صفحات الناس

ممنوع على السوريين الإنجاب/ يارا نحلة

 

 

 

باتت العنصرية اللبنانية مادّة مشروعة إعلامياً وكوميدياً، خصوصاً في ما يسمى بالبرامج الترفيهية. هذا ما يؤكّده تواتر المواقف العنصرية الفظة في الإسكتشات الفكاهية التي لا تمانع “ترفيه” الشعب اللبناني وإضحاكه عبر السخرية من مآسي الآخر “الغريب” بشكلٍ غير مبطّن بل علني ومتفاخر. وآخر هذه المواقف أغنية من برنامج “قدح وجم” على قناة “الجديد” للمخرج شربل خليل بعنوان “صرنا نحن المغتربين”.

على أنغام موسيقى لبنانية تراثية، تتراقص مقدمة البرنامج ليال ضوّ بشيء من الدلع والميوعة، الى جانب أعضاء فرقة راقصة، يرتدي أعضاؤها بزات ذهبية براقة وكأنهم على حلبة رقصة “ديسكو”، ولا تبارح الإبتسامة أفواههم. هذا التمايل رافقه تململ ضو من وجود اللاجئين السوريين الذين أصبحوا “أكثرية في أرضي اللبنانية”. كما أعربت عن إمتعاضها من كثرة إنجابهم للأطفال، ضاربة مثال جارها السوري الذي دخل مع عروسه “غرفة فيها مجلى وحنفية” حتى صار فيها الغرفة اليوم “دزينة وشوية”.

وهي ليست المرة الأولى التي يظهر فيها خليل عن حقد ذكوري تجاه المرأة السورية بالذات. ففي العام 2016، سخر خليل في أحد إسكتشات “بسمات وطن” من المرأة السورية التي تتدنى “كلفتها” بالمقارنة مع المرأة اللبنانية. ففيه تبكي فتاة لبنانية هجرها حبيبها من أجل فتاتين سوريتين لأنهما “أوفر”.

وليس إنتقاد السوريين على كثرة تناسلهم بالأمر الجديد في لبنان، لكن هذه المرة جاء الإمتعاض في قالبٍ كوميدي ساخر وليس “توعوياً” كما سبق تناوله. ويتخطى الإستياء اللبناني هذا مسألة التكاثر المفرط في زمن الحرب وما يترتّب عليه من أعباء يتحملها النازحون ومضيفوهم، ليطاول حدّ الإنزعاج من فعل ممارسة الجنس نفسه!

ففي مقال نشر قبل سنتين في موقع قناة MTV، تمّ التطرق إلى موضوع الإنجاب السوري بوصفه “جهلاً وإنعدام مسؤولية”. وقد أعربت الكاتبة وقتها عن إندهاشها من رؤية نساء سوريات حوامل، ومن منظر “عائلات مؤلفة من 5 أشخاص تفترش الحدائق العامة أو أرصفة الطرقات، والاولاد يلهون بما تيسّر من عشب أو أحجار”، وهو ما إعتبرته الكاتبة “مشاهد لا يألفها العقل”. لكن اللوم لم يكن فقط على خلفية الإنجاب بل على ممارسة الجنس بعينه، فحمل المقال عنوان “يمارسون الجنس… حيث لا يجرؤ الآخرون!” ولعلامة التعجب هنا أهمية بالغة، إذ عبّرت عما تحمله الكاتبة من دهشة إزاء ممارسة السوريين لحقوقهم الطبيعية.

وفي العام 2016 ايضاً، أطلق المحامي والمحلّل السياسي جوزيف أبو فاضل، من قناة “المنار”، دعوة إلى الحدّ من الإنجاب. وأشار حينها إلى إستيائه من رؤية امرأة حامل “تحمل 7 أطفال على ظهرها”. وبكثيرٍ من السخرية، دعا أبو فاضل إلى توزيع حبوب منع الحمل على السوريين مع الخبز، شارحاً كيفية إستخدام موانع الحمل، معتبراً أن هذا الإنجاب يشكّل خطراً سياسياً على لبنان وليس ديموغرافياً أو إقتصادياً فحسب، وذلك من منطلق أن “99% من هؤلاء الناس (أي الآباء وأجنتهم وأطفالهم) هم ضدّنا في السياسة”.

بإختصار، إن الحق في الإنجاب والتناسل، والذي حفظته الإتفاقيات الدولية وشرائع حقوق الإنسان، هو حقّ مشروع للآخر فقط حين يتوافق معنا في السياسة والأنظمة الاجتماعية. أما السوريون الذين تشهد بلادهم حرباً مستمرة منذ سبعة أعوام، فقد كان الحري بهم أن يجمّدوا حياتهم خلال كلّ هذه الأعوام ريثما تنتهي الحرب السورية. والمثير للدهشة هو أن حاملي هذا الخطاب هم لبنانيون عاشوا حربين على الأقل (لبنانية وإسرائيلية) ولم يمنعهم ذلك يوماً من إنجاب الإطفال بل والإكثار منهم حتى، كما في الكثير من المناطق الريفية في البقاع والجنوب وعكار..

يتناسى اللبنانيون، أثناء إتخاذهم مواقف شوفينية من هذا النوع، شتاتهم المنتشر في الخارج، والذي لا تتطابق عاداته الأسرية وأساليبه الحياتية مع المجتمعات الغربية التي يلجأ إليها. فكثير من اللبنانيين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية حملوا في حقائبهم تقاليدهم وأعرافهم المجتمعية، ومنها كثرة الإنجاب، بالمقارنة مع الأسرة الغربية التي تكتفي بطفلٍ أو إثنين. يتناسى هؤلاء، أثناء إطلاق نكاتهم العنصرية، أنهم نفسهم أضحوكة بالنسبة لشعوبٍ أخرى.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى