادر غربية أن تلك الترسانة الكيماوية شملت 30 ألف طن من المواد السامة.

في سياق متّصل، تُخلّف الأسلحة الكيماوية آثاراً معقّدة في البيئة، يستمر بعضها لآجال مديدة. ومثلاً، توصل فريق علمي بريطاني في أواسط 1993، بعد تحليل تربة المناطق التي تعرضت للقصف بـ «غاز الخردل» Mustard Gas في مدينة حلبجة الكرديّة التي قُصِفَت بالسلاح الكيماوي قبل ربع قرن، إلى تحديد نوعية السلاح الذي استعمل في القصف.

وتتميّز الغازات السامة المستخدمة للأغراض العسكرية بأنها تبقى فعّالة بيئياً لفترة طويلة، على عكس المُركّبات السامّة المخصّصة لمكافحة الحشرات والفطريات والبكتريا وغيرها. وثمة 1500 نوع من الغازات السامّة المُستعملَة في الزراعة، وتمتلك غالبيتها تركيباً عضوياً سريع التحلّل، كما تتضاءل قوتها بسرعة مع مرور الزمن.

الحياة

نموذج ثالث من التدخل…/ حازم الأمين

على رغم أن التحالف الدولي أمتن وأوسع هذه المرة، فإن الفارق في التصميم لتحقيق الهدف أحدث فارقاً ملموساً في الاندفاعة نحو خوض الحرب بين كل من العراق في 2003 وسورية في 2013. ويبدو أن ثمة إرباكاً في تحديد الهدف هذه المرة، فخطوة مباشرة القصف كبيرة، لكن الهدف غير مُحدد حتى الآن. إسقاط النظام أم معاقبته أم إضعافه؟ ولكل هدف من هذه الأهداف شروط لا يبدو أن الغرب قد استعد لها بما يكفي.

الدرس العراقي جلي على هذا الصعيد، فقد أعدت الإدارة الأميركية في حينه العدة لما اعتقدت أنه كل شيء. من مؤتمر لندن الذي بدت فيه المعارضة العراقية منسجمة، إلى مؤتمر أربيل ألذي طُبخ فيه شبه «حكومة بديلة»، وبين المؤتمرين انكشفت قابلية عراقية غير مسبوقة للانخراط في تجربة يصوغها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية من ألفها إلى يائها. هكذا، إلى أن سقط صدام حسين وكانت التجربة المريرة التي أعقبت السقوط وانتهت إلى انتقال النفوذ في بغداد من واشنطن إلى طهران.

التجربة الليبية كانت أقل مرارة، لكنها لم تخل من دروس سلبية. قُتل العقيد القذافي على نحو أبشع مما قتل صدام حسين، وانتقلت السلطة إلى نُخب غير مأمونة الجانب، ودفع الأميركيون ثمناً رمزياً حين قُتل سفيرهم على يد «ثوار» شاردين.

يجري اليوم البحث عن تجربة من نوع ثالث في سورية، فمعاقبة النظام على استعماله الأسلحة الكيماوية أمر لا بد منه. لا يمكن الغرب أن لا يُقدم على ذلك، فالأسلحة الكيماوية أمر لا تقتصر المخاوف منه على حياة السوريين. السكوت يعني ضوءاً أخضر لاستعماله أيضاً في غير سورية، والسكوت عنه يعني قبولاً بإدخاله في معادلة الصراع مع إسرائيل. لكن إبداع النوع الثالث من التدخل لن يأتي بما يُرضي السوريين، ذاك أنه سيجعل من قضيتهم في مانيفستو الحملة العسكرية ثالثة الأولويات، تأتي قبلها ضرورة إعطاء درس لمن تخوله نفسه استعمال هذا السلاح، ثم طمأنة الإسرائيليين، وبعد ذلك معاقبة نظام البعث على قصف الغوطتين بالأسلحة الكيماوية. وسيعني ذلك أن إسقاط النظام ليس أولوية، لا بل ليس هدفاً. وهو ما ولد غموضاً رهيباً وجعل من مهمة الاستشراف مستحيلة.

والحال أن مسؤولية المعارضة السورية عما آلت إليه القناعة الغربية ليست قليلة، تماماً مثلما هي مسؤولية الحاضنة العربية والإسلامية للثورة في سورية. فالفارق في تجارب التدخل ليس لمصلحة العرب على الإطلاق. التجربتان العراقية والليبية في مقابل التجربة اليوغوسلافية (البوسنة وكوسوفا) هو لمصلحة الثانية بما لا يُقاس. وحين يُستحضر التدخل العسكري كنموذج فاشل في إنقاذ الشعوب من مستبديها، يُستحضر العراق وتُستحضر ليبيا، ومن يسعى إلى دحض هذا الافتراض ما عليه إلا أن يستحضر تجارب إنقاذ الغرب مسلمي أوروبا من مستبديهم من القوميين الصرب.

اليوم يجري البحث عن صيغة لمعاقبة بشار الأسد لا تنطوي على قرار بإسقاطه. يُخلف ذلك مرارة في أوساط السوريين المناوئين لطاغية دمشق. كما يُخلف تساؤلات عن الهدف من وراء الضربات إذا لم تكن هادفة لإسقاطه، وتترافق التساؤلات مع تفسيرات تميل إلى أن وراء ذلك رغبة في إبقاء الأسد وفي مد أمد الحرب في سورية.

والحال أن النقاشات في الغرب تجري على نحو مختلف تماماً. تجري في البرلمانات المنتخبة، وفي وسائل إعلام شديدة الحساسية حيال بطش النظام في دمشق وحاسمة في قناعاتها لجهة إجرامه. لكن ثمة عوامل أخرى حاسمة بالنسبة إلى تجارب هذه الدول. ومن يسمع النقاشات في البرلمان البريطاني يستشف حجم التحفظ عن إنقاذنا. فالمعارضة السورية لم تُقدم ما يمكن أن يخاطب أحداً في الرأي العام الغربي، والخسارة في العراق ما زالت حاضرة، والمسؤولية عن ذلك في الوعي الغربي ليست بعيدة عن مغامرة التدخل لمصلحة مجتمعات غير جاهزة لمهمة الانتقال إلى نموذج آخر من الحكومات.

موقف المعارضة غير الحاسم من دولة العراق والشام ومن جبهة النصرة أمر حاسم على هذا الصعيد، وعجز الائتلاف الوطني السوري عن تشكيل حكومة وعن إدارة مناطق سيطرة المعارضة كذلك. ثم إن عدم وضوح وجهة المعارضة في ما يتعلق بمسائل إقليمية كمفاوضات السلام واحتمالات الانضمام إلى «الهلال الإخواني»، كل هذه العوامل ساهمت في جعل الضربات مقتصرة على بعديها التأديبي والردعي.

وإذا استبعدنا السؤال: ماذا بعد السقوط؟ يبقى أن نسأل ماذا بعد إضعاف النظام؟

الإجابة مخيبة حتى الآن، فمراقبة أداء المعارضة السورية تُفضي إلى حقيقة عراقية حتى الآن. المستعد الوحيد للاستثمار في الضربات هو، في الشمال السوري، الجماعات الإسلامية التكفيرية التي تسيطر على مدينة الرقة، وعلى أجزاء واسعة من محافظات حلب وإدلب ودير الزور، وفي دمشق، كتائب هشة من الجيش الحر ضعيفة التنسيق ولا يجمع بينها إلا بطش النظام.

ستُـشكل الضربات امتحاناً أخيراً للمعارضة في سـورية. لن تقـوم للنظام قائمة من بعدهـا، وسيـكون نمـوذجـاً عن النظام في العراق بين 1991 و2003. لكن احتمال بقائه لإدارة موت سورية سـتكون قائـمة كما كان عليه حال قرينه العراقي، إلا أن المسؤولـية هنا ستـكون على المـعارضـة التي ستـكون أمام مهمتين، الأولى داخـلية وتـتعلق بإقناع السوريين بأنها نموذج للإنتـقال إلـى ما بعد البعث، والثانـية خارجـية وتتمـثل في تقديم عرض متكامل ومقنع لمن نُطالبهم اليوم بالقضاء على ديكتاتورنا.

الحياة

إنّه هو الذي يتحمّل المسؤولية/ يان روس

ترجمة: جمال خليل صبح

ولكن أليس الجميع يتمتّعون بنفس الدرجة من السوء، النظام السوري والمتمردون، السنّة والعلويون، الجنود المجرمون والمقاتلون الاسلاميون؟ بالنسبة لكثير من الناس، وخاصة أولئك المتابعين للأوضاع عن بعد بشيء من الدهشة، تبدو صورة الحرب الأهلية في سوريا وكأنها غيمة محشّوة بكثير من الجوانب السياسية والأخلاقية غير واضحة المعالم. كيف يمكن التفريق بين الخير والشر، بين الأحزاب المتصارعة هناك؟ لماذا يجب أن يكون هناك تدخّل عسكري ما من أجل نصرة أوغاد على أوغاد آخرين؟

إن الهجوم بالأسلحة الكيماوية الذي حدث الأسبوع الماضي، والذي تحوم حوله جملة من التأكيدات بأن النظام هو من قام به بالفعل، قد أخرج العالم أجمع من تلك الحالة من الشعور بالعجز الداخي والتّردد. ليس هناك أفعال أخرى قام بها المتمردون حتى الآن يمكن مقارنتها بما حدث: لقد قام النظام بكسر «محرّم» دولي متجاوزاً كل الحدود، ومقدماً في الوقت نفسه فرصة لتشكيل وضوح أخلاقي يتعلّق بالوضع في لحظة حساسة. نتيجة لذلك، وليس فقط بشكل يتناسب مع حجم الجلل، هناك حديث وللمرة الأولى عن احتمال القيام بعمل عقابي–عسكري قادم ضد الأسد تغذّيه اللحظة الراهنة.

بالمجمل، لا يمكن القول بتاتاً بأن المعارضة السورية هي الضحية والبريئة الوحيدة على طول الخط في هذا الصراع. هناك العديد من جرائم الحرب والأعمال الفظيعة التي قام بها مناهضو الأسد المقاتلون أيضاً. لعلّ أكثرها مدعاة للرعب هي تلك الواقعة التي حدثت في شهر أيار الفائت: لقد ظهر على الإنترنت فيديو لأحد قادة المتمردين بالقرب من مدينة القصير السورية يقوم فيه بانتزاع قلب وكبدة من جثة جندي من قوات الأسد، قبل أن ينهش بعضاً منها على وقع نداء «الله أكبر».

بين معارضي الأسد هناك أيضاً مليشيات إسلامية توزّع رعبها في كامل البلاد وتمثّل خطراً داهماً على المنطقة كلها. يمكن القول أيضاً بأن التطرّف والراديكالية قد أصاب بدوره أطرافاً كثيرة على الجّهة المناهضة لنظام الأسد. هناك الكثير من الأمور التي حدثت فيها تجاوزات كبيرة، وبشكل يدعم الاعتقاد بأن البلاد قد لا يكتَب لها المرور بفترة من الراحة على المدى المنظور، فيما يُخشى أن تستمر دوامة العنف في انطلاقها من العقال بشكل مريع. سيكون ذلك كابوساً بألا تعود الأمور متمحورة حول الأسد ومعارضيه السياسيين، بقدر لا تعدو عن كونها مجرّد كراهية قاتلة تتنقل من طرف لآخر ضمن مجموعات دينية وأهلية في البلاد.

نقطتان يجب عدم إغفالهما في هذا الحديث هنا:

يجب القول بأنّ الراديكالية التي تسم مجموعات كثيرة من المتمردين السوريين ليست من صلب طبيعتهم، وإنما يعود جزء كبير منها إلى الطريقة التي سلكها العالم تجاه الأزمة. أصحاب المسؤولية السياسية بشكل أو بآخر من سوريين، بالإضافة إلى قوى المعارضة التي تبدي انفتاحاً نسبياً تجاه الغرب، لم يتلقّوا سوى الكلام المعسول، ذلك السلاح غير المجدي في الحقيقة، وبعضاً من شحنات الرصاص. هؤلاء بالذات ليس لهم في الواقع إلا استساغة فكرة التدخّل العسكري على مضض. ببساطة، حتى الآن لم يتم في هذه الحرب فعل شيء مُجدٍ له علاقة بالأصول والقواعد وامتهان لغة العقل. ليست أعجوبةً على الإطلاق أن تكون الراديكالية هي الصّيغة الأكثر إثارة وألقاً من بين البدائل. كان يتوجّب فعل أكثر من ذلك للدّفع بالأشياء الصحيحة كي يتم فرملة تلك الأشياء الخاطئة.

أما النقطة الأخرى فهي مهمّة جداً من أجل تقييم الموقف سياسياً وأخلاقياً. قبل ذلك، يجب على الشخص أن يتمتّع بالوضوح التّام عندما يتحدّث عن الطرف الذي أشعل العنف أولاً: من الذي ألهب ديناميات العنف وصعّدها من بالبداية حتى الآن؟ إنه ذلك النظام الجاثم في دمشق. لم يبدأ الصّراع في منتصف آذار 2011 من عامين ونصف على شكل انتفاضة، وإنما كان عبارة عن مظاهرات سلمية جاءت في سياق الربيع العربي. لقد كان نظام الأسد هو من قرر التصدّي بوحشية وفظاعة للاحتجاجات بدلاً من القيام بإصلاحات جذرية وجادّة على سبيل ديمقراطي واضح. لقد سلّم الدكتاتوريين أمثال بن علي وحسني مبارك السلطة بعد فترة وجيزة من الانتفاضة عليهم. إلا أن الأسد قد قرر عوضاً من ذلك إعلان الحرب على شعبه.

منذ ذلك الحين لم يكن إلا النظام وحده هو من تخطّى صنوف العنف كلها، وهو الذي كان السبّاق دائماً إلى استخدام كل الأساليب القتالية. لقد استخدم الدبابات (منذ شهر أيار 2011، بالمناسبة) والمدفعية الثقيلة، وسلاح الجو بكافة أنواع الطائرات الهجومية، لا بل وأخيراً استخدم صواريخ سكود بعيدة المدى. كل هذا التدريج في حدّة الحرب ووسائلها القتالية كانت القيادة في دمشق هي التي أظهرته وطبّقته. لقد استخدموا حتى القطع البحرية والمدافع التي كانت تعمل من الزوارق الحربية، كان ذلك في آب من عام 2011 في مدينة اللاذقية، وقبل حدوث أية اشتباكات حولها كما هي عليه الحال الآن.

طبعاً، هذه الأسلحة لا يمكن استخدامها إلا من قبل القوات النظامية حصراً، وذلك لعدم وجود جهات أخرى قادرة على الحصول عليها غير الحكومة السورية. بالمقابل، عدم امتلاك المتمردين ذلك النوع من الأسلحة الثقيلة وانتفاء النديّة في المواجهة لم يجعل النظام يراجع خياراته، أخلاقياً على الأقل. كل هذا لن يغيّر من الحقيقة بأن المسؤول الأول عن كل الأعمال القذرة وتهديم بلاده هو النظام، الأمس واليوم. إنّ القيادة في دمشق هي عجلة التدمير التي ابتُليت بها سوريا. إن المواطنين الذين يجب على الدولة، أي دولة، أن تضمن حمايتهم ورخاءهم هم أنفسهم الذين يعانون من تلك الدولة التي لا تكترث لهم. إن الوسائل العسكرية التي اتبعتها هذه الدولة، من قصف المناطق السكنية الآهلة من بعيد وصولاً إلى رميها بالقنابل العنقودية، هو المسؤول عن هذا الإرتفاع الكبير في عدد الضحايا من المدنيين. لقد كان الهم الأوحد للنظام هو تسويق المزيد من الخوف والرعب، أو حتى المضي قُدُماً في هذا السياق ما أمكن.

تماماً وعلى هذا النّهج من الإرهاب وانعدام المعايير تم استخدام سلاح غاز الأعصاب السام أيضاً. قد يتساءل أحدهم، لماذا قام الأسد بهذه الخطوة رغم معرفته بأنها ستجلب عليه أخطاراً من المجتمع الدولي؟ في الحقيقة لا سبيل لنا لمعرفة السبب الحقيقي الذي دفعه لارتكاب ذلك، إلا التكهّن. إلا أننا نرى بأن الارتفاع الملحوظ في استخدام أساليب العنف، ومنه إلى تطوير وسائل الحرب تدريجياً، هو التكتيك الناجح الذي اتبعه الأسد حتى الآن. في حال حصل أن تملّص من التبعات في هذه المرة أيضاً، فسوف لن يتردد في اعتبار الغاز السام أداة حرب أخرى بين يديه، يمكنه من خلالها الاستمرار في إحداث الفرق الجوهري الذي يبتغيه في سير المعارك حتى الآن. هذا سيسهم بشكل كبير في تخفيف الحمل عن قواته التي أصابها التشرذم والتعب في طول البلاد وعرضها على مدى السنتين الماضيتين. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل عسكري، يقوم على إرهاب الدمار الشامل، ولا يكلف جهداً كبيراً.

هي حقيقة أيضاً أن الحرب الأهلية في سوريا لا يمكن النظر إليها من خلال الأبيض والأسود. وكما يصح القول بأنه لا ينبغي النظر إليها بشكل رمادي أيضاً، وإنما بشكل فيه تدرّجات من الرمادي الفاتح إلى ذلك الرمادي الغامق، مما يساعدنا أكثر على تفهم الأمور بطريقة أفضل. من المريح جداً للكثيرين اعتبار الموضوع حلقة لا تنتهي من القصص المريعة، من اختلاط الأمور بطريقة دموية ونازفة لا يبدو أنّ لها نهاية في الأفق. في هذه الحال لا يتعيّن على الشخص أن يكون قادراً على بناء موقف مما يجري، ولا أن يحاول القيام بشيء ذي قيمة. هنا بالضبط تكمن قوّة المحاججة في نظرية الفوضى التي يُلحَق بها هذا الصراع: إن الوضع لا يسمح بتحليل ما، لذا فهي فرصة لاختلاق الأعذار، إن لم يكن التبريرات. هناك الكثير من الأسباب الوجيهة عن وجوب الحذر الشديد فيما يتعلّق بالخيار العسكري غربياً. ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن المعيار السياسي والأخلاقي وعدم الأخذ به مطلقاً. إنّ المسؤولية الرئيسية لفظاعات الحرب الأهلية في سوريا تقبع عند نظام بشّار الأسد.

موقع الجمهورية

عن خلفية التلويح بالحرب/ حسن شامي

نكتب بأنفاس محبوسة. وبأصابع قلقة. فمقاربة الأمور على وقع طبول حرب مجهولة الشكل، والنتائج تمرين شاق. قد تكون الكتابة، هنا، محاولة لتلمس السير على الحافة. نحسد أصحاب اليقينيات الجاهزة والمجهزة. ونحسد اللائذين بالتفسيرات والتعليلات التقنية عن حجم الضربة الموعودة وحدودها. المراوغة الشعورية التي اعتادها الناس ما عادت تجدي. نقصد بالمراوغة هذا الضرب من التحايل النفسي الذي يجيز لشخص أن يقول إنه هو وأهله بخير ما دامت القذيفة سقطت على بيت الجيران القريب. هكذا، تقاس المصائر السياسية والشخصية بالمسافة المتبقية عن لسان النار وانتشارها. ولأنها مسافات موقتة تبدو المصائر موقتة.

لقد أدمنا منذ سنوات التعاملـ بهذه الطريقة مع «المذبحة» العراقية. وكان اللبنانيون تحديداً جربوا إلى درجة الاستئناس هذا النوع من الخلط بين الحياة والبقاء على قيد الحياة. وعلى هذا الخلط، أو الالتباس اللاشعوري، تشكل نمط من العيش تكون فيه البيئة الأهلية، الطائفية أو القـرابـية أو المــناطـقـيـة، مـلاذاً يـدعمـه سيل من الشعائر والمعتقدات لتطبيعه وترسـيخه. على النحو المـراوغ هـذا جـرى التعـاطي مـع الأحداث الساخـنة في غـير بـلد مـن بلدان الربيع العربي الحارق لسنونواته وهي بعد في تحليقها.

لقد ساد، منذ اندلاع الانتفاضة التونسية، انطباع عريض مفاده أن الصفة العربية للحراك المتنقل بين مصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية، وبدرجة أقل في بلدان أخرى، ليس سوى تعبير عن جغرافيا شعورية وانفعالية تشمل كل المساحات الناطقة بالعربية وكل الفضاءات التي تولي اللغة العربية مكانة كبرى في تمثل الهوية الثقافية والوطنية. ثم رحنا نكتشف أن هذه الدفقات الانفعالية لا تتطابق مع أثقال الجغرافيا السياسية وخصوصيات التشكل التاريخي والوطني ونمط الاجتماع الغالب في كل بلد. الجغرافيا الانفعالية هي التي زينت لكثيرين منا أن الحراك الذي قلب الأوضاع في أشهر قليلة، بصرف النظر عن رأينا في وجهة وحيثيات الانتقال المصحوب غالباً بصعود كاسح للإسلام السياسي، في تونس ومصر وليبيا واليمن، سيطاول سورية ويخرجها بفعل عدوى سريعة الانتشار من الاستنقاع والاستبداد اللذين رعاهما نظام أمني شرس واستحواذي.

غير أن الأمور لم تجر وفق هذا التصور المتفائل والتبسيطي أيضاً. فالنظام الأسدي في سورية استخدم حتى النهاية شرنقة العلاقات الإقليمية والدولية التي أتاحت للنظام أن يكون عقدة تقاطعات وتشابكات تحفظ استمراريته وإعادة إنتاج نفسه من دون الارتهان الكلي لقوة أو محور بعينه. السياسة في عرف النظام الموروث عن حافظ الأسد، وعن حزب البعث في معنى ما، هي فن عقد الصفقات والمقايضات التي تحفظ له مكانة اللاعب الإقليمي الذي لا يمكن تجاوزه. واستدعى الحفاظ على المكانة والدور واحتكار السلطة والقوة باسم السيادة تجفيف القوة الاجتماعية وتعليب الشعور الوطني، والقومي العربي، بحيث يتطابقان مع الولاء للسلطة ومنظومتها الأمنية المتفشية والممسكة برقاب النسيج المعقد لمجتمع تعددي على غير صعيد.

لقد عول النظام منذ بداية الحراك السوري على مكابرة تستند إلى إطالة لعبة تعميم خوف الكل من الكل. وتزامنت هذه الإطالة مع ارتسام خرائط مضطربة ومقلقة لقوى تتنازع بنهم وجودي على السلطة في البلدان التي خلع رؤوس أنظمتها من دون أن تتضح وجهة جامعة ومشتركة للأطياف التي راحت تدعي، عبر صناديق الاقتراع أو باستعراض للقوة الخارجة من رحم كبت طويل، قيادة الحراك الثوري. وجـاء التـدخل الأطلـسـي في ليـبـيا، وإسـقـاط القذافي وقتله مع أكثر مـن خـمسين ألـف مدنـي، بمثـابـة هديـة مـغشـوشة هي في الحقيقة إعلان عن حاجة القوى الغربية إلى التحكم، قدر الإمكان وعلى نحو متسارع، بالمسار «الثوري» وآفاقه المحتملة. وساهم الحدث الليبي في تـسريع احـتساب المـصـالح ومواقع النفوذ والتأثير لدى قوى دولية وإقليمية متنافسة. وبهذه الطريقة فتح الباب أمام «لعبة الأمم» وراحت مساحات الاستقلال بالسياسات الوطنية، الاقتصادية وغير الاقتصادية، تتعرض للقضم عبر الابتزاز أو الإغراءات أو الضغط. وجرى تغليب لمنطق الاستنساب والكيل بمكاييل مختلفة. وينطبق الأمر نسبياً على الحالة اليمنية.

لا يشذ وضع المعارضة السورية، خصوصاً في الخارج وإلى حد كبير، عن هذه الترسيمة. وقد استفاد النظام من تعاظم لعبة الأمم وما يصحبها من مناورات وأكاذيب وتلفيقات وصفقات لتعزيز مقولته عن مؤامرة تستهدف موقع سورية ونظامها في لعبة الأمم بالذات. في الداخل كان النظام يدرك بطريقة شبه غريزية أن التحرر من الخوف، وهو الإنجاز الكبير للثورة، سيطلق العنان لمخزون هائل من العنف ومن نوازع الثأر واستعراض القوة والوجاهة الأهليين ويجرف الواجهة المدنية للثورة فلا يفضي بالضرورة إلى الديموقراطية ما يضعه في وضعية الأقل سوءاً. وتعززت مقولة النظام هذه بفضل تدفق آلاف الجهاديين الآتين من خارج سورية وتشكيل عشرات الكتائب المتنافسة في فنون التشريع والتكفير والقتل لا يقلل من شأنها التباسات مواقف قوى إقليمية حيالها وحيال «لغز» تسليحها وتمويلها وعبورها، ناهيك عن التباسات مواقف قوى وشخصيات بارزة في المعارضة السورية الداعية رسمياً إلى بناء دولة مدنية تعددية وديموقراطية بحيث تعرض الأكثر استقلالية للتهميش والإقصاء.

كل هذا يشكل خلفية منازلة تعد بالضراوة ما دامت البوارج تهدر في عرض البحر ومعها تصريحات تستأنف مناورات الخطاب المزدوج. لا حاجة للخوض في لعبة التسخين والتبريد التي تقودها قوى غربية أطلسية في مقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ولا للعبة التهويل بعظائم الأمور التي يقودها حلفاء النظام السوري كروسيا والصين وإيران. يبقى أن سيناريو التصعيد الحربي المستند إلى قضية استخدام الأسلحة الكيماوية في مجزرة الغوطة الرهيبة والفظيعة وفرضية تجاوز النظام للخطوط الحمراء يشبه إلى حد بعيد سيناريو أسلحة الدمار الشامل واستخدامها ذريعة من الإدارة الأميركية البوشية لغزو العراق وتدمير الدولة والجيش النظامي وتفتيت ما تبقى من اللحمة الوطنية، إضافة إلى سلسلة الفظائع الإنسانية التي رافقت الغزو. فقد صدرت اتهامات فيما تواصل لجنة المفتشين الدوليين عملها وتستعد لتقديم تقريرها قريباً جداً. وجاءت تصريحات الأخضر الإبراهيمي وكارلا ديل بونتي لتزيد شبهة التذرع بالكيماوي لشن حرب أو فرضها على هدير البوارج.

الحياة

الحكم الصادر ضد دمشق/ محمد الأشهب

لم يوجه مجلس العموم البريطاني رسالة خاطئة إلى سورية. لكنه أبان عن مدى احترام إرادة الناخبين، فيما النظام السوري يزيد إصراراً على إبادة شعبه الذي انتفض ضد الاستبداد. وبالقدر الذي يبدو الرأي العام الغربي متمسكاً برصد أهداف أي حرب، حرصاً منه على حياة جنوده، يقدم بشار الأسد نموذجاً سافراً في الاستخفاف بحياة شعب كامل، حوله إلى رهائن سياسته، إما قاتلاً أو مقتولاً.

عقدة الحرب على العراق لا يزال نفوذها مؤثراً. أقله البحث في دلائل قاطعة لإدانة نظام، لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولا يعني النقاش الواسع حول هذه المسألة، سوى أن قرار الذهاب إلى الحرب يتطلب مرجعية قانونية وأخلاقية، تخفف بعض تداعياتها المأسوية، بخاصة وأن نظام الأسد كان سباقاً في شن الحرب على المدنيين، ومثل أي دكتاتور يقايض كرسي الحكم بالدماء والجماجم، لم يبحث عن ذرائع لإعلان حرب طال أمدها. ولم تعد تقبل وقوف المجتمع الدولي في صف المتفرج الذي لا يبالي.

الرسالة البريطانية لم تخطئ العنوان. إنها دليل إضافي على أن الديموقراطية تختبر مداها في الفترات الحرجة، وأن الأيدي المطلقة لأنظمة الاستبداد تقابلها أيد مقيدة بالتزامات لا تحيد عنها. يكون محورها المصالح الإستراتيجية والحرص على حماية أرواح العسكريين، وعدم الإقدام على مغامرات غير محسوبة النتائج.

ليس في الأمر تردد، بل معاودة ترسيم دائرة الحرب القادمة، للحؤول دون زيغها عن أهدافها أو انبثاق حركات مناهضة لها في الشارع الأوروبي. ولعل الشفافية المطلوبة هي ما بات يحتم ربط قرار الحرب بمبررات موضوعية، تجعلها خياراً لا بديل منه. وفيما يبدو الغرب في طريقه لأن يتعلم من أخطائه، ويضع الاعتبار الكامل للرأي العام المعني بالحرب تمويلاً ودعماً أو تشكيكاً وتردداً، تبدو الصورة مغايرة في سورية. إذ لا أحد يريد أن يتعلم من الأخطاء التي قادت إلى انهيار أنظمة عدة.

بيد أن رصيد النظام السوري في النكسات لم يتوقف. فقد أجبرت قواته على الانسحاب من لبنان، ولم يستوعب الرسالة، وجرى تصنيف الذراع العسكرية لـ «حزب الله»، بما يحد من نفوذه، لكن ذلك زاد طبيعة تحالفه القائم مع النظام السوري. فيما الدرس العراقي لم يغيّر شيئاً من عقيدة بشار الأسد الذي تحيط به الحرائق من كل جانب.

لم يكن من قبيل الصدفة أن واشنطن قطعت حبال الاتصال مع موسكو، على خلفية لجوء عميل استخباراتي أميركي إلى روسيا. فقد حدث ما يشبه هذه الحالات كثيراً في حروب الاستخبارات. ولم يصل الأمر إلى القطيعة، ما يعني أن إدارة الرئيس باراك أوباما أرادت توجيه رسائل إلى موسكو لثنيها عن استمرار دعمها لنظام بشار الأسد. والحال أن الأميركيين فتحوا كوة صغيرة في جدار الحوار مع إيران، وإن بدا محتشماً في البحث عن مفقودين أميركيين، لكن هذا التحول على رغم محدوديته يروم رفع بعض الغطاء الإيراني عن سماء دمشق. وسيكون على نظام الإصلاحيين الجدد في طهران أن يحسب كثيراً قبل الانكفاء، بخاصة وأن تجربته السابقة مع أميركا في الحرب على العراق أهدته بلاد الرافدين على طبق من ذهب. ومن يدري فالأطماع الإيرانية لا حدود لها، كما أن الصداقات والعداوات لا تخضع لغير معيار المصالح المتبادلة. ولا شك ان طهران سترصد تصرفات الجار التركي بكثير من الحذر. فيما تبدو أنقرة في وارد معاودة عقارب الساعة إلى فترة «التسامح» الإيراني – الأميركي، وعينها مسمرة على ما يمكن أن تجنيه من غنائم بعد انهيار نظام الأسد.

تميل الإدارة الأميركية إلى استيعاب الدرس، ولم يكن للتصريحات الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتلك التي أطلقها الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي أن تمر من دون صدى. أقربه أن قرار الحرب اتخذ، وأن تنفيذه لا يتطلب أكثر من تقليب صفحات المرجعية القانونية والأخلاقية التي تعزز المواقف. وما أشبه نظام بشار الأسد بذاك السجين الذي صدر ضده حكم الإعدام. ولم يعد يؤرقه شيء سوى حلول موعد تنفيذه. فالبوارج الحربية لها وقعها أيضا مثل الأقدام الثقيلة التي تعبر ممرات الموت. ليلة تنفيذ حكم الإعدام الذي لا يحتمل أي نقض أو إرجاء.

الحياة

اطمئنوا … انها ضربة “محدودة”/الياس حرفوش

قد تأتي الضربة الاميركية المنتظرة لسورية الليلة او غداً، مع صدور هذا المقال او بعد ايام من صدوره. لم يعد التوقيت مهماً. المهم الآن والبارز على سطح الاحداث هو ان ضربة باراك اوباما لبشار الاسد آتية لا محالة. انه اوباما الجديد الذي لم نتعرف على وجهه الخشن منذ انتخابه هو الذي نراه اليوم على الشاشة، متلبساً وجه جورج بوش الابن وبيل كلينتون وجورج بوش الاب، يقود مغامرة جديدة في ساحات الشرق الاوسط.

لم يكن اوباما يرغب في تورط كهذا. تفاداه حتى اللحظة التي صار فيها تفاديه يعتبر هزيمة لأميركا ذاتها. لا تعادلها سوى الهزيمة التي يمكن ان تتعرض لها في الحرب الفعلية. جلس اوباما في مكتبه البيضاوي في البيت الابيض على مدى سنتين ونصف السنة، يحصي أعداد القتلى من ابناء الشعب السوري بعشرات الألوف، وأعداد الجرحى بمئات الألوف، وأعداد المهجرين بالملايين، الذين ملأوا شوارع المدن والساحات والمخيمات التي استطاعوا الوصول اليها في البلدان المجاورة، من تركيا الى الاردن الى العراق الى لبنان. وماذا فعل رئيس الولايات المتحدة طوال هذه المدة؟ لا شيء! الى ان زلّ لسانه وارتكب ذلك «الخطأ» ذات يوم من شهر آب (اغسطس) من العام الماضي، فحذّر بشار الاسد من تجاوز «الخط الاحمر» وعدم استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه.

لم يفهم نظام بشار من ذلك سوى انها رسالة مهادنة من اوباما مفادها: اقتل منهم من تشاء وبالأعداد التي لا توجع «ضميرك». فقط، استخدم اسلحة لا تحرجني امام العالم، ولا تظهرني كرئيس ضعيف لأميركا قوية. اعتقد بشار ان سقف الحماية الروسية وحلف «الممانعة» والعجز الغربي حيال القتل المتمادي ليست سوى تراخيص تجيز له ان يفعل بشعبه ما يشاء. أليس ان هذا شعبه، وليس امامه سوى تأديب هذا الشعب بكل الوسائل، اذا تحوّل الى مجموعات من «الارهابيين»؟

لم يبقِ بشار اي فرصة امام اوباما للهرب من مواجهة الازمة السورية. مع ذلك، اختار الرئيس الاميركي أهون انواع المواجهة. وصفها بنفسه بأنها مواجهة «محدودة»، مطمئناً الرئيس السوري الى ان نظامه باقٍ، وأن قدرته على استئناف القتل لن تمسّ. فقط بضعة صواريخ «كروز» لإنقاذ سمعة اوباما في الداخل وأمام الحلفاء، كي لا يقال ان كلمة رئيس الولايات المتحدة صارت بلا قيمة امام العالم.

من كلام اوباما الى شبكة «بي بي اس» (PBS) الاميركية العامة يوم الاربعاء الماضي يمكن استخلاص الكثير. ولا شك في ان الرئيس السوري وحلفاءه تمعنوا في هذا الكلام واستخلصوا منه ما يرضيهم. يقول اوباما: هذه مجرد اشارة الى الاسد ان من الافضل له ألا يفعلها مرة ثانية (المقصود ألا يقتل السوريين بالكيماوي مجدداً). ويضيف اوباما ببلاغته المعهودة (!): … لكن هذا لن يحل كل المشاكل داخل سورية، كما انه لن ينهي قتل المدنيين الأبرياء داخل سورية.

بكلام آخر، يتوسل اوباما الى الاسد ان يتفهم «ظروفه». انه مضطر «لارتكاب» هذه الضربة، ويأمل ألا يحرجه الرئيس السوري بالكيماوي مرة اخرى. هناك وسائل عدة اخرى «مقبولة» لقتل السوريين. رجاء، لا تكرروا هذه الغلطة مع رئيس اميركا. فقلبه لا يتحرك الا امام منظر ضحايا الكيماوي.

لا تهدف الضربة الاميركية الى تغيير شيء على الارض في سورية. لا الى تغيير ميزان القوى بين النظام والمعارضة ولا الى الحد من اعمال القصف بالطيران والبراميل المتفجرة. ولا طبعاً الى اسقاط النظام. ويخطئ من يقارن بين ما ينوي اوباما ان يفعله في سورية وما فعله بيل كلينتون بعد عام 1995 لإرغام الصرب على التفاوض ومن اجل انقاذ اقليم كوسوفو بعد ذلك بأربع سنوات. لقد تأخر القرار الاميركي في سورية كثيراً الى ان تضاعفت شراسة النظام وازداد التفكك في صفوف المعارضة واخترقتها كل صنوف المقاتلين و «المجاهدين» من كل حدب وصوب، وبات الحل السياسي بعيد المنال.

الحياة

الضربة الأميركية من زاوية عربية/ خالد الدخيل *

هناك سبل كثيرة للنظر إلى الضربة الأميركية المتوقعة ضد النظام السوري على خلفية استخدامه السلاح الكيماوي ضد مواطنيه. هناك من هو مشغول بحجم هذه الضربة، وهناك من يتركز اهتمامه على توقيتها. وثالث يتساءل عن إمكان فبركة واشنطن والأمم المتحدة – وفي شكل عام الغرب – للدليل على استخدام الكيماوي من قبل النظام السوري. ورابع يرى ضرورة الاهتمام بتداعيات هذه الضربة، وهل ستؤدي إلى حرب إقليمية؟ وخامس يتمنى، وسادس يخشى أن تؤدي الضربة إلى سقوط النظام السوري. أنا أكتب ظهر أمس السبت، وبالتالي فربما أن الضربة حصلت قبيل ساعات من طباعة هذا المقال، وفي ظني أن الضربة لن تحصل قبل يوم غد الإثنين، ولا بعد الخميس المقبل.

كل ما سبق زوايا نظر مهمة لموضوع مهم، لكن هناك زاويا أخرى لا تقل أهمية، بل ربما أنها أكثر خطورة حتى من الضربة ذاتها. لهذه الزوايا ميزة تفرقها عن غيرها، وهي التي تضفي عليها أهمية وخطورة أكثر من غيرها، وهي أنها زوايا عربية قبل أي شيء آخر. أهم هذه الزوايا العربية تتمثل في السؤال الآتي: كيف ينبغي أن ننظر الى الضربة الأميركية؟ هل هي لخدمة المصالح الأميركية؟ أم لأجل تحقيق مصالح الشعب السوري؟ ماذا ينبغي أن يكون عليه موقفنا من هذه الضربة؟ هل نحن معها أم ضدها؟ أم ينبغي لنا أن نكون في موقف بين الموقفين؟ والغريب أن هذه الأسئلة – وللدقة هذه الارتباكات – تتجاور تماماً مع شبه إجماع عربي رسمي وغير رسمي على دموية النظام السوري، وعلى أنه نظام قاتل، وأنه السبب الأول والأهم في كل المآسي التي مرّ ويمر بها الشعب السوري منذ ما قبل الثورة وبعدها، وبالتالي فإن سقوطه أو تغييره أو استبداله سيكون في مصلحة هذا الشعب. لكن بعد كل ذلك، ليس هناك اتفاق على أي شيء تقريباً. سيقال إن هذه الأسئلة وحال الخلاف والشقاق حولها تعبر عن عجز متمكن، وعن ارتباك متفشّ بين الجميع أمام حدث كبير غامض في مصادره وأهدافه ومآلاته، وأن مرد ذلك العجز والارتباك الى حال انقسام مزمن بين العرب على كل شيء، وعلى كل مستوى تقريباً. هذا صحيح، ولكن هناك ما هو أقرب الى الحقيقة، وأكثر تعبيراً عن هذا الواقع، وهو أن إشكال الضربة ينبع من حقيقة أنها ستأتي من الولايات المتحدة ومن خلفها الغرب ضد نظام عربي. هنا يبرز السؤال: هل كون النظام عربياً يجيز التغاضي عن جرائمه؟ سيقول الجميع من غير أتباع وأنصار النظام: لا. الجريمة تبقى كذلك مهما كانت هويتها، لكن أن يأتي عقاب جريمة طرف عربي من طرف غير عربي، ومن الغرب تحديداً يجعل منه أمراً محل شبهة يقتضي رفضه، أو على الأقل حرمانه من مشروعية الموافقة العربية عليه. الضربة الأميركية تهدف الى خدمة مصالح أميركية وهي غير معنية بمصالح الشعب السوري ولا بمصالح العرب. وهذا صحيح تماماً، لكن مأزق هذا الرأي أنه يتوقف عند هذا الحد، حدّ الرفض ولا يتجاوزه، ويستند في جوهره إلى تبرير أخلاقي هشّ، بل وزائف أمام حال سياسية تفرض نفسها على الجميع. هل هناك فرق من الناحية الأخلاقية أو القانونية بين أن يُقتل العربي بيد عربي آخر، وأن يُقتل على يد طرف غير عربي؟ ينطوي السؤال على عنصرية باذخة. قتل الإنسان محرّم لأنه إنسان قبل أي شيء آخر، فما بالك عندما يتم تدمير بلد بكامله لأجل أن يبقى الرئيس في سدة الحكم. سورية تدمر وشعبها يُقتل في شكل يومي، ويتحول إلى لاجئين في المنافي في شكل يومي أيضاً. والعرب عاجزون أو لا يريدون أن يفعلوا شيئاً. من حقك أن ترفض التدخل الأجنبي في الأزمة، لكن ليس من حقك أن ترفضه من دون أن تقدم بديلاً منه. أنت بهذا الموقف تمنح رخصة مجانية للنظام لمواصلة التدمير والقتل، أما الحديث عن المصلحة فهو نوع من اللغو. من الطبيعي أن يعمل الغرب لأجل مصالحه، وهذا يحسب له لا عليه. هل هناك من يعمل لمصالح غيره؟ لماذا لا يعمل العرب لأجل مصالحهم؟ هل الأتراك أو الإيرانيون أو غيرهم يعملون لمصالح العرب؟ هذا نوع من الهذيان. ثم إن السوريين من غير قيادة النظام وأتباعها هم أصحاب القول الفصل في تقرير الموقف من كل ما يتعلق بالمأزق الذي يعيشونه، ويدفعون ثمنه يومياً.

الطرف الأول الذي فرض المأزق على الجميع هو النظام السوري، والدول العربية فرضت بعجزها عن فعل أي شيء في هذه الحال أيضاً. هناك دول عربية تعلن رفضها للضربة بطريقة مرتبكة لا تجعل لرفضها مترتبات سياسية معينة، وتكتفي بأن تكون شاهد زور على ما سيحدث. نموذج ذلك مصر في عهد الانقلاب العسكري. الأردن نموذج آخر لدولة عربية لا تعلن رفضاً ولا قبولاً للضربة، ولكن تؤكد أنها لن تكون منطلقاً لهذه الضربة. على الناحية الأخرى، هناك دول عربية تقبل ضمناً بالضربة لكنها تلوذ بالصمت ولا تعلن موقفاً، وقائمة هذه الدول طويلة من الخليج العربي إلى المغرب العربي. لبنان الأكثر تأثراً بالحرب الأهلية السورية منقسم في موقفه من الضربة بين شعار «المقاومة» وشعار «النأي بالنفس»، أما العراق الذي يعاني حرباً أهلية ونفوذاً إيرانياً ترتفع أكلافه يوماً بعد آخر، فيحذر من مخاطر الضربة ولكن من دون أن يعلن رفضاً قاطعاً لها. الجزء الحاكم من النظام العراقي منقسم بين ارتباط مع طهران على أساس مذهبي، وارتباط مع واشنطن على أساس سياسي، وانطلاقاً من ذلك سيذهب رئيس الحكومة نوري المالكي إلى العاصمة الأميركية لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع أميركا صاحبة الضربة.

الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان أعلنتا موقفاً واضحاً من الضربة هما تركيا وإيران. تركيا لا تؤيد الضربة وحسب، بل ومستعدة للمشاركة فيها. إيران ترفض الضربة وتطلق تصريحات رنانة، ولكنها مبهمة عن رد فعلها في حال حصلت. لن تفعل إيران شيئاً بعد انسحاب روسيا، وإذا كانت الضربة محدودة وقصيرة الأمد. موقف هاتين الدولتين لافت لجهة أنه يؤكد المؤكد، وهو أن الدول العربية المعنية أكثر من غيرها بحرب أهلية في بلد عربي، والأكثر تأثراً بتداعياتها وتداعيات الضربة الأميركية المتوقعة، هي الوحيدة التي لا تملك موقفاً سياسياً واضحاً ومتماسكاً. الأيديولوجيا العربية هي العائق الكبير أمام الدول العربية لإعلان موقف واضح من حدث يؤمن بعضها بضرورته، ويؤمن البعض الآخر بحتميته، وهذا ليس جديداً على أية حال. كنا في الموقع نفسه تقريباً في كل الأزمات التي عرفها العرب، أقله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما يكون الموقف العربي على هذا النحو، إما مرتبكاً بصمت أو رافضاً بصمت أو قابلاً بصمت أيضاً، فإنه يعبر عن ضعف سياسي وعجز عسكري، ومن ثم عن غياب للرؤية. والدولة من دون موقف متماسك ومعلن – وبخاصة في اللحظات الحرجة – ليست دولة تماماً. في هذه الحال يعبر ارتباك الرأي العام العربي وتناقض مواقفه ما بين سذاجة أخلاقية أو انتهازية سياسية، عن طبيعة الدولة التي ينتمي إليها، والخطاب السياسي الذي تعتاش عليه من أزمة إلى أخرى، ومن مأزق إلى آخر.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

الأسد يرحل أو يُضرب بصواريخ كروز/ راجح الخوري

المذبحة الكيميائية وضعت الازمة السورية امام خيارين: اما اقتياد بشار الاسد مخفوراً بالجرم الكيميائي الى مؤتمر جنيف لترتيب عملية انتقال سياسي تنهي عهده، وتدخل سوريا الحل الذي سترافقه خطة لوضع ترسانته الكيميائية تحت اشراف دولي، واما توجيه ضربة صاروخية محددة، وفق بنك اهداف وضعت احداثياتها العسكرية في فوهات النار لتدمير قوة النظام العسكرية، يرافقها هجوم من الحدود الاردنية للسيطرة على مخازن السلاح الكيميائي وفق خطة “الاسد المتأهب” التي يتم التدرّب عليها بين 18 دولة منذ أيار من العام الماضي.

كل شيء بات جاهزاً، واذا كان النظام تشاطر وفرض في اللحظة الاخيرة شرطاً في البروتوكول الموقع مع الامم المتحدة، يمنع المفتشين الذين دخلوا امس الى ساحة الجريمة من تحديد المسؤول عن القصف الكيميائي ويترك لهم فقط القول ما اذا كان هذا السلاح قد استعمل ام لا، فان الأدلة المتوافرة حتى الآن والتي يمكن ان تدين النظام تبدو حسيّة اكثر منها ظرفية، اولاً لأن عينات من ساحة الجريمة وصلت الى مختبرات العواصم الغربية، وثانياً وهو الأهم لأن النظام المريب يكاد يقول خذوني، وهذا ليس خافياً على اميركا وفرنسا وبريطانيا وباقي العواصم، بما في ذلك طهران تقريباً [راجع تصريح حسن روحاني] والدليل ان النظام تعمّد، على رغم اتصال جون كيري بوليد المعلم، تأخير دخول المفتشين ساحة الجريمة مدة خمسة ايام ما دفع واشنطن ولندن وباريس الى القول إنه لو لم يكن لديه ما يريد اخفاءه لكان عليه ان يسمح بدخول فوري للمفتشين، وخصوصاً عندما زعم ان المعارضة هي التي استعملت الكيميائي.

يعرف الروس ان تحذيرهم من ضرب النظام بات بلا معنى، وعندما يتوافر اجماع دولي على ان ما جرى هو “جريمة ضد الانسانية” فذلك يعني ان مناورات تعطيل مجلس الامن انتهت، لأن القانون الدولي يسمح بضرب اي دولة ترتكب مثل هذه الجريمة، وعلى رغم ان فلاديمير بوتين كان يحلم بالحصول ولو على جائزة ترضية من المأساة السورية اي قيام الدولة العلوية، فانه خسر كل شيء في الغوطتين الغارقتين في موت جماعي ساهمت التقنيات الروسية في تصنيعه.

إن لم يكن السلطان قابوس مكلفاً إفهام الايرانيين ان زمن القرقعة بالتهديدات انتهى، فان جيفري فيلتمان سيبلغهم الامر مباشرة: إما ان يذهب الاسد الى جنيف ليوقع على حل ينهي عهده، وإما ان تتساقط صواريخ الـ”كروز” على اهدافها المحددة وينطلق الهجوم الدولي للسيطرة على الترسانة الكيميائية ومنع وصولها الى المتطرفين اياً كانوا.

واذا لم يحصل شيء من كل هذا، يكون الاسد قد حصل على رخصة دولية للمضي في سلسلة جرائمه ضد الانسانية!

النهار

الغرب وأحداث الغوطة الشرقية!/ مرزوق الحلبي

مات أهل الغوطة الشرقية بغاز السارين أو غيره، لا يهمّ، فقد قُتلوا غير آبهين بالسلاح الفتّاك الذي أفنى أرواحهم. أما الأحياء فمشغولون منذ انكشاف الجريمة بلغز تحديد السلاح الذي أودى بكل هذه الأرواح! بمعنى أن هناك موتاً معقولاً نوعاً ما وآخر غير معقول. هناك موت مهضوم وموت غير مهضوم. الشكل الذي يحدث فيه الموت يُحدّد للأسف شكل التعامل معه ومع حصوله. ويصير الموضوع شكل الموت وأداته وظروفه وليس الميتين فيه!

هكذا يبيّن لنا السجال المحتدم راهناً حيال مشاهد المجزرة المروّعة في الغوطة الشرقية. مجزرة، يبدو فاعلها مُحكماً، لأنه استطاع أن يقتل كل هؤلاء الناس من دون أن تسيل من دمهم قطرة واحدة. موتى من دون دم مسفوح! موتى من دون بشاعة ظاهرة. هكذا، اعتقدَ أنه موت أسهل وأقلّ وقعاً على العالم. هكذا، اعتقد ليتضح له ولنا أن هذا الموت الهادئ – بضعة صواريخ فقط – أشدّ فتكاً بالبصر والبصيرة من أي موت سبقه. هذه الطوابير من الموتى بالتكنولوجيا النقية أشدّ فتكاً وهولاً.

عندما قضى العشرات في قصف إسرائيلي بالخطأ على قرية قانا اللبنانية، أوقف شمعون بيريز، وكان في حينه رئيس الحكومة في إسرائيل، عمليته العسكرية ضد لبنان والتي سمّيت إسرائيلياً بـ «عناقيد الغضب». أمر جيشه بالتوقف عن إطلاق النار! وانكفأ الجيش وسكتت مدافعه! لأنه رأى عاره بأم عينيه ورآه العالم صريحاً سافراً جرّ آلياته وخيبته من وجهه في مرآة قانا وعاد. فهل يوقف طُغاة الشام حربهم ضد الناس بعد هذه المجزرة! سؤال في الهواء لا أستبعد أن يجرّدوا عليه حملة مثلما بدأت حملتهم ضد غرافيتي كتبه فتيان درعا بعفوية الصبا على جدران حارتهم.

قد لا نتوقع شيئاً من طُغاة الشام، لكننا نتوقعه من العرب العائدين من الأندلس ومن العرب الذاهبين إلى الجنّة. وقد لا نتوقع شيئاً يُذكر من الغرب الذي لا يرى حتى الآن أي داع للتدخّل فقط لأن الضحايا غير مسيحيين. وقد درج هذا الغرب قبل اتضاح غربيته بالكامل على التدخل في شؤون الامبراطورية العثمانية كلما تعرض المسيحيون فيها للخطر أو بحجة تعرّضهم للخطر. عدم تدخلهم عنصري في أساسه مثلما هو تدخلهم في الشأن العربي عنصري ونفعي في معظم الأحيان.

لا يعدم العالم آليات تنظم تدخله في سورية لكن تنقصه الإرادة في ذلك. فالفصل السابع من نظام أساس مجلس الأمن ينصّ صراحة وبالتفصيل (بنود 39-52) على كيفية القيام بذلك ومراحله وأشكاله وإمكانياته ومسوغاته. وفي الحاصل، في سورية ألف مسوّغ للتدخل المتعدد الأشكال. لكن العالم – محافل دولية ومنظمة الأمم المتحدة والمحاور العظمى ومجلس الأمن – لا يُريد، حتى الآن على الأقلّ، أن يتدخل على نحو يوقف هذا المشهد المروّع القادم من سورية والمرشّح لتوليد المزيد من المجازر بالغاز أو بالنار أو بالسلاح الأبيض. لماذا لا تُقام المناطق الآمنة مثلاً؟ لماذا لا يتم قصف مراكز الحكم ومفاصل القوة التي لا يزال النظام السوري مستحكماً فيها يوجّه ضرباته منها ذات الغوطة وذات الساحل؟ لماذا لا يتمّ تسليح الثوار العلمانيين أصحاب المشروع السياسي الديموقراطي بالسلاح النوعي على منظوماته كلها؟ لماذا لا يمنحون السوريين والسوريات فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام الماكينة العسكرية للنظام وحلفائه من العراق وإيران ولبنان ومن غيرها؟ دفاع ممكن بالتسليح والدعم اللوجيستي والتدريب وما إلى ذلك من أشكال؟ لا تتدخلوا مباشرة، لكن زوّدوا الثوار على مزاجكم بالسلاح، وهو أضعف الإيمان!

مواد المحكمة الجنائية الدولية تشكل قاعدة أخرى للضغط على عصب النظام ورموزه. فلماذا لا يتم تفعيلها والاستناد إليها في محاصرة النظام ورموزه وكل جهة مساندة له في الداخل والخارج. أما تعريف أوروبا لـ «حزب الله» منظمة إرهابية، فهو خطوة مبكية مُضحكة وجاءت بعد خراب القصير!

يُمكن الغرب بدوله ومنظماته العابرة للقارات أن يفعل شيئاً آخر لكنه لا يفعل، ليس لأنه مقيّد اليدين بمصالح واعتبارات كما يحاول تبرير تقاعسه، بل لأسباب في عمق نظرته وتوجهاته إلى الإنسان العربي وثقافته ومصيره. وهي نظرة استعلائية في أساسها. صحيح أنها ثقافة لا تدعو إلى الفخر أبداً، لكن قصورها الأخلاقي لا يبرّر القبول بالصمت والتواطؤ وحصول المشهد ذاته يوماً بعد يوم من موت رعاياها. موت السوريين في الغوطة الشرقية في هذا الشكل يتجاوز وسط هذا الكلام الفارغ حدود العبث إلى الحقيقة الموجعة بأن الإنسان أحطّ المخلوقات كما أسس فرويد، وليس أشرفها!

الحياة

الكيماوي أقلق اميركا/ حسين عبد الحسين

في واشنطن، هدوء كالذي يسبق العاصفة في الموضوع السوري. توقفت التسريبات التي دأب البيت الابيض ووزارتا الدفاع والخارجية على تمريرها الى الصحافيين منذ يوم الخميس الماضي، ولولا المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية جون كيري، للحديث حول التطورات السورية والذي اعتبرته صحيفة “الواشنطن بوست” “خطاب حرب”، لكان المشهد السياسي الاميركي روتينياً بالكامل. الرئيس باراك أوباما يشارك في حفل تكريم عسكريين قاتلوا في افغانستان، والكونغرس في عطلته الصيفية المستمرة حتى نهاية هذا الشهر.

انقسم المعلقون والباحثون الى صفين في كتاباتهم. الاول يعارض اي “تورط” في سوريا من اي نوع كان، فيما الثاني يعمل على توقع توقيت الضربة واسداء النصائح للادارة حول الاهداف المطلوب ضربها وهدف الحملة المتوقعة. اما الرئيس الاميركي، فلا يزال ملتزماً الصمت.

أوباما دخل البيت الابيض على ظهر وعوده بانهاء حربي العراق وافغانستان، واستخدام الاموال المخصصة لهاتين الحربين في “بناء الداخل”، على حد تعبيره. وباستثناء عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة، اسامة بن لادن، والمشاركة الطفيفة في حرب ليبيا، نفذ الرئيس الاميركي وعوده بتقليص نشاط بلاده العسكري، بل بدا متردداً في كل مرة تلتفت اليه الانظار في قرارات عسكرية.

ابرز محطات التردد كانت في اعلان أوباما “خطة زيادة” القوات في افغانستان في العام 2011، اذ منح جنرالاته نصف عدد القوات التي طلبوها، وربط الزيادة باعلان تاريخ الانسحاب. وهو الاعلان الذي يعتقد كثيرون انه يمنح اعداء الحكومة الافغانية تاريخاً للعودة الى تشكيل صفوفهم للهجوم والاستيلاء على السلطة، بدلًا من قبولهم بالهزيمة التي من المفترض أن يلحقها بهم الاميركيون.

في المواضيع العسكرية، “يدوس أوباما على البنزين والفرامل في الوقت نفسه”، حسب التعبير الاميركي الرائج، فتأتي نتائج العمليات العسكرية نصف موفقة. ويبدو ان أوباما لا يأبه للانتقادات التي تطاله لتردده عسكرياً، وهو غالباً ما يقول لمقربين منه إن “اميركا ليست شرطي العالم”، ويعلن تمسكه بالمنظمات الدولية كبديل عن الدور الاميركي الاحادي.

في موضوع سوريا، وعلى عكس الاعتقاد السائد لدى البعض، لا توجد اي مصالح اميركية. اسرائيل، حليفة الولايات المتحدة المدللة، يمكنها تدبر امنها بنفسها. وهي قامت بعدد من الغارات الجوية ضد شحنات سلاح في سوريا كانت تعتقد أن وجهتها “حزب الله” في لبنان. كذلك، تم منح الاردن مئات الملايين من الدولارات من اجل التعامل مع وضع اللاجئين السوريين، ويجري التنسيق مع الاجهزة الامنية من أجل منع اي تمدد للصراع السوري الى اراضيه. في تركيا، نشر “تحالف الاطلسي” صواريخ باتريوت، في وقت تطير فيه طائرات اميركية من دون طيار من قاعدة انغرليك لمراقبة الحدود مع سوريا والعراق من اجل منع المقاتلين، الأكراد او غيرهم، من التسلل الى الاراضي التركية.

اذاً، القتل في سوريا لا يطال الا السوريين، ويصل بعضه الى لبنان. والبلدان كانا تحت تأثير النفوذ الايراني منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية منتصف آذار/ أيار 2011، ما يعني ان امكان فوز الاسد على الثوار لا يغير الكثير في التوازن الاقليمي، ولا يعني اميركا في شيء.

ومنذ اندلاع الثورة وسوريا لا تعني أوباما استراتيجياً، باستثناء موضوع واحد: الترسانة الكيماوية. طالما بقيت هذه الترسانة في مخازن النظام، طالما اعتقد غالبية اصحاب القرار الاميركيين ان لبقاء الاسد جانباً ايجابياً. وهو ما عبر عنه أوباما بوضوح قبل عام، عندما قال إن الامر الوحيد الذي قد يغير من حساباته هو “تحريك” او “استخدام” السلاح الكيماوي.

ويبدو ان الأسد لم يفطن الى ان بقاءه يرتبط بأمن السلاح الكيماوي، لا باستخدامه، تماما كما ارتبط بقاء نظام آل الاسد، لعقود، بهدوء الحدود السورية مع اسرائيل، لا بتفجيرها.

كذلك، لا يتناسب استخدام الكيماوي وتفكير أوباما، فالرئيس الاميركي يشدد دائماً على تمسكه بالمنظمات الدولية والقانون الدولي، واكثر ما يخرق هذا القانون هي الاسلحة الكيماوية، التي استخدمت للمرة الاولى، منذ اكثر من عقدين، في الحرب العراقية الايرانية على النطاق الذي استخدمت به في هجوم غوطة دمشق يوم الاربعاء الماضي، وهو ما يعطي أوباما الاستثناء المطلوب للتخلي عن تفاديه الدائم للصراعات العسكرية.

 كل هذه العوامل، دفعت الرئيس الاميركي الى حسم امره بالتدخل عسكرياً في سوريا. اما توقيت التدخل وشكله، فيعتمدان على عوامل متعددة، مثل انتظار تقرير فريق الامم المتحدة، الذي تم السماح له بمعاينة موقع الهجوم، والذي قد يؤجل وقت الضربة، لكنه لن يلغيها.

اما حجم الضربة ومداها، فيبدو انه لم يحسم بعد، والامر الوحيد المؤكد هو ان أوباما لن يستخدم قوات برية في سوريا، فيما المرجح ان الضربة ستكون صاروخية فقط. ويبدو ان الهم الاول لدى الرئيس الاميركي هو تحديد هدف الضربة قبل شنها، وخصوصاً بعدما صار معلوماً ان القضاء على نظام الأسد بالكامل لن يكون جزءاً من هذا الهدف.

أوباما يريد ان “يعاقب” الاسد لاستخدامه الكيماوي، ويريد في الوقت نفسه ان يضعضع مقدرة الاسد العسكرية على الحاق الاذى بمعارضيه على غرار ما يحدث الآن.

كذلك، يعتقد المقربون من الرئيس الاميركي ان خلف الضربة العسكرية ضد قوات الاسد رسالة الى ايران مفادها، ان اميركا لا تزال تنوي استخدام القوة يوماً ما لكبح طموح طهران النووي. روسيا أيضاً، من وجهة نظرهؤلاء، ليست بمنأى عن الرسالة، وتحديداً أن مشاغبتها الدولية هي عبارة عن مجرد ثرثرة. اما السيناريو العسكري الكفيل بتحقيق هذا الهدف الاميركي، فماهيته لا يعرفها حتى الآن الا أوباما ونفر قليل من مساعديه وجنرالاته.

المدن

الحرب على سوريا؟/ علي حماده

إذا صحّت التوقعات والمعلومات المتقاطعة من مصادر عدة، ولم تكن مجرّد حملة للضغط النفسي، فإن تحالفاً دولياً – عربياً واسعاً قد يضم نحو ثلاثين دولة سوف يشكل غطاء لحملة عسكرية أميركية – أوروبية – عربية – تركية لتوجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد رداً على استخدامه أسلحة كيميائية ضد منطقة غوطة دمشق الشرقية والتي ذهب ضحيتها ما يزيد على ألف وثلاثمئة قتيل معظمهم من المدنيين أطفالاً ونساء. وقياساً على موقف روسيا الذي أعلنه وزير خارجيتها سيرغي لافروف بعد ظهر يوم أمس، ومفادها أن روسيا لن تخوض حرباً مع أي طرف في حال توجيه ضربة عسكرية للنظام، مما يعني أن موسكو لن تواجه الولايات المتحدة في هذه الحالة.

كل المؤشرات في واشنطن تشي بأن الإدارة الأميركية اتخذت قراراً بتوجيه الضربة العسكرية، وهي تبحث الآن عن الأسس القانونية والغطاء الدولي الأوسع للقيام بذلك. وقد شكّل استخدام النظام أسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية قرب دمشق الحد الفاصل بين مرحلة ومرحلة. لا شك في أننا دخلنا مرحلة جديدة ومختلفة كلياً في مسار الأزمة السورية. السؤال المطروح الآن: ما هي حدود الضربة؟ هل ستكون تأديبية محدودة، الهدف منها توجيه رسالة حازمة لتذكير النظام بقواعد اللعبة المسموح بها دولياً؟ أم انها ستتجاوز هذا الحد لتصبح حملة عسكرية تضعف النظام وربما تسقطه بعد تدمير أهم قطعاته العسكرية العاملة؟ في كلتا الحالتين، سوف تؤثر الضربة في وضع النظام، وفي قدراته العسكرية، وستضعفه حتى لو كانت تأديبية تذكيرية بقواعد اللعبة.

في المقابل، ثمة تكهنات تفيد بأن الضربة أكثر من مجرد تأديب، وأنها تمهد لسقوط النظام بمعنى رحيل بشار الأسد وبطانته، وحلول مجموعة أخرى من المقربين من النظام مكانه ممن فتحوا قنوات اتصال مع الاميركيين والأوروبيين منذ أشهر وينتظرون الفرصة السانحة للتخلص من آل الأسد ومحيطهم المباشر. أما روسيا فقد لا تكون بعيدة من هذا السيناريو الذي يحفظ لها مكاناً حول طاولة جنيف – 2 الى جانب الولايات المتحدة، لتنطلق أعمال هذا المؤتمر من “ما بعد بشار”. أما الإيرانيون، بحسب هذا السيناريو، فيخرجون من سوريا، ومن مستقبل سوريا، ليزداد التصاقهم بروسيا بعد أن يروا كيف يتسارع الانهيار متى انتحت موسكو جانباً في أي صراع دولي.

بناء على ما تقدم، لن تكون موسكو خارج اللعبة، بل في أساسها، وموقعها في سوريا ما بعد بشار مضمون بتوافقات غير معلنة مع الأميركيين، ومع العرب الداعمين للمعارضة السورية.

ماذا عن لبنان ولا سيما “حزب الله”؟ قلنا منذ أن تورّط الحزب في سوريا إنه سوف يهزم فيها. وسوف يهزم حتى لو أتت الضربة المتوقعة محدودة وتأديبية؟ لا مكان لـ”حزب الله” في سوريا. ولا مستقبل لسلاحه لا خارج الحدود ولا داخل لبنان. انتهت وظيفة نظام الأسد الاقليمية، وسوف تسقط وظيفة “حزب الله” الاقليمية أيضاً. من هنا دعوتنا قيادة الحزب الى الانسحاب فوراً من سوريا، والدخول في حل سياسي لبناني داخلي أساسه حل معضلة السلاح.

النهار

حسابات الأسد الباردة: حرب الغاز السام على الشعب السوري/ هانغس هويغن و كريستوف رويتر

ترجمة: ماسة هشام

أكدت الدلائل أن الأسد قام باستخدام الأسلحة الكيمائية وبذلك تسقط كل التحفظات حول التدخل العسكري، وهنا أصبحت مصداقية الدول الغربية على المحك.

لمَ، بالضبط، تساءل الرئيس السوري بشار الأسد عن مقتل عدد قليل من السوريين بالسلاح الكيماوي الذي زُعم أنه أمر باستخدامه؟ فقد قدرت الولايات المتحدة عدد الضحايا بحوالي 100-150 قتيلاً قبل عدة أيام. وأشار الأسد إلى أنه من «غير المنطقي» أن يُقتل هذا العدد القليل بالأسلحة الكيماوية في حين أنه من الممكن أن يتم قتلهم بـ «أسلحة تقليدية» عوضاً عن ذلك.

في الواقع، إن استخدام أسلحة الدمار الشامل لقتل عدد قليل من المدنيين أو الثوار بدلاً من قتل أعداد كبيرة يخالف المفهوم السائد حول هذا النوع من الأسلحة.

إلا أن أحد خبراء الغار السام المعروفين أعرب، عبر محادثة مسجلة أجراها قبل عدة أسابيع، عن شكوكه بأن الاستخدام الأدنى للأسلحة الكيماوية يعتبر أفضل طريقة لتعويد الغرب على فكرة استعمالها، مما أثار نزاعاً قائما حول ما إذا كان غاز الأعصاب قد استُخدم أصلاً، كما قال أن «الهيجان الدائر حول استخدام الأسلحة الكيماوية بحد ذاتها قد تلاشى».

في دراسة لمعهد واشنطن للدراسات الحربية، كتب ضابط المخابرات الأميركية الأسبق جوزيف هوليداي: «الأسد يدرس بشدة استخدام القوة ويمهّد تدريجياَ لاستخدام السلاح الكيماوي».

في النهاية، وفقا للخطة، فإنه قد يُلحق بهذا هجوماً عنيفاً ويستمر إلى أن يشعر بقوة كافية ليسير على خطا أي دكتاتور آخر ممن سبقوه، من بينهم والده الذي لم يتراجع يوماً عن اقتلاع معاقل المعارضة. ففي مجزرة حماة (1982) على سبيل المثال، قُتل اكثر من 10،000 شخص بأمر من الأسد الأب. الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، كمثال آخر، قتلت قواته 5،000 كردي بهجوم بالغاز السام على مدينة حلبجة قبل 25 عاماً.

هل اعتاد الغرب على هذا العنف اليومي بما يجعل الأسد يتوقع أن يقوم الغرب بإشاحة نظره عن أولئك الاطفال، الذين يموتون بعد المعاناة من تشنج عضلاتهم وانهمار دموعهم وخروج الزبد من أنوفهم وأفواههم؟

هل يمكننا أن نحول نظرنا عن تلك الفتاة الصغيرة من ضواحي دمشق، التي ترتدي قميصاً مطرزاً بخيط برّاق، والتي تم التقاط صورة لها تعصر القلب حيث اختار موقع «سبيغل» أن تتصدر صورة بشاعة موتها صفحات غلافه؟

السؤال الحقيقي هو التالي: هل نجحت خطة الأسد؟ هل هذه الضربة القاضية مقدمة لحرب أكثر بشاعةً مما حذر منه الخبراء؟ وهل العالم الذي سبق أن اعتاد رؤية صور العنف في سوريا سيستمر في المشاهدة بتعاطف، ولكن دون القيام بأي شي؟ أم أن شيئاً ما سيتغير، وتاريخ 21 آب سيكون اللحظة التي أجبرت العالم على التحرك ضد هذا المستوى الجديد من العنف؟ حتى الرئيس أوباما، الذي طالما تجنب أي ردة فعل عسكرية تجاه وحشية النظام الأسدي، يفكر الآن باستخدام صواريخ كروز ضد دمشق.

جريمة ضد الانسانية

ما حصل في ريف دمشق الأربعاء الماضي لم يكن مجرد إضافة ألف ضحية على حصيلة الضحايا التي تفوق 100،000 (حتى تاريخه). إنها مجزرة جماعية وجريمة ضد الانسانية طالما كانت محظورة

لأسباب مهمة. الغاز السام لم يستهدف المقاتلين فقط، بل أصاب المدنيين، ومن بينهم النساء والأطفال، بشكل لم يتح لهم أية فرصة للدفاع عن أنفسهم أو الهروب، بل قام بقتلهم بصمت دون التمييز بين أحد منهم. تقارير الصباح الأولية جاءت حول المئات من القتلى والجرحى في عدة قرى في شمال شرق ريف دمشق، ملحقة بمقاطع فيديو عن بشاعة المناظر: ممرّات، غرف مليئة بناس نصف عراة وأجسام سليمة ظاهرياً وناس ترتجف ويخرج الزبد منها محاولة تتنفس. ويظهر الأطباء والمسعفون محاطين بالمياه حول الجثث، كما يصبون المزيد من المياه على الضحايا الواصلين حديثاً ليتم غسلهم من السموم ولتجنب انتقال الغاز إليهم أيضاً.

spiegel1عند الساعة الثالثة هطل عدد من الصواريخ في عدة مناطق في الغوطة الشرقية في مدينة دمشق، وكذلك الحال في داريا والمعضمية في شمال غرب المدينة. وأفاد الشهود عدم رؤيتهم لأي انفجار ضخم.

أحد الصواريخ الذي ضرب أطراف زملكا لم ينفجر، بل على العكس بقي عالقا في الأرض وأغلب أجزائه بقيت سليمة. إنه نفس نوع الصواريخ التي تم استخدامها في الهجمات الكيماوية السابقة، ولكنه نوع غير معروف عالمياً. قام المسعفون بسحب الجثث من البيوت غير المتضررة قرب الموقع المستهدف، حيث

كانت الحظائر مليئة بالدجاج الميت والحقول مليئة بالماشية الميتة.

أحد الأطباء من مدينة عربين ومتطوع من دوما قالا إن الناس لم تدرك نوع الهجمة إلى حين إذاعة تحذيرات من هجوم بالغاز السام عبر مكبرات الصوت في الجوامع، حينها تم إبلاغ السكان بضرورة إغلاق كافة الأبواب والنوافذ. قال أبو أكرم، وهو أحد الأطباء من قسم الطوارئ في مشفى عربين: «أنا معتاد على أعراض الإصابات لهجمات مسبقة، تبدو الأجسام سليمة ظاهرياً ولكنها ترتعش وتُخرج الزبد من الفم ودقات القلب تصبح أضعف وأضعف… لقد كان عدد المصابين قليلاً في الماضي، ولكن في هذه المرة العدد يقدّر بالمئات. إنهم ممددون على الأرض في غرف المعالجة في الممرات في كل مكان… والعدد بتزايد مستمر. كان المصابون يفقدون وعيهم واحداً تلو الأخر. لقد قمنا بحقن مادة الأتروبين، وهي مادة تقاوم الإصابة بغاز الأعصاب المعروف بالسارين، إلى أن نفدت الكمية، ثم قمنا باستعمال هيدروكروتيسون، وفي النهاية لجأنا الى تقطير عصارة البصل. نجحنا بإنقاذ الكثيرين ولكن73 شخصاً فارقوا الحياة».

«كذبنا على سائقي سيارات الإسعاف»

قال أكرم إنهم أرادوا تصوير وتوثيق كل جثة، ولكن كنا نستقبل المزيد من الإصابات يوم الأربعاء، في حين كانت العائلات تنتشل أفراد عائلاتها من بين الجثث. وعلى الرغم من ذلك، قام مشفى عربين بجمع ملف لكافة الضحايا بحلول يوم الخميس، وتم التعرف على 41 جثة، في حين بقيت 32 جثة مجهولة الهوية من بينها العديد من الأطفال. كانت المهمة معقدة جداً، حيث معظم الضحايا هم من سكان مدينة زملكا القريبة ولكن تم نقلهم إلى عربين، حيث المعدات أفضل في المشفى. وتم إعادة الجثث لاحقا إلى زملكا ووضعها أمام الجامع الكبير ليتمكن الأهالي من التعرف على الضحايا.

وفقا للشريعة الاسلامية يجب دفن الميت في ذات اليوم، ولكن الأمر أقرب الى المستحيل، فمن غير الممكن ببساطة ترك الجثث مرمية على الأرض في حرارة منتصف شهر آب دون كهرباء أو أية وسيلة تبريد. تم دفن العديد من الجثث بعد ظهر يوم الأربعاء وصباح يوم الخميس وإن ضمن مقابر جماعية.

People carry the body of a civilian on a stretcher after what activists say were a gas attack in the Ghouta area, in the eastern suburbs of Damascusوقام أحد المتطوعين من مدينة دوما بنقل 13 جريحاً وجثة الى المشفى بسيارته المكشوفة من الخلف، ليصاب هو بعدها. «لقد كنت أضع القناع ولكنني لم أعلم ان التلامس الجلدي خطير جداً. قام عدد من الرجال ممن يرتدون قفازات مطاطية بتمزيق ملابسي وفتح خرطوم مياه من سيارة إطفاء الحرائق باتجاهي وباتجاه بالأخرين، وقاموا بحقننا بمادة الأتروبين. لقد غبت عن الوعي لقرابة ساعة. ثم عندما استعدت الوعي في حوالي السادسة كانت الناس تستمر في القدوم الى المشفى. العديد منهم كانوا غائبين عن الوعي بشكل كامل ولم يكونوا يعرفون أين هم أو من هم. كان أحد الاطفال يصرخ باستمرار في وجه أمه ’انتي مو أمي‘. كان جدّ غريب». 150 شخصاً فارقوا الحياة كما أفادنا هذا المتطوع.

قال أحد خبراء الدعم النفسي في مشفى المعضمية، الذي تبدو عليه علامات الذهول: «لقد كذبنا على سائقي سيارات الاسعاف، كانوا خائفين ولم يكن لديهم أقنعة واقية، ولكننا قلنا لهم إن القيادة الى الموقع المتضرر غير خطرة… ماذا كان بإماكننا ان نفعل غير ذلك؟ كان عددهم سبعة، ثلاثة منهم عادوا». حينها لم تكن بعد قرى جنوب غرب دمشق مصابة بعد بالكيماوي. كان المشفى مجهزاً ولكن ليس لاستقبال هذا العدد الهائل. «إضافة إلى ذلك، لم نستطع الوصول إلى البيوت، لأن القصف المدفعي بدأ من جديد حوالي الساعة السابعة صباحاً، وكان القناصون أيضاً يستهدفون كل سيارة قريبة من الجبهة. لفترة قصيرة كنا نسمع أصوات الناس عن بعد، ولكن هذه الأصوات اختفت بعد فترة».

ارتفاع حصيلة الضحايا

عدد ضحايا الهجمة غير معروف حتى الآن. حسب المعارضة الخارجية، الرقم يصل إلى 1300. في صباح يوم الجمعة تم التعرف على 300 جثة. لكن العديد من المعلومات من قرى مختلفة ما تزال مفقودة. ولا تزال قرابة 200 جثة مجهولة الهوية، أغلبها من الأطفال. كما لا تزال العديد من الجثث ملقاة على الأرض في البيوت في أماكن عديدة قريبة من الخطوط الأمامية.

سانا، وكالة الأنباء السورية الرسمية، أنكرت الهجوم تماماً، قائلة إن كل التقارير حول استخدام الأسلحة الكيماوية تمت «فبركتها». ولكن العدد الكبير لمقاطع الفيديو من المشافي، والتي تم تحميل 130 منها على اليوتيوب في يوم واحد، جعل من الصعب جداً على الخبراء تصديق أنها «مفبركة». وقد أوضح مجموعة من الخبراء، من بينهم خبير الأسلحة الكيماوية البلجيكي جاين بايكال زاندرز؛ وستيفان موغل من المكتب السويسري لاتحاد الحماية المدنية؛ واليستار هاي من جامعة ليدز في المملكة المتحدة، جميعهم اتفقوا على أن مجموعة الأعراض للعديد من المصابين واضحة جداً ولا يمكن تجاهلها.

وقال الخبراء إنه ليس من المؤكد بعد تحديد نوع المادة المستخدمة، ولكن الأعراض تشبه أعراض حالات سابقة، وجاءت نتيجة تحليل عينات من تلك الغازات في مختبرات فرنسية وبريطانية مؤكدة استخدام غاز السارين.

 من سيوقف الأسد؟

ولكن، لماذا استخدم الأسد هذه الأسلحة بعد وصول فريق خبراء الأمم المتحدة بيومين؟ وعلى بُعد عدة كيلومترات من الفندق الذي يقيمون فيه؟ وقد كانت أكدت الحكومة ،الروسية والتي تصف كافة الأخبار حول الهجوم بـ«التحريضية»، أن مجرد وجود مفتشين الأمم المتحدة دليل كافٍ على أن دمشق لا يمكن أن تكون وراء هذه الضربة. إلا أن قصر الكرملين الآن يطالب الرئيس الأسد بتوضيح موقفه.

U.N. vehicles transport a team of U.N. chemical weapons experts to the scene of a poison gas attack outside the Syrian capital last week, in Damascusوقد سمح الأسد متأخراً لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول للمواقع المستهدفة حديثاً. ولكن قبول العرض جاء متأخراً بشكل يؤثر على مصداقيته، لأن التأخير يساعد على إخفاء الحقائق، حسب ما قال مسؤول عريق في إدارة أوباما. وتم استهداف سيارة تابعة للأمم المتحدة في دمشق بواسطة قناص يوم الاثنين، وصرح المتحدث الرسمي بأن عملية الاستهداف تمت في المنطقة الواقعة بين سيطرة النظام وسيطرة الثوار.

وأشار مؤيدو الأسد أن الاسلاميين من جبهة النصرة، الذين أعلنوا تحالفهم مع القاعدة، سيطروا على الجزء الشرقي من دمشق وألقوا قبضتهم على معمل لغاز الكلور فيها.

ولكن الخبراء يشككون باحتمالية استخدام هذه المواد الكيماوية كأسلحة، حيث ذكر خبير الغاز السام ستيفان جونسون أن عملية قتل المئات من الناس تحتاج الى كميات هائلة من المواد الكيماوية، وهو أمر يستحيل على الثوار القيام به.

بينما يقترح المراسل الأميركي جيفري غولدبيرغ دافعاً مختلفاً تماماً وراء الهجوم: «الأسد يعتقد أنه لا أحد –لا الأمم المتحدة ولا الرئيس أوباما ولا القوى الغربية، ولا جامعة الدول العربية– سيحرك ساكناً لإيقافه، وهذا الاحتمال قد يكون صحيحاً».

رسم الخط الأحمر

بدأت الإتهامات تُوجه للنظام السوري بخصوص تحريك ذخيرته من الأسلحة الكيماوية قبل عام، حين استعمل المتحدث الرسمي باسم الولايات المتحدة الأميركية مصطلح «الخط الأحمر». قال إن الإدارة الأميركية تعمل على منع النظام السوري من استخدام هذه الأسلحة، وفي حال تخطي هذا الخط الأحمر فإن ردة الفعل ستكون جدية.

بعد ذلك بعشرة أيام اعترفت دمشق وللمرة الأولى أنها تمتلك سلاحاً كيماوياً. ولكنها قالت أيضاً أنها قد تستعمل هذا السلاح فقط في حالات الدفاع عن نفسها من أي اعتداء خارجي. الأمر كان يعتبر سراً داخلياً، على الرغم من أن الكثير من الخبراء تنبؤوا بأن الأسد يمتلك كميات كبيرة من السلاح الكيماوي. وقدرت وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية مقدار ما تمتلكه دمشق من أسلحة كيماوية بـ10,000 طن، تتضمن 700 طن من السارين وكميات من غاز الماسترد وغاز في-إكس.

وحذرت الحكومة الأميركية مجدداً نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية بعد تصريح المتحدث الرسمي باسم البنتاغون. في 20 آب 2012 استخدم أوباما مصطلح الخط الأحمر قائلاً: «ستكون النتائج هائلة إذا بدأنا برؤية تحركات على جبهات الأسلحة الكيماوية أو استخدام هذه الأسلحة الكيماوية».

وقال أيضاً الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن استخدام الغاز السام هو «سبب شرعي للتدخل المباشر». وفي شهر أيلول (2012) حين تكاثرت الأدلة حول استخدام السلاح الكيماوي، كشف وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أن واشنطن أرسلت إلى الأردن 150 فرداً من قواتها، وهي قوات عمليات خاصة بشكل مشروط، لمراقبة سلاح سوريا الكيماوي وإعادتهم سالمين في حال الضرورة.

أدلة متزايدة

من غير المؤكد متى استُخدم السلاح الكيماوي لأول مرة في الصراع السوري، في حين أكد مسؤولون أميركيون أن سوريا استخدمت صواريخ سكود في شهر كانون الأول 2012 شمال البلاد، وهي صواريخ يمكن تثبيت رؤوس كيماوية بسهولة عليها. بعد ذلك بفترة وجيزة، وقبل يوم من عيد الميلاد، تحدثت الجزيرة عن استخدام الغاز السام في مدينة حمص مما أودى بحياة 7 أشخاص، ولكن دون وجود أدلة.

ويوجد الكثير من مقاطع الفيديو التي توثّق موت الكثير من البشر والحيوانات كضحايا الاستخدام المحدود للغاز السام في محيط مطار مشق، كمدينة العتيبة. لقد تم استخدام المواد الكيماوية مراراً وتكراراً منذ ذلك الحين، بناء على رواية الشهود وفحص عيّنات من التراب والأنسجة البشرية. كان هذا ختام ما توصلت إليه الحكومتان البريطانية والإنكليزية وتم تأكيده لاحقاً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. في دراسة مشتركة قامت بها جامعة هارفرد وجامعة ساسكس، تم وضع لائحة لـ20-30 هجمة كيماوية خلال 18 شهراً، على الرغم من قلة الأدلة.

أوسع نطاق على استخدام الأسلحة الكيماوية قبل ما حدث الأسبوع الماضي كان في 19 آذار، في منطقة خان العسل، وهي إحدى المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار في حلب. وتُظهر مقاطع الفيديو سقوط العمال جرحى نتيجة لاستنشاقهم الغاز بدون ارتداء أي نوع من الأقنعة الواقية. وفي شهر نيسان تزايدت التقارير عن استخدام الأسلحة الكيماوية بكميات قليلة في عدة مناطق بحلب وحمص وقرى مختلفة في ريف دمشق.

ولكن الولايات المتحدة لم تغير موقفها إلا منذ أربعة أشهر، أي في 25 نيسان حين صرح متحدث البيت الأبيض للمرة الأولى أن «النظام السوري قد استخدم أسلحة كيماوية بجرعات قليلة في سوريا، وبالأخص غاز السارين». ولكن حينها حاول الأميركيون تعديل خطوطهم الحمراء. فاستعمال الأسلحة الكيماوية لم يعد سبباً للتدخل، كما صرّح الرئيس الأميركي. بل على العكس، أضاف أوباما، علينا أولاً التأكد مما حدث «بالضبط»، ومما إذا كان النظام وليس الثوار من قام باستخدام هذه الأسلحة القاتلة.

في 13 نيسان صرحت الولايات المتحدة بأن الأسد استخدم مجدداً الغاز السام ليقتل 100-150 شخصاً، وهو بذلك يخرق الخطوط الحمراء التي وضعها المجتمع الدولي. وبعد استخدام الأسلحة الكيماوية في 25 آب صرح مسؤول حكومي لصحيفة وول ستريت «هناك قرائن قوية تؤكد أنه كان هناك هجوم بالأسلحة الكيماوية من قبل الحكومة». واقتنع الأميركيون بعد النتائج الأولية للمجزرة أنها حصلت على علم من النظام.

خطة أوباما المشوشة

في شهر حزيران وعد أوباما بتزويد الثوار بأسلحة وذخيرة خفيفة. ولكن في الأشهر التي تلت ذلك قال الثوار إن المعونات وصلت إلى تركيا ولكن لم تعبر الحدود. وفي محافظة درعا في الجنوب بدأ برنامج مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية أقيم في الأردن لتدريب وتجهيز الثوار في الأشهر الأولى من هذا العام، ليتوقف فجأة في شهر أيار. وعن السبب أجاب المسؤولون في الاستخبارات الأردنية للسوريين المستغربين «إنها الإرادة الأميركية».

ماذا تريد أميركا بالضبط؟ «ما هي خطتنا في الشرق الأوسط؟»، تساءل مؤخراً الجنرال جايمس ماتيس المستشار الأعلى بشؤون المنطقة. «لا يوجد شيء هناك».

وقبل أن تستهدف الأسلحة الكيماوية محيط دمشق، كتب الجنرال مارتين ديمبسي، المسؤول في الفريق المشترك، رداً على تساؤل أحد أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس إيليوت إنجل عن قدرة القوة العسكرية على الإطاحة بالنظام الأسدي: «إنني أرى أن علينا دعم مصالح الجانب الذي اخترناه حين تتغير الموازنات. اليوم نحن غير قادرين على فعل ذلك».

بالطبع قام البنتاغون بدعم سيناريوهات التدخل استجابة لطلب أوباما، وهي تتراوح بين دعم وتدريب الثوار إلى انتزاع أسلحة الأسد الكيماوية وذخيرته. وقد يتطلب هذا استخدام حوالي 60,000 من القوات الأميركية. تكوين مناطق حظر طيران تبدو فكرة مقبولة بسعر مليار دولار (750 مليون يورو) بالشهر. ولكن الإدارة الأميركية وجدتها مكلفة جداً.

سوريا: بوسنة الجديدة؟

Syrian refugees in Iraqتطالب الصور والأعداد المرعبة أوباما بالتحرك. وكانت الثورة السورية قد وثقت 100,000 قتيلاً، كما صرحت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي عن وجود نحو مليوني نازح. وفضل الكثيرون الهروب عبر نهر دجلة إلى العراق، مهددين حياتهم بالخطر، على البقاء تحت رحمة قوات الأسد في سوريا. إن ربع سكان سوريا البالغ عددهم 21 ميلون نزحوا داخلياً، ومن بينهم مليون طفل.

قبل 18 عاماً، كانت الصور والتقارير من المجازر الصربية كفيلة بإقناع الرئيس ألأميركي بيل كلينتون بالتدخل عسكرياً لوقف شلال الدم. اليوم لا يوجد مصدر للشك عن الجهة المسؤولة عن بشاعة المجازر والغازات السامة في سوريا.

كما تباحث فريق الأمانة الدولية الأميركية، مجدداً، حول ضرورة استخدام صواريخ كروز على المراكز العسكرية التي يستعملها الأسد في هجماته الكيماوية. مراكز التواصل والمباني الحكومية هي أهداف محتملة أيضاً. وكان وزير الخارجية جون كيري قد نادى مسبقاً بضرورة التدخل، إلى أن انضم له أوباما حديثاً.

لم يكن هناك أي حديث في واشنطن عن برنامج شامل سوى استخدام الأسلحة طويلة المدى التي طالب باستخدامها العضو الجمهوري جون ماكيين. إلا أن رؤساء أميركا العسكريون يحترمون سلاح الدفاع الجوي الأسدي.

الإدارة منقسمة، كما هو الحال في كافة العمليات العسكرية التي يدعو لها الرئيس. في حال لم يقم أوباما بكبح ما جرى فإنه سيرسل إشارات لا يمكن إخطاء تلقيها بأن استخدام أسلحة الدمار الشامل سيمضي دون عواقب.

سمعة الغرب على المحكّ

يتم الآن اختبار مصداقية كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. من سيذكر أي خط أحمر ولا يدافع عنه يجب ألا يهدد ولا يتوعد مستقبلاً. اذا أصبحت سمعة الغرب كذلك، كيف للولايات المتحدة الأميركية أن تكبح صناع الأسلحة في كوريا الشمالية أو إيران؟

إن استخدام السلاح الكيماوي الأخير سيضع كافة التحفظات بخصوص التدخل العسكري جانباً. فاستخدام الغاز السام محظور عالمياً، وهو قرار يجب أن يحترم. وأظهرت المهمة في كوسوفو في 1999 أن سكان الدول الغربية على استعداد لتلقي حملة تدخل إنساني مبنية على أسس صحيحة. بينما أثار الغزو الأميركي للعراق الكثير من الغضب ولا سيما أنه لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل التي ادّعت وجودها واشنطن كمبرّر. ولا أحد يشك بوجود هذه الاسلحة في سوريا.

وبالطبع بعد تجربة العراق وأفغانستان والنكسة في ليبيا والفشل المحتمل للربيع العربي في القاهرة، يمكننا أن نتفهم تردد أوباما. وهو يبدو أكثر وضوحاً في المطالب الملحة لدول أوروبا التي لم تترجم يوما أعمالها على أرض الواقع، فكل منهم يترك الأمور للأخ الأكبر. ويعارض الشارع في واشنطن التدخل العسكري في الشأن السوري مستشهدين بتدهور الأحوال الاقتصادية في الولايات المتحدة بعد دعم المجاهدين الأفغان في صراعهم ضد الغزو السوفيتي في السبعينيات.

هذا ما يفسر التريّث المستمرّ للغرب وخاصة الولايات المتحدة، مبرّرين ذلك بقولهم إن مساعدة الثوار قد تؤدي إلى دعم القوى الرجعية. ولكن عدم التدخل أدى الى ما كان الغرب يخشاه: المجاهدون أصبحوا أكثر قوة بشكل يجعل أي تدخل أشد صعوبة.

الأسباب الداخلية للأسد

وفق ما قاله مقدم في المخابرات السورية، والذي انشق عن النظام مغادراً إلى الأردن منذ بضعة أشهر وما زال على صلة ببعض من هم داخل النظام، إن الهجوم قد يكون لأسباب ودوافع مختلفة كلياً. قد يكون السبب شيء متعلق بالحرب الأهلية. «لقد قام النظام بذلك لأسباب داخلية، فمنذ عدة أسابيع هدّد الثوار محافظة اللاذقية، مسقط رأس الأسد، حيث سيطروا على عدة قرى تابعة لها»، حسبما صرح به المقدم لنا. «معظم المقاتلين غير النظاميين الذين تستخدمهم الحكومة السورية من الطائفة العلوية هم من سكان تلك المنطقة. وهم الآن يعودون لحماية قراهم». من وجهة نظر المقدم، قام النظام بحل مشكلتين بواسطة هذه الهجمة: «تثبيت القبضة على الخط الأمامي المحيط بدمشق، وشحن معنويات المتعصبين بدرجات مختلفة».

وتزداد هذه الصورة تركيزاً إثر المبررات التي قدمها النظام لحلفائه. في مجموعات الفيسبوك –كشبكة أخبار سوريا للقوات المسلحة– والتي هي أهم مصدر إعلامي حربي في سوريا تم التصريح «بيان هام من القوات المسلحة» صدر تحت راية بشار الأسد: «اليوم تمت مهاجمة معاقل عدد من الارهابيين بأسلحة ثقيلة. وكما تم استخدام الأسلحة الكيماوية لحماية المدنيين». وكان قد علق أحدهم تحت العبارة السابقة قائلاً: «اضربهم بالكيماوي وكل ما هو أقوى منه يا سيادة الرئيس فهم لا يستحقون الحياة». بينما صرح أهالي الشهداء في المنطقة المتضررة أن أكثر من 500 شخص قتلوا في عملية التطهير. وقد قال أحد أقرباء الأسد أن عليه أن يضربهم بالمزيد من الأسلحة الكيماوية، وأحد المؤيدين في اللاذقية طالب بالأمر ذاته. وبعد المجزرة قام عدد من مقاتلي المليشيات بتوزيع الحلوى على المارة في حي المزة 86، وهي طريقة تقليدية للتعبير عن الفرح في الشرق الأوسط. ويقع حي المزة 86 في الجزء الغربي من دمشق وهو معقل للعناصر العلوية في قوى الأمن.

كل جمهور يتم إخباره بما يفترض أن يسمعه. مؤيدو النظام تصلهم تقارير عن النصر، بينما الدول يلقّمهم النظام الإنكارات. حتى الآن، كل طرف يبدو راضياً في هذه المقاربة. بغض النظر عن زيف الإنكار الذي تمارسه دمشق، فقد نجحت حتى الآن في دفع الأحداث إلى منطقة رمادية مثيرة للجدل. في حالة الاستخدام الأقدم للأسلحة الكيماوية، تم تطلّب المزيد من المعلومات – لكن الكثير من المعلومات كانت وضوحاً غير مطلوبة.

تحقيقات «سبيغل» الفاشلة

في بداية شهر أيار حاولت «سبيغل» وبعض المجموعات الطبية في محيط دمشق تقديم أدلة حول استخدام الغاز السام. أراد الأطباء الحصول على بعض التراب والأنسجة البشرية بعد الهجمة الكيماوية وإخراجها خارج البلد لتقوم «سبيغل» بدورها بضمان تحليل العينات ونشر النتائج.

وتم أخذ العينات من مواقع مستهدفة من أجزاء من ملابس وأجزاء من بشرة الضحايا وقناع واقٍ من الغاز لأحد الأطباء الذين كانوا يعالجون المصابين. كما وثق المحققون أعمالهم بأفلام فيديو. وفي حال الحصول على موافقة معهد غربي على إجراء التحليل فسوف يتم إرسال العينات خارج البلاد. كانت هذه خطتنا.

وثّقت «منظمة حظرَ استخدام الأسلحة الكيماوية» التابعة لهيئة الأمم المتحدة 18 مركزاً في أنحاء العالم لتحليل الأسلحة الكيماوية والعضوية. وحاولت «سبيغل» التواصل مع المراكز الموجودة في أوروبا والوزارات المشرفة عليها، إلا أن من سويسرا وألمانيا وفنلندا والسويد وهولندا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا كلها رفضت. رؤساء المراكز والدبلوماسيون تحدثوا عن صراع داخلي بين أولئك الذين يؤيدون التحقيقات وأولئك الذين قالوا إنها قضية «سامة» (وهو وصف، حرفياً، دقيق).

واقترح بعض الممثلين عن الدول التواصل مع أشخاص في المنظمة أو الأمم المتحدة بشكل مباشر. ولكن هؤلاء أيضاً لم يُبدوا اهتماماً، حيث نصحونا بمراسلة الدول بشكل فردي. في النهاية، فإن الأطراف الرافضة كانت دائماً حاضرة، أحياناً بدون أي تعليق وأحياناً يتحججون بقلة الأدلة الثابتة – سلسلة أدلة تنتقل بشكل مثالي من عينات بسيطة إلى مختبرات الأمم المتحدة للتحليل. واستمرت العملية لحوالي شهرين، كما كانت تغلب عليها نبرة الندم من بعض المسؤولين الذين أرادوا فعلاً تقديم حل للمشكلة ولكن بلدانهم لم تفعل.

ماذا الآن؟

وفي مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي عقد في قطر في شهر حزيران الماضي، قال وزير الخارجية الألماني غويدو ويسترويلي لـ«سبيغل» بأن ألمانيا لن تحلل أية عينة خارج حدود بعثة الأمم المتحدة.

Mideast Syriaولكن عدداً أكبر من الحكومات الآن يتساءل عن عواقب هجمة الأربعاء. وصف وزير الخارجية الفرنسي لورت فابيوس العملية بـ«ردة الفعل القوية»، بينما تحدث نظيره البريطاني ويليام هيغ عن احتمال مسؤولية الثوار عن هذه الهجمة وقال «احتمالات ضعيفة»، كما حث رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الرئيس أوباما على أن يترأس التدخل العسكري.

وصرحت وزارة الخارجية في ألمانيا: «قبل الحديث عن العواقب علينا أن نسهل عمليات التحقيقات الجدية». وقال المتحدث الرسمي باسم المستشارة أنجيلا ميركل إن الحكومة السورية «يجب أن تُعاقب» في حال تأكد مسؤوليتها حول استخدام الأسلحة الكيماوية. وصرح وزير الخارجية الألماني غويدو ويسترويلي «إن المانيا ستكون من بين الدول التي ستدرس العواقب وملاءمتها».

كل هذا يشير الى خطر تكرار النموذج ذاته –مطالبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإجراء تحقيقات ثم عرقلتها أولاً من قبل مجلس الأمن ثم من قبل النظام السوري. ولكن بدون دعم الأمم المتحدة، وبدون سلسلة متكاملة من الوقائع، فإن الدليل سيبقى مفقوداً – وبالتالي لن يكون هناك أي عواقب.

تراجع واشنطن جعل موسكو تشعر بأنها لاعب لأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي/ باسل الحاج جاسم

لم يعد للعالم من حديث غير سوريا، تراجعت المشكلات الكبرى إلى الخلف، يتواجه اليوم على الأرض السورية وارث النظام الشيوعي في روسيا مع النظام الغربي، وقيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين الرئيس الروسي “للمرة الثالثة” يريد أن يؤكد زعامته، ومعها تفوق موسكو الجديدة، بينما الرئيس الأميركي باراك أوباما ما زال يدرس الموقف، وهل يزيد من توريط روسيا أم يتدخل قبل فوات الأوان.

لأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تشعر موسكو بأنها لاعب على الساحة الدولية، ومما لا شك فيه أن لا دولة خارجية تمارس اللعبة خارج مصالحها.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانحسار الدور الروسي في المنطقة، لأسباب عديدة، بقي الرصيد الشعبي لروسيا يفرض نفسه على مختلف المجالات والصعد في الشرق الأوسط، بشكل أو بآخر، لكن الفيتو الروسي قبل أشهر في مجلس الأمن حيال الملف السوري، نجح في القضاء على الكثير من هذا الرصيد، وسيمكن الغرب من إنهاء أي بقايا لهذا الدور.

والشيء الأهم إعلان موسكو في أكثر من مرة وفي كل مناسبة على لسان جميع مسوؤليها، أنها ليست حليفة للأسد، وأن موقفها ينحصر في رفض أي تدخل خارجي لإزاحة نظام.

ولا يمكن تجاهل ما أشار إليه خبراء بارزون أكثر من مرة خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، إلى أن موسكو باتت واثقة من أن نظام الأسد آيل للسقوط، وأنها تبحث عن “تخريجة” مناسبة تحفظ لها مصالحها مع الغرب.

وتحدث فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة “السياسة الدولية” المرموقة التي تصدرها الخارجية الروسية، قائلاً: “بالنسبة إلى روسيا هذا النظام انتهى، وموسكو خسرت سوريا في الحالين، فحتى لو بقي الأسد في موقعه لفترة بحكم الظروف لدولية، لن يكون بمقدور روسيا أن تتعاون معه، وإذا سقط سنخرج من هذا البلد، وما يهم الكرملين فعلاً لم يعد محصوراً في سوريا، وتمسك موسكو بموقف حازم له أبعاد أهم من ذلك، ويتعلق بالسياسة الدولية إجمالاً، إن موسكو تريد من خلال موقفها أن تكون سوريا آخر خسائرها بهذه الطريقة، أي ألا يتكرر فقدانها لمصالح حيوية في بلدان أخرى بنفس الطريقة وعبر مساعدات خارجية”.

وفي نفس السياق، أشار سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا، إلى أن مستقبل العالم يتوقف في جانب كبير منه على “كيف تحل الأزمة السورية”، وفي إشارة إلى أن موسكو فتحت باب التفاوض مع اللاعبين الخارجيين حول سوريا، أرجع لافروف أحد أهم أسباب التعثر في تنفيذ خطط المبعوثين الدوليين عنان وبعده الإبراهيمي في سوريا إلى “عدم التنسيق بين خطوات اللاعبين الخارجيين”، وقال إن روسيا تريد التباحث معهم لتعرف ما إذا كان عدم التنسيق ناتجاً عن عدم وجود المنبر للحوار، أم أنهم يعملون عمداً على إحباط هذه الخطط، وربما يكون وراء تلك التصريحات دعوة موسكو لمؤتمر جنيف، وبعده جنيف (2).

والواضح من كل ذلك أن موسكو باتت تركز جهودها على توجيه الرسائل في اتجاه “اللاعبين الخارجيين” فقط.

كما أن موسكو متطلعة لدور وحصة في اقتسام مغانم الانهيارات بجوارها، وتريد موسكو تعويض جميع هزائمها في مواجهة الغرب وأميركا بموقفها في سوريا، ويجب ملاحظة تقدم الدور الروسي في مناطق مختلفة من العالم بقدر ما يتراجع الدور الأميركي المرهق بالمسؤوليات والمتاعب الاقتصادية، لا تستطيع روسيا أن تأخذ دور أميركا ولكنها تستطيع أن تقضم من مناطقها خاصة في الشرق الأوسط.

بوتين يخشى من أن يخرجه الغرب من كل مواقع التأثير الجغرافي هنا وهناك، ويريد بوتين الاحتفاظ لروسيا بدور في اللعبة، وقد وجد في سوريا فرصته لهذا الدور، كما سبق وفعل ذلك في جورجيا عندما كان رئيساً للوزراء، وتصادف هذه الأيام مرور ست سنوات على حرب القوقاز بين روسيا وجورجيا، والتي تركت الكثير من العبر إذا ما أسقطناها على الموقف الروسي اليوم حيال سوريا.

طبيعة رد الفعل الروسي على جورجيا كان يحمل بصمات فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسي آنذاك، الذي يعتبر باستمرار تفكك الاتحاد السوفياتي السابق – هزيمة مذلة – ودأب على اقتناص أي فرصة لإظهار القوة الروسية في أي أزمة، لعلها تعيد لموسكو جزءاً من كبريائها التائه، ووجد هذا في الأزمة التي اندلعت عام 2008 بين روسيا وجورجيا بشأن أوسيتيا الجنوبية.

ومن الواضح أيضاً أن المقصود من ردة الفعل الروسية القوية آنذاك، تذكير العالم، لا سيما الدول الغربية، بما حدث في كوسوفو، وعلى وجه الخصوص الدول التي أيدت استقلال كوسوفو، للتذكير فقد أعربت روسيا عن غضبها تجاه منح كوسوفو استقلالها من صربيا، وحذرت من العواقب المترتبة على الاعتراف باستقلالها، وهي بالطبع لم تعلن أن ما فعلته في الأزمة الأخيرة هو ما فعله الغرب ذاته في كوسوفو، لأن ذلك سيضعف من مصداقية إصرارها على أن الدول لا ينبغي أن تقسم دون اتفاق، إلا أن الكل يدرك أن ما حدث في كوسوفو لم يكن بعيداً عن تفكير موسكو في الأزمة بشأن أوسيتيا الجنوبية، أما في ما يخص سوريا، فتحدثها معظم الساسة الروس صراحة، لقد خدعنا الغرب في ليبيا، ولن يتكرر ذلك في سوريا.

وأظهر النزاع الروسي الجورجي أن الغرب لا يزال يجهل كيفية التعامل مع روسيا، إذ إن بعض مفردات الحرب الباردة لا تزال تبرز من حين إلى آخر، دون أن يكون هناك إجماع غربي حول ما يجب القيام به مع روسيا، حيث كانت هناك وجهة نظر المحافظين الجدد الذين ينظرون إلى جورجيا وأوكرانيا كمثال للدول التي يجب دعمها، على اعتبار أنها رأس رمح في مشروع التغيير نحو الحريات والديمقراطية، وأن روسيا يجب أن تجبر على التغيير مثلما حدث مع الاتحاد السوفياتي السابق، وهناك وجهة نظر مغايرة ترى أن التعامل مع روسيا بالطريقة التي جرى التعامل بها مع الاتحاد السوفياتي السابق أمر منافٍ للعقل، واعتبر هؤلاء أن حسابات جورجيا حيال أوسيتيا الجنوبية كانت خاطئة، وقد دفعت ثمن ذلك.اختبرت واشنطن قوتها في العراق، وأسقطت نظام صدام حسين، ولكنها لم تستطع أن تقيم نظاماً مستقراً، تركت الفوضى تلتهمه، تمارس أميركا اليوم تواجداً منقوصاً في الأزمة السورية، تؤيد الثورة السورية، ولا تفعل أكثر من ذلك، وقد أغرى هذا الضعف والتراجع أو اللامبالاة موسكو، التي جعلها التراجع الأميركي الغربي تشعر أنها لاعب لأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فموسكو من خلال النظام السوري عادت فقط في مجلس الأمن إلى حضورها السابق أيام الاتحاد السوفياتي من خلال حق النقض الفيتو، والكل يعلم إذا أرادت واشنطن وحلفاؤها تنفيذ رغباتها، فهي قادرة على تنفيذ ذلك خارج إطار مجلس الأمن وبعيداً عن الشرعية الدولية، والتاريخ الحديث يشهد بالكثير من التجارب لواشنطن والموقف الروسي منها.

يبقى القول إن لسان حال موسكو يقول: بقاء القاعدة الروسية في طرطوس، وكل ما سوى ذلك ممكن.

حديث الضربة الأميركية/ حسام كنفاني

طبول الحرب على سوريا تقرع. قد لا تكون هذه المرة الأولى التي تسمع فيها أصوات هذه الطبول، غير أنها لم تكن سابقاً على هذه الدرجة من الجدية، التي استدعت خروج الرئيس السوري، بشار الأسد، ليحذر من تداعيات أي ضربة اميريكة أو غربية، ما يعني استشعاره بالخطر الحقيقي من وتيرة الكلام الغربي.

 لكن هل الجدية والخطر فعليان؟ وهل الضربة الأميركية المرتقبة واقعة لا محالة، بحسب ما يسعى البعض، ومنهم مسؤولون اميركيون، إلى الترويج؟ قد تحتاج الإجابة عن هذه التساؤلات إلى القليل من القراءة المتانية لمسار الاحداث، ورصد ما قد يستتبع مثل هذه الضربة، وفي مصلحة من قد يصب.

 الأميركيون تحديداً يعلمون أن توجيه اي ضربة إلى سوريا، سواء بغارات أو صواريخ بعيدة المدى، سيكون له تداعيات على المنطقة وملفاتها، التي تسعى واشنطن منذ أعوام إلى ترتيبها بما يسير وفق منهج رزمة الحلول الشاملة. الأمر الذي تعمل عليه خصوصاً في ملفي إيران وعملية التسوية السياسية، وهي تسعى إلى تطبيقه منذ مدة في سوريا، غير أن الموقفين الروسي والصيني وقفا حائلاً دون ذلك، ولا سيما لجهة دعم الأخيرتين للمنطق التفاوضي للنظام السوري، والذي يرفض بشدة خروج الأسد من العملية السياسية.

 وإذا كان المسار التفاوضي الإسرائيلي الفلسطيني يسير على حافة هاوية قد لا تؤثر فيها أي ضربة على سوريا، فإن وضع الملف الإيراني مختلف تماماً. وبالتالي فأي تدخل عسكري ضد النظام السوري، قد يعيد مسار التحولات القائم في طهران إلى النقطة صفر، ما يعني إغلاق أي نافذة للحوار مع النظام الإيراني، التي فتحها وصول حسن روحاني إلى سدة الرئاسة. نافذة انتظرها الأميركيون طويلاً، ولا سيما مع تقديمهم للحلول الدبلوماسية على ما سواها في التعاطي مع ملفات المنطقة، ومنها الملف السوري.

 دبلوماسية قد تحتاج أحياناً إلى دفعة عسكرية أو على الأقل إلى التلويح بهذه العصا في وجه الدول الداعمة للنظام السوري، وهو ما يحصل اليوم. الأمر يذكّر إلى حد كبير بالأسلوب الذي كانت تتبعه إسرائيل بوجه الولايات المتحدة في الملف الإيراني. الدولة العبرية في أكثر من مناسبة أظهرت جاهزية تامة لتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية. “أمسكوني وإلا” كان عنوان هذا الأسلوب الإسرائيلي، الذي دفع الولايات المتحدة إلى إرسال مبعوثين إلى تل أبيب للضغط على المسؤولين الإسرائيليين لعدم مهاجمة إيران مقابل ضمانات بتشديد العقوبات على إيران والضغط عليها سياسياً.

 إسرائيل لم تكن يوماً جدية في تهديداتها، نظراً لحساب التداعيات المفترضة لأي هجوم على المنشآت الإيرانية، لكنها مع ذلك استطاعت الضغط على المجتمع الدولي لتغليظ العقوبات على إيران. الأمر نفسه قد يكون في حسابات الولايات المتحدة، التي ترفع عصا الضربة العسكرية في وجه سوريا، لكن المقصود من ورائها هما روسيا والصين تحديداً، واصطفافهما الكامل وراء النظام وتفسيراته لأي حل دبلوماسي يجري الحديث عنه، وهو ما أخر إلى اليوم مؤتمر “جنيف 2”. لكن فجأة، وبعد استعراض القوة الأميركي والغربي في وجه سوريا، عاد الحديث عن هذا المؤتمر، وانتقل المبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، إلى سويسرا تحضيراً للمؤتمر، وبات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يتحدث عن ضرورة إقناع الولايات المتحدة للمعارضة بالجلوس إلى الطاولة.

 حديثا الحرب و”جنيف 2″ باتا يسيران جنباً إلى جنب. ووفق التفضيل الأميركي لمسار الأمور، فإن كفّة الطاولة ترجح على ما سواها، وخصوصاً أن واشنطن، وبغض النظر عن تداعيات اي ضربة على المنطقة وملفاتها، لا ترغب في سقوط مفاجئ لبشار الأسد، وترك الساحة مفتوحة لصراعات كتائب المعارضة المسلحة، وتكرار السيناريو العراقي والأفغاني. قد لا يختلف الموقف الأميركي هذا عن موقف بعض الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية، والتي تتشارك مع الولايات المتحدة في الرغبة بضبط أي عملية انتقالية في سوريا، وعدم ترك الساحة لـ “المجموعات المتطرفة”، التي لم تتوان الولايات المتحدة عن التحشيد ضدها في مرحلة من المراحل.

 بناء عليه قد لا يكون حديث الضربة الأميركية إلى سوريا سوى مدخل إلى حديث آخر أخف وطأة وضرراً، وبتفاهم ضمني بين الرعاة الدوليين الاساسيين للملف السوري.

المدن

هل بدّلت موسكو ثوبها؟/ امين قمورية

استخدام الكيميائي في غوطتي دمشق، اذا ثبت فعلا بالادلة والقرائن، لن يكون حدثا عابرا. اللجوء الى سلاح الدمار الشامل يسقط كل “الخطوط الحمر”.

ما حدث في الغوطتين منعطف خطير في مسار الازمة من شأنه ان يدفع اللاعبين الكبار والصغار نحو تغيير “قواعد اللعبة”. الغرب بات يتصرف وكأن امر استخدام السلاح الخانق شبه مؤكد. وبدا ايضا كأنه يعد العدة للعبة اكبر واوسع واعنف. وسيكون صعبا على روسيا ان تتصرف كما كانت تتصرف من قبل اذا قدر للمفتشين الدوليين ان يثبتوا مسؤولية النظام عما ارتكب.

الغرب يلوح بخيار كوسوفو او بخيارات اخرى تطغى عليها القوة. لافروف يحذر من التدخل العسكري “لان ذلك لن يوقف الحرب الاهلية بل يغذيها”.

موسكو تلوّح مجددا باللجوء الى الفيتو لصد اي تفويض اممي لاستخدام القوة. لكن وزير خارجيتها يفاجىء اهل النظام في دمشق وحلفاءهم بان روسيا “لا تعتزم خوض قتال مع احد” اذا ما تقررت الحرب من جانب واحد ومن دون تفويض.

هل يعني ذلك ان موسكو تخلت ايضا عن “خطوطها الحمر” واكتفت بالتحذير من مخاطر التدخل ومترتباته على استقرار الشرق الاوسط وخرائطه، عوض التصدي مباشرة له، وتاليا تركت حليفها وحيدا ليقلع شوكه الاخير بيديه؟ ام ان صفقة سياسية كبيرة باتت في طور النضج ومن شأنها ان تضع كل الاطراف المتقاتلين في سوريا وعليها على سكة الحل السياسي الذي رسمت معالمه في “جنيف – 1” خوفا من فراغ في السلطة او من بديل من النظام الحالي مجهول المعالم والشكل او متطرف بدأ سلوك جماعاته يقلق الاقليم برمته؟ وهل كان اللقاء المثير للتكهنات للامير بندر والرئيس بوتين، ومن ثم الزيارة اللافتة والنادرة للسلطان قابوس لطهران، من ممهدات هذه الصفقة؟ ام ان روسيا تخلت عن تحفظها عن “دولة الاقليات” في جزء من سوريا بعدما عبر قيصر الكرملين عن تخوفه من قيامها؟

لاشيء ينبئ بالتحضير لتدخل عسكري بري في سوريا على الطريقة العراقية، بل لضغوط شديدة من كل الانواع على النظام بما في ذلك ضغوط الاصدقاء والحلفاء. وهدفها على الارجح جر النظام الى طاولة المفاوضات وارغامه على الاذعان لما كان يرفضه على الدوام، وخصوصا قبول مبدأ مشاركة معارضيه في السلطة والصلاحيات الامنية والعسكرية بتأليف حكومة تعددية تضم كل اطياف النسيج الوطني والمتقاتلين في انتظار اجراء انتخابات ديموقراطية، ذلك ان سوريا ما قبل مجزرة “الفجر الكيميائي” المفترضة شيء، وسوريا ما بعدها شيء آخر.

النهار

سوريا.. إيران استوعبت الدرس جيدا/ طارق الحميد

لا يهم كيف ينظر بشار الأسد لقرار البرلمان البريطاني الرافض لمشاركة بلاده في التحالف الدولي الذي يحاول الرئيس الأميركي قيادته للرد على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية في سوريا.. الأهم هو كيف ستفهم إيران هذا الانقسام الدولي، وما سيترتب على ذلك في كل المنطقة!

إيران التي تعاونت في الغزو الأميركي للعراق، وبمعنى الكلمة، استوعبت جيدا منذ ذلك الوقت أن الفوضى هي مصير هذه المنطقة، بل واستوعبت ذلك جيدا من بعد الأحداث الإرهابية في أميركا عام 2001، ووسعت نفوذها بالمنطقة على هذا الأساس، واليوم لا بد أن طهران فهمت أن الانقسام الدولي تجاه سوريا، وتحديدا ردود الفعل المضطربة حول استخدام الأسلحة الكيماوية، خصوصا بعد خروج بريطانيا من التحالف الدولي، يعني أنه ليس المنطقة وحدها المنقسمة، بل وكذلك المجتمع الدولي، مما يعني أن فرص إيران تتعزز في الملف النووي، وكذلك بسط نفوذها في المنطقة، إما بتعزيز الوجود، أو تعميق الفوضى.

ونقول: إن رد فعل الأسد غير مهم لأنه بات ورقة محروقة، ومهما فعل، ومهما كان الانقسام الدولي حوله، فالقصة الآن ليست الأسد الذي قد يتهاوى فقط من تأثير الضربة العسكرية التي ربما تقودها أميركا وفرنسا، وآخرون؛ القصة الآن هي في قراءة إيران لهذا الانقسام، بل الضعف، الدولي. طهران عرفت جيدا الآن أن المنطقة مكشوفة دوليا، وعلى الأقل في فترة الرئيس الأميركي أوباما، كما عرفت أن تحالفات المنطقة نفسها اختلت على أثر ما سمي بالربيع العربي حيث تعصف الأزمات بجل الدول العربية، وقد تكون المنطقة محظوظة بأن مصر لم تنزلق للعنف والفوضى على غرار ليبيا وسوريا، إلا أن القاهرة لا تزال في مرحلة النقاهة، وسمعة الثورة السورية هناك مشوهة كثيرا بسبب نهج الإخوان الخاطئ في فترة حكم مرسي لمصر، ولذا فلا يوجد إلا الخليج العربي الذي لا يزال التباين داخل صفوفه، واضحا، وبشكل محير، وأبسط مثال الموقف القطري من مصر، والتباين في التعامل مع بعض أطراف المعارضة السورية، هذا عدا عن التباين الإقليمي مع تركيا في مصر أيضا!

وعليه فمن المؤكد أن إيران قد استوعبت الرسالة البريطانية جيدا، وهي أن المجتمع الدولي منقسم، وغير جاد في التعامل مع القضايا الأساسية، ومنها مثلا استخدام الكيماوي في سوريا، هذا عدا عما يتعرض له السوريون من جرائم منظمة من قبل الأسد، وبتدخل صارخ من إيران وحزب الله، والسؤال الآن هو: ماذا عنا نحن، ماذا عن منطقتنا؟ كيف سيجري التعامل مع الأطماع الإيرانية وسط هذا الانقسام الدولي، خصوصا مع مواقف واشنطن المتباينة، والمتناقضة، مما حدث في المنطقة، حيث تخبطت الإدارة الأميركية الحالية تخبطا لا يستهان به في دول الربيع العربي، وكانت واشنطن أشبه بفيل يترنح وسط غرفة صغيرة، وخصوصا في سوريا، حيث أدى تردد الرئيس أوباما هناك إلى كوارث تحاصره الآن، وتحاصر المنطقة ككل!

المؤكد أن إيران قد استوعبت الدرس جيدا، فماذا عن منطقتنا؟

السرق الأوسط

خيارات العمل العسكري ضد سوريا/ اللواء الدكتور فايز الدويري

بدأت سوريا تسعى لبناء سلاحها الكيماوي منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل في ظل تفوق الأخيرة بامتلاكها السلاح النووي. تلقت سوريا أول قذيفة كيماوي عام 1973 كهدية من الحكومة المصرية، ولكن البداية الحقيقية كانت في منتصف الثمانينيات حيث عملت على تطوير برنامجها الكيماوي بمساعدة مصر ابتداء، ثم الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا في تسعينيات القرن الماضي، ثم إيران ابتداء من عام 2005، حسب وكالة نوكلير ثريت “nuclear threat”.

اعترفت سوريا لأول مرة بأنها تمتلك السلاح الكيماوي في تاريخ 23 يوليو/تموز 2012 على لسان الناطق الرسمي بوزارة الخارجية السورية الدكتور جهاد المقدسي عندما أعلن أن السلاح الكيماوي تحت حماية الجيش السوري ولن يتم استخدامه إلا إذا تعرضت لعدوان خارجي.

تشير التقديرات إلى أن سوريا تمتلك مخزونات ضخمة من العوامل الكيماوية، ورغم تباين التقديرات إلا أنها تجمع على أن حجم المخزونات السورية من العوامل الكيماوية يبلغ مئات الآلاف من الأطنان؛ حيث تشير التقديرات إلى أن النظام يمتلك ما بين 800-1100 طن من غاز السارين بالإضافة إلى مئات الأطنان من عوامل التابون والزومان وغاز الخردل وعامل  vx، والعامل 15، والعوامل المسيلة للدموع، وعوامل مكافحة الشغب.

تتوزع مستودعات الأسلحة الكيماوية على خمسة مستودعات رئيسة في كل من السفيرة في ريف حلب وقرب مدينة اللاذقية وفي الفرقلس في ريف حمص والقطيفة في ريف دمشق والمستودع الخامس قرب مدينة تدمر، أما المصانع التي تنتج هذا العوامل الكيماوية فهي موزعة بين مجمع البحوث العلمية قرب بلدة السفيرة في ريف حلب، وفي مركز الأبحاث والدراسات العلمية التابع لوزارة الدفاع الواقع في منطقة جمرايا قرب دمشق ومصنع قرب مدينة اللاذقية. وجميع هذه المصانع تعمل تحت إدارة مركز الأبحاث والدراسات العلمية وبالتنسيق مع روسيا وبإشراف المخابرات الجوية.

نقطة التحول

يُعتبر يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2012 نقطة التحول في مسار الثورة السورية؛ حيث أشارت التقارير إلى أن قوات النظام استخدمت العامل 15 (صناعة عراقية) في حي بعلبة في مدينة حمص مستخدمة قذائف المدفعية مما أوقع عشرات الشهداء والمصابين كما أفادت مصادر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. وتوالت التقارير عن استخدام العوامل الكيماوية خاصة عامل السارين ضد العديد من المدن والقر ى السورية (عين ترما، خان العسل، العتيبة، عدرا، زملكا، الشيخ مقصود، داريا، سراقب، جوبر، الرستن، الحجر الأسود، العسالي، القابون، وبرزة). ووثّقت المعارضة السورية 28 حالة استُخدم بها السلاح الكيماوي.

ولقد أُبلغت الأمم المتحدة بأنه تم استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ثلاث عشرة مرة، وجرى تقديم اثني عشر بلاغًا من قبل كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وبلاغ وحيد قُدّم من الحكومة السورية متهمة المعارضة المسلحة باستخدام غاز السارين في مدينة خان العسل في محافظة حلب خلال شهر مارس/آذار الماضي.

على إثر تواتر التقارير عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي أدلى الرئيس الأميركي باراك أوباما بتصريحه الشهير معتبرًا أن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر ومن يتجاوزه عليه أن يتوقع إجراءات رادعة وقاسية، ولكنه لم يتبع ذلك التصريح بأية إجراءات عملية رغم التأكيدات التي صدرت عن المختبرات العلمية للجيش البريطاني ومعامل وزارة الدفاع الفرنسية التي تسلمت عينات من صحفيين يعملون في صحيفة لوفيغارو جمعوها من الغوطة الشرقية وكذلك تقارير المخابرات المركزية الأميركية بأن القوات السورية استخدمت غاز السارين ضد المدنيين السوريين وفي مواقع عدة في سوريا.

في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 21 أغسطس/آب وفي حدود الساعة الثالثة تعرضت كل من دوما وسقبا وعين ترما وجوبر وزملكا وعربين وكفر بطنا ومعظمية الشام لقصف صاروخي ومدفعي محمل برؤوس كيماوية، وقد حددت الاستخبارات الإسرائيلية أنه تم استخدام العوامل الكيماوية وحددت مكان انطلاق الصواريخ “صاروخين من على جسر الطريق السريع بين دمشق وحمص والصواريخ الأخرى من مصنع تابع للشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية” “سيروفيكس” في حي القابون، كما أن قوات الجيش السوري الحر أكدت أن قوات النظام السوري استخدمت صواريخ معدلة وقذائف هاون في هجومها الكيماوي، وأن الصواريخ أُطلقت من شركة “سيروفيكس” في القابون ومن منطقة الفرقة الرابعة، وأن قذائف الهاون أُطلقت من حاجز الحرس الجمهوري عند جسر بغداد. أدت التقارير المتلاحقة عن ازدياد أعداد القتلى والجرحى إلى حراك دولي قادته كل من فرنسا وبريطانيا مما زاد الضغط على الرئيس الأميركي أوباما والذي اكتفى بالتعبير عن قلق البيت الأبيض ومطالبته بمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي من دون توجيه تهم لأي جانب، فيما طالبت الأمم المتحدة بالتحقيق وسرعة تحرك الفريق الدولي برئاسة أكي سيلستروم إلى منطقة الغوطة ليتبع ذلك بالطلب رسميا من الحكومة السورية السماح لمفتشي المنظمة الدولية بالتحقيق في الادعاءات وأنه يتوقع ردًا إيجابيًا من دون تأخير، وأنه إذا ثبت استخدام العوامل الكيماوية فإنه يُعتبر جريمة ضد الإنسانية ويجب أن يحاسب المسؤول عنها.

رغم تزايد الضغوط الدولية وانتقادات السيناتور الجمهوري جون ماكين تجنبت المتحدثة باسم البيت الأبيض “جين بساكي” الحديث عن الخط الأحمر وأنها ليست مخولة برسم خطوط حمراء جديدة، فيما وصف الرئيس الأميركي أوباما استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي بالحدث الجلل، لكنه لن يتسرع في التورط في المستنقع السوري والرمال السورية المتحركة، كما تجاهل الخط الأحمر، وأكد أنه لن يندفع في الاستجابة لدعوات بتدخل أميركي فوري لأن هذا سيكون ضد المصالح الأميركية طويلة المدى، مشيرًا إلى مشكلات في الميزانية والقانون الدولي، رغم قناعة كثيرين بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تتحرك خارج حدودها لحماية الآخرين.

أدى تسارع الأحداث وتقدم المواقف البريطانية والفرنسية إلى دفع القيادة الأميركية إلى عقد اجتماع بين وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دام ثلاث ساعات لبحث الخيارات المتاحة للإدارة الأميركية، وانتهى الاجتماع دون التوصل لنتيجة حاسمة بسبب الانقسامات الحادة بين المؤيدين لتوجيه ضربة قاسية للنظام والذين يرون أن الوقت غير مناسب لتوجيه تلك الضربة.

طلب الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” من “أنجيلا كين” السفر إلى دمشق والطلب من الحكومة السورية الموافقة على ذهاب بعثة الأمم المتحدة إلى الغوطة والتعاون معها وتسهيل مهمتها، كما دعا الدول ذات التأثير إلى بذل كافة الجهود الممكنة لإنجاح مهمتها، كما طالب بإجراء تحقيق عاجل، وأضاف أنه إذا ثبت استخدام العوامل الكيماوية فإن ذلك يعتبر جريمة ضد الإنسانية ويجب أن يحاسب مرتكبها.

تغيير الموقف الأميركي

كل ذلك أدى إلى تغير في الموقف الأميركي؛ حيث كشف وزير الدفاع الأميركي تشاك هيجل أن البنتاغون بدأ بتحريك قواته المتواجدة في البحر المتوسط لمنح الرئيس أوباما خيارات عدة في حال أمر بتنفيذ عمل عسكري ضد سوريا، كما عقد الرئيس الأميركي اجتماعًا مع مستشاريه للأمن القومي لمناقشة تقارير تفيد بأن الحكومة السورية استخدمت العوامل الكيماوية، ودراسة الخيارات المتاحة للتعامل مع الأزمة السورية ووقف قتل المدنيين، وكان من بين الخيارات المطروحة ما اصطُلح عليه بخيار كوسوفو، أي شن هجمات جوية على أهداف محددة وبتفويض من حلف شمال الأطلسي ودون الرجوع إلى مجلس الأمن لتفادي الفيتو الروسي، كما أمر الرئيس أوباما أجهزة الاستخبارات بجمع الأدلة لتحديد ما حصل بسوريا وأوضح أنه إذا تم التحقق من استخدام العوامل الكيماوية سيتم اتخاذ القرار المناسب للرد عليه. كما قررت وزارة الدفاع الأميركية الإبقاء على المدمرة الأميركية “يو إس إس ماهان” بالإضافة إلى المدمرات الثلاث “غريفلي وباري وراماج”، وجميعها تحمل صواريخ توما هوك لزيادة القدرة القتالية للأسطول السادس الأميركي.

وسربت بعض التقارير مكالمة هاتفية بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال ديمبسي ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غانيتس، وأن المكالمة تضمنت الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تتجه نحو القيام بعملية عسكرية في سوريا خلال فترة قريبة، ومتوقع أن ضربات صاروخية وجوية تلحق أضرارًا جسيمة بمفاصل القوة السورية دون إسقاط الأسد، وأن أميركا ستزيد من تعاونها الاستخباري مع إسرائيل ضمن التحضير للعملية، وأن أية عملية عسكرية ستقوم بها الولايات المتحدة الأميركية ضد سوريا سيتم تنسيقها مع إسرائيل وبعض الدول العربية والإقليمية.

تزامن كل ذلك مع اجتماع لرؤساء أركان جيوش كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وتركيا والسعودية وقطر ابتداء من يوم الأحد 25 أغسطس/آب ولغاية يوم الثلاثاء 27 أغسطس/آب، وهدف الاجتماع لمناقشة ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات السابقة والتأكيد على استمرار التنسيق بين الدول المشاركة وتقييم الأحداث الجارية في سوريا وانعكاساتها على أمن المنطقة بشكل عام، ورجّح مصدر أردني أن يتصدر موضوع الحرب الكيماوية في سوريا محور الاجتماعات وأن يدرس القادة السبل الكفيلة بمنع انتشار الأسلحة الكيماوية ووضع الخطط للوصول إلى هذه الأسلحة قبل أن تصل إليها أيدي “الجماعات الإسلامية المتشددة”، كما جرى بحث إقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر طيران على الحدود الجنوبية تصل إلى بلدة الصنمين مع تأمين المنطقة الغربية المحاذية لهضبة الجولان السوري المحتلة وتزويد المعارضة المسلحة بالسلاح لتمكينها من القيام بذلك.

قابل التصعيدَ الدولي تصعيد آخر مقابل تمثل في تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد بأن التدخل الأميركي مصيره الفشل، وأن التهديدات الغربية تخالف العقل والمنطق، وأن الأمن السوري يتعامل مع مجموعات فردية ومع جيوش إرهابية  أمثال الظواهري، كما خاطب رؤساء الدول بأن الحروب نهايتها الفشل وستؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فيما ذهب وزير الإعلام السوري عمران الزعبي إلى أبعد من ذلك حيث اعتبر أن أي اجراء عسكري تقوده الولايات المتحدة الأميركية لن يكون نزهة وسيتحول إلى كرة لهب تطول دول الجوار.

ورغم إدانة الرئيس الإيراني حسن روحاني لأي استخدام للأسلحة الكيماوية ونصيحة وزير الخارجية الإيراني للنظام السوري بالسماح لفرق التفتيش الدولي بالذهاب إلى الغوطة إلا أن تحذيرًا إيرانيًا جاء على لسان العميد مسعود جزائري مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني معتبرًا أن تجاوز الولايات المتحدة الأميركية الخط الأحمر في سوريا سيكون له تداعيات وخيمة، فيما قال اللواء محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني: إن أحداث المنطقة لن تصب في صالح إسرائيل، وإن إيران ستضطر للدفاع عن نفسها ضد التهديدات المباشرة وغير المباشرة. وحذرت روسيا من خطر كارثي في حال ضرب سوريا إلا أن وزير الخارجية الروسي أكد خلال مؤتمر صحفي أن روسيا لن تدخل حربًا فيما إذا ضُربت سوريا.

احتمالات التدخل

وتماشيًا مع القانون الدولي ترى الولايات المتحدة الأميركية أن أي عمل عسكري سيكون له مبرر قانوني؛ ويمكن تفسير ذلك بالذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار تحت البند السابع للتدخل في سوريا أو بالذهاب إلى الجمعية العمومية  وفقًا للقرار 377 “الاتحاد من أجل السلام الصادر عام 1952″، أو أن يقوم حلف شمال الأطلسي بذلك العمل من خارج مجلس الأمن، وأيًا كان المبرر القانوني أو الأخلاقي فإن أبعاد واحتمالات التدخل العسكري ستكون ضمن الخيارات التالية:

    الخيار الأول: يهدف هذا الخيار إلى إيقاع عقوبات قاسية على النظام السوري دون إسقاطه من خلال توجيه ضربات صاروخية (صواريخ كروز وتوما هوك) من القطع البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية، وبقية الدول المشاركة والتي ستقدم ما يُطلب منها وضمن إمكاناتها العسكرية. ويُقدر العدد التقريبي للصواريخ التي يمكن استخدامها بـ 150-300 صاروخ. ولقد بدأت خلايا التخطيط العسكري بتحديد الأهداف العسكرية التي يمكن مهاجمتها وتحديث بنك الأهداف المعد مسبقًا لديها، ومن المتوقع أن تشمل قائمة الأهداف المتوقعة مراكز القيادة والسيطرة وقيادات الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية وبعض مراكز القيادة السياسية المسؤولة عن اتخاذ القرار باستخدام الأسلحة الكيماوية، كما ستشتمل قائمة الأهداف على القواعد الجوية ومواقع الصواريخ البالستية خاصة مواقع اللواء 155 في القطيفة، ومواقع الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وبعض الأهداف الأخرى ذات العلاقة بإدامة القدرة القتالية لقوات النظام. كما قد تشتمل قائمة الأهداف على مصانع ومستودعات الأسلحة الكيماوية ومراكز البحث والدراسة ذات العلاقة (رغم أن هذه الأهداف يتطلب التعامل معها استخدام ذخائر خاصة قادرة على حرق وتدمير هذه الأسلحة دون انتشارها).

    الخيار الثاني: سيكون هذا الخيار شبيهًا بخيار كوسوفو أو ما يمكن أن يُطلق عليه “كوسوفو 2″، وسينفذ من خلال حملة جوية مكثفة تقوم بها مئات الطائرات القاذفة والمعترضة وطائرات التموين والاستطلاع والحرب الإلكترونية والتشويش، وقد تدوم فترة هذه العمليات إلى عدة أسابيع أو بضعة أشهر. ولكن هذا الخيار يواجه صعوبات جمة من أهمها قوة شبكة الدفاعات الجوية السورية والتي تُعتبر من أقوى شبكات الدفاع الجوي في العالم بعد شبكة الدفاع الجوي الكورية الشمالية؛ حيث تحتوي على 650 موقع دفاع جوي وتمتلك أنواعًا متعددة من الصواريخ، من أهمها صواريخ غامون إس إس 5 والذي يصل مداه الأفقي إلى 300 كيلومتر ومداه العمودي 30 كم. وبما أن الصواريخ البالستية هي مفتاح العمليات العسكرية للتعامل مع المطارات ومواقع الدفاع الجوي فسوف تستخدم القوات المهاجمة صواريخ كروز وتوما هوك كضربة أولية على مراكز القيادة والسيطرة ومحطات الرادار ومواقع الصواريخ السورية، وقد تحتاج القوات المهاجمة إلى استخدام 70-75 صاروخًا.

    قد ينتج عن تطبيق الخيار الثاني تداعيات ميدانية وعملياتية واستراتيجية، وتتمثل هذه التداعيات في تحقيق قوات المعارضة انتصارات ميدانية قد توظفها في المستوى العملياتي لاستعادة السيطرة الكاملة على مدينة حمص وريفها مما يفتح المجال أمام إجراء مناورة استراتيجية على شكل فكي كماشة من الشمال والجنوب لتطويق مدينة دمشق وبدء معركتها الحاسمة. أما التداعيات الاستراتيجية فتتمثل في انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية من خلال عمليات انشقاق واسعة النطاق مما يؤدي إلى سقوط النظام، وفي حال بقاء النظام السوري متماسكًا قد تلجأ الدول المشاركة إلى إنشاء منطقة حظر طيران ومناطق آمنة تسمح باستخدامها من قبل اللاجئين السوريين، كما ستستخدمها قوات المعارضة المسلحة كقاعدة انطلاق لإسقاط النظام.

    الخيار الثالث: يأمل بعض أطياف المعارضة السورية بأن يكون التدخل الغربي أوسع نطاقًا وعلى غرار عمليتي عاصفة الصحراء والترويع والصدمة، إلا أن هذا النوع من العمليات يحتاج إلى قوات أرضية يزيد تعدادها عن 150 ألف مقاتل بالإضافة إلى الإسناد الجوي والبحري، ولكن كافة الدول الفاعلة والقادرة على القيام بهذا العمل (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا) لا ترغب بإرسال قوات برية، ولن تقوم هذه الدول بتكرار أي من سيناريوهات أفغانستان أو العراق مما يجعله خيارًا غير قابل للتطبيق.

 التأثيرات

بعد دراسة كافة الخيارات الممكنة فإن الخيار الأول هو الأكثر احتمالاً والمتوقع تبنيه من قبل خلايا التخطيط العسكري والاستراتيجي. أما التأثيرات على دول الجوار فإنها تعتمد على قدرات الجيش السوري على الرد وهي رهينة الإمكانات المتاحة؛ وتتراوح هذه الإمكانات بين تنفيذ غارات جوية محدودة أو إطلاق زخّات من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى أو تحريك الخلايا النائمة والمتواجدة في دول الجوار.

وبالنسبة للغارات الجوية فإن الدول المهاجمة ستعمد إلى استخدام عمليات تشويش واسعة النطاق والعمل على إعماء محطات الرادار السورية وإبطال فاعلية شبكة الاتصالات السورية، واستهداف القواعد العسكرية الجوية ومواقع الصواريخ البالستية مع بداية العمليات العسكرية والتي ستحد من إمكانات الجيش السوري وتجعل من الصعب على سلاح الجو السوري أن ينفذ أية غارات جوية على دول الجوار.

أما بالنسبة للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى فقد تستطيع القوات السورية إطلاق العشرات من الصواريخ على دول الجوار: الأردن وتركيا وإسرائيل، ولقد استَبَقت كل من تركيا والأردن الأحداث بمحاولة حماية نفسها من هذه الصواريخ بإحضار بطاريات صواريخ باتريوت ووضعها على حدودها لحماية الأهداف المحتمل مهاجمتها.

تمتلك إسرائيل منظومة القبة الحديدية والتي تُعتبر فاعلة نسبيًا ضد أية هجمات صاروخية، وقد صرّح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي “زئيف الكين” يوم 26 أغسطس/آب بأن إسرائيل مستعدة لمواجهة جميع السيناريوهات في حال توجيه أية هجمات على إسرائيل، فيما استبعد رئيس الاستخبارات العسكرية السابق “عاموس يدلين” أن تشن سوريا أية هجمات على إسرائيل إلا إذا شعر الرئيس السوري أنه بخطر، وأن إسرائيل قادرة على ردع سوريا وطبقت ذلك مرات عدة.

تبقى الإمكانية الأكثر احتمالاً؛ وهي تحريك الخلايا النائمة في كل من تركيا والأردن ولبنان فقد تستطيع هذه الخلايا تنفيذ عمليات اغتيال لبعض الرموز السياسية والعسكرية والأمنية أو تنفيذ بعض التفجيرات في بعض المواقع العامة والمواقع الحساسة؛ ولقد عانت كل من تركيا ولبنان من ذلك.

أما فيما يتعلق بحزب الله فرغم امتلاكه ما يقارب 60 ألف صاروخ منها عدة مئات متوسطة المدى وتمتلك قدرة تدميرية كبيرة، إلا أن تورط حزب الله في هذه الحرب مرتبط بالقرار الإيراني ويصبح على حزب الله أن يقدّر عواقب ذلك التورط حيث سيكون الرد الإسرائيلي حاسمًا ومدمرًا مما يجعل تورط حزب الله مغامرة غير محسوبة قد تدفعه لعدم المشاركة في العمليات القتالية المتوقعة.

الجزيرة نت

من حمزة الخطيب إلى جرائم الغوطة وماذا بعد؟/ رندة تقي الدين

«يجب أن نؤمن بالنصر». «لدينا الوسائل للدفاع عن أنفسنا» كلمات سمعناها من معلم اللاديبلوماسية السورية أمس في رده على احتمال مواجهة الضربة العسكرية الآتية على سورية. فأي نصر يتحدث عنه هذا المسؤول الذي ينتمي إلى نظام لديه الوسائل لقتل شعبه بصواريخ السكود وغاز السارين والذي تقدم له روسيا يومياً المزيد من السلاح الذي يأتي من مرفأ طرطوس؟ إن صور كارثة الغوطة غيرت الموقف الأميركي في حين أن جريمة قتل الولد حمزة الخطيب في بداية الثورة في درعا كان ينبغي أن تنبه إلى ما هو آت من وحشية من النظام السوري. الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي اتصل مع مجمل القيادات الأوروبية والرئيس الأميركي منذ بداية الأسبوع مدرك منذ البداية أنه ينبغي وضع حد لهذه الوحشية التي قال عنها إنها لا توصف. فقد اختلف بقوة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول الموضوع السوري. وحاول منذ البداية بالتنسيق مع رئيس الوزراء البريطاني إقناع إدارة أوباما بضرورة الاعتراف بالمعارضة السورية ومساعدتها للتصدي لما يقوم به النظام. وقبل هولاند كان وزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبيه غير موقف فرنسا من النظام السوري ولكنه اعترف بفشله بإقناع الجانب الروسي بتغيير سياسته المؤيدة لهذا النظام. وبعد كارثة الغوطة تغير الموقف الأميركي، والولايات المتحدة مع فرنسا وبريطانيا هي الآن في صدد تشكيل أوسع تحالف دولي لمعاقبة الهجوم الكيماوي وفي الوقت نفس هلتقديم دعم فعلي للجيش الحر والثوار لموجهة ضربات هذا النظام القاتل.

تساءل المعلم عن سبب دعم السعودية القوات المسلحة في مصر بوجه «الإخوان المسلمين» في حين أن السعودية تعارض ما يقوم به النظام السوري. إن معلم اللاديبلوماسية السورية يعرف تماماً أن النظام السوري أعطي من دول الخليج فرصاً عدة للتغيير وغض النظر عن الجرائم التي ارتكبت في لبنان وفي طليعتها اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجميع الشهداء الذين تبعوه. مرة بعد مرة قام العاهل السعودي وأمير قطر وقيادات الخليج بإقناع النظام السوري بضرورة تغيير نهجه. ولكن النظام اعتمد الكذب والتلاعب باستمرار وفضل الاستمرار بالصيغة الوحشية بوجه شعبه الذي قتل وتهجر على رغم كل النصائح التي أعطيت للنظام. من يصدق أنه قبل سنتين على بداية المجازر التي يرتكبها النظام السوري كان بشار الأسد وزوجته أسماء يتجولان في متحف اللوفر الباريسي للاطلاع على الفنون والتاريخ والتراث العريق لبلد يدمره بصواريخ السكود والطائرات الروسية الصنع؟ من يصدق أن الأسد منذ سنوات قليلة كان يستعرض مع نيكولا ساركوزي العيد الوطني الفرنسي ويحيي القيم الإنسانية؟ من يصدق أن رئيس سورية الذي رغب الإعلام الفرنسي بصفته «شاباً حديثاً ومنفتحاً» هو نفسه الذي يقصف أبناءه بالصواريخ وبالكيماوي؟ وكان مهندس صورته في الإعلام الفرنسي وفي جولاته في المتاحف الباريسية المعروفة صديقه اللبناني الواسع الاتصالات بالإعلام والاستخبارات الفرنسية ميشال سماحة الذي أوكل الأسد إليه القيام بالتفجيرات في لبنان لشكره على علاقات عامة نشطة لمصلحته. وتولى أصدقاؤه اللبنانيون الآخرون دعوته مع زوجته إلى أحد مطاعم باريس الإيطالية «لا ستريزا» لإظهار عصريته. ولكن، على رغم هذه الجهود العقيمة فقد خسر النظام السوري ونهجه صدقية كانت تحبذ الدول الغربية وإسرائيل المراهنة عليها. فوزير الخارجية الأميركي جون كيري نفسه كان باستمرار يزور الرئيس السوري لإعطائه النصائح وتسليمه رسائل أميركية عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ. والقيادات الإسرائيلية المتتالية كانت تحبذ بقاءه لأنه ضمانة للحدود معها ولأنه باستمرار كما والده تجنب مواجهتها. وليست مجرد صدفة أن الأسد فقد كل أصدقائه من أميز قطر السابق إلى الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي إلى جون كيري.

إن الخيارات العسكرية التي يتم درسها حالياً تؤكد أن الضربة آتية في غضون أيام قليلة بعد جمع أكبر عدد ممكن من الدول في تحالف يعطيه أوسع شرعية لتجاوز التعطيل الروسي في مجلس الأمن. إن الأيام المقبلة في الشرق الأوسط ستشهد مطبات وتغييرات مؤكدة ولكن اتجاهاتها غير معروفة وهي تنبئ بأخطار عدة. إن احد وزراء «حزب الله» قال يوماً في جلسة باريسية إن بشار الأسد لن يخرج من سورية إلا بعد حرقها والمنطقة معه! ولكن كم حمزة الخطيب بعد للشعب السوري قبل سقوط هذا النظام؟

الحياة

تدمير سوريا وليس إسقاط النظام/ سليمان تقي الدين

يشن الغرب حرباً جديدة على العالم العربي من باب الأزمة السورية. ينافق الغرب مجدداً في الذرائع والأسباب تماماً كما في العراق والآن في سوريا. يضع فكرة إنسانية وأخلاقية لتغطية جريمة كبرى، كسلاح الدمار الشامل أو السلاح الكيماوي. يريدنا ان نرضخ لمنطق القوة التي حصدت الملايين من الضحايا بسبب معاقبة أنظمة الاستبداد. يدّعي ان حربه عادلة وسلاحه نظيف وقتله وتدميره فريضة أخلاقية. هو أصلاً صانع كل أنواع الأسلحة وكل أدوات الحرب الهمجية. هو منتج النووي والكيماوي والجرثومي والنابالم المحرق والقنابل العنقودية والمتشظية الفراغية، وهو سيد الحروب والمحارق البشرية. لكن السؤال: ماذا يريد الغرب من الحرب على سوريا؟ قطعاً ليس تخليصها من الآلام ولا مساعدة شعبها لنيل حريته، ولا سيادتها واستقلالها ولا تنمية وتقوية مواردها البشرية والمادية وتطوير قدراتها. هو الآن يريد إخضاعها لشروطه ومصالحه التي رسمها وأعلنها في قيام «شرق أوسط» لا مكان فيه للاعتراض والمعارضة و«الممانعة» لسيادة الغرب العليا وفي مقدمتها الخطوط الحمر لأمن إسرائيل والنفط، كما كرر الرئيس الأميركي باراك أوباما.

قد نعجب من هذه المعادلة حين تكون إسرائيل قوية والنفط تحت سلطة الغرب وإدارته. لكن سيادة الإخضاع لا تحتمل المسايرة، فالمطلوب تغيير لغة المنطقة وثقافتها ووعيها وعواطفها حتى لا يبقى فيها جهة تلهج أو تعلن أو تفكر أو تحلم بما يخالف إرادة الغرب. وها نحن ندفع فاتورة الاعتراضات اللفظية والتحديات المجانية من غير ان نكون فعلاً قادرين على تغيير مسار الأمور.

نكتشف بعد نصف قرن من المواجهة ان المسألة لم تعد رجلاً لرجل ووجهاً لوجه، وان الإمبريالية ترمي شباكها علينا في الاقتصاد والأمن والثقافة والسياسة، وأنها داخل منظومة حياتنا العربية وأن لها شركاء ووكلاء، وهي تحاصرنا لأننا شعوب في سجون ومنافِ وولاءات وانقسامات، وإذا ما امتدت أيدينا إلى وسائل الحرية وجدت نفسها في أصفاد الاستبداد.

لن يخدعنا الغرب في الماضي والحاضر وهو طالما لم يعد مهتماً حتى لخداعنا بأنه يريد لنا الحرية والخير. لا النموذج العراقي يصلح ولا تحالفه مع الإسلام السياسي في سياق الثورات العربية يوحي بثقافة التحرر والحرية. اما انه مع إسرائيل بلا شروط ومع سلطته على النفط فحدّث ولا حرج. تصرف الغرب منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية على أنه الشريك الأكبر في خطة استنزاف البلد، الشعب والدولة، وليس على أنه صديق للشعب السوري أو حريص على حرية الشعوب وحقها في الديموقراطية وتقرير المصير. كان موقعه في الوجه الآخر والمقابل لخيارات الحرب الأهلية أو للعنف المتبادل، ولم يكن يدعم أي حل سياسي هدفه الحرص على مقدرات الشعب السوري. وهو الآن يمضي في خطة الإنهاك الشامل والتحطيم المنظم لما بقي من قدرات يمكن ان تشكل ركيزة لنهوض هذه الدولة بالحد الأدنى من دورها وسيادتها ووحدتها.

مدهش وهو يعلن انه لا يريد إسقاط النظام ولا تدمير أسلحته. مدهش وهو يزعم ان الضربة العسكرية تستهدف ردع النظام عن استخدام السلاح الكيماوي. فهل كل هذا الحشد العسكري الغربي لمجرد تأديب النظام على خرقه بعض قواعد اللعبة ومحظوراتها؟ قطعاً لا. هناك هدف جدّي لتقليص جغرافية النظام وديمغرافيته بحيث لا تكون حصته من السلطة والنفوذ عقبة أمام خطة إخضاعه وإخضاع حلفائه لشروط الحل. وأكثر من هذا تجريد سوريا وجيش سوريا لمدى بعيد من سلاح نوعي لم يستخدم ولكنه يمكن ان يستخدم ذات يوم في استعادة قوتها على أي محور أو جبهة. فإذا كان لا بد من تحديد دوافع هذه الحرب وأهدافها، فهي تجاوز النظام الذي لم يعد نظاماً أصلاً، إلى ما تمثله سوريا تاريخياً وما تقوم به اليوم كنقطة جذب وتوازن مهمة في سياسات المشرق العربي.

على هذا المستوى يبقى الشعب السوري هو الخاسر الأكبر في ما بذل من تضحيات وما دفع من أثمان في مواجهة استبداد نظامه وفي ما سيدفعه إضافة لذلك على يد العدوان الغربي الذي لا يحل مشكلة سوريا، و«المسألة السورية» التي صارت أبعد بكثير من ان تنحصر في جانب واحد أو موضوع من مواضيع الصراع. ولعل الموجع أكثر في المشهد كم سنكون مهزومين لأننا لسنا قادرين على كسر الحرب العدوانية الغربية ولأن الكثير من الادّعاءات و«الانتصارات» الوهمية لا زالت تنتظرنا حين نرفع ما بقي من رؤوسنا وأجسادنا من تحت الركام.

السفير

الكيميائي السوري والخط الأحمر الأميركي/ اوكتافيا نصر

اعتبرت روسيا أن “حالا من الهستيريا” تحيط بمسألة استخدام السلاح الكيميائي، لكن الولايات المتحدة وصفته بأنه “خط أحمر”. يجب ألا يُفاجأ أحد بالتدخّل العسكري إذا حصل، وخصوصا روسيا التي وجهت اليها نداءات متكررة لتساعد على إيجاد مخرج للأزمة السورية ولكن من دون جدوى. تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا – وقريباً مزيد من دول حلف شمال الأطلسي – على تعزيز حضورها العسكري والبحري حول سوريا، في ما يمكن اعتباره إنذاراً أخيراً في سلسلة من الرسائل الديبلوماسية والتحذيرات بالتدخّل التي لم تلق استجابة من قبل.

تُطرح علامات استفهام أيضاً حول الخطوة الأميركية المتأخّرة جداً لـ”مساعدة” السوريين في معركتهم ضد النظام الاستبدادي. فغالب الظن أنها ستؤدي إلى النتائج نفسها التي أسفرت عنها التدخّلات الأميركية في أماكن أخرى، وربما أسوأ من ذلك. يكفي أن ننظر إلى العراق والفوضى التي يغرق فيها لندرك ما جنته يدا الولايات المتحدة في ذلك البلد. فالتفجيرات تؤدّي بوتيرة شبه يومية إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وتبلغ أزمة اللاجئين أحجاماً هائلة، كما أن البنى التحتية مدمّرة ويحتاج اعادة بنائها إلى سنوات طويلة، وتشهد البلاد انقساماً مذهبياً لم تعرفه من قبل. ويمكننا أن نعرّج أيضاً على بلدان أخرى تدخّلت فيها الولايات المتحدة، وحيث المشهد ليس أفضل.

في الولايات المتحدة، يستشهدون بكوسوفو عند الحديث عن تدخّل محتمل في سوريا. وهذا خطأ بالتأكيد. ففي حين تكثر أوجه الشبه بين كوسوفو عام 1999 وسوريا اليوم، تستدعي الاختلافات الانتباه إلى حد اكبر، ولا بد من أخذها في الاعتبار.

منطقة الشرق الأوسط في حال غليان على وقع الانقسامات والنزاعات، القديمة والجديدة. والحريق الأحدث مسرحه سوريا حيث يسود انقسام حاد بين مؤيّدي الأسد ونظامه البعثي ومن يرغبون في رحيله.

ويجب التعامل بجدّية شديدة مع الدور الجديد الذي تضطلع به إيران باعتبارها قوة عظمى في المنطقة، واستهزائها بالتأثير الغربي، وموقفها الداعم بقوّة للأسد حتى الآن.

ثم نصل إلى تدخّل “حزب الله” في الحرب السورية إلى جانب الأسد واستعداد عناصره للقتال حتى الموت دفاعاً عنه.

كما أن إسرائيل لن تلزم الصمت اذا تعرّضت حدودها للاعتداء أو مصالحها للتهديد.

أخيراً، تحوّل لبنان منطقة حربية مفتوحة ويمكن أن تنفجر في أي وقت وتتسبّب بأزمة جديدة تضاف إلى الأزمات الأخرى في المنطقة.

وما يمكن أن يبدأ كـ”تدخّل” عسكري في سوريا قد يؤدّي إلى تفجير المنطقة بكاملها على رغم كل الجهود التي تُبذَل للحد من الأضرار، وحتى في إطار أهداف محدّدة جيداً واستراتيجيا محكمة للخروج.

سوف تُظهِر الأيام أن تأخّر أوباما في التحرّك في الشأن السوري أكثر كلفة ودموية من مماطلة كلينتون وتخبّطه قبل التدخّل في كوسوفو. وقد لا يكون في الإمكان تحقيق الفوز إلا بكلفة باهظة جداً. لكن التدخّل في سوريا قد يؤدّي إلى نزاع إقليمي بات من الصعب تفاديه، الأمر الذي يمكن أن يولّد بدوره توازن قوى جديداً ويخطّ مساراً جديداً في المنطقة. من الصعب معرفة ما إذا كان هذا المسار سيحمل الخير أو السوء، ولمصلحة من سيكون. لكن ما نعرفه الآن هو أنه ثبت أن المسار القديم عصيٌّ على الإدارة من الأفرقاء، كما أن الوسطاء لا يستطيعون التحكّم به، والناس لا يتقبّلونه.

النهار

الضربة للأسد استراتيجية ولو كانت.. تكتيكية/ سعد محيو

 ثمة فرضية مثيرة تستدعيها الضربة العسكرية الغربية المتوقعة خلال ساعات للنظام السوري:  الضربة ستكون استراتيجية ومن الطراز الأول، على رغم أنها توصف أميركياً وأوروبياً بأنها تكتيكية ومحدودة ولن تكون أكثر من رسالة تحذير وإنذار إلى الرئيس الأسد.

الأدلة على هذه الفرضية عديدة. لكن بعضها واضح والآخر ضمني، يكمن في ما يُسمى في العلوم العسكرية “المضاعفات غير المقصودة”.

على الصعيد الواضح، يتجلى ذلك في وجود توجًّه قوي لدى القوى الغربية لتوجيه ضربات أيضاً إلى الجماعات الجهادية الأصولية في سورية، والتي تنشط أيضاً في العراق، جنباً إلى جنب مع ضرب النظام. وهذا بالتحديد ما اتضح في مؤشرين إثنين:

الأول، الاجتماع الموسّع الذي عقده القادة العسكريون من دول غربية وشرق أوسطية في عمّان، والذي وضع على رأس جدول أعماله خططاً لإضعاف المنظمات المتطرفة في سورية، في الوقت الذي يتم البحث فيه في المضاعفات المحتملة للضربة العسكرية الغربية ضد سورية على دور الجوار ( العراق، الأردن، تركيا ولبنان).

والثاني، هو التحذير الذي أطلقته مؤسسة دراسات الحرب الأميركية ( ISW) وثيقة الصلة بالبنتاغون، من أن الاكتفاء بتوجيه ما أسمته “ضربة تكتيكية” للنظام السوري من دون استراتيجية واضحة المعالم، ستكون من دون جدوى وقد تؤدي إلى عكس المرجو منها. وهذه الاستراتيجية، برأيها، يجب أن تتضمن إلحاق الهزيمة بكلٍ من المنظمات المسلحة المتطرفة في سورية لصالح المنظمات المعتدلة والعلمانية، وبالنظام في آن. أي، بكلمات أوضح: المطلوب تغيير كل المشهد السوري الراهن قبل التوجه إلى حل على نمط دايتون البلقاني في جنيف-2.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها، سيكونون مضطرين بعد الضربة العسكرية إلى الأخذ برأي مؤسسة دراسات الحرب هذه، كحصيلة موضوعية للعمل العسكري، لأن الغرب لا يستطيع أن  يسمح بتحويل الضعف الذي سيطرأ على النظام بعد الضربة إلى قوة لهذه المنظمات.

ماذا الآن عن المؤشرات الضمنية للبعد الاستراتيجي الكامن في الضربة.

ينبغي هنا القول، أولاً، أنه إذا كان من الصحيح أن النظام السوري لن يسقط بعد هذه الضربة، إلا أنه سيهتز بعنف ليس فقط بسبب الخسائر العسكرية التي سيمنى بها، بل أيضاً لأن الضربة الصاروخية ستغل يد النظام في مجال استخدام أسلحة الدمار الشامل (بما في ذلك صواريخ سكود).

بيد أن الأهم أن الضربة المتوقعة ستدشن نهاية “النأي بالنفس” التي مارسها الرئيس الأميركي أوباما عن الأزمة السورية (وباقي أزمات الشرق الأوسط في الواقع)، على رغم الأهوال الإنسانية الهائلة التي أفرزتها هذه الأزمة. فدخول الحمام السوري، ليس كما الخروج منه، كما يقول المثل الشعبي العربي.

هذا الدخول سيعني اموراً عدة على الجانبين الأميركي والسوري.

فهو سيعني، أولاً، أن سياسة اوباما الخاصة بالاستدارة شرقاً نحو آسيا- المحيط الهاديء والصين، بعيداً عن الشرق الأوسط، ستشهد تعديلات أساسية عليها. إذ لن يكون بمقدور أوباما، حتى ولو أراد، بعد الضربة الجوية- الصاروخية أن يتنصل مما  قد يجري في سورية لاحقاً، بل سيكون لزاماً عليه المتابعة الدقيقة لمحصلات مابعد الضربة، وإلا فأن مخاوف مؤسسة دراسات الحرب الأميركية من النجاح التكتيكي والفشل الاستراتيجي للضربة، ستصبح نبوءة ذاتية التحقق.

علاوة على ذلك، ستؤدي الضربة، كما أشرنا، إلى ضعضفة النظام السوري وتقوية شوكة المنظمات الجهادية، التي باتت تلعب في الآونة الأخيرة الدور الرئيس في العمليات العسكرية. ولذلك، ستجد إدارة أوباما نفسها ملزمة بتقوية المعارضة المعتدلة السورية. وهذا قد يتعزز إلى حد بعيد إذا ماعمدت الولايات المتحدة إلى قصف تجمعات  جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، في خضم توجيه الضربة العقابية للنظام السوري.

أما على الصعيد الداخلي السوري، فيتوقع أن تدخل الأزمة بعد الضربة مرحلة جديدة تتساوى فيها موازين القوى الدولية والإقليمية بين الولايات المتحدة وحليفاتها وبين روسيا وإيران وحليفاتهما، الأمر الذي يجعل من مسألة الحل السياسي الدولي للأزمة احتمالاً وارداً. ناهيك عن أن الضربة ستؤدي إلى التدويل العسكري والدبلوماسي الكامل للأزمة السورية.

هل اتضحت الآن الأبعاد الاستراتيجية في هذه الضربة “التكتيكية”؟

يُفترض ذلك.

المدن

اوباما جديد … بفضل بشار/ الياس حرفوش

اذا كان الرئيس بشار الأسد قد «نجح» في شيء خلال مواجهته القائمة مع شعبه ومع معظم المجتمع الدولي، فهو في الانقلاب الذي أحدثه في نسق تفكير ادارة الرئيس باراك اوباما حيال هذه الأزمة وحيال احتمالات التدخل العسكري فيها.

نحن إذن أمام أوباما جديد لم نتعرف عليه لا خلال الولاية الأولى ولا في السنة الأولى من الولاية الثانية. كان أوباما متردداً في توريط قواته في أي عمل عسكري خارج حدود بلده، وهو الذي جاء إلى البيت الأبيض مع وعد بسحب القوات من المناطق التي تورطت فيها في ظل إدارة جورج بوش، وخصوصاً من العراق وأفغانستان. وحتى قبل أيام معدودة كان أوباما يعيد تأكيد موقفه الحذر هذا في رده على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق. وبكلمات واضحة قال في حديثه الأخير إلى محطة «سي أن أن»: لا تزال الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يتوقع الناس أن يفعل أكثر من مجرد حماية حدوده. لكن هذا لا يعني أن علينا أن نتورط في كل شيء على الفور… يجب أن نفكر بطريقة استراتيجية في ما سيكون في مصلحتنا الوطنية في الأمد الطويل. ومضى اوباما الى القول: «نرى جهات تطالب بعمل فوري، لكن التسرع في أمور قد تكون نتيجتها سيئة سيغرقنا في اوضاع صعبة، ويمكن أن يجرنا إلى تدخلات معقدة جداً ومكلفة ولن تؤدي إلا إلى تأجيج مشاعر الحقد في المنطقة».

ما الذي تغير خلال هذه الأيام القليلة ودفع أوباما إلى اتخاذ قراره بوضع خيار اللجوء إلى القوة على الطاولة لمعاقبة النظام السوري؟

لخّص وزير الدفاع تشاك هاغل في حديثه أمس إلى محطة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أسباب هذا التغيير بالقول إن هناك قناعة تامة وقليلاً من الشك لدى معظم حلفاء الولايات المتحدة في أن النظام السوري خرق أبسط حدود السلوك الإنساني المقبول باستخدامه أسلحة كيماوية ضد شعبه. وأكد الوزير أن أي رد من جانب الولايات المتحدة سيكون بالتفاهم مع المجموعة الدولية وضمن حدود القانون الدولي.

لم يكن ممكناً أمام مناخ دولي من هذا النوع وضغوط بهذا الحجم أن يستمر وقوف الولايات المتحدة موقف المتردد حيال اتخاذ قرار حاسم في مواجهة تفاقم النزاع في سورية ووصوله إلى هذا الحد من العنف، ومن استهتار النظام بأرواح مواطنيه. فلا المسؤوليات الدولية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة ولا الدور الذي يتولاه باراك أوباما كقائد لأكبر قوة عسكرية في العالم تسمح بموقف المتفرج على هذه المأساة المتمادية التي بلغت حداً من الخطر أصبح يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بأسرها.

يتذرع النظام السوري في رده على الائتلاف الدولي الذي يتشكل لمعاقبته بأنه بريء من تهمة الكيماوي. غير أن النظام السوري، مثل أي نظام آخر، هو الذي يتحمل مسؤولية حماية أرواح مواطنيه المدنيين. وإذا لم يستطع القيام بذلك ومنع جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب على أرضه (وبصرف النظر عمّن يرتكب هذه الجرائم)، يصبح من واجب المجتمع الدولي التدخل لوقف هذه الارتكابات، من دون أي اعتبار لمسألة السيادة الداخلية التي أصبح يتذرع بها كثير من الأنظمة المجرمة لحماية «حقها» في ارتكاب المجازر.

هذا هو المبدأ الذي بات متعارفاً على تسميته R2P أو المسؤولية عن الحماية (responsibility to protect)، وهو المبدأ الذي تم إقراره في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 والذي تتحمل الأسرة الدولية بموجبه مسؤولياتها حيال جرائم العنف الجماعي حيثما ارتكبت. فالمجتمع الدولي يقوم على احترام عدد من المبادئ الإنسانية، وفي مقدمها ضرورة توفير الظروف اللازمة لحماية أرواح المدنيين عندما يتم انتهاكها، سواء كان ذلك من جانب الأنظمة التي يفترض أن تحميهم أو من جانب قوى خارجية تعتدي عليهم.

لقد فاقت الارتكابات التي أقدم عليها النظام السوري في مواجهاته مع المعارضة كل مستويات العنف والقتل التي يمكن أن يرتكبها أي نظام. وجاء استخدام الأسلحة الكيماوية في غوطتي دمشق ليبدد كل الأوهام التي كانت ما تزال تراود البعض من أن بشار الأسد لا يمكن أن يفعل ذلك! تكفي مراجعة مسلسل المجازر لتؤكد لنا أنه فعلها وأكثر، فالنظام الذي يفاخر، هو وحلفاؤه، بأنه لا يمانع في إحراق المنطقة من أجل البقاء، لا يتردد أمام إحراق غوطتي دمشق، خصوصاً إذا كانت ستؤدي إلى الحد من أعداد الاطفال الذين سيكبرون في المستقبل ليصبحوا… معارضين.

الحياة

مجزرة أخلاقية… أيضاً/ دلال البزري

في اليوم نفسه الذي أذيع فيه نبأ المجزرة الكيميائية في الغوطة السورية، كانت كتلة “الوفاء للمقاومة”، مندوبة “حزب الله” في البرلمان اللبناني، تجتمع بكامل أعضائها. الموضوع؟ مجزرة الرويس. في افتتاح الإجتماع وقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الرويس، ثم استنكار للمجزرة، فكشف عن فاعليها، من “أجهزة مخابرات دنيئة”، التي تستثمر “الإرهابيين التكفيريين”. لا كلمة عن المجزرة الكيميائية في الغوطة، ولا حتى دمعة تمساح واحدة. كأن الحدث الجلل جرى في كوكب آخر. صمت لافت، مدعاة للسؤال: فاذا كان نظام بشار وبطانيته و”معارضته” الموالية… كلهم ألمحوا، أو غمزوا، أو صرحوا، بأن الذي ارتكبها ليس هو، النظام، إنما الجهات “التكفيرية” نفسها الذي يستقتل “حزب الله” في ضربها، ويتهمها بحسب بيانه، بتفجير الرويس. أي، بمعنى آخر، إذا كان ضحايا المجزرة الكيميائية هم ضحايا الجهات “التكفيرية” نفسها، المتهمة بتفجير الرويس، فلِمَ اذاً السكوت، بل هذا التكتّم على أبرياء قُتلوا بالسلاح “التكفيري”؟ لماذا هذا التخاذل عن الاستثمار الإعلامي في عواطف لا يمكن، في أيّ حال من الأحوال، نكران عمق انسانيتها، قبل إسلاميتها أو عروبيتها أو سوريتها أو لبنانيتها؟

السبب الأول في هذا التخاذل الاخلاقي، يطلقه من الأعماق ردّ الفعل السوري، الموالي خصوصاً، على المجزرة. كأن الموت عنده صارَ كما كان عندنا أيام العزّ في حربنا الأهلية الطويلة: أمر عادي، شائع، مكرّر. الموالون للنظام تشرّبوا فكرة “نسبية” المقتلات، فعلّقوا على مجزرة الغوطة بالتذكير بمجازر ارتكبتها قوات المعارضة. لذلك، فإن العنف يكمل طريقه، ما يتيح للحلفاء الممانعين أن ينزلقوا في زلّة العلاقات العامة هذه.

لكن السلوك هذا لا ينقصه شيء من “الطبيعية” اذا نظرنا اليه من منظار الحزب الإلهي: ان حزنه على ضحايا أيّ عمل عسكري أو أمني، هم من معسكره مذهبي، يشدّ عصب هذا المذهب، فيقوّي تالياً سطوة الحزب على “جمهوره”، وخصوصا أنه، في هذه الاوضاع الدقيقة، حيث يتلقى الحزب الانكشاف تلو الآخر، يحتاج الى تلك الديناميكية التي تبقيه خارج كل سؤال ومحاسبة من قبل هذا الجمهور: ديناميكية الغاء انسانية “الخصم”، تغييبه، وتجميد كل مشاعر، أدنى مشاعر التضامن معه أو مع أهله. الحزب لا يحتاج الى التوسع جماهيرياً، لا يستطيع. حلقة المذهب الضيقة، يحيطها بأسواره العاطفية العالية. ماذا يجلب له التعاطف، أو تشغيل آلة العواطف مع ضحايا مجزرة الكيميائي؟ لا شيء، سوف تحلل شدّة العصبية وتوزيع طاقات الحب على آدمين يسكنون خارج هذه الحلقة.

لم يسلم الكثيرون من تلك الشحنة العاطفية الموجَّهة؛ حتى كتّاب الحزب المحترفون. أحدهم، غطّى “الأزمة” في سوريا، وكان حاضراً على أراضيها يجول بين ركامها وقتلاها المدنيين. لكن تقاريره كانت تقتصر على الخلاف بين السوريين حول الثورة… باسم “حياد مهني” لا يملك أدنى مقوّماته. عندما وقعت جريمة الرويس، تفجّع كما الثكلى، وبالغ في عواطفه إلى حدّ انه سجّل نفسه في قائمة القتلى. فقط في الرويس استيقظت انسانيته، التي صاغها “حزب الله” على امتداد ثلاثة عقود من الزمن.

إن العواطف المذهبية تجفِّف الروح والأخلاق. تعدم الانسانية وتضع أبراجاً من السواد عليها. مثلها مثل الفكر التكفيري أو الشمولي أو الصهيوني، حيث لا عدوّ إلا مقتولاً، أو “فاطساً”.

استلحاق: بعد تفجيرَي طرابلس، الجميع عوّض عن سكوته عن مجزرة بشار الكيماوي، بالمبالغة في التعاطف مع ضحايا التفجيرين. الشاشة الصغيرة كانت هستيرية في لعبة “تضامن كل الطوائف مع كل الضحايا”، الشبيهة بلعبة “الجميع ربح” الفرنسية (جاك مارتان). رافقت الشاشة مقالات مكتوبة عن عواطف مشابهة، ودمعة لمذيعة أخبار، وموسيقى… كلها مثل الرحابنة تقدم لك لبنان الذي لم نعد نحلم به، لم نعد قادرين أن نحلم به…

النهار

في حال حصول التدخّل../ حازم صاغيّة

ربّما أعاد قصف الغوطتين بالسلاح الكيماويّ الاعتبار لتدخّل قد يماثل نموذج كوسوفو وقد يماثل نموذج ليبيا. هذا ما بات يلمح إليه عدد متزايد من السياسيّين والمراقبين الغربيّين كلّ بطريقته.

والحال، وبغضّ النظر عن كلّ تحفّظ، هنا أو هناك، حيال التدخّل، يبقى أنّه اليوم الوسيلة الوحيدة للحدّ من تعفّن المنطقة المتسارع، لا تعفّن سوريّة وحدها.

ففي ظلّ العجز عن الحسم الذي يبديه كلّ من الطرفين المتصارعين، وفي ظلّ التقاطع العريض بين الثورة والحرب الأهليّة السوريّتين وبين الأزمة الإقليميّة، لم يبق في الجعبة إلاّ التدخّل الخارجيّ.

فليس هناك ما هو أسوأ من الوضع الراهن، وممّا قد ينجم عنه، في سوريّة نفسها ولكنْ أيضاً في لبنان والعراق والأردن وربّما تركيّا نفسها.

لكنّ افتراض تغلّب الإدارة الأوباميّة على عجزها وتردّدها وجبنها، ينبغي أن يقابله تغلّب سوريّ، وعربيّ، على العجز والتردّد حيال أمور مصيريّة. فهناك تجارب ينبغي العمل على عدم تكرارها وفاءً لسلف صالح أيديولوجيّ، بحيث لا نعيش ثانية محنة الصدام الناصريّ مع النفوذ الغربيّ في المنطقة بعدما أنقذت الولاياتُ المتّحدة عبدالناصر في 1956 ومهّدت لزعامته العربيّة، ولا نعيش ثانيةً حالة عراقيّة أخرى تتولّى فيها الولايات المتّحدة إطاحة الديكتاتور ثمّ يُهدى العراق إلى الخصم الأوّل للولايات المتّحدة، أي إيران.

بطبيعة الحال ربّما كنّا نطلب الكثير، وهو ما يتّصل بتعقيدات سياسيّة وثقافيّة شتّى. لكنّ حصول التدخّل الذي يهيّئ لإطاحة نظام بشّار الأسد يسمح، ولو مبدئيّاً فحسب، بالرهان على ابتداء مصالحة تاريخيّة بين المشرق العربيّ والغرب في عمومه. وغنيّ عن القول إنّ سوريّة، أقلّه منذ أواسط الخمسينات، كانت الطرف الذي يرسم أجندة ذاك النزاع المتواصل وينفخ في ناره ويعيّن وظائف أطرافه في البلدان المجاورة. فلئن ارتبط النهج المذكور، المتذرّع بفلسطين و «تحريرها»، بتعزيز قبضة الاستبداد في دمشق، وفي هيمنتها على نطاقها الإقليميّ، جاز افتراض العكس في حال سقوط الاستبداد.

وهذا تصوّر يساهم في مكافحة العفن المستشري من زاوية أخرى. فإذا كان الابتلاع الإيرانيّ للعراق قد أنعش الروابط والعلاقات الطائفيّة، لأنّه بذاته تغليب لواحدتها على الأخرى، فإنّ ضرب النفوذ الإيرانيّ في سوريّة قابل لأن يشكّل عنصراً مساعداً في إعادة تمتين الرابطة الوطنيّة. وهذه المهمّة لئن بدت مشروطة بمحاصرة الأطراف الجهاديّة والتكفيريّة، وطمأنة الأقليّة العلويّة وسائر الأقليّات، فإنّ العلاقة الأوثق بالغرب ضمانة نسبيّة لإنجاز هذه المهمّة.

وقد يجوز، بشيء من الرمزيّة، أن نقول إنّ الولايات المتّحدة دعمت الدولة – الأمّة السوريّة حين ضغطت لسحب القوّات السوريّة من لبنان إثر اغتيال رفيق الحريري في 2005. لقد كانت تلك صفعة للمشروع الإمبراطوريّ الذي ينهض على حساب السوريّين واللبنانيّين فيما يستحيل عليه، تعريفاً، التعايش مع مبدأ الدولة – الأمّة. والآن، في حال التدخّل، سيكون ذلك دعماً ثانياً لمشروع الدولة – الأمّة السوريّة تتمثّل رمزيّته في سحب مقاتلي «حزب الله» من سوريّة.

النهار

سيناريوات؟/زيـاد مـاجد

لم يثبت بعد ما إذا كانت الولايات المتّحدة ومعها عدد من الدول الأطلسية (والعربية) في طريقها لتنفيذ ضربة عسكرية في سوريا، للردّ على استخدام النظام السوري الواسع النطاق للأسلحة الكيماوية في قصفه (من مواقع يُقال إنها تتبع اللواء 155) مدن وبلدات غوطتي دمشق الشرقية والغربية.

ولم يتّضح إن ثبت احتمال الردّ حجم العمليات العسكرية وبنك الأهداف الخاص بها.

على أن ما يجري تداوله حتى الآن يشير الى أربعة سيناريوات.

السيناريو الأول، قصف محدود لعدد من المراكز العسكرية ومخازن الأسلحة التابعة لبعض القطاعات في جيش النظام الأسدي المتمركزة في محيط العاصمة دمشق.

السيناريو الثاني، قصف واسع النطاق يطال المطارات وقواعد الصواريخ ومستودعات الذخيرة العائدة لجيش النظام على نحو يعطّل قدرته على مواصلة القصف الجوي والصاروخي المتوسّط والبعيد المدى.

السيناريو الثالث، التمنّع عن القصف والإبقاء على حالة الاستنفار والتهديد لمنع النظام من الاستمرار في مجازره الكيماوية، في مقابل تسريع التحضير لجنيف 2 وفق شروط تختلف عن تلك التي بحثت فيها واشنطن وموسكو في السابق، وتقوم هذه المرة على تأكيد أن لا مكان لعائلة الأسد في أي صيغة انتقالية (لا قبل انتهاء ما يسمّى “ولاية الأسد” عام 2014 ولا بعدها).

السيناريو الرابع، التمنّع عن القصف وتأجيل البحث في جنيف 2 ورفع مستوى دعم المعارضة السورية المسلّحة بما يجعلها تحسم أكثر من معركة في جنوب البلاد وشمالها وشرقها ويمكّنها من التقدّم الجدّي نحو العاصمة دمشق، وبما يجعل بعض ألويتها وتشكيلاتها قوّة لا يُستهان بها إن في مواجهة النظام أو في مواجهة الجماعات المحسوبة على تنظيم القاعدة.

وفق هكذا تصوّرات، يتّضح أن انعطافة حصلت في الموقف الأميركي جعلته أقرب الى مواقف باريس ولندن، ويتّضح كذلك أن البحث في الخيارات يتمّ بمعزل عن صراخ موسكو وطهران. وهذا يشير الى أن واحداً من أسباب التعنّت الروسي كان مردّه تردّد واشنطن وعدم اتفاقها مع أوروبا.

أما أسباب الانعطافة الأميركية (التي لم تصل بعد حدود تبنّي استراتيجية لسوريا – وهذا مأخذ المعارضين الأميركيين للتدخل العسكري) فتبدو كثيرة، من التخوّف من انتشار الاستخفاف بهيبة واشنطن في المنطقة وتحدّي الخطوط الحمراء للرئيس، وصولاً الى عقم نظرية ضرب إيران وحزب الله بالقاعدة واستنزاف الطرفين فوق الأرض السورية، وانتهاءً بالخشية من فوضى عارمة لن يكون بمقدور الإدارة الأميركية هندسة أشكال الخروج منها والتحكّم بما ستفضي إليه.

في أي حال، وبالعودة الى السيناريوات، لا يبدو السيناريوان الأوّل والثالث “أفضل” ما يمكن أن يحصل للسوريّين والسوريات اليوم. فضربة محدودة للنظام قد لا تكون ذات نتائج عسكرية وسياسية مؤثّرة. وقد تؤدّي الى إطاحة احتمالات الردّ “الدولي” الجدّي اللاحقة. كما أن الاكتفاء بالتهديد لن يجدي ولو أن الأسد انصاع لطلب المفتّشين وجمّد لبعض الوقت قصف قواته للغوطتين بمجرّد وصول القطع الحربية الأميركية.

فعدم القيام بشيء يعني السماح للأسد بجس نبض كل فترة لمعرفة حدود البطش الذي يمكن أن يمارسه.

المشكلة أن الاختيار ومفاضلاته غير متاحة أمام السوريين اليوم، وأن التدخّل الخارجي المباشر الذي استهلّته روسيا وإيران قد تواجهه غداً الولايات المتحدة وحلفاؤها من دون أن تُفضي المواجهة بالضرورة الى نهاية المأساة.

وحده إسقاط (رأس) النظام المسؤول عن المأساة المستمرة يمكن أن يسمح بفتح صفحة جديدة (ولو شاقة جداً) في سوريا…

موقع لبنان ناو

نجاح بشار في تغيير أوباما/حازم صاغية

تردّدت أسباب كثيرة في معرض تفسير سياسة أوباما وإحجامها، حتى الآن، عن التدخل في سوريا. أمّا الأسباب التي تتصل بالإدارة الأميركية نفسها، والتي ذهبت الآن أدراج الرياح، فأهمّها التالي:

أولاً، أن أوباما، بل الأوبامية كظاهرة، إنما صعدت في عالم السياسة الأميركية والدولية بوصفها النقيض لسياسة بوش التدخلية. ولهذا سيكون من الصعب على أوباما أن يكرّر السياسة التي انتقدها بحدّة في إدارة سلفه.

ثانياً، أن التجارب التدخلية الكبرى للولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق لم تؤد إلى نتائج إيجابية تعادل أكلافها. ففي أفغانستان نمت وتنمو حركة «طالبان» وأصبحت طرفاً لابد من الحوار معه لبناء بلد مستقر. أما في العراق الذي لا يزال بعيداً جداً عن الاستقرار، فكانت إيران الطرف الذي استفاد قبل أي طرف آخر من الحرب الأميركية التي أطاحت نظامه السابق. وهذه الخلاصة تتغذى على خلفية معروفة في الفكر والحساسيتين الديمقراطيتين في أميركا، حيث تكمن هزيمة فيتنام بوصفها البرهان الذي لا يُدحض على عدم جدوى التدخلات الخارجية.

ثالثاً، أن الأصوليين «الجهاديين» والتكفيريين هم الطرف المؤهل للحلول محل النظام الأسدي القائم في حال سقوطه. والولايات المتحدة بسياسييها وبرأيها العام لن يجدوا ما يثير شهيتهم لدعم عدو وصلت به العداوة إلى ارتكاب جريمة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن.

رابعاً، أن التدخل في سوريا قد يضع الولايات المتحدة في مواجهة مفتوحة إقليمياً مع إيران، ودولياً مع روسيا. ومعروف أن أوباما يتبع في السياسة الخارجية نهجاً يسعى إلى التوافق وتذليل التناقضات من خلال القنوات السياسية والديبلوماسية.

خامساً، أن مصلحة إسرائيل لا تكمن في إطاحة نظام الأسد، إذ أن خصومه قد يكونون أشد منه عداء لها، فضلاً عن أن المعارضة السورية لم تقل شيئاً واضحاً حتى الآن عن مستقبل العلاقات السورية- الإسرائيلية بعد رحيل الأسد. وفي هذه الحال من إجماع الطرفين المتصارعين على العداء لإسرائيل، تكمن مصلحة الأخيرة في خراب سوريا أكثر مما في الانحياز لجهة معينة أو طرح معين.

سادساً، أن الغرب، بما فيه الولايات المتحدة، يمرّ في أسوأ أوضاعه الاقتصادية والمالية منذ أزمة 1929، وهذا لا يشجع على تكبّد المزيد من الإنفاق العسكري. صحيح أن هناك علامات متكاثرة على الانتقال المتعرّج والبطيء إلى التعافي. إلا أن تلك الإشارات لا يزال معظمها هشاً وغير كافٍ للتعويل عليه.

سابعاً، أن الوجهة الأميركية الجديدة، اقتصادياً وبالتالي سياسياً، متجهة نحو آسيا والمحيط الهادئ في ظل تراجع الاهتمام بالشرق الأوسط.

في مقابل هذه الحجج، تقف الحجج الداعمة للتدخل، والتي تغلبت، وأهمها:

أولاً، لا يمكن للغرب، لاسيما بعد ضرب غوطتي دمشق بالسلاح الكيماويّ وقتل نسبة معتبرة من الأطفال، أن يبقى مكتوف اليدين. فالمضيّ في الصمت والإدانة اللفظيّة لا يجعل خطوط أوباما «الحمراء» مهزلة فحسب، بل يجعل كل المزاعم الإنسانية والأخلاقية للحكومات الغربية مهزلة. فإذا جاز انتقاد بوش لأنه تدخل في العراق من دون دليل، فهذا لا يعني رفض التدخل في ظل توفر الدليل، على ما هي الحال في سوريا. وباختصار، فالعزوف عن التدخل يحرم الغربيين تلك المنصة الأخلاقية التي يزعمون الوقوف فوقها والنطق باسمها في شؤون العالم.

ثانياً، تؤول المساهمة في إسقاط النظام السوري إلى ضرب جسر العبور الإيرانيّ إلى المشرق العربيّ. ويجب ألا يغيب عن البال راهناً، وفي معزل عن «الاعتدال» المنسوب إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن إيران هي اليوم العدو الأول للولايات المتحدة وعموم البلدان الغربية

ثالثاً، يوفر التدخل في سوريا مصداقية للولايات المتحدة في سعيها إلى كبح النفوذ الروسي على النطاقين الإقليمي والدولي. إن حاكماً كفلاديمير بوتين لا يفهم إلا لغة الحزم وتوازن القوى الصارم، وكل ظهور بمظهر الضعف أمامه هو قوّة لموسكو تحسم من رصيد واشنطن.

رابعاً، يتأدّى عن التدخل في سوريا وقف وجهة التعفن التي تشق طريقها بهمة ونشاط في عموم الشرق الأوسط. ويستطيع المراقب أن يلاحظ تلك العلاقة الشفافة بين نمو القوى التكفيرية في سوريا وبين سياسة التخلي وإدارة الظهر الغربية. والحال أن حضوراً غربياً كثيفاً يضع حداً للنظام الأسدي هو ما يحاصر الظواهر المماثلة، لا في سوريا فحسب، بل أيضاً في لبنان والأردن والعراق.

خامساً، يترتب على الدور المباشر في سوريا تعزيز لقدرة الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات على التأثير في مستقبل السلام العربي- الإسرائيلي. وإذا كانت واشنطن جادة في تحريك عملية السلام، فإن حضورها، على نحو أو آخر، في سوريا، يقوّي اهتمامها بسلام المنطقة وقدرتها على إحلاله. فإذا أضفنا أن تحولاً كهذا يحاصر «حزب الله» اللبناني ونفوذه، زادت عناصر الرهان على احتمال كهذا.

سادساً، لا يمكن للغرب الأوروبي والأميركي أن يفقد تأثيره طوعياً في منطقة بالغة الحساسية تبعاً لقربها من حقول النفط ومن بعض طرق إمداده. إن سلوكاً انكفائياً كهذا لن يرتب إلا المزيد من التجرؤ على الوضع القائم بما يوسّع بيكار الفوضى التي يستحيل حصرها أو السيطرة عليها.

سابعاً، سيوفر النفوذ الأميركي في سوريا فرصة للتأثير في سائر العلاقات المعقدة بين الجماعات الطائفية والمذهبية والإثنية في منطقة المشرق، خصوصاً مع تفاقم التنازع السني- الشيعي، وتفجّر المشكلة الكردية العابرة للحدود الوطنية، ناهيك عن تزايد التقديرات حول احتمال بناء نظم فيدرالية بديلة أو التوصل إلى رسم خرائط قد تغاير الخرائط الراهنة.

أي رزمة من الحجج ستنتصر في النهاية؟ الجواب عن هذا السؤال بات واضحاً، ومفاد ذلك أنّ بشّار الأسد ونظامه «نجحا» في إحداث تحوّل قد يكون عميقاً داخل الأوباميّة نفسها. وفي الحالات جميعاً سنعيش قريباً أياماً مشوّقة وخطيرة في وقت واحد!

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى